![]() |
مدينة الشاعر محمود درويش
[align=justify] محمود درويش وفتنة الكلام · طلعت سقيرق طبعا لا يأتي ديوان " كزهر اللوز أو أبعد " مفردا في الحكم ، فأنا أقصد عموم شعر درويش وصفحته الإبداعية كلها ، ولكن لقرب الديوان مني متناولا وقراءة أراني في كثير من الأحيان أعود إليه منقبا مفتشا عن معاني السر والسحر معا .. ومن قرأ هذا الديوان لا بدّ أن يلحظ أنّ محمود درويش قد صفى الكلام أو دوزنه على قياس خاص يدخل في اليوميّ ولا يترك الوطنيّ، ويدخل في الوطنيّ دون أن يغادر اليوميّ ، فكان هذا المشترك في التعبير عنوان يوميات الإنسان الفلسطيني بكل حالاته .. فهناك "أنا" الشاعر ، وهناك "هو" المتصلة بالشاعر ، وهناك تداخل بين الاثنين بصورة حاول الشاعر محمود درويش أن يجعلها فريدة قدر المستطاع بعيدا عن أي ّ ضجيج أو استغراق في الصور البلاغية لذلك كانت إشارته في مطلع الديوان من كلام التوحيدي :" أحسن الكلام ما قامت صورته بين نظم كأنه نثر، ونثر كأنه نظم ".. معبرة خير تعبير عما أراده من عزفه المنفرد ربما في هذا الديوان ، وهو عزف جماليّ فيه الكثير من ملامح محمود درويش ، مع محاولة قصّ الزوائد التي تحملها بنية الصورة البلاغية أحيانا فتذهب بالشاعر بعيدا عما كان يريد أن يقول لتكون الصورة هي المسيطرة .. هنا لا يريد محمود درويش شيئا من كلّ هذا فهو يفرد الكلام الذي يقارب أو يداخل الذات في تعدد حالاتها بانيا ما هو خاص في صورته بعيدا عن أيّ شرك قد تنصبه البلاغة أو الصورة البلاغية للشاعر .. يقول في قصيدة " كما لو فرحت " معبرا عن حالة عادية جدا لكن بلغة الشاعر المصفاة :" كما لو فرحتُ : رجعتُ ضغطت على / جرس الباب أكثر من مرة وانتظرتُ / لعلـّي تأخرتُ لا أحدٌ يفتحُ الباب لا /نأمةٌ في الممرّ / تذكرتُ أنّ مفاتيح بيتي معي فاعتذرتُ / لنفسي : نسيتكَ فادخلْ / دخلنا أنا الضيف في منزلي والمضيف / نظرتُ إلى كلّ محتويات الفراغ ، فم أرَ / لي أثرا ربما ...ربما لم أكن هاهنا .لم / أجد شبها في المرايا ففكرت أين / أنا ،وصرختُ لأوقظ نفسي من الهذيان / فلم أستطع ..وانكسرتُ كصوت ٍ تدحرج / فوق البلاط وقلتُ : لماذا رجعتُ إذا ؟؟.. / واعتذرتُ لنفسي : نسيتك فاخرج / فلم أستطع .ومشيتُ إلى غرفة النوم / فاندفع الحلم نحوي وعانقني سائلا : / هل تغيرت ؟؟. قلت تغيرتُ فالموتُ/ في البيت أفضل من دهس سيارة / في الطريق إلى ساحة خالية..".. السطر المدور ، الاقتصاد في المفردات ، الحكاية ، الهاجس ، اللعب على وتر الغياب والحضور، دوران الذهن في معنى الحياة ومعنى الوجود ، الشعور بالوحدة الضاغطة .. والكثير غير ذلك في مفردات قليلة مليئة بنبض الشعر وعلوه ووصول الشاعر إلى صفاء الرؤيا وفلسفته للحياة والوجود .. كل ذلك ، وما نجده في شعر درويش ، يبقيه شاعر فتنة الكلام بامتياز .. [/align] |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
وعاد في كفن يحكون في بلادنا يحكون في شجن عن صاحبي الذي مضى و عاد في كفن * كان اسمه.. . لا تذكروا اسمه! خلوه في قلوبنا... لا تدعوا الكلمة تضيع في الهواء، كالرماد... خلوه جرحا راعفا... لا يعرف الضماد طريقه إليه. .. أخاف يا أحبتي... أخاف يا أيتام ... أخاف أن ننساه بين زحمة الأسماء أخاف أن يذوب في زوابع الشتاء! أخاف أن تنام في قلوبنا جراح نا ... أخاف أن تنام !! -2- العمر... عمر برعم لا يذكر المطر... لم يبك تحت شرفة القمر لم يوقف الساعات بالسهر... و ما تداعت عند حائط يداه ... و لم تسافر خلف خيط شهوة ...عيناه! و لم يقبل حلوة... لم يعرف الغزل غير أغاني مطرب ضيعه الأمل و لم يقل : لحلوة الله ! إلا مرتين لت تلتفت إليه ... ما أعطته إلا طرف عين كان الفتى صغيرا ... فغاب عن طريقها و لم يفكر بالهوى كثيرا ...! -3- يحكون في بلادنا يحكون في شجن عن صاحبي الذي مضى و عاد في كفن ما قال حين زغردت خطاه خلف الباب لأمه : الوداع ! ما قال للأحباب... للأصحاب : موعدنا غدا ! و لم يضع رسالة ...كعادة المسافرين تقول إني عائد... و تسكت الظنون و لم يخط كلمة... تضيء ليل أمه التي... تخاطب السماء و الأشياء ، تقول : يا وسادة السرير! يا حقيبة الثياب! يا ليل ! يا نجوم ! يا إله! يا سحاب ! : أما رأيتم شاردا... عيناه نجمتان ؟ يداه سلتان من ريحان و صدره و سادة النجوم و القمر و شعره أرجوحة للريح و الزهر ! أما رأيتم شاردا مسافرا لا يحسن السفر! راح بلا زوادة ، من يطعم الفتى إن جاع في طريقه ؟ من يرحم الغريب ؟ قلبي عليه من غوائل الدروب ! قلبي عليك يا فتى... يا ولداه! قولوا لها ، يا ليل ! يا نجوم ! يا دروب ! يا سحاب ! قولوا لها : لن تحملي الجواب فالجرح فوق الدمع ...فوق الحزن و العذاب !لن تحملي... لن تصبري كثيرا لأنه ... لأنه مات ، و لم يزل صغيرا ! -4- يا أمه! لا تقلعي الدموع من جذورها ! للدمع يا والدتي جذور ، تخاطب المساء كل يوم... تقول : يا قافلة المساء ! من أين تعبرين ؟ غضت دروب الموت... حين سدها المسافرون سدت دروب الحزن... لو وقفت لحظتين لحظتين ! لتمسحي الجبين و العينين و تحملي من دمعنا تذكار لمن قضوا من قبلنا ... أحبابنا المهاجرين يا أمه ! لا تقلعي الدموع من جذورها خلي ببئر القلب دمعتين ! فقد يموت في غد أبوه... أو أخوه أو صديقه أنا خلي لنا ... للميتين في غد لو دمعتين... دمعتين ! -5- يحكون في بلادنا عن صاحبي الكثيرا حرائق الرصاص في وجناته وصدره... ووجهه... لا تشرحوا الأمور! أنا رأيتا جرحه حدقّت في أبعاده كثيرا... " قلبي على أطفالنا " و كل أم تحضن السريرا ! يا أصدقاء الراحل البعيد لا تسألوا : متى يعود لا تسألوا كثيرا بل اسألوا : متى |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
أسرار مراوغات (لاعب النرد) مع الموت حكاية شاعر فلسطيني أعار إيقاعه لمأساة شعبه فبقي يرصد رحيل الشهداء ويحرسهم أوس داوود يعقوب [align=justify]خمسة وعشرون عاماً هي المسافة الزمنية الفاصلة بين إصابة محمود درويش بالذبحة القلبية الأولى وبين مواراته الثرى في تراب رام الله إثر العملية الجراحية التي أودت بحياته. وقد كان درويش في عامه الأخير، يدرك أن مواجهته مع الموت قد دنت. وكان كمن يريد تأجيل مواجة يشعر أنها قد تكون نهائية وقد تكون خاسرة، أو كان كمن يريد أن يستعد لهذه المواجهة، وهو مدجج بمزيد من الشعر. وفي عمله الأخير الذي ظهر إلى العلن بعد رحيله ( لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي ) ، تطالعنا وقائع اللحظات الأكثر قساوة من حياة درويش ، فهو يكمل ما بدأته (الجدارية) من تفاصيل المواجهة الضارية بين الشاعر والموت. وإذا كانت رائعة محمود درويش الجارحة المودعة (لاعب النرد) المكتوبة في الأصل تحت هاجس كونها القصيدة الأخيرة ، هي أقرب ما تكون إلى البيان الشعري الختامي وبخاصة من خلال خاتمتها المؤثرة التي بدا سطرها الأخير (مَنْ أنا لأخيب ظن العدم) تراجعاً واضحاً عن صرخته السابقة (هزمتك يا موت الفنون جميعها). ورغم أن البعض رأى أن درويش لم يعلن اليأس في هذه القصيدة ، لأنه لم يتكلّم عن الموت بل عن العدم. و بحكم معرفته بأن للنصوص حياة خاصة، تستمر بعد أصحابها، وأن الكينونة بالمعنى الفيزيائي مرشحة للعدم، ولا أحد يمكنه التحايل على ما هو عكس الوجود. و في ظل كينونة مرشحة لعدم لم يعد من الممكن تأجيله، حتى عن طريق صدفة غير متوّقعة . وأن درويش لا يستعيد في النص المفارقات الصغيرة، والمصادفات الكثيرة في حياته، في ظل ما يشبه النشيد الجنائزي، بل ينظر إليها بقدر كبير من حس الفكاهة كأنها تخص شخصاً آخر. ففي مطلع القصيدة يتكلّم محمود درويش عمّا ورثه من العائلة، فيعدد ست صفات من بينها أمراض القلب. وهي حقيقة يعرفها كل من عرفه عن قرب. فإلى جانب معاناته الخاصة مع أمراض القلب، عانى اثنان من أخوته من مشاكل في القلب، ويبدو أن المشكلة جينية بالفعل. أما المصادفات الأخرى، فتتعلّق بما يحدث للفرد، الذي يجد نفسه، فجأة، ضحية تحوّلات تاريخية، غالبا ما تصنع المصائر الفردية، بطريقة لا تنسجم بالضرورة مع ما يريده في الأحوال العادية. وبقدر ما يتعلّق الأمر بالطفل الذي كان في السابعة من عمره في العام 1948، فإن ما حدث آنذاك يمثل اللحظة التي تغيّرت فيها حياته مرّة واحدة وإلى الأبد. ولكن اللافت في هذا السياق هو أن إحساس الشاعر بالموت لم يكن يقينياً بما يكفي لكي يحصر قصائده الأخيرة بفكرة العدم وحدها، لذلك فقد وسّع شبكة اهتماماته ليقارب أموراً مختلفة تتعلق بالحب والهوية والمكان والعلاقة بالآخر، كما برثاء الأحبة والأصدقاء مثل إميل حبيبي و نزار قباني. • كتب أجمل قصائده ومقالاته في رثاء أحبته من شهداء فلسطين والأمة العربية توقف محمود درويش عند لحظة الموت منذ بداياته الشعرية، حيث أعار إيقاعه لمأساة شعبه فبقي يرصد رحيل الشهداء وظل يحرسهم من هواة الرثاء. و لم يستطع أصدقاء درويش والمقربون منه ، أن يتمالكوا أنفسهم ، ويكتمون خوفهم ورهبتهم حين تداولوا ديوان ( أثر الفراشة) ، إنتاجه قبل الأخير، كان الجو العام الذي تركته النصوص في هذا الديوان وكأن شاعرنا ؛ بوصلة إحساسنا الوطني ؛ يرثي نفسه وبذلك يرثي قضيتنا الفلسطينية ويدخل حقبة جديدة من اليأس. وشعر المقربون منه بعد قراءة نصوص (أثر الفراشة) بالقلق حين تمعنوا في قصيدته (أنت منذ الآن أنت) التي تختم الديوان وتصف رحلته إلى الكرمل في قوله : ( لم أَرَ جنرالاً لأسأله: في أي ّ عامٍ قَتَلتَنِي ؟ لكني رأيت جنوداً يكرعون البيرة على الأرصفة. وينتظرون انتهاء الحرب القادمة، ليذهبوا إلى الجامعة لدراسة الشعر العربي الذي كتبه موتى لم يموتوا . وأنا واحد منهم! ) ولعل قصيدة (أثر الفراشة) هي القصيدة التي يريدنا محمود أن نتذكر تجربة حياته بواسطتها ، فهو أخ الفراشة وتلميذها ، وهو اللاجئ الذي يتنقل من زهرة إلى أخرى ليبقى أثره هناك ويساهم في عملية استمرار الحياة لغيره بمساعدة الأزهار على عملية اللقاح. فرغم أننا نجد في جميع نصوصه بأن ما يكتبه إنما هو فكر يلخص تجربة شعب لاجئ. والفكر لا يرى ولكنه لا يزول. و يرى الناقد فخري صالح أن في شعر درويش ( تعبيراً عن الروح الفلسطينية المعذبة الباحثة عن خلاص فردي ـ جماعي من ضغط التاريخ والجغرافيا). مضيفاً :)إن درويش ربط حكايته الشخصية مع الموت بأرض فلسطين، حيث يدور بينه وبين السجان حوار عن الحاضر المسكون بالماضي وعن السجان السجين)، ويتابع صالح :)إن شبح الموت لا يستطيع محو الحكاية المركزية.. حكاية الشاعر الفلسطيني المقيم في سفره الطويل). وقد حاول درويش في رحلة حياته أن يرسم في كثير من شعره ونثره صوراً قلمية للأحبة و رفاق الدرب و الأصدقاء .. كما حدثنا في مراثيه عن حكايات الأيام ، مع الوجوه التي عرفها وآنسه وجودها ، ورافقته دروب النضال والعطاء و الإبداع ، تلك الحكايات التي تثير في النفوس أشجان الحزن على فراق شهداء فلسطين الكبار ، وفراق أحبته من صناع التاريخ العربي المعاصر. شهداء فلسطين والأمة العربية الذين كانوا أحبته ، وكتب أجمل قصائده ومقالاته فيهم بدءاً من غسان كنفاني مروراً بكمال ناصر و راشد حسين و ماجد أبو شرار و عز الدين قلق و خليل الوزير و معين بسيسو و إميل حبيبي و إبراهيم أبو لغد و فدوى طوقان و ادوارد سعيد و إسماعيل شموط و توفيق زياد و سليمان النجاب و ياسر عرفات . وصولاً إلى الكبار من أبناء أمتنا العربية من قادة وشعراء وكتاب ومفكرين أمثال الزعيم جمال عبد الناصر والشعراء أمل دنقل و صلاح جاهين و عاصي الرحباني و محمد الماغوط و ممدوح عدوان و المفكر اللبناني الشيخ حسين مروة و الدبلوماسي التونسي حمّادي الصيد و الكاتب الصحفي جوزيف سماحة و شهيد الكلمة الحرة سمير قصير. وقد كتب درويش عن ميتات محبيه وأصدقائه ، الذين سبقوه ، كما لم يكتب أحد ، وسألهم أن لا يموتوا وان ينتظروا سنة واحدة فقط: (سنة أخرى فقط تكفي لكي اعشق عشرين امرأة وثلاثين مدينة). وكان وهو يكتب قصيدته هذه كأنه يرسم صورة للموت المرتبط بالمقاومة والأرض والهوية ويربي الأمل للوصول إلى الحياة الأجمل. كما كان مؤمناً أن (الموت ضربٌ من الغدر) ، قال مرة في رثاء له للدبلوماسي والمثقف التونسي حمّادي الصيد ، وكونه لاعبًّ الموت وتهربًّ منه مرًّتين ، قال: ( أما الموت فلا شيء يهينه كالغدر: اختصاصه المجرّب). هل طلب محمود ( سنة أخرى فقط ) في حجرة العمليات التي أقلّته إلى موعده كما قال في كتابه (في حضرة الغياب): ( فلأذهب إلى موعدي فور عثوري عل قبرلا ينازعني عليه أحدٌ من أسلافي) . • في مرحلة الطفولة علّمه اضطهاد الصهاينة بأنّ الشعر قد يكون سلاحاً يوم السبت 9 آب (أغسطس) 2008 ، رحل كاتب الملحمة الفلسطينية الأكبر التي رافقته منذ تهجيره من قريته في شمال فلسطين وعودته إليها ، ثم أوديسته الطويلة بين البلدان والعواصم . نعم رحل سيد الكلام ، نجم فلسطين وزينة شبابها ، بعد رحلة طويلة من النضال و العطاء و الإبداع ، بدأت في 13 آذار (مارس) 1941 ، يوم ولد محمود درويش في قرية (البروة) ، التي تقع مسافة 9 كيلومترات شرق عكا، وكان الابن الثاني في أسرة فلاّحية تتكون من ثمانية أفراد، خمسة أولاد وثلاث بنات. وقد عاش طفولة بريئة في أحضان هذه القرية الوادعة الواقعة على هضبة خضراء ينبسط أمامها سهل عكا. في سنّ السابعة ، توقفت ألعاب الطفولة ، كما يعبّر درويش في وصف ليلة النزوح من قريته ، تحت ضغط العدوان الصهيوني التي شنتها ، عصابات النازيين الجدد ، بهدف تفريغ قرى الجليل من الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين. ونراه يخبرنا عن تفاصيل تلك الليلة التي لا تنسى قائلاً : (إني أذكر كيف حدث ذلك... أذكر ذلك تماماً: في إحدى ليالي الصيف، التي اعتاد فيها القرويون أن يناموا على سطوح المنازل، أيقظتني أمّي من نومي فجأة، فوجدت نفسي مع مئات من سكان القرية أعدّو في الغابة. كان الرصاص يتطاير من على رؤوسنا، ولم أفهم شيئاً مما يجري. بعد ليلة من التشرّد والهروب وصلت مع أقاربي الضائعين في كلّ الجهات، إلى قرية غريبة ذات أطفال آخرين. تساءلت بسذاجة: أين أنا ؟ وسمعت للمرّة الأولى كلمة (لبنان ). يخيلّ إليّ أنّ تلك الليلة وضعت حدّاً لطفولتي بمنتهى العنف. فالطفولة الخالية من المتاعب انتهت. وأحسست فجأة أنني أنتمي إلى الكبار. توقفت مطالبي وفُرضت عليّ المتاعب. منذ تلك الأيّام التي عشت فيها في لبنان لم أنس، ولن أنسى إلى الأبد، تعرّفي على كلمة الوطن. فلأوّل مرّة، وبدون استعداد سابق، كنت أقف في طابور طويل لأحصل على الغذاء الذي توزعه وكالة الغوث. كانت الوجبة الرئيسية هي الجبنة الصفراء. وهنا استمعت، لأوّل مرّة، إلى كلمات جديدة فتحت أمامي نافذة إلى عالم جديد: الوطن، الحرب، الأخبار، اللاجئون، الجيش، الحدود... وبواسطة هذه الكلمات بدأت أدرس وأفهم وأتعرّف على عالم جديد، على وضع جديد حرمني طفولتي ). بعد عام تسلّل درويش، برفقة عمّه والدليل الذي يعرف مجاهل الدروب في الجبال والوديان، عائداً إلى فلسطين ليستقرّ في قرية (دير الأسد)، لأنّ قريته الأصلية (البروة) كانت قد هُدمت تماماً وأقيمت بدلاً عنها مستوطنة صهيونية. ولم يطل الوقت حتى فهم الفتى أنه فقد أرض الأحلام الأولى نهائياً: ( كلّ ما في الأمر هو أنّ اللاجىء قد استبدل عنوانه بعنوان جديد. كنتُ لاجئاً في لبنان، وأنا الآن لاجىء في بلادي (...) وإذا أجرينا مقارنة بين أن تكون لاجئاً في المنفى ، وأن تكون لاجئاً في الوطن، وقد خبرت النوعين من اللجوء، فإننا نجد أن اللجوء في الوطن أكثر وحشية. العذاب في المنفى، والأشواق وانتظار يوم العودة الموعود، شيء له ما يبرره.. شيء طبيعي. ولكن أن تكون لاجئاً في وطنك، فلا مبرر لذلك، ولا منطق فيه ). وفي مدرسة القرية كان المدير والأساتذة يحبّون هذا الفتى المتفوّق في الدراسة والرسم، والذي كان يحاول كتابة الشعر الموزون على غرار قصائد الشعر العربي القديم، وكانوا يخبئونه كلما كانت الشرطة الصهيونية تأتي إلى القرية لأنه يُعتبر في حكم (المتسلل)، وكانوا يحذّرونه من الاعتراف بأنه كان في لبنان، ويعلّمونه أن يقول إنه كان مع إحدى القبائل البدوية في الشمال . وكان اللجوء إلى الشعر هو أحد أشكال بحث محمود درويش عن (وطن لغوي) ، يخفّف من حدّة النفي داخل الوطن الحاضر والغائب معاً. وفي وصف ذلك يقول درويش: ( بدأت علاقتي بالشعر عن طريق علاقتي مع المغنّين الفلاحين، المنفيين من قبل الشرطة. كانوا يقولون أشياء غريبة على درجة من الجمال بحيث أنني لم أكن أفهمها، ولكني كنت أشعر بها (...) وهكذا وجدت نفسي قريباً من أصوات الشعراء الجوّالين المغنّين، وفيما بعد أخذت أستمع إلى الشعر العربي الكلاسيكي الذي يروي مغامرات عنترة وسواه من الفرسان، فاجتذبني هذا العالم وصرت أقلّد تلك الأصوات، وأخترع لنفسي خيولاً وفتيات، وأحلم في سنّ مبكرة أن أتحوّل إلى شاعر (...) وقد مررت بتجربة مبكرة علمّتني أنّ ما أفعله، وما ألعبه، هو أخطر بكثير مما أتصوّر. ذات يوم دُعيت لإلقاء قصيدة في المدرسة، ومن الغرابة أنّ المناسبة كانت ذكرى (استقلال إسرائيل) . وكنت وقتها في الثانية عشرة من عمري، وكتبت شيئاً سمّوه قصيدة، تحدثت فيها عن عذاب الطفل الذي كان فيّ، والذي شُرّد وعاد ليجد (الآخر) يقيم في بيته، ويحرث حقل أبيه. قلت ذلك كلّه ببراءة شديدة. وفي اليوم التالي استدعاني الحاكم العسكري، وهدّدني بشيء خطير جداً. ليس بسجني، بل بمنع أبي من العمل. وإذا مُنع أبي من العمل، فإنني لن أتمكن من شراء الأقلام والأوراق لكي أكتب. ساعتها فهمت أنّ الشعر حكاية أكثر جدّية مما كنت أعتقد، وكان عليّ أن أختار بين أن أواصل هذه اللعبة الأكثر جدّية مما أتصوّر، أو أن أتوقف عنها. وهكذا علّمني الاضطهاد بأنّ الشعر قد يكون سلاحاً ). • كان صوت فلسطين الحضاري المتواصل بآلامه وأحزانه وطموحاته تمر السنين و يواصل محمود درويش اللعبة ! بين سنتي 1961) و1967( سُجن خمس مرّات. كانت الأسرة قد انتقلت من قرية (دير الأسد) إلى قرية (الجديدة)، أمّا محمود فقد استقرّ في مدينة حيفا، وانتسب إلى الحزب الشيوعي هناك ، وعمل في صحيفتي (الاتحاد والجديد) اللتين كانتا المنفذ الإعلامي الشرعي الوحيد للمثقفين الفلسطينيين في الوطن المحتل. وفي عام 1971 قطع درويش دورة دراسية في موسكو وظهر فجأة في القاهرة، فأثار خروجه ضجة كبرى . و بعد إقامة في القاهرة استغرقت سنتين، انتقل بعدها إلى العاصمة اللبنانية بيروت، وعمل رئيساً لتحرير فصلية (شؤون فلسطينية)، ثمّ أسّس الفصلية الثقافية (الكرمل) التي ستصبح أهمّ دورية ثقافية عربية. وفي عام 1982، إثر الاجتياح الصهيوني للبنان، غادر درويش إلى تونس ثمّ إلى باريس التي بقي فيها حتى عام 1995 حين عاد إلى مدينة رام الله، واستأنف فيها إصدار (الكرمل). ومحمود درويش شاعر المنفى واللجوء ، لم يتوقف عن دفع الشعر العربي إلى مراتب نسيها منذ أزمان. وبين مجموعة شعرية وأخرى أخذت سلطة درويش الأدبية تتعاظم وتترسخ ، فأدرك أن موقع الشاعر الناطق باسم الوجدان الجمعي للأمة يقتضي قبل أي شيء آخر تطوير الموضوعات والأدوات والأساليب التي تضمن للشعر أن يواصل الحياة تحت اسم وحيد هو الشعر، وأن لا ينقلب إلى تعاقد سكوني شبه إيديولوجي بين الشاعر الذي ارتقى إلى القمة ، وبين الوجدان الجمعي الذي أسلم للشاعر قسطاً كبيراً من الحق في تكييف الميول وردود الأفعال. ومنذ هذا الطور واصل درويش وفاءه لتعاقد ثنائي ـ شاقّ وخلاّق ـ مع موقعه كشاعر: تعاقد مع مشروع شعري لا بدّ له من أن يتطور ويتكامل وفق دينامية متصاعدة، وتعاقد مع قارىء واع ٍ يتشبث بالطور الراهن من خطاب شاعره لأنه يجد فيه الملاذ. و لقد تجاوز درويش بشعره وحضوره الثقافي والإنساني المميز كل الحدود محطماً قيود الوطنية الضيقة والانتماءات الصغرى ليكون بحق صوت فلسطين الحضاري المتواصل بآلامه وأحزانه وطموحاته مع روح العصر والفكر الإنساني العالمي المبدع . وتكمن عظمة درويش الأساسية في البلورة الشاعرية الثاقبة للذاكرة التاريخية الفلسطينية خصوصاً في قضية اللاجئين. وقد قسم الناقد السوري الأستاذ صبحي حديدي تطوّر تجربة محمود درويش الشعرية إلى تسعة مراحل هي : 1 ـ مرحلة (الطفولة الشعرية) : وتمثّلها مجموعة (عصافير بلا أجنحة) عام 1960 التي سيتخلّى عنها درويش سريعاً لأنها، بالفعل، كانت تمثّل محاولات مبكّرة لا تعكس صوته الخاصّ بقدر ما تردّد أصداء تأثّره بالشعر العربي الكلاسيكي والحديث الرومانتيكي. 2 ـ المرحلة (الثورية) : وتمثّلها مجموعته (أوراق الزيتون) عام 1964، حين انتقل درويش من الهمّ الذاتي إلى الهواجس الجماعية، والحلم الثوري، والتغنّي بالوطن، وتثبيت الهويّة (كما في قصيدته الشهيرة ـ بطاقة هوية ـ، التي ستشتهر باسم آخر هو السطر الاستهلالي فيها: ـ سجّل أنا عربي ـ والتي تحوّلت إلى أيقونة لأفكار المقاومة والصمود والإعلان عن الهويّة، في الشارع العربي العريض أكثر بكثير من الشارع الفلسطيني نفسه)، وحسّ الالتزام الثوري، والتضامن الإنساني والأممي ، كما في قصائده (عن إنسان، وعن الأمنيات ، و لوركا .( 3 ـ المرحلة (الثورية ـ الوطنية) : وتمثلها مجموعاته (عاشق من فلسطين) عام 1966 ، و(آخر الليل) عام 1967 ، و(العصافير تموت في الجليل) عام 1969 ، و(حبيبتي تنهض من نومها) عام 1970. وفي هذه المرحلة كان شعر درويش قد أصبح جزءاً أساسياً من الحركة التي عُرفت في العالم العربي باسم (شعر المقاومة)، وضمّت شعراء من أمثال توفيق زياد وسميح القاسم. وكان شعره يتطوّر ضمن المنطق ذاته ، والموضوعات ذاتها، ولكنه امتاز عن أقرانه في خصائص عديدة من بينها غزارة إنتاجه، والأفق الإنساني الأعرض لموضوعات قصائده، وحُسن توظيفه للأسطورة والرموز الحضارية الشرق أوسطية والهيللينية، وبراعته في أسطَرة الحدث اليومي والارتقاء به إلى مستوى ملحمي في الآن ذاته، ورهافة ترميزه للمرأة بالأرض، ومزجه بين الرومانتيكية الغنائية والتبشير الثوري، وسلاسة خياراته الموسيقية والإيقاعية، وحرارة قاموسه اللغوي، وميله إجمالاً إلى الصورة الحسية بدل الذهنية. 4 ـ مرحلة (البحث الجمالي) : وهي التي تبدأ مع خروج درويش إلى العالم العربي وانتقاله من القاهرة إلى بيروت. لقد أراد البرهنة على أنّه شاعر صاحب مشروع جمالي منذ البداية وقبل أيّ تصنيف آخر، وأنّ اقتران تجربته بـ (شعر المقاومة) لا يعني أنه لم يكن يسعى إلى تطوير موضوعاته وأدواته ولغته الشعرية على نحو يتفاعل مباشرة مع حركة الحداثة الشعرية العربية ويغني تيّاراتها. في عبارة أخرى هذه هي مرحلة (صراع) محمود درويش مع قارئه العربي الذي أحبّه وأراد أن يسجنه في صورة (شاعر المقاومة) فقط، في حين أنّ درويش كان يعاند في البرهنة على أنّ شاعر المقاومة ينبغي أن يكون شاعراً حقيقياً أوّلاً، وشاعراً جيّداً ثانياً وأساساً. ومنذ عام 1972، حين صدرت مجموعته (أحبّك أو لا أحبّك)، وهي الأولى له خارج فلسطين، واصل محمود درويش تطوير مشروعه الشعري على نحو منتظم وعنيد، بحيث كانت كلّ مجموعة جديدة تشكّل نقلة أسلوبية عن المجموعة التي سبقتها: (محاولة رقم 7) عام 1973 ، تضمنت مزجاً بين الموضوع الغنائي والاستعادة التاريخية ـ الأسطورية للمكان الفلسطيني ـ الكنعاني، ( كما في قصائد النزول من الكرمل ، والخروج من ساحل المتوسط ، وطريق دمشق)؛ ومجموعة (تلك صورتها وهذا انتحار العاشق) عام 1975 مثّلت نقلة أكثر وضوحاً نحو القصيدة الطويلة التي تمزج بين التأمّل الغنائي والسرد الملحمي؛ ومجموعة (أعراس) التي تعود إلى الموضوع الوطني ولكن ضمن صياغات إنسانية ـ ملحمية أوسع، وأخرى تسجيلية ذات ارتباط بوقائع محدّدة في الزمان الفلسطيني (كما في قصائد كان ما سوف يكون ، وأحمد الزعتر ، وقصيدة الأرض). 5 ـ المرحلة (الملحمية) : وهي التي تعقب الاجتياح الصهيوني لبيروت عام 1982 وخروج الفلسطينيين من لبنان إلى بحر جديد وتيه جديد. وفي هذه المرحلة كتب درويش قصيدته الطويلة الشهيرة (مديح الظلّ العالي) عام 1983 ، التي صنّفها في ما بعد تحت تسمية (قصيدة تسجيلية) لأنها تصف أجواء مقاومة الاجتياح، ومعنى مدينة بيروت، ومجزرة صبرا وشاتيلا، وأسئلة الوجود الفلسطيني بعد الخروج إلى أوديسة جديدة. وإلى هذه المرحلة تنتمي أيضاً مجموعة (حصار لمدائح البحر) عام1984 ، التي احتوت على (قصيدة بيروت) بوصفها العمل الشعري الطويل الثاني الذي يكمل ملحمة الخروج الفلسطيني من لبنان. 6 ـ المرحلة (الغنائية) : وهي تشمل القصائد التي كتبها درويش في باريس، وظهرت بعدئذ في مجموعتَيه (هي أغنية، هي أغنية) عام 1986 ، و (وردٌ أقلّ) عام 1986. وفي هذه القصائد استمرّ البحث الجمالي الذي بدأ في بيروت وانقطع فجأة مع الاجتياح الصهيوني وخروج الفلسطينيين من لبنان، وبدا أنّ درويش يتفرّغ أكثر من ذي قبل لهواجس الذات والتأمّل الميتافيزيقي، والمحاورة الغنائية بين الشاعر والعالم. وهي أيضاً مرحلة استكشاف مسائل الشكل والبنية الموسيقية للقصيدة، إذْ كتب درويش الرباعيات، وحاول محاكاة إيقاع العزف المنفرد في الموسيقى، وكتب القصيدة القصيرة المعتمدة على (الفقرة) الشعرية المتصلة بدل السطور، أو القصيدة الطويلة المعتمدة على قصائد قصيرة من عشرة سطور (كما في مجموعته ورد أقلّ). ولعلّ هذه الفترة هي أكثر مراحل تجربة درويش قلقاً وتجريباً وتطويراً وخصوبة. 7 ـ المرحلة (الملحمية ــ الغنائية) : وتمثلها قصائد مجموعتَيه (أرى ما أريد) عام 1990 و (أحد عشر كوكباً) عام 1992. وهذه هي المرحلة التي شهدت عودة درويش إلى القصائد الطويلة والمشهد الملحمي العريض الذي لا يقهر النبرة الغنائية حتى وهو يستعيد الموضوع التاريخي، والذي ينفتح على تجارب إنسانية تراجيدية كبرى (المغول، الهنود الحمر، الأندلس، طروادة) ويبحث للفلسطيني عن موقع فيها، للفلسطيني ذاته أوّلاً ثمّ للإنسانية بعدئذ. وفي هذه المرحلة كان درويش يستكمل الفصل الأنضج من تجربته في مصالحة الموضوع الملحمي مع الموضوع الغنائي، وكان يقدّم صياغة فذّة لمراوحة الفلسطيني بين صورة البطل الملحمي الملتَقط على هيئة ضحية، وصورة الفلسطيني العادي الواقف أمام منعطف السلام واستحقاقات اتفاقية أوسلو. وكان درويش يرسم صورة شعرية رفيعة لآلام وآمال هذه المراوحة. 8 ـ مرحلة (الموضوعات المستقلّة) : وتشمل مجموعتَي (لماذا تركتَ الحصان وحيداً) عام 1995 ،التي تدور حول موضوعة السيرة الذاتية للشاعر منذ الطفولة وحتى الآن، كما تدوّن سيرة المكان حين تحتويه الجغرافيا وينبسط فيه التاريخ، وسيرة دلالات المكان حين تنقلب إلى محطات للجسد وعلامات للروح؛ ومجموعة (سرير الغريبة) عام 1999 ، التي تدور حول موضوعة قصيدة الحبّ إجمالاً، و(اغتراب الرجل في المرأة والمرأة في الرجل ودمجهما معاً) كما يقول درويش. هذه هي مرحلة التفات درويش إلى شؤون نفسه كشاعر وإنسان، وإلى شؤون الفلسطيني بعد أن غادر مرحلة (البطولة) وانتقل إلى مرحلة (اليوميّ والعاديّ.( وضمن مرحلة الموضوعات المستقلة هذه يمكن احتساب مجموعتين صدرتا ضمن سياقات خاصة، شخصية ذاتية تخصّ الشاعر، وأخرى وطنية عامة تخصّ الأوضاع في فلسطين. وهكذا صدرت)جدارية) عام 2000 ، وهي قصيدة طويلة تقارب الـ 1000 سطر، لكي تسجّل سلسلة تأملات ملحمية كثيفة في موضوعة الموت على خلفية رمزية وأسطورية وتاريخية محتاشة بتوتر الوجود ومقاومة العدم وموقع الشعر والفنون في هذا الخضمّ كلّه، وذلك من وحي تجربة شخصية عاشها الشاعر حين خضع لعملية جراحية دقيقة في القلب عام 1998. كما صدرت (حالة حصار) عام 2000 ، لتدوّن يوميات الفلسطيني في سنوات استشراس آلة الاحتلال العسكرية والأمنية الصهيونية قبل وبعد مجزرة جنين وأعمال النسف والتصفيات الجسدية وبناء الجدار العنصري العازل. ولكنّ اليوميات لم تكن تسجيلاً حزيناً أو محزناً لعذابات الفلسطيني، بل أرادت أساساً القول إنه باق على قيد الحياة ، يقاوم في صيغة آدمي من لحم ودمّ وليس في صيغة أسطورة ملحمية ورمز بطولي. 9 ـ المرحلة الراهنة في شعر درويش تستأنف برنامج البحث الجمالي والفنّي الذي بدأه الشاعر في بيروت مطلع السبعينيات وفي باريس مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، ولكن في نطاق محدد أكثر هذه المرّة، هو تطوير شكل القصيدة العربية المعاصرة وجَسْر الهوّة بين الشكلين الرئيسيين السائدين في الكتابة الشعرية الراهنة، أي قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر. ولأنّ درويش يؤمن بثراء البنية الإيقاعية للشعر العربي، وأنها ما تزال غنية وخصبة وقابلة للكثير من التطوير والتجريب، فإنّ هاجسه في المجموعات اللاحقة انصبّ على التطوير المرن والحيوي للتفعيلة عبر تطويعها ضمن تشكيلات موسيقية سلسة الوقع وخافتة الصوت تكفل تقريب المسافة بين الوزن والنثر. هذه هي السمة الكبرى في مجموعتَي (لا تعتذر عمّا فعلت) عام 2004 ، و(كزهر اللوز أو أبعد) عام 2005، وكانت النماذج المبكرة لهذا البحث الجمالي والفنّي قد تبدّت كذلك في )سرير الغريبة( عام 1999، لكنها لا ريب تبلغ ذروة دراماتيكية في كتاب درويش (في حضرة الغياب) عام 2006 ، الذي شاء الشاعر أن يطلق عليه صفة (نصّ) لأنه في الواقع يستكشف أرحب آفاق شعرية النثر، وينجز صيغة فريدة وفذّة من امتزاج الشعر والنثر في قول ينفكّ عنهما معاً ويشكّل جنساً مستقلاً جبّار الإيحاء وعبقريّ التأثير. وأمّا عمله الشعري قبل الأخير (أثر الفراشة) عام 2008 ، الذي يجمع بين التفعيلة والنصوص النثرية، فقد كان أكثر أعمال درويش اقتراباً من قصيدة النثر، خصوصاً وأنّ الشاعر تعمّد إنصاف الوزن حين أعاد إنتاج تشكيلات إيقاعية عالية تذكّر بتقنيات قصيدته في أواسط السبعينيات، كما أنصف النثر حين تلمّس شعريته على نحو جمالي ولغوي غير مسبوق في نتاجه. وإلى جانب الأعمال الشعرية ، (وهي 23 حتى الآن) و( يعد ديوان [لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي] العمل الشعري الـ [24]) ، كان درويش قد اعتاد كتابة المقال السياسي والثقافي منذ أيّام عمله في صحيفتَي (الاتحاد" و"الجديد) في الداخل، وخلال رئاسته لتحرير الشهرية الثقافية (شؤون فلسطينية) في بيروت خلال السبعينيات، وتأسيسيه لمجلة (الكرمل)، الفصلية الثقافية الأشهر في العالم العربي، التي صدرت في بيروت، ثم انتقلت بعدئذ إلى نيقوسيا، وعادت مؤخراً إلى رام الله. ومقالات درويش جُمعت في الكتب التالية: "شيء عن الوطن"، "وداعاً أيتها الحرب، وداعاً أيها السلام"، "يوميات الحزن العادي"، "في وصف حالتنا"، "عابرون في كلام عابر"، مجموعة "الرسائل" المتبادلة مع الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، و"حيرة العائد" الذي ضمّ منتخبات من مقالاته على امتداد عقدين. غير أنّ كتابه النثري الأشهر يظلّ "ذاكرة للنسيان"، وهو عمل شبه روائي يصوّر فيه درويش تفاصيل العيش اليومي تحت الحصار الصهيوني لبيروت عام 1982 على نحو مذهل في بساطته وعمقه وشاعريته العالية. وقد اشتهر كثيراً ذلك المقطع الذي يصف فيه درويش نضاله من أجل الانتقال تحت القصف من صالون البيت إلى المطبخ لصنع فنجان قهوة، وكيف تحوّل غلي القهوة إلى طقس إنساني فريد واستثنائي. وإذا كان مشروع محمود درويش الشعري هو مشروع تراجيدي في الجوهر، لأنّ (وعي الفلسطيني بالتراجيديا عالٍ بدرجة تكفي لكي يتماهى مع أي تراجيديا منذ الإغريق وحتى الآن) حسب تعبيره، فإن الملحمية الغنائية هي السمة المركزية في هذا المشروع. لقد حاول درويش (إطلاق اللغة الشعرية في أفق ملحمي يكون فيه التاريخ مسرحاً لمناطق شعرية فسيحة تتسع لتجوال غير محدود للشعوب والحضارات والثقافات، ولبحث عن عناصر الهوية الذاتية ضمن اختلاط وتصادم وتعايش الهويات)، كما يقول الشاعر عن نفسه. • صدّقت أنّي متُّ يومَ السبت ، وأريد جنازة هادئة، وتابوتاً أنيق الصنع وفي السنة الأخيرة من حياته شعر أصدقاء درويش المقربون ، أنه أصبح مشدودا أكثر من أي وقت مضى لفكرة الموت والرحيل. فقد مثل اقتران الموت بالحياة عنده وبخاصة في السنوات الأخيرة ظاهرة كبيرة في شعره لا ترتبط بمرضه بل تعود إلى الإطار الذي عاش فيه وعاينه، وتجلت فيه صور الموت في حالات مرعبة متجددة بدءا من الاقتلاع من الأرض والبيت مرورا بالمنافي ورحلة العودة إلى الوطن الحلم. وقد أظهرت هذه المراوحة بين تأمل الموت الفردي والجماعي الرؤية التي ينطلق منها درويش ليصوغ أفكاره وتأملاته في قصائده ونصوصه. والغريب أن درويش كتب موته شعراً، مقرراً أن الكتابة حياة وأن سلطة الحياة تأخذ الشاعر وتترك قصائد في ضيافة الحياة. وتشاء الأقدار أن يكون رحيل محمود يوم السبت كما توقع في قصيدته (إجازة قصيرة) ، في ديوان (أثر الفراشة) إذ قال: صدّقت أنّي متُّ يومَ السبت قلتُ عليَّ أن أوصّي بشيءٍ ما فلم أعثر على شيء وقلتُ : عليّ أن أدعو صديقاً ما لأخبره بأني مت لكن لم أجد أحداً ... وقلتُ : عليّ أن أمضي إلى قبري لأملأه فلم أجد الطريق وظلّ قبري خالياً منّي وقلتُ / عليّ واجبً أن أؤدي واجبي : أن أكتبَ السطر الأخير على الظلال فسال منها الماء فوق الحرف .. قلتُ / عليّ أن آتي بفعل ٍ ما هنا ، والآن لكن لم أجد عملاً يليق بميّت فصرختُ / هذا الموت لا معنى له عبثٌ وفوضى في الحواس ولن أصدّق أني قد متُّ موتاً كاملاً فلربما أن بين بين وربما أنا ميّت متقاعد يقضي إجازته القصيرة في الحياة .. ودرويش الذي تأهب للرحيل بعدما ذاق مرارة الإخفاق الفلسطيني ، يبدو أنه لم يرغب في أن يترك لنا أية وصية مكتوبة ، وكأنه اكتفى بما أوصانا به في كتابه النثري ، شبه الروائي ، (ذاكرة للنسيان) عن أيام حصار بيروت 82 ، والتي جاء فيها : ( أريد جنازة حسنة التنظيم، يضعون فيها الجثمان السليم، لا المشوّه، في تابوت خشبي ملفوف بعلم واضح الألوان الأربعة، ولو كانت مقتبسة من بيت شعر لا تدل ألفاظه على معانيه، محمول على أكتاف أصدقائي، وأصدقائي - الأعداء. وأريد أكاليل من الورد الأحمر والورد الأصفر، لا أريد اللون الوردي الرخيص، ولا أريد البنفسج لأنه يذيع رائحة الموت. وأريد مذيعاً قليل الثرثرة، قليل البحة، قادراً على ادعاء حزن مُقنع، يتناوب مع أشرطة تحمل صوتي بعض الكلام. أريد جنازة هادئة، واضحة، وكبيرة ليكون الوداع جميلاً وعكس اللقاء. فما أجمل حظ الموتى الجدد، في اليوم الأول من الوداع، حين يتبارى المودعون في مدائحهم. فرسان ليوم واحد، محبوبون ليوم واحد، أبرياء ليوم واحد.. لا نميمة ولا شتيمة ولا حسد. حسناً، وأنا بلا زوجة وبلا ولد، فذلك يوفر على بعض الأصدقاء جهد التمثيل الطويل لدور حزين لا ينتهي إلا بحنو الأرملة على المعزّي. وذلك يوفر على الولد مذلة الوقوف على أبواب المؤسسات ذات البيروقراطية البدوية. حسنٌ أني وحيد.. وحيد.. وحيد.. لذلك ستكون جنازتي مجانية وبلا حساب مجاملة، ينصرف بعدها المشيعون إلى شؤونهم اليومية. أريد جنازة وتابوتاً أنيق الصنع أطل منه على المشيعين، أسترق النظر إلى طريقتهم في الوقوف، وفي المشي وفي التأفف، وفي تحويل اللعاب إلى دموع، وأستمع إلى التعليقات الساخرة: كان يحب النساء، وكان يبذخ في اختيار الثياب. وكان سجاد بيته يصل إلى الركبتين، وكان له قصر على الساحل الفرنسي اللازوردي، وفيلا في إسبانيا، وحساب سرّيٌ في زيوريخ، وكانت له طائرة سرية خاصة، وخمس سيارات فخمة في مرآب بيته في بيروت. ولا نعرف إذا كان له يخت خاص في اليونان. ولكن في بيته من أصداف البحر ما يكفي لبناء مخيم. كان يكذب على النساء. مات الشاعر ومات شعره معه. ماذا يبقى منه؟ لقد انتهت مرحلته وانتهينا من خرافته. أخذ شعره معه ورحل. كان طويل الأنف واللسان.. وسأستمع إلى ما هو أقسى عندما تتحرر المخيلة من كل شيء. سأبتسم في التابوت، سأبذل جهداً لأن أقول: كفى! سأحاول العودة فلا أستطيع ). ويوم ودّع النسر قمته في الأعالي، عالياً، حراً... كان لسيد الكلام ما أراد فعلاً .. جنازة حسنة التنظيم ، هادئة ، وكان وداعه جميلاً ، كما أراد ، وكما كان حضوره دوماً بيننا هادئاً ، جميلاً .[/align] |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
عاشق من فلسطين محمود درويش فلسطينية العينين والوشم فلسطينية الاسم فلسطينية الأحلام والهم فلسطينية المنديل والقدمين والجسم فلسطينية الكلمات والصمت فلسطينية الصوت فلسطينية الميلاد والموت رأيتك عند باب الكهف.. عند الغار مُعَلقَة على حبل الغسيل ثيابَ أيتامك رأيتك في المواقد.. في الشوارع في الزرائب في دم الشمس رأيتك في أغاني اليتم والبؤس رأيتك ملء ملح البحر والرمل وكنت جميلة كالأرض.. كالأطفال.. كالفل وأقسم.. من رموش العين سوف أخيط منديلا وأنقش فوقه شِعْرا لعينيك راسما حين أسقيه فؤادا ذاب ترتيلا يمد عرائس الأيك سأكتب جملة أحلى من الشهداء والقبلْ فلسطينية كانت ولم تزلْ |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
اختلاجات في حضرة محمود درويش سعدي يوسف السابعة مساء التاسع من آب مساء التاسع من آب (أغسطس) ٢٠٠٨ ، كنت في برلين، أدخلُ مع الشاعرة الإسكتلندية جوان ماكنْلِي مقهىً يرتاده ذوو الحاسوب المحتضَن (اللابتوب). كانت الساعة حوالي السابعة. صيفٌ ألمانيٌّ. في الرصيف التابع للمقهى زبائنُ يدخّنون سجائرهم. أنا أنظر عبر الزجاج إلى الرصيف وأهله. جاءت جوان ماكنلي بكأسي جُعةٍ آبيرتين. ما زلتُ أنظر إلى الشارع عبر الزجاج. مددتُ يدي إلى كأس الجُعة، فارتدّتْ. كنت أحسُّ بإحباطٍ وإنهاكٍ، وبين لحظةٍ أخرى تعتريني رجفةٌ خفيفةٌ. لم أكن في المكان. كان شيءٌ ما يأخذني بعيداً عن المكان، عن جليستي، عن كأس البيرة الألمانية، عن كل شيء. قلتُ لجوان: أنا أرتجف برداً! لم نكن في مهبٍّ للريح. لكنّ برداً قادماً من سيبيريا ما كان يدخل إلى المقهى، ليُرعدَني وحدي. اقترحتْ عليّ أن نصعد إلى الطابق الأوّل، اتّقاءَ بردٍ خاصٍّ بي. حملتْ كأسَي البيرة. وهناك بين ذوي اللابتوب المنهمكين جلسنا. ثانيةً لم أمدّ يدي إلى الكأس. حالةُ القنوطِ ظلّت ملازمةً. لم يكن القنوط وحده. كنت ضائعاً، أتيهُ بين فلواتٍ بلقعٍ، في قرٍّ مؤذٍ. في عالَمٍ من أذىً صافٍ دائمٍ كالقانون الطبيعيّ. تلك الليلةَ، لم أقوَ على العودة إلى شقّة ابنتي شيراز في ضواحي العاصمة الألمانية، فأويتُ إلى شقّة جوان لأنامَ كمداً! * * * عدتُ في الضحى العالي إلى ابنتي. قالت لي إن اسماعيل خليل (المسرحي) اتصلَ بي منتصف الليل. هل قال شيئاً؟ كان يريد أن يخبرك، برحيل محمود درويش! * * * إذاً... في حوالي السابعة من مساء التاسع من آب (أغسطس) كان محمود درويش، يرحل عنا، في مستشفاه الأميركيّ. هل كنتُ أحاولُ الاتصال به، وأنا في المقهى؟ هل مرقتُ في خطفةٍ أمام عينيه الغائمتَين؟ لقد كنا في باريس، في السابع من حزيران هذا. جاء إلى أمسيتي بمسرح الأوديون. لكنه قال لفاروق مردم ألاّ يخبرني بأنه هناك. التقينا بعد انتهاء الأمسية. قال لي: أنا راحلٌ غداً. هل حملت كلماتُه هذه، الأقصى ممّا يمكن أن تحمل؟ هل كنا نقول: وداعاً؟ * * * قالت لي منى أنيس: كان محمود يودّعك!. لندن ٢٧/ ٨ / ٢٠٠٨ م مساءٌ في آب ١٩٨٢ بيروت الصيف المنكسرُ، يستمرّ حتى في المساء. بيروت محاصَرة، والإسرائيليون على الأبواب. الظلام يُطْبِق على المدينة كما يطْبِق الدخان الثقيل. شارع الحمرا يبدو مهجوراً للوهلة الأولى. إلاّ أنه محتشدٌ بالأشباح، أشباحِنا، وأشباحِ رؤانا، محتشدٌ بأنفاسنا المختنقة. لا ماء في المدينة. لا كهرباء. نحن، السائرين هائمين في الظلام، وحدَنا، نخدشُ حقيقةَ أن المدينة ميتةٌ وقد غادرَها أهلُها، إلى الشمال: طرابلس والضّنّيّة، أو جنوباً حتى المناطق التي احتلّها الإسرائيليون. الغرباء في المدينة هم السائرون في الظلام... نسير في العتمة. مصابيحنا اليدوية ذوات البطاريات الصغيرة ستضيء لنا السلالم آنَ نعود إلى غرفنا التي تظل تهتزّ حتى في الليل من انفجارات النهار. مصباحٌ يدويّ يتّقد فجأةً. أأنت هنا؟ محمود درويش في ليل الحمرا! * * * وجهانا في دائرة الضوء الضيّقة كانا متّسعَينِ. لندن ٢٩ / ٨ / ٢٠٠٨ م أواسط السبعينيات ببغداد ربما كان ذلك في النصف الأول من السبعينيات. كنا، على ما أتذكر في منزل ناهدة الرمّاح. محمود درويش كان في بغداد المتفتحة (على آفاق كاذبة؟) آنذاك. زار "طريق الشعب"، واحتفى بلقاء شيوعيين وشعراء كان عرفهم في أكثر من مكان ومناسبة. تلك الليلة امتدت السهرة أكثر من المعتاد. أغانٍ وموسيقى وأنهارٌ من الرحيق المصفّى. وكان عليّ أن أوصل محمود درويش إلى فندقه بسيارتي الرينو ١٦ التي كادت تنفجر بعديد ركابها. محمود درويش كان إلى جانبي. ننحدر من جسر الجمهورية. فجأةً يغيب كل شيء أمامي. ألتفت لحظةً إلى محمود درويش لأسأله: أهذا شارعٌ أم حائطٌ؟ يقول: هل أوصاك أحدٌ بقتلي؟ السيارة تندفع في شارعٍ بغداديّ، بلا مارة ولا سيارات... شارعٍ بغداديّ في الفجر المبكر. محمود درويش سيظل يسألني كلما التقيتُه، متذكراً رعب تلك الليلة: أشارعٌ أم حائطٌ؟ لندن ٢٩ / ٨ / ٢٠٠٨ م قمرُ بغدادَ الليمونيّ لستُ أعرف سبباً ل "نرفزة" كتّابٍ عراقيين معيّنين، من وصفِ محمود درويش قمرَ بغداد بالليموني. قمرُ بغداد ليمونيّ، حقاً، لكن يبدو أن العراقيين لا ينظرون إلى السماء جيداً. ألم يقُل الجواهريّ العظيم: لم يعرفوا لونَ السماءِ لفرْطِ ما انحنت الرقابُ ولفرْطِ ما دِيسَتْ رؤوسُهمو كما دِيسَ الترابُ ما علينا... أكان ذلك في أواخر الثمانينيات؟ ١٩٨٩ مثلاً؟ آنذاك كنت مقيماً، على قلقٍ، بباريس. محمود درويش كان يسكن بالتروكاديرو، عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. كنا نلتقي. أحياناً أدعوه إلى الخروج معي. أقول له: دعني آخذك يا محمود إلى باريس الأخرى. إلى مقاهي الجزائريين، وحانات المغاربة، ومطاعم الأفارقة. دعني آخذك إلى الضواحي... يقول لي: أنا أحسدك. أنت تتجول كما تشاء. تتعرف على باريس بطريقتك. أمّا أنا فسوف يتبعُني خمسةٌ من الحماية! * * * في أحد الأيام تلقّيتُ مكالمةً هاتفيةً من محمود. قال: يجب أن أراك اليوم. قلت: ليكُنْ! كان اللقاء في مطعمٍ غير بعيدٍ عن مسكنه. طلبتُ بطّاً، فجاءني طبقٌ به لحمُ بطّ شبه نيّء، في رقائقَ تكاد تشِفّ! * * * من كان معنا؟ لا أتذكر جيداً، لكني أظن فوّاز طرابلسي الجليسَ الثالث. * * * قال محمود: عدتُ اليوم من النرويج. من قريةٍ قصيّةٍ بالنرويج. أريد رأيك في أمرٍ مُلِحٍّ. قلت: أمرك! قال: يا سعدي، اسمعْني... تلقّيتُ دعوةً لحضور المربدِ، ولجائزةٍ تُسَلَّمُ إليّ إنْ وقّعتُ مسبقاً على قبولها. رفضتُ الأمرَينِ كليهما. ورغبةً مني في تجنُّب الأخذ والردّ، سافرتُ إلى النرويج، وأقمتُ في قريةٍ قصيّة. لكني في منتصف الليل تلقّيتُ مكالمةً هاتفيةً من أبو عمّار، نصُّها: هل تريد أن تخرب بيتنا يا محمود؟ يجب أن تذهب إلى بغداد! قلت: هكذا؟ قال محمود: نعم... الآن أريد رأيك! إنْ قلتَ لي: لاتذهبْ، فلن أذهب! * * * ما كنتُ بحاجةٍ إلى أن أُنعمَ النظرَ. قلت له: أنت في هذا الموقف، لستَ محمود درويش. أنت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. ممثلٌ رسميٌّ لشعبك وقضيّته. أنت تضحّي من أجل قضية شعبك. ليس بمقدوري، ولا من حقي أن أقول لك لاتذهبْ. لكني سأظل أتذكر، بكل اعتزاز، أنك استشرتَني، مبدياً استعدادك للأخذ بما أرى! * * * قمر بغداد الليمونيّ! لندن ٣٠/ ٨/ ٢٠٠٨ م |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
فكر بغيرك محمود درويش وأنتَ تُعِد فطورك، فكر بغيركَ لا تَنْسَ قوتَ الحمام وأنتَ تخوضُ حروبكَ، فكر بغيركَ لا تنس مَنْ يطلبون السلام وأنتَ تسدد فاتورةَ الـماء، فكر بغيركَ مَنْ يرضَعُون الغمام وأنتَ تعودُ إلى البيت، بيتكَ، فكر بغيركَ لا تنس شعب الخيامْ وأنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكر بغيركَ ثمّةَ مَنْ لـم يجد حيّزاً للـمنام وأنت تحرّر نفسك بالاستعارات، فكر بغيركَ مَنْ فقدوا حقهم في الكلام وأنت تفكر بالآخرين البعيدين، فكر بنفسك قُلْ: ليتني شمعةُ في الظلام |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
الولادة على دفعات محمود درويش [align=justify]نادراً ما أقرأ مقدمات الشعراء لأعمالهم، وإن فعلت ذلك فلكي أحتفي بالفارق الجميل بين ما يود الشاعر أن يقوله عن قصيدته... وبين ما تقوله قصيدته. فالقصيدة كثيراً ما تفلت من سياق التفكير بها ومن مشروعها الذهني، ولا تخضع خضوعاً كاملاً لوضوح الفكر الذي يحركها، وكأنها، إذ تستقل في صيرورتها الذاتية، تستقل أيضاً عن شاعرها. فماذا سأفعل بما هو مطلوب مني بإلحاح: أن أقدم هذه المختارات؟ سأقول أيضاً: إن المختارات تنطوي دائماً على خدعة، ففي وسع من يختار أن يصنع بشاعره ما يشاء: أن يختار البؤرة المشعة في القصيدة تاركاً جانباً ما تحدق فيه من ظلام، مهملاً سياقها العام... سياق القصيدة وموقعها من شعر الشاعر. وفي وسعه أن يفعل العكس: أن يختار منها طريقها النثري إلى الشعر. وفي وسعه أيضاً التركيز على صورة، أو استعارة، أو خلاصة، أو حكمة شعرية... منحازاً إلى طريقته في فهم الشعر، وطبقاً لهذا الفهم الخاص نجعل من شاعر عادي شاعرا استثنائياًُ، ومن شاعر استثنائي شاعراً عادياً... باستحضار البؤر المشعة أو باستبعادها. وهكذا، يبقى السؤال مثيراًُ للشكوك: هل نستطيع التعرف على حقيقة الشاعر الشعرية من خلال المختارات؟ سيبقى الجواب نسبياً وقابلاً للتضليل. ولكن السؤال التالي هو الأصعب: هل نستطيع التعرف على لغة الشاعر الجمالية من خلال مختارات مترجمة من لغة إلى أخرى؟ غني عن القول إن لكل لغة نظامها الدلالي وأسلوبيتها الخاصة وتركيبها النحوي. وبما أن اللغة في الشعر ليست وسيلة أو أداة فقط لنقل المعنى، والمعنى في الشعر ليس سابقاً لبنية القصيدة، فإن على الترجمة أن تنقل ما ليس وسيلة للنقل أصلاً.. إلى نظام لغة أخرى. وهنا، لا يكون المترجم ناقلاً للكلمات، بل مؤلفاً لعلاقاتها الجديدة. ولا يكون مصوراً لضوء المعنى، بل راصداً للظل، ولما يؤدي لا لما يقول. لذا، يتحول مترجم الشعر إلى شاعر مواز، متحرر من نظام اللغة الأصل، يفعل في اللغة الثانية ما فعله الشاعر في اللغة الأولى. في فسحة التحرر هذه، ترتكب الخيانة الجميلة التي لا بد منها، الخيانة التي تحمي لغة الشعر المنقول من عناد وطنيتها، ومن اندماجها الكامل في مناخ لغة أخرى، في آن واحد. فعلى الشعر أن يحافظ على نفسه الإنساني العام، القادم من بعيد مشترك من ناحية، ومن ناحية أخرى، عليه أن يحافظ على ما يدلنا على أنه مترجم، أي قادم من خصوصية تجربة أخرى، عبرت عن نفسها بتركيب لغوي مختلف وفي سياق مرجعية ثقافية مختلفة. ولعل ذلك هو ما يغرينا بقراءة الشعر المترجم، لا للحوار مع المشترك والمختلف، والبحث عن غني التجربة الشعرية الإنسانية وتنوعها فقط، بل أيضاً لفتح قابلية التأثر التي تحتاج إليه لغتنا الشعرية، أية لغة، لتجديد أسلوبيتها وبناء جملتها، عن طريق الإصغاء إلى تجربة لغة أخرى. هنا، يمتلك المترجم/ المبدع سلطة البناء والهدم. فكم من قصيدة كبرى قرأناها بأكثر من ترجمة، فلم تكن هي ذاتها، لا بسبب تعدد مستويات قراءتها، بل بسبب تحكم المترجم في مساراتها وطريقة تنفسها، فلم تعد قصيدة شاعرها فقط، بل قصيدة مترجمها/ شاعرها المؤول أيضاًُ. ولا يهمنا في هذا المجال إن كانت أفضل من الأصل أو أسوأ. كيف نصدق الشعر المترجم إذا؟ سنصدق منه ما يتخفي، وما يتحفز للظهور، ذلك الظل المطل من خلف الكلمات، وربما ذلك البعد الذي يشير إلى وجوده ويغيب. وكيف نصدق المختارات التي اختارها الشاعر، وهنا، كيف تصدقونني؟ إن العنوان الثانوي لهذه المجموعة "مختارات شخصية" هو عنوان مجازي، لأنها ليست شخصية تماماً. فلو كان الأمر متعلقاً بي وحدي، دون تدخل أي أعتبار آخر، لما أخترت من شعري إلا ما كتبته في العقدين الآخيرين. لأن كل عمل جديد لي ينزع إلى قطيعة ما قائمة على استمرارية. في كل عمل جديد محاولة لهدم ما سبق، من خلال تطوير ما كان يبدو لي هامشياً وثانوياً، وتقريبه من المركز. ربما لأنني لا أسكن النهر، بل أقيم على الضفاف. وربما لأن الزمن يعلمني الحكمة، بينما يعلمني التاريخ السخرية، أو ربما لأنني أكبر واقترب من أسئلة ميتافيزيقية تتلاءم مع حيرة الوجود، وقد تحمي اللغة الشعرية من سرعة الراهن. بيد أن صورتي العامة أقوى من قلقي. فأنا المسمى "شاعراً فلسطينياً" أو "شاعر فلسطين" مطالب مني ومن شرطي التاريخي بتثبيت المكان في اللغة، وبحماية واقعي من الأسطورة، وبإمتلاكها معاً لأكون جزءاً من التاريخ وشاهدا على ما فعله التاريخ بي في آن واحد. لذا يتطلب حقي في الغد تمرداً على الحاضر، ودفاعاً عن شرعية وجودي في الماضي الذي زج به إلى المناظرة، حيث تصبح القصيدة دليلاً على وجود أو عدم. أما سكان القصيدة، فلا يكترث بهم مؤرخو الشعر. حين بدأت الكتاب، كنت مسكونا بهاجس التعبير عن خسارتي، عن حواسي، عن حدود وجودي المحدد، وعن ذاتي في محيطها وجغرافيتها المحددين، دون أن أنتبه إلى تقاطع هذه الذات مع ذات جماعية. كنت أسعى إلى التعبير، غير حالم بتغيير أي شيء سوى نفسي، ولكن قصتي الشخصية، الاقتلاع الكبير من المكان، كانت قصة شعب كامل. لذلك، وجد القراء في صوتي الخاص صوتهم الخاص والعام. فعندما كتبت حنيني إلى خبز أمي وقهوتها، داخل السجن، لم أقصد تجاوز تلك المساحة العائلية، وحين كتبت اغترابي في بلادي وشقاء الحياة والتوق إلى الحرية، لم أقصد إلى كتابة "شعر مقاومة" كما سماه النقد العربي، ووجد في القراء العرب تعويضاً شعرياً مبالغاً فيه عن هزيمة العرب في ما سمي بحرب الأيام الستة. حين أتذكر الآن تلك المرحلة، أتذكر قدرة الشعر على الأنتشار حين لا يطلب العزلة هدفاً ولا يطلب الانتشار أيضاً. فلا الانتشار ولا نقيضه يصلحان معياراً للحكم على جمالية الشعر. كما أن هنالك ما هو أسوأ من الشعر السياسي، هو الإفراط في تعالي الشعر على السياسة، بمعناها العميق، أي الأصغاء إلى أسئلة الواقع وإلى حركة التاريخ، والمشاركة الضمنية في أقتراح الأمل. فاللاسياسة هي أيضا سياسة مبطنة. من هذا المنظور، لا تستطيع هذه المختارات أن تخدع قارئها أو شاعرها، بفصل البدايات عما وصلت إليه تجربتي الشعرية الآن. وهكذا، لا أستطيع تحديد النقطة التي حدثت فيها القطيعة النسبية في سياق الاستمرارية، لأن العملية متداخلة متشابكة، ولأن كل مرحلة سابقة تحمل بذور تطور المرحلة اللاحقة. يهمني كثيراً أن أطور شعري بطريقة نوعية. ولكن هل يمكن فصل ذلك عن الحالة التراكمية؟ لا أدري. وهكذا أرى في مرحلة المنافي امتداداً للصوت الذاتي/ الجماعي على أرض عمل أخرى، أوسع في الجغرافيا وفي التنوع الثقافي واللغوي، يرافقها تطور في المعرفة، وإعادة نظر دائمة في مفهوم الشعر، واقتراب من الإدراك الشعري للتجربة الإنسانية. إن صبر المسافة، ومساحة التأمل من بعيد ما، توفر للشاعرية فرصة للتخفيف من درجة حماسة اللغة، وفرصة النظر إلى ذاتها وأدواتها بطريقة أبرأ وأهدأ من ناحية، وتحملها من ناحية أخرى أعباء استحضار المكان بذاكرته وعناصره خالياً من الغبار ومن الروتين! إنني شديد الأصغاء إلى حركة الزمن، وإلى إيقاعات المشهد الشعري العالمي، لا أتوقف عن التدرب على كيفية الاقتراب من توفير حياة خاصة للقصيدة بشرطها التاريخي وباستقلالها عنه معاً. ولا أتوقف عن تدريب القصيدة على الاقتراب من سلالتها الاسطورية، لا بالاعتماد على رموزها فقط، بل بإنجاز بنيتها الأسطورية المعاصرة من عناصرها الذاتية. ولكن، كيف للشاعر أن يتقن الرحلة من داخله إلى خارجه، ومن خارجه إلى داخله، دون أن يغرق في "أناه" ودون أن يفقدها، بتحويلها إلى ناطقة باسم الجماعة، وكيف يحميها من قصدية التمثيل؟ لعل مصدر الشعر واحد، هو هويتنا الإنسانية، من ماضي غربتها على هذه الأرض إلى حاضرها المغترب. لقد ولد الشعر من أولى أسئلة الدهشة عن وجودنا، من ذلك البعيد الذي تساءل فيه طفلنا الإنساني عن أسرار وجوده الأولى. من هنا لم تكن العالمية، منذ البداية، إلا محلية. في سياق السفر الواحد من الذات إلى العالم، في هذا السياق المتعدد اللغات والمناطق ودرجات التطور التاريخي، تتوحد التجربة الشعرية الإنسانية، وتحقق "عولمتها" الخاصة بها، متحررة من هيمنة المركز وتبعية الطرف، بإسهام كل محلية شعرية في صياغة ما نسميه الشعر العالمي. لكن، لا بد للجهات من تسميات على ما يبدو، فماذا يعني أن أقول إن شعري قادم من الجنوب، من شرط تاريخي لم تتحقق فيه حرية الفرد ولا تحرر الجماعة، ومن بلد أنكسرت فيه العلاقة بين المكان والزمان، وتحول فيه الكائن إلى شبح؟ إن ذلك لا يرمي إلى أكثر من الإشارة إلى مأزق الحداثة الشعرية العربية، على طريق الرحلة من القبيلة التي اندثرت خيامها إلى المدينة التي لم تنشأ بعد. ماذا تفعل الحداثة في مجتمعات عربية تعيش مرحلة ما قبل الحداثة؟ من الطبيعي أن تبقى هامشية ومجازية. ومن الطبيعي أيضاً أن تتشظى إلى حداثات لا يجمعها غير الشكل. ليس الغموض هدف الشاعر. لكنه ينتج عن التوتربين حركة القصيدة وبين ما يحركها من فكر، وعن التوتر بين حالتها النثرية وحالتها الإيقاعية، وهذا الغموض، الشبيه بإيماءات الظلال، هو أحد أشكال صراع اللغة الشعرية مع الواقع الذي لم يعد الشعر مشغولاً بوصفه، بل بالنفاذ إلى جوهره، وبصراع اللغة مع مرجعياتها. ولعل هذا النوع من الغموض هو الفضاء المفتوح لدور القارئ في منح القصيدة حياة ثانية، إذ يوفر له دوراً إبداعياً في القراءة والتأويل، بدلاً من تلقي الرسالة كاملة نهائية. فليس هذا الغموض نقيض الوضوح، بل نقيض الوضوح التعليمي الذي يترك القارئ عاطلاً عن العمل. ولكن، لا غموضي ولا وضوحي هو ما أنقذ شعري من القطيعة مع قارئ يجددني وأجدده. فمن مفارقات تجربتي الشعرية أنها كلما طورت أدواتها التعبيرية وأسلوبيتها، كلما حفزت قارئها إلى القبول بالمزيد من التجديد. فتقاربت ذائقة الشاعر والقارئ الجمالية. ربما لأن أقتراحاتي الشعرية تنبع من سياق تاريخ الشعر العربي وإيقاعاته ومن داخل جماليات اللغة العربية. ومن المعروف أن القصيدة العربية الحديثة لم تصل إلى ما وصلت إليه الآن دفعة واحدة. صحيح، أنه ليس هنالك من شاعر حقيقي يأذن لأي أعتبار خارجي، ولا لأي قارئ، بأن يراقب عملية الكتابة الشعرية، لكن الشاعر قارئ شديد المطالبة. وهو القارئ الأول لنصه. وما تنقيح النص مراراً إلا فعل قراءة كاتبة، يخضع لمعايير واعية لمدى ما في الذات الشخصية من لقاء مع ذوات أخرى. لكل شاعر طريقته الخاصة، أو تقاليده، في الكتابة، وأنا من أولئك الذين يكتبون النص مرتين: في المرة الأولى تقودني سليقتي الشعرية ولا وعيي. وفي المرة الثانية يقودهما إدراكي لمتطلبات بناء القصيدة. وغالباً ما لا تشبه الكتابة الثانية صورة الكتابة الأولى، لا تشبهها أبداً. إن أحد تدريباتي على امتحان قصيدتي هو أن أنساها لفترة طويلة. وحين أعود لزيارتها للتحقق من طبيعتها الشعرية أحكم عليها بمدى الشبه بينها وبيني. فإذا تعرفت عليها من الوهلة الأولى أدركت أنها تقلدني أو أنني أقلد نفسي. أما إذا أحسست بأن شاعراً آخر هو الذي كتبها، متجاوزاً الشاعر الذي كنته. أدركت أنها قصيدة جديدة. ولكن، من يعنيه هذا السر؟ إن ما يعنيني في هذه المختارات، التي شارك في اقتراحها عدد من الأصدقاء، هو أن تكون أمينة وصادقة في تمثيل تجربتي الشعرية وتطورها زمنياً وجمالياً، كما هي في بحثها عن الشعر في القصيدة، وفي بحثها عن القصيدة في الشعر. قليلون هم الشعراء الذين يولدون شعرياً دفعة واحدة. أما أنا، فقد ولدت تدريجياً وعلى دفعات متباعدة. وما زلت أتعلم المشي العسير على الطريق الطويل إلى قصيدتي التي لم أكتبها بعد. (*) صدرت عن دار "غاليمار" الفرنسية، ضمن سلسلتها الشعرية الشهيرة، مختارات شعرية لمحمود درويش تحت عنوان "تضيق بنا الأرض، وقصائد أخرى"، تقع في ٣٩٦ صفحة، ترجمها الكاتب والمؤرخ اليأس صنبر. وهذه هي المقدمة الخاصة التي كتبها الشاعر لهذه المختارات.[/align] |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
حوار في تشرين محمود درويش أحاور ورقة توت: _و من سوء حظ العواصف أنّ المطر يعيدك حيّه ، و أن ضحيتها لا تموت و أن الأيادي القويّة تكبلها بالوتر! سأدفع مهر العواصف مزيدا من الحب للوردة الثاكله و أبقى على قمة التل واقف لأفضح سر الزوابع.. للقافلة أحاور هبّة ريح : إذا هاجر الزراع الأول وعاث بحنطة القاتل و إن قتلوه كما قتلوني فلن تحملي الأرض يوما و لن تنزعي جلدها عن جفوني سأدفع مهر العواصف مزيدا من الحب للوردة الثاكله و أبقى على قمة التل واقف لأفضح سر العواصف.. للقافلة ! أحاور روح الضحيّة : و من سوء حظ العواصف أن المطر يعيدك حيّة .. و من حسن حظك أنك أنت الضحيّة هلا.. يا هلا.. بالمطر! |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
رائع حقا ماأثريت به مدينة الشاعر محمود درويش, كم كان غنيا بتحركاته,بثقافته, بمايحمل ويخزن بداخله ليخرجه بفن بديع.
شكرا لك أسماء, |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
شكرا نصيرة على مرورك و ثناءك محبتي |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
من سميح القاسم إلى محمود درويش خُذني معك تَخلَّيتَ عن وِزرِ حُزني ووزرِ حياتي وحَمَّلتَني وزرَ مَوتِكَ، أنتَ تركْتَ الحصانَ وَحيداً.. لماذا؟ وآثَرْتَ صَهوةَ مَوتِكَ أُفقاً، وآثَرتَ حُزني مَلاذا أجبني. أجبني.. لماذا؟. • • • • • عَصَافيرُنا يا صَديقي تطيرُ بِلا أَجنحهْ وأَحلامُنا يا رَفيقي تَطيرُ بِلا مِرْوَحَهْ تَطيرُ على شَرَكِ الماءِ والنَّار. والنَّارِ والماءِ. مَا مِن مكانٍ تحطُّ عليهِ.. سوى المذبَحَهْ وتَنسى مناقيرَها في تُرابِ القُبورِ الجماعيَّةِ.. الحَبُّ والحُبُّ أَرضٌ مُحَرَّمَةٌ يا صَديقي وتَنفَرِطُ المسْبَحَهْ هو الخوفُ والموتُ في الخوفِ. والأمنُ في الموتِ لا أمْنَ في مجلِسِ الأَمنِ يا صاحبي. مجلسُ الأمنِ أرضٌ مُحايدَةٌ يا رفيقي ونحنُ عذابُ الدروبِ وسخطُ الجِهاتِ ونحنُ غُبارُ الشُّعوبِ وعَجْزُ اللُّغاتِ وبَعضُ الصَّلاةِ على مَا يُتاحُ مِنَ الأَضرِحَهْ وفي الموتِ تكبُرُ أرتالُ إخوتنا الطارئينْ وأعدائِنا الطارئينْ ويزدَحمُ الطقسُ بالمترَفين الذينْ يُحبّونَنا مَيِّتينْ ولكنْ يُحبُّونَنَا يا صديقي بِكُلِّ الشُّكُوكِ وكُلِّ اليَقينْ وهاجَرْتَ حُزناً. إلى باطلِ الحقِّ هاجَرْتَ مِن باطلِ الباطِلِ ومِن بابل بابلٍ إلى بابلٍ بابلِ ومِن تافِهٍ قاتلٍ إلى تافِهٍ جاهِلِ ومِن مُجرمٍ غاصِبٍ إلى مُتخَمٍ قاتلِ ومِن مفترٍ سافلٍ إلى مُدَّعٍ فاشِلِ ومِن زائِلٍ زائِلٍ إلى زائِلٍ زائِلِ وماذا وَجَدْتَ هُناكْ سِوى مَا سِوايَ وماذا وَجّدْتَ سِوى مَا سِواكْ؟ أَخي دَعْكَ مِن هذه المسألَهْ تُحِبُّ أخي.. وأُحِبُّ أَخاكْ وأَنتَ رَحَلْتَ. رَحَلْتَ. ولم أبْقَ كالسَّيفِ فرداً. وما أنا سَيفٌ ولا سُنبُلَهْ وَلا وَردةٌ في يَميني.. وَلا قُنبُلَهْ لأنّي قَدِمْتُ إلى الأرضِ قبلكَ، صِرْتُ بما قَدَّرَ اللهُ. صِرْتُ أنا أوَّلَ الأسئلَهْ إذنْ.. فَلْتَكُنْ خَاتَمَ الأسئِلَهْ لَعّلَّ الإجاباتِ تَستَصْغِرُ المشكلَهْ وَتَستَدْرِجُ البدءَ بالبَسمَلَهْ إلى أوَّلِ النّورِ في نَفَقِ المعضِلَهْ. • • • • • تَخَفَّيْتَ بِالموتِ، تَكتيكُنا لم يُطِعْ إستراتيجيا انتظارِ العَجَائِبْ ومَا مِن جيوشٍ. ومَا مِن زُحوفٍ. ومَا مِن حُشودٍ. ومَا مِن صُفوفٍ. ومَا مِن سَرايا. ومَا مِن كَتائِبْ ومَا مِن جِوارٍ. ومَا مِن حِوارٍ. ومَا مِن دِيارٍ. ومَا مِن أقارِبْ تَخَفَّيْتَ بِالموْتِ. لكنْ تَجَلَّى لِكُلِّ الخلائِقِ زَحْفُ العَقَارِبْ يُحاصِرُ أكْفانَنا يا رفيقي ويَغْزو المضَارِبَ تِلْوَ المضارِبْ ونحنُ مِنَ البَدْوِ. كُنّا بثوبٍ مِنَ الخيشِ. صِرنا بربطَةِ عُنْقٍ. مِنَ البَدْوِ كُنّا وصِرنا. وذُبيانُ تَغزو. وعَبْسٌ تُحارِبْ. • • • • • وهَا هُنَّ يا صاحبي دُونَ بابِكْ عجائِزُ زوربا تَزَاحَمْنَ فَوقَ عَذابِكْ تَدَافَعْنَ فَحماً وشَمعاً تَشَمَّمْنَ مَوتَكَ قَبل مُعايشَةِ الموتِ فيكَ وفَتَّشْنَ بينَ ثيابي وبينَ ثيابِكْ عنِ الثَّروةِ الممكنهْ عنِ السرِّ. سِرِّ القصيدَهْ وسِرِّ العَقيدَهْ وأوجاعِها المزمِنَهْ وسِرِّ حُضورِكَ مِلءَ غِيابِكْ وفَتَّشْنَ عمَّا تقولُ الوصيَّهْ فَهَلْ مِن وَصيَّهْ؟ جُموعُ دُخانٍ وقَشٍّ تُجَلجِلُ في ساحَةِ الموتِ: أينَ الوصيَّهْ؟ نُريدُ الوصيَّهْ! ومَا أنتَ كسرى. ولا أنتَ قيصَرْ لأنَّكَ أعلى وأغلى وأكبَرْ وأنتَ الوصيَّهْ وسِرُّ القضيَّهْ ولكنَّها الجاهليَّهْ أجلْ يا أخي في عَذابي وفي مِحْنَتي واغترابي أتسمَعُني؟ إنَّها الجاهليَّهْ وَلا شيءَ فيها أَقَلُّ كَثيراً سِوى الوَرْدِ، والشَّوكُ أَقسى كَثيراً. وأَعتى كَثيراً. وَأكثَرْ ألا إنَّها يا أخي الجاهليَّهْ وَلا جلفَ مِنَّا يُطيقُ سَماعَ الوَصيَّهْ وَأنتَ الوَصيَّةُ. أنتَ الوَصيَّةُ واللهُ أكبَرُْ. • • • • • سَتذكُرُ. لَو قَدَّرَ الله أنْ تَذكُرا وتَذكُرُ لَو شِئْتَ أنْ تَذكُرا قرأْنا امرأَ القَيسِ في هاجِسِ الموتِ، نحنُ قرأْنا مَعاً حُزنَ لوركا وَلاميّةَ الشّنفرى وسُخطَ نيرودا وسِحرَ أراغون ومُعجزَةَ المتنبّي، أَلَمْ يصهَر الدَّهرَ قافيةً.. والرَّدَى منبرا قرأْنا مَعاً خَوفَ ناظم حِكمَت وشوقَ أتاتورك. هذا الحقيقيّ شَوقَ أخينا الشّقيّ المشَرَّدْ لأُمِّ محمَّدْ وطفلِ العَذابِ محمَّد وسِجنِ البلادِ المؤبَّدْ قرأْنا مَعاً مَا كَتَبنا مَعاً وكَتَبنا لبِروَتنا السَّالِفَهْ وَرامَتِنا الخائِفَهْ وَعكّا وحيفا وعمّان والنّاصرَهْ لبيروتَ والشّام والقاهِرَهْ وللأمَّةِ الصَّابرَهْ وللثورَةِ الزَّاحفَهْ وَلا شَيءَ. لا شَيءَ إلاّ تَعاويذ أحلامِنا النَّازِفَهْ وساعاتِنا الواقِفَهْ وأشلاءَ أوجاعِنا الثَّائِرَهْ. • • • • • وَمِن كُلِّ قلبِكَ أنتَ كَتبتُ وَأنتَ كَتبتَ.. ومِن كُلِّ قلبي كَتَبْنا لشعْبٍ بأرضٍ.. وأرضٍ بشعبِ كَتَبْنا بحُبٍّ.. لِحُبِّ وتعلَمُ أنَّا كَرِهْنا الكراهيّةَ الشَّاحبَهْ كَرِهْنا الغُزاةَ الطُّغاةَ، وَلا.. ما كَرِهْنا اليهودَ ولا الإنجليزَ، وَلا أيَّ شَعبٍ عَدُوٍ.. ولا أيَّ شَعبٍ صديقٍ، كَرِهْنا زبانيةَ الدولِ الكاذِبَهْ وَقُطعانَ أوْباشِها السَّائِبَهْ كَرِهْنا جنازيرَ دبَّابَةٍ غاصِبَهْ وأجنحَةَ الطائِراتِ المغيرَةِ والقُوَّةَ الضَّارِبَهْ كَرِهْنا سَوَاطيرَ جُدرانِهِم في عِظامِ الرّقابِ وأوتادَهُم في الترابِ وَرَاءَ الترابِ وَرَاءَ الترابِ يقولونَ للجوِّ والبَرِّ إنّا نُحاولُ للبحْرِ إلقاءَهُم، يكذبُونْ وهُم يضحكُونَ بُكاءً مَريراً وَيستعطفونْ ويلقونَنَا للسَّرابِ ويلقونَنَا للأفاعِي ويلقونَنَا للذّئابِ ويلقونَنَا في الخرابِ ويلقونَنا في ضَياعِ الضَّياعِ وتَعلَمُ يا صاحبي. أنتَ تَعلَمْ بأنَّ جَهَنَّم مَلَّتْ جَهّنَّمْ وعَافَتْ جَهَنَّمْ لماذا تموتُ إذاً. ولماذا أعيشُ إذاً. ولماذا نموتُ. نعيشُ. نموتُ. نموتُ على هيئَةِ الأُممِ السَّاخِرهْ وَعُهْرِ ملفَّاتِها الفاجِرَهْ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟.. ومَا كُلُّ هذا الدَّمار وهذا السقوط وهذا العذاب ومَا كلُّ هذا؟ وهذا؟ وهذا؟ • • • • • تذكَّرْ.. وقدْ يُسعِفُ اللهُ مَيْتاً بأنْ يتذكَّرَ. لله نحنُ. فحاول إذن.. وتذكَّرْ تذكَّرْ رضا الوالِدَهْ لأُمَّينِ في واحِدَهْ ونعمةَ كُبَّتِها.. زينة المائِدَهْ وطُهرَ الرَّغيفِ المقمَّرْ تذكَّرْ أباً لا يُجيدُ الصّياحْ ولا يتذمَّرْ تذكَّرْ أباً لا يضيقُ ولا يتأفَّفُ مِن سَهَرٍ صاخِبٍ للصَّباحْ تذكَّرْ كَثيراً. ولا تتذكَّرْ كَثيراً. فبعضُ الحِكاياتِ سُكَّرْ وكُلُّ الخرافاتِ سُمٌّ مُقَطَّرْ ونحنُ ضَحايا الخرافاتِ. نحنُ ضَحايا نبوخذ نصّرْ وأيتام هتلَرْ ومِن دَمِنا للطُّغاةِ نبيذٌ ومِن لَحمِنا للغُزاةِ أكاليلُ غارٍ ووردٍ ومِسْكٌ. وَعَنبَرْ فَلا تتذكِّرْ قيوداً وسجناً وعسكَرْ وبيتاً مُدَمَّرْ وَليلاً طَويلاً. وَقَهراً ثقيلاً وسَطواً تكرَّرْ وَلا تتذكَّرْ لا تتذكَّرْ لا تتذكَّرْ. • • • • • لأنّا صديقانِ في الأرضِ والشّعبِ والعُمرِ والشِّعرِ، نحنُ صريحانِ في الحبِّ والموتِ.. يوماً غَضِبْتُ عليكَ.. ويوماً غَضِبْتَ عَلَيّ وَمَا كانَ شَيءٌ لدَيكَ. وَمَا كانَ شَيءٌ لَدَيّ سِوَى أنّنا مِن تُرابٍ عَصِيّ وَدَمْعٍ سَخيّ نَهاراً كَتبْتُ إليكَ. وَليلاً كَتَبْتَ إليّ وأعيادُ ميلادِنا طالما أنذَرَتْنا بسِرٍّ خَفِيّ وَمَوتٍ قريبٍ.. وَحُلمٍ قَصِيّ ويومَ احتَفَلْتَ بخمسينَ عاماً مِنَ العُمرِ، عُمرِ الشَّريدِ الشَّقيّ البَقيّ ضَحِكنا مَعاً وَبَكَيْنا مَعاً حينَ غنَّى وصلّى يُعايدُكَ الصَّاحبُ الرَّبَذيّ: على وَرَقِ السنديانْ وُلِدْنا صباحاً لأُمِّ الندى وأبِ الزّعفرانْ ومتنا مساءً بِلا أبوَينِ.. على بَحرِ غُربتِنا في زَوارِقَ مِن وَرَقِ السيلوفانْ على وَرَقِ البَحرِ. لَيلاً. كَتَبْنا نشيدَ الغَرَقْ وَعُدْنا احتَرَقْنا بِنارِ مَطالِعِنا والنّشيدُ احتَرَقْ بنارِ مَدَامِعِنا والوَرَقْ يطيرُ بأجْنِحَةٍ مِن دُخانْ وهَا نحنُ يا صاحبي. صَفحَتانْ وَوَجهٌ قديمٌ يُقَلِّبُنا مِن جديدٍ على صَفَحاتِ كتابِ القَلَقْ وهَا نحنُ. لا نحنُ. مَيْتٌ وَحَيٌّ. وَحَيٌّ وَمَيْتْ بَكَى صاحبي، على سَطحِ غُربَتِهِ مُستَغيثاً بَكَى صاحبي.. وَبَكَى.. وَبَكَيْتْ على سَطحِ بَيْتْ ألا ليتَ لَيتْ ويا ليتَ لَيتْ وُلِدنا ومتنا على وَرَقِ السنديانْ. • • • • • ويوماً كَتَبْتُ إليكَ. ويوماً كَتَبْتَ إليّ أُسميكَ نرجسةً حَولَ قلبي.. وقلبُكَ أرضي وأهلي وشعبي وقلبُكَ.. قلبي. • • • • • يقولونَ موتُكَ كانَ غريباً.. ووجهُ الغَرابَةِ أنّكَ عِشْتَ وأنّي أعيشُ. وأنّا نَعيشُ. وتعلَمُ. تَعلَمُ أنّا حُكِمْنا بموتٍ سريعٍ يمُرُّ ببُطءٍ وتَعلَمُ تَعْلَمُ أنّا اجترَحْنا الحياةَ على خطأٍ مَطْبَعِيّ وتَعلَمُ أنّا تأجَّلَ إعدامُنا ألف مَرَّهْ لِسَكْرَةِ جَلاّدِنا تِلْوَ سَكْرهْ وللهِ مَجْدُ الأعالي. ونصلُ السَّلام الكلام على الأرضِ.. والناسُ فيهم ـ سِوانا ـ المسَرَّهْ أنحنُ مِن الناسِ؟ هل نحنُ حقاً مِن الناسِ؟ مَن نحنُ حقاً؟ ومَن نحنُ حَقاً؟ سألْنا لأوّلِ مَرَّهْ وَآخرِ مَرَّهْ وَلا يَستَقيمُ السّؤالُ لكي يستَقيمَ الجوابُ. وها نحنُ نَمكُثُ في حَسْرَةٍ بعدَ حَسْرَهْ وكُلُّ غَريبٍ يعيشُ على ألفِ حَيْرَهْ ويحملُ كُلُّ قَتيلٍ على الظَّهرِ قَبرَهْ ويَسبُرُ غَوْرَ المجَرَّةِ.. يَسبُرُ غَوْرَ المجَرَّهْ. • • • • • تُعانقُني أُمُّنا. أُمُّ أحمدَ. في جَزَعٍ مُرهَقٍ بعذابِ السِّنينْ وعِبءِ الحنينْ وَتَفْتَحُ كَفَّينِ واهِنَتَينِ موبِّخَتَينِ. وَتَسأَلُ صارخةً دُونَ صَوتٍ. وتسألُ أينَ أَخوكَ؟ أَجِبْ. لا تُخبِّئ عَلَيَّ. أجِبْ أينَ محمود؟ أينَ أخوكَ؟ تُزلزِلُني أُمُّنا بالسّؤالِ؟ فماذا أقولُ لَهَا؟ هَلْ أقولُ مَضَى في الصَّباحِ ليأْخُذَ قَهوَتَهُ بالحليبِ على سِحرِ أرصِفَةِ الشانزيليزيه. أمْ أدَّعي أنَّكَ الآن في جَلسَةٍ طارِئَهْ وَهَلْ أدَّعي أنَّكَ الآن في سَهرَةٍ هادِئهْ وَهَلْ أُتْقِنُ الزَّعْمَ أنّكَ في موعِدٍ للغَرَامِ، تُقابِلُ كاتبةً لاجئَهْ وَهَلْ ستُصَدِّقُ أنّكَ تُلقي قصائِدَكَ الآنَ في صالَةٍ دافِئَهْ بأنْفاسِ ألفَينِ مِن مُعجَبيكَ.. وكيفَ أقولُ أخي راحَ يا أُمَّنا ليَرَى بارِئَهْ.. أخي راحَ يا أُمَّنا والتقى بارِئَهْ. • • • • • إذنْ. أنتَ مُرتَحِلٌ عن دِيارِ الأحبَّةِ. لا بأسَ. هَا أنتَ مُرتَحِلٌ لدِيارِ الأحبَّةِ. سَلِّمْ عَلَيهِم: راشد حسين فدوى طوقان توفيق زيّاد إميل توما مُعين بسيسو عصام العباسي ياسر عرفات إميل حبيبي الشيخ إمام أحمد ياسين سعدالله ونُّوس كاتب ياسين جورج حبش نجيب محفوظ أبو علي مصطفى يوسف حنا ممدوح عدوان خليل الوزير نزيه خير رفائيل ألبرتي ناجي العلي إسماعيل شمُّوط بلند الحيدري محمد مهدي الجواهري يانيس ريتسوس ألكسندر بن يوسف شاهين يوسف إدريس سهيل إدريس رجاء النقاش عبد الوهاب البياتي غسَّان كنفاني نزار قباني كَفاني. كَفاني. وكُثرٌ سِواهم. وكُثرٌ فسلِّم عليهم. وسَوفَ تُقابِلُ في جَنَّةِ الخُلدِ سامي . أخانا الجميلَ الأصيلَ. وَهلْ يعزِفونَ على العُودِ في جَنَّةِ الخُلْدِ؟ أَحبَبْتَ سامي مَع العودِ في قَعدَةِ العَينِ .. سامي مَضَى وَهْوَ في مِثلِ عُمرِكَ.. (67).. لا. لا أُطيقُ العَدَدْ وأنتُمْ أبَدْ يضُمُّ الأبَدْ ويَمْحُو الأبَدْ وَأَعلَمُ. سوفَ تَعودونَ. ذاتَ صباحٍ جديدٍ تعودُونَ للدَّار والجار والقدس والشمس. سَوفَ تَعودونَ. حَياً تَعودُ. وَمَيْتاً تَعودُ. وسَوفَ تَعودون. مَا مِن كَفَنْ يَليقُ بِنا غيرَ دَمعَةِ أُمٍّ تبلُّ تُرابَ الوَطَنْ ومَا مِن بِلادٍ تَليقُ بِنا ونَليقُ بِها غير هذي البلادْ ويوم المعادِ قريبٌ كيومِ المعادْ وحُلم المغنّي كِفاحٌ وموتُ المغنّي جهادُ الجِهادْ. • • • • • إذاً أنتَ مُرتحلٌ عَن دِيارِ الأحِبَّةِ في زّوْرَقٍ للنجاةِ. على سَطْحِ بحرٍ أُسمّيهِ يا صاحبي أَدْمُعَكْ وَلولا اعتصامي بحبلٍ مِن الله يدنو سريعاً. ولكنْ ببطءٍ.. لكُنتُ زَجَرْتُكَ: خُذني مَعَكْ وخُذني مَعَكْ خُذني مَعَكْ. |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
1 مرفق
يوميات جرح فلسطيني (إلى فدوى طوقان) محمود درويش -1- نحن في حلّ من التذكار فالكرمل فينا و على أهدابنا عشب الجليل لا تقولي: ليتنا نركض كالنهر إليها، لا تقولي! نحن في لحم بلادي.. و هي فينا! -2- لم نكن قبل حزيران كأفراح الحمام ولذا، لم يتفتّت حبنا بين السلاسل نحن يا أختاه، من عشرين عام نحن لا نكتب أشعارا، و لكن نقاتل -3- ذلك الظل الذي يسقط في عينيك شيطان إله جاء من شهر حزيران لكي يصبغ بالشمس الجباه إنه لون شهيد إنه طعم صلاة إنه يقتل أو يحيي و في الحالين!آه! -4- أوّل الليل على عينيك ،كان في فؤادي، قطرة قطرة من آخر الليل الطويل و الذي يجمعنا، الساعة، في هذا المكان شارع العودة من عصر الذبول. -5- صوتك الليلة، سكين وجرح و ضماد و نعاس جاء من صمت الضحايا أين أهلي؟ خرجوا من خيمة المنفى، و عادوا مرة أخرى سبايا! -6- كلمات الحب لم تصدأ،و لكن الحبيب واقع في الأسر_ يا حبي الذي حملني شرفات خلعتها الريخ أعتاب بيوت وذنوب. لم يسع قلبي سوى عينيك في يوم من الأيام و الآن اغتنى بالوطن! -7- و عرفنا ما الذي يجعل صوت القبّرة خنجرا يلمع في وجه الغزاة و عرفنا ما الذي يجعل صمت المقبرة مهرجانا.. و بساتين حياة! -8- عندما كنت تغنين رأيت الشرفات تهجر الجدران و الساحة تمتد إلى خصر الجبل لم نكن نسمع موسيقى و لا نبصر لون الكلمات كان في الغرفة مليون بطل -9- في دمي من وجهه صيف و نبض مستعار عدت خجلان إلى البيت فقد خر على جرحي شهيدا كان مأوى ليلة الميلاد كان الانتظار و أنا أقطف من ذكراه عيدا -10- الندى و النار عيناه إذا ارددت اقترابا منه غنى و تبخرت على ساعده لحظة صمت و صلاة آه سميه كما شئت شهيدا غادر الكوخ فتى ثم أتى لما أتى وجه إله -11- هذه الأرض التي تمتص جلد الشهداء تعد الصيف بقمح و كواكب فاعبديها نحن في أحشائها ملح و ماء و على أحضانها جرح يحارب -12- دمعتي في الحلق يا أخت و في عيّني نار و تحررت من الشكوى على باب الخليفة كل من ماتوا و من سوف يموتون على باب النهار عانقوني، صنعوا مني.. قذيفة ! -13- منزل الأحباب مهجور. و يافا ترجمت حتى النخاخ و التي تبحث عني لم تجد مني سوى جبهتها أتركي لي كل هذا الموت، يا أخت أتركي هذا الضياع فأنا أصفره نجما على نكبها -14- آه يا جرحي المكابر وطني ليس حقيبه و أنا لست مسافر إنني العاشق ،و الأرض حبيبه -15- و إذا استرسلت في الذكرى! نما في جبهتي عشب الندم و تحسرت على شيء بعيد و إذا استسلمت للشوق، تبنيت أساطير العبيد و أنا آثرت أن أجعل من صوتي حصاه و من الصخر نغم ! -16- جبهتي لا تحمل الظل. و ظلي لا أراه و أنا أبصق في الجرح الذي لا يشعل الليل جباه ! خبئي الدمعه للعيد فلن نبكي سوى من فرح و لنسم الموت في الساحة عرسا.. و حياه! -17- و ترعرعت على الجرح، و ما قلت لأمي ما الذي يجعلها في الليل خيمه أنا ما ضيّعت ينبوعي و عنواني و اسمي و لذا أبصرت في أسمالها مليون نجمه! -18- رايتي سوداء، و الميناء تابوت و ظهري قنطرة يا خريف العالم المنهار فينا يا ربيع العالم المولود فينا زهرتي حمراء و الميناء مفتوح، و قلبي شجرة! -19- لغتي صوت خرير الماء في نهر الزوابع و مرايا الشمس و الحنطة في ساحة حرب ربما أخطأت في التعبير أحيانا و لكن كنت_ لا أخجل_ رائع عندما استبدلت بالقاموس قلبي! -20- كان لا بد من الأعداء كي نعرف أنا توأمان ! كان لا بد من الريخ لكي نسكن جذع السنديان ! و لو أن السيد المصلوب لم يكبر على عرش الصليب ظل طفلا ضائع الجرح.. جبان. -21- لك عندي كلمه لم أقلها بعد، فالظل على الشرفة يحتل القمر و بلادي ملحمة كنت فيها عازفا.. صرت وتر! -22- عالم الآثار مشغول بتحليل الحجارة إنه يبحث عن عينية في ردم الأساطير لكي يثبت أني : عابر في الدرب لا عينين لي1 لا حرف في سفر الحضارة! و أنا أزرع أشجاري. على مهلي و عن حبي أغني! -23- غيمة الصيف التي.. يحملها ظهر الهزيمة علّقت نسل السلاطين على حبل السراب و أنا المقتول و المولود في ليل الجريمة ها أنا ازددت التصاقا.. بالتراب! -24- آن لي أن أبدل اللفظة بالفعل و آن لي أن أثبت حبي للثرى و القبرة فالعصا تفترس القيثار في هذا الزمان و أنا أصفر في المرآه مذ لاحت ورائي شجره |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
في شرفة محمود درويش قاسم حداد 1 بغتة، ضبطت نفسي أقرأ محمود درويش شاعراً خارج فلسطينيته. حدث هذا منذ سنوات، حدث تدريجياً، ورغماً عني، ولنقل بغير قصد شعرت بذلك، كما لو أنه يحدث بمحض الصدفة العفوية. تحررت من فلسطينية الشاعر، وارتحت كثيرا لهذا الأمر. ربما لأنني تأكدت بأن هذا سلوك يساعدني على التعامل مع شعر درويش بحرية أكثر، ومتعة مضاعفة. والمؤكد أن هذا ما كان له أن يحدث لولا أن الشعر، الذي بدأت أقرأه لمحمود في السنوات الأخيرة قد انعتق من فلسطينيته، فلم تعد هذه حكم قيمة، وصار النص المتحرر من سلطاته كفيلاً بتحرير قارئه من أحكامه المسبقة. صار محمود في أفقه الكوني، بامتياز. وكان يفعل ذلك، بحرية كبيرة، ولكن بقلق أكبر .فتلك حرية مسوّرة بقدر لا بأس به من أرث يضاهي القداسة، حتى لكأن التفلّت منه يشكل تفريطاً في صلاة. فبين أن لا يبدو خائناً لقضيته، وأن لا يفرّط في الإخلاص لقصيدته، كان درويش يتحرك برشاقة الغزال وبكعوبٍ أخيلية لا تحصى، في مسافة نارية يتطلب الذهاب إليها شاعراً يدرك ما يريد، ويعرف درب الذهاب إليه. 2 من بين أكثر الشعراء العرب حيوية وفعالية، كان درويش يخوض حروبه الكثيرة، على أكثر من صعيد، وبصفة علنية، وبدرجة عالية من الصرامة والصراحة والإتقان. خاض حرباً مبكرة ضدّ العدو الذي احتل بيته، ولا يزال. ثم انخرط في حرب مع المؤسسة السياسية حول مسائل عديدة، واختلف معها دون أن يناهضها، وظلّ يرفض الارتهان لكامل سياساتها ومنظوراتها. ثم نراه يخوض حرباً ضد سلطة الأيديولوجيا التي لا تتوقف عن التعامل مع الشاعر بوصفه بوقاً لها، وهي النظرة الموروثة من شاعر القبيلة، والتي أصبحت تراثاُ يتشبث به الجمهور الصاخب، وتشجعه المؤسسات السياسية الرسمية. لكن درويش، في سنواته الأخيرة خصوصاً، أخذ يخوض حرباً صارمة مع القارئ، هي أطرف الحروب وأكثرها بسالة ونبلاً، بسبب طبيعتها الفنية والذاتية. كان درويش يعي تماماً دور الشاعر في بلورة قارئه معه، وتدريبه على إعادة النظر في طرائق التلقي الشعري. وهذه مسؤولية لا تنفصل عن الدور النضالي الذي اضطلع به درويش منذ تأسيس علاقته بالقارئ السياسي، بل لعله كان يرى في هذه المسؤولية طرازاً من الإخلاص العالي في مهامّ الانتقال بالكائن الفعال نحو درجة أرقى من النضال، كمفهوم إنساني. ففي هذا ضربٌ من محاولة إنقاذ القارئ من حضيض السلوك السياسي التقليدي الذي يستهين بالإبداع، ويقود الناس، مثل القطيع، امتثالاً لأوامر الخطاب السياسي الذي انخرط في آلية قاتلة من التخبط. ولقد قاوم درويش فكرة أن يكون استمراراً للشاعر الخطيب الذي يقيم المظاهرات ويسيرها ويقودها بقصائده، وعكف في المقابل على إقناع قرائه/مستمعيه بالكفّ عن الصراخ، والبدء في تجربة التأمل والتفكير والحلم، في حلبة صراع هو بمثابة حرب ينتصر فيها الشاعر على القارئ، دون أن يهزمه. وهكذا يتوجب أن نفهم حرب الشاعر المزدوجة مع القارئ، وضده في آن: معه، لكي يخرج من قبضة التفكير التقليدي، فنّاً وسياسة؛ وضده، بهدف تحريره من نظرته المأسورة بمنطق النص الشعاري. حربٌ تنطوي على اقتياد القارئ إلى نوع من العبث واللهو الشعريين، في اللغة والتعبير، إمعاناً في انتهاك تصوّرات القارئ الجاهزة وأحكامه المسبقة، وأسبقيتها على الشاعر والقصيدة. وظني أن هذه الحرب هي أحد أجمل الحروب التي اكتسب درويش فيها خبرة تتميز بالوعي، وتحرز الانتصار أيضاَ. 3 لقد كان درويش يغرف من لغة تموج به لغة يسبح فيها بولع، ومتعة، وتنوع إيقاعي بلا هوادة، وهذا جانب مهم من مكونات جماليات لغة درويش الشعرية. اللغة عنده انتقلت من لحظة الخطابة، وهي الآلية الأكثر شيوعاً في الكتابة العربية التقليدية، إلى فسحة التأمل والسبر والمسائلة ومرارة النقائض، وهي الخصائص التي لم تكن مألوفة في مجمل كتابة الأدب العربي، خاصة عندما يتعلق الأمر بشعر يتحرك في برزخ سياسي. وقد ساعد درويش في اجتياز هذا البرزخ موهبة الغناء التراجيدي، وآلياته الشعرية التي كان يبتكرها مع قصائده الجديدة. ذلك الغناء الروحي الذي يصدر عن إحساس عميق وحزين بالخسارة المستمرة للحياة والحق فيها، حتى لكأنه كان يرثي أمّة بأسرها، صاعداً، متسامياً إلى رثاء الذات ورثاء الجماعة. وظاهرة المراثي في شعر درويش هي اختزال وتدريب مضمرين: اختزال تجربة الفقد المتواصل في المشهد الفلسطيني، والتدريب على استيعاب الفكرة المهيمنة للموت الذي يحضر باكراً في اللحظة الحرجة من تظهير تحولات الشاعر الفنية الجديدة. فالشاعر هنا يتحقق من جانب، ويتهدد، مصيرياً، من جانب آخر. كأن طبيعة كونية غامضة صارت تشكل ملمحاً بالغ الخصوبة )يا للمفارقة( كي يصبح الكائن موجوداً في الدرجة العالية من الغياب، أو الاستعداد له، وفي درجة أخرى مماثلة من الحضور. 4 أرى في ارتباط كتابة درويش بنظام التفعيلة مسألة أعمق من مجرّد خيار فني، لأن موسيقى الشعر وإيقاعاته هي من صلب مكونات موهبة درويش الإبداعية أصلاً، وعنصراً جوهرياً من طبيعته الجمالية. وهي، أيضا، مكوّن أساسي في آليات علاقته باللغة بوصفها غناءً روحياً من جهة، ومصدراً لفعالية التوليد الجمالي من جهة أخرى. وهذا ما جعل درويش، مع كوكبة من الشعراء العرب، يغْنون الشعرية العربية بثروة إيقاعية خصبة، جعلت الحوار الإبداعي حول الموسيقى الشعرية مرشحاً للمزيد من بلورة المعطيات التي سوف يحتاجها الفعل الشعري المتجدد في التجارب الراهنة والقادمة. وحين أتحدث عن الإيقاع، فإنما أعني بالضبط المعنى الأكثر شمولاً ورحابة من مجرد المفهوم القسري للوزن والقوافي، أي الموسيقى العميقة الجوهرية، الكامنة في بنية اللغة قبل الشعر وبعده. وهي الموسيقى التي سيبتكرها كل شاعر بقدر موهبته ومعرفته، وصدقه مع المفهوم الكامل للشعر. وإذا كان ثمة درس تعبيري تقترحه تجربة درويش على مستقبل الكتابة الشعرية العربية، فإنه ذاك الذي يتصل بالتجليات الجمالية الكامنة في الإيقاعية العالية والعميقة في آن، وطاقة التعبير في الموسيقى، باعتبارها جزءاً جوهرياً في التجربة الشعرية، وليس جرساً خارجياً لاستجداء حواس القارئ/ المستمع المباشر. فالنص الشعري عن درويش، لا يصير مقروءاً ولا مسموعاً ولا نافذاً إلا إذا كان نشيداً، أو ضرباً من النشيد. وفي هذا الدرس سوف يتوجب علينا أن نتوقف ملياً، ليس فقط لتأمل ودراسة معطيات تجربتنا الشعرية منذ لحظتها التحديثية المبكرة حتى الآن، ولكن، خصوصاً، لاستشراف ما تأخذنا إليه هذه التجارب الكثيرة الجديدة الراهنة، وهي تتكاثر )لئلا أقول تتفاقم( متراكمة، متسارعة، لاهثة، دون أن تعرف، في الواقع، إلى أين تذهب. بهذا تضعنا تجربة درويش أمام أسئلتنا الشعرية مجدداً، وهو الشاعر الذي لم يكتب خارج الوزن، ولم يكن يرغب فيه، دون أن ينفي اجتهادات غيره أو يصادر حقهم في التجريب. وهذا ما يجعلني أميل إلى اعتبار درسه الشعري اقتراحاً مناسباً لمساءلة حركتنا الشعرية المعاصرة بأسرها، من حيث مفهوم الموسيقى في الشعر. وهذه الخصائص كلها هي شبكة عناصر متداخلة مترابطة، كانت تتبلور في نهاية الأمر لتصنع سلسلة معطيات فنية، وضعتْ قصيدة درويش في قلب التحولات المتواصلة التي سوف تخضع لها تجربته الشعرية، في كلّ قصيدة جديدة يكتبها. |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
الآن في المنفى محمود درويش الآن، في المنفى ... نعم في البيتِ، في الستّينَ من عُمْرٍ سريعٍ يُوقدون الشَّمعَ لك فافرح، بأقصى ما استطعتَ من الهدوء، لأنَّ موتاً طائشاً ضلَّ الطريق إليك من فرط الزحام.... وأجّلك قمرٌ فضوليٌّ على الأطلال, يضحك كالغبي فلا تصدِّق أنه يدنو لكي يستقبلك هُوَ في وظيفته القديمة، مثل آذارَ الجديدِ ... أعادَ للأشجار أسماءَ الحنينِ وأهمَلكْ فلتحتفلْ مع أصدقائكَ بانكسار الكأس. في الستين لن تجِدَ الغَدَ الباقي لتحملَهُ على كتِفِ النشيد ... ويحملكْ قُلْ للحياةِ، كما يليقُ بشاعرٍ متمرِّس: سيري ببطء كالإناث الواثقات بسحرهنَّ وكيدهنَّ. لكلِّ واحدةْ نداءُ ما خفيٌّ: هَيْتَ لَكْ / ما أجملَكْ! سيري ببطءٍ، يا حياةُ ، لكي أراك بِكامل النُقصان حولي. كم نسيتُكِ في خضمِّكِ باحثاً عنِّي وعنكِ. وكُلَّما أدركتُ سرَاً منك قُلتِ بقسوةٍ: ما أّجهلَكْ! قُلْ للغياب: نَقَصتني وأنا حضرتُ ... لأُكملَكْ! |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
رائعة هي هذه الشرفات الدرويشية.
شكرا لك أسماء . تحياتي |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
أهلا نصيرة يسعدني مرورك و إعجابك بإختياراتي من عالم درويش محبتي |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
ماأجملها وماأنبلها قصيدة سميح القاسم لدرويش وماأروع ماتزينين به مدينة درويش أستاذة أسماء.
عميق تقديري لك |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
اقتباس:
أشكرك أستاذة نصيرة و آسفة على تأخري في الرد مودتي |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
إسخيليوس في ضيافة محمود درويش احمد حفناوي [align=justify]قصيدة 'على هذه الأرض'، احدى قصائد محمود درويش، لاقت اعجاب السواد الأعظم ممن قرأوها وسرعان ما أصبح عنوانها أو حتى مقاطع كاملة منها شعاراً تردده أفواه شعبه، بل أصبحت لوحة جدارية تزين العديد من زقاق المخيمات وشوارع المدن في الداخل والمهجر الفلسطيني. هي قصيدة لا تقل أهمية عن قصيدة 'أمي' في تعبيرها عن البعد الإنساني لملامح الحياة اليومية للفلسطيني. رائحة الخبز في الفجر وتعويذة امرأة على سبيل الذكر لا الحصر هي بعض من الأمثلة التي تشير الى البوصلة التي تحدد أهداف النضال من أجل تثبيت استحقاق الحياة لقاطني أرض فلسطين الأصليين. محمود درويش كما هو معروف لمن تابع تجربته الشعرية شاعر لم يجتر نفسه أبدا. آخر أعماله تدل بشكل واضح أن القدر خطف هذه الظاهرة وهي في أوج نضوجها. الدلالات والمجازات التي استعملها الشاعر في آخر أعماله أتت لتؤكد أن هذا الشاعر الفذ تمكن من تطويع اللغة لتلك الدرجة التي سمحت من عبارة مثل 'على هذه الأرض ما يستحق الحياة' أن تختصر النضال الفلسطيني الممتد على مدى قرن من الزمان في سطر من قصيدة. مربط الفرس في هذه القصيدة تحديدا هو الدلالات التي تختفي خلف السطور التي تدفع القارئ المتعمق إلى أن يعيد قراءة محمود درويش حرفاً حرفاً وكلمةَ كلمة وخاصة أولئك الذين اعتقدوا أن فترة الرضاعة من شعر محمود درويش انتهت وفطمنا. يعد محمود درويش في هذه القصيدة خمسة عشر سبباً اعتبر من أجلها الحياة على أرض فلسطين استحقاقاً لشعبها، وكلها مرتبطة في الأرض وفي تفاعل ساكنها الأصلي معها وعليها باستثناء سبب واحد وهو كتابات إسخيليوس. إسخيليوس الشاعر يعتبر الأب الشجرة للتراجيديا اليونانية العضوي والروحاني معاً. هو الشجرة التي حملت سوفوكليس في العصر الذهبي للحضارة اليونانية، كما يرجع الى إسخيليوس إرساء الأسس الثابتة للمأساة الإغريقية قبل أرسطو بما يقارب القرن ونصف القرن وذلك بتقديمه للتاريخ البشري ما يقارب التسعين تراجيديا وعشرين دراما ساتورية يصعب فيها التفرقة بين الأسطورة والتاريخ والبطولة، ذلك أن إسخيليوس لم يكتب الملحمة اليونانية على الورق ولم يقدمها على المسارح فقط بل انه شارك وبدور قيادي في معاركها على الأرض وذلك بصمود الإغريق الأسطوري وانتصارهم على حملات الفرس في معارك ماراثونا وسلمينا التي استهدفوا فيها أرض وحضارة الإغريق في ذلك الوقت. محمود درويش كان قد كتب 'التراجيديا يكتبها كتبة التراجيديا'، ولكن هل الإشارة الى كتابات إسخيليوس في هذه القصيدة تحديداً هي تصريحٌ بأن نضال الشعب الفلسطسني وصموده هما تراجيديا القرن العشرين بالمفهوم الإسخيلي؟ أم أن البطولات والقتال الملحمي على الطراز الإغريقي هي خلاص الشعب الفلسطيني من تراجيدياه؟ الاحتمالات كثيرة والإجابات ذهبت مع محمود درويش في 'الممر اللولبي' وبالحد الأدنى تستدعي اعادة قراءة محمود درويش كلمة كلمة وسطراً سطرا من جديد.[/align] |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
كم هي جميلة ورائعة هذه المدينة الدرويشية أختي الغالية الأستاذة أسماء بوستة , بانتظار المزيد من هذه الإبداعات الخالدة . تقبلي فائق محبتي وتقديري . |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
العزيزة أستاذة أسماء أحلى مدينة , مدينة محمود درويش .. وأي مدينة أجمل منها بصدق لايوزيها شيء؟ هل هي مدينة الشعر أم مدينة الإنسانية أم الوطنية أم ماذا ؟ نعم كلنا نردد أن محمود درويش علمنا كيف نكون اوفياء لكل المعاني الانسانية والحس الإنساني من يقرأ لمحمود دريش يجعله يمزق كل أوراقه ويعيد التفكير في حياته من جديد .. هذا هو محمود درويش فقد قالت فيه الروائية أحلام مستغانمي هو الشاعر المارد , الذي كلما كبر قلمه , صغر قلبه وبدا كأنه من عليائه يستنجد بنا هو يريد منا "ورداً أقل" ونحن نعترف إننا ننتظر منه خسائر أكثر فداحة وحنيناً مدمراً كإعصار ننتظر مزيداً من البكاء على كتف قصائده . أما عن رئيس تحرير صحيفة القدس العربي / عبد الباري عطوان فقد قال : بعد محمود درويش لن يكون الشعر بالقوة نفسها أو بالسحر نفسه , سيكون شعراً مختلفاً , فبرحيله رحلت ظاهرة شعراء يملؤون ملاعب كرة القدم بالمعجبين والمعجبات , وليس في الوطن العربي وإنما في المنافي الأوروبية , خسرته صديقاً عزيزاً ورمزاً من رموز هذه الأمة التي ربما لن تتكرر إلا بعد قرون . شكراً لك ولهذه المدينة العملاقة |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
اقتباس:
أشكر مرورك أستاذتي الغالية بوران شما درويش باق في قلوبنا ما بقي الزيتون و الزعتر لك كل محبتي |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
اقتباس:
الشكر كل الشكر لك حاجة ناهد على إظافتك أظن أنه كان هناك توارد أفكار بيننا أستاذتي العزيزة فقد كنت بصدد جمع ما قيل عن محمود درويش بعد وفاته و سأقوم بنشر هذه المقولات إن شاء الله محبتي لك |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
قالوا عن محمود درويش [align=justify] وزيرة الثقافة المغربية ثريا جبران محمود درويش موحد للعرب بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى .القضية الفلسطينية كانت حاضرة في كل أعماله , ورحيله خسارة كبيرة لكل الأمة العربية ,وسيظل حاضراً في ذاكرتنا ووعينا ووجداننا ووجدان كل العرب. الدكتور غازي القصيبي سهل أن تكتب شعر مقاومة , وصعب أن تكتب شعر مقاومة يختلف عن المنشور, وسهل أن تكتب الشعر الحديث, وصعب أن تكتب الشعر الحديث بقلم الأصالة وحبر التراث...ويضيف أيضا ... ليس في شعر محمود درويش عنتريات ,ولا شعارات ... ليس في شعر محمود درويش سوى الشعر!! ويختم قائلاً : عندما يكتب تاريخ الشعر العربي في هذه الحقبة سيبرز محمود درويش أعلى من كل العمالقة ,أبقى من كل الفحول!! سيبقى والريح تحته ... يكتب كلاما جميلا على سفوح الزوابع !! الكاتب الإسباني خوان غويتيسولو محمود درويش أحد أفضل الشعراء العرب في القرن الحالي ويرمز تاريخه الشخصي إلى تاريخ قومه ، استطاع تطوير هموم شعرية جميلة مؤثرة احتلت فيها فلسطين موقعاً مركزياً , فكان شعره التزاماً بالكلمة الجوهرية الدقيقة , وليس شعراً نضالياً أو دعوياً ,هكذا تمكن درويش شأنه في ذلك شأن الشعراء الحقيقيين من ابتكار واقع لفظي يرسخ في ذهن القارئ باستقلال تام عن الموضوع أو الباعث الذي أحدثه. الفنان مارسيل خليفة اعتدت دائما أن احتضن آلة العود واغني شعر درويش ...لسنين طويلة ارتبطت موسيقاي بشعر محمود درويش فتآلفت أعمالنا في ذاكرة الناس, حتى صار اسم احدنا يستذكر آليا اسم الآخر , ولا عجب في ذلك فكل محطات مساري الموسيقي لثلاثين عاما مليئة بالإشارات من أعمال درويش بدءاً بــ ( وعود من العاصفة ) وصولاً إلى ( يطير الحمام ) . أحس أن شعر درويش قد انزل على ولي ..ويقول : أن طعم خبز امه كطعم خبز أمي , كذلك عينا ( ريتاه ) , ووجع يوسفه من طعنة أخوته , وزيتون كرمله , رمله , عصافيره ,محطاته وقطاراته , كلها سكناها في أعماقي . فلا عجب أن الفت موسيقاي على نغم أبياته بشكل طبيعي , دونما عناء !! لشعر محمود درويش مذاق خاص .. فهو مرتبط بذلك العالم المسور بالدمار, وفي شعره دعوة منعشه للحياة,قصائد درويش بشوشة وفرحة كالنهار, والذي ننتظر قدومه وهي مليئة بالأمل . الأديب محمد علي طه ظهرت إمبراطوريات في التاريخ وزالت , وظهر قياصرة وملوك ونسيهم التاريخ ولكن المبدعين بقوا , بقي شكسبير وبقي دانتي وبقي المتنبي وسوف يبقى محمود درويش . الكاتب أنطوان شلحت أهم ما يبقى من محمود درويش أنه صنع من الشعر ذاكرة له وذاكرة جماعية للشعب الفلسطيني , وأنه مارس كل شيء باعتباره طفلاً إبداعياً , حتى عندما مارس السياسة في تفصيلاتها اليومية العادية وهو يعكس القصيدة العربية الصافية التي تنطوي على مخزون غني يصل ما بين الأزمات المختلفة والثقافات المتعددة , وتتيح له أن يحلق في فضاءات متنوعة من الأسطورة والتاريخ والنص المقدس وصولاً إلى مكنونات اللانهاية . الصحفي علي الصراف كم من محمود درويش بقى لنا بعد هذا المحمود؟ فى الحقيقة لا أحد. فالكبار لا يكررهم أحد، ولا هم يُكررون. فالتفرد المطلق هو ما يصنع من الشاعر شاعرا، ومن يملؤه. ولهذا لا يكرره أحد ولا يحل محله أحد. وهنا تكمن الخسارة. انها خسارةٌ "مثل تفرد شاعرها" مطلقة أيضا. إذ لن يسدّ أحدٌ الفراغ الذى كان يملأه درويش فى الشعر العربي. كان درويش واحدا من كوكبة شعراء حرية، صنعتهم المقاومة، مثلما أعادوا هم صنعها. كان واحدا من أولئك الذى يحولون الشعر الى قوة خلق تعيد الحياة الى الحياة إذا مات منها شيء، وتصنع من معانيها وجودا لم يكن مُدركا من قبل، وتفتح أرضا، فى الفكر والثقافة، لم تُطرقها أقدام الباحثين. ولكن درويش، إذ كان يعيد صياغة الوجود الفلسطينى ويمنحه ذلك المعنى النابض من فرديته الخاصة، فقد كان فى الواقع ينسج من خيوط التراجيديا الفلسطينية أسطورة لا تعنى الفلسطينيين وحدهم. لقد تحولت القضية الفلسطينية، عبر صوته، الى شيء لا تستقيم القيم الإنسانية، كما لا يستقيم التاريخ، إن لم تستقم ويستقم معها. الشاعر الإعلامي زاهي وهبي سوف يُكتب الكثير عن محمود درويش ويمتزج الحبر بالدموع , سوف يُكتب عن شعره الذي طالما أغضب المحتل الإسرائيلي وأفزعه وعن "فلسطينه" التي عشقها حتى الرمق الأخير , وعن نجمته بيروت ,عن ريتا وعصافير الجليل , عن حصانه الذي ترك الحصان وحيداً , وسرير الغريبة الذي يشتاق دفء قصيدته , وعن أثر الفراشة الذي لم تقدر جرافات الاحتلال على محوه من ذاكرة فلسطين , مثلما سوف يُكتب عن شاعريته , وفرادته وتمرده حتى على شعره وجمهوره , أما أنا فسوف أنتظر في بيروت مردداً " تليق بك الحياة " في الحياة ,وفي الموت الذي في حالة محمود درويش لا يكون كلياً . الشاعر أحمد فؤاد نجم على كل من يريد أن يتعرف جيدا على الشاعر الكبير محمود درويش الذى خدم قضية بلاده أكثر من زعمائها أن يقرأ أشعاره، عند ذلك فقط سيعرف من هو محمود درويش الذى لا تكفى الكلمات مهما كانت كثيرة وكبيرة لاعطائه حقه كشاعر كبير، فقدنا رمزا من رموز الشعر العربى الحر، واحد المناضلين ضد الاحتلال، فقد كان صوتا للكفاح الفلسطينى ومعبرا عن المجاهدين فى فلسطين، كلماته أمضى من السيف وأقوى من جنود الاحتلال وبرحيله أصبحنا من دون صوت الوطن. الناقد الفلسطيني حسين حمزة إن أهم ما يميز درويش أننا كفلسطينيين اختلفنا في خياراتنا الوطنية ولكننا لم نختلف فيه , وهناك إجماع حول هذه القامة الشعرية الشامخة , وباعتقادي أن النقاد سيختلفون في تأويل سطر شعري تركه درويش بعد ألف عام . الشاعر المصري أحمد عبد المعطى حجازي إن رحيل محمود درويش ليس إلا خسارة كبيرة للشعر العربى الحديث وللثقافة العربية بشكل عام، لقد استطاع عبر 30 عاما الصمود فى وجه القهر الصهيونى لبلاده والاستعمار الامريكى للمنطقة بأشعاره التى كانت تؤكد معنى الصمود والمجابهة، مجابهة المحتل والصمود أمام غطرسته. فإن الشعب الفلسطينى والقضية الفلسطينية خسرت شاعرا كبيرا ما زالت فى أمسّ الحاجة إليه وإلى اشعاره. الشاعر المصري رفعت سلام ثمة قوس لم ينغلق , وقصيدة لم تكتمل , وصوت لم يكن استسلم بعد للصمت والسكون وفيما ننتظر اكتمال القوس والقصيدة , جاء - بلا انتظار- الموت ليضع نقطة أخيرة ما , بعد رحلة شعرية امتدت لأكثر من أربعين عاماً متواصلة بلا انقطاع . العضو العربي في الكنيست الإسرائيلي محمد بركة محمود درويش لم يمت , كل ما في الأمر أن قلبه قد توقف عن القيام بواجباته الفسيولوجية وأن غزارة وتألق إنتاجه قد وصل إلى حد ما , محمود درويش سيبقى فينا ومعنا ليس لأنه سيد الكلام وليس لأنه شاعر كبير , بل لأنه تحول إلى أيقونة فلسطينية اتخذت مكانها على صدر كل فلسطيني وكل فلسطينية . الناقد و الشاعر كمال أبوديب لم يعرف الشعر العربى إيقاعاً مغاوياً كمثل إيقاعه منذ عصوره الغنائية العذبة الأولى فى شعر الوليد بن يزيد وأبى نواس خصوصاً. طفل يلعب بآلات موسيقية برزانة وحبور، يشابك بين نغماتها، ويداخل، ويقاطع، ويناسج، ويستخرج، فتنشأ شبكات من النغم تستسلم لها الذاكرة والأذن والأعصاب، وتزيغ المعنى عن محاوره والرؤيا عن مسارها، لكن بلذة لا تكاد تضاهيها لذة، فلا يأبه القلب لما يزيغ أو يتوه. وقد لعب بالقصيدة فى بنيتها الكلية كما لعب بالنغم، ولعب بالحياة أيضاً بالوله نفسه، والطفولة ذاتها، والعشق عينه. وكان يهندم الحب والمشاعر والأرض والوطن، وريتا وفلسطين والإنسانية كلها، فى بؤرة سلسبيل فيسبك منها جميعاً نسيجاً مائياً رائقاً تتفجّر فيه هنا وهناك أصوات صراخ وقنابل وصور ممزقة وغضب قاهر وسكاكين، قبل أن يعود إلى صفائه الحليبى الشفاف. وبين نهدى امرأة يغرز ياسمينة سرقها من يافا، وزرّ فلّ اختلسه من البروة، ومئذنة خطفها من القدس. وعلى صدر حبيبة يرسم كنسية القيامة ويتعبد فى محراب شولميث. الشاعر المصري سيد حجاب ان الشاعر الراحل محمود درويش هو أحد مؤسسى الثقافة الفلسطينية وأحد رواد التجديد فى الشعر العربى الحديث..إن درويش تجربة شعرية كبيرة، تمثل أشعاره قمة النضال والتحدى والصعود، ورغم أن هناك شعراء كثر يكتبون عن قضايا كبرى الا انهم لم ينجزوا ما انجزه درويش الذى فقدت القضية الفلسطينية رمزا من رموز نضالها برحيله..رحل درويش والشعر، والقضية الفلسطينية ما زالت فى حاجة اليه. الشاعر اللبناني غسان مطر عندما يغيب محمود درويش، تنكسر الأبجدية، ويصير الكلام الجميل عاطلاً عن العمل. هذا الفينيقى الفلسطينى العربى كان جرحاً دائم النزف، ومبسماً لم يقو عليه بيلاطس البنطي، ولأنه هكذا كان، فقد زرعناه فينا كقوس نصر، وكأن قلبه لم يحتمل أن يغتال أهله، فآثر الانطفاء كى لا يرى. الشاعر الفلسطيني إبراهيم نصر الله محزن للغاية ومصاب كبير، هذا الموت أصابنا جميعاً، أصاب أحلاماً بُنيت على أكثر من خمسين عاماً، وأصاب أملنا فى مستقبل انتظرناه. محزنٌ الرحيل قبل أن تتحقق الأحلام، ومحزنٌ ونحن ننظر إلى هذا الواقع المتردي. هى تراجيديا ملهاة، نتأملها وطنياً وإنسانياً، وفى الحالين تصيبنا فى القلب كما لو أننا نعانى من قلة الأعداء والقتلة.[/align] |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]توأمة محمود درويش ومارسيل خليفة ستظل تناغما واندماجا رائعا بين الشعر والموسيقي وبين فنين في آن واحد.
شكرا لك أستاذة أسماء على ماتتحفين به في مدينة محمود درويش. تحيتي ي[/align][/cell][/table1][/align] |
رد: مدينة الشاعر محمود درويش
اقتباس:
أشكر مرورك أستاذة نصيرة و أدعوك للبقاء بالجوار... فمدينة محمود درويش ستزخر بالمزيد إن شاء الله لك تقديري و مودتي |
الساعة الآن 50 : 02 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية