![]() |
نافذة على عالم الجنون
[info]هذه السلسلة من نافذة على عالم الجنون غير منقحة يمكن العودة للسلسلة بشكلها النهائي في منتدى الخاطرة وقد تم تجميعها في ستة أجزاء .[/info] نافذة على عالم الجنون لست على حافة الجنون ولا تعتريني نوبة من نوبات الجنون .. إنما هي فكرة مجنونة اجتاحتني قبل أيام .. كانت تختبىء في قلب دوامة عاصفة مرت على رئتيّ وذرت رمادها في عينيّ فلم أعد أرى سوى ذلك الجنون . أعددت لنفسي قهوة الصباح .. كل شيء كان مختلفا ً اليوم .. كان كوباً من الحجم الكبير كي يتسع لجنوني .. كي يحتويه دون أن تتسرب منه قطرة خارج أروقة الفنجان . أخذت أذيب بعضا ً من هذا الجنون في فنجان القهوة وأرتشفه على دفعات ثم أمتطي صهوة النشوة بعد كل رشفة .. نشوة الفكرة التي اجتاحتني في ليلة الأمس . بدأت أطرح جنوني على وسادة أفكاري وأعالجها كما يعالج الطبيب الداء .. أبسط جنوني دفعة واحدة .. أفتشه مليا ًً كمن يبحث عن إبرة في كومة من القش ! داهمتني رياح خفيفة من اليأس .. حاولت أن أقلب الصفحة وأعيد الأقلام إلى مخدعها ثم أخلد للنوم .. لكن فكري بات متيقظاً متأهبا ً لإستقبال شبح الجنون . حاولت أن أغمض له عينيه وأسرد له حكايا قبل النوم .. أن أمارس عليه دور الوصي .. لكنه تمرد عليّ وأشاح ببصره عن تلك الحكايات الهالكة وأخذ يركض نحو نافذ الجنون فصحوت من نومي لأجدني قد غفوت على جنوني . يتبع |
رد: بوح خريفي
( سِفر الجنون ) طالما أن الأمر هكذا .. وأن رياح الجنون بدأت تعتري مخيلتي فكان لا بد من فتح سِفر الجنون . لم أشأ أن أمضي قدما ً في جنوني على غير هدى .. كان لا بد من القراءة والتمحيص والتنقيب بين السطور وما وراء الحروف حتى يكون لجنوني مذاق وطعم متميز وليس مجرد جنون عادي كالذي يعتري البعض فيجدون أنفسهم قد نصبوا مجانينا ً دون أن يعوا كيف ولماذا ؟ أردت لجنوني طقوسا ً غريبة بعض الشيء .. فريدة في نوعها .. مميزة في عرضها .. لم أشأ أن تكون مجرد حركات بهلوانية على إيقاعات غير مفهومة وأنغام شاذة لا تسمن ولا تغني من جوع . هو الجنون نعم .. لكن ليس كأي جنون .. هو جنون ألوانه أشبه بألوان الفرح .. لا تحتوي في طياتها أو بين ثناياها الألوان الداكنة .. لا يدخل اللون الأسود في مكوناتها .. ألوانها أرجوانية كألوان الطفولة حين كنا نرسمها في دفتر الرسم .. أحمر .. أصفر .. برتقالي . كذلك خطوطه .. أريدها خطوطا ً متعرجة .. الخطوط المستقيمة هي خطوط العقلاء فقط .. خاصة تلك التي تنتهي بزاوية ثم تجد نفسك منحشرا ً فيها إلى يوم البعث .. أنا لا أريد زوايا ولا خطوط مستقيمة إنما خطوط متعرجة طويلة ليس لها نهاية حتى لا نختلف جميعنا على النهاية ونتسابق في الوصول اليها .. نؤذي بعضنا .. نطعن انفسنا .. نطعن الغير وقد نصفي بعضنا حتى نصل تلك النهاية الهالكة قبل الآخرين . الحروف في سفر الجنون ليس لها أبجدية تتكون من ثمانية وعشرين حرفا ً فقط بل تحتمل الكثير من الحروف المساعدة والمؤازرة والمساندة والمرافقة والمعاضدة.. حروف جديدة .. جميلة .. زاهية لها حنجرة تغرد مع عصافير الصباح وأنفاس تنطلق مع النحل في رحلته الدؤوبة للبحث عن ينابيع العسل .. حروف سفر الجنون حيّة منتعشة لا تعاني من أزمات قلبية حادة ولا إرهاصات فكرية .. ليست حروف خاملة تموت مع الوقت فلا يبقى منها إلا الجثث الهامدة التي انتزعت منها الروح منذ أمد بعيد . يتبع |
رد: بوح خريفي
( شبح الجنون ) أيتها الغافية على بابي .. أيتها الغافية على باب الجنون .. تفضلي بالدخول .. إخلعي نعليك وتقدمي كما أنت حافية القدمين .. جففي من عينيك قطرات الدموع .. امسحي ما تبقى من أثار الكحل المرسوم .. انثري خصلات شعرك عناقيد الفل على أكتاف الربيع .. في مملكة الجنون هنا نساؤنا لا يتطيبن .. رائحتهن هي رائحة الورد والفل والياسمين .. لا تلون الأصباغ وجناتهن الغضة ولا شفاههن المكتنزة ولا زهرالخدود . أنا كنت فيما مضى عصفورة .. عصفورة الشجن .. ثم عصفورة الألم .. ثم عصفورة الحزن والآن أنا عصفورة البكاء .. أريد أن أصبح عصفورة الفرح .. عصفورة الضحك .. عصفورة الأمل . وما الذي يبكي عصفورة الشجن ؟ ضاق صدري بالهواء الملوث في مدينة العقلاء .. رئتايّ الصغيرتان لم تعودا تقويان على استنشاق هوائهم العكر .. هناك امتزج الخير بالشر فأصبحا جسما ًواحدا ً له وجهان ولكنهما متشابهان يصعب عليك ان تميز الخير من الشر من بينهما . وماذا بعد يا عصفورتي ؟ في مدينة العقلاء ترتدي الثعالب أثواب الحملان الناصعة البياض .. والأفاعي خرجت من أوكارها وانتشرت تسرح وتمرح وتلعب وتلدغ ولا تختبىء . وماذا أيضا ً؟ قتلوا الحب في مدينة العقلاء .. رأيتهم بأم عيني يقتلون الحب .. وجوه غريبة ناعمة الملمس تندس في جيوب الحب فتمزقها وتطعنها حتى ترديها قتلى .. رأيتهم يلقون بمشاعرهم على أكتاف آخرين .. يثقلون عليهم .. يريدون منهم أن يرتدوا هذه المشاعر كعباءة فوق ظهورهم .. وعندما تثقل كاهلهم عباءة المشاعر المفروضة عليهم يلقونها جانباً فقط كي يلتقطوا أنفاسهم .. لكنهم سرعان ما تباغتهم طلقات الرصاص .. طلقات الغدر المباغتة . هي ضريبة الحب في أسواق بورصة الحب العالمية . ويفر الجناة إلى حَمل آخر وتستمر اللعبة ويستمر تساقط القتلى. أهذا هو الحب يا شبح الجنون ؟ أين ذهب الحب العذري وشفافيته وطهارته ونقاؤه ؟ أم أن هذا هو حب القرن الواحد والعشرون ؟ ضاق صدري من هوائهم الملوث العكر وتعبت عيناي من مشاهدة الزيف والخداع . حبهم مؤامرات .. اتفاقاتهم خيانات .. همسهم فحيح أفاعي .. تعبت يا شبح الجنون ولا أريد العودة لمدينة العقلاء . تريثي يا صغيرتي وأخلدي للنوم الآن .. في الصباح يحلو لنا الكلام . يتبع |
رد: بوح خريفي
( شبح الجنون ..2 ) هل افقت يا صغيرتي ؟ أما زال الحزن عامرا ً في قلب عصفورة الشجن ؟ أما زالت تلك الرياح الخبيثة تقض مضجعك يا عصفورتي ؟ ** لا أعلم يا شبحي .. ولكني في ليلة الأمس تقلبت جدا ً في فراشي .. كانت أفكاري نشطة جدا ً .. لم يكن يداعب جفونها النعاس .. ربما كانت قلقة دون أن أدري ؟ ما الذي يقلق أفكار عصفورة الشجن ويسرق النوم من جفنيها ؟ ** الكثير .. الكثير يا شبحي . أما زلت مصرة على مغادرة مدينة العقلاء ؟ ** نعم .. سأغادرها معك إلى عالمك أنت .. عالم الجنون .. هذا العالم لم يعد لي مكان فيه . هذا العالم مكتظ .. وأنا تخنقني المساحات المزدحمة .. أرغب في الإبحار .. لا أعلم إن كانت مركبي الصغيرة تقوى على الإبحار ودرء مخاطر البحر .. لكن ليس أمامي أي خيار . تريثي يا عصفورتي فليست كل المراكب قادرة على الإبحار .. والبحر عصفورة مثلك قد لا تقوى على مصارعة أمواجه وعلى تقلباته ومزاجه الرديء في بعض الأحيان . **لكن مزاجه بتقلباته ورداءته ليس كسوء أمزجة البشر .. أمزجة البشر أصبحت أعتى من أمواج البحر .. تخالها في لحظة نسمات عليل تداعب وجنتيك في صباح حالم ثم تتكدر فجأة .. تزبد وترغي وتقلب الأمور رأسا على عقب .. عندها لن تستطيع فعل أي شيء سوى الانتظار ! ما أقسى الانتظار يا شبحي حين تكون بأمس الحاجة إليهم وهم مكبلون بأمزجة لا يستطيعون التحرر منها وأنت على لائحة الانتظار .. اليوم ..غدا .. ربما في الغد البعيد ! الصبر .. الصبر يا عصفورة الشجن .. وانتحلي لهم الأعذار .. قلوبهم طيبة جدا ً فلا تقسي عليهم .. هذه الأفكار أي شيء يعكرها فانتظريها حتى تصفو . ليست أفكارهم فقط غير الصافية إنما قلوبهم يا شبحي .. قلوبهم لم تعد صافية استسلموا لرياح الحقد وزرعوها جبالا ً في قلوبهم ولم تستطع أناملي الغضة حفر لو نفق بسيط فيها أتسلل من خلاله لأداعب لواعج قلوبهم كما كنت أفعل سابقا ً على ماذا أختلفتم حتى أفسحت قلوبهم لهذه المساحة من الحقد أن تستقر هناك ؟ لم يكن اختلافا ً أو حتى خلافا ً .. دعني أبوح لك بما يثقل كاهلي .. أحببتهم جدا ً ولكني دفعت ثمن حبهم غالٍ جدا ً .. لم يكن يهمني في البدء .. ولكني اكتشفت فيما بعد أنهم لا يستحقون .. أنهم لا يستحقون الثمن الذي دفعته .. ولا حتى ربعه .. ولا حتى عشره . وماذا كان الثمن ؟ كان قلبي يا شبحي .. تنازلت لهم عن قلبي .. عن أملي .. عن حلمي .. تنازلت لهم عن حياتي حتى أبقى معهم لكنهم لم يقدروا .. أداروا ظهورهم لي بعد أن قذفوا لي بقلبي الممزق .. لم يعد ينفعهم .. عثروا على قلب جديد هل عاتبتهم ؟ هل أشعرتهم بفداحة ما عملوا ؟ لا أعلم جيدا ً إن فهموا عتابي لهم ؟ كل ما أعلمه أن الدنيا بأعينهم أصبحت غير هم الآن سكارى .. يغرقون في نشوة الحب .. صعب جدا ً أن أوقظهم لأعاتبهم هل تعلم يا شبحي .. المحب يرى السماء بألوان قوس قزح وهي رمادية وربما داكنة بل أكثر من ذلك فالمحب يظن أن غيوم السماء تلاحقه كي تمطر له هو وحده .. المحب لا يرى في هذا الكون سوى نفسه ومن أحب ..أتريدني أن أقف كالبلهاء وسط قلبين عاشقين لأعاتبهما كم قتلوني يا شبحي ؟ كم قتلوني ؟ عصفورتي ... يجب أن تخلدي للراحة الآن .. أثقلت عليك بأسئلتي سأعود في الغد ولن أتاخر عليك . يتبع |
رد: بوح خريفي
شبح الجنون .. 3 كيف حال عصفورتي في هذا الصباح الندي الجميل ؟ أما زالت روحك ثائرة ونفسك غاضبة على مدينة العقلاء وأهل مدينة العقلاء ؟ لا يا شبحي .. بعد حديث المساء نمت قريرة العين ونفسي تشعر بالرضى تماما ً .. ولكني لن ابقى في مدينة العقلاء ولن أبقى بين أهل مدينة العقلاء .. أنا سأتبعك يا شبح الجنون .. منذ هذه اللحظة خطواتنا واحدة وخطانا لن تفترق ؟ قولي لي يا عصفورة الفرح .. الآن بعد أن هدأت نفسك .. أخبريني من اين أتتك فكرة الإبحار في عالم الجنون ؟ صدقني يا شبحي الفكرة هبطت عليّ من السماء .. كنت ارتشف قهوة الصباح كعادتي في كل يوم .. أقلب الأفكار برأسي .. أجمعها وأطرحها وأجري عليها جميع العمليات الحسابية وما يتبقى لي فأنا قانعة به تماما ً .. كل ما اذكره أن هناك عدد من الحروف سقطت أمامي وارتسمت في فنجان قهوتي .. ظننتها في البداية بعضاً من حبات الهيل التي لم تذب على طرف لساني ! ولكنني عندما أخذت أتفحصها وأتذوقها اكتشفت أن مذاقها ألذ من مذاق الهيل وربما مفعولها أكبر فقد دبت في روحي طاقة رهيبة .. قمت على فوري وجمعت هذه الحروف محاولة قدر المستطاع أن لا يفر من بين يدي حرف واحد وكتبتها أمامي كما كنت في الماضي أكتب حروفي على رمل البحر .. أكتبها وأقرؤها مرارا ً ثم يأتي الموج الناعم ويسحبها ويدفنها في اعماقه .. لم أكن أحزن أو أغضب أو أثور في حينها .. ربما على العكس كنت أحيانا أنتظره عندما يتأخر .. هل تصدق يا شبحي أنني في يوم أغرمت بموج البحر؟ كنت أنتظره دوما ً وكنت أكتب له حروف العشق وانتظر قدومه حتى يقرأها ثم يبتلعها في جوفه .. كنت أرى أنها من حقه .. كنت أسر جدا ً وأنا أرى تدفق الموج نحوي هارباً تجاه الشاطيء .. كنت اتخيل نفسي في حالة عناق لا تنتهي .. ثم يمضي هو يبتلعه البحر وأنا يبتلعني الليل . أيتها العصفورة الشقية أتعشقين موج البحر ؟ ألا تخافين على نفسك ؟ من هو ذا المجنون الذي يعشق موج البحر ؟ هذا الموج الذي دفن من الأحياء في جوفه الكثير .. ابتلعهم ولم يبق ِلهم أثر . الموج لم يبتلع أحدا ً يا شبحي .. هم من كانوا يلقون بأنفسهم بين ذراعيه .. يئسوا من حياتهم التي لا معنى لها .. يئسوا من غدر البشر الذي لا حد له فهربوا للبحر .. عشقوا الموج وعندما التحموا معه في ملحمة عشق أبدية صنفهم البشر بالقتلى ووصفوا الموج بالقاتل وفي الحقيقة هم القاتل الحقيقي والموج ما هو إلا القبر الذي احتوى جثثهم الهاربة . عصفورتي وماذا بعد ؟ ماذا بعد أن عثرت على الكلمة ماذا فعلت بها ؟ آآآآآآآآآآه يا شبحي .. هنا لب الحكاية .. لماذا إذا أنا راحلة معك .. أنا راحلة وراء هذه الكلمة .. لن أعود إلا بها .. هنا لم يتبقى لي شيء .. أنا أعيش حالة اغتراب كبيرة وصعب جدا ً أن أذيب حدود الغربة التي ارتسمت حول روحي أنا قادمة معك وفي طياتي كلمة السر ّ.. وصفة السحر .. التي سنمخض عباب بحر الجنون بها وسنجدها يا شبحي .. سنجدها .. أليس كذلك يا شبحي .. عدني بذلك .. عدني أرجوك . أعدك أيتها العصفورة والان أخلدي للنوم وفي الصبح يحلو لنا الحديث يتبع ربما |
رد: بوح خريفي
شبح الجنون ..4 طال غيابك يا عصفورتي وساورني القلق .. خشيت أن تكوني عدلت عن فكرة الإبحار معي إلى عالم الجنون .. خشيت أن مدينة العقلاء ما زالت تسكن في قلبك وأهل مدينة العقلاء لم يبرحوا أماكنهم في فؤادك ؟ يا شبحي لا أعلم ماذا أقول لك ؟.. مذ نويت الرحيل معك والبحث عن تلك الكلمة السرية والوصفة السحرية التي أرقت مضجعي .. فجأة دون سابق إنذار غابت صورهم من مخيلتي .. لا أعلم كيف ولماذا ؟ وجدت نفسي بدونهم .. بدون صورهم .. بدون كلامهم .. بدون مشاعرهم .. أصبحت خالية يا شبحي . هذا كلام مطمئن .. أم كنت تودين أمرا ً آخر ؟ لا يا شبحي .. ولكن أين اختفت صورهم وأحاديثهم وجلساتهم وذكرياتهم ؟ هذا أمر مؤرق أيضا ً.. لم أكن أعلم أن الحياة الخالية ليست حياة على الإطلاق .. قد كانوا كل همي .. كل تفكيري ..كيف ذهبوا ؟ أين اختفوا ؟ أرجوا ألا تكوني قد عدلت عن فكرة الذهاب معي والمكوث هنا في انتظار عودتهم ؟ لا أعلم يا شبحي ماذا حل بي ّ؟ ولكن هل أنت مصرٌّ على رحيلي معك ؟ عصفورتي .. أنا أحبك .. انتظرتك أعوام طوال .. كنت ِ في ملهاة عني .. راهنت ِعلى قلوب خائنة ومشاعر مزيفة كنت تغوصين في بحار من الوهم .. هم لم يتغيروا بل أنت من كنت معصوبة العينين .. هم كانوا أوضح من اشعة الشمس لكنك شاركتهم في خداع نفسك وتعذيب ذاتك .. هانت عليك هذه الروح المرحة فأقحمتها في أجواء القهر والحزن حتى كادت تموت بين يديك .. والآن تقولين لي اختفوا ولا اعلم كيف ولماذا ؟ ولكنك يا شبحي لم تصارحني بحبك فكيف تحاسبني على أمر مجهول ؟ ولماذا لم تتدخل فتنقذني عندما رأيتني أهيم على وجهي بين أؤلئك الذئاب .. أنا هانت علي ّ روحي .. أنت لماذا هنت أنا عليك ؟ لم تهوني في يوم قط .. لم أصارحك بمشاعري لأني لم أشأ أن أخدش مشاعر الطفولة في قلبك .. وجدت أن كلمة أحبك قد تجعلك تكبرين قبل الآوان .. أردتك أن تشبعي من طفولتك وسنيّن عمرك العذبة .. كتمت مشاعري كمن يبتلع خنجرا ً في جوفه حتى لا أؤذي مشاعر عصفورة طاهرة نقية .. خفت أن تسأليني عن أبجدية الحب العذري .. الحب الطاهر .. فأسقط في خجلي وأخسر معك أوراق حبي فصمتُّ على مضض . أنت مشترك معهم في الخيانة .. بل هم أقل منك ظلما ً وجورا ً .. هم ربما أحبوني و ربما لم يشعروا بوجودي لكن أنت كنت تحبني وتركتني أتطفل على بابهم .. أسترق السمع لمشاعر لا أعلم ان كانت لي أم لغيري أقطف ورودا ً لأهديها لهم في عيد الحب وهم يغرسون مخالبهم في قلبي .. أمسح دموعهم بأناملي الغضة الطرية وهم يزرعون سهاما ً في قلبي .. وفي النهاية يأتون ويعتذرون بكلمات لا معنى لها وأنا أصدق وأغفر وألتمس الأعذار .. وأنت تقف متفرجا ً عليهم يمزقون قلبي إربا ً إرباً .. صامتا ً تخاف أن تخدش حياء الوردة .. الوردة التي مزقوها أمامك واليوم تطلب مني بل تحثني على الرحيل معك ! عصفورتي عندما تكبرين ستعذرين جبني وخوفي .. ولكنني اليوم لا استطيع أن أتركك هنا بمفردك .. تعذبتِ بما يكفي وأنا صبري نفذ .. لا أستطيع أن أراك تكفكفين دموعهم وتهدهدين آهاتهم .. هم لا يستحقون .. قد خانوك .. خانوا هذا القلب اليافع البريء .. خانوا تلك العيون الصافية التي لا تعرف إلا الحب .. خانوا كل المشاعر الصادقة وماذا تنتظرين بعد ؟ أرجوكِ لا بد أن نرحل من هنا .. أنا سأعوضك عنهم .. بداخلي حب يغرق مدنا بأكملها لن تحتاجي حبهم المزيف .. لن تحتاجي مشاعرهم المتلونة .. سأغرقك في حب صاف ٍ نبيل ٍ طاهر ٍ ..دعي لهم حبهم الملوث الملون المزيف . دعني أخلد للنوم الآن وفي الصباح أجيبك .. أنا تعبت منهم .. وأنت ذكرتني بقسوتهم .. ربما في الغد أرافقك في رحلتنا إلى عالم الجنون .. يشفع لك عندي أنني كلما كنت أبحث عنك أجدك تحوم حولي لا تفارقني .. في الصباح يا شبحي قد يحدث التغيير .. عصفورتي .. حبيبتي .. لن أتخلى عنك مهما حييت . يتبع ربما |
نافذة على الجنون
شبح الجنون ..5 عصفورتي .. لماذا تشيحين بوجهك الصبوحي عني ؟ أرى حول عينيك قد ارتسمت دوائر من القلق والأرق .. ألم تخلدي للنوم عندما ودعتك بالأمس ؟ خلدت للنوم يا شبحي ولكن فكري هو من بات يقظا ً .. أشعر بالتيه يا شبحي .. أخاف أن أفقد كلمة السر .. الوصفة السحرية التي حدثتك عنها .. أشعر أن قلبي بات معلقا ً بها كتعلق الجنين بالحبل السريّ تلك حروف لا تغيب عن بالي .. ولكنني بنفس الوقت خائفة من المجهول ؟ أي مجهول هذا الذي تتكلمين عنه ولماذا كل هذا الخوف ؟ لا أعلم كيف أخبرك بالحقيقة ؟ لا أعلم كيف اسردها على مسامعك بعد أن بحت لي بحبك ؟ أفصحي يا عصفورتي فالقلق بدأ يعتمر فؤادي وعقلي . لقد تعلقت بهذه الحروف يا شبحي وأصبحت هي عالمي .. لم أعد أتخيل حياتي بعيدة عنها كما قلت لك أنا لم ابحث عنها هي التي ارتسمت أمامي في فنجان القهوة واستطعت قراءتها ليتها كانت مبهمة .. ليتني لم أستطع تفكيك رموزها .. كانت واضحة وجلية وقد أصابت مني مقتلا .. أنا لا أستطيع العدول عن الفكرة .. أريد الذهاب للبحث عنها .. ولكن أنا أخشى الفشل .. أخشى العذاب .. أخشى أن تكون مجرد وهم داعب مخيلتي في لحظة شرود . بالتأكيد يا عصفورتي هي وهم .. أتمنى أن لا تندفعي وراء وهم جديد ..أنا أخاف على قلبك اليافع البريء أن تفترسه الأوهام وتمزقه أحلام كاذبة لا صباح لها . ولكني لا أستطيع .. كلما هربت وجدته يلاحقني كظلي .. صورته مرتسمة في بؤبؤ عيني انظر في عيني يا شبحي .. هل تراه ؟ أرى ضياعا ً يا عصفورتي وتيها ما بعده تيه .. دعيني آخذك من هذا العالم الذي يصور لك أوهاماً بحلاوة الشهد وما هي إلا علقم في علقم . ولكن قلبي تعلق به وأنا دائمة البحث عنه ولن أتوقف .. حتى لو فشلت .. سألبي نداء قلبي وأرحل خلفه ..لن أتركه يضيع مني .. هو لي وأنا له .. لن أتركه لغيري .. لقد تركت لغيري الكثير لكن هو لا .. لا يا شبحي .. أنا مصرة في البحث عنه .. لا بد أن أعرف سر الكلمة .. لماذا ارتسمت في فنجاني وفي عيني وفي قلبي ..لماذا ؟ عصفورتي التعب باد ٍ عليك والأرهاق يعصف بمخيلتك وفكرك المتعب .. اخلدي للنوم وفي الصباح لا بد أن يكون ذهب مع كل الأحلام التي تغيب وتختفي ولا يبقى لها أثر . لن أخلد للنوم قبل أن تعدني بمواصلة البحث عنه . أعدك يا عصفورتي .. أعدك .. نوما ً هنيئا ً يتبع ربما |
رد: بوح خريفي
شبح الجنون .. 6 صور من الذاكرة الصورة الأولى كيف أصبحت عصفورتي اليوم ؟ أرى بين يديك ألبوما ً من الصور ؟ ماذا يدور في خلدك وعمن تبحثين يا عصفورتي المتعبة الشقية ؟ ذكريات يا شبحي لا تقلق مجرد ذكريات أهل مدينة العقلاء .. ليلة الأمس عصفت في مخيلتي صورهم كما يعصف الموج الغاضب بصخرة تقف بلا هدف وسط البحر .. لا الموج يفتتها ولا هي يصبح لوجودها أي معنى .. ومع كل هذا تذكرته جيدا ً . حدثيني يا عصفورتي عنه .. أشعر برغبة عارمة أن أسمعك وصدقيني ليس لأني أحب أن يداعب صوتك المتهدج كخرير المياه أذنيّ الغارقاتين في عشقك ..لا ولكني فعلا ً أرغب بزرع البسمة على شفتك . كانت إحدى صباحات العيد .. صحوت نشيطة جدا ً ومبكرة على غير العادة .. هرعت إلى حجرات المنزل أرتبها وأزينها استعدادا ً لإستقبال العيد .. كنت أفرح بإطلالة العيد يا شبحي كأي طفلة تنتظر العيد بفارغ الصبر . وماذا بعد يا عصفورتي ؟ دلفت إلى حجرته أرتبها كباقي الحجرات .. وجدته خلفي مرتبكا ً متلعثما ً كما يرتبك الرجل بحضور إمرأة .. ضحكت في سري .. لقد رآني إمرأة وأنا الطفلة الوحيدة في المنزل .. إعتذر مني وطلب أن لا أجهد نفسي في ترتيب حجرته وأن أستعد لملاقاة العيد .. فرحت في أعماقي لأني استرحت من ترتيب حجرته .. خرجت إلى الشرفة كي أستقبل العيد وألقي عليه تحية الصباح . وماذا بعد أيتها العصفورة المشاكسة ؟ كان صوت القنابل يختلط بصوت مدافع العيد .. لم أميزهما من بعضهما ..هرع خلفي إلى الشرفة مرتبكا ً مرة أخرى وقال لي : أدخلي من الشرفة قد تصيبك إحدى القذائف الطائشة . أجبته والدهشة مرتسمة على ملامح وجهي : هل أصاب وأنا في منزلي . هز ّ رأسه متأسفا ً وقال لي : هم لا يميزون ... ولا أعلم كيف غامرت بالقدوم إلى هنا في هذه الحالة الصعبة ؟ قلت : كنت على أعصابي طوال الطريق .. كنت أرتجف من البرد القارص ومن الخوف .. خشيت أن تظهر لنا إحدى الفرق المسلحة فتقطع رؤوسنا .. ألا يفعلونها .. سمعت عن ذلك الكثير ؟ قال : بلى يفعلونها .. هنا إنفلات أمني كبير .. يجب ألا تخاطري بروحك مرة أخرى .. حياتك غالية علينا . قلت : ألن تنتهي هذه الحرب اللعينة ؟ أجاب بهزّ رأسه بالنفي . شعرت بسعادة عارمة أن يحادثني رجل على أساس أنني شابة .. إمرأة .. أنثى .. الجميع يعاملني كطفلة .. منذ هذه اللحظة سأرتدي في قدميّ الكعب العالي ولن أعود للظفيرة .. سأترك هذه الشعرات مسترسلة في الهواء .. لن أضمهم بشريطة حمراء .. صفراء .. خضراء .. سأصبح إمراة فاتنة الجمال . وماذا بعد أن داعبت فكرة المرأة خيالك أيتها العصفورة الطفلة ؟ أخذت أحوم حوله كالفراشة تحوم حول الضوء ..أرقب كل تصرفاته .. كل سكناته .. كان صامتا ً طوال الوقت .. لا يتكلم أبدا ً .. لا يتناول الطعام .. الشراب ..لا يضحك ..لا يبتسم ..لا أعلم كيف يعيش ؟ اقتربت منه وسألته لماذا أنت حزين ؟ هل أنت مشتاق لوالدتك ؟ أجابني والحسرة تملأ قلبه والدموع متحجرة في مقلتيه التي بدت لي في حينها أوسع من عين البحر في ذروة هيجانه : أمي في بلاد قدماي لن تطأها بعد اليوم . كيف ؟ وجدت نفسي هنا في هذه البلاد بين ليلة وضحاها ..هذه البلاد الوحيدة التي تحوي من لفظتهم البلاد كل البلاد ..ألسنا جميعنا هنا في هذا المنزل من الملفوظين ؟ وتابع بمرارة تقطع لها أوصال القلب : لا أعلم كيف يمكن للإنسان أن يعيش بلا أم .. بلا حضن الأم ..بلا حضن الوطن ..بلا أسرة .. أهل ..أخوة .. أحباب .. كيف ؟ هذه الحرب المجنونة التي لا تقف أبدا ً ..نار جهنم وصُبت فوق رؤوسنا .. كيف السبيل للخلاص منها .. كيف السبيل للنجاة ؟ لم أدر بماذا أجيبه وتسلل الحزن إلى قلبي فأصبحت شاردة مثله .. في لحظات الرحيل قلت له بل وعدته أن أبحث له عن أسرته وأخبرهم بوجوده هنا في بلاد الملفوظين ربما استطاعوا هم القدوم لزيارته .. وغادرت . أدمعت عيناي يا عصفورتي ..كيف تحملين كل هذا في قلبك الصغير ..ألا تخافين عليه ؟ لا لم أخف على قلبي بل بدأت في البحث عن أسرته ولكن عبثا ً يا شبحي . ألم تجديهم ؟ بلا وجدتهم ويا ليتني لم أجدهم ..هم في واد وهو في واد ٍ آخر .. استسلموا للحياة الرتيبة والتناسل والتكاثر وطلبوا فيه العوض من الله . هل أخبرته بذلك ؟ في الحقيقة ليس بالضبط .. فقد منعت من السفر إليه وتقطعت بنا السبل ولكني بعد فترة أرسلت إليه مرسالا ً يحمل له أخبارا ً كاذبة عن أهل ينتظرونه وهم في غاية الشوق إليه والقلق عليه . وماذا بعد يا عصفورتي ؟ انتهت الحرب يا شبحي وخرج من بلاد الملفوظين إلى بلاد الله الواسعة .. لا أعلم له عنوانا ً .. وبقيت حرقة في القلب وغصة ومرار لا ينتهي .. وهل انتهت الأمور عند هذا الحد ؟ لا يا شبحي ..بعد أعوام طويلة فقدت فيها كل أخباره بل كل أمل بوجوده على قيد الحياة .. جاءني منه مرسال يخبرني أنه مشتاق لي .. أنه يحبني .. وأنه لا بد أن نلتقي في يوم ما .... هكذا إذا .. هذا خبر جميل وماذا فعلت ؟ لم أفعل شيئا ُ ولم نلتق ِ. حبيبتي أيتها العصفورة المتعبة ..كل شيء في هذه الحياة نصيب ..اخلدي للراحة الآن وفيما بعد نتابع باقي الصور . يتبع ربما |
رد: بوح خريفي
شبح الجنون ..7 صور من الذاكرة الصورة الثانية عصفورتي لم أنم ليلة الأمس من هول ما سمعت منك .. أشفقت على هذا القلب اليافع كم عانى ويعاني دون ان يرأف به أحد .. ما اقسى البشر يا عصفورتي .. ما اقساهم. أما أنا يا شبحي فنمت ليلتي هانئة .. لقد استرحت عندما حدثتك عنه .. شعرت ان جبلا ً من الصخر كان يرزح تحته صدري ثم انزاح عني فشعرت ببعض الراحة . إذا هل ستحدثينني عن باقي الصور أم نكتفي بهذا يا عصفورتي ؟ لا .. سأحدثك يا شبحي عن صورة أخرى من الصور التي في ذاكرتي . كنت أتجول في حديقة المنزل الأمامية .. أفتش بين الورود عن وردة تشبهني لها نفس رائحتي .. حين رفعت رأسي ووجدته منتصبا ً أمامي بكامل أناقته وبهائه .. ألقى علي ّ التحية مع ابتسامة عذبة لم أجد ابتسامة أكثر عذوبة منها في حياتي على الإطلاق .. ثم اصبح يمر ّ بين الفينة والأخرى يلقي علي ّ التحية ويبتسم وأنا أغيب مع هذه الإبتسامة إلى أن يحين موعده القادم . وماذا بعد يا عصفورتي ؟ هل حدثّك بشيء ؟ لا يا شبحي لم يحدثني بشيء ..لكن صديقتي أشارت علي ّ أن أكتب له رسالة أفصح له عن حبي . وهل فعلت حقا ً ؟ لا لم افعل .. لقد جبنت .. ثم كيف أكتب له وهو يأتي لزيارتنا دوما ً . إذا ماذا حصل معك ؟ بعد فترة من الزمن كان قد تغيب فيها عن زيارتنا لبعض الوقت التقيت به برفقة صديقة قديمة لي .. فركضت نحوها.. عانقتها .. قبلتها ..طرت من الفرحة . وماذا فعلت هي ؟ قامت هي بتقديمه إلي بصفته قريب لها . وماذا نويت يا عصفورة الفرح أن تفعلي ؟ قررت مصادقتها على الفور ..هي الوسيلة الوحيدة التي أمامي كي أتقرب منه .. هو طوال الوقت معها ويزورها كل يوم في منزلها . وهل استجابت صديقتك لهذه الصداقة المفاجئة ؟ نعم المسكينة استجابت بل وفرحت جدا ً حتى أنني كنت أشعر بداخلي ببعض الذنب .. لكن في سبيله كل شيء يهون . وماذا بعد أيتها العصفورة المشاكسة ؟ بل قل أيتها العصفورة الشقية .. لقد اختلفت مع صديقتي السابقة التي حدثتك عنها في البدء .. كانت شريرة وحاقدة .. لا أعلم لماذا انتقمت مني بهذا الشكل الفظيع ؟ ماذا فعلت بك تلك الحاقدة ؟ ذهبت إليها , أخبرتها أني أصادقها لغاية في نفسي للتقرب من هذا الشخص الذي تسميه قريبها وأنني أحبه ويحبني .. فما كان من المسكينة إلا أن وقعت مغشيا ً عليها .. لقد كانت مريضة ولم أكن أعرف بذلك .. هو كان يعرف جيدا ً لذلك كان يهتم بها جدا ً ويلازمها طوال الوقت .. وهي تعلقت به وأحبته وعلقت عليه آمالا بالزواج .. إلى أن أخبرتها تلك الشريرة بنواياي تجاه من كانت تعتبره خطيبها فحصل ما حصل . وكيف تجاوزت الأزمة ؟ كيف حللت المشكلة ؟ لا.. أنا لم أحلها .. هي من حلت المشكلة بنفسها .. أتت إلي وهي بالكاد تصلب طولها .. كانت شفتاها زرقاوين ترتعشان ووجهها شاحبا كأنها ستموت في هذه اللحظة وقالت لي : هو لك .. لقد تنازلت لك عنه . لقد سألته إن كان يحبك فالتزم الصمت .. لذلك أنا راحلة .. وغادرت . وأنت ماذا فعلت ؟ أنا ماذا أفعل ؟ وقفت أمام الرجل الذي أحبه والرسالة ما زالت في حقيبتي .. وعوضا ً عن مصارحته بمشاعري والبوح له بحبي .. قلت له : أنت آخر رجل في هذا الكون يمكن أن أحبه .. وغادرت . أحسنت يا عصفورتي .. هو لا يستحق .. ما ذنبها تلك المسكينة كي يحطم قلبها ؟ تلك المسكينة .. لقد التقيتها بعد فترة من الزمن وقد تزوجت بآخر وكانت في قمة السعادة . وهو .. ماذا حل ّ به ؟ لا أعلم يا شبحي .. رحل منذ تلك اللحظة ولم أعرف عنه شيء .. بقيت وحدي أنا والرسالة . عصفورتي .. أنا آسف .. كم كان حظك شقيا ً أيتها العصفورة البريئة .. كم كان حظك شقيا ً ؟ الآن يا شبحي بعد أن فتحت لي جراحي على مصراعيها اتركني وحدي أجتر أحزاني ..أراك فيما بعد يا شبحي حين تصفو نفسي . اتمنى لك وقتا ً طيبا ً يا عصفورتي يتبع ربما |
رد: بوح خريفي
شبح الجنون ..8 صور من الذاكرة الصورة الثالثة عصفورتي .. صباح الورد يا عصفورتي .. أم بت تكرهين الورد الذي جرّ عليك قصة مؤلمة ؟ صباحك شهد وياسمين يا شبحي ..لا لم أكره الورد ..أنا اقتنعت بكلامك .. كل شيء بهذه الدنيا نصيب ..حتى تواجدك معي طوال تلك الفترات بهذا الصمت الرهيب أيضا ً نصيب .. أليس كذلك ؟ عصفورتي .. أنت لن تغفرين لي صمتي وأنا الذي أخاف عليك من نسمة الهواء العليل .. أخبرتك أنني كنت لا أريد أن أقتل الطفولة في أعماقك ..كنت أريد أن تعيشي سني ّعمرك نبضة نبضة ..لم أرغب باستعجال الزمان وإقحامك في أجواء أكبر منك ..لكنك الآن تلقين باللوم علي ّ.. لا تغضب يا شبحي أنا أحيانا ً تنتابني موجة من الغضب لصمتك طوال هذه الفترة ولكني ما ألبث أن أنتحل لك العذر .. ألست أبرع من انتحل الأعذار لكل من غرس سكينه في قلبي .. ألست أنا التي أغفر وأسامح بلا حدود فلماذا لا أغفر لك وأسامحك ؟ عصفورتي .. ما رأيك أن نتوقف عن تصفح ألبوم الصور ؟ أشعر أنك أصبحت كئيبة وحزينة وأنا أخبرتك أن مدينة العقلاء لم تعد مدينتك وأهل مدينة العقلاء ليسوا أهلا ً لإقامة عصفورة طيبة مثلك بينهم ..دعينا نرحل الآن إلى عالمي الجميل وأعدك بأن تجدي هناك حياة لا تشبهها حياة . ولكني ما زلت متألمة من صورة ما لا تبرح فكري ولا تزال تقض مضجعي . إذا تفضلي بالحديث ولكن في المرة القادمة أنا من سيغلق البوم الصور ..بل سألقيه في المحيط .. هذا الألبوم سيبقى نقطة ألم في قلبك الطاهر العفيف .. ولابد من استئصالها . صدقت يا شبحي بعد أن أحدثك عن هذه الصورة التي مزقت قلبي سألقي أنا وأنت بألبوم الصور إلى الجحيم وليس فقط إلى المحيط . هات ما عندك يا عصفورتي وكلي آذان صاغية . التقيت به ذات يوم كان وسيما ً لدرجة أن جميع الفتيات كن يتسابقن للتعرف عليه ومحاولة الإيقاع به .. ولأكون أكثر صدقا ً معك كانت الكثير من الفتيات قد أغرمن به . وهو ماذا كانت ردة فعله على جل هؤلاء المتيمات به ؟ هو أغرم بيّ أنا .. أحبني وأحببته حب لم أعرفه من قبل ولن أشهده في أي يوم قادم .. كان فتى أحلامي بل فتى أحلام أي فتاة في سني.. لم يكن يأبه لوجودهن .. جل همه أنا ..أغدق عليّ الحب بشكل طبيعي وعفوي .. دون تصنع .. دون رياء .. دون كذب .. دون مجاملة .. كنت أطير في السحب .. لم تطأ قدماي الأرض يوما ًوأنا معه ولكنني .. ولكنك ماذا يا عصفورتي .. هل دبت فيك نار الغيرة ؟ لا يا شبحي لم تكن غيرة بالمعنى الدقيق ولكني أردت أن أقيده برابط يربطني به إلى الأبد .. أردته الزوج .. أردته الأسرة .. تاقت نفسي إلى طفل يناديني ماما .. أليس هذا من حقي يا شبحي الصامت ؟ بلى من حقك أيتها العصفورة الجميلة .. ولكن هل مانع هوفي ذك وهو يكن لك كل هذا الحب ؟ نعم لقد مانع ذلك .. بل جن جنونه .. كان يكره فكرة الزواج .. تخنقه هذه الفكرة .. أخبرني عنها في أول يوم بل وفي كل يوم ولكني أحببته جدا ً والفتيات المغرمات والمتيمات به كثر فكان لا بد أن أمتلكه بعقد .. حبر على ورق .. المهم أن يشهد كل العالم أنه لي . وماذا كانت ردة فعله ؟ أجابني بكل برود أنا لم أخلق للزواج .. هذه هي حياتي .. لن أغيرها ما حييت وأتمنى أن تعدلي عن جنونك ولا تفسدي حبنا بتفاهات مثل هذه.. وعاد يحتسي المشروب أكثر من ذي قبل مع انه التزم لبعض الوقت بالامتناع عنه لأجلي لأنني كنت ارفض هذه العادة السيئة التي كان يدمن عليها ولا يتركها . وماذا فعلت انت ؟ أصبت بإحباط .. بخيبة أمل .. بخيبة رجاء .. صدمت فيه وفي هذا البرود القاتل ..هربت إلى صومعتي وأغلقت على روحي بابها وألقيت بالمفتاح إلى الجحيم . نعم اعتكفت وزهدت بالدنيا وكنت انتظر الموت في كل ثانية .. فراقه لم يكن بالسهل ابدا ً .. كنت أشعر بروحي وهي تتأرجح في صعودها للسماء وهبوطها في قلبي تارة أخرى فتمزقني أكثر مما مزقني فراقه .. أحيانا كنت أشعر بالضعف وأتمنى الهروب إليه ولفظ فكرة الزواج من مخيلتي .. لكن الأمر انتهى . وهل انتهت حكايتك معه عند هذا الحد؟ لا يا شبحي أنا التي انتهيت .. حبست روحي وخنقتها .. لم أدر كم مرّ عليّ من الوقت والسنين وأنا اخنقها حتى تعفنت وأخذت تلفظ أنفاسها الأخيرة فأشفقت عليها وخرجت من صومعتي إلى الحياة لكن بخطوات ثقيلة وأنفاس منهكة .. لكني خرجت . أحسنت يا عصفورتي .. هو لا يستحق أن تموتي من أجله .. هذا الفارغ التافه الأجوف ... ماذا حصل معك فيما بعد يا عصفورتي ؟ التقيت صديقة قديمة لم التق بها منذ زمن .. منذ زمن الإعنكاف .. ذعرت عندما رأتني وعندما تفحصت ملامح وجهي الذائبة أصابها الوجوم وسألتني وهي منقطعة الأنفاس :..هل مت ِ؟ فأجبتها بعفوية زائدة : على وشك . وعادت لسؤالي من جديد .. أين اختفيت .. ولماذا انفصلت عنه ؟ قلت كل شيء نصيب وهذا قدرنا ؟ قالت : لقد تزوج ورزق بالأبناء شعرت بالأرض وهي تدور تحت أقدامي وقلت بصوت يكاد يكون مسموع .. تزوج .. ورزق بالأبناء ؟ قالت : نعم أنت لماذا اختفيت ؟ بحث عنك طويلا ً ثم تزوج إمرأة تشبهك تماما ً .. هل تذكرينها .. تلك التي كانت تشبهك في كل شيء .. كنا نضحك عليكما حينما تظهران أنت وهي صدفة فنقول ظهرت الشبيهتان .. وهو ..هل هو سعيد معها ؟ أجابتني وقد اتسعت عيناها وفرجت كل أساريرها.. سعيد .. ها .. غاية في السعادة .. إنه يحبها جدا ً .. لا تعلمي كم غيرت فيه أشياء .. لقد أصبح رجلا ًآخر . كيف .. أفصحي ؟؟ هو اليوم رجل متدين يتردد على المساجد يصلي كل الصلوات حاضرة .. هو يحفظ القرآن .. بعضه ليس كله .. لكنه مواظب عليه .. فقلت بلهجة تهكم : والمشروب أقبل الصلاة أم بعدها ؟ قالت : لا .. لا مشروب .. لا نساء ..لا ملهى .. أصبح رجلا ً ملتزما ًبكل ما في الكلمة من معنى . قالت بخبث شديد : هل أنقل له تحياتك ؟ قلت لا بل انقلي له عودتي للحياة لكن بعيدا ً عن حياته .. لم يعد لي كما لم يكن لي في يوم .. قد كنت واهمة واليوم فقط عرفت كم كنت واهمة ..ولكن أسفي على هذه الروح التي أفنيتها في حبه ومزقتها في فراقه وحاولت وأدها لأنه خرج من حياتها .. أنا آسفة على روحي . عصفورتي .. كان معي حق قبل أن أعرف هذه الحكاية أن أقول لك كفى .. كفى جراح .. كفى تمزيق لروحك .. أعطيني البوم الصور.. سألقيه إلى الجحيم .. هو وكل صوره القاتلة . لك ما تشاء يا شبحي وسترحلين معي لك ما تشاء يا شبحي إذا أعدي نفسك للرحيل لك ما تشاء يا شبحي |
رد: بوح خريفي
جنون ..9 عصفورتي .. لم أنم ليلة الأمس من فرحتي لقرارك الرحيل معي .. هل أنت مستعدة للرحيل الآن ؟ لا أعلم ماذا أقول لك يا شبحي ؟ أعلم أنني وعدتك بالرحيل ولكني منذ ليلة الأمس وأنا تتقاذفني الأفكار وتعصف بيّ كما تعصف موجة هوجاء بسنبلة .. وما الذي أدى إلى تشويش افكارك بعد أن عزمت على الرحيل معي إلى عالمي ..عالمك ..عالم الجنون ؟ يا شبحي الأمر ليس بهذه البساطة .. مدينة العقلاء هي مدينتي .. المدينة التي شهدت مولدي .. كانت أول إطلالة لي على هذا العالم من نافذة مدينة العقلاء .. شهدت طفولتي .. صباي .. سنين عمري جلها .. قطفت مني أحلى سنين العمر . ولكنها تنكرت لك بعد كل هذا . هذا ما يقلقني يا شبحي .. إذا كانت هذه المدينة التي شهدت مولدي وترعرت في حضنها وتنفست هواءها واستشقت عبيرها وتجولت في شوارعها وبساتينها .. وداعبت كل أوراق الورد فيها .. لمستها .. حضنتها .. قبلتها .. انتظرتني كل صباح كما ينتظر العاشق حبيبته .. لأزورها وأحوم حولها كفراشات الربيع .. إذا كانت هذه الشوارع الممتدة إلى ما لا نهاية قد حضنت وقع أقدامي حين كنت طفلة صغيرة أحبو ثم اركض في جنباتها وأسابق أقراني في محاولة عابثة مني للوصول إلى نهايتها .. إذا كانت هذه السماء التي أمطرتني بشتاء الحب ودفأتني بشمس الصيف وداعبت خلجات قلبي بنسمات الربيع ودقت على نوافذي حين هبت رياح الخريف .. إذا كانت هذه الأرض والسماء وفصول العمر لم تعد تحتويني .. لم اعد أجد لي فيها موطئ قدم .. إذا كانت قد بخلت عليّ بنسائمها العليلة فلم أعد أستنشق إلا دخان الغربة والإغتراب .. كيف سأجد لي موطئ قدم في مدينة اخرى وعالم آخر ؟ لماذا لا تنكرني المدن الأخرى والعوالم الأخرى ؟ لماذا لا تنكرني ؟ لماذا تحتويني أصلا ً إن كنت لست من أهلها ولم أولد على ترابها ولم أستنشق عبيرها ولم تداعب خطواتي شوارعها ؟ عصفورتي .. حبيبتي .. هوني عليك .. أنا من عالم الجنون وأنا من سيصطحبك ويرافقك في رحلتك هذه .. أنا من ستسكنين إليه ويسكن إليك .. أنا من سيؤنس وحدتك .. أنفاسي هي التي ستداعب خلجات قلبك .. كفاي هما الحضن الذي سيحتويك ويضمك ويحنو عليك ويمسح كل ألآمك ..هل تشكين بمقدار حبي لك وطول انتظاري ؟ لم أعد اعرف شيئا ًً .. أنت أحببتني .. هم أحبوني في يوم ٍ ما وأغدقوا علي ّ الحب والعطف والحنان . لكنهم تغيروا .. لقد كانوا مزيفين .. والآن بعد أن سقطت عنهم الأقنعة ما الذي يبقيك عندهم ؟ ألم تقل إنني خير من انتحل الأعذار .. لم َلا أعذرهم الآن .. لم َ لا أعطيهم فرصة .. فرصة أخرى وأخيرة يا شبحي .. لقد انتظرتني عمر بأكمله .. لا ضير أن تنتظرني بعض الوقت .. قلبي يحدثني بأنهم نادمون وأنهم سيهرعون إلي وسيأخذونني في حضنهم ويمسحون كل الجراح .. كل الجراح يا شبحي . أنت واهمة يا عصفورتي وتتعلقين بحبال ذائبة ..انظري إليهم كيف أخذتهم الحياة ولونتهم فأصبحت لا تعرفين أحدهم من الآخر .. من تنتظرين ؟ أخبريني من تنتظرين ؟ انتظرهم كلهم .. لا يمكنهم أن يقسوا على قلبي الذي أحبهم وأخلص لهم وفداهم بسنوات العمر .. أنتظر هذه السماء التي لطالما رافقتني في مسراتي وأفراحي وأحزاني والآمي .. أنتظر هذه الشوارع التي كانت تشتاق لوقع خطاي .. انتظر أفئدتهم التي عرفت السهر لأجلي .. وعشقت النهار كي تراني وانتظرت على بابي أيام وشهور .. رافقتني في مرضي .. في تعبي .. في أرقي .. في كل سكنات روحي . عصفورتي ..إنك بلا شك تشعرين بالحنين إليهم ولا زلت تظنين بأنهم هم من أحبك يوما ًولكنك كنت واهمة أيتها العصفورة .. ليس لك إلا قلبي .. ثقي يا عصفورتي .. ليس لك إلا قلبي . اتمنى يا شبحي ألا أفقدك كما فقدتهم .. أتمنى .. وأتمنى أيضا ً أن تتركني بعض الوقت .. أرغب بترك رسالة وداع لهم .. لا بد من وداعهم على الأقل . لك ما تشائين يا عصفورتي ..أنا لن أبرح المكان .. أنا هنا في انتظارك .. لا تطيلي الغياب . لن أطيل غيابي .. ولكن لا بد من إيفائهم حقهم بالوداع . |
رد: بوح خريفي
شبح الجنون ..10 ماذا جرى يا عصفورتي ؟ هل أنت أرسلت في طلب أهل مدينة العقلاء ؟ لماذا يتجمهرون على بابك ؟ لا يا شبحي أنا لم أرسل في طلب أحد ..لا أعلم كيف وصلت لهم أخباري وأنا معتكفة في صومعتي لا أخاطب أحدا ً سواك وألبوم الذكريات . وماذا يريدون ؟ أخمن أن نار الشوق دبت بأوصالهم .. قد غابوا طويلا ً أخر مرة .. ولكن لا بد من سؤالهم بشكل صريح وواضح .. لم أعد أرغب بالتكهن والتخمين . نعم لا بد من الاستيضاح الآن يا عصفورتي فنحن على وشك الرحيل . شبحي .. أرجوك تمهل قليلا ً .. أنت تضغط عليّ وتؤثر في قراراتي .. لا أريد اندفاعا ً بعد اليوم .. يكفيني ما حل بي ّ من جراء اندفاعي وراء أفكار ليس لها أساس من الصحة . ولكني أحبك .. ألف عام وأنا حبك .. هل ستخذليني ؟ ألف عام وأنت تحبني .. وألف عام وأنا لا أعلم .. ألف عام وأنا أضيع أمام عينيك وأنت صامت .. تحبني وتلتزم الصمت .. لم أستطع أن استوعب هذا الصمت بعد . عصفورتي هل تشكين بحبي لك ؟ أنا لا أشك في حبك أيها الشبح الطيب ولكن هذا أيضا ً لا يعني أنني سأبادلك الحب .. ولما يا عصفورتي لا تبادلينني الحب ؟ ألا زلت تحبين أهل مدينة العقلاء ؟ لا تخلط الأوراق يا شبحي .. أنا لن أبادلك الحب لأن الحب لا يأتي باتفاقيات وعقود وصفقات .. الحب لا يأتي كصدقة أو هبة أو مجاملة .. الحب يهبط علينا من السماء كما تهبط حبات المطر على أرواحنا الجافة المتيبسة ..ترويها فتصبح ندية .. غضة .. طرية بعد أن كانت جافة .. متيبسة .. متحجرة . الحب كالبرق .. كيف يضيء البرق السماء مهما كانت حالكة السواد ؟ الحب يبرق في قلوبنا فيضيئها مهما كان حجم الظلام الذي يحجبها عن الكون . عصفورتي .. ماذا أنت فاعلة الآن ؟ سأقابل أهل مدينة العقلاء . أهل مدينة العقلاء : سمعنا أيتها العصفورة أنك راحلة مع شبح الجنون .. ستتركين مدينتك .. مدينة العقلاء وترحلين مع شبح .. إلى عالمه .. عالم الجنون ؟ وهل من مشكلة في رحيلي .. سواء رحلت مع شبح أم مع طيف ملائكي .. ما هي المشكلة ؟ أهل مدينة العقلاء : أتتركين المدينة التي ولدت فيها وترعرت فيها وكبرت فيها وشهدت صباك ؟ أبعد أن أصبحت امرأة ناضجة .. جميلة .. رقيقة تتركين مدينتك وأهل مدينتك وهم الذين يغرقون في حبك ويستأنسون بحضورك ووجودك ؟ أبعد أن أصبحت امرأة جميلة وناضجة ورقيقة ؟ وماذا كنت إذاً وأنا طفلة تلهو بدمية ؟ طفلة بجدائل المدرسة ومريلة الدرس ؟ ألم أكن امرأة مكتملة الأنوثة في نظركم ؟ وإن كنت مجرد طفلة في نظركم لماذا عبثتم بقلبي ومشاعري ؟ لماذا كنتم تلهون بي ّ وبمشاعري .. أنا الطفلة ؟ أهل مدينة العقلاء : يا عصفورتي أنت طفلة وهذا الكون بجله يشهد بأنك كنت طفلة .. حتى هذا الشبح الذي يتربص بجلستنا هذه يشهد بأنك كنت طفلة فلماذا تستنكرين ذلك ؟ أنا لست طفلة .. لم أكن طفلة .. كنت امرأة مكتملة النضج والأنوثة .. اسألوا هذه العصافير المحلقة هنا وهناك التي طالما حطت على كتفيّ ونامت على حضن كفي ّ أسألوها هل أنا كنت طفلة ؟ اسألوها عن الحزن الذي كانت تجده مرتسما ً حول عيني ّ من قسوتكم والدموع التي كنت أغرقها بها عندما أشتاق إليكم وتنتابني نوبات الحنين ولا أجدكم .. اسألوها هل كانت دموع طفلة وأحاسيس طفلة ؟ أهل مدينة العقلاء : يا عصفورتي هل سنحدث الطيور ؟ لسنا بسيدنا سليمان ولا نمتلك معجزة الحديث مع الطيور . فاسألوا هذه الورود المتسلقة على شرفات نوافذي .. هل قطفتها يوما ً وزينت بها خصلات شعري حتى أجذبكم إلي وأنا التي كانت خصلات شعري تسافر إليكم فجر كل يوم ثم تعود مساء ً مكسورة الجناح ؟ اسألوا هذه الورود .. هل قطفتها يوما ً ومزقت أوراقها ونقعتها بالماء واغتسلت بها كي تجذبكم رائحة الورود إلى جسدي وأنا التي كنت أظن أن رائحة الطيبة في قلبي هي من يجذبكم إلى قلبي الطيب الحنون ؟ اسألوا هذا الورود التي طالما سهرت معها .. حضنتها وضممتها إلى قلبي كما تضم الأم وليدها .. كم قبلتها كي تشعر بالدفء والحنان .. وأنتم الذين تقطفون الورود لتتزين بها نساؤكم.. يغرسنها في خصلات شعرهن المستلقية على أكتافكم في لحظات المساء .. وفي ساعات الصباح تلقون بهذه الورود الجميلة إلى الطرقات كي تعصف بها رياح شريرة وتؤدي بها إلى الفناء . أنتم لا تحبون إلا أنفسكم والنساء اللواتي يتلّوَن حسب أمزجتكم .. تحبون المرأة أن تكون صيفا ً حتى لو كانت شتاءً .. أنا لا أتلّون ولا أتقلّب .. فإذا ً أنا طفلة ؟ ولكن دعوني أخبركم أمرا ً ما.. لو بعد ألف عام أنا سأبقى طفلة ولن أصبح امرأة على أمزجتكم وأهوائكم .. لن أزين خصلات شعري بالورود .. لن أغتسل بماء الورد .. لن أسجن طير الكنار في قفص كي يردد لكم الأشعار .. لن أكون صيفا ً أو شتاءً إلا عندما أريد أنا أن أكون .. ومدينة العقلاء هذه لكم أنتم .. المتلونون .. أصحاب الأمزجة المتقلبة والأفئدة المتقلبة .. عصفورتي .. إذا سترحلين معي الآن ؟ شبحي .. أرجوك أتركني الآن .. في الغد ربما أقرر أما الآن فأريد أن أبقى وحدي . لو سمحتم غادرونا بلطف .. العصفورة تريد أن تبقى وحدها .. عودوا من حيث أتيتم .. ولا تنسوا أن تأخذوا ورودكم الذابلة معكم .. عصفورتي لا تسمح بقصف أعمار الورد كي تطيل عمر الود . |
رد: بوح خريفي
شبح الجنون ..11 سيدتي ..عصفورة الشجن .. هل أنت من سمح لهذا الشبح أن يكلمنا بهذه الطريقة الفظة بل ويطلب منا المغادرة ؟ يا عصفورتي تريثي في قرارك..لا أحد يترك مدينته ويرحل مع شبح لمجرد أنه يهواه .. نحن أهل مدينتك هل تظنين بأننا سنتخلى عنك ؟ أنت منا وفينا ولنا فكيف نتركك ترحلين مع هذا الشبح الأهوج ؟ أنا منكم وفيكم ولكم ؟ أين كان هذا الكلام الجميل ؟ قبل فترة بسيطة جدا ً كنت لا أجد منكم أحدا ً .. كنت وظلام الوحدة وبردها القارس ينخر عظام قلبي وينهش أوردته .. أنتم أين كنتم لحظتها ؟؟ يا عصفورتي ..نحن هنا لم نغادرك ولكننا شغلنا بعض الشيء .. لماذا لا تلتمسين لنا العذر أيتها العصفورة الطيبة ؟ مشغولون ؟ بماذا ؟ بحسناء أخرى ؟ لوت لكم أعناقكم وأدارتها عني كما تدير الرياح طواحين الهواء الفارغة .. استسلمتم لرغباتكم ونزواتكم وشهواتكم وانغمستم في الملذات ونسيتم العصفورة التي منكم وفيكم ولكم تأكلها نيران الوحدة .. تنهش قلبها .. تصهر مشاعر الأرق والانتظار فيها .. تذيب خيوط الأمل في عينيها .. تبخر كل الأحلام الجميلة التي كانت تتوسدها في نومها وتتكئ عليها في شرفة نهارها . عصفورتي إن كنت مصرة على معرفة الأسباب سنلقي إليك بها ولكننا نخاف أن نجرح مشاعرك البريئة ونخدش طفولتك الطاهرة العفيفة؟ ما زلتم تصرون على وضعي بقالب الطفولة حتى تبررون لأنفسكم الغدر والخيانة ؟ اسمعي أيتها العصفورة .. بدون لف ولا دوران ..الحقيقة أنك لست طفلة وأنك امرأة جميلة وشفافة ورقيقة وعذبة ولكنك ترتدين أفكارا ً بالية .. قديمة ..متعفنة .. أكل الدهر عليها وشرب . الحب العذري في نظركم أفكار قديمة .. بالية .. متعفنة ؟! يا عصفورتي الرجل منا يحتاج امرأة .. امرأة هل تفهمين ؟ بهذه الأفكار التي تتشبعين فيها وتنغمسين بجذورها ستقضين على هذا الكون .. تخيلي معي هذا الكون بعد ألف عام .. عندما نسير على خطاك ونتبع أفكارك ونصبح من أتباع الحب العذري .. ماذا سيحل به ؟ سينقرض يا عصفورتي .. نعم سينقرض .. ثم أنك تخالفين الشرائع السماوية التي تدعوا إلى التناسل والتكاثر . هل أنت تصدق ما تقول ؟ هل أنت مقتنع بما قدمته لي من حجج .. أنت تختبئ خلف أصبعك وتحسبني لا أراك .. كيف هذا ؟ الشرائع السماوية تحث على التناسل والتكاثر ولكن ليس على الخيانة .. الشرائع السماوية تحث على السكينة والود والتراحم والعطف والشفقة وليس على الجسد فقط .. يا أصحاب العقول الضيقة . قوليها.. بأننا رجال أغبياء .. لن نغضب منك .. هذه الحقيقة .. ولكن انظري حولك أيتها الملاك الطاهر ..انظري إلى الحروب والدمار والهلاك والعذاب .. كيف لنا نحن البشر الضعفاء أن نعيش وسط هذا الظلام .. وسط هذه الفوضى والظلم والقهر والخذلان دون امرأة تهون علينا الصعاب ؟ تقصد جسد امرأة ؟ فليكن .. جسد امرأة .. أنت امرأة ذكية ويجب أن تتفهمي حاجاتنا وتعذرينا . أنتم تغرقون في الظلام .. في الجهل .. في التخلف .. انظروا إلى هذه الطبيعة الخلابة التي وهبتكم إياها السماء .. هل فكرتم يوما ً ً في تأملها .. تأمل جمالها .. تأمل صفاءها .. تأمل بهاءها .. انظروا إلى هذه الورود الجميلة المستلقية على هذه الأغصان الجميلة .. هل حاول أحدكم يوما ً أن يلاطفها .. يداعب أوراقها .. يحضنها .. يضمها إلى صدره .. يشتكي لها وجعه .. يرويها إن عطشت .. يدثرها إن بردت ؟ طبعا ً لا .. فالكل يتسابق إلى قطف هذه الورود .. قبل أن تستيقظ أشعة الشمس وتلقي عليها تحية الصباح لتكون بين أيديكم شيئا .. مجرد شيء .. شيء جميل تهدونه إلى أؤلئك النسوة المنتظرات إياكم في الحضيض كي يرضين عنكم ويمنحكن ما يشبع غباؤكم . ثم تلقى هذه الورود إلى الجحيم وكأنها ما خلقت إلا لعبثكم . عصفورتي .. صعب أن نتغير الآن ..عليك أن تتقبلينا كما نحن .. بل عليك أن تطرحي عنك هذه الأفكار البالية ..هذا زماننا له أفكاره ومتطلباته واحتياجاته ..عليك أن ترضخي لها وإلا ستبقين غريبة ..غريبة ..غريبة . _التزمت الصمت طوال أحاديثكم ولم أتدخل لمقاطعتكم احتراما ً لعصفورتي وسيدتي وتاج رأسي .. الآن عليكم المغادرة وعدم العودة إلى هنا مرة أخرى . عصفورتي ..لا تلتقطي شيئا ً من هذه الترهات والتفاهات ..غدا ً سترحلين معي إلى عالم نقي مثلك خال ٍ من هذه البشاعة ..عالم طاهر كما تهوى نفسك الطيبة . ليس بعد يا شبحي .. ما زال في جعبتي بعد الاستفسارات ولكن ليس الآن .. ليس الآن . سأخرج معهم وأتركك تأخذين قسطا ً من الراحة وأرجو أن لا تفكري في كلامهم ..عديني يا عصفورتي .. عديني بذلك . أذهب الآن يا شبحي ..أذهب الآن والصباح رباح. |
رد: بوح خريفي
شبح الجنون ..12 عصفورتي .. أرجو ألا يكدر صفوك كلامهم الجارح .. ما كان عليك أن تستمعي إليهم .. لقد بدت عليك معالم الحزن بعد هذا الحديث الجاف والخالي من كل معاني الإنسانية. آآآآآآآآآآآآآآه يا شبحي إني أغرق في كآبة ليس لها حد .. لم أكن أتخيل أنني في يوم من الأيام سأستمع إلى مثل هذا الكلام .. لم يكن كلاما ً يا شبحي بل خناجر مسمومة صوبت إلى قلبي .. هذا القلب الذي أحبهم وأخلص لهم وانتظرهم .. كانت نهايته على يد خنجر غرس في الصميم . عصفورتي ..كان لا بد من معرفتهم على حقيقتهم .. هم كذلك .. لكنك أنت من كنت ترينهم بشكل أجمل . نادمة يا شبحي .. أكاد أموت من الشعور بالندم .. كلما تذكرت ليالي الانتظار الباردة .. الطويلة .. كيف كنت أدفئها بوعودٍ ً طويلة لأمل كاذب .. أرطبها بأحلام أعلم جيدا ً أنها ولدت ميتة .. كنت أتحايل على ظلام الليل كي لا يحل عليّ .. كي لا يأتيني .. كي لا يسلمني للضجر مبكرا ً .. كنت أخشى أن تداهمني سنة النوم وأنا في حالة الضجر هذه .. كنت أكذب على نومي حتى أستقبل نهارا ً آخر .. نهارا ً مختلفا ً .. نهارا ً يشبه تلك النهارات التي كنت أصحو عليها برفقتهم .. ولكن عبثا ً .. عبثا ً ما كنت أحاوله يا شبحي .. كان الليل يحل باكرا ً جدا ً .. ربما قبل أوانه كانه لم يرحل من ليلتي بعد .. وربما لم تشهد عيناي المثقلة بالضجر خيوط الفجر وهي تتسلل معلنة نهارها الجديد على ساحات جفنيّ .. ساعة النوم عندي هي ساعة الموت ..أودع فيها هذا العالم .. كنت أمرُّ ليلا ً على نوافذهم المضاءة ..ألقي عليهم نظرة الوداع المشبعة بالحسرة .. أرفرف بجناحي ّ رفرفة حزينة .. مكسورة .. رفرفة أخيرة .. رفرفة الوداع ..وأعود مثقلة بالوجع .. بالقهر .. بخيبة الأمل لأستقبل موتي ببرود شديد .. وحين أصحو من موتي صباحا ً لا أعلم إن عدت للحياة أم أن جثتي تتحرك في مكانها ؟ أنت تثقلين على نفسك أيتها العصفورة الطيبة .. لو كانوا يستحقون كل هذا الحزن لقلت لك احزني عليهم .. حدثيني عنهم .. فضفضي لي .. بوحي أكثر .. دعينا نتذكرهم سوية ففي ذكراهم شفاء من كل سقم .. لكنهم لا يستحقون .. لا يستحقون . أغبياء .. أسمعت ما قالوا هم عن أنفسهم أغبياء .. لماذا كتب عليّ ألا ألتقيِ إلا الأغبياء ؟ لماذا لا يقع اختيار قلبي إلا على الأغبياء ؟ أخبرني يا شبحي هل يوجد في مدينة العقلاء .. بين أهل مدينة العقلاء من هو ليس بغبي ؟ أرجوك أرشدني إليه .. أتمنى أن ألتقي أحدا ً لم ينتحل عذرا ً لفظاظته وخيانته وغدره غير الغباء ؟ لا يتفقون في شيء سوى في الكذب وأنا في سوء الحظ .. عصفورتي ..لا أريد أن أرى الدموع تتلألأ في عينيك لأجل هؤلاء . الدموع لا تتلألأ في عيني لأجلهم يا شبحي .. بل لأجلي .. لأجل هذه العصفورة المعذبة كم كان حظها عاثرا ً في وطنها .. في عالمها .. في مدينتها .. بين أهلها .. لدى محبيها .. أن كنت غريبة هنا فأين سأكون لست بالغريبة ؟ هم قالوا بالحرف الواحد ستبقين غريبة .. غريبة ..غريبة .. هل تشترى الأوطان يا شبحي ؟ هل يشترى الأهل يا شبحي ؟ كيف أطير بأجنحتي بعد اليوم إن لم أعرف لي وطنا ً أعود إليه ؟ كيف أفرد أجنحتي للطيران وأحلق في فضاءات مجهولة من دون حلم .. دون أن أحلم بحضنهم يضمني في المساء .. يحتويني .. يحتوي تعبي .. تجوالي .. سفري ..عودتي ؟ عصفورتي ..هم متجمهرون في الخارج وفي نيتهم منعك من الرحيل معي .. ماذا أنت فاعلة ؟ أرجو أن لا تتأخري في قرارك ..الوضع أصبح يصعب أكثر فأكثر . نعم يا شبحي الوضع بات صعبا ً أتعلم لماذا ؟ لأنهم ببساطة شديدة يعتبرونني من ممتلكاتهم .. من مقتنياتهم ..في عالمهم هذا الذي أغرقته المادة الأمور عندهم لا تقاس إلا بالمادة ..أنت سمعت بنفسك يا شبحي ردودهم ووجهات نظرهم ..المشاعر والأحاسيس من وجهة نظرهم بالية ..قديمة .. متعفنة ..ليس لها قيمة في عالم المادة الذي يتيهون فيه ويغرقون فيه حد الثمالة ..كيف ستكلم آلات بشرية ..لها هياكل آدمية فقط ولكنها في داخلها متحجرة لا تعمل إلا بضغطة زر ؟ كيف ستفهمهم خيبة أملي ورجائي فيهم ؟ كيف ستخبرهم اني أغرق في كآبة وحزن هم من حفر لي قبره .. كيف ستفهمهم أنني لا أستطيع العيش غريبة في وطني وفي حضن أهلي ؟ كيف يا شبحي ؟ كيف ؟؟ عصفورتي ..أتركي هذا الأمر لي ..أنت لن تقابليهم بعد اليوم ..أنا من سيتصدى لهم |
رد: بوح خريفي
شبح الجنون ..13 لم أرَ عصفورتي على هذه الحالة من الحزن قبل الآن .. كأنك عصرت حزن الكون كله وأمضيت الليل في احتسائه حتى الثمالة . لم أشعر بتناقض كبير في حياتي يا شبحي كالذي يعتريني الآن .. أذكر أنني حين أخبرتك عن الحروف التي ارتسمت في فنجان قهوتي صدفة ذات صباح .. عن الوصفة السحرية ..عن الثورة التي هبت في أرجاء قلبي ..عن العاصفة الهوجاء التي اجتاحت فكري .. مخيلتي .. أحلامي .. عن رغبتي الأكيدة في الطيران مجددا ًً.. عن التحليق في فضاءات لا حد لها خلف ذيل قصة عتيقة وأدتها حية قبل قرن من الزمان ..عن نيتي في أن أهبّ إليها قبل فوات الآوان كي أميط عن ما بعثرته فوقها من أتربة .. كي أعيد لها دورة الحياة .. كي أسكنها وتسكنني وأعيش ما بقي من عمري في كنفها ولو داخل أقبية قبرها . لكنني اليوم وبعد أن اصبت بطلقات من خيبة الأمل وبعد أن احتل الحزن قلبي أشعر أنني عزفت عن فكرة الطيران من جديد .. لم أعد أرغب حتى بفرد أجنحتي ولو لبعض الوقت .. أرغب يا شبحي في الإنزواء بعيدا ً ..أرغب بالمكوث هنا قرب هذا الموقد وثلة الحطب .. أشعر ببرد شديد يمزق أوصالي .. حتى هذه النوافذ المطلة على مدينة العقلاء وأهلها أود إغلاقها بإحكام .. أخشى أن تتسرب إلي منها رياح باردة تبثها أجسادهم الخاوية .. أخشى البرد يا شبحي .. أخشى الصقيع .. أخشى التجمد الذي بدأ يهدد حياتي . كلمات مبتورة من أناس مزيفين تفعل بعصفورتي كل هذا ؟ ليست كلمات مبتورة يا شبحي .. ليست مجرد كلمات مبتورة .. بل هي الخديعة ..هي طلقات الخديعة يا شبحي التي صوبت لقلبي .. بركة من الوهم كنت أعوم فيها حتى كدت أغرق ..ابتلت أجنحتي وقصفت من البرد وتقول لي كلمات مبتورة . كنت أؤسس في داخلي مدينة من الأوهام في فكري .. أحلم بأناس يشبهونني ..ينطقون لغتي .. يجيدون أبجديتي .. يفهمون عشقي .. أسكنهم كما يسكنونني .. فإذا بي أسكن الفراغ .. أسكن العدم .. أسكن اللاشيء . لا أحد يشبهنني يا شبحي ..لا أحد ..لا أحد يشبهني سوى من رسمتهم أبطالا ً في أوهامي .. في أحلامي .. في خيالاتي الجريحة .. في أفكاري المنسوجة من حبر على ورق .. وعندما حاولت استنطاقهم .. فقدوا النطق ..أصابهم الخرس يا شبحي وأنا التي كنت أسمع رنين أصواتهم يوقظني من مناماتي فأقف كالمسحورة أمام عذب كلماتهم .. نسيت أنني أنا من خط أحرفها بلهيب أناملي . رسمت خديعة كبيرة لنفسي .. أوقعت فيها ذاتي .. أغرقتها وعندما أوشكت على الهلاك لم تجد حولها طوق نجاة .. كل ما حولي يخنقني يا شبحي . وتلك الحروف يا عصفورتي .. ما هو مصيرها الآن ؟ تلك الحروف يا شبحي دعها تهنأ في قبرها .. لن أميط عنها التراب .. سأدعها تموت .. سأخنقها قبل أن تخنقني ..قبل أن يأتي يوم فتقف في بابي وتطلق على قلبي الرصاص . قد كنت امرأة حبلى بالوهم يا شبحي ..تسعة أشهر أحمل بين أحشائي وهما ً وحين تمخضت أنجبت جنينا ً من الوهم .. هل سأربي الوهم طفلا ً لي ليكون عكازي الذي أتكئ عليه في أيام كهذه ؟ هل يعيش أطفال الوهم ؟ هل يكبرون ؟ هل يصبحون رجالا ً ؟ أم يبقون مجرد أقزام في زمان أفراده هم عمالقة الخديعة ؟ وصندوق الذكريات يا عصفورتي ؟ هذا الذي تحملينه منذ ألف عام بين أضلاعك ماذا ستفعلين ؟ سألقي به لهذا الموقد .. حطبا ً للشتاء القادم . يتبع ربما |
رد: بوح خريفي
شبح الجنون ..14 علمت بأن العصفورة السعيدة معتكفة في صومعتها .. لا تكلم أحدا ً ..لا تقابل أحدا ً .. فهل أطمع بشرف مقابلتك سيدتي ولو لثوان ٍٍ معدودة ؟ هل حضرت أخيرا ً ؟ كم انتظرت قدومك حتى مللت من انتظاري لك ويئست من حضورك . عصفورتي .. لن أقدم عذرا ً لغيابي فأنت تعلمين جل ّ أعذاري .. نعم ..أنا أعلم جل ّ أعذارك فقد فاقت شعيرات المشيب في رأسك .. لكنك الوحيد الذي لا زلت ألتمس له العذر في هذه المدينة .. مدينة العقلاء .. مدينة الأغبياء كما أراد لها أهلها من تسمية .. أنت الوحيد الذي لا تعتبر من هؤلاء الأغبياء .. لم أجدك في يوم غبيا ً .. ربما كنت غامضا ً بعض الشيء ولكن غموضك كان يريحني .. كان يعطيني مساحة واسعة للكرّ والفرّ .. للطيران والتحليق .. ألست عصفورة ؟ كنت أعلم بهذا يا عصفورتي ولكنني كنت متيقنا ً أن قلبي هو مهبطك الآمن الذي تهبطين إليه بسلام بعد كل جولة . سأرحل عن مدينة العقلاء .. سأتركها لهم .. أهل الخديعة والخيانة .. يا عصفورتي .. كم حذرتك من قبل .. قلت لك هم قلوب جائعة للحب .. تريد أن تلتهم الحب كسرة إثر كسرة .. لن يشبع نهمها ما تلقينه لهم من فتات.. لست رسولا ً للحب والإنسانية .. لست نبيا ً أتلو عليهم الذكر وألقنهم الوصايا .. أنا عصفورة .. أطير .. أحلق .. أهبط في أفئدة تمنحني الحب في وقت تشتد فيه العواصف في الخارج وتنذر بقنابل من المطر .. أحتمي في أفئدتهم .. أختبيء من ويل العواصف .. أنتظر حلول الربيع.. حتى أتمكن من فرد أجنحتي والطيران صوب جهة أخرى .. هو ذا نحن العصافير وهذا حالنا .. لم أكن أعلم أنه لقاء كل ذرة حب عليّ أن أدفع لهم الثمن .. وحين رفضت .. تخلوا عنك ؟ لا .. بل غدروا بيّ .. عصفورتي هذا طبع البشر .. كان عليك أن تتيقني من الحضن الذي ستأوين إليه .. ستتدثرين به .. ما كان عليك أن تنخدعي بمظاهرهم الكاذبة .. كان عليك أن لا تلجئي إلا ّإليّ . وأين أجدك ؟ في ساحة الوغى ؟ أم منغلق على ذاتك في صومعة لا أعرف وجهتها ؟ أم يائس وبائس ولا تحبني أن أراك وأنت تجتر بؤسك ؟ عصفورتي .. فلننه هذا الخلاف الآن ..أنت لن ترحلين إلى الأبد .. ستبقين قربي .. لن أعدك بعدم الغياب فأنا لم أعتد الكذب .. ولكنني أعطيك مساحة واسعة من الحرية تكفيك لتغادري مع هذا الشبح .. بعض الوقت .. هو سيعتني بك لأنه يحبك بصدق ولكنك لن تقيمين معه في مدينته .. عالم الجنون .. هي مجرد فترة من الوقت تحتاجينها كي تداوي الآلام التي سببها لك معشر الأغبياء .. ثم تعودين في الربيع القادم وقد تعافيت من كل سوء وعندها ستجدين قلبي كما هو مهبطك الآمن وربما لن تضطرين للرحيل مرة أخرى . وأتمنى أن تنتهي كل أعذارك في غيابي .. لن أعود لو لمست عذرا ً واحدا ًً في انتظاري .. عليك أن تنتهي من كل أعذارك في رحلة الغياب هذه . نعم .. أنا بحاجة لإعادة ترتيب أوراقي .. هناك الأهم فالمهم وأنت الأكثر أهمية في حياتي .. ورحيلك المؤقت مع هذا الشبح ما هو إلا للترفيه عن نفسيتك المتعبة فقط .. أهل مدينة العقلاء اتركيهم لشأنهم لا علاقة لك بهم بعد اليوم .. قلوبهم جوفاء كعقولهم .. سامحيهم ولا تنتظري منهم شيئا ً . هيا يا عصفورتي .. في عالمي هناك .. عالم الجنون ستصبحين عصفورة الفرح ..هناك حيث الفرح والحب بلا مقابل .. حيث الطهر والنقاء .. حيث تختفي المادة من حسابات البشر ولا يتسلل الحقد والجبن والخوف إلى القلوب.. هناك حيث الحرية حرية وليست مفردات تشبهها أو تميل إليها بعض الشيء .. هناك كل الأمور تسمى بمسمياتها الحقيقية ولم تفرغ من مضمونها بعد ..هناك حيث الدفء يحتوي القلوب يغمرها يحيطها كسياج من لسعات البرد القارص .. حيث النظرات الحنونة تمطرك حبا ً وترويك عشقا ً إن اعتكفت في يوم مياه الأمطار .. هناك الريح تضحك والقمر يغني والعشب يتراقص والبحر يرسل أمواجه لمعانقة النجوم والشمس تستلقي كل مساء في حضن البحر .. تغفو في جوفه وتستيقظ دون إذن أو ميعاد .. الفصول فصول والساعات ساعات .. الليل يصافح النهار والنهار يذوب في دموع الليل حتى يبزغ الشروق .. هناك يا عصفورتي سيطيب لك المقام .. هناك العالم الذي يستحقك فلا تضني عليهم بوجودك الجميل . انتظرني يا شبحي لألقي على أهلي .. أهل مدينة العقلاء تحية الوداع .. أنا قادمة إليك في الحال .. *** الوداع يا أهل مدينة العقلاء .. إني راحلة الآن ولكنني لن أغيب .. سأعود .. عندما تعودون إلى رشدكم وتتعلمون أبجدية الحب الحقيقية .. وتدفنون الزيف والخداع .. عندها سأعود .. سأعود يا أهل مدينتي .. مدينة العقلاء . |
الساعة الآن 44 : 07 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية