![]() |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
[align=justify]طال بي السهر ليلة أمس ولبثت في أعلى شجرتي حتى أحسست بالبرد يسري في أوصالي .. نزلت لألج البيت وأنا أرتعش وأخلدت إلى النوم . لكني تركت النافذه العريضة مشرعة حتى أتملى بالنجوم وفي تتلألأ .. كانت أصوات الصراصير والضفادع لا تزال ترن في أذني وهدير الماء المتفجر من المنبع يشق سكون الليل ..
لم أنم كثيرا .. فسرعان ما لامست جبهتي أشعة الشمس المطلة من وراء الجبل الشاهق .. نهضت بنشاط مترنما لأصعد مباشر إلى المنبع وأبلل وجهي بماء مثلج .. ثم بدأت على الفور بإزالة كل الأغصان اليابسة التي جرفتها الرياح أو السيول في الشتاء الماضي .. كنت أجمع حزمة من هذه الأغصان والأعشاب الجافة وألقيها بعيدا قرب الشلال ثم أعود منتشيا ببزوغ صباح مشمس زاهي .. شعرت في لحظة أنني أكنس وأنظف واشذب بعض الأغصان وكأني أعد المكان لزائر مرتقب أو لنقل بدون مواراة ، لزائرة مرتقبة .. وربما أفلتت مني بعض الكلمات عن غير وعي مني .. "هنا سترتاح عند وصولها .. هنا سأقدم لها الحليب .. ثم تنتقل إلى الصخرة فوق المنبع لأسمع أخبارها .. " من هي هاته التي أترنم بقرب وصولها ؟ حليمة ؟ .. الأخرى التي سبقها ؟ أم أن الغد يخبئ لي مفاجأة غير منتظرة ؟ حتى إعداد الفطور وشهيتي للأكل في أوجها لم يسلم من هذه الهلوسة .. فوضعت فنجانين وقطعتي خبز ساخن جلبته منذ لحظات من عند إحدى العجائز البدويات التي تعيش وحيدة منذ رحيل زوجها وهجر ابنها طلبا للعمل بالخارج .. دخان الفرن يشكل في ذاكرتي صورة حليمة بل ويرسم في الفضاء - كما خيل لي - قامتها بكل التفاصيل .. اقتربت مني عنزة تحدق في بفضول .. مددت يدي نحوها بلطف فتشممت أصابعي بخطمها ثم ولت تبحث عن العشب .. تأملته وداعتها وغبطتها على صفاء ذهنها مما يعتلج فينا نحن البشر من مشاعر متضاربة بين القنوط والأمل واليأس والأمل .. حين اقترب الزوال كان العش قد استرد الكثير من عافيته وبدا لي لأول مرة مبتسما راضيا .. فصعدت إلى الشجرة لآخذ مكاني المعتاد وأجلس للكتابة .. سارحا نظري في الأفق الأزرق البعيد .[/align] |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
صدق يا رشيد أنا مثلك محتارة .. هل تعود حليمة للعش؟
أعتقد أن عودة حليمة ستكون رتيبة بعض الشيء ما رأيك لو تكون هناك زائرة جديدة .. الحياة تتجدد ولا تقف عند حليمة والزائرة الجديدة لا بد أن تخلق جواً بهيجاً .. قد تعود حليمة فيما بعد لكن لنؤخر عودتها قليلاً والأمر يعود لصاحب العش.. وكل ما تقدمه لنا بديع ومبهر .. دمت |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
العزيزة ميساء .. أولا أشكرك على هذا التجاوب مع ما أدرجه في هذا العش ..
لوكان القلم يكتب ما تمليه إرادة الكاتب لاستطعت التحكم في الأحداث واختيار الأنسب منها .. لكنك تعلمين أن ما نكتبه ليس بإرادتنا وإنما تحت تأثير انفعالاتنا وبدون وعي منا .. قد تعود حليمة وقد لا تعود .. قد تعود الأولى من جديد .. من يدري .. لا أدري ما يخبئه هذا القلم .. شكرا لك من جديد ميساء . |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
غريب أمر هذا القلب . أتراه ينسى أم يتناسى ؟ .. أم هو يتحايل علي لكي يغافلني ويفعل ما يحلو له ؟ .. ربما كان كذلك مادام يستغل اضطراب أفكاري وتشتت ذهني رغم شعوري بالاطمئنان وأنا بين أحضان عشي الذي استعاد عافيته وأناقته .. وعاد كما كان متألقا .. شيء واحد لم أفهمه وهو تلك النظرة التي صارت أماكني ترمقني بها وكانه لم تكتف بما أحطتها به من عناية ..
كنت أحس بها تنظر إلي تارة وإلى أعلى الشجرة تارة أخرى فأفهم أن شيئا ما يتعلق بعصفوري الغائب .. لكن ما علاقة ذلك بي ؟ حتى أنا صرت ألاحظ غرابة أطواري .. بدات بكتابة قصائد كلها حب وهيام دون أن أدري لمن وكأنني لازلت أتابع مشهد استقبال تلك المجهولة الآتية يوما ما .. كنت أحادثها في قصائدي وارسم صورة لها .. هذه الصورة التي بدات تتضح يوما عن يوم حتى لكأني حفظتها عن ظهر قلب .. كنت أتغزل بها في أبيات لا تنتهي وخواطر تتقد وجدا وهياما .. وفي كل مرة كنت أحاول تمييز صورتها بدقة وأتساءل إن كانت هي حليمة بصورة أخرى ، يتلاشى الخيال الذي رسمته في مخيلتي ولا يبقى سوى هالة من نور تتماوج أمام عيني .. حتى حفيف الشجر وخرير المياه الذي لا ينتهي من حولي كنت أحسبه وقع خطواتها من وراء الغابة المجاورة .. فأظل أحدق طويلا ونبضي يزداد اضطرابا إلى أن يسدل الليل ستاره فأهبط من أعلى شجرتي وأخلد للنوم .. لكن حدسي كان يقول لي إن شيئا ما سيحدث قريبا .. قريبا جدا .. ولم يخب حدسي . |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
طبيعي يا رشيد أن يحصل اضطراب في المشاعر
فالبحر على عظمته لا يبقى في حالة سكون بل يهدر وأمواجه تتلاطم ولكن بعد أن يهدأ يصبح أجمل لتأخد كل الأمور حدها في الانفعال والاضطراب .. ولا تسكتها .. ولا تغلّب مشاعر على أخرى . سعدت بما قرأت يا رشيد ومتشوقة لما سيأتي .. دمت أيها المبدع . |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
هو ما قلته ميساء ..
والشكر كل الشكر لك على هذا التجاوب الذي يحفزني على لكتابة ويشجعني على الاستمرار .. محبتي وتقديري . |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
[align=justify]استيقظت صباح اليوم على حركة غير عادية بجوار العش .. المنبع زادت مياهه بفعل أمطار لم أحس بهطولها طيلة الليل .. والاشجار تتمايل رغم أن الرياح ليست شديدة .. أشعة الشمس المنبعثة من بين سحب بيضاء ناصعة تجعل الأعشاب وكأنها تتحرك يمينا ويسارا .. حتى صخرتي الجاثمة أعلى النبع كان يخيل إلي أنها تهتز ..
أسرعت صاعدا التلة لأقف على الصخرة وأنظر إلى الأسفل .. بالجوار حيث جارتي العجوز البدوية تعد الفرن لطبغ الخبز كان هناك ما يشي بحضور ضيف جديد .. حركات العجوز وما طال بيتها المتواضع من تغيير جعلني أتأكد من أنه يستقبل زائرا .. حيطان مجيرة وأرض مكنسة بعناية وستائر جديدة تبدو من خلال النوافذ الضيقة المشرفة على النهر المجاور .. لكن ما أثار انتباهي وفضولي هي تلك الرائعة الزكية المنبعثة من هناك .. رائحة تشبه العنبر أو زهر النارنج .. جلست أحدق إلى الباب المورب لعل أحدا يخرج .. شعرت بالتعب بينما العجوز لا تهدأ حركتها الدائبة بين المنزل والفرن .. كنت موزعا بين الرغبة في النزول إلى عشي وبين البقاء أعلى الصخرة وقد اشتد فضولي لمعرفة هذه الزائرة .. أقول الزائرة لأن كل شيء كان يوحي بذلك .. الرائحة .. الستائر .. أناقة البيت ، ثم ذلك الحدس الخفي الذي لم يخب لدي قط .. لمحتني العجوز أتطاول بعنقي فاشارت إلي .. ناولتني خبزا ملتهبا سخونة .. وفي عينيها الصغيرتين ابتسامة مكر .."خذ وضع فيها سمنا أو زبدة ." .. كنت أشكرها وعيناي توغلان في سواد الباب المورب من ورائها ، لكني لم أظفر بشيء .. فكان علي أن أعود أدراجي وأنا أحس بخيبة أمل لم يسبق لها مثيل .. لماذا لم أسأل العجوز ولو على سبيل الدعابة عن سبب هذا التغيير الذي لحق بيتها ؟ جلست تحت شجرتي أدندن ومن حولي ران سكون عميق وكأن أشيائي تشاركني حيرتي وتتطلع مثلي إلى معرفة الزائرة المجهولة .[/align] |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
الصبر يا رشيد
اليوم خبز ساخن وغدا خبر ساخن رائع يا رشيد وسردك ما زال يتدفق نشاطا وحيوية وما زال هذا العش يجذبنا إليه بوركت |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
العش يا ميساء لا يمكنه أن يبقى دافئا إلا بهذا التجاوب الرائع منك والتشجيع الدؤوب الذي ما فتئت تمنحينني إياه ..
أتمنى أن أبقى دائما عند حسن ظنك .. مودتي وتقديري . |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
[align=justify]كان علي أن أنتظر دهرا قبل أن يجود علي أخيرا بلقاء لم أكن أتوقعه .. صدفة كنت أشذب بعض الأغصان المتدلية على حافة نافذتي المشرفة على النبع ، وفي نيتي النزول إليه لتناول فطوري تحت الشجرة الكبيرة التي تظلله طول النهار .. فأنا لاأطيق تناول وجبة من الوجبات بين أربعة حيطان ..
جلست وخرير المياه يملأ الفضاء فيضفي على النفس بهجة .. سرح خيالي مع انسياب الماء إلى أبد مدى حيث الأعشاب المنتصبة في إباء وهي تتلألأ تحت أشعة شمس الصباح الزاهية .. مددت يدي أرتشف بعض الجرعات من ماء النبع الصافي حين تناهت إلي ترنيمة اخترقت خرير المياه .. حسبت أن ما سمعته هو من اثر الخرير المتواصل .. لكن الترنيمة كانت تقترب مني حتى صارت أكثر وضوحا من ناحية المرتفع المطل على النبع حيث الأشجار الكثيفة .. هل تكون بدوية خرجت للحطب ؟ .. لا عجب في ذلك فقد تعودت على مرور الكثيرات في هذا الوقت بل وفي ساعة مبكرة من النهار .. انتظرت أن بيتعد الصوت نحو أعلى الجبل حيث تعود الجميع جمع الحطب أو رعي الماشية .. لكن الترنيمة كانت تخترق الأشجار متجهة صوب النبع .. لا شك أن إحداهن آتية لملء جرتها من الماء . تركز بصري على مسلك لا يرى بسهولة عند الصخرة الجاثمة على النبع حيث انتبهت إلى تحرك بعض الأعشاب لتنفرج عن غادة ملتحفة بملاءة سوداء غطتها من أعلى كتفيها إلى كعبيها .. بينما لف راسها منديل أسود أيضا انفلتت منه خصلة من شعرها الكستنائي لتغطي جزءا من جبينها .. كأنها فوجئت بتواجدي هناك على مقربة من فتحة النبع ولمست حيرة من عينين خضراوين واسعتين .. وكأن حيرتها أصابتني بالعدوى فلم أتحرك من مكاني إلى بعد أن انتبهت إلى التفاتها يمينا وشمالا بحثا عن موضع مناسب ربما لغسل وجهها وأطرافها دون أن تبلل ملاءتها . تحركت من مكاني موليا وجهي شطر البيت مبديا بإشارة من يدي عن اعتذاري فند عنها صوت رخيم :"لا بأس .. هي فقط لحظات وأنصرف .. أعتذر عن الإزعاج." لا أدري ما شدني إلى الأرض وجعلني لا أتزحزح قسد أنملة ، بل وأعود أدراجي إلى زاوية قريبة من النبع لأتابع تأملي لما يحيط بي من خضرة ومياه .. هل الفرصة مواتية لأسألها عمن تكون ومن أين أتيت ؟ ألا يكون هذا الفضول جرأة مبالغا فيها ؟ .. قد تصمت أو تجابهني بكلام لا أطيقه ، وأنا جد حساس من هذه الناحية .. - هل تسكن هنا ؟ لسؤالها وقع جميل على نفسي .. فقد أنقذني من حيرة كانت تمزقني للحظات .. - مؤقتا .. آتي إلى هنا طلبا للراحة والهدوء .. - هل أنت شاعر ؟ - قد لا أعتبر نفسي ذلك لكن قولي إنني أعبر عن مشاعري بمحاولات شعرية .. ضحكت فمادت بي الأرض وقالت : - يا له من تواضع جميل .. فعلا هذه ميزة الشعراء .. - وأنت ؟ - أنا ؟؟ .. ثم صمتت .. لمحت في عينيها نظرة حزن قبل أن تغض بطرفها .. وكان علي أن أنتظر برهة قبل أن اسمعها تتابع متنهدة : - أنا هنا مثلك لأرتاح .. - مم ؟ - من عدة أشياء لا أريد أن اشغلك بها .. كن بخير .. - لكننا لم نتعارف كفاية .. - قد يحصل هذا لاحقا .. تشرفت بالحديث إلى شاعر لطيف . أدخلت خصلتها المنفلتة من تحت منديل الراس ثم انسابت بين الأعشاب تاركة إياي محدقا في ذهول تارة إلى الصخرة حيث كانت تجلس وتارة إلى النبع حيث كانت يديها الناعمتين تعبث بالماء المتطاير .. كيف سأقضي النهار وقد تركتي الغادة أتأجج فضولا لمعرفة سرها وسبر أغوار هذا الغموض الذي يلفها ؟ .. هل أفتعل ذريعة لزيارة العجوز طلبا لشيء ما ؟.. سيبدو هذا غير لائق لأني لم أسمح لنفسي بذلك رغم احتياجي أحيانا .. هرعت إلى شجرتي أتسلقها حتى بدا لي المنزل المجاور بفنائه وفرنه ، بينما اختفى الباب وراء شجرة تين في طور التكوين ..[/align] |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
[align=justify]لبثت في مكاني أنتظر أن تعود الغادة أو يبدو منها ما يشي بوجودها في فناء الدار المجاورة لكن لم تصدر من البيت أية حركة وكأنه خلا من ساكنيه .. نظرت إلى السماء وكأنني أنتبه لأول مرة إلى صفائها المتناغم مع اخضرار أشجار الصفصاف المصطفة على جانب التلة المؤدية للشط وهو الاسم الذي يطلقه الأهالي على شلال يقع في أسفل القرية .
شعرت برغبة ملحة في السباحة وهرعت كالمحموم ، كأنما أريد إطفاء حريق شب بجسدي فجأة .. وألقيت بنفسي في أسفل الشلال وسط غدير تحيط به الأعشاب والأشجار من كل مكان حتى كادت تغطيه في أقصاه حيث صخرة ملساء لا تكاد ترى بفعل مياه الشلال المتدفقة من أعلى .. أنعشني الماء البارد المنهمر علي وشعرت كأن جسدي يستعيد نشاطه وحيويته .. ولذ لي المكوث في الغدير أذرعه من أقصىاه إلى أقصاه وهدير المياه يصم الآذان .. لكن الجوع الذي كان قد بدأ يقرص معدتي وضع حدا لمتعتي بالسباحة .. وبدا لي الطريق طويلا للوصول إلى البيت هناك في الأعلى بجانب المنبع .. فانشغلت بتناول بعض المشمش والتين من بعض الشجار المتناثر هنا وهناك .. عند وصولي ، حملت زادي إلى أعلى الشجرة لأتناوله هناك وعيناي لا تفارقان البيت المجاور .. لا اثر لأحد .. لا حركة ولا دخان فرن ولا حتى نباح كلب أو خوار بقرة .. أين يكونون ؟ هل تكون الغادة قد غارت المنطقة ؟ والعجوز ؟ .. كان يمكن للجو الزاهي الذي يحيط بي والأثر الذي تركته مياه الشلال على جسدي أن يجعلني مستمتعا طول النهار .. لكن شعورا بالانقباض لازمني ونغص علي صفوي فلم أعد أعرف ما يجب فعله للتخلص منه .. نزلت من أعلى الشجرة وسلكت طريق الجبل من جهة المنبع قاصدا كوخ الرعاة متجنبا اللقاء بأي أحد .. لم تكن عندي رغبة في الحديث ، لكني اضطررت للوقوف ورد التحية على طحان البلدة وهو يلقي بكيس قمح ثقيل على صخرة ليستريح موجها إلي حديثا يشبه العتاب : - ألم تذهب لحضور حفل زفاف بنت الشيخ ؟ أم أن حفلاتنا لا تعجبك ؟ - حاشا لله .. أنا فقط لم أكن أعلم بذلك . - إذن .. اذهب فسيبدأ عند العصر . شكرته وقد غمرتني فرحة لم أدر كنهها في البداية .. لكني أدركت في الك اللحظة سبب غياب الفتاة والعجوز عن البيت .. فعدت أدراجي إلى الببيت لأصلح قليلا من شأني وأنطلق إلى أسفل الوادي حيث تعالى وقع الطبول ونغمات الغيطة وامتلأ الجو برائحة البارود المنبعث من البنادق معلنة بداية الحفل .. لم أكن أحب الأعراس وحضور الحفلات .. لكني ذهبت . [/align] |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
ما زالت هناك روح تجول بين حنايا هذه السرديه تبتعد تاره لتشتاق فــ تعود....
مخملية أرخت خمائلها عشقا ودفلا تختال في رفل. محبتي وتقديري لما تكتب... دينا. |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
العزيزة دينا ..
كم أنا مدين لك لتجاوبك الرائع مع هذا العش وتتبعك منذ اول وهلة لمراحله مما أكسبني ثقة ورغبة كبيرة في متابعة كتابة فصوله .. كلمات الشكر لا يمكنها إييفائك حقك من التقدير .. باقة ورد تليق بشخصك الكريم الرائع . مع خالص محبتي |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
[align=justify]احتفاء صاحب الحفل وإحاطة ثلة من حاشيته بي جعلني أحس بالارتباك كعادتي في مثل هذه المواقف .. كنت أتمنى لو لم ترمقني العيون وأنزوي في ركن أشاهد مباهج الحفل وتلقائية البدويين في فرحتهم بعيدا عن أية رسميات .. فالكل مدعو والموائد موزعة هنا وهناك في عفوية . واللغط يتعالى مصاحبا لقهقهات نسوة يمرقن كالبرق أمام الرجال غاضات أطرافهن بينما حديثهن لا يخلو من تلميحات لهذا أوذاك .
هدير الطبول ونغمات الغيطة لم تثر في ذاك الانزعاج الذي أشعر به عند سماع أي ضجيج .. فأنا هنا أعيش بكل جوارحي حفلا بسيطا رغم ما صرف من أجله من أموال وما ذبح من أجله من ثيران . كنت أبتسم وأنا أرى رقصة "البواردية" وهم مجموعة من الرجال المسلحين ببنادق يحملونها تارة على أكتافهم وتارة عند خاصرتهم مشكلين دائرة واسعة ومتتبعين إنشاد رئيسهم قبل أن يطلقوا النار فيتشبع الجو بالغبار ودخان البارود .. فتتعالى الزغاريد والهتافات ، ثم يعود المسلحون من جديد إلى الدوران والإنشاد . كانت عيناي تتابع المشهد تارة وتنظر تارة إلى جهة أخرى من الباحة المخصصة للنساء .. أين تكون الفتاة ؟ وهل ستظهر مع البدويات الأخريات في ذهابهن ورواحهن ، أم أنني سوف أعود خائبا ؟ ويبدو أن لهفتي وتطلعي المستمر إلى المكان المخصص للنساء المدعوات كان أشبه بدعاء صامت سرعان ما تمت الاستجابة له .. إذ رأيت العجوز تخرج من إحدى الحجرات وبجانبها الغادة وقد ارتدت أبهى ما لديها وتزينت إلى أقصى حد .. ولولا العجوز لما تعرفت عليها . إذ تخلت عن ملاءتها ولبست قفطانا أخضر مزركشا بالأسود أبان عن قوام ممشوق كأنما شكلته يد سحرية. وبدا شعرها الأشقر الذي لا أدري لم بدا لي كستنائيا في المنبع ، وكأنه امتداد لبشرتها الناصعة وقد عقصته إلى الوراء فبدت وديعة لا تشبع العين من التحديق إليها . الآن اكتملت صورتها في ذهني بعد أن طبعت على مخيلتي شفتاها وعيناها ونحن في المنبع . جلس إلى جانبي أحد أبناء الشيخ محتفيا بدوره ومقترحا علي خدماته ربما بإيعاز من والده الآمر الناهي . لكني تنبهت إلى زيغان بصره نحو البدويات المارات من أمامي فعلمت أنه إنما اختار رفقتي ليجد مبررا للاقتراب منهن .. لم يعجبني تصرفه واتخاذه لي ذريعة لمآربه ، لكني تحليت بالهدوء وبدأت أفكر جديا في الانصراف رغم أني لم أتعش . وكنت أعلم أنني إن انصرفت بدون عشاء ، سأثير حفيظة الشيخ واجعله حسب اعتقاده سخرية أمام الناس لأن مدعوا انصرف دون أن يتناول طعام العشاء وهذا دليل على إهمال الضيف وعدم الاعتناء به ، وربما يكون كبش الضحية ابنه هذا الذي لم يفتأ يلتفت حيث تتعالى ضحكات الفتيات . لم أعد أتمالك نفسي ، فنهضت وتوجهت إلى الشيخ الواقف بقامته الفارعة وهو ينظر إلى السرادق العريض حيث جلس القائد وخليفته وبعض الموظفين وكأنه يدرس بكل دقة أية خدمة يمكن أن تقدم لهم . حييته من جديد وأخبرته بعزمي على الانصراف بسبب التعب وعدم تعودي على السهر فبدت على وجهه علامات الدهشة والاستنكار .. - والله العظيم لن تذهب .. هذا شرف لنا .. كيف تذهب ؟ .. استرح هناك في الحجرة .. أو إن شئت اذهب إلى مخدع نومي بعيدا عن الضجيج إن رغبت في ذلك . استحييت من هذا الكرم الزائد وابتسمت له شاكرا ترحيبه وحفاوته ثم عدت إلى مكاني . كان ابن الشيخ قد اختفى . في تلك اللحظة رأيت إحدى الصبايا تقترب مني بخجل ثم تتوقف مترددة . نظرت إليها فلمحتها تشير إلي أن أقترب . ثم همست لي بصوت شبه باك : - حبابي فضيلة تسلم عليك وتطلب منك أن تنتظرها لترافقها إلى بيتها عند انصرافك . فضيلة هو اسم العجوز . ومرافقتها في هذا الليل البارد المنعش يعني أنني سأكون برفقة الغادة الحسناء .. شكرا لك أيها الشيخ الزعيم على دعوتك لي وإصرارك على بقائي . وددت لو أبايعك ملكا على قبيلتك ويكون هذا الحفل حفل ولاء لك . استمر الحفل إلى ما قبل منتصف الليل ودعيت إلى مائدة جلس فيها بعض شباب القرية وقد علا البشر محياهم وانطلقوا في دعاباتهم البريئة الخالية من كل كلمة نابية . ثم تفرق الكل وبدأ الاستعداد لحمل العروس على البغل إلى دار العريس ليتابع الحفل هناك . وانطلق الموكب البهيج وقد تغطى وجه العروس كله بملاءتها البيضاء وتناهى إلي نحيبها حين رافقت الموكب إلى ضاحية البلدة . عدت وقد بدا لي المكان شبه خال ، إلا من خدم يرصون المقاعد ويجمعون الزرابي المبثوثة ويرتبون الأواني قبل غسلها . ووجدت فضيلة العجوز عند صخرة بجانب البيت الشاسع وبجانبها رفيقتها وقد أسدلت عليها ملاءة سوداء غطت كل جسدها .. ألقيت عليهما التحية فبادرتني المرأة معتذرة : - سامحني على إزعاجك .. لم أرد تكليف أحد لمرافقتنا لعلمي بقرب مسكنك منا . - بالعكس "للآ" بكل فرح . انصرفنا وبدا لي الطريق الطويل اقصر مما توقعته ، بحيث كنت أشعر في كل لحظة أنني أعيش حلما سينتهي بسرعة .. كنت أتساءل مع نفسي أيمكن أن يكون الليل أجمل وأبهى من هذا ؟ .. كانت العجوز لا تتوقف عن الحديث عن الحفل وطرح الأسئلة . وكنت أجيبها وأنا شبه غائب عن الوعي أنني أحببت الحفل رغم عدم تعودي على تلبية الدعوات .. وأنني شعرت لأول مرة بالراحة والمتعة .. تحدثت طويلا عن استمتاعي وكأنني أحدث تلك التي تمشي بجانب فضيلة بصمت كنت أستشف منه صدى وتجاوبا مع حديثي .. هي أيضا يبدو أنها استمتعت هناك .. ترى ما اسمها ؟ وأين كانت تقيم قبل أن تقدم عند فضيلة ؟ وهل ستبقى أم ستختفي يوما ما ؟ وكأن هذا التساؤل الأخير قد رجني رجا وأيقظني من حلم جميل فعقدت العزم على استدراج العجوز لتخبرني عن كل شيء مع علمي بدهائها وعدم إمكانية خداعها . ترى هل سيحالفني الحظ مرة أخرى وألتقي بالفتاة عند المنبع ؟ الطريق يقترب من نهايته ولم يبق إلا مرتفع بجانب الشلال حيث تكثر الكهوف .. ورغم التعب واللهاث لم تتوقف فضيلة عن الحديث ورأيت أني لا بد أن أجذب الفتاة لحديث ما ولو مقتضب فقلت : - أتمنى أن تكون ضيفتنا قد استمتعت .. كانت تلك فرصة لفضيلة لتستريح من كثرة الكلام وإفساح المجال للأخرى كي تقول شيئا : - شيء رائع لم أعشه من قبل في حياتي .. بدالي كأن الليل بدأ يشدو ويترنم .. لكن شدوه وترنيمته في تلك اللحظة كان لهما وقع مختلف عما كنت أستشفه من قبل وأنا أنطلق في رحلة حلم كل ليلة . كنت أود لو لم تنته من الحديث كما فعلت قريبتها منذ مغادرتنا منزل الشيخ . لكن هاهو الفرن ومن ورائه بيتهما . آن أوان الفراق . أوصلتهما حتى عتبة البيت ونلت من المديح والثناء ما أخجلني فقلت والفتاة تهم بالدخول وراء العجوز : - تصبحان على خير .. - وأنت من أهل الخير .. أعتذر إن كنا حرمناك من مواصلة الحفل هناك في بيت العروس .. - لا أبدا .. أنا فعلا كنت سأغادر قبل انتهاء الحفل في بيت الشيخ . - إذن ليلتك سعيدة وأتمنى لك نوما هنيئا .. - ولك أيضا رغم أني لا أحبذ النوم فورا . - هل ستسهر ؟ - أجل .. هي عادتي كل ليلة .. أحب الجلوس عند المنبع أو على أغصان الشجرة . - في هذا الليل ؟ - أجل .. لم أنت مندهشة ؟ ترددت قليلا ثم قالت : - لا شيء .. أنا أخاف أن أكون وحيدة وسط الغابة ليلا .. أفضل أن أجلس قرب المنبع في الصباح الباكر .. تصبح على خير .. وقبل أن أقول شيئا كانت قد دلفت إلى الداخل بينما لبثت متسمرا في مكاني أتمتم : - مع السلامة .[/align] |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
الرائع الأديب رشيد
وصف رائع ودقيق وشائق شاقني الأسلوب .. جداً وصف لدقائق الأمور والتفاصيل يجعل المتلقي مندهشا مشدودا منبهرا .. للأحداث التي مضت والأحداث الموالية... |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
الغالية د. رجاء ..
كم أشعر بالسعادة وبصمتك تطبع متصفحي وتزيد عشي الدافئ هذا دفئا وألقا .. كوني دوما بالجوار فثناؤك تحفيز لي على المزيد من العطاء . بوركت ولك مودتي وتقديري |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
[align=justify]أتساءل أحيانا إن كان كل ليل يختلف عن غيره رغم أن لا شيء يتغير سواء الزمان أو المكان أو حتى هذا الجو المفعم سكونا . وأتساءل أيضا إن كان للأحاسيس دور في ذلك ، نظرا لما كنت عليه من اضطراب وشرود منذ أيام فقط . فالنبع صار أكثر حيوية وأنا أنط وسطه من صخرة إلى صخرة لأصل إلى ضفته المؤدية إلى عشي الحالم هناك فوق التلة . والنهر لم يكن اقل منه حيوية وعنفوانا . أما الصخرة المطلة على الوادي فكنت أتخيلها وهي جاثمة بكل جبروتها كأم تمد نحوي ذراعيها لتحضنني في حنان . حتى الكهف الذي يوحي بالوحشة والرهبة كان هناك عند أسفل القرية فاغرا فاه كالعادة دهشة من هذا الليل الذي امتلأ ترانيم تنشد في صفاء وحبور .. ترنيمة أحسست معها أن كل شيء من حولي يتابع إيقاعها الجميل بشغف ونشوة بل إن نسيما عليلا هب من ناحية غابة العرعار لتتراقص أغصان شجرتي بهجة بهذا السكون الهادر فرحا .
لكني أعترف أيضا أن ثمة شعورا خفيفا بالانقباض كان يعكر علي صفوي وانتشائي بالليل وأشياء أخرى ظلت قابعة في لا وعيي . كنت أتساءل وفكري شارد نحو ذاك البيت الذي يحتضن تلك الصبية مع العجوز إن كنت إنسانا بدون عواطف ثابتة .. الغادة .. حليمة .. والآن هذه الفتاة التي قلبت فكري وكياني رأسا على عقب .. ما الذي يجري ؟ هل كان ما شعرت به حبا حقيقيا أم فقط نزوات لرجل يجري وراء شهواته ؟ أأكون مجرد زير نساء يقتفي أثر كل من لاحت في الأفق وجذبته بحسنها ؟ .. هل ظلمت الغادة وجنيت على حليمة ؟ وهل ستكون هذه الصبية اليافعة الضحية المقبلة ؟ .. في الحقيقة لم أجد الجواب الشافي لكل أسئلتي لكني أحسست بنوع من الارتياح حين تذكرت كلمة للشيخ العجوز على شاطئ البحر :"أنت نبيل .. وقلبك لا يحمل إلا الخير .. وحين تحب فأنت تحب ببساطة وعفوية .. نفسك تطبعها براءة صبيانية لا تعرف الخداع .. وحبك واحد رغم ما قد يبدو لك عكس ذلك ." "حبي واحد" .. كلمة بقيت عالقة بذهني واستقرت في أعماقي أرددها الآن وأنا أصل إلى العش .. وأجلس مسندا ظهري إلى جذع شجرتي المنتصبة في إباء أستمع إلى خرير المياه عن يساري .. إذن فأنا لم أحب أكثر من واحدة وإن تعددت الصبايا اللواتي عرفتهن .. أتكون ....؟ مستحيل .. صرت أستدني الصبح رغم شغفي بالليل وبما يمنحه لي من فرح .. كانت لهفتي للقاء الفتاة يقوى كلما مرت الدقائق بطيئة .. شعرت بالبرد وقت السحر لكني لم أطق دخول البيت ولبثت ملازما الشجرة متلفعا بغطاء صوفي أضعه دائما هناك للجلوس أو الاستلقاء عليه .. أخذتني سنة وأنا أنظر إلى الأفق الذي بدأ يصحو .. بدا رماديا ، ثم أزرق قبل أن يتشح برداء وردي بهيج . التفت لا إراديا نحو بيت العجوز مترقبا خروجها المعتاد في هذه الساعة لتطعم الدجاج وتهيئ الفرن .. وينتشر الضياء على الروابي فيبدأ الخوار والثغاء والصهيل ليكسب الجو رونقا ، فأشعر بالجوع يقرص معدتي .. فطوري لا يختلف كثيرا عن سابقه .. قهوة وجبن وزيت زيتون مع خبز قمح صلب وبيض مسلوق .. أكلت بشهية وأنا أستعد لما يمكن أن أقوله للفتاة حين تقبل على النبع .. أقلقني تأخرها لكني عذرتها لكون الحفل كان متعبا بالنسبة لبنية جسدها الضعيفة .. الآن أطلت أولى أشعة الشمس من وراء الجبل المقابل للقرية في الطرف الآخر من الوادي .. وكأنما هي رداء أسدلته على المكان فصار يتوهج ألوانا .. وتعالت زقزقة العصافير على غصن شجرتي فبعث ذلك في نفسي إحساسا بنشوة قلما شعرت بها من قبل .. نشوة ممزوجة بأمل لقاء الفتاة والتحدث إليها والإنصات إليها .. سأتملى برؤية عينيها الصافيتين وشعرها الأشقر الذهبي المطلة خصلته فوق جبينها الناصع .. وآخذ زادا لعيني من شفتيها العذبتين .. ليكون ذلك وقودا لخواطري ولكل ما سوف يجود به قلمي من بوح . وأخيرا فتح الباب .. وأطلت عباءة سوداء عرفتها للتو فرقص القلب طربا وتابع مشيتها نحو المنبع وكأنه غادر الصدر مقتفيا أثرها . لا أدري كيف انتقلت من مكاني قرب الشجرة إلى صخرة وسط النبع .. كل ما أعلمه هو أني وجدت نفسي جالسا أترقب اقتراب الصبية التي لم تفاجأ على ما يبدو بحضوري لكنها لم تخف دهشتها من استيقاظي باكرا مع كوني أحب السهر.. - الليل عندي كالصباح الباكر .. أستمتع بكليهما . - هذه روح الشعراء .. يحبون كل ما هو جميل .. غاب وعيي قليلا لسماع صوتها الرخيم قبل أن اتمتم شاردا وأنا أنظر إليها : - فعلا .. أحب كل ما هو جميل .. لكني لست شاعرا .. - بل أنت كذلك .. - يمكن أن أكون ذا روح شاعرية و ... مرت لحظات قبل أن تسال ضاحكة : - وماذا ؟ - لا شيء .. فجأة وجدتني أحدق فيها وأتفحص وجهها البهي وكلمة الشيخ تتردد في أذني بإلحاح "حبك واحد" - لم تنظر إلي هكذا ؟ ولماذا صمتت فجأة ؟ في لحظة ، خيل إلي أن كل شيء قد توحد .. الزمان ، المكان ، الأشخاص .. الغادة وحليمة وهذه الصبية الوديعة .. لم أعد أعرف هذه من تلك .. وتنهال علي الأسئلة من جديد : من أين أتت هذه الفاتنة ؟ وما سر هذا الغموض الذي يكتنفها ؟ .. أتكون هي هؤلاء الثلاث واحدة ؟ .. وهل تخبئ وراء بسمتها الغامضة شيئا من هذه الحقيقة ؟ .. يخيل لي أحيانا أنها آتية من أرض لم يطأها إنسان ، أو أنها من كوكب يعج بالشقر وبذوات العينين الصافيتين كمياه البحر .. ولم لا تكون حورية انبثقت عنها الأمواج لتعود إليها يوما ما ؟ انتفضت محاولا ألا أحرجها بنظراتي وأجبت : - اعذريني .. أنت قلت أنني شاعر وأحب كل ما هو جميل .. وكلما أحببت جمالا سهمت وشرد خيالي .. ضحكت فترددت ضحكتها عبر أرجاء المكان وقالت : - فعلا .. أنت شاعر .. لكن هل حبك للجمال ثابت أم يتغير ؟ - لم أفهم .. كيف يتغير ؟ - امممممم .. لا عليك .. انس الأمر .. كان سؤالا سخيفا .. لكني أعلم أنني لن أنسى الأمر وأنه لم يكن قط سؤالا اعتباطيا . - هل تودين القيام بجولة عبر الحقول ؟ - يسعدني ذلك . مددت لها يدي لأساعدها على تجاوز الصخور المنبثة وسط النبع فأحسست برعشة تسري في أوصالي وبالأرض تميد بي حتى خفت أن نفقد توازننا ونقع .[/align] |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
جميل كالعادة لا يختلف عن الأجزاء السابقه جمالا تكتب بشكل مترابط ومتناغما ما زال لديك ما تقدمه للعش الصور والمشاهد تستطيع أن تكررها الف مرة في صور مغايرة كل مرة وهذا يتطلب حرفيه عاليه في التخيل والابداع الحقيقة نصك احتواني فسرحت معه وأنا أقرأ وكانني أعيش لحظاته بكل أجزائها أنت فعلا بارع في نسج الكلمات المنسابه والمتالفه مودتــــــــــي مع باقات الجوري تحج قاطبة إليك |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
متألق كالعادة أستاذ رشيد متألق في نسج الحروف و نحت لوحات تحكي لنا صور كأنها واقع تعيشه وسط سحر الطبيعة الخلابة و الأحداث المشوقة مع غادتك حليمة. دمت و سلمت أخي |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
اقتباس:
لقد أوليت هذا العش أكثر مما يستحقه وأضفيت عليه الوهج الذي يلازمه كلما دخلته .. شهادتك وسام أعتز به من أديبة مثلك لا يشق لها غبار .. وأعتبر كل حرف قلته في حق عشي نقدا يضاف إلى ما كتبته عنه من قبل . أهديك كل الورود اللائقة بك . مع خالص محبتي وتقديري |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
اقتباس:
أذكر دوما أنك كنت من الأوائل الذين واكبوا حرفي ومنحوه من اهتمامهم وتشجيعهم مما جعل عطائي لا يفتر . ممتن لك على تجاوبك الرائع وأهديك أجمل الياسمين . مع خالص محبتي |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
دعني أولا أتفقّد العش (عشبة عشبة)..ثم أصرّح بما أحسستُ به...شكرا لك أخي وجاري رشيد..(سأمرّ على 23 صفحة التي سبقت) ولي عودة إن شاء الله..
|
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
اقتباس:
الجار الأغلى والأخ الأعز محمد الصالح .. مرورك على العش ونيتك في قراءته من بدايته يعني لي الكثير ويحفزني أكثر لمتابعة كتابة فصوله بكل تلقائية . تشجيعك وتجاوبك يمنحني سعادة ويضفي على عشي ألقا . لك كل محبتي |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
[align=justify]في الناحية الجنوبية من البلدة ، ينحدر النهر موغلا بين الأشجار في خرير ممتع ، ثم تستكين مياهه حين تنتفي الصخور من وسطه قبل أن تصل إلى أعلى الشلال لترتمي إلى الأسفل في هدير يصم الآذان .. وعلى الجانب الأيسر من الشلال تنتصب بناية متداعية الحيطان كانت في ما مضى معسكرا للجنود . وبالقرب منها مدرسة وثكنة العسكرية صغيرة تضم خمسة من أفراد القوات المساعدة الذين يتناوبون على الحراسة وقضاء إجازة بين ذويهم بعيدا عن القرية لإطفاء نار الشوق المتأجج طيلة فترة العمل الرتيبة .
وعلى مقربة من الثكنة بساتين وحقول كانت تصطف على حافتها أشجار التفاح والإجاص قبل أن تمتد الأيادي لاقتلاعها من دون أي سبب .. ومن هناك يشرف الناظر على الوادي والنهر الذي يفصل بين قبيلتين . وتبدو بعض الدور المتناثرة عبر الروابي ومن بينها دار الحفل بسرادقها الذي سيظل هناك لأيام عديدة شاهدا على حفل بهيج .. بالقرب من الشلال سلالم وساحة ضيقة بناها أحد القواد لتكون منتزها صغيرا لمن يريد الاستمتاع بمنظر الوادي والجبال المحيطة بالقرية .. هناك جلسنا في صمت وكأن هدير المياه أخرس لسانينا وعوضنا عن أي حديث .. لكن سرعان ما بدا لي الصمت أطول مما يجب فقلت وأنا أشير في حركة بانورامية : - هذا هو عالمي وهنا بعض أشيائي .. ضحكت وقالت : - أشياؤك ؟ .. ما هي ؟ - هنا النهر .. وهناك إلى الأسفل الكهف .. - جميل .. ثم ماذا ؟ رأيت في عينيها لهفة لمعرفة كل شيء فشعرت بانتشاء يعم جسدي : - المنبع حيث التقينا .. الشجرة .. الغدير .. الكوخ . - الكوخ ؟؟ أي كوخ ؟ - هناك وراء المنبع لا يبدو بسبب ما يحيط به من أشجار ونبات الصبار . - وهل تقضي فيه أيامك ؟ اقصد هل تبيت فيه ؟ - أحيانا .. هو جزء من عشي الدافئ كما اسميه .. مثله مثل أشيائي الأخرى . سهمت قليلا قلل أن تقول في ما يشبه الهمس : - عالم فريد من نوعه حقا .. لكنه جميل .. وهل تعيش فيه وحيدا ؟ - نعم .. أهرع إليه كلما استبد بي الملل . - لكن ، ألا تمل من الوحدة ؟ - أشيائي لا تترك للملل فرصة ثم إن معي ذكرياتي ..وكتاباتي . ضحكت من جديد ثم قالت : - ذكرياتك ؟ .. رائع .. وهل فيها من يلهمك الكتابة ؟ صمتت قليلا وأنا أنظر إليها ثم أردفت محولا بصري إلى الوادي : - لا أعدم أبدا ملهمة لخواطري .. - ملهمة ؟ .. هل هي من تلك الأشياء ؟ ثم أطلقت ضحكة مجلجلة .. - ولم تضحكين ؟ .. - آسفة .. لم أقصد شيئا .. لكن قل لي .. هل ملهمتك معك أم هي طيف خيال ؟ .. أعني في الحلم ؟ - هي كل ذلك .. تغيب حتى أحسبها مجرد حلم .. وفجأة تنهال علي كزخات المطر فأراها عن قرب وتتغشاني فتملأ دنياي .. عاد الصمت من جديد قل أن تقطعه في شبه همس : - شوقتني لمعرفة هذه الملهمة .. لا شك أنها جميلة .. عالمك جميل ويفيض بهاء فلا عجب أن تكون هي كذلك . همسها جعل خيالي يسرح بعيدا في الزمان والمكان .. ينتقل بين الربى والمروج .. يصعد الجبل .. ينحدر إلى الشاطئ .. يلتقي بالغادة والعجوز والمفضل وحليمة قبل أن يعود محملا برذاذ البحر ونسائم السدر والعرعر ويحط بجانبي .. ووجدت نفسي أتأمل الجالسة أمامي بملاءتها السوداء المتناسقة مع بشرتها الناصعة وخصلات شعرها الأشقر الذهبي .. كنت أحس بنفسي غائصا في بحر عينيها الصافيتين .. - مالك تنظر إلي هكذا ؟ .. هل تذكرت شيئا ؟ - ربما .. تذكرينني بعدة أشياء تشابك في مخيلتي فلا أرى سوى وجوها مبهمة يلفها الغموض . - كما قلت لك سابقا – هذه حالة الشعراء – دائما هائمون في أحلامهم .. - وأوهامهم .. أليس كذلك ؟ .. لكن ربما يكون الشاعر أصفى شعورا وأنقى إحساسا من غيره .. أنا لست شاعرا لكني لا أرى الجمال الحقيقي إلا في نظرة شاعر أو في قصيدته .. كل شيء يصير جميلا حين يشكله الشاعر كلمات .. الليل .. الحلم .. الطبيعة .. الحبيبة .. - يااااه .. وتقول لي إنك لست شاعرا ؟؟ ضحكت من جديد ثم قالت بلهجة جادة : - من نبرة صوتك أستشف حزنا عميقا .. هل لذلك من سبب أو ذكرى حزينة ؟ سكتت برهة منشغلا بقطف زهرة من دفلى قريبة مني والتلاعب بعودها بين إبهامي وسبابتي ثم قلت : - الحزن جزء منا .. لا يمكن للإنسان أن يكون إنسانا إن لم يطبع الحزن حياته ولو للحظات . "علمني أن الدمع هو الإنسان أن الإنسان بلا حزن ذكرى إنسان." كنت أستلذ برخامة صوتها لكني لم أكن أدري أن صوتها وهي تترنم بالأغنية بمثل تلك العذوبة .. شعرت في لحظة أن هدير الشلال توقف وأن حفيف الأشجار يصاحب ترنيمتها .. فوجدتني أسألها فجأة : - هل يسكنك الحزن أنت أيضا ؟ - ولم لا ؟ .. ألم تقل أنت إن الحزن جزء من حياتنا ؟ - والحب ؟ .. عفوا .. هو سؤال فضول فقط . سكتت طويلا قبل أن تتنهد وتنظر حواليها وكنها تبحث عن ذريعة لمغادرة المكان .. هل أسأت بتسرعي في وضع السؤال ؟ وهل أكون وضعت بسؤالي أصبعا فوق جرح لم يندمل ؟ - آسف إن تجرأت .. - لا .. بالعكس .. هو سؤال بديهي وكنت أهم بطرحه عليك أنا أيضا .. - الحمد لله .. أنا الآن مطمئن .. أشد ما يؤرقني أن أسيء إلى أحد بقول أو عمل . - هل هي نفسية الشاعر التي تتحدث الآن ؟ - قالت مبتسمة – هذا من لطفك ونبلك .. ثم إن الشاعر أو الأديب لا يجب أن يزعجه الحديث عن الحب ما دام الحب لديه غير مبتذل . - شكرا لك .. نعم عندك حق .. - فإذن ؟ .. - إذن ماذا ؟ - حدثني عن الحب وعنك .. - إذن فأنت تريدين أن أحدثك عن حياتي .. قلت ذلك ضاحكا قبل أن أستطرد : - الحب عندي هو الحياة .. وحياتي كلها حب .. انظري إلى ما يحيط بك .. كل شيء ينطق بالحب .. يشدو بالحب .. - وملهمتك .. ما نصيبها من كل هذا ؟ - أية ملهمة ؟ .. أعني أين هي ؟ وكأنني خفت أن تستشف من حديثي ما يوحي بنزوات أو عشق نزق .. فتابعت : - كما قلت لك .. ملهمتي تغيب وتحضر دونما أي إنذار .. حتى أن غيابها الطويل وحضورها المفاجئ يجعلني أتساءل إن كانت حقيقة هي أم تتبادل الأدوار مع ملهمات أخريات .. - يقولون إن القلب دليل المحب .. ألا يدلك قلبك على أن ملهمتك ؟ - في بعض الأحيان أحار ، لكني أستجمع أفكاري وأسرح في رحلة تأمل وحلم فأصل إلى نتيجة واحدة .. - ؟؟؟؟؟ - أن ملهمتي واحدة تتشكل في كل مرة بهيئة مغايرة .. ولهذا حين تغيب أراها في كل أشيائي .. - ما أجمل هذا .. - ماذا عنك ؟ - أنا ؟؟ شعرت كأن سؤالي لسعها فانتفضت وقد بان الاضطراب على محياها : - أجد الحب شيئا جميلا رغم أنه لم يطرق قلبي بعد .. فهو أرض عذراء لحد الآن .. يااااه .. لقد نسيت نفسي .. علي أن أعود قبل أن تقلق علي خالتي . - خالتك ؟ .. لم أكن أظن أن لجارتي ابنة أخت .. - هي من أقارب أمي وأناديها بخالتي .. - آه طيب .. انتظري لحظة .. قفزت إلى منحدر يؤدي للكهف وغبت بعض الوقت ثم عجت محملا بباقة حوت أعشابا وبعض الأقحوان . - هذه هدية مني عربون شكري لما منحتني من وقتك .. لقد استمتعت حقا .. - ما اجملها .. لكن قل لي صراحة .. هل قدمت مثل هذه إلى غيري ؟ أعني هل هي عادتك في تقديم الهدايا بمثل هذا البهاء ؟ وبقدر ما كان محياها يشي ببراءة السؤال ، بقدر ما كان يحمل تلميحا مستفزا .. - لا .. نادرا ما أهدي شيئا إلا إذا شعرت أني يجب أن افعل ذلك .. - يجب ؟ .. هل هناك ما يلزمك بفعل هذا ؟ - أجل .. مشاعري .. فهي لا تخطئ أبدا نظرت إليها فوجدتها تحدق في بإمعان وقد شاب وجنتيها تورد خفيف .. حاولت أن استشف من عينيها شيئا دون جدوى . وبحثت عن موضوع يبدد الصمت الذي لفنا ونحن نبتعد عن المكان فلم أفلح .. لكني وأنا أودعها على مقربة من البيت عند طرف المنبع استجمعت شجاعتي ومددت يدي مصافحا وأنا أقول متلعثما : - أشكرك من جديد .. أرجو أن تكوني استمتعت مثلي .. لازال هناك الكثير مما يمكن أن تكتشفيه هنا .. - هذا يسعدني .. إن شاء الله .. إن لم أغادر قريبا .. - تغادرين ؟؟ - طبعا – قالت ضاحكة – أتظنني سأسكن هنا ؟ - آه .. لحد الآن لم أسالك ما اسمك ولا من أين أتيت . - وما الفائدة ؟ .. كلنا نأتي ونذهب .. ونحل ونرتحل .. أما عن اسمي فأترك ذلك لمخيلتك الواسعة . - كلامك بدا يحمل شاعرية .. - وكيف لا وقد أصابته عدوى شاعريتك .. شكرا لمرافقتك وهديتك . - العفو .. سأكون رهن إشارتك في أي وقت .. لكن رجاء .. لا ترحلي بسرعة . لمحت شبه ابتسامة على شفتيها وهي تدور على عقبيها متجهة إلى البيت قائلة : - كل شيء بمشيئة الله . لبثت أتابع مشيتها وهي تتهادى قرب الفرن في رشاقة تمايلت معها أغصان الأشجار المحيطة بي ووجدتني أتمتم : - نعم .. كل شيء بمشيئة الله .. حماك الله من كل سوء .[/align] |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
فيض من جمال منثور ... وكأنك تتنفس الطبيعة ..وتلتحف السماء.. نص رائع يقدم نفسه بصيغة عذبة ........... تتلون بألوان الدفلي.. ..وتغني بهمس الغدير... رائع جدا..ومتابعة سردية تحوي حوار متناسق لما قبله من أحداث. وردة من الدفلي اضعها بين يديك.. https://encrypted-tbn3.gstatic.com/i...A9AQA6S75VMUnw مودتـــي.. |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
http://upload.wikimedia.org/wikipedi...ers_leaves.jpg
ويستمرّ الدفء الميموني..وتستمرّ المتعة في عشّه الرشيدي الدّافئ..وتنحتُ من جمال الطبيعة كلّ ما هو أجمل !!! رائع أنتَ أيهذا الجار النّبيل... |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
لا .. لا ... لا اريد الظهور لهذا الموضوع .. جماله وحسن خطابه وألق صاحبه يطغون على كل جمال :)
الغالي العزيز استاذي رشيد .. أحسدك على هذه الصياغات المتناسقة المرهفة والمترفة بالرقي الأسلوب رائع والأحداث مشوقة والحوارات غنية أما الصور فهي منحوتة بإزميل نحات روماني سلمت يداك وسلم الفكر ايها الحبيب |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
قبل أن أرد على تعليقاتكم : الأستاذة الغالية دينا والأخ الغالي محمد الصالح والأخ الحبيب رأفت أود أن أمنح لنفسي فرصة ارتشاف ما سكبتم من حرف في حق عشي ، قطرة قطرة ..
فلكم الحب كله .. |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
اقتباس:
لا أدري كم يلزمني من مفردات حتى أفيك حقك من الشكر والامتنان .. وأعترف أن عشي الدافئ مدين لك بهذا الدفء المتغلغل في أوصاله .. لقد منحتني وعشي أكثر مما نستحقه من تجاوب واهتمام .. فكان لزاما علي أن أعبر لك عن مدى اعتزازي وفخري بما نلته من حظوة . لك من المودة أصدقها ومن الورود أجملها . وهذه زهرة دفلى كما كانت ندية في عشي .. أهديها إياك http://www.akhbaralarab.net/wp-conte.../06/adelfa.jpg |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
اقتباس:
تغمرني سعادة لا توصف وقلمك يواكب حرفي المتواضع محفزا إياي على المزيد من العطاء . فشكرا لك من أعماق القلب . ولك كل المحبة بدون حدود |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
اقتباس:
هل تعلم أن لك بريقا يشع عبر جنبات المنتدى فلا يكاد اسمك يرى حتى يشعر المرء بدفء يتسرب إلى قلبه ؟ هكذا أنت أيها الفلسطيني / اللبناني الرائع .. نحبك ونتمنى تواجدك دوما هنا . شكري وامتناني لتجاوبك مع حرفي . |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
[align=justify]هذا الليل يختلف عن غيره وأنا أذرع الربى والمروج المحيطة بالقرية ثم أعود إلى العش لأجده غافيا وكـأنه استبطأ عودتي لأني غالبا ما كنت أعود بعد كل جولة إلى أحضانه لأسمعه كل ما جرى حتى ولو لم يكن هناك ما يستحق السرد . كنت أحس به يرتعش لدى عودتي ويستمع إلي بلذة تعادل لذتي وأنا أستسلم لحضنه.
كل ما حولي يريد الإنصات إلى ما سأرويه عن لقائي بالغادة الشقراء وعن حديثنا الذي لا يزال أثره يسري في جسدي كالخدر . كنت أسترجع كل لحظة من تلك الجلسة المطلة على الوادي وأبتسم فتبتسم أشيائي من حولي . وأنظرإلى الليل وكأني أستدني الصبح فتنظر أشيائي إليه في ضراعة وكأنها ترجوه في صمت أن ينقضي رغم حبنا له . حتى الليل أحس به يعيش نشوتي ولا يلقي بالا لرغبتي في انتهائه لأنه يعلم أن رغبتي هذه لا علاقة لها بمشاعري نحوه ، ولأنه يعي جيدا أن لهفتي لطلوع الفجر ستليها لهفة أشد للقائه من جديد . فلم أشعر إلا وأنا مستند إلى جذع شجرتي وقد تورد الأفق معلنا عن بزوغ الفجر .. التفت إلى أشيائي فوجدتها تغط في سبات عميق وقد علت محياها ابتسامة عريضة تنم عن رضا تام وأدرك أن سردي الصامت كان له الأثر الطيب في قلوبها المفعمة حبا . أحسست بالبرد لكني لم أدخل البيت . تسلقت الشجرة بخفة وجلست على أحد أغصانها الذي بدأ يتثاءب ، ثم ركزت بصري على جهة الفرن الغافي أيضا ، حيث تراءى لي منزل العجوز الغارق في صمت جميل . كم كانت غبطتي له كبيرة وأنا أراه يحضن أجمل مخلوقة .. لا شك أنها الآن مستسلمة لنوم يعج بالأحلام الجميلة . وربما تخللتها لحظات حزن تشبه تلك التي لمستها منها ونحن جالسان على الشط . حاولت تجاهل الجوع الذي بدأ يقرص معدتي عند بزوغ أول شعاع للشمس وهي تضفي على الكون بهاء وتلونه بكل ألوان الطيف . لكني استسلمت أخيرا ونزلت من أعلى الشجرة كي أعد شيئا أسد به رمقي ثم أعود لتسلق الشجرة مترقبا ظهور الفتاة . كنت أفكر في ما سأعرضه عليها من جولات تثير إعجابها وأماكن جديرة بأن تأخذ بلبها . فإلى الغرب يمتد الطريق في وداعة لا يحس بها إلى العاشق للطبيعة أو الماشية التي تتجه من وإلى المرعى في تكدس يزيد من حميميتها . ثم يتفرع إلى طريقين أحدهما يصعد نحو الجبل والآخر ينزل إلى الوادي حيث القنطرة والغدير الشهير بـ"غدير شامة" حيث لا يزال الأهالي يحكون عن مأساة فتاة تعرضت للاغتصاب .. حكاية زادتها الأساطير تشويقا مع مرور الزمن . عند تجاوز القنطرة ، يوغل الطريق في غابة كثيفة تعج بالخنازير وبعض الذئاب . ويختفي للناظر إليه من بعيد إلى أن يظهر في أعلى الغابة وهو يقترب من مدشر لا يرى منه سوى صومعته .. كان هذا الطريق هدفي لذلك اليوم وكنت متأكدا من أن "دنيا" ستسعد بما أعددته لها .. دنيا هو الاسم الذي اخترته لها بعد أن يئست من اطلاعي عليه .. ربما لأنها كانت تشكل دنياي الوحيدة في تلك اللحظة التي تحدثنا فيها وما تلاها من لحظات حلم جميلة عشتها وأنا مع أشيائي . يطلع النهار ويقترب الضحى ، ولا أثر لدنيا .. شعرت بخيبة أمل تدب إلى نفسي لكني لم أيأس وثابرت على مراقبة البيت من أعلى الشجرة .. لا حركة ولا أثر لوجود كائن .. وكأن البيت مهجور من مدة طويلة. حتى العجوز لم تظهر كعادتها لإشعال النار في الفرن وطبخ الخبز . هل تكون مريضة ودنيا بجانبها تمرضها ؟ .. هل تكونان غادرتا البيت عند أحد معارفها في إحدى القرى المجاورة ؟ شعرت بنوع من الطمأنينة لاستنتاجي الأخير لكن قلقي لم يفتر بل زاد مع مرور الوقت وأحسست بإحباط شديد يغمرني فغفلت عن كل ما كان يثيرني من خضرة الطبيعة اليانعة وزرقة السماء وهدير المياه وزقزقة العصافير وهي تنط في سعادة من حولي . هل كان هذا الغياب مهيأ له أم أنه جاء صدفة ؟ ومتى غادرت المرأتان البيت ؟ .. ربما كان ذلك أثناء تنقلي بين الربى والوديان منتشيا باللقاء الأخير.. أتكون غادرت القرية نهائيا ولم تشأ ان تزعجني بخبر الرحيل ؟ .. كان هذا كافيا لجعلي أدخل في دوامة من الحيرة المشوبة بالكآبة . حان الظهر ثم تلونت الأماكن بصفرة الأصيل والشمس تجري حثيثا لتعتلي قمة الجبل الجاثم فوق القرية لتفسح المجال لمساء بدا لي كئيبا وكأنه كان يتوقع سلفا أن يجدني كذلك أو ربما وصله صدى اكتئابي من أشيائي التي اكتنفها وجوم مفاجئ بمجرد نزولي من الشجرة مترنحا وكأن دوارا أصابني . جلست وأنا أحس بالوهن وكأنني قضيت جل النهار أقوم بأشغال شاقة . أسندت ظهر إلى صخرة ملساء وسط المنبع أجول ببصري عبر الوادي .. اعتراني قنوط مفاجئ ورغبة ملحة في مغادرة عشي . لم أعد أطيق نظرات أشيائي الحزينة رغم إحساسي بحاجتي إليها وإلى دعمها .. لكني في نفس الوقت لم أعد أحتمل الظهور أمامها بمظهر العاجز .. والأدهى من ذلك أن كل أشيائي صارت تتقمص صورة الغادة المختفية .. كل صفرة كنت أرى فيها جدائل شعرها الأشقر .. كل زبد من مياه النهر كان يتمثل لي كبشرتها الناصعة .. كل زرقة كنت أستشف منها لون عينيها .. أدركت أخيرا أنها احتلتني تماما وأن روحها غشيتني فلم أعد أعرف من أنا ولا ماذا افعله .. هل جننت ؟ .. يبدو أن ذلك حصل إن لم يكن حصل بالفعل .. فمنذ أن آذنت الشمس بالمغيب وأنا اذرع الربى والمروج ، وأعتلي الصخور ثم أنحدر إلى الوادي ثم أعود لألقي نظرة أسى ولهفة على بيت العجوز وقد عمه سكون موحش . ها هو الليل يقل من جديد .. ومعه تتكالب علي الكوابيس بعد أن كنت في ما مضى أستدنيه لأعيش أحلامي كما أحب . لم أفكر لحظة في تناول شيء أسد به رمقي .. أي جدوى من الأكل بعد أن سدت شهيتي ولم أعد أفكر في أي شيء سوى ظهور غادتي من جديد ؟ لم أدر كيف داعب النعاس جفوني ولا كيف استسلمت للنوم .. فقد كنت منهكا نفسيا وجسديا .. لكن طبيعتي ولا وعيي المتمسك دوما بخيط واه من الأمل جعلني أتساءل إن كان اختفاء الفتاة متعمدا لسبر أغوار نفسي وقلبي ولمعرفة حقيقة مشاعري .. وأعتقد أن ما آل إليه استنتاجي كان له الفضل في شعوري ببعض الارتياح والاستسلام للنوم .[/align] |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
[align=justify]الرحيل .. هذا ما عزمت على القيام به فورا بعد استيقاظي من نوم عج بالكوابيس .. رأيت نفسي مغادرا للعش وأشيائي محيطة بي تبكي في صمت وأنا أتحاشى النظر إليها ربما خجلا مما نويت فعله أو إخفاء لدموعي التي كنت أغالبها بجهد جهيد .. كانت تتنازعني أحاسيس شتى .. حزن على فراق عشي .. حنق على غياب الفتاة المفاجئ .. حيرة في اختيار الوجهة الجديدة وإن كنت أعرف مسبقا أن بيت الشيخ العجوز على الشاطئ هو هدفي .
الآن وقد نويت على الرحيل أتساءل .. هل سأعود إلى العش من جديد ؟ .. ومتى سيكون ذلك ؟ ومن سيتعهده بالعناية ؟ .. وهل ستعود إليه الغادة أثناء غيابي ؟ .. كيف ستكون ردة فعلها ؟ .. حين وصل تفكيري إلى هذا الحد انتابني تردد وشعرت أنني يمكن أن أفلت فرصة اللقاء مرة أخرى .. لكن من يضمن لي أنها ستعود من جديد ؟ قررت أن أؤجل رحيلي إلى الغداة وبدأت للتو عملية تشذيب الأغصان وكنس الممرات المؤدية للنبع من الأوراق الذابلة ، ثم إعادة بعض الحجارة الصغير التي تساقطت أمام باب البيت الذي كاد يختفي تحت فروع كرمة يانعة .. تفقدت الكرمة بعناية حتى أضمن أنها لن تسقط وأحكمت بعض الأوتاد التي تسندها في أعلى الباب . وأخيرا جلست من جديد مسندا ظهري إلى جذع الشجرة وقد تصبب جسدي عرقا .. وإلى جانبي انتصبت شقيقة نعمان على تلة معشوشبة .. تأملتها قليلا فخيل لي أنها تتأملني بدورها .. مددت يدي برفق أتحسس ساقها ثم لا مست أوراقها الحمراء القانية فسرى في جسدي ما يشبه الخدر . اقتربت منه أكثر وأنا أنبطح على بطني فصارت أقرب إلى شفتي وأنفي .. أخذتني سنة وأنا أحدق فيها فسرح ذهني بعيدا يسترجع ذكريات طواها الزمان .. تبدت لي الزهرة بوجوه عدة .. الغادة .. حليمة .. دنيا .. فوجدتني أهمس : "من أنت أيتها النبتة البهيجة ؟ وما الذي أتى بك إلى هنا وحيدة لا أعرف عنك شيئا ؟ .. هل ستبقين إلى جانبي أم ستختفين من جديد ؟ .. وإن اختفيت فإلى أين تذهبين ومتى ستعودين ؟ .. ألك موعد مع فصول السنة أم أن اختفاءك جزء من نزواتك ؟ .. أأهنئ نفسي على أنك هنا تؤنسين وحدتي بعد أن هجرتني دنياي ؟ أم أرثي نفسي لأن قدري هو أن أعيش وحيدا ؟ .. حط عصفور على جذع يابس بالقرب مني فأعادني إلى وعيي وذكرني بأولى ذكرياتي في العش .. وانتبهت إلى أن شقيقة النعمان ارتعشت بدورها وكأنها استفاقت من سبات عميق .. ابتسمت لها دون أن أغير من وضعيتي حتى لا أخيف العصفور الذي كان ينط من حولي وينقر الأرض بين الفينة والأخرى .. أشعرني العصفور والزهرة القانية بقليل من الهدوء والسكينة وكان هذا كافيا لكي أحس بالجوع يقرص معدتي . انتظرت حتى طار العصفور إلى أعلى الشجرة ونهضت أعد الفطور وأحمله إلى المنبع حيث أنتشي بخرير المياه وعيني لا تفارق التلة الخضراء وقد توسطتها النبتة في وداعة أشعرتني نحوها بالحنو . خطرت لي فكر إطلاق اسم دنيا عليها كما كان الشأن حين أطلقت اسم حليمة على عنزتي ، فزاد ذلك من نشاطي وبدا اليوم أكثر إشراقا .. بل وشعرت أن فكرة الرحيل بدأت تتلاشى . ملأت وعاء بالماء وقصدت التلة كي أسقي الزهرة ، فلم يغب عني طيف بسمتها . "اشربي دنيا وانهلي من ماء زلال سيسري في عروقك لتزيدي نضارة وبهاء . اشربي وقري عينا وارتعي هنا معي . سأكون معك دوما وستكونين جزءا من أشيائي التي ترينها من حولك .. انظري إليها وقد زال الوجوم من محياها .. سنقضي أوقاتا ممتعة هنا في عشي وستشاركنا الفصول الأربعة فرحتنا وسمرنا . سوف لن أدعك تختفين من جديد وسأعمل ما في وسعي كي ترضي وتسعدي .. " كنت أتحدث هامسا وأنا أنظر إلى أشيائي وكأنها تردد أقوالي وقد علا البشر محياها . عجبا ! كيف تغير الحال بهذه السرعة ؟ وهل هو إرهاص جديد بقرب حدوث شيء ما ؟ .. هذا ما تعود عليه حدسي الذي قلما يخطئ .. وبدون أن أشعر التفت إلى جهة بيت المرأة العجوز الغارق في صمت كان إلى عهد غير بعيد أقرب إلى الوحشة . أنهيت سقيي للنبتة ووضعت الوعاء جانبا ثم توجهت إلى الفرن وقد فغر فاه الأسود كأنه يتثاءب .. الكل يستفيق من حولي ويتهيأ لشيء ما .. ثم جلست على عتبة الباب غير مبال بما غمرها من تراب .. تأملت العتبة وأنا أتخيل الخطوات التي لامستها .. أخذت أمرر بسبابتي عليها محدثا خطوطا ونقطا فإذا باسم دنيا يتجلى واضحا .. ضحكت في سري ونظرت إلى ما يحيط بي من أشجار وصخور فبدت لي وكأنها تكتم ضحكتها في خبث . بون شاسع بين هذه الضحكة المتخفية وبين بسمة أشيائي هناك على بعد أمتار قليلة مني حيث تراقبني في سكينة ودعة . في بسمتها حنو وفي نظرتها إلي لهفة للاطمئنان على أن السكينة التي تغمرني ليست آنية . هكذا هي أشيائي . تنام وتفيق على إيقاع نبض حواسي ومشاعري . حتى زهرتي التي انضمت حديثا إليها صارت أليفة وكأنها عايشت الوهلة الأولى لميلاد العش . شقيقة النعمان .. لا أدري وجه الشبه بينها وبين دنيا .. هل تذكرني بحمرة شفتيها العذبتين أم بتورد وجنتيها إلى حد الاحتقان حين اهمس بكلمة عابرة عن الحب . على كل حال أحس أنه سيكون للزهرة شأن كبير وستكون مستودع أسراري رغم أن أشيائي الأخرى لا تقل أهميتها عندي .. في لحظة شعرت بشوق غريب لاحتضان دنيا والهمس لها بأجمل الكلمات . وقبل أن أهم بمغادرة العتبة المغبرة لألتحق بعشي ، لفت نظري ظل ينتصب إلى جانبي متلفعا بملاءة سوداء. كان ظلا لا ثاني له ..[/align] |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
لا أتخيلك أستاذ رشيد إلا وأنت تستريح واوراقك في غابة تجلس تحت ظل أشجار لا حصر لها
وامامك نهر صغير جاري وتغريد العصافير يملأ المكان تارة تحلق مع هذه العصافير وتارة تأخذك أصوات خرير المياه لتنتهي الى نسج أروع قصة دون ان تدرك الوقت باسلوب سلس وشيق في وقت واحد سلمت يداك أتابعك أينما كنت |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
"من أنت أيتها النبتة البهيجة ؟ وما الذي أتى بك إلى هنا وحيدة لا أعرف عنك شيئا ؟ .. هل ستبقين إلى جانبي أم ستختفين من جديد ؟ .. وإن اختفيت فإلى أين تذهبين ومتى ستعودين ؟ .. ألك موعد مع فصول السنة أم أن اختفاءك جزء من نزواتك ؟ .. أأهنئ نفسي على أنك هنا تؤنسين وحدتي بعد أن هجرتني دنياي ؟''
وكأني بك في هذا المقطع '' الأمير الصغير '' يخاطب زهرته على ذلك الكوكب البعيد. سردك كالعادة متناغم مع الطبيعة ويوحي بتقديرك لها ورفقك بالكائنات. تحيتي لك ودمت بكل خير. |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
اقتباس:
هو ما قلته صحيح .. فلا أتخيل نفسي سواء في الواقع أو في الحلم ، إلا وأنا بين أحضان الطبيعة التي يسري عشقها في دمي .. مرورك هذا جعلني أعود بخطى حثيثة إلى عشي لأتفقده .. شكرا من كل قلبي . محبتي . |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
اقتباس:
وأنا أضيف إلى كلامك عن الأمير الصغير حديث "ألفونص ضوضي" في "الشيء الصغير" وهو يحادث أشياءه بالمعمل المهجور قبل أن يغادرها إلى ليون .. لقد سكنني عشق الطبيعة وأنا لا زلت صبيا .. فكان لا بد لي من متنفس حين أبتعد عنها مؤقتا وأجد نفسي في خضم صخب المدينة .. فأحدث خيالي هذا العش ليخزن ما في القلب من أحاسيس وما في الذهن من ذكريات . أشكرك نصيرة على أنك جعلتني أطلق العنان لبوحي هنا . مودتي وورودي . |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
أود أن أسجل جزيل شكري وعظيم امتناني أيضا للأديبة الغالية هدى على ما حظي به عشي الدافئ منها من حفاوة بحيث أدرجت الجزء الأخير منه في مجلة نور الأدب ، وهذا ما يشجعني على المزيد من العطاء ويحفزني لتقصي الأجود من الكتابة حتى أبقى عند حسن ظنها وظن كل من يتجاوب مع حرفي المتواضع ..
ألف شكر أختي الغالية ولك أصدق المودة . |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
إنها الطبيعة التي تأسر وتسحر النفوس ، فتجعلك محلقا مغردا ..
بارعا في الوصف ،،مصورا محترفا .. وقاصا متميزا .. تُجيد الكلمة ، وتُتقن الحوار ، ولا تبخل .. بالبوح دمت مبدعا أخي رشيد ... ودامت لك الطبيعة مصدر .. إبداعك .. ومنبع قلمك .. |
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
اقتباس:
هناك أجد نفسي واشعر بحرية أكبر .. تجاوبك يسعدني ويعطيني شحنة أكبر لكتابة المزيد . شكرا لك من كل قلبي . ودي وورودي . |
الساعة الآن 44 : 08 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية