منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   مدينة د. منذر أبو شعر (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=489)
-   -   رسالة .. اليك (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=22000)

د. منذر أبوشعر 29 / 01 / 2012 49 : 12 PM

رسالة .. اليك
 
شعرت أني افتقدتك . ولأني افتقدتك بكيت !
وحدي في غرفة النزل . يطرق المطر ملحاحا زجاج نافذتي اليتيمة الصدئ . أرتجف . أتدثر بغطائي المهترئ . تنفذ إلى أنفي رائحة لحم متعفن ، وأشعر أن الغرفة تنز رطوبة وصديدا .
أتكور . أنفخ في يدي المتجمدتين . ويتعالى قرع المطر بقسوة بلهاء .
أبعد الغطاء القذر . أضعه حول خاصرتي ، محاولا النوم . لكن صورتك _ أبي _ لا تفارقني ، كأنها والوحدة والليل والهمُ أسداء .
المدينة _ دير الزور_ عتمة ، وغربة، وبرد ، .. ولا أمل !
أتقلب في فراشي . أتذكر ذا القروح وزيادا ,وابا ذؤيب ، فيتشكى السرير من حركتي اللائبة .
أغمض عيني المنهكتين ثانية . أحبس دمعي ، والدمع جمر جذل يتقد . والمطر لا يكف عن الصراخ والعويل .ينهل بغزارة وطيش !
أبي .. أين أنت ؟!
ديرالزور عاصفة ، بل مطر ، بل برد ، بل جنون مستمر . وأصرخ : آه ، لقد تعبت !
ولأول مرة , ربما منذ سنين عدة ، أشعر بمعنى أن يكون لي أب وأسرة وحنان وصلة رحم . ولأعترف ، أيضالأول مرة ، أنني قد جهلتك ، ولأنني جهلتك ، ابتعدت عنك لأعوام خلت .
أبقيتك في دوامة العاصفة ورحلت . وبسخف وضعت آثامي في جعبتك واكتفيت بالنظر الصامت والعتاب بلا كلام !
بل لأقل إنني عققتك ظالما !
فقل لي : هل أنت أيوب ؟ بل هل أيوب جزء منك ؟
كيف صبرت علي ، ولم تحملت قسوتي وجفائي وجفافتربتي ؟ ثم كم آسيت لضياع بذارك في ؟
أخاب حرثك ؟ أبار جهدك ؟ أضاع أملك ؟
إن المستقبل ابن نراه ، وحلم نكوِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِنه في طفلنا ، وبذرة نغرسها في رحم الزمن ، فتنبت ولدا آتيا ، وشوقا تكمله الأيام . لكني كنت لك مستقبل ألم ، وفكرة مشوشة ، وبذرة أنبتت أسئلة وحيرة وفراغا ! بل بذرة ولدت الصمت!
أنت قدمت لي الكثير . شققت بأظفارك الدامية طريقا لاحبا لي ، لكني لم أر من الطريق إلا أحجاره ، ولم أشاهد من سهولته إلا سواد اسفلته . وعندما قدمت لي قلبك الرطب _ ذات مساء _ رفضتُه بحمق غريب !
فهل أعتذر ؟ أحبو على ركبتي وأقبل قدميك ؟ أمرغ جبهتي الصلدة ؟ ألطم وجهي الآسي ؟ أدق رأسي بجدار سميك ؟ أناطح الصخر؟
لقد كان ألمك هادئا . وعيناك تحدثتا بالكثير ، وتمنيتا بصدق لو ضجَ فيَ صخب الحياة وفرحها وتفاؤلها . فتحت لي ذراعيك ، وبذلت وقتك ومالك وساعات بالك ، وانتظرت مني كلمة ، ولم تدر أن الكلمة وأخواتها شلَت مني !
أنا جاحد يا أبي ، جاحد ! وعقابي حيرة ، وجنون ، ومزيد آلام !
فان كنت رمزي ، فأنا أسأت لرمزي وشوَهت معالمه . وان كنت ركني ، فأنا غفلت عن البيت والرزق والرؤية الواضحة والحنان والبيئة الصالحة. فصار عطاؤك منََََا ، وحنانك شوكا داميا ، وقلبك عدم ثقة . فكبرت الهوة بينيوبينك ، وطالت المسافات ، وخلقت بيننا كما الجدر ، فكبر الجفاء .
لقد صار الحنان عادة ، والرحب عادة ، والشك عادة ، فابتعدت عنك كما ابتعدت عن الله ، لأن الله صار عادة !
كنت أتساءل عن معنى الأسرة ، ومفهوم الأبوة ، وديمومة الصفاء .. وكنت أذهب إلى غرفتي وأدفن أسئلتي وحيرتي في كتاب ، ولم أظن أنك كنت تعرف كل ذلك ، وتشير إلي أنني عطش والماء زلال أحمله ! ومجهد والراحة في زاوية نفسي مخبأة !
وكانت عيناي تتساءلان ، وتبحثان ، وتتكلمان.. وكانت عيناك تجيبان وتبكيان وتتكلمان !
ثم مرَ الزمن .. قاسيا مرَ الزمن ! أخذ معه الكثير ، وأعطى منه الكثير ، وغيَر ، وطوَر ، وزاد ، وقلَل .
وأتأوه .. كفى ! كفى ! أريد أن أتغير وأمحو الماضي بطريقة جديدة !
الجو في الخارج لايزال محتدما . أتخيل وقع المطر أصوات استغاثة , والبرد زائرا ثقيلا ، أطفاله يتسلقون الجدر
والسرير والنافذة ، ويلتحم هو مع عظامي ويطرد النوم ! وأنا أريد أن أتثاءب ! أما آن للصبح أن يأتي ؟
أنهض نصف نهوض . يصرخ السرير باستياء . أريح رأسي على عتبة السرير ، فينفذ تيار ثلجي إلى جسمي المتوفز.
أرجع إلى هيئتي الأولى ، فيواصل السرير استياءه !
غدا ، عندما سأرجع إلى دمشق ، لن أعتذر إليك ، لأنني سأعاهد نفسي أن أتغير بصمت كما انقلبت عليك بصمت .. وسأحاول أن تتلمس تبدلي دونما ضجيج ، كما تبدلت عنك دونما ضجيج ! وسألمس منك رضى هادئا ،كما لمست منك عتابا هادئا !
ودون انفعال ، سأنكب على يديك الطاهرتين وأغسل خطأي بدموعي وقبلات ندمي !
لك حبي ياوالدي ، والى لقاء.
28/ 11/ 1987م

فاطمة البشر 31 / 01 / 2012 15 : 02 AM

رد: رسالة .. اليك
 


كلمات تغلغلت عميقا في النفس
كل ما أتمناه ألا أرسل هذه الرسالة لأبي
طرح بمنتهى الروعة "أ. منذر أبو شعر "
دمت بحب وفرح
ودي ووردي

د. منذر أبوشعر 31 / 01 / 2012 59 : 12 PM

رد: رسالة .. اليك
 
الآنسة فاطمة البشر :
كهمس المحب ، وحفيف الشجر ، تأتي الي كلماتك .. وبأناقة ، ودون أن تدري ، أعطيتني قوة أكبر لمزيد تأمل وصبر .
شكرا لك ، ونبقى معا أن شاء الله .

فتيحة عبد الرحمن 13 / 06 / 2012 33 : 12 PM

رد: رسالة .. اليك
 
بكلماتك الجميلة والمؤثرة ذكرتني برسائل عالقة لم تصل بعد الى أصحابها
منهم من فقدتهم ومنهم من صعُبَ عليَ إيصالها اليهم
للرسالة في حياتي وقع خاص ...
لذلك استمتعت برسالتك ولأنها كانت بلغة صادقة وحرف عذب أحسستني أقرأ ما في أعماقي
قد تسمح لي الفرصة وأنشر أنا أيضا رسائلي ... من يدري
لقلبك الجميل وردة بيضاء ولروحك السلام

د. منذر أبوشعر 14 / 06 / 2012 58 : 12 AM

رد: رسالة .. اليك
 
الآنسة فتحية عبد الرحمن :
كلما اتسعت دائرة الرؤيا ، اتسعت الصورة أكثر..
ووقتما تجد صدى صوتك واضحا عند الآخرين ، تشعر بالغبطة وعوالم صادق الفرح .
كل الشكر لك ، ومبهج معك اللقاء ، وبانتظارخاص همس رسائلك .

مازن شما 14 / 06 / 2012 29 : 01 AM

رد: رسالة .. اليك
 
الاخ الغالي منذر أبوشعر
كلمات صادقة من القلب
شعور طيب فيه عهد ووفاء
بوركت ايها الوفي
حفظك الله ورعاك
دمت وسلمت

د. منذر أبوشعر 16 / 06 / 2012 58 : 01 AM

رد: رسالة .. اليك
 
الأستاذ الكبير مازن شما :
معك يلحب الدرب ، ويبسم صادقا الفجر .
وكل الشكر لك ، وبصحبتك تكتمل هناءة جمال اللقاء .

نصيرة تختوخ 16 / 06 / 2012 19 : 09 PM

رد: رسالة .. اليك
 
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]رسالة إنسانية معبرة جدا. أجد فيها ذلك الابن البار المتمرد والمتراجع والمعترف بواجبه نحو والده قناعة.
جميل أنك احتفظت بها كل هذه السنوات لتعرفنا بها ومن يدري قد تفتح عيون آباء على ماقد يبوح به أبناء للورق فقط.
تقديري لك د.منذر.[/align]
[/cell][/table1][/align]

د. منذر أبوشعر 17 / 06 / 2012 04 : 07 PM

رد: رسالة .. اليك
 
الأنسة الودودة نصيرة تختوخ :
وقتما يتحول البوح الى كلمات ، يكبر الأثر ويزداد غنى .
كل الشكر لك ، ونبقى مع طيب اللقاء .

عزة عامر 06 / 07 / 2021 39 : 02 AM

رد: رسالة .. اليك
 
كلمات صادقة تبللت بدمع الحب والعرفان ، وأكثر الناس حنانا ، واحتواءا ، وفهما وإدراكا للحياة هم العائدون من تلك التجارب الجافة والقاسية ، التي قد تتشوش فيها الرؤية لزمن ما ، ومآلها إلى التولي والزوال ، ليحل محلها زمن البر والحكمة والغفران ،، استمتعت بالعودة ، ومتعتي بالعرفان أشد ،حينما شعرت بتلك اليد الحنونة ، التي تزينت بخريطة الزمن ، وهي تستقبل برعشة طيبة قبلة اعتذار أكثر طيبة بانكسارها وعودتها متعطشة لربتة حنان ، وضمة احتواء ، تقول بصمت : أعرف كم تعبت واستوحدت في طريق البعد ، ومسافات الوحشة المتمردة ، وحتى دفيء أحضان العودة .. أؤمن أن النفس لا تنجلي لرؤيتها ، والروح لا تتجلى إلا بغبار التجارب ، وظلمة يأتي بعدها شروق ..


الساعة الآن 56 : 08 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية