منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الرواية (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=166)
-   -   واقع يلفه الحلم (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=14789)

رأفت العزي 05 / 04 / 2010 11 : 02 AM

واقع يلفه الحلم
 

:
عندما أهمّ بكتابة " روايتي" احتار دائما من اين ابدأ ..!
وفي المسودات الكثيرة التي كتبتها ، انطلقت من بدايات كثيرة ،
كنت استلهمها من حدث ما ، صدف ان تشابه حدوثه - على مدار العمر –
مع احداث تقع في الحاضر فتردني الى تلك السنوات الماضية
وتثير فيّ الرغبة بالكتابة فأنطلق منها وأكتب .. وان ذلك لا يأتي بالضرورة كردة فعل
على الحدث - مع اننا نتأثر - وإنما ذلك يُحفزني ويشد من عزيمتي من جديد ؛
أما هذه المرة ، فسأبدأ بمقدمة تخالف ربما بناء اي رواية ، لأنها - المقدمة –
ستكشف باكرا عن وجهة نظر الكاتب مباشرة ، مع ان البعض يعتبره ابتعادا عن الحياديته .. !
في الحقيقة اني احترم هذه الوجهة .. ولكني توقف كثيرا امام معنيي
" الحيادية والموضوعية " اللتان نسمعهما كثيرا ، وخلصت الى ان اقصى درجات
الموضوعية هي ان تكون انت . وأن الحيادية برأيي تنتصر للشر إن سكتت رغما
عنها وعن إرادتها ؛ وعليه ، فإني اعتبر نفسي في غاية الموضوعية
عندما اكون انا بصدق ولست حياديا في مطلق الأحوال بل يجب الا اكون .
و اريد التنويه الى اني لست كاتبا بالمعنى المهني للكلمة ، ولست ضليعا
حتى في أسرار اللغة .. فأنا أكتب كما افكر ؛ وما افعله هنا ، هو انني انقل ما
علق بذاكرتي عبر عشرات السنين كأي فرد من هذه الأمة ، عاش البعض
منكم ما عشته ، وسوف يتذكر بالتأكيد ما سوف اذكره .. والبعض الآخر ،
البعض الذي لا يعلم ، وذلك ، وفي الغالب ، ليس بفعل تقصير ذاتي ، وانما لأنه
ربما عاش في زمن متأخر عن الأحداث الكبرى .. زمن ، ولست متفردا في وصفه
"بزمن الخداع " او ان هذا البعض تأثر بروايات كاذبة بفعل فاعلين فبركوا أطنانا
من المعلومات المحرّفة والمزيّفة وضخوها في الإعلام في زمن نعلم جميعا مدى تأثيره ،
ومدى ضخامة المال الذي سُخر لأجله .. هذا الإعلام الذي توجه وبأشكال مختلفة نحو
عقول لمحو الذاكرة منها وبرمجتها بأشياء جديدة ..!
وإلا ما معنى أن نصفق لأشخاص قالوا للأعداء : هاكم سبعة أعشار الأرض صافية ،
وتعالوا نتفاوض على الثلاثة الباقية منها وفعلوا .. ! وما معنى أن يذبح شعبي من جزار
يحتضنه من يُفترض انه المؤتمن على دماء الأبرياء .. وتجد منهم من يرفع له شارة النصر ..!!
انه التضليل .. أخطر ما واجهته قضيتنا على مدى عقود .
ولكن .. هل أن روايتي بعيدة عن المبالغات او الاجتزاءات أو الإفتراءات وماهي ضمانة المتلقي ..؟
معظم التفاصيل التي عشتها عاش فيها آخرون .. يسمعون ويعرفون ويشهدون ..؟
وهل ما سآتي به هو شيئ جديد ..؟!
هي محاولة لإعادة التحقيق فيما روي ..فغياب التحقيق يا سادتي قد جعل من الدين نفسه : رواية .
والروايات التي حلّت ، أصبحت هي الدين : الدين السائد . الدين الذي جعلوا فيه الإله قاتلا ..
وجعلوا فيه النبي يبدو كساعي بريد ... مع أن كتاب الله محفوظ ولا يأتيه الباطل ؛ ومع ذلك ..!
فكيف بقضية دنيوية في الشكل .. مضمونها مرتبط بالحق ، والحق هو المطلق ، هو الله .. مع ذلك !
من يجرؤ على التحقيق بالروايات والراوي ..؟!!

أما الدافع فهو الشعور بالواجب تجاه الحقيقة والتاريخ .
الحقيقة التي يجب أن تقال بكل مرارتها وقسوتها ؛ والحقيقة تدمي لأنها توغل
كالمشرط في اعماق الجرح الذي لا بد وان يمر كشرط لإستئصال الأدران المتراكمة المميتة ؛
و الشعور بالواجب يحتاج منا الى قرار ، وقد قررت منذ سنوات طويلة مضت المحاولة ..
فكتبت هذا " الواقع " في مسودته الأولى منذ عشر سنوات وذاعه لساني منذ اكثر من 30 عام
في زمن كانت العبوة الناسفة وكاتم الصوت هما الجواب ..!
ولكن هل ما ادونه " تاريخ " ..؟
يقولون أن الكتابة في حد ذاتها مجازفة محفوفة بالمخاطر .. وهي عمل مضني وشاق .."
فالكتابة في جانب من جوانب التاريخ تحمل في طياتها صعوبة تتمثل في قول الحقيقة .
" والحقيقة " بحد ذاتها ، تحتاج إلى توثيق (الحصول عليها صعب جدا بل ربما ممنوع او مستحيل )
خاصة عندما يتعلق الأمر بمعلومة عن حدث ما ، توافقت جميع المصادر على ايراده كما نُشر لأول مرة ،
ولأنه ومنذ المرة الأولى قد تم تلفيقه ، ولم يُسمح لأحد التحقيق فيه ، أصبح هو الخبر الموثق ..!!
فمصدره في الأساس واحد .. والذي صنع الحدث كان قد صنع له رواية قبل وقوعه ؛ ثم جُيرت له وسائل اعلام
الدنيا بأسرها .. فصدقته معظم الناس ، واستسلموا .. ولكن ... غاب عن هؤلاء انه سيأتي اليوم الذي يكتب
فيه بعض الفقراء والمسحوقين هذا التاريخ بدموعهم ، بآلامهم ومعاناتهم مجردا من كل تنميق أو تمييع
أو غير مفهوم .. وحسبي انهم ما عادوا يستطيعون منعهم ، لأن الكلمة اصبحت
تُنشر رغما كارهها .. فقدرتهم على الزامنا الصمت قد انهارت ...وسخطهم على قائلها لم يعد يُشكل عائقا
فهل بإستطاعتهم بعد مصادرة الفضاء ..؟!
________________

رأفت العزي 06 / 04 / 2010 11 : 02 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 

قال : يا أخي لما الممانعة ، خلاص ، " إسرائيل " أصبحت منا وفينا ...
البارحة احتلت القدس واليوم بيروت وغدا دمشق وبغداد و " طز " بالأمة " ...!
حاولت محاورته ولكنه كعادته لا يستمع ... يتحدث دون أن يُنصت كمعظمنا وقال :
- " هنا احتلال وهناك احتلال ، ولا تفكر أن إسرائيل راح تطلع من لبنان ؛
فأقله انك ترى حيفا ، مسقط رأسك ، أليست حلمك الدائم كما تقول " !
- نعم ، احن إلى حيفا . وهي كما فلسطين انتظرتنا عشرات السنين لنأتي إليها
" كأبطال " كما تتوقع ؛ وهي على اعتقاد أن المعاناة علمتنا فن التحرير ، وهي
الأسيرة الصابرة على أمل اللقاء .. أنوقعها في خيبات الأمل . ؟!
هي بانتظارنا لنأتي ونعيد كرامتنا المهانة منذ عقود.. لنعيد إلينا رجولتنا
المفقودة معناها ؛ لأنها – وكما تعلمنا – هي المستولدة لمعاني الكرامة الرجولة
وحتى لمضامين تعريف إنسانية الإنسان ، وبدون هذا الإيمان ، سنفتقد تلك الأشياء ..
تلك الصفات التي بغيابها ، نفتقد حتى صفة الإيمان الذي ندّعيه ..! "
كنت أحدثه بانفعال غير مصطنع ، و كلما انشق فمه بكلمة لا يكملها ...
كنت كمن يطلق نارا ولا تنتهي ذخيرته ولكن ... هل أصبت الهدف ..؟!
ولكني توقعت أن تصيبه طلقة أو أترك في نفسه خوفا لا يستطيع
معه إكمال " المعركة " بعد أن أسكت مواقعه وتابعت قائلا :
- " إن فلسطين ليست أرضا ضمن حيز جغرافي وحسب ، وليست بيتا وبستانا ،
أو ملكية حق شخصي .. وليست حنينا إلى طفولة أو ذكريات جميلة وحسب ؛
إنها التاريخ والهوية :
التاريخ الذي لا يمكن أن يستقيم ولا يُقرأ بغيابها .. كل تاريخ قفز عنها
ليس له معنى . إذ لا يمكن لأي عربي أو مسلم ، في المشرق كان أم المغرب ،
إسقاط فلسطين من تاريخه وإيمانه .... بل لا يمكن أن يكون العربي
عربيا بغير فلسطين ... ولا يمكن للمسلم أن يكون مؤمنا بغيرها على الإطلاق ...
ما عدا ذلك فهو تزوير وكذب ، وليس فقط ناقص .
ماذا نقول لربي يوم الحساب ، وماذا نقول لنبيّ الذي ما شاء له الله
الصعود إلى السماء إلا من بابها ؛ أم هي صدفة أن يُرفع عيسى
ابن مريم إلى العلا على تلال مقدسها ..؟!
إنها باب الدخول إلى ملكوت الله ؛ ومن لا يسعى لأجلها فهو معاق في الفكر
أو هو عميل أو جبان ..؟!
إن فلسطين لنا . ومعلمي أنشدني أن كل بلاد العرب أوطاني ، وفي القلب منها فلسطين ..؟
من مات منهم شهيدا لأجلها كان يعيش حلما ضحى من اجله .. و من يكافح
ما زال يعيش ( واقعا يلفه الحلم ) بالعودة مهما طال الزمن ، بالرغم من عذابات السنين ،
وبالرغم من مظاهر الضعف والهزائم والتحديات فهل نستسلم هكذا "
فهل نتخلى عن الحلم ونتوقف مستسلمين ..؟! "
قال : - كل الحروب تنتهي بتصالح المتقاتلين "
قلت نعم ، عندما يكون الصراع على حدود ، أو من اجل مصالح تنافس
من عليها المتخاصمون .. أما قضيتنا ، فالمسألة تتعلق بمصير أمة ..!
قال : - " أنت تدعو للمقاومة والموت إذن ..؟!
قلت : إنها دعوة من اجل الحياة ، كل المخلوقات الحية ما كانت
لتستمر عبر ملايين السنين دون مقاومة ،فأضخم المخلوقات وأقواها
انقرضت لأنها لم تقاوم .. لقد سقطت تحت وطأة الضربات الأولى لغضب الطبيعة ؛
ومن يسقط تحتها وطأتها في اللحظات الأولى لن تقوم له قائمة .. !
فالمقاومة بهذا المعنى : هي دعوة للحياة ، وليس من اجل القتل أو سفك الدماء ."
قال : " يبدو أن مدة اعتقالك لم تكن كافية لتُغيّر في قناعتك ..! "
قلت : بل على العكس من ذلك ؛ لقد رأيت حقائق لم أكن لأراها
جيدا لولا هذا الاعتقال ؛ أتعرف ، إن أجمل ما فيه هو إني كتبت
أكثر من خمسين صفحة على الوجهين رواية مختلفة عما كنت
أعرف عن الصهاينة ثقافة وسلوك ..وسأعاود الكتابة ..! "
قال : - " أنت يا جاهل لم تتعدى الصف الرابع ابتدائي ، فكيف استطعت
كتابة مئة صفحة ومن سيقرأ لك ..؟! "
- " ألا تفهم ما أُحدثك به ..؟ هكذا سأكتب ..كما أحدثك الآن .
ثم ألا يكفي أن يقرأ ما اكتبه أولادي ؛ فغدا سيكبرون ، وإن طال بي العمر
سأقص روايتي لأحفادي .. أما أنت... فلن يكون لك اسم يُذكر . "
قال : - " ستموت قبل أن ترى مسقط رأسك ؛ أنت حر .. أما أنا فسوف
اذهب باكرا فهل آتي لك بحفنة تراب ..؟
قلت : لا . مع أني احن إلى حيفا ، وأشتاق إلى ملامسة حبات
رمل شطئانها ، وما زلت أذكر وأشاهدني طفلا مع أمي كلما أرادت
مشاهدة السعادة على وجهي فتأتي بي للعب مع الأمواج والتمرغ برمالها ؛
كلما تقدمت مني موجة اهرب ... اتبعها فتهرب ، ثم تعاود الكرة من جديد .
ضحكاتي البريئة يتردد صداها مع صوت الأمواج .. وكلما اقتربت من البحر
أسمعه ..وما زلت حتى لو مكان آخر ، على ساحل آخر ، فالبحر بحرنا
والبحر للبحر قريب .
آه حيفا ، عشِقتُ صبية من بلادي غنتها ذات صدفة وقالت :
أرفع جذوري إلى حيفا
ولم تزل حيفاك ،
على باب الريح عالقة
اترد الهوى والنساء والأطفال
تأتيك بثياب امرأة ..
وعطر أرجواني المزاج أتردها ..!؟
أتغمض عينيك من لهفة
مكذبا همساتي المجلجلة
فتصرخ : أضغاث أحلام .. !
ألم تزل صرختك تتلاشى
كلما اقتربت من مرماك حيفا ؟
أدركت سرك الذي يفوح لأدخله
أدركت حريقا ناعما
كلما تدلت حيفا أمام شفتيك
ينفرط عنقود عنب
أدركت سرك المدفون في حيفا
فيسقط بينكما اللقاء
هى لك ، لي ، ملح وياسمين
ضمدت صبري فيك
أشفيت نهري المتكدس عطشا
أدركت سرك الذي يفوح
لأدخله وأغرق فيه .
أرفع جذوري
أسحب جثتي من موتي
وأمضي فيك حيفا "

ناهد شما 07 / 04 / 2010 07 : 07 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 

حقاً استاذ رافت واقع يلفه الحلم والالم والحزن
فلسطين ليست أرضاً فقط وإنما هي تاريخ كل البشر
فلسطين الوطن المثخن بالجراح وابتسامة شعب تشبه البكاء والألم
كلنا نحلم بالعودة إلى فلسطين ولكن لو عدنا هل ستكون فلسطين هي فلسطين ؟؟
إن العودة للوطن أكيدة إن شاء الله مقابل إمكانية تحقق الحلم، ونأمل بمستقبل أجمل
لا شك أن النصر ليس ببعيد ، فوالله أنه قاب قوسين أو أدنى
أتمنى لك أن تعود إلى حيفا وتمتع ناظريك بها
كما اتمنى أن يعود كل الشعب الفلسطيني إلى أرضه المغتصبة
بارك الله بك ما نشرته هنا يدل على مخيلة عميقة الغور في قضية
تغوص في وجداننا إنه الجرح الذي لم يندمل
لي عودة إن شاء الله
دمت بخير

رأفت العزي 07 / 04 / 2010 46 : 05 PM

رد: واقع يلفه الحلم
 
سيدتي الفاضلة ناهد شما
أسعد الله أيامك
من سعد أيامي قراءتك هنا ايتها القدير
فتصبح كلماتي لها قيمة ولها معنى
سأنتظر ونبضات قلبي ستسبقني للترحاب بقدومك
دائما
فلسطين يا سيدتي ستبقى هي هي
ولن تتغير ولن القي درسا في التاريخ
فجميعنا نعرفه ؛ مصير الأمة تغيّر
لكن الناس الأرض لم تتغير .. وحين أرادوا أعادوا ولم يبقى من ذكرى المحتل إلا بعض الحجارة
والذاكرة لنا .. فمن بداية الوعي على ذاكرتي
سأبدأ
.................................................. ...

وقف " ألجليلي ُ" باكيا
: كان كأنما يحاول الطيران بنا ويصرخ ما بوسعه من صوت :
بيض صنائعنا .. سود مواقعنا .. خضر مرابعنا ........ حمر مواضينا.
و أصواتنا ترتفع مدوية ، متموجة ، كتموج أرتالنا المصفوفة
فوق ارض مدرستنا الابتدائية في احد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان .
تلك الشعارات ، كانت بمثابة نشيد وقسم ، نردده كل يوم ، وقبل بدئ الدروس ؛
فبالرغم من صغرنا ، وقصر قاماتنا ، ألا أن مدير مدرستنا لم يزدنا طولا ، لذا
كان يعتلي سلما خشبيا صغيرا كأنما صنعت دراجاته على عجل وبغير ترتيب ، ودونما
أي اتساق درجاته فدرجاته الثلاث كان ترفعه عن الأرض أو تزيد من طوله
عشرات السنتمترات ليعلوا هذا " المُربي " فوقنا ويصبح في مرمى أنظارنا جميعا .
اللون "الزيتي " أو اللون العسكري كان لباسه الدائم .
نحيف الجسم ، متقد الحماس ، صوته الضعيف
لا يساعده على ترجمة ما بداخله من قوة ، وإرادة وعزيمة ؛ نستشعر أحيانا
انه سيسقط على الأرض ، فسلمه العتيق يتراقص تحت قدميه كلما شد
جسمه نحوالأعلى ، ووقف على رؤوس أصابع رجليه كأنه يحاول الطيران ،
أو كأنه يريد التعويض عن عقدة قصر قامته ، مكررا محاولاته الارتفاع بنفسه ، وبنا .
ونحن نقلده فيما يفعل ، ونعجب منه عندما كان يلوّح بيديه نحو الفضاء
بحركات مختلفة ، وراحتا يديه تحاول الرسم والتعبير عن : مرابعنا الخضراء
مشيرا نحو الجنوب نحو فلسطين ، فيزداد حماسا .
كان فخورا بنا ، عاملا مع أمثاله على بناء جيل من المتعلمين ، من المناضلين ، الذين
ربما كان يرى فيهم " أبطال تحرير " ليساهموا مستقبلا في معركة العزّ القادمة
ويرى أن لحلم العربي معهم سيتحقق في بناء دولة العرب الوحدوية التي آمن بها وكان من أكبر دعاتها ... !
كان عربيا حتى العظم . فهل اقترب من تحقق حلمه بعد مضي عشرات السنين من التربية الكفاح ...؟ !
:
:
لقد رأيته باكيا بعد مُضي اكثر 40عاما على ما آلت إلية أحوال النضال والمناضلين
وعلى كل صعيد ..! شاهدته في نفس المخيم الذي كان يدير مدرسته لسنوات
طويلة خلت صامتا .. وقرأت في عيناه أشياء وأشياء .. فكل شيء قد تغيّر . قلت له :
يا معلمي ، لقد انتصر مشروع الإفساد ؛ وهُزم مشروع النضال .!
وهزم مشروع الوحدة والتحرير وانتصرت أفكار الانفصال ..!
ولكني لم أيأس ولن .
بعض الرفاق القدامى من التلامذة الذين أصبح منهم الطبيب والمحامي والمهندس
والعامل مثلي ، أقاموا له احتفالا تكريمي في احد المنتديات الثقافة في مدينة صيدا قبل أعوام
بمناسبة بلوغه السبعين ؛ وعندما وقف فينا خطيبا ، قضى نصف الوقت باكيا سُأل فقال :
- على أشياء ضاعت وأخرى تغيرت . أما انأ ، فبكت عيناي مرتان ، مرة على أشياء قالها ،
ومرة عليه عندما يبكي المناضلون بمرارة .


ميساء البشيتي 07 / 04 / 2010 55 : 06 PM

رد: واقع يلفه الحلم
 
أما انأ ، فبكت عيناي مرتان ، مرة على أشياء قالها ،
ومرة عليه عندما يبكي المناضلون بمرارة .

وأنا أخي رأفت أشعر بمرارة في حلقي وغصة في قلبي ورغبة

في الإجهاش بالبكاء على ما آل إليه حالنا ..

هل تعلم أخي رأفت أشعر أن الخيمة ملتصقة بنا كما كرسي العرش ملتصق بكل

من سمح أن تكون الخيمة قبلتنا ومآونا وقبرنا في نهاية المطاف وأن بريق الثورة الذي

كان يشعل براكين الصمت في حياتنا خمد ولم نعد نسمع أصداء رعد الثورة ولم نعد نلمح بريقها

شكرا اخي رأفت واتمنى أن أكون لم أثقل عليك مع أني اشك في هذا

سعيدة اخي رافت

ناهد شما 07 / 04 / 2010 14 : 09 PM

رد: واقع يلفه الحلم
 

الأستاذ الفاضل رأفت
إنك لا تتحدث باسمك فقط
أنك تتحدث باسمنا واسم كل فلسطيني
إنك تتألم ألم كل فلسطيني
أنك تحلم حلم كل فلسطيني
إنك تبكي وإننا نبكي فلسطيننا
كلنا نبكي لهذا الحال الذي وصلنا إليه
نعم أشاطرك الرأي هاهم أباؤنا وامهاتنا
حلموا وهاهو التراب لفهم
كم مضى من العمر وهم يحلمون
وها نحن نسير من خلفهم نحلم
كما حلم هذا المدير الوطني
وبكينا وما زلنا على ما آلت اليه
أحوال النضال والمناضلين
وأحوال فلسطيننا الحبيبة
ومع ذلك نحن شعب صاحب حق وصاحب وطن
لن نستسلم وسنبقى نحلم والنصر للمؤمنين
وإن الله وعدنا بالنصر والتميكن في الأرض
إنه على ما يشاء قدير
شكراً لقلمك مع أنه أثار شجوننا

بوران شما 08 / 04 / 2010 24 : 12 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 
الأخ العزيز رأفت العزي
أتابعك بكل اهتمام , ومازال يسكننا الحلم بالعودة لفلسطين الحبيبة .
رغم كل المرارة التي نعيشها من واقعنا العربي الرديء , ومن
الغطرسة التي يعيشها عدونا الغاصب .
ماأجمل تلك الفترة التي عشناها عندما كنا صغاراً , كنا فيها نردد
الأناشيد والشعارات الوطنية تملؤنا الحماسة والإيمان الأكيد بالعودة .
أما اليوم فنحن نحلم ونحلم , بعودة الحق المغتصب , واتكالنا فقط
على رب العالمين .
أشكرك أخي رأفت , وبانتظار المزيد .

رأفت العزي 09 / 04 / 2010 41 : 02 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميساء البشيتي (المشاركة 67044)
أما انأ ، فبكت عيناي مرتان ، مرة على أشياء قالها ،
ومرة عليه عندما يبكي المناضلون بمرارة .
وأنا أخي رأفت أشعر بمرارة في حلقي وغصة في قلبي ورغبة
في الإجهاش بالبكاء على ما آل إليه حالنا ..
هل تعلم أخي رأفت أشعر أن الخيمة ملتصقة بنا كما كرسي العرش ملتصق بكل
من سمح أن تكون الخيمة قبلتنا ومآونا وقبرنا في نهاية المطاف وأن بريق الثورة الذي
كان يشعل براكين الصمت في حياتنا خمد ولم نعد نسمع أصداء رعد الثورة ولم نعد نلمح بريقها
شكرا اخي رأفت واتمنى أن أكون لم أثقل عليك مع أني اشك في هذا
سعيدة اخي رافت

سيدتي الفاضلة أسعد الله أوقاتك
" لم نعد نسمع أصداء رعد الثورة " تفضلت بهذا ... فالثورة حدثت ولكن بالمقلوب اختي العزيزة
ولا اريد التفلسف في معنى ومضامين " الثورة " ولكن هل حدثت ثورة الى الأمام ..؟!
إلا عندما امتشق الصبية أحجارا زودوها بقبس من نور ارواحهم واعادوا الوميض الى القضية
التي أطأفها من تولى حراستها .

اني سعيد جدا بل ومحظوظ حين ارى اديبة مناضلة رائعة تضيئ صفحاتي
شكرا لك شكرا من الأعماق

رأفت العزي 09 / 04 / 2010 55 : 02 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناهد شما (المشاركة 67068)

الأستاذ الفاضل رأفت
إنك لا تتحدث باسمك فقط
أنك تتحدث باسمنا واسم كل فلسطيني
إنك تتألم ألم كل فلسطيني
أنك تحلم حلم كل فلسطيني
إنك تبكي وإننا نبكي فلسطيننا
كلنا نبكي لهذا الحال الذي وصلنا إليه
نعم أشاطرك الرأي هاهم أباؤنا وامهاتنا
حلموا وهاهو التراب لفهم
كم مضى من العمر وهم يحلمون
وها نحن نسير من خلفهم نحلم
كما حلم هذا المدير الوطني
وبكينا وما زلنا على ما آلت اليه
أحوال النضال والمناضلين
وأحوال فلسطيننا الحبيبة
ومع ذلك نحن شعب صاحب حق وصاحب وطن
لن نستسلم وسنبقى نحلم والنصر للمؤمنين
وإن الله وعدنا بالنصر والتميكن في الأرض
إنه على ما يشاء قدير
شكراً لقلمك مع أنه أثار شجوننا

سيدتي الفاضلة ناهد شمّا
أسعدك ربي وأرضاك
ليت ما تقولينه دقيق اختي الكريمة ؛ فلو كان الفلسطينيون يتحدثون برواية واحدة
أُقسم بالله لتحررت فلسطين منذ زمن بعيد ..نعم قد تكون مشاعرنا متشابهة وأحلامنا
واحدة لكننا لا نملك نفس الإرادة وهذا الذي يأجج صراعاتنا ويبقينا على متاريس متناقضة
بسبب روياتنا المختلقة أصلحنا الله ؟
شكرا لحضورك البهي وشكرا لروعة مداد حبرك الغني
وتقبلي مودتي وتقديري واحترامي

رأفت العزي 09 / 04 / 2010 40 : 07 PM

رد: واقع يلفه الحلم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بوران شما (المشاركة 67095)
الأخ العزيز رأفت العزي
أتابعك بكل اهتمام , ومازال يسكننا الحلم بالعودة لفلسطين الحبيبة .
رغم كل المرارة التي نعيشها من واقعنا العربي الرديء , ومن
الغطرسة التي يعيشها عدونا الغاصب .
ماأجمل تلك الفترة التي عشناها عندما كنا صغاراً , كنا فيها نردد
الأناشيد والشعارات الوطنية تملؤنا الحماسة والإيمان الأكيد بالعودة .
أما اليوم فنحن نحلم ونحلم , بعودة الحق المغتصب , واتكالنا فقط
على رب العالمين .
أشكرك أخي رأفت , وبانتظار المزيد .

سيدتي الكريمة بوران شمّا
مساؤك الخير وزهر الياسمين
إن متابعتك ايتها الفاضلة تُشعرني بغبطة وكرم منك أحمله في قلبي وعقلي

والذي يُسعدني أكثر هو ( رغم انك لم تتجاوزي العشرين ) الا ان ذاكرتك عاشت
في تلك المرحلة وشهدت على الكثير من الأحداث التي سوف أذكرها
فشكرا لك من الأعماق ألف شكر

رأفت العزي 19 / 04 / 2010 08 : 07 PM

رد: واقع يلفه الحلم
 
الخبز والقلم
________________________________________
عندما كنا ندخل غرفة الدروس، كان " النظام يهرب " !
فمن باستطاعته السيطرة على شغف الأطفال باللعب واللهو وهو من طبيعتهم .. ؟
كنا نتدافع عند / ما كان يسمى باب غرفة التدريس لنتسابق نحو ذاك " العامود " الخشبي المنغرس في الأرض وسط " الغرفة " ..
قطره لا يتجاوز ذراع رجل بدين ومهمته كمثل ذلك الذي يحمل قماش الشمسية ...!
نتعارك أحيانا من أجل الجلوس إلى جانبه أو بالقرب ممن يجلس إليه . نشتريه أحيانا .. ونبيعه في أحيان أخرى
" بتغشيشة " لأجل كلمة لا نعرف معناها أو لإملاء متعثر كالكثير منها خصوصا تلك الكلمات التي تحمل " الهمزة " أو
ببعض الكرات الزجاجية " البنانير " الجميلة الملونة التي لا نستطيع الصمود أمام إغراءها !
حصص الدروس كانت ثمانية ، وهي ساعات طويلة ؛القراءة متعبة .. والكتابة متعبة أكثر ،
وحفظ جدول الضرب كان يجعل البعض يكره المدرسة .. أو ينشغل الصف كله بضارب من هنا
ومضروب من هناك في معارك لا تتوقف في لحظة خلّو الصف من أي مُدرّس ؛ فلا طاولة ، ولا كرسي ،
ولا مقعد إلا الأرض ، وحواف ركبتينا المطويتان سندان كل شيء ؛ فغرفة الدروس عبارة عن خيمة على شكل جرس ،
أرضها مفروشة بحصيرة رثة مصنوعة من القش الرخيص ، ورطوبة الأرض الترابية لا يوقف زحفها شيء ..
تتوغل فينا لتصل حد العظام ؛ فجميع غرف الصفوف الأخرى كانت متشابهة باللون والمقياس .
انتشرت فوق أرض سُمّيت بالمدرسة . خيمة بجانب أختها ، لا يميزها من الخارج إلا بعض الإشارات والأرقام .
وكيفما نظرت، لا ترى سوى حبال ، حبال متشابكة، مشدودة إلى أوتاد متراصة بانتظام فوق أرض زلقه ..
الأمطار الشتوية حولت تربتها إلى طين كثيف ، تعودنا عليه. فالمدرسة
أقيمت أصلا فوق ارض تنضح بمياه الينابيع فكيف إذا جاء الشتاء ..!
أشهر ينبوع في تلك الجهات كان يُسمى : العين الحلوة " . ولم يتبقى اليوم
في ذاكرة الناس سوى اسم المخيم الذي سمي على اسم ذلك النبع الغزير .
الأمطار المنحدرة من سلسلة التلال المحيطة بالمنطقة جرفت عبر الزمن معها أتربة أخصبتها ، وتمتعت بشهرة واسعة عند
المزارعين ، وحولوها إلى بساتين مزدهرة مثمرة ، والغريب ، إن جمال لون التربة كان يدفع بعض النسوة
الحوامل إلى تلمس بعض قطعها الجافة وشمها ، بل أن بعضهن كن يمضغنها وكأنها قطعة من الشكولاتة الفاخرة !
تسأل عن السبب فيقولون " وحام حوامل " .. أما نحن الأولاد فكنا نخزّنه جافّا في مخابئنا السرية ونلعب به ولا نحذر
حتى ولوكان طينا ولكننا نخشى الانزلاق وأكثر ما كنا نخش عليه هو " كيسنا " حمّال كتبنا وأشياءنا العزيزة .
فهذا الكيس العجيب المتعدد المهام .. في الغالب مصنوع من قطعة قماش متواضعة .. له حمالتين صنعتا من نفس قماشته
أو من حبل مجدول ليسهل علينا حمله ... نعلقه فوق رقابنا ولا يفارقنا حتى في أوقات اللعب بالرغم
من إعاقته لحركتنا .. فهو إن تدلى على صدورنا وازداد تأرجحا ، كنا نصنع بأجسادنا النحيلة الرشيقة حركة بهلوانية
في نصف جسدنا الأعلى فيصبح خلف ظهورنا مباشرة ..! ولم نك ننسى تحسسه بين فينة وأخرى لنتأكد من أن أشياءنا
ما زالت بداخله لم تسقط : الممحاة ذات اللون البني المائل إلى الاحمرار ، قلم الرصاص ، وبعض قطع صغيرة من بقايا أقلام
التلوين الشمعية ، مسطرة خشبية جميلة ، وبعض الأشياء التافهة / الغالية / بالنسبة لنا ، كبعض أغطية زجاجات المشروبات
الغازيّة او بعض شرائط مطاطية .. أو عظمة فك لرأس خروف مأكول لم يتبقى منه سوى عظام مفككة
نطلق منه " نيرانا " وهمية كأنها مسدسات حربية ، ومن كان شقيا يدخل الى بستان ويقطع غصن له شعبتان متصلتان كحرف y
نصنع منها سلاح رائع اسمه " النقّافة " تلك الأحجية التي سوف تساهم في المستقبل في صنع أسطورة قوة جيل أطفال الحجارة .
____________________________

عبدالله الخطيب 19 / 04 / 2010 48 : 08 PM

رد: واقع يلفه الحلم
 
ما زال أسمه المخيم.. بأزقته و تضاريسه الحزينة.
على جدرانه الخارجية رسموا معاناته لوحات زيتية بدون النظر الى عمقه الأنساني!

أختلف المشهد اليوم داخل أسوار المخيم أستاذي الحبيب، و انت سيد العارفين.
أصبح أشبه بخلية نحل هائجة.
صور تدمي القلب.. رائحة الموت تفوح من كل منزل.. آلاف الصور للشهداء رُشقت على جدران البيوت المتلاصقة.
سكان المخيم يعيشون واقعاً أجتماعياً و صحياً و أقتصادياً مفجعاً.
صورة المخيم اليوم تقتل في النفس كل الأماني القريبة.
حلمك المُغلف لا بد و أن يحترق قبل أن تبلغ أبواب المخيم.. دخانه سيدمي القلب قبل العين.

دمت بكل الأبداع و المحبة أستاذ رافت العزي.
معك و بأنتظار القادم.

رأفت العزي 20 / 04 / 2010 37 : 08 PM

رد: واقع يلفه الحلم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الخطيب (المشاركة 68663)
ما زال أسمه المخيم.. بأزقته و تضاريسه الحزينة.
على جدرانه الخارجية رسموا معاناته لوحات زيتية بدون النظر الى عمقه الأنساني!
أختلف المشهد اليوم داخل أسوار المخيم أستاذي الحبيب، و انت سيد العارفين.
أصبح أشبه بخلية نحل هائجة.
صور تدمي القلب.. رائحة الموت تفوح من كل منزل.. آلاف الصور للشهداء رُشقت على جدران البيوت المتلاصقة.
سكان المخيم يعيشون واقعاً أجتماعياً و صحياً و أقتصادياً مفجعاً.
صورة المخيم اليوم تقتل في النفس كل الأماني القريبة.
حلمك المُغلف لا بد و أن يحترق قبل أن تبلغ أبواب المخيم.. دخانه سيدمي القلب قبل العين.
دمت بكل الأبداع و المحبة أستاذ رافت العزي.
معك و بأنتظار القادم.


نعم ايها الحبيب مازال هو المخيم وما زالت الناس تعيش هذا الواقع المرير
ولكن الحلم لا يغادرها بالتحرير والعودة بالرغم مما فُعل وأفتعل بحق المخيم وابناءه
على مدى عشرات السنين .. ما زالت الناس فيه تمتلك ذاكرة عجيبة ..
وما زالت الطيبة هي الطيبة تعبر عن اصالة الناس بالرغم من كل شيئ

كم أسعدني ايها الرقيق ان استشعر بقربك وترى عيناك ما اراه ولو كنت في بلاد بعيدة
شكرا لك ومودتي خالصة لك مع عظيم احترامي

رأفت العزي 21 / 04 / 2010 15 : 02 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 
- " لا تعبثوا بأقلامكم .. ولا تخربشوا بها ... والأهم ، لا تعيروها لأحد " ...!
قال معلمنا ذلك ، ثم قطب حاجباه ورفع يده وحركها على إيقاع نبرات صوته الحادة وقال :
" انه أمانة بين أياديكم . إن القلم يا أبنائي له حرمة .
فحافظوا على حرمته في كل الأحوال "
وردد على مسامعنا الآية الكريمة من قول
الله تعالى : هو ، " الذي علم بالقلم " علم بماذا ..؟ يسأل :
فنردد هذه الآية الكريمة من بعده كلمة كلمة
" -الذي ، علّم ، بالقلم . صدق ، الله ، العظييييييييييييييييم .
كنا نعتقد حينها
أن شح الأقلام كان السبب في تشدده ولم نكن ندرك انه كان يُرسخ فينا القيّم والأخلاق ،
فحرصت على قلمي صغيرا لسبب ، وحرصت عليه كبيرا لسبب آخر ؛ وبقيت حذرا جدا في مختلف مراحل العمر
الا يقع في الانكسار ؛ فجنبته العبث ،وما سخرته إلا من اجل ما اعتقده صحيح ..!
أما المهام الأخرى لذلك " الكيس "فإنه كان يحمل أيضا زادنا اليومي أيضا ..! : بعض كسرات من الخبز المعجونة ببعض
السكر والزيت ... لقد كانت وجبة رائعة . أما الأروع ، فلو كانت تحتوي على رشات من الزعتر المملح الخالي
من السمسم ؛ فهذا الأخير، كان لا يدخل بيوت الفقراء فهو أجنبي ومتكبر .
ويا الله ، ما ألذ ذلك الخبز " المنفوخ " الذي يشبه خبز الإفرنج ..
قالت والدتي ان جدّتي تعلمت صنعه من الألمان في حيفا ، نأكله دون غموس ونفرح ..
" فالخبز الحاف ، يعرّض الأكتاف " لذا أحبه كثيرا وصدقت أنه السبب في اتساع أكتافي ؛ لذا
كنت أخشى عليه من السقوط والتلوث ، ولو حصل .. لا أتردد في أكله أبدا .
رحمك الله يا معلمنا ما أروعك .. لقد قال لنا ذات يوم :
" لا يهم أن تأكلوا خبزكم ولو كان ملوثا ببعض الطين أو التراب ،
وحتى لو كان مغمسا بعرقكم ، ولكن ليس بعرق الآخرين ، تذكروا ذلك جيدا ..
والأهم ألا تأكلوه ملوثا بالدم . إن ذلك يا أبنائي حرام .
____________________________

رأفت العزي 23 / 04 / 2010 58 : 12 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 
حشرات و وشاة
-- ساد الصمت فجأة وسكتنا عن الكلام، لأن ظل رجل طويل القامة،
قد ظهر على قماش جدار الخيمة، واتجهت أعيننا نحو الباب
مباشرة: انه الأستاذ "عبد الله ". لقد دخل وهو حاني الظهر
حتى لا يرتطم وجهه بأي عائق ، ثم انتصب ونظر حوله
كالباحث عن شيء نسيه ،
على وجهه ارتسمت بعض خطوط الزمن الذي زادها بروزا ذلك الضوء
المنبعث كالشعاع حوله ، ونحن ، ليس لنا تركيز إلا على تلك القسمات ،
لنتعرف على مزاجه في تلك اللحظة . بعض التلامذة ، أصبحوا متخصصين
في قراءة خارطة وجهه ، والبعض يستفسر من البعض الآخر ،
فالمسألة مهمة للجميع ، فمن تلك الصورة نعرف إن كان يومنا سيبدأ
بيسر أو العكس .. وفي الغالب ما كانت تنبئنا بنهار عسير ..!
نقف له بأحترام شديد ، نردد بعض الجمل التي نكررها كل يوم ..
وقبل أن نُكمل يرفع يده ويحركها لترافق أمره لنا بالجلوس .. قطب حاجباه وحرك أرنبة أنفه صعودا ونزولا وأخذ
يتنشق الهواء - هواء الغرفة - بتقطع مستمر ونظر نحونا نظرة احتقار ثم أخرج من جيبه المنديل
ووضعه على وجهه وكأننا به يبكي ..!
:
- هل من غياب..؟ بعصبية يسأل .
- نعم استاذ .. نعم أستاذ : - " مفلح وحسن ويسين ،
رأيناهم يهربون بإتجاه البساتين .. أما مدارس وخليل .. و ..... !
- اخرس يا ولد أنت وياه !
انأ سألت واحد ، بتردوا عشرة .. العمى يعميكم ..! "
لم يكن ليدعنا نكمل ، ولا يريد منا الإجابة بالرغم من سؤاله
المتكرر هذا كل يوم .
كان و كأنه يقوم باختبارنا فيقع أكثر من نصف الصف في شِراكه.
- " انا مش كل يوم بقول متفسدوش على بعضكم البعض ،
يخرب بيتكم ما بتتعلموا ، ولكم عيب .. عييييييييييب يا بقر ،
الوشاية عيب . الوشاية بتعمل منكم بالمستقبل جواسيس ... بتفهموا يعني إيش جواسيس ..؟!
العمي يعميكم ,, التكرار بعلم الحمار ، لكنه افهم منكم ."
كانت سعادتنا لا توصف حين يصفنا بتلك الأوصاف لأنه كان يُتبع إهاناته الساخنة
بابتسامة باردة تُفرحنا .. فهو على الرغم من مظهره الخشن ،
وعصبيته الزائدة ،ألا انه كان يملك قلبا رقيقا كنا نستشعره .
استدار نحو اللوح الخشبي الصغير المرتكز على " سيبة " من ثلاثة أرجل
وبيده طبشور بيضاء ، وأمسك باليد الأخرى الجانب الأعلى من اللوح لأن أركانه
ليست ثابتة ولا يستطيع الضغط على الطبشور ولو فعل .. تبدو كتابته في بعض الأحيان باهتة أو
يهتز اللوح كلما كتب عليه حرفا وضغط .. فيرتفع منسوب ضغطه وعصبيته وتوترنا ..
وبسرعة المسعف يندفع بعض المتبرعين منا لمسك أرجل اللوح ليثبت في الأرض ولننال منه الرضا ..!
- " افتحوا الكتب " .
ثم كتب على اللوح جملة تفيد أننا سنكمل الدرس السادس ،
بعض التلاميذ لم ينصاعوا للأمر المكتوب - سامحه الله – فهذا البعض كان لا يرى ما كُتب بالأصل
فالغيوم كثيفة ولا من إضاءة داخل تلك الخيمة .. قطرها لا يتجاوز الأربعة أمتار وعددنا
خمس وخمسون تلميذا غير الغياب ..!
:
نبدأ بالتململ من ضيق المكان ، فحرارته ارتفعت من حرارتنا .
- " اسكت يا ولد ، اسكت يا كلب أنت وإياه ! "
ثم يتمتم بكلام لا نفهمه .
- " نزّل ايدك عن راسك ولك انت وهي ، ويكفيكم هرش !
تغسلوا.. تحمموا ... العمى بعيونكم وعيون اللي خلفوكم .. ولْكُم مفيش ميّ تتشحروا فيها ؟
وَلك انت ... لا مش انت .. انت يا زفت يا مفيد ، خلي امك تنظفلك اذانك ؛ شو فيهم عصيد ؟
وانت وِلك يا بنت .. نزلي إيدك عن راسك وخلي أمك تنضفلك إياه بالكاز ! "
( بالرغم من ان خيمة الصف كانت تفوح برائحته يوميا !
فاطمة تتباكى ، وبصوت متقطع تقول :
- " شعري يا أستاذ نظيف .. أمي بِتْفَليني كل يوم
وما شافت براسي لا قمله ولا سيبانه "
تلك الحشرات المنتشرة في كل الأمكنة والتي كانت تأبى إلا أن تتسرب
إلى رؤوسنا نحن الصبيان ، بالرغم من حلاقة شعرنا على الزيرو
فجميع الأولاد في مدرستنا كانوا كلهم قُرْعان !
( في يوم ـ أراد أبي التخلص من تلك الحشرات فحرق جميع ثقوب جدران
غرفتنا الوحيدة " ببابور الكاز " ثقبا ثقبا ،حتى كاد أن يحرق البيت ويحترق ..
ومع ذلك ، لم يستطيع القضاء عليها فهي منتشرة في معظم أجسام الناس فأين يهربون ..! .
ثم فكر يوما بتغيير مسكننا إلى منزل آخر ، ولكننا واجهنا نفس المشكلة ،
وغاب عن ذهنه أو انه لم يكن يعلم بأن الحشرات كانت تعشش
بفرشنا وألبستنا وتحت ثنايا جلودنا وتنتقل معنا في كل ترحال)
:
احمد يصرخ : - " أستاذ، أستاذ " بَقّه " على كتف فلاح "
رفع فلاح يده محتجا وقال " : خليل وضعها على قميصي والله العظيم يا أستاذ "
- " ولكم يلعن أبو اللي بعثكم للمدرسة ، يلعن أبو " هالّلجئة " اللي خلتني أشوف وجوهكم النجسة ،
أسا بدعسكم بنعل كندرتي إهدولكم شوي " ..!
::
يتساقط المطر بغزارة في تلك الحصة من الدرس ، اللحظة المنتظرة التي تجعلنا " نفلت "
بالحديث مع بعضنا البعض ، فصوت زخاته الكثيفة
فوق الخيمة كان بالنسبة لنا من أكبر الأصدقاء في تلك الحشرة
و هي بالطبع من اكبر الأعداء لمعلمنا ... فهو مضطر لرفع صوته
حد الصراخ ليرتفع فوق أصواتنا وأصوات المطر لنسمعه ويسمعنا ؛ الأمر
الذي ما علّمنا ما معنى الحديث بصوت هادئ ،
فكبرنا
وصرنا
حتى إن غازلنا نساءنا في ساعة غرام ، تسمعنا كل الجيران.

رأفت العزي 29 / 04 / 2010 40 : 01 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 
[align=justify]
مدرسة مدارس
كمال وأنور ، يهمسون في أذني بعد اتفاقهما أن أقول " لمدارس
اننا موافقون على الهرب بعد الفسحة القادمة مباشرة !
فبعد اقل من ساعة ، سيقرع الجرس ثم نتسلل هاربين ؛
نتجمع في دائرة تبتدئ صغيرة سرعان ما تكبر: سبعة ، ثمانية ،
تسعة رفاق ، قائدنا المحبوب كان التلميذ النجيب " مدارس "
ومدارس هذا - هكذا اسمه - كان يسكن في حيّنا وكان من اكبر
تلامذة صفنا سنا وحجما ، بل انه كان الأكبر بين تلامذة الصفوف الابتدائية كلها
وربما كان من اكبر تلامذة الصفوف الابتدائية في مدارس العالم كله!
قضى في صفه الرابع راسبا لمدة ثلاث سنوات ؛ وعلى الرغم من مظهر والده
المتخلف الا انه كان يصّر على تعليم ولده البكر مدارس
فهذا البدوي العتيق ، كان يعتقد ان سوء الإدارة والتعليم هما
السبب في رسوب ولده المتكرر ، بل أكثر من ذلك ، فإنه كان " العساتذة " بكرهه لأنه أطول منهم ،
ويفوقهم رجولة .مع ذلك فإنه كان يسكت عندما يحدثه أحد المعلمين ولا يتردد بتقديم نصائحه
وإرشاداته لتحسين إدارتهم للمهنة وسلوكهم العام .. وعندما يقولون : " مدارس " كان يقطع الحديث
ويسارع إلى القول : " اللحم ليكُم والعظم لينا ، اذبحوه .. اذبحوهم " !
ومدارس هذا ، كان ضخم الجثة ، طويل القامة ، اسمر اللون ،
أفطس الأنف لا يمكن إلا أن يكون من جذور زنجية كما قال " شيخ العشيرة "
وهو أحول العينان ، يتعجب عندما نقول له أننا نراه شخص واحد وليس اثنان كما كان يرانا ..
مع ذلك يا للعجب فإن حجره لا يخطئ أبدا إن رمى . شفتاه الغليظتان تبدوان أغلظ
عندما يرشقنا عبرهما بوابل من شتائمه ذات العبارات الثقيلة
ويرشنا بزخات من لعابة حين يغضب .. وبالرغم من ذلك
لم نحمل في قلوبنا له إلا الحب ، والطاعة ، والولاء ، و تأثيره كتأثير الساحر فينا ،
فنحن نطمئن حين نكون الى جانبه لأنه " الرجل " الوحيد بيننا !
وهو وحده القادر على تحمل تبعات كل موبقاتنا !
يكفي انه عند محاسبتنا يقول :
" انا المسؤول " .
عشنا معه مغامرات رائعة حين كان يتنقل بنا من مكان لآخر :
البحر ، النهر ، سكة الحديد .. والبساتين خصوصا بستان " اليهودي " !
كان يُشعرنا بالغضب حيال كل ما في ذاك البستان..
ويدفعنا ذلك لنبرر سطونا على ما فيه .. وملاحقة طيور الدجاج التي يملكها ، فنحاول
تصيدها بمختلف عيارات الحجارة وآآآآآه، آه ، لو وُفقنا
في اصطياد واحدة منها ... ما اعظم لحم الدجاج ، كنا لا نتذوقه
الا بمناسبة الأعياد اذا الحال ميسورا .. ومحسود من كان يملك بعض
الطيور منها فكيف إن كان صاحبها " يهودي " ..!
بالرغم من كثرتها .. الا اننا نعرفها دجاجة دجاجة، نعرفهم كما نعرف اولاد حينا وتلامذة صفنا :
فهذه الشقراء المتغطرسة ، تتمختر و تتمايل ثم تتوقف
فجأة ، وتنظر في الأرض بتعال وعجرفة ، فتنبشها ،
وتبعثرها وتقذف تربتها بعيدا لتبحث عن رزقها ثم تنتقل الى
مكان آخر لتبدأ الحفر من جديد وكأن ارض البستان ملك " للي باضوها "
مع ذلك ، لم تكن من النوع الأكول او ان الطعام في تلك المنطقة لا يعجبها !
اما تلك المرقطة بالوان مختلفة فريشها جد جميل ،
فهي تتمايل في دلال كأنها ملكة جمال دجاجات العالم ،
كانت لا تدع اي ديك يقترب منها او حتى أخذ نظرة من عينيها
الكحيلتين مهما كان قويا .. فذيلها كان لا يهدأ ، تحركه ذات الشمال
وذات اليمين بحركات ذات إيقاع تحبه الديكة فارغي الأعين
وتكرهها في آن ، فهم يتنططون خلفها دون طائل ..!
اما تلك الدجاجة " الرزّية " / ريشة سوداء وأخرى بيضاء /
فهي ممتلئة بالدهن، قوية ، تسير بالديك إذا اعتلاها ،
ما ان تنفض الغبار عنها حتى يظهر لونها أكثر جمالا ،
فبالرغم من ان مظهرها الذي يوحي بغبائها وسهولة
صيدها ، فقد كنا نتركها ولا نقصدها ، فنحن نُسّر لرؤيتها .
اما هذه السوداء – عافينا يا رب - فهي دجاجة في عبوس دائم ،
ويبدو أنها تكره الابتسام أو لا تعرف ..!
كانت تدوّر رأسها نحو اتجاه ، ثم تتوقف كأنها تسترق السمع!
تنظر نحو البعيد ثم تعاود الدوران وتتوقف دون كلل او ملل ،
أمهمتها الاستطلاع يا ترى ، نتساءل ..؟
يجب ان نحذرها ، هكذا !
اما هذه المزركشة ، فنعتقدها هبله ، بسيطة ، فهي تتركنا
لنقترب منها لكنها ما ان تدعنا نفرح
تولي هاربة .. هل كانت تخطط لخداعنا ؟!
كانت تتقافز بين الشجر وعليه بسرعة عجيبة ومن غصن الى آخر،
كأنها احدى لاعبات السيرك ..ما ان تبتعد عنا حتى
ترمقنا بنظرات ساخرة ولسان حالها كأنه يقول : انتم الهبل !
اما تلك الرمادية ، فهي لا تغمض عيناها عنا أبدا ،
بل انها لا ترمش حتى عندما تلعب ، من يراها لأول
مرة ، يعتقد انها برجل واحدة .. لقد كانت ترفع رجلها الأخرى
وتطويها تحت جناحها ولا تتحرك ابدا >
بصراحة ، كنا نخشاها في بعض المرات ونتساءل
: اهل يسكنها عفريت !؟
- " سأقطع رقبتها قطع " قال مدارس ، وهو يرجمها بحجر كبير !
فما ان تشعر بالخطر ، حتى كانت " تقاقي " بصوت مرتفع ...
صوت غريب ، مختلف عن باقي الدجاجات.
– " اتركوها وشأنها ولا تقتربوا منها ، سوف تفضحنا "
قال كبيرنا ذلك وأكمل :
" انها تستدعي لنا صاحبها او .. الجن – دستور ،
بسم الله الرحمن الرحيم إنها مرعبة ..
انظروا الى عيناها الشاخصتان نحونا ، انها مسكونة !! "
حقيقة كنا نعتقد بذلك ، ونتخيّل ان جنيا ماكرا يركبها فنعوذ من
اجل ذلك بالله من الشيطان الرجيم .
اما ذاك الديك " المكنفش " ريشة فهو المسيطر .. لقد كنا نكرهه جميعا .!
فمعلمنا مدارس كان يشعر بالغيرة منه كثيرا ، فما إن يقترب ليلقح دجاجة ،
حتى يصرخ بنا قائلا :
- " ولكم ركزوا عليه يا اولاد .... ارجموه .. "
انه يتبختر امامنا بصدره المنتفخ العريض ، وريشه الناعم الطويل ،
وعرفه الأحمر المتدلي على منقاره ، كأنه احد مطربي هذا الزمن
او كأنه أحد حكام العالم الديكتاتوريين ..
ولا اعلم لماذا ولغاية آخر مرة شاهدت فيها مدارس لما سألته كيف
سلخنا ذلك الديك حيا قال:
" ما زلت أكره جميع المتغطرسين ولم اندم "
وبالرغم من مظهر مدارس الغبي ورسوبه الدائم في المدرسة
الا انه كان يملك فلسفة سبقت عمرنا بزمن طويل :
– " إن الله لن يحاسبنا على ذلك ، لا تخافوا ؛
ان صاحب هذا البستان يهودي ..! "
كان يقشعر بدني من كلامه واستغفر الله في سري واطلب منه
المغفرة لي وللمحبوب مدارس ؛ تجرأت مرة وقلت له :
" الله يخليك .. لا تجيب سيرة الله سبحانه إلا بالمليح ،
حرام ... ولا أنت حاببنا نفوت على النار ..؟ "
- " النار اللي تحرق اهلك ليش ما خبروك شو عملوا اليهود فينا ..
رُدّ عليّ ... احكي .. ولا بلعت لسانك "؟ !
فحدث أن عرفنا بعدها ان البستان لمواطن صيداوي
وان معظمهم الدجاجات لأبناء المخيم ..!

[/align]

رأفت العزي 08 / 05 / 2010 49 : 12 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 
عزف على التراب

المدرسة بالنسبة لي لم تعد مسلية ، ولكنها أصبحت أكثر فائدة !
ولم يعد الهروب منها مسألة هينة عليّ وعلى باقي الرفاق
لقد مرت سنة وابتدأت سنة دراسية جديدة ، فقدنا خلالها
بعض الأصدقاء منهم قائدنا " الحبيب ، مدارس ..
فوالده قرر وضعه على طريق آخر، لعله يفوز ويفلح !
لقد قرر أن يزوجه من ابنة عمه المخطوبة له منذ 12 عاما
- هي سنين عمرها - كعادات تلك الأيام
ولكن .. ماذا سيعمل ، وكيف سيُعيل نفسه والأسرة ..؟
" الرزق على الله " تؤمن الناس بذلك .
أُعدت العدة لإقامة عرس مدارس بشكل منظم !
فوالده انهمك منذ أيام ببناء غرفه جديدة للعريس
الى جانب غرفته تأمينا لسكن العروسان ، ومن اجل
راحتهما ليتمتعا " بالحرية " والاستقلالية ، والاختلاء !
لقد قام باقتطاع جزء من خيمته التي كان يسكنها مع زوجته
وأطفاله ووالدته العجوز بواسطة حبل ثم علق عليها ساترا
من " حصير \ بساط " ليفصل ما بين مخدع العروسان عن باقي المساحة !
وهذا شيء يُحسد عليه ، لأن ساتر الحصير كان أغلى ثمنا
من تلك السواتر المصنوعة من أغطية الخيش او تلك المصنوعة
من أكياس الطحين .. لأن الحصير كما كان يقال تتمتع " بتقنيات " متقدمة .
فهي عازلة للصوت أولا و لا تُظهر من خلالها خيالات الأجسام المتحركة !
فهذا " مدارس " ومن اعز منه بجدار من حصير ..!
و مهما كانت الأحوال .. لا بد وان تقام الأفراح سبعة
أيام بلياليها ، ففي النهار تتضافر سواعد النسوة من الأقارب والأصحاب من اجل
تحضير وتجهيز بيت العروس الجديد .. ففي الليل يُقمن حفلات الرقص والغناء
وتهيئة العروس وتدريبها ؛ فالحنّة يجب تُغطي يديها وقدميها .. وشعرها يُسلّك
ويُجدل في ضفائر صغيرة أو يُسدل على ظهرها ويُملس إن كان شعرا ناعما ..
وتحجب خلالها العروس عن جميع الرجال ولا تتم تحليتها بالسكر إلا قبل يوم واحد من الدخّلة .
أما الرجال ففي النهار بأشغالهم وفي الليل يشاركهم معظم الأولاد
رقصا وغناء ودبكات يشير إلى موقعها ذلك الغبار الكثيف المتطاير فوق
رؤوس الحاضرين وصفارة شبّابة أوصوت مجّوز ترافقها اهازيج
وعتابا وميجانا تُغني للبلاد وليس للعرسان .

عشية اليوم السادس من يوم المهرجان الكبير تتجمع نسوة الحي
في بيت العريس ، لتبدأ من هناك مسيرة طويلة ، يقطعون فيها
المخيم طولا وعرضا ، يطفن في طرقاته الترابية وهن يحملن
على رؤوسهن جميع أثاث بيت مدارس ، ومن حيّ إلى آخر .
وألسنتهن لا تتوقف عن الزراغيد والأهازيج فواحدة من
الصبايا تحمل طبقا وضعت عليه أدوات المطبخ :
" طنجرتين " من النحاس المُبيّض وثلاثة او أربع صحون من الفخار
وبعض الخواشيق / ملاعق / تلك النادرة والمستهجنة في تلك الأيام
و صبية أخرى تحمل على رأسها
فانوسا معبأ بالزيت وهو مضاء دليل على انه جديد ويعمل !
إما الفرش والأغطية والمساند المنتفخة بالقش فتحملهن النسوة الأقوياء ،
اما النسوة المتقدمات في السن ، فكن يحملن ثياب العروس ،
فهن القديرات ، الخبيرات ، والعاقلات اللواتي يحرصن على نظافة
تلك الألبسة وهن الضمانة لعدم العبث بها من قبل الصبايا
الحالمات أو الحاسدات !
أما الغاية من تلك الجولة فكانت بمثابة تهيئة لجولة ثانية ليلة العرس تكون فيها العروس
في مقدمة المسيرة بلباس العرس وتمر فقط في الأحياء التي كانت قد رحبّت وشاركت في مسيرة الأمس ..
أما الأحياء التي لم تشارك فتقاطع .. وحرّاس العروس من الرجال المكلفون بذلك لن يمرّرّنها فيها ..
فهي لم تقم بالواجب .

رأفت العزي 08 / 05 / 2010 09 : 11 PM

رد: واقع يلفه الحلم
 
[align=justify]
نسي انه العريس
نحن في حيرة وإحباط .. فقائدنا وحبيبنا مدارس يجلس بعيدا عنا وابعد
بكثير من تلك المسافة التي تفصلنا عنه . ما هي إلا بضع أمتارقليلة ولكننا شعرنا باليتم
والحزن بالرغم من هيصة الفرح .. أجلسوه على فرشة صوفية كبيرة قدّمها أبي فرشت على الأرض
في صدر مكان مكشوف محاط بجدار نصف دائري من القصب .. وأعيننا لا تفارق صورة
العريس .. نبتسم له مرة .. ونضحك عليه مرات حين يرانا فيهز رأسها ويبرطم بشفتاه فنعرف
بماذا يرمينا .. وفي إحدى لحظات طيشه نسي انه العريس ،
وقام من مجلسه المهيب ليجري خلفنا وليضربنا كعادته
الأمر الذي اغضب والده كثيرا فعنّفه بدوره بسيل من الشتائم
المختلفة ثم شده من يده وأجلسه في مكانه بعنف ظاهر أمام الناس وقال :
" أنت ما عدت عجّي صغير " تتلاعب العجيان .. فهمت .. إنكب .. أُجعد !"
جلس ولم يتحرك كأنه تمثال .. قاطبا جبينه المتعرق والمطلي " بزيت الشعر "
هذا الزيت – الدارج – كان لونه احمر قاني كثيف ليونته تخف من اثر حرارة الجسم ...
وها هو مدارس قد بدأ يسخن و الزيت يسيل عن شعره الأجعد ويتهادى رويدا
رويدا على جوانب خديه ، وخلف رقبة ، وبدت ياقة قميصه البيضاء تميل شيئا فشيئا نحو الاحمرار .
لقد بدا مدارس وكأنه مذبوح لولا حركات عيناه اللتان كانتا تعملان بشكل دائري ،
وأصابعه العشرة التي تقاتل بعضها البعض بضراوة . يتأفف بين الحين والآخر
ويتبرّم فهو غير معتاد على الجلوس هكذا بلا نزاع فبدا قلقا شارد الذهن وربما ملّ الانتظار .
والده قد لاحظ عليه الاضطراب فأراد إرضاءه . أخرج من جيبه كيسا صغيرا
وفك عقدته وأخرج منه دفترا صغيرا أوراقه رقية جدا ونزع منه ورقة ووضعها
في يده اليسرى بين الإبهام والشاهد ثم وضع بعضا من خيوط التبغ فيها وهندمها
جيدا وبدأ بلفها بعناية زائدة ثم بلل أطرافها بشفتيه وقام بلصقها وتهذيبها من طرفيها
وأزال بعض الشوائب منها حتى بدت كسجائر المصنع في شكلها وأناقتها وقدمها للعريس
في حركة لتلفت أنظار الحاضرين حتى يُفهمهم أن ولده يستطيع التدخين كالرجال ..
ولكن مدارس رفض بشدة في أول الأمر بالرغم منتكرار الأمر الصادر له بالتنفيذ !
ولما أصر على ذلك أحس ابو مدارس بالإهانة ... فلطمه على خده لطمة زادت من إحولال عيناه
وجعلته يغضب ثم تناول السيجارة و أشعلها واخذ " يمجها " ويستنشقها ويسحب منها أنفاسا عميقة
متتالية دون توقف وبتمتع ظاهر ، وهو يبتسم ابتسامة تدل على رضاه فتأثر الوالد
وشعر بالفخر ، وهمس للبعض بأن ينتبهوا لمدارس كيف أشعل سيجارته الأولى بحرفية عالية ،
وكيف يسحب دخانها إلى جوفه بسلاسة ودون سُعال!
ولم يكن يدري بأن إحدى مهامنا الأساسية في " عصابة ابنه " أن كنا نجمع له سباريس / أعقاب /
السجائر من الطرقات منذ سنوات فيعيد تأصيلها وإعادة لفها وتدخينها أحسن من أبيه وأسرع .
الرفاق يتساءلون بحيرة وارتباك :
" ترى ماذا سيفعل مدارس هذه الليلة ، وكيف سيتزوج ؟!
صحيح انه عمل على رفع وعينا تجاه الجنس الآخر .. وصحيج انه من أطلق فينا تلك الغريزة
الطبيعية وحتى قبل " بلوغنا الحلم " وصحيح انه كان يصف لنا ما لا يوصف في جسد الأنثى ،
ويرسم صورتها فوق رمال البحر .. ويصنعها تمثالا نحضنه ... و يحفر شكلها على جذوع أشجار الموز
الضخمة وبعض التفاصيل ..! وكنا نقلده في كل ما كان يفعل وأكثر.. كل ذلك صحيح .
ولكننا في تلك الليلة كنا في حيرة شديدة ونتساءل : هل يعني ، ان الزواج سوف يُغنيه عن ممارسة
أشياء نمارسها .. وهل باستطاعته القيام " بواجبه " بسهولة ومن علمه ذلك يا ترى ؟!
كنا نسمع أشياء كثيرة عما يجري تلك الليلة .. أهمها أن الرجل يجب أن يكون مستعدا وقويا
قويا جدا .. وإلا فإنه يفقد صفة الرجولة ويلحق به العار ..!
اقتربت نهاية العرس وتداع أفراد العصابة الى اجتماع عاجل فنحن قلقون ..
ليس شكا في رجولة مدارس إنما لعدم قدرتنا على معرفة ما سيجري خلف جدران هذا البيت الهش .
- ولم الغدّ " قال أحدنا ثم أكمل :
" سوف نراقبه ونتلصص عليه من خلال شقوق الخيمة " !
وحتى لو كلفنا الأمر غاليا ..
ولو عوقبنا بشدة .. فالأمر يستحق أن نَضرب ولو فقدنا بعض الدماء .
[/align]

عبدالله الخطيب 09 / 05 / 2010 39 : 12 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رأفت العزي (المشاركة 71626)
[align=justify]

اقتربت نهاية العرس وتداع أفراد العصابة الى اجتماع عاجل فنحن قلقون ..
ليس شكا في رجولة مدارس إنما لعدم قدرتنا على معرفة ما سيجري خلف جدران هذا البيت الهش .
- ولم الغدّ " قال أحدنا ثم أكمل :
" سوف نراقبه ونتلصص عليه من خلال شقوق الخيمة " !
وحتى لو كلفنا الأمر غاليا ..
ولو عوقبنا بشدة .. فالأمر يستحق أن نَضرب ولو فقدنا بعض الدماء .
[/align]

أستاذ رأفت.. يبدو أنك كنت شقي جداً في طفولتك.
محاولة شقية تستحق المجازفة.
بدك الصراحة.. أنا جالس أتخيل مدارس شو بدو يسوي فيكم لما يكشفكم..هههههههههه.
Good luck

رأفت العزي 09 / 05 / 2010 16 : 07 PM

رد: واقع يلفه الحلم
 

........................... الاختبار ............................

كنا نعتقد أننا وحدنا من سوف يتلصص على العروسان
ولم نكن نعلم ، إن الأم والخالة والعمة والجدة والجارة من أهل مدارس كانوا
في الجوار ويقابلهم عدد أقل من جانب العروس
إضافة إلى بعض النسوة من الجيران والأقارب الأبعدون ..
جميعهم في ترقب وشغف و قلق ؛ إنه عُرس ، وليلة دخلة.
وتاريخ من العادات والتقاليد جعلتهم جميعا " متلصصين "
وبصورة شرعية .. فلماذا إذن نحن خائفون .. ألأننا اقتربنا من خيمة
العرسان ونريد الاستفادة من دروس مدارس العملية قائدنا ومرشدنا المحبوب ..؟!
وها هي ساعة الحسم قد اقتربت والوقت أصبح متأخرا ؛ وان على مدارس ،
انجاز مهمته بسرعة ، وبكفاءة كما لقنوه ،فالجميع بانتظار نتيجة امتحانه هذه الليلة :
فحولته. " وسلامة " البنت كانا على المحك !
- " لا تسوّد وجهنا يا بوي .. خلك زلمه هه ، طوّح دمها إن عاندت " !
توجه مدارس مزفوفا نحو الخيمة يحيط به بعض الرجال المبتسمين المهللين
القابضين على كتفاه وكأنه ثور سينكز ويهتاج بعد أن يوسعوه ضربا حتى لا يتراجع أو يجبن..
ثم دفعوه نحو الباب بقوة فدخل دون تردد ترافقه أصوات التكبير والصلوات على محمد ..
حاولنا الاختباء والتسلل ، ولكن فوجئنا بمن يحرس الخيمة وما استطاع القبض على أحد
منا والأهم ، انه لم يعرفنا وسط الظلمة فأرسل خلفنا وابلا من الحجارة أعدنا بعدها التموضع
في غير مكان في محاولة جديدة لنواكب الحدث .. ولكننا لم نمكث طويلا كما توقعنا ؛
بضع دقائق قليلة كان فيها جميع المنتظرين المتلصصين في حال متوتر ، والصمت سيد المكان ،
وهم في جيئة وذهاب وفجأة ، سمعنا صوت صراخ طفلة .. عرفناها من صوتها .. فما بالها تبكي
وبالأمس كانت تلعب مع الأطفال بفرح وضحكاتها البريئة تملئ المكان ؟!
خرج مدارس من الخيمة مترنحا تعلو وجهه تعابير إجرامية بعد سماعه صوت أبيه يأمره
فورا بالخروج إن أنجز المهمة ..! ولكن الذي أخرجه منها تاريخ طقوس وتقاليد
ليفهم جميع الذين حضروا حفلة " إضفاء الشرعية " على الغصب ، انه قد أنجز مهمته
بنجاح باهر وبزمن قياسي . لقد نجح في امتحان صعب في بضع دقائق ..
ولم ينجح في ما هو أهون في أربع سنوات رسب في صفه بشكل متوالي ... !
:
لم نعرف أو نفهم ما كان يجري، لكننا أحسسنا بالغربة عنه قليلا وشعرنا ببعض الإحباط
عندما شاهدنا والدة العروس تدخل الخيمة وتخرج منها والدة العريس .. وما هي إلا لحظات
حتى دب فينا الخوف فجأة وتفرقنا في كل اتجاه ولكن سرعان ما عرفنا إنها صوت زغاريد
ارتفعت من جديد ، وإحداهن تحمل بيدها منديلا تمرره أمام أعين الحاضرين والحاضرات
فيرفعن بدورهن مزيدا من الزغاريد إلى العلا .. !
أما الرجال فكانوا يشدون على أيدي مدارس ويقبلونه بحرارة وتساءلنا ونحن نغادر :
هل قام بتحرير فلسطين ..!
لكني لا أخفيكم أن مدارس قد ميزني في اليوم التالي ونحن نلعب..
لقد أخبرني ببعض التفاصيل ...!
أما أنا ، فسوف أسدل الستارة على تلك الأسرار ، لأنه كان قد أمنني ألا أبوح بذلك
مهما صار ولن افعل ؛ لكني أخبركم ، انه ما زال حيا ، ضريرا لا يرى ، فالعمر الذي أفناه
بمهنته " حمالا " قد أقعده على رصيف الشارع وحيدا .. أجالسه أحيانا ،
وأربت على كتفه بين وقت وآخر .. فثقل الأيام المرة ، قد حوّلت من قامته الضخمة
إلى نصف رجل مُتعب ، يمشي حافي القدمين ، يتوكأ على عكاز اعوج ، ولكنه عندما يكسر صمته يسألني بمرارة:
- " متى يا رفيقي نحرق مع أمتعتنا كل القهر الظلم ونعود إلى ارض الوطن ..؟! "
لقد طال الزمن يا صديقي والعمر مضى .

رأفت العزي 09 / 05 / 2010 25 : 10 PM

رد: واقع يلفه الحلم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الخطيب (المشاركة 71639)
أستاذ رأفت.. يبدو أنك كنت شقي جداً في طفولتك.
محاولة شقية تستحق المجازفة.
بدك الصراحة.. أنا جالس أتخيل مدارس شو بدو يسوي فيكم لما يكشفكم..هههههههههه.
Good luck

الحبيب الأديب عبدالله أسعدك ربي وأمدك بالصحة وطول العمر
على ما يبدو إني أدمنتك وصرت لا انتظر سوى حضورك أفلا يكفيني إنك قارئ بمئة .
أما الشقاوة يا سيدي وما أجمل شقاوة تلك الأيام كنا نمشي حفاة وثيابنا مرقعة ونحن والرغيف كاننا فرسيّ رهان
ونجازف حد الخطر ومع ذلك كانت الأخلاق تسود في مجتمعنا فأنظر إلى جيل اليوم فإنه ربما لم يرى القمر إلا في
درسه ولا يعرف شكل النجوم مع الفارق في اساليب التربية وتطور وسائل المعرفه والتعليم ..
وأقله أن مدارس كان طيبا جدا ومن يحدثك أحد تلاميذه ههههههههههه
آسف لأني خيبت ظنك فالمسكين دُفع ليكون أبا وهو في السادسة عشر من عمره .

شكرا لك ولمرورك الكريم وتقبل مني ارق التحايا *

رولا نظمي 09 / 05 / 2010 33 : 10 PM

رد: واقع يلفه الحلم
 
أستاذي الطيب رأفت العزي
ما في أحلى من أيام زمان وقصص زمان كان والدي الله يرحمه يحكيلنا عنها دايما
وكنت أحب شقاوتوا هههههههههههه كتير
فأشكرك استاذي على هذا الصرح الطيب
ودمت بالف خير وسأكون من المتابعين لك باذن الله تعالى
حفظك الله تعالى

عبدالله الخطيب 09 / 05 / 2010 57 : 10 PM

رد: واقع يلفه الحلم
 
أستاذي العزيز..

قرأت الأختبار.. و أستمتعت بها جداً..
أبهرتني بشخصية مدارس و بسؤاله لك عن العودة!
هذا الأنسان الكادح البسيط ما زال يحدوه الأمل و يتطلع يوماً للعودة الى الديار السليبة!.. لا يراوده أدنى شك بالعودة.
هذا هو الأنسان الفلسطيني الطاهر الذي تربع على صدر صفحات غسان كنفاني.. بكل نكساته و أنكساراته و بكل الخناجر التي غُرست في ظهره و في خضم معاناته.. لم يفقد الأمل.
كل التحية و المحبة للعم مدارس.. له قبلة على اليد قبل الجبين.
كل التقدير و الأحترام لك أيها الكاتب و الأنسان.. من حروفك أستمد الأمل.
مودة لا تنضب.

ميساء البشيتي 10 / 05 / 2010 34 : 12 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 
اخي العزيز رأفت العزي

جئت أقدم اعتذاري فأنا كنت أظنه نفس الجزء وكنت أستغرب الردود

ولكني اليوم فتحت الصفحة فتفاجئت بسلسلة الأجزاء .. طبعا لم أستطع قرائتها

جميعها لذلك مررت لأقدم اعتذاري وأعد بالعودة لقراءة مطولة ومستفيضة

شكرا اخي وسعيدة

:nic67:

رأفت العزي 10 / 05 / 2010 03 : 06 PM

رد: واقع يلفه الحلم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رولا نظمي (المشاركة 71754)
أستاذي الطيب رأفت العزي
ما في أحلى من أيام زمان وقصص زمان كان والدي الله يرحمه يحكيلنا عنها دايما
وكنت أحب شقاوتوا هههههههههههه كتير
فأشكرك استاذي على هذا الصرح الطيب
ودمت بالف خير وسأكون من المتابعين لك باذن الله تعالى
حفظك الله تعالى

رحم الله والدك وأسكنه فسيح جنانه وأجمل ما في ردك الكريم هذا ليس تلك الشقاوة التي احببتها في الوالد
وإنما قدرته رحمه الله في جعلك صديقة عزيزة له ليتحدث عن شقاوته اليك .

ساكون وبكل اعتزاز أنتظر تشريفك هذا المتصفح المتواضع

أسعدك ربي وأدام عليك الصحة وجعل النجاح حليفك

رأفت العزي 10 / 05 / 2010 16 : 06 PM

رد: واقع يلفه الحلم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الخطيب (المشاركة 71757)
أستاذي العزيز..
قرأت الأختبار.. و أستمتعت بها جداً..
أبهرتني بشخصية مدارس و بسؤاله لك عن العودة!
هذا الأنسان الكادح البسيط ما زال يحدوه الأمل و يتطلع يوماً للعودة الى الديار السليبة!.. لا يراوده أدنى شك بالعودة.
هذا هو الأنسان الفلسطيني الطاهر الذي تربع على صدر صفحات غسان كنفاني.. بكل نكساته و أنكساراته و بكل الخناجر التي غُرست في ظهره و في خضم معاناته.. لم يفقد الأمل.
كل التحية و المحبة للعم مدارس.. له قبلة على اليد قبل الجبين.
كل التقدير و الأحترام لك أيها الكاتب و الأنسان.. من حروفك أستمد الأمل.
مودة لا تنضب.

ابكيتني عبدالله

اليوم ولأجل عيونك الحلوة قصدت مجلس مدارس لأقبله و والله لأقبل يده قبل جبينه
ولكني لم أكن محظوظا ولم التقيه ولم يكن لدي الوقت الكافي للبحث عنه ولكني أعدك
بأني سوف أتصور وأرسل لك صورتي وأياه إن شاء الله غدا ويا رب يكون بخير

هل تعرف أنه حين يحدثك أحيانا لا تعرف انه فلسطيني .. فهو يتهاضم ويحكي العامية الصيداوية الغميقه
ضحك كثيرا عندما أخبرته ( واستأذنت ) أن اكتب عنه حين قال : شو يا عمي صرت مثل جماعتنا الحرامية
بتقبض من وراي وأنا الشخصية المحبوبة بطل القصة بتضحك عليّ بعلبة دخان هههههههههههه

استاذي الحبيب عبدالله أشكرك ولا أعرف كيف
سلمت يداك وسلم وفكرك ايها الرائع

رأفت العزي 10 / 05 / 2010 25 : 06 PM

رد: واقع يلفه الحلم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميساء البشيتي (المشاركة 71760)
اخي العزيز رأفت العزي
جئت أقدم اعتذاري فأنا كنت أظنه نفس الجزء وكنت أستغرب الردود
ولكني اليوم فتحت الصفحة فتفاجئت بسلسلة الأجزاء .. طبعا لم أستطع قرائتها
جميعها لذلك مررت لأقدم اعتذاري وأعد بالعودة لقراءة مطولة ومستفيضة
شكرا اخي وسعيدة
:nic67:

عفوا عفوا يا استاذتنا الأديبة الراقية ميساء
كنت أول المشجعين لي هنا يا سيدتي فأنا الذي أعتذر لعدم قدرتي على وضع كامل " الرواية " \\ إن جاز تسميتها كذا \\
صحيح اني كتبت فيها منذ سنوات ولكن كتابتي كانت أكثر من ركيكة وأنا بقدر ما أعرف وبقدر ما استطيع أعيد بعض
الصياغات والعبارات وحتى مشاهد كثيرة رأيت أن ليس لها لزوم ولذلك فليعذرني القارئ الكريم على وضعها على أجزاء

شكرا لك من القلب لهذا الحضور البهي
وتقبلي مني كل مودة واحترام

رأفت العزي 12 / 05 / 2010 31 : 12 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 
[align=justify]
مرت سنة وابتدأت سنة دراسية جديدة تفاجئنا فيها بمتغيرات كثيرة داخل المدرسة وخارجها ..
لقد تحولت مجموعة الخيام التي كنا نتعلم فيها
وتغير وضعها وأصبحت غرفا مبنية بالطوب وسقفها بألواح "الأترنيت " وفرحتنا كانت لا توصف
عندما جلسنا على مقاعد خشبية لها طاولة نتكئ عليها
أو نخفي شقاوتنا خلفها .. ثم استغربنا تلك الغرف الصغيرة التي لا تتسع سوى شخصان ؟ :
- " أنها دورات مياه صحية "
لقد كان قبلها شيء ما ، كان يسمى بنفس التسمية .. ويا لهول ما كان !
والأهم من كل ذلك هو اننا شاهدنا ولأول مرة مبنى صغير،
يأخذ مكان الشرق من ارض ملعب المدرسة ... وهو عبارة
عن ثلاثة غرف 4× 5 تقريبا وقاعة كبرى بمساحة الغرف
الثلاثة متصلة بها ولا يفصلها إلا جدار تخرقه ثلاثة أبواب ستستخدم لإدارة المدرسة ،
وكانت تلك أول مرة نشاهد فيها مدير مدرستنا الوقور جالسا خلف طاولة خشبية
يجلس على كرسي من الخيزران ..أما الغرفتان المجاورتان فكانتا مملوءتان بمعدات
مختلفة : أعمدة حديدية .. لفة كبيرة من الشبك ، والكثير من الكرات الجديدة وأعدد كبير
من ألواح الكتابة المصنوعة من الخشب كانت تفوح برائحة الدهان ملقاة على احد جدران الغرفة
بشكل متراص ومرتب ... أما الأمر الرائع هو ما كان يوجد
بداخل الصالة الكبرى .... عدد كبير من الرفوف الخشبية المثبتة على إحدى
الجدران وتحمل العديد من الكتب.
السعادة كانت بادية على وجه الأستاذ احمد وهو يطوف
بنا في إرجاء تلك الصالة ويشرح للمرة العاشرة
ما كان يشرحه للصفوف التي سبقتنا في نفس الجولة
لنفس الغرض ... فأبو ماهر المدير ( احمد ) كان يصطحب
جميع طلاب الصفوف صفا صفا ويقوم بتلك الجولة شارحا
لهم ولنا قائلا : -" غدا سوف نقوم بوضع الأعمدة التي
ترونها في وسط الملعب وسوف نختار منكم فريقا لنعلمه
لعبة الكرة الطائرة " ثم يُشير نحو تلك الطاولة ويقول :
" إنها للعبة تسمى كرة الطاولة " فلفتت نظري واقتربت لأتلمس
سطحها الناعم ذي اللون الأخضر ألحشيشي ثم تعجبت
وأنا أنظر الى خطوطها البيضاء المستقيمة وأتساءل :
كيف استطاعوا طلاء لونين متلازمين بهذه الدقة ..؟!
ثم انتقل بنا نحو إحدى زوايا الغرفة و التي كانت تحتوي
الرفوف الخشبية التي وضعت عليها الكتب .
هنا توقف مدير مدرستنا طويلا وهو يشرح لنا أهمية الكتاب ،
وفائدة المطالعة .. ثم فجأة خفق قلبي بشدة عندما توجه بنظره
نحوي وقال : " العِزي " غدا سوف يقرأ جميع هذه الكتب " .
ثم ربت على كتفي وقال : شو ...؟
تلعثمت قليلا وقلت : " إن شاء الله يا أستاذ ... إن شاء الله .
هي جولة قصيرة ، عدنا بعدها الى الصف بعدما تلقينا منه
كل النصائح والتوجهات ومنها الحفاظ على نظافة دورات المياه ،
وآلية الانتساب إلى الفرق الرياضية وشروط الانتساب إلى المكتبة .
:
بالرغم من حبي للرياضة بشكل عام ، الا انه لم يلفتني
الانتساب الى أي من ألألعاب " الكروية " فهي لم تستهويني
منذ الصغر كنت أحب الألعاب الخشنة : كالمصارعة او الملاكمة
ورفع الأثقال وكنت معجبا جدا بالأستاذ" خير الله " فعضلاته
كانت مثار إعجاب الجميع .. فهو عريض المنكبين منفوخ الصدر
وعضلات زنديه كانت ملفتة جدا .. ولما عبرت له عن إعجابي سُعد جدا فقام
برفعي إلى الأعلى وكأنه يحاول ان يُثبت لي مدى قوته عمليا .. الأمر الذي سرني
أنا أيضا وجعلني أطيعه في مقبل الأيام .
[/align]

رولا نظمي 12 / 05 / 2010 30 : 09 PM

رد: واقع يلفه الحلم
 
أفهم من هيك أستاذ رأفت العزي
أنك أكثر من مبدع لبساطة الكلمات وقوة التعبير عنها
بهنيك على سردك الحلو كتير
وبتمنى أقرأ المزيد
دمت بالف الف خير وحفظ الله تعالى

رأفت العزي 14 / 05 / 2010 03 : 12 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رولا نظمي (المشاركة 72060)
أفهم من هيك أستاذ رأفت العزي
أنك أكثر من مبدع لبساطة الكلمات وقوة التعبير عنها
بهنيك على سردك الحلو كتير
وبتمنى أقرأ المزيد
دمت بالف الف خير وحفظ الله تعالى

أحترم عقلك الذي " فهم من هيك " ولكني أخشى عليّ من غروري :)
استاذتي القديرة رولا أسعدك ربي وأطال في عمرك
وما أنا إلا إنسان أبسط من كلماتي ولكني أملك ذاكرة جيدة وجدا وهذا كل ما في الأمر
وإني سعيد جدا أن تنال " الرواية " إعجابك الذي رفع من منسوب همتي
شكرا لك من القلب .. وأنت بألف خير إن شاء الله
تحياتي واحترامي ومحبتي

رأفت العزي 14 / 05 / 2010 12 : 12 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 

تركت اللعب فجأة و توجهت نحو غرفة الإدارة مباشرة وطرقت الباب ..
لم أكن أعلم أن بعض كلمات عابرة قالها المدير ستبقى ترن في أذني وتجول في عقلي :
" العِزي" سوف يقرأ غدا جميع هذه الكتب "

: ماذا تريد يا ولد ...؟
- أريد الاشتراك بالمكتبة أستاذ .
- هل قرأت الشروط ؟
- نعم ولكني لم افهمها !
- باختصار ، إن قرأت هنا فمجانا ، وإن استعرت
ستدفع عشرة قروش عن كل كتاب تأخذه معك .
- عشرة قروش .. ؟!
- - نعم .. وفرها من مصروفك !
فمن أين آتي بالعشرة قروش دفعة واحدة .. ولكن رغبتي في القراءة كبيرة ..
فوافقت على القراءة دون استعارة .. وقلت في صيغة رجاء :

- إنني الآن لا املك سوى خمسة قروش ، فهل يمكنني المطالعة هنا مجانا عمي أبو سليم ؟
أدار لي ظهره ودخل غرفة المدير ،
فطأطأت عندها رأسي نحو الأرض وشعرت بحزن شديد ثم
بدأت بالمغادرة .. وقبل خروجي من الباب ناداني وقال :
- وين رحت .. يخرب بيتكم ، جيل فاقد الصبر ..
ألا تريد أن تقرأ ..؟

قلت بلى .. فقال : - هل اخترت كتابا ؟
- لا أدري !
- اذهب إذن واختار الكتاب الذي يعجبك .
- الكتاب الذي يعجبني ، هكذا ..؟!
توجهت مسرعا لناحية رفوف الكتب وبدأت عيناي
تستطلعان ولا أدري كيف تسمرت أمام
كتاب صغير الحجم قليل الصفحات .. رُسم على غلافه حصان خشبي عملاق في وسط
بطنه فتحة كبيرة يتدلى منها حبل يتسلقه أو ينزل منه بعض الرجال يلبسون على
رؤوسهم خوذات غريبة وبأيديهم سيوف قصيرة ؛ فتناولته وتصفحته وانبهرت بالصور المرسومة
بداخله وعلى جميع الصفحات وتحت كل صورة بعض الجُمل هي أجزاء من الحكاية ..



بدا الأمر لي كأني في حلم ؛ فهذه هي المرة الأولى التي أقف فيها محاورا ..
وها هو العم أبو سليم يقف الى جانبي ، يحاورني ، يسألني ، بل ويحثني على اختيار
كتاب دونما تدخل... فكيف أنسى هذا المشهد وتلك كانت المرة الأولى التي قمت فيها بالاختيار ؟
وكانت المرة الأولى أيضا التي لم تُلقى فيها عليّ الأوامر من احد ؛ رحمه الله لم يسألني لماذا اخترت هذا ..
ولكنه نبّهني الى ان هذه القصة هي جزء من قصص " لملحمة " شعرية لقصاص يوناني " ، ولم أكن
اعلم حينها عما كان يحدث ولكني كنت أُومئ برأسي لأختصر الوقت .. وها أنا اجلس على مقعد
خشبي صغير في إحدى الزوايا أتصفح الكتاب وحيدا والسعادة تغمرني فقرع الجرس ..
جريت بسرعة والكتاب بيدي لأسلمه " للناظر " فلم أجده هناك ، فارتبكت قليلا ..
ثم خرجت مسرعا وأنا أتصارع مع نفسي ، أأرده أم استسلم لرغبتي بمواصلة المطالعة ..!

مع ذلك فإني أقنعت شقيقتي بالاستدانة منها فوافقت بشروط أهمها هو أن اتركها
تلعب مع زميلاتها في المدرسة وأن ترافقهن في طريق العودة إلى البيت بعيدا عن
مراقبتي فلوت ذراعي ووافقت . ودفعت >> وكانت تلك أول مرة ادفع فيها من اجل كتاب .

عبدالله الخطيب 14 / 05 / 2010 51 : 05 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 
رائع جداً أستاذ رأفت..
أختيارك لأول كتاب كان موفق جداً في نظري.. خصوصاً و أن القارىء هو طفل فلسطيني ما زال في بداية المعاناة..
أختيارك لهذا الكتاب له بعد رمزي واضح و كبير في هذه الرواية الحقيقية.

"هل نحن بحاجة لحصان طروادة اليوم لأستعادة ما سُلِب"؟

أعتزازي و تقديري

رأفت العزي 15 / 05 / 2010 12 : 10 PM

رد: واقع يلفه الحلم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الخطيب (المشاركة 72262)
رائع جداً أستاذ رأفت..
أختيارك لأول كتاب كان موفق جداً في نظري.. خصوصاً و أن القارىء هو طفل فلسطيني ما زال في بداية المعاناة..
أختيارك لهذا الكتاب له بعد رمزي واضح و كبير في هذه الرواية الحقيقية.
"هل نحن بحاجة لحصان طروادة اليوم لأستعادة ما سُلِب"؟
أعتزازي و تقديري

الحبيب عبدالله
إن قلت لك إنك تمتلك عينا صقر ترى الُجملة وتنقض تلتقطها حتى لو كانت كما الطريدة مموهة ومرمزة
ولكن مع الأسف يا صديقي أعتقد أن الخدعة قد لا تتكرر مرتين وبنفس الأسلوب فجزء قد انكشف والثاني أُسِر
أما اختياري فكان صدفة ولكنه كما تفضلت بالفعل موفق أسس لعشقي للتاريخ .

استاذي الفاضل والله انك تغمرني بكرمك \ وفي ايميلك الصورة التي وعدتك وكانت بالأمس مع استاذي مدارس :)

تحياتي واحترامي ومحبتي

رأفت العزي 15 / 05 / 2010 12 : 10 PM

رد: واقع يلفه الحلم
 
>>>>>>>>>>>>>>>> للراديو شرور ! <<<<<<<<<<<<<<<<<<<
تجاوزنا الوقت على غير العادة ، ولم يقرع الجرس ؛ فجميع الأساتذة في حركة دائمة ..
يدخلون ويخرجون من غرفة إلى أخرى .. يراوحون في المكان .. يتهامسون ، ينظرون
في ساعاتهم ثم يتلفتون وعلى وجوههم علامات الغضب ونحن التلامذة نراوح في نفس المكان ولا يقرع الجرس .
لا نعرف ما الذي أخرهم في إدخالنا غرف التدريس ؛ وبدأنا بالتساؤلّ :
هل توفي احد وجهاء المخيم أو مات احد الأساتذة .. ؟ !
الدفن عادة ما يكون بعد صلاة الظهر او العصر ، وغالبا ما تتوقف الدروس
عند مرور موكب الجنازة الذي يمر أمام المدرسة .. !
أين المدير ؛ لم يظهر كعادته اليومية والوقت قد تجاوز التاسعة صباحا ..؟
أسئلتنا تزداد مع مرور الوقت .. وتخميناتنا تذهب في اتجاهات عدة لم يقطع سيلها
سوى ظهور المدير بوجهه الصارم فأعتلى سلّمه الأثري وأخذ يخاطبنا بنبرة غاضبة وقال :
- " اليوم هو يوم إضراب . يوم احتجاج . ولن يكون يوما تعليميا كالمعتاد " !
فرح معظم التلامذة لهذا الخبر.. وحصل هرج ومرج فأنصت التلامذة أستاذنا " ألأسدي "
وطلب الإصغاء للمدير الذي استرسل أكمل : - " إن مصر كما تعلمون تتعرض اليوم لعدوان استعماري وحشي ،
ويجب علينا الاحتجاج .. ويجب ..... و ... و .. "
معظم التلامذة لم يسمعوا بأخبار العدوان ألا أنهم يعرفون ما معنى الكلمة بالرغم من عدم
تجاوزهم الصف السادس .. ولكن إن لم يتناقل الأهل هذا الخبر بعد سماعة بواسطة الإذاعات
فكيف يعرفون ..! وأصلا كم كان عدد الذين يملكون هذا الجهاز الضخم الذي يُسمى الراديو من سكان المخيم ..؟
وها هو المدير يكرر :
- " انه يوم إضراب ، و سنخرج بانتظام . وان التظاهرة سوف تعبر حدود المخيم باتجاه المدينة لتلتقي
مع تظاهرة أخرى من أبناءها الصيداويون .."
إذن .. انه يوم إضراب وتظاهرة أيضا ...؟ !
يا لسعادتنا العارمة ، انه يوم الفرح العظيم بالنسبة لنا نحن الأولاد .
سنمشي خلف الأساتذة ونهتف بشعاراتهم ، سنجمع بعض النفايات
ونشعلها وإن وفقنا سنحصل على " كاوتش " لإطار دراجة هوائية
لتشاركنا إعراس النار والدخان ؛ والأهم ... قد نوفق ونرمي بعض
الحجارة باتجاه قوات " الدّرك " والتي سوف تفرقنا بالتأكيد
بعد إطلاق أعيرة نارية من بنادقهم باتجاهنا ، فنزداد إثارة ونزداد عنفا
وبالتالي تزداد متعتنا ؛ كل ذلك بالنسبة لنا نحن الأولاد هو
جزء من لعبة مثيرة تتكرر باستمرار مع كل مناسبة .
وبالفعل انطلقت تظاهرة ضخمة من عمق المخيم وانضمت مدرستنا إليها
واختلطنا رجالا ونساء وأطفالا يهتفون بشعارات مختلفة ضد الإنكليز
والفرنساويون وبالطبع ضد العدو الإسرائيلي ؛ وقوات الدرك المعززة
بقوات امن جديدة حاولت منع التظاهرة أو إيقافها عند حد المخيم فلم تفلح
في بداية النهار .. ولكنها استطاعت تفريقها بعد ساعات قليلة
واعتقلت بعض الشبان المشاركين فيها ، أولئك الذين أصروا
على إكمال التظاهرة لتصل إلى غايتها .
وفي المساء كان الناس يتجمعون في الديوان وأمام ساحته الصغيرة، وكانوا يتهامسون
ويلحون على الأمير أبو علي بفتح الراديو قبل موعد نشرة الأخبار .. و كان يأمر الجميع
بالهدوء والصمت والصبر حتى يحين الموعد ، حيث بدا حينها أن كل الأذان صاغية إلى ما
يُذاع في التوقيت اليومي للأخبار ، يليها التعليق السياسي ؛ و لكن ذاك اليوم كان التعليق يُذاع
قبل الأخبار ولا يتوقف وكان يُلقى بنفس صوت المذيع ولكنه اليوم أكثر حماسة عما قبل فالصوت
نعرفه جيدا .. انه " احمد سعيد " وإذاعة صوت العرب من القاهرة .
ولكن لماذا هذا العدد من قوات الدرك .. وهل يحتاج إقفال الراديو إلى نصف كتيبة ..؟!
الراديو ؟ !! نعم .. أحبوه فغنوه :
" ما دام يذيع الأخبار ، ما دام يكشف لإسرار ،
ما دام صوت الأحرار .. مادام يفضح لاستعمار؛
يحيا الراديو .. يحيا الراديو ...!
لكن الأمر آتى حاسما بإقفاله ومنع التجمع والسهر أيضا .. ! أما الديوان فليبقى ولتبقى ناره
شاعلة والقهوة كلها احتساها رجال الأمن الساهرين على مراقبة الناس .
سرت بعض الإشاعات في تلك الليلة أن جهة ما قد بدأت بتنظيم حملة داخل المخيم لمتطوعين
من اجل القتال إلى جانب إخواننا المصريين ، فقوات العدو الإسرائيلي التي قامت بإحتلال سيناء ،
وفّرت فرصة التدخل لفرنسا وبريطانيا وقاموا بالعدوان على مصر واحتلوا منطقة قناة السويس
ومدنها الكبرى تحت ذريعة " أن مصر فرضت سيادتها " على أرضها وأعادت ذلك الممر المائي الحيوي المسروق .
وكنا في بداية العام الدراسي الجديد أواخر شهر اكتوبر / تشرين الأول في العام 1956 .

رأفت العزي 17 / 05 / 2010 33 : 12 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 
>>>>>>>>>>>>>>>>>>> الخطر الأحمر ..؟! <<<<<<<<<<<<<<<<<<

في اليوم التالي .. وعندما ذهبنا إلى المدرسة وجدنا أن جميع أساتذتنا قد تم اعتقالهم من قبل السلطة ,,
ليس فقط بسبب مشاركتهم بتظاهرة الأمس إنما على خلفية انتماءاتهم
الحزبية . فمنهم " القوميون العرب و البعثيون والقوميون السوريون
( لا يعلنون انتماءهم فالحزب كان متهما ان بريطانيا كانت خلفه ! )
وحزب التحرير الإسلامي ومنهم من لا ينتمي الى أي حزب .. أما تهمتهم عند السلطات
اللبنانية الأساسية كانت انهم : "شيوعيون علما بأنه لا يوجد شيوعي واحد في كل المخيم على الإطلاق ..
ولكن لماذا " شيوعي بالتحديد " ؟!
حتى ألأستاذ خير الله المنتمي لحزب ديني وكان يُكفّر الشيوعيين ولم يكن من محبي عبد الناصر ..
الا انه خرج بالتظاهرة وأعتقل مع المعتقلين .
وللمعلم " خير الله " – الرياضي تذكرونه - هذا قصة صغيرة مكررة مع الكثير من التلامذة كنت واحدا منهم :
انه في يوم ، اختارني مع بعض رفاقي ودعانا الى عدم مغادرة المدرسة عند نهاية اليوم الدراسي لأنه - كما قال -
سنقوم بحملة تنظيف شاملة في المدرسة داخل الصفوف وخارجها ..
وقام بإغرائنا -إن كنا مطيعين - بحفنة من " الزبيب !
فسال لعابي من اجل - الحبيب - الزبيب ؛ وتمنيت لو أنظف نصف
المدرسة كل يوم من اجل الحصول على حفنة من حبات العنب الأسود
المجففة التي يسمونها زبيبا ، لقد تشرفنا بمعرفته وتذوقه لأول
مرة منذ سنتين خلت ؛ فمن اجله , قمنا بالكنس والتنظيف والتنظيم
بهمة ونشاط وضمير مرتاح ، وقبل ان نكمل عملنا امرنا الأستاذ
الأستاذ بإنهاء عملنا الذي بدأناه، ثم أدخلنا إلى إحدى الغرف .
لم ينطق كلمة حتى اقفل بابها فاعتقدنا أننا فشلنا بالمهمة !
ولكنه سرعان ما بدأ يحدثنا بكلام لم نكن نفهم
بعض مصطلحاته ، ألا أن مضمونه - كما فهمت
انه يجب علينا ان نكون من المسلمين الصالحين ...
جيد ، إنه كلام طيب ، ولكن الزبيب حينها كان اطيب .. !
شخصيا ما أحببت حديثه قط ، لأنه ذكرني بحديث والدي وحديث الشيخ عمر .. !
ف مواعظهم تلك - متشابهة - ولكنها لا تنسجم مع تصرفاتهم !
ولكن عليّ بالسمع والطاعة ، فكلما تحدث المعلم أهز برأسي
وأنظر إلى وجهه لعله يراني .. وكلما أدار وجهه باتجاهي أزيد من الهز
- هزّ رأسي طبعا - و أرسم على وجهي أحاسيس كاذبة لكي يرضى ..!
ولكنه أطال الحديث فشعرت كباقي التلاميذ بالتعب والجوع حتى انتهى ولم يخلف
بوعده فأجزل لنا العطاء ، حتى امتلأ ت جيوب " مريلتي " .
فالزبيب في جميع الأحوال كان يوزع مجانا على جميع التلامذة
عندما توفرها " وكالة غوث اللاجئين " لنا..
ولكنه خصصنا بها لمآرب في نفسه ؛ لقد كان ذلك " كمينا "
محكما لاصطيادنا وإدخالنا من حيث لا ندري الى تنظيمه الحزبي والذي
عرفنا فيما بعد اسمه انه " حزب التحرير الإسلامي " فتطور
الأمر وأصبح يُخرجنا في رحلات منظمة خارج المدرسة ؛
الى بعض الضواحي القريبة ,, و كنا سعداء جدا خاصة عندما
نجتمع بشيخنا " رمزي " - مع انه من خارج سلك التدريس..
ولكنه كان مشرفا على تدريبنا على الإنظباط وإعدادنا إعدادا
جسديا ونفسيا وثقافيا كأننا جنود . تلك الثقافة التي لم احفظ من دروسها شيئا ..
ولم تزد من تقواي ومعرفتي غير ما كنت أعرفه .. فهل كنت حينها من الضالين ..!
جملة واحدة حفظتها عنه ورددتها كثيرا لاعتقادي بصحتها .. جملة واحدة قالها :
" لو لم يكن هنالك من جنة ولا نار قد لا نعبد الله "
ولكن صدفة ، وفي احد الأيام ، سألت الأستاذ صلاح عن صحة هذا الكلام فضحك وقال اسمع يا ولد :
- لو لم يكن هنالك من جنة ولا نار فهل تسرق ..؟
- لا.
- وهل تقتل او تعتدي على غيرك من الناس ..؟
- بالطبع لا .
- إذن ، كن إنسانا صالحا فقط وافعل ما هو حسن ،
ولا يعني ذلك أن لا تعبد الله يا بني !
على اي حال ... لقد تم اعتقال جميع الأساتذة في ذاك اليوم
بما فيهم أيضا الأستاذ خير الله على انه شيوعي كافر لعين .
فمضت أيام ، منهم من أُطلق سراحه ومنهم لم اعد أراه إلا بعد سنتين وأكثر مثل أبي .

رأفت العزي 19 / 05 / 2010 33 : 12 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 

أكثر من 200 من رجال المخيم سجنوا لمجرد انهم عبّروا
عن نيتهم في مشاركة اخوانهم المصريين بالقتال ضد العدو
الإسرائيلي والمستعمر البريطاني الفرنسي وليس هالمخيم ذا وحسب إنما فرضت
السلطة على أبناء ما يشبه قانون الطوارئ فالاعتقالات تتم لمجرد الشبهة ..
وتُلقي القبض على كل من يملك " راديو " ويستمع إلى صوت العرب – الإذاعة
المسموعة في بلاد الشام – ونشرت الوشاة على طول المخيم وعرضه ..
وأبي كان بعثيا منذ أن تأسيس الحزب وألقي القبض عليه باعتباره أحد أفراد
خلية سرية اتهمت بتهريب المتطوعين من لبنان إلى سوريا – يا للمفارقة - ... !
لقد كان حلم تحرير فلسطين في خمسينات القرن الماضي ما زال نديا
ومعظم جماهير شعبنا العربي من المحيط إلى الخليج كانت تواقة للثأر من
المحتلين الصهاينة .. واللحظة المناسبة قد أتت فماذا يمنع اللاجئين
الفلسطينيين أو غيرهم من أقطار العرب التطوع من اجل القتال طالما استأنفت
الحرب والعدوان على مصر وخصوصا عندما زاد عدد المتطوعين السوريين العرب
وسقوط عدد من الشهداء ابرزهم الشهيد " جول يوسف جمال " الظابط البحري
الذي استطاع مع رفاقه إغراق ا للسفينة الحربية جان بارت العملاقة، اول سفينة مزودة بردار
قي العالم، وكانت مهمتها عندما تصل بالقرب من شاطىء بورسعيد ان تدمر ما تبقى من المدينة
التي كادت ان تكون مدينة اشباح " هؤلاء الشهداء الذين أسسوا بالدم لوحدة مصر وسوريا
بعد عامين من ذلك التاريخ و أصبحوا خالدين في وجدان كل عربي .
لكن بعض السلطات في دول عربية ثانية كان لها حسابات أخرى .. فلم تكتفي السلطات اللبنانية
بالإعتقلات والتنكيل .. بل وبالنفي أيضا ووالدي كان من بين المنفيين خارج لبنان ولم يسمحوا له
حتى بزيارة عائلته .. والنفي عادة ما يكون باتجاه الحدود السورية ..
باتجاه الشرق هذا الطريق ما بين بيروت ودمشق أمته خلائق كثيرة وفي كل المراحل ،انه طريق ( مشقة الأخوة)
كما تم وصفه من قبل صحافي لبناني قديم ... أما بالنسبة لي ،فإن الأيام التي أكملت فيها سنتي الدراسية تلك ،
كانت أياما صعبة بكل معنى الكلمة ، شعرنا فيها بالمعاناة والألم والجوع والمهانة .. فمن كان باستطاعته إعالة 9 أنفس .. ؟
فوالدتي لم تكن غير سيدة منزل تنحدر من أسرة " حيفاوية " ( برجوازية ) ولا تستطيع ممارسة العمل المتاح في ذلك الزمن
كغيرها من النسوة في ورش البناء أو البساتين أو خادمة في البيوت .. وهي لا تعرف الحياكة أو الخياطة أو غيرها ..
وهي رحمها الله عفيفة النفس أبية فكان لا بد لها من اتخاذ قرار صعب بالنسبة لي ولها غيّر مسار حياتي ...
لقد توجب عليّ أن اعمل " مؤقتا حتى يعود ابيك " ، وسوف
لن يستمر هذا إلا لأسابيع كما كانت تقول رحمها الله ..
ولكن الوقت كان يمضي ... والأيام تمر وطال غياب أبي .
كنت خلالها اذهب باكرا في كل يوم وأقف أمام باب المدرسة قليلا دون ان ادخلها .. وكنت ابكي بكاء حارا حين أشاهد رفاقي
وهم يحملون كتبهم ويدخلون المدرسة ملوحين لي بأياديهم
فأسير وأنا محزون .. وكل ما مشيت خطوة التقي بأولاد في مثل عمري هم اشباهي
واعدا نفسي ومصمما على تعويض ما سيفوتني ومعهم أكمل الطريق نحو العمل ...!

:

تسعة أشقاء .. أربعه صبيان ، وخمسة بنات ، إضافة إلى أمي وأبي كنا نعيش في غرفة واحده في
"مجمع" سكني لا يبعد عن المخيم سوى أمتار قليلة . وهذا المجمع كان يقع على الطرف الغربي من المخيم
الذي أصبح اليوم من ضمن حيزه الجغرافي بعد توسعت مساكن الناس ! كان هذا المجمع يتألف من عشرة غرف
وهو بالأصل كان مسكنا لجنود الاحتلال الفرنسي للبنان منذ بداية العشرينات من القرن الماضي،
أستأجرها والدي بإجار شهري يبلغ ثماني ليرات لبنانية في ذلك الزمن – ما يعادل 5 دولارات -
مساحتها 28مترا مربعا وجدرانها كانت من أحجار الطين الذي تآكل بفعل التقادم الأمر الذي
كان قد خلق مناخا " طيبا " لتوالد الحشرات المختلفة وسمح لها بالتعشيش في ثقوبها المنتشرة في الجدران ...
تلك الحشرات التي كانت تشكل مشكلة كبرى لمعظم الناس في تلك الأزمان ؛
وهي حشرات مؤذية ماصة للدماء البشرية وتتغذى عليها والتي
عادة ما كانت تنشط إلا في سكون الليل .. (من يعرف حشرة " البقّ " يعرف عما أتحدث (
لقد كانت تبدأ بالزحف ليلا كأنها جيوش مدربة ، منظمة ، ومسلحة تسليحا متطورا ...
وكانت تبدأ بالهجوم المباشر وتزحف زحفا بطيئا كأنها كانت تعمل ضمن خطط عسكرية متطورة ..
و لم تكن تترك خلفها أي ثغرات لأنها كانت تعمل حساب التراجع والانسحاب بعد تأديتها لمهمتها القذرة ؛
فإضافة إلى القوة المدرعة من " البقّ " هناك قوة مظليين مؤلفة من نُخب " البراغيث " الرهيبة
فهي تهبط علينا ليل نهار ولا ندري كيف ومن أين ..!
فأجسادنا المتعبة كانت مساحات واسعة وسهله لعمل عدواني دون تنبه أو مقاومة تذكر منا،
لأنها - كما يبدو - ، كانت تعلم أننا نغط في نوم عميق ! وان انتشارها كان يمتد إلى كل النواحي
من أجسادنا الرطبة ، من الرأس حتى القدمين ، مما كان يسبب لنا الحكاك " اللذيذ " فتبرز بعض الدمامل
الصغيرة التي تدوم لوقت طويل ويوما بعد يوم ؛وان معظم الناس استسلمت لهذا القدر
الذي لم تنفع معه كل وسائل المكافحة المتوفرة في تلك الأيام ؛ والغريب أن هذا العدو كان لا يعرف الراحة ،
ولا يتقيد بهدنه أو يتفرغ لمناسبة تلهيه عنا ولو حتى لليلة واحدة على الإطلاق ...!
لكن والحمد لله ، كانت أواسط الخمسينات بداية النهاية تلك
الحشرات التي حكمت العالم لقرون طويلة من الزمن حيث
بدأت البشرية تتحد سويا من اجل مكافحته والقضاء عليه .!
فغرفتنا الوحيدة تلك ، كانت تتسع للعديد من الضيوف
في الأيام العادية ، فإن تعسّر الأمر فهي تتسع ... وتتسع ..!
فالزوار الجدد ، لا بد وان يُستضافوا على الأقل ولو لليلة
واحدة ناهيك عن الإقامة الطويلة .. والمشكل الثاني انه لم يكن فيها دورة مياه ؛
بل أن الماء لم تكن لتصلها أصلا .. وحاجاتنا الضرورية كنا نقضيها يبيت خلاء واحد ( أجلكم الله )
وكان يستخدمه جميع سكان ذلك المُجمّع ، كبارا وصغارا ، ذكورا وإناثا
كانوا يتسابقون إلى حجز أدوارهم تباعا ومنذ الصباح الباكر ..!
أما الذين كانوا لا يستطيعون صبرا ، وكانوا في عجلة من أمرهم فإن مساحة البستان القريب منا ،
كانت له ملاذا واسعا ، فأشجاره النضرة ، كانت سترا وفشت خلق ... ولا عجب في انك
كنت تشاهد بعض تلك الأشجار اكبر وانضج من رفيقاتها نتيجة لذلك السبب ...!
" ف الأرض ما بدها صلاة " يقول العم ابو جميل وهو يضحك !

عبدالله الخطيب 19 / 05 / 2010 55 : 03 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 
معك.. بكل جوانحي ايها الرائع.
عدت بي الى ذكريات أمي و أبي رحمهما الله.. الى أحاديث الجد و الجدة طيب الله ثراهم.
سردت بصدقٍ و أتقان.
رغم الذل و المعاناة و ضيق حال اللاجئيين إلا أن أمالهم بقيت حية، حتى لو معلقة كقشة بشخصية سياسية وطنية مثل شهيد الأمة العربية جمال عبد الناصر.
الى الأن ما زال يحذوهم الأمل.

كل المحبة

رأفت العزي 20 / 05 / 2010 31 : 01 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الخطيب (المشاركة 72944)
معك.. بكل جوانحي ايها الرائع.
عدت بي الى ذكريات أمي و أبي رحمهما الله.. الى أحاديث الجد و الجدة طيب الله ثراهم.
سردت بصدقٍ و أتقان.
رغم الذل و المعاناة و ضيق حال اللاجئيين إلا أن أمالهم بقيت حية، حتى لو معلقة كقشة بشخصية سياسية وطنية مثل شهيد الأمة العربية جمال عبد الناصر.
الى الأن ما زال يحذوهم الأمل.
كل المحبة


أخي الحبيب عبدالله
أحزنتني كثيرا رحم ربي والديك وأسكنهما فسيح جنانه فوالله لم تطل معاناة شعب في الدنيا كمعاناة شعبنا .. قد تُحتل شعوب
وتُهدم مدن وتطول حروب سنة اثنتين عشرة فينتهي الإحتلال وتنتهي المعاناة ولكن أن يُسلخ شعب من ارضه وتدوم حروبه
لأكثر من مئة عام ويشرد في أصقاع الدنيا وتموت الناس أغراب الأخ لا يشارك جنازة أخيه والأب لا يحضر فرح بنيه فهذا
لم يحصل لا في الشرق ولا في الغرب وما نزال يحذونا الأمل فعلا وترفض ذاكرتنا النسيان .

أخي الحبيب عبدالله لا اعرف كيف أشكرك على كرمك هذا الذي يشد من عضضي فأواصل الكتابة
شكرا لك الف الف شكر وتقبل مني عظيم التحية والاحترام

رأفت العزي 21 / 05 / 2010 38 : 02 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 
.............................ارضك ما بدها صلا ............................
يبتسم العم ابو جميل وهو - البستاني العتيق - ويردد رواية
على ذمته، قال :
- الى جوار بستاني هذا / بستانا آخر كما تعلمون ، يعود بملكيته
الى كاهن البلدة - كان قد ورثه عن والده الذي مات في منتصف القرن الماضي .
وكان هذا الكاهن شابا في مقتبل العمر لا يعلم عن أمور الزراعة
شيء ولا يريد أن يَسأل ... !
- " أليس هو الكاهن .. وهو الذي يجب تسأله الناس ؟! "
وكان صاحبنا - يضيف العم أبو جميل متهكما
يأتي كل يوم الى بستانه وهو يحمل مبخرة
تتصاعد منها روائح عطرية تمجد الخالق ... ثم يقوم " بفلح "
البستان بقدميه ذهابا وإيابا وهو يتمتم ويتلو بصلاة بعد صلاة .
ثم يقوم بتبخير شجيراته القزمة القصيرة شجرة شجرة
لعلها تنموا وتعلوا لتصبح بمستوى أشجاري..!
يضيف العم ابو جميل قائلا :
- كنت أشفق عليه واردد في نفسي جملة كنت اخشي البوح بها
احتراما لرتبته الكهنوتية من جهة ، ولسوء فهمه ربما في
ما أريد قوله من جهة ثانية ..!
تتسع ابتسامته للحاضرين ثم يكمل :
- في يوم ، كنت اعمل لجهة الحدود المشتركة بيننا .
تلك الحدود التي كان يقطعها سياج شائك بين بستانينا
وكنت اكره هذا السياج ؛ هذا العائق الذي كان يصر على ترميمه
كلما تهاوى ، ولا يترك حتى ثغرة ليمر منها إنسان ضاقت به المساحات
يريد قضاء حاجته تحت شجرة من شجراته..!
مر بجانبي وكأني لم اطرح عليه السلام فتجاهلته على مضض
وتركته يبرطم بصلواته وأدعيته وهو لا ينفك يلوّح بالمبخرة
ويدفعها بيده في كل الاتجاهات لتغطي حتى أوراق الأعشاب ... !
ولا اخفي عنكم - يقول ابو جميل -
فان " الأبونا " يحمل في قلبه غيرة مني وحسدا على
بستاني دون ان يستطيع إخفاء ذلك ، بل انه كان يلمح الى
بعض معارفي إلى عدم عمق إيماني وقال انه كان يلاحظ ذلك
عندما اذهب لصلاة يوم الأحد فأقضى نصف وقت موعظته نائما
على حد زعمه ولا أُقدم على فعل " الاعتراف " في خلوته ..! .
أما أنا ، فكنت ألاحظ ، لا بل اشعر بضغينته تجاهي في أعماقي ؛
خصوصا عندما كانت يده تقترب من فمي أثناء" المناولة " بعد انتهاء الصلاة ...
وكنت اشعر انه كان يتقصد إفساد صلاتي لحرماني من نعمة رضا الرب .
مع إني كنت لم أوفر مناسبة إلا وحاولت فيها تقديم النصح له فيما
خصّ الزراعة ، لعله يغيّر موقفه اتجاهي ويشملني برعايته ودعواته المباركة ،
ولكنه كان كاهنا يتّبع النصوص - ولا أخفي عنكم - دون ان يفهمها ؛
فهو على اعتقاد راسخ ان الرب عاجلا أم آجلا سيُحل ببركته على الأرض
ولن يُخيّب رجاءه ..لذا .. فهو لا يستمع حتى إلى نصيحة احد .. فربما
باعتقاده قد تكون تلك ، ضلالة !!
مع انني من المؤمنين وأقرأ " الكتاب المقدس " ولكني لم أجد فيه إرشاد زراعي
ومع ذلك .. فأنا ثابت على إيماني .. وقد ترعرع بستاني ..!
وقد قررت في ذلك النهار - يضيف العم ابو جميل - أن أبُقّ البحصة من فمي
وأوصل إليه " الرسالة " وليحدث ما يحدث ...!
فما ان اقترب من الحدود المشتركة حتى تصنعت السعال ، وبدأت أهش
عن وجهي رائحة البخور ، وحاولت أن أبين له ان البخور " بخوره " على ما يبدو
كان فاسدا أوهو من النوع الرخيص!
ثم تطلعت اليه وخاطبته بنبرة عصبية غاضبة وقلت :
" يا بونا ... ! يا سيدنا ...! اسمعني مليح ولا تفهمني غلط ..
أرضك هذه ، بدها " ... " وما بدها صلا ! "
:
ضحك معظم الحاضرين إلا العم ابو جميل فقد سكت .
ثم نظر إلى معظم وجوه الأشخاص كأنه يقرأها .. فالسكوت
عند هذا الحد لا يعني أن روايته قد انتهت ..!
لأنه كان يعتقد ان بعضهم – أي الحاضرين - لم يكونوا ليفهموا
او ليستوعبوا ما كان يقصد .فان العم ابو جميل كان يريد التخفيف من
زحمة الوافدين الى بستانه ولا يريد مزيدا من الضغط
عليه " فالشيء إن زاد عن حده نقصّ " على حد قوله
وأراد أن تتوزع " بلاوي " الناس لتشمل بستان " الأبونا "
هو الآخر .. فمن جهة يفيد ومن جهة يستفيد " /
إستدرك العم أبو جميل ابتسم وقال : " بستانه طبعا " ..!
:
:
بالرغم من تكرار القصة على لسانه مرارا فإنه لا يملّ من ترديدها امام جيرانه
وزواره وقصده كان واضحا ويجب أن يفهموا ولكن دون إحراج ، بأن عليهم
التوجه نحو بستان " الأبونا " ليثبت نظريته حيث كان
يشترط انه و في غضون سنة واحدة ستتساوى أشجاره كاهن القرية
مع اشجاره دون جدال .
وفي أغلب الأحيان يغادر العم الياس " ابو جميل " المكان والإبتسامة المرة
لا تفارق شفتاه مع تميمته " اللآزمة " التي كان ما انفك يرددها وهو
يستدير واضعا يداه بشكل متشابك خلف ظهره ويقول : يلعن بَيّ اللي هجّركم بقر ..!

رأفت العزي 07 / 12 / 2010 13 : 03 AM

رد: واقع يلفه الحلم
 

احتدّت والدتي ذات يوم حين سمعت العم أبو جميل وهو يردد جملته المعروفة وقالت له وهي غاضبة :
نعم .. يلعن أبو هاللجئة اللي ضيّعت أصولنا ؛ ش بتعرف عن فلسطين والفلسطينية يا جار ؟!
ثم دخلت إلى غرفتنا وأجهشت بالبكاء ، بكت بحرقه ولكن بصوت منخفض وتسيل دموعها بغزارة
فاستغربت كثيرا لأني اعرفها قوية .
اقتربت منها وقبلت رأسها ويديها مرات ومرات ثم جلست إلى جانبها على الأرض والتصقت بها واضعا رأسي
على حافة احدى ركبتيها بعد أن جمعت جسمي وتكورت حتى التصق فخذاي بصدري فضمتني إليها
بشكل يريح رقبتي من التقوْس ثم وضعت يدها على رأسي وبدأت بنبش شعري وتفليته كعادتها
فشعرت بكثير من الحنان والدفء والسكينة التي ألقت بفضلها عليها ، سألتها فجأة :
لماذا خرجنا من فلسطين يا أمي ؟!
وبدأت تقص عليّ ما لم أكن أفهمه وقالت :


الساعة الآن 24 : 05 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية