خولة السعيد |
15 / 05 / 2021 43 : 08 AM |
رد: الدار اللي هناك -2-
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشيد الميموني
(المشاركة 84064)
(3) [align=justify]
كان التفاتها كافيا ليجعلني أذكر تغير تصرفاتها نحوي .. لكني كنت واقعا تحت تأثير غريب وأنا أنظر إليها في بهائها . وشعرت أنني لن أنعم براحة البال و لن أستمتع بالحفل هذه الليلة . أحسست بأن علي أن أغادر المكان ، وما لبثت أن تصنعت صداعا و طلبت من أبي أن يأذن لي بالذهاب .. طبعا كان الأرنب مهتاجا لقراري لكنه استمهلني لحظات ريثما يحصل على فرصة للعشاء ثانية . وكان لا بد لي أن أسايره . وقبل أن أذهب ، حرصت على أن أذكر أبي برحلتي ، فأجاب ضاحكا :
- لم أنس ذلك .. الطالب علي سيبيت مع أبيه هذه الليلة ، وسنعود سويا بعد الحفل .
عدت إلى المنزل وجسمي ينتفض . ماذا جرى لي ؟ هل هو من أثر رؤيتي للطيفة ؟ هل لأني لم أجرؤ على التقدم إليها لمحادثتها ؟ أم أن ابتسامها لبعض الفتيان ، وخاصة أبناء الموظفين القادمين من بعيد ، وهم يطرون جمالها أغاظني ؟
كنت أصعد مرتفعا والأرنب في أثري ، والصخب يخفت شيئا فشيئا حتى وصلت إلى الشط حيث أشرف على الحفل وقد توهجت أنواره لكثرة المصابيح خاصة الغازية منها . ودعني الأرنب و انصرف تجاه المنبع حيث مسكنه وهو يتفحص ما غنمه من زاد . أما أنا فلم أكن أدري إن كنت لا زلت راغبا في الرحلة أم أنني حدثت والدي بذلك في لحظة انفعال .
وجدت جدتي لا زالت ساهرة و قد اضطجعت بجانب إخوتي الثلاثة .. لا شك أنهم سعدوا بإحدى حكاياتها الجميلة . بادرتني بالسؤال عما جاء بي في هذه الساعة و الحفل لم ينته ، فأجبتها بأني أشعر بصداع .
- هذا أحسن .. ارتح قليلا .. ما هناك سوى الضجيج .
هكذا كانت جدتي .. تؤيدني مهما كان تصرفي .. و لو قلت لها إني سأعود إلى الحفل لقالت لي إذ ذلك أفضل حتى أسري عن نفسي و أمرح مع الأصحاب .
- سأخرج إلى لحديقة قليلا .
- حسنا .. الجو حار .. والجلوس هناك مريح لك .
ابتسمت لجوابها المتوقع ، وخرجت ألتمس أقصى ركن من الحديقة حيث شجرة التين الفارعة . جلست مستندا ظهري إلى جذعها الضخم و نظرت إلى أعلى متأملا النجوم وقد اختلفت أحجامها .. حتى أن بعضها بدا على شكل ضباب . ثم شعرت بالتعب والنعاس يدب إلى جفوني . وحين عاد والداي من الحفل كنت قد نمت ، ولم أفطن لدخولهما ..
قضيت نصف اليوم التالي في تعهد بعض الورود في الحديقة و لم أغادرها حتى نادتني أمي للغذاء وأصرت على أن آكل بما فيه الكفاية حتى تطمئن علي و أنا في رحلتي المقبلة .. وعلى مائدة الغذاء تحدث أبي عن الطالب علي و عن أشياء أخرى لم أنتبه إليها لشرود ذهني و سهومي أثناء الأكل .
انطلقنا بعد العصر بقليل وسلكنا نفس الطريق الذي اتبعناه أنا و أسرتي يوم كنا نرحل عن القرية . فهاجت أشجاني وانهالت الذكريات على مخيلتي و كأنني أعيش من جديدي نفس الأحداث .
حين وصلنا إلى أسفل الجبل الذي يذكرني دائما بصورة غلاف الكتاب المدرسي المقرر باللغة الفرنسية ، لمحت كوكبة من الفتيات قادمات من منبع قريب . كلهن كن بدويات باستثناء لطيفة التي كانت تتقدمهن وهي تلتقط بعض الأزهار .
خفق قلبي بعنف ولم أدر هل يتوجب علي المبادرة بالتحية أم لا . لكني نظرت إليها وأنا أبتسم منتظرا أن تسألني عن وجهتي التي رما كانت تعرفها . لكن شيئا من هذا لم يحدث . بل فوجئت تشيح عني بوجهها وتبتعد مع رفيقاتها وهي تهمهم بكلام لم أفهمه . غير أن قهقهة الفتيات وهن يتبعنها مهرولات أثارت حفيظتي وشككت ، بل أيقنت أني موضوع سخريتهن . هل كن يتندرن بي ؟ ماذا عساهن أن يقلن ؟ هل ذكرت لهن شيئا عني أثار كل هذا الضحك ؟
لم أشعر إلا و أنا أنادي بصوت مرتفع الطالب علي وهو يستريح على صخرة صغيرة :
- هيا بنا سريعا .. فالمكان وسخ و مليء بالحشرات .
ساد الصمت وتوقفت القهقهات ، بينما التفتت إلي لطيفة برهة . تبادلنا النظرات ، ثم ، فجأة ، رأيتها تولي وجهها شطر القرية و تهرول مجهشة بالبكاء .
هل أخطأت و تسرعت بالتعبير عن غضبي وظننت السوء بما همست به لرفيقاتها ؟ كان شعوري مزيجا بالارتياح لما قلته لها وبشيء من تأنيب الضمير . فأخذنا نصعد الجبل وأنا لا ألوي على شيء ، و الطالب علي يسير أمامي حين لا أميز الطريق وتتشعب أمامي عدة مسالك . كان يخطو بثبات وكأنه يحفظ الطريق عن ظهر قلب أو كأنه يراه . وكنت أنظر إلى قمة الجبل وأعيش لحظات الدراسة . نفس الشكل و نفس الجو الذي كنت أعيشه مع النصوص بتوالي الفصول الأربعة وأنا في حجرة الدرس .
وما زلنا نصعد حتى وصلنا إلى القمة حيث ألقيت ، كما فعلت سابقا ، آخر نظرة على المجرى وهي تودع آخر شعاع من الشمس المتوارية شيئا فشيئا وراء الجبل الكبير ، فزاد ذلك من انقباضي رغم جمال المنظر . وسرحت بذهني إلى ما حدث بيني و بين لطيفة فلم أعد أرى الطريق من شدة تأثري . وفي لحظة عثرت بحجر فتمزق حزام حذائي المطاطي . وانتبه الطالب علي إلى تلكئي في المشي فتوقف و قال :
- هل تعبت ؟
- لا ، ولكن حزام حذائي تمزق .
- حسنا ، لنسترح عند تلك الصخرة ، وسوف أصلح لك حذاءك .
التفت حيث أشار ، فوجدت الصخرة كما قال مما زادني تعجبا و اطمئنانا لصحبته وسط هذا المكان القفر . جلسنا و الظلام قد بدأ يغزو الأفق . رأيته يخرج من فتحة جلبابه خيطا و إبرة ثم طلب مني أن أناوله فردة الحذاء . ولم تمض دقائق معدودة حتى كان الحزام قد خيط بإحكام . وسألته :
- هل هذا الطريق يؤدي إلى "قنطرة ربي" ؟
- لا .. لقد تركنا الطريق إليها خلفنا .. ذاك الذي ينحدر إلى اليمين . هل زرت القنطرة يوما ؟
- نعم .. لكني نسيت الطريق إليها . متى سنصل إلى "تزخت" ؟
- بعد قليل .. لاشك أنك متعب .
- لا ، ولكن الليل قد أقبل .
- لا تخف .. أنا أعرف الطريق جيدا .
بالنسبة للبدوي ، فإنه حين يقول لك إنك ستصل بعد قليل فإن ذلك يعني أن عليك المسير أكثر من ساعة ، وحين يشير بيده إلى أن المكان قريب ، فمعناه أن المسافة قد تشمل جبلا أو على الأقل هضبة . هكذا كان شأني مع الطالب علي ونحن لا ننتهي صعود مرتفع أو نزول منحدر حتى تناهى غلى مسامعنا نباح كلب وتراءت لي بعض الأنوار الخافتة المنبعثة من قناديل غازية . وكأن الكلب عرف رائحة صاحبه فأقبل يتشمم قدمه و يتعلق بجلبابه ابتهاجا بمقدمه .
لم أكن أميز شيئا مما يحيط بي و انا أتقدم نحو أحد البيوت ملتصقا بالطالب علي وهو يلج الباب بثبات . ملأت انفي رائحة الماشية وهي تجتر وتخور و تثغو . واستقبلتنا ربة البيت بالترحاب بينما لزم أبناؤها الخمسة الآخرون الصمت وهو ينظرون إلى ابن القبطان بفضول . بل منهم من توارى خلف أمه بعين واحدة في حين اختفى نصف وجهه وراء ملاءتها .
كنت منهكا و أحس بانقباض . ربما بسبب مفارقة أهلي وحلول الظلام الذي زادني وحشة . وقد يكون للأثر الذي خلفه في نفسي ما حدث بيني و بين لطيفة عند الأصيل . لكني سرعان ما استسلمت للنوم فور استلقائي على الفراش غير عابئ بالطالب علي يناديني للعشاء ورائحة الدجاج تملأ خياشيمي . [/align]
|
سبحان الله ! رزق من فقد النظر بصرا قويا بالقلب والإحساس، لي قصة مع أحد أساتذتي كان كذلك، وكنت أستغرب حين أكون معه، يطلب مني أن أرافقه لبعض الأماكن فأفعل، لكنه يحفظها بينما لا أعرفها مطلقا، وإن تركني بها وحدي ضعت، أضف إلى ذلك قصصا أخرى كانت تثير دهشتي ..
وعن قوله بقي وقت قليل للوصول إلى مكان ما فأنا أفعلها إن أتعبت من معي بالمشي، مرة كنت خارج مدينتي بل بعيدة عنها، ومغامرة مني أردت أن أبتعد عن المدينة التي انا فيها لأصل الحدود سيرا على الأقدام، ومن كان معي تعب، وظل يطلب مني العودة وأنا كطفلة أتوسل إليه لمتابعة السير وأشير بيدي إلى المكان الذي أود الوصول إليه مبينة مدى قربه مع أن الآخر يؤكد بعده هيهيهي، أطلب منه أن نتسابق، لكنه فجأة أدار وجهه ناحية مؤشرات الطريق ووجد أننا تجاوزنا المدينة بكيلوميترين فأقسم ألا نمشي إلى الأمام خطوة واحدة..
بالمناسبة كنت قد ذهبت سيرا وحدي ما يقارب 8 كيلومترات دون إزعاج مزعج هيهيهيه، مع أني تلقيت توبيخات ممن وصلهم الخبر مهنئين بالوقت نفسه سلامتي إذ لم يعترض طريقي ذئب أو كلب أو قاطع طريق هيهيهيه
|