![]() |
مذكرات سحاب
http://www.alamuae.com/gallery/data/...alamuae-65.jpg
مذكرات سحاب يقولون بأني مازلتُ صغيرة.. أجل أنا كذلك فسنواتي التسع قليلة بالنسبة لسنوات أعمارهم الطويلة كنخلة، ولكنهم يعرفون أيضًا بأني ذكية جدًا، وأفهم الكلام ولو تلميحًا، سمعتهم يقولون: (كونوا حذرين عندما تتكلمون أمام سحاب، فهي شديدة الانتباه، ولاتفوتها كبيرة ولاصغيرة دون أن تفهمها، وتعرف ماوراء القصد منها). أجل صدقوا، وكم تمنيت ألا أكون كذلك لأنه يسبب لي الكثير من جراح النفس لفرط حساسيتي تجاه ماأسمعه مما يقولون، خاصة أثناء كلامهم عن أمي المطلقة وعن أهلها، وأيضًا عندما يريدون القيام بعملٍ ما، ولايريدونني أن أكون موجودة ، فيضطرون لإخراجي من مجلسهم بحيل لاتنطوي علي، ويرجعون ذلك أحيانا إلى فطنتي المكتسبة من مورثاتي من أمي، فأهلها معروفون بالذكاء والعلم، بينما أهلي لأبي هم متوسطو العلم، لن أقول عنهم جهلة، ولكنَّ الدهاء لاينقصهم فيكون أحيانا في غيرصالحهم لقربه من الخطأ أكثرمنه إلى الصواب، ولكنهم يحسبونه الصحيح دائما خاصة ماتقوله عمتي الكبرى ربيحة، فرأيها أهم من رأي الجميع . 2 http://www.nooreladab.com/vb/images/...mor/more61.gif ذات يوم كنت وأختي سها نشاهد برنامج الأطفال في غرفة الجلوس، وكانت (زوجة أبي )ترضع أخي الصغير سامح، بينما جلست أختي هدى تلعب بدميتها الشقراء التي أحضرها لها خالها سعيد في عيد ميلادها أول أمس. أثناء مشاهدتنا البرنامج، استضافت المذيعة طفلة صغيرة حلوة الضفائر، تزين شعرها شرائط من الساتان الأحمر المزركشة بألوان فستانها المليء بالزهور، والورود الخلابة التي شممت رائحة عبيرها تفوح في أجواء غرفتنا الصغيرة من شدة تأثري بجمال الفستان وشرائط الساتان. تمنيت أن يكون لي فستان مثله، أوشكت دمعتي أن تنساب فوق خدي الذي تلون بحرقة الأمنية هذه، لكنني أمسكت الدمعة بجفوني وأنا أرى زوجة أبي ترمقني بنطرات غريبة، لحظات صمت مرَّت ثقيلة على نفسي طلبت مني بعدها إغلاق التلفزيون، والذهاب إلى غرفتي مع سها لتحفيظها دروسها بحجة أني أكبر منها بعام، وأسبقها بصفٍّ في المدرسة. التقطت دمعتي بباطن كفي وأنا أغادر المكان إلى غرفتي بصمت. انتظرت سها طويلا.. لم تحضر إلي.. صوت صاحبة الفستان المزهر يعود.. يعلو.. يخترق أذني، وهي تردد أغنية جعلت دموعي تتدفق ساخنة لم أستطع كبح جماحها المتوتر بالحزن والألم.. تسربت ملوحتها إلى فمي.. ألهبت تشققات شفتَي.. هيجتْ أنين روحي، فقررت كتابة مذكراتي كما تكتب صديقتي تالا مذكراتها. 3http://www.nooreladab.com/vb/images/...mor/more61.gif في المساء وبعد أن تأكدت من نوم الجميع، أخذت من حقيبة المدرسة دفترًا صغيرًا كانت المعلمة قد طلبته منا لكتابة الملاحظات على الدروس في البيت والمدرسة، وكان مايزال ممتلئا بالصفحات البيضاء، فقررت الكتابة في النصف الثاني منه، وهذا لن يؤثر على ماأكتبه في النصف الأول، خاصة وأن العام الدراسي أصبح على وشك الانتهاء . أضأت نور الغرفة الخافت، وجلست على حافة سريري بهدوء كي لاأحدث حركة قد توقظ سها من النوم، وتبدأ بالبكاء فتأتي خالتي وتؤنبني . بدأت أفكر في كل ماأذكره من أحداث مرت بي منذ أن وعيت الدنيا، وأنا في بيت جدتي لأبي بعد أن أخذوني من أمي عندما رفض أهلها إعادتها لأبي، وتم طلاقها وأنا مازلت جنينًا . قلبي الآن يرتجف خوفًا من أن تستيقظ خالتي، وتراني أكتب مذكراتي.. أنا لاأعرف ماهي المذكرات ولكن صديقتي تالا أخبرتني بأنها تكتب كل يوم مايحصل معها كي تتذكره في المستقبل، أعجبتني الفكرة، وبدأت الآن بتنفيذها والجميع نائمون .. بصراحة ما شجعني على الكتابة اليوم هو تصرف زوجة أبي معي وأنا أشاهد صاحبة الفستان المزهَّر في التلفزيون.. لقد شعرت بكسر خاطري من قبلها، فلو كانت هي أمي التي أنجبتني لاختلف الأمر كثيرًا.. كنت سأتدلل عليها كي أبقى أمام الشاشة، وأيضًا كنت سأطلب منها شراء فستان جميل مزهَّر، وشرائط ساتان مزركشة، وسألبس الفستان، وأزين جديلتي بالشرائط، وأغني أمامه، وهي تصفق لي سعيدة. لماذا ياأمي تركتِ ابنتك لزوجة أبيها؟ ماذنبي أنا كي يكون عقابك لأبي وعقابه لك بي؟ هاأنا وحيدة بيني وبين نفسي لاأحد يحس بوجعي.. كانت جدتي أرحم بي من زوجة أبي رغم أنها تخاف منه كثيرًا، فهي تعلم كم هو يحبني، ويغضب إن علم بما يضايقني، ولكنني لاأحب مضايقته، فلا أخبره بما يحدث في البيت أثناء غيابه ..سأنام الآن لأن قلبي يبكي وعيني تحرقني من النعاس. 4http://www.nooreladab.com/vb/images/...mor/more61.gif وقفت الليلة على شاطئ الحزن.. كان البحر هائجًا يهاجمني بأمواجه السوداء ذات الأنياب الطويلة، والأظافر الحادة كالذئب الذي افترس جدة ليلى. كنت أرى عينيه الحمراوين يتطاير منهما شررٌ مخيف يقع في قلبي حارقًا، فنوافذه وأبوابه ليست محمية بصاداتٍ من دفء وحنان تحميه من مهاجمة جيوش الألم له بكف الظلم من أقرب الناس لي . في هذه الليلة، وقبل أن أستلقي في فراشي، وألجأ إلى دفتر مذكراتي الصغير كاتم أسراري، كنت في غرفة الجلوس مع خالتي وأخواتي، فنظرت إلي بابتسامة رقيقة، وطلبت مني الذهاب للنوم دون أن تطلب من أختي ذلك.. خرجت من الغرفة دون اعتراض الذي لايحق لي أصلا، ذهبت إلى المطبخ لتناول كأسٍ من الماء، وأنا في طريقي إلى غرفتي سمعت خالتي تهمس لسها قائلة: سنأكل معًا آيس كريم عندما تنام سحاب. دخلت غرفتي حزينة، تخنقني غصة مفاجئة.. هاهي زوجة أبي تطردني من الغرفة بطريقة لبقة لتأكل الآيس كريم مع ابنتها، وهي تعرف مدى شغفي به، دون أن تفكر بالمساواة بيني وبين أختي، وبأنَّ أبي هوالذي يدفع ثمن الآيس كريم وليست هي، ولا أهلها. سامحك الله ياأمي ليتك تحضرين لي آيس كريم، سآكله هنا في غرفتي دون أن تراني زوجة أبي البخيلة. http://www.nooreladab.com/vb/images/...mor/more61.gif5 بدأت القصص التي عشتها سابقًا بالهجوم على رأسي الصغير، تطلب مني أن أسجلها في النصف الثاني من دفتر الملاحظات.. ولكنها كثيرة، ومتنوعة، ولكل قصة منها حادثة مختلفة، لذلك سأسجل مايخطر ببالي أولا، وأتمنى أن أكمل كتابة المذكرات كلها، ثمَّ أعطيها بعد ذلك لمدرستي علية في المدرسة، كي تحفظها لي عندها في خزانة الصف.. أنا أحب معلمتي كثيرًا فهي طيبة جدًا وحبوبة، وهي أيضًا تحبني، ودائمًا تناديني في وقت الفرصة، وتعطيني بسكويت بالشوكولا.. وهي دائمًا تقول لطلاب الصف كونوا شاطرين مثل سحاب. قالت لي ذات يوم بأنها تعرف أمي، فهي صديقة خالتي صباح.. وتزور بيت جدي لأمي دائما، فرحت كثيرًا عندما أخبرتني بذلك، وازددت محبة لها، وكثيرًا ما كانت تسامحني عندما أحضر إلى المدرسة دون كتابة وظيفتي بسبب أعمال البيت التي أساعد بها زوجة أبي، فأنا التي أجلي الصحون بعد الطعام، وأنظف البيت عندما تكون هي مشغولة بالطبخ.. كنت صغيرة جدًا عندما بدأت تعلمني كيف أجلي الصحون، فكانت تضع لي كرسيا صغيرًا لأقف فوقه كي أطال الحوض الذي أنظف فيه الصحون والكاسات، ولكن يدي صغيرة لاتستطيع تنظيف الطناجر الكبيرة، فكانت هي التي تنظفها. جلي الصحون والملاعق يؤلم الظهر بسبب الوقوف فوق الكرسي.. قلت لوالدي ذات يوم إن ظهري يؤلمني من تنظيف الصحون كل يوم، فغضب غضبًا شديدًا وقال لزوجته: مازالت سحاب صغيرة على مثل هذا العمل.. اتقي الله فيها، فقد يتعرض أولادك لمثل ماتتعرض له سحاب إن قدَّر الله فطلِّقتِ، أومتِّ بعد عمرٍ طويل.. فصرخت به قائلة: لا يا حبيبي، أنا لست كأم سحاب يأكل القط عشائي.. أنا مهري غالي ياأبا أولادي، وظهري قوي. فصمت والدي ولم يعد يقول شيئًا عندما يراني واقفة فوق الكرسي وأنا أنظف الصحون، فقد سبق له أن أجبرته المحكمة على دفع مهر أمي عندما طلبت منه الطلاق. 6http://www.nooreladab.com/vb/images/...mor/more61.gif استيقظت الليلة على صوت الرعد وكان النور مطفأ في الغرفة، ولكن البرق كان يضيء أرجاءها فأرى محتوياتها بشكلٍ واضح تمامًا.. كان باب الغرفة مغلقًا وأختي مازالت نائمة والبيت يسوده الهدوء.. أحسست بالخوف وأنا أسمع الرعد يتكرر، فأظن بأن الدنيا تنفجر وأن القيامة قد قامت فالصوت قوي جدًا.. نهضت من سريري، نظرت من النافذة إلى الخارج، فرأيت خيوط المطر تصل الأرض بالسماء.. أحسست بالخوف عندما فاجأتني خالتي وهي تفتح الباب وتسألني عما أيقظني باكرًا.. عقدت المفاجأة لساني فلم أجبها ، عدت إلى سريري، وتدثرت بغطائي.. فقالت لي: لاتغادري سريرك مرة ثانية كي لاتستيقظ أختك فتخاف من صوت الرعد، فسألتها بصوت هامس: هل سيستمر الرعد طويلا ؟ أجابتني وهي تغادر الغرفة: الله أعلم وضعت أصبعيَّ بأذني َّ لمنع وصول صوت الرعد وقرأت سورة الإخلاص، وصورة أمي التي ولدتني تجسَّد في خيالي. 7http://www.nooreladab.com/vb/images/...mor/more61.gif في بيت جدي لأمي التقيتها بعد فراق دام أكثر من ثلاثة أشهر.. أجل أكثر ربما أربعة. أحيانًا أفكر كيف تستطع أمي تحمل بعد ابنتها الوحيدة عنها كل هذه المدة! أنا أشتاق إليها كثيرًا، وأحبها كثيرًا، ولاأدري لماذا لاتطلبني لزيارتها كل يوم جمعة مثل أم صديقتي نهاد سالم، فهي ترى أمها كل يوم جمعة، وأحيانا أكثر من مرة في الاسبوع، تأخذها إلى حديقة الحيوانات فترى القرد والغزال ـ والطيور والأسماك والقط سوني، هي أسمته سوني لأنها تلاعبه وهو في القفص، وذات مرة خرمش يدها بأظافره، أتمنى أن تأخذني أمي إلى هناك لأرى سوني وألاعبه ولكن دون أن يخرمش يدي. نهاد أيضًا مثلي والداها مطلقان، وهي تعيش في بيت أبيها، وكثيرًا ماتحدثني عن ظلم زوجته لها، وأحيانًا تتعرض للضرب من أبيها إذا لم تقم بمساعدة زوجته، أو إذا ردَّت عليها بكلمة تزعجها.. أحمد الله أن أبي لايضربني، ولايسمح لأحد بضربي، ولكنه لايعلم بأنه السبب في حزني الدائم.. ليته يعلم فيعيد أمي إليَّ، فهي مازالت في بيت جدي، ولم تتزوج كأم نهاد.. أحب أمي وأبي ولكني أتساءل عما إذا كانا يحباني كما أحبهما، فلو كانا فعلا يحباني فلماذا تطلقا، وجعلاني أحرم من عطفهما معًا؟ ليت أمي تعود لأبي وتنجب لي أخًا وأختًا، وتذهب زوجة أبي إلى بيت أهلها دون أن يذهب معها أولادها فهم أولاد أبي ومن حقه الاحتفاظ بهم معه.. 8http://www.nooreladab.com/vb/images/...mor/more61.gif طرد أبي زوجته وقرر إعادة أمي إلى البيت، كنت فرحة جدًا بينما كانت سها و هدى وأخي سامح يبكون بصوت مزعج، وأنا أحاول أن أصبرهم ريثما يأتي والدي ومعه الطعام لنا.. ذهبت إلى المطبخ لتحضير بيبرونة سامح، ووضع الحليب فيها ليسكت.. وعندما بدأ يرضع منها صرخ بصوت عالٍ، وأزرق وجهه،وانهمرت الدموع من عينيه الجاحظتين، وفتح فمه، خفت كثيرًا، وظننت أنه يختنق بالحليب الساخن جدا، بينما راحت سها وهدى تبكيان.. لم أدرِ ماذا أفعل بهذه الورطة، فرحت أصرخ بأعلى صوتي ماما..ماما.. ماما.. شعرت بيدٍ فوق رأسي وصوت يناديني.. سحاب.. سحاب.. مابك؟ فتحت عيني فوجدت خالتي أمامي وهي تحمل سامح فسألتني: مابك لماذا تنادين ماما? حتى في المنام تفكرين بها؟ فقلت لها وأنا أبكي.. كان حلمًا مزعجا.. أرجوكِ لاتتركي البيت، فنحن بحاجة لك .. ابتسمت بسعادة وناولتني كأسا من الماء كان فوق المكتب وقالت :لاتخافي لن أترك البيت أبدًا .. حمدت الله على أن مارأيته كان حلمًا، وعدت إلى النوم وقلبي مطمئن، ولكنني حزينة لأن أمي لن تعود إلي . 9http://www.nooreladab.com/vb/images/...mor/more61.gif قلت لأمي وأنا أمسك يدها بما لدي من قوة خشية أن تفلت من يدي الصغيرة :أريد أن أكون معك هنا في بيت جدي فأنا أشتاق لك كثيرًا ياأمي وأحب أن أناديك بأمي لأنك كذلك أما زوجة أبي فليست بأمي.. أحس بأنني أسخر من نفسي ومنها وأنا أقول لها أمي ..نظرت في وجهها فرأيت دموعها تجري فوق خديها.. تأثرت لأني كنت السبب في بكائها، فتطاولت على رؤوس أصابع قدميْ، ومددت يدي كي أمسح بها دموعها، أحسست بسخونتها، فرحت أجمعها وأمسح بها وجهي، فنظرت إلي وسألتني: بحيرة: ماالذي تفعلينه ياسحاب؟ أجبتها: أمسح وجهي بدموعك الغالية ياأمي، فأنا لاأريد أن يسعد بها غيري . فسألتني: وهل دموعي تسعدك ياابنتي؟ أجبتها: نعم ولا. فسألتني: كيف هذا؟ أجبتها: نعم لأنها دليل حبك لي، ولا لأنها دمعة حزن .. ضمتني إلى صدرها الدافئ الحنون الذي أحلم به في ليالي البرد، فأحسست بأنَّ لي صدر أمٍ بوسع الدنيا.. 10http://www.nooreladab.com/vb/images/...mor/more61.gif أمي أجمل امرأة في العالم.. أحب ابتسامتها التي تشبه نور الشمس لأنها تدخل قلبي المسكون بالحزن فتضيئه.. وجهها أجمل من البدر لأنها تبتسم لي في ليالي أحلامي المخيفة فيطمئن قلبي.. يداها أرق من أيدِي النساء ، فبها تمشط شعري وتغسل وجهي، وتطعمني كل ما أطلبه منها.. يارب أعد إلي أمي.. دائمًا أرجوها أن تعود إلينا، وتعيش معنا في بيتنا مع أبي، ولكنها ترفض ذلك، وعندما أسألها عن السبب تقول لي:عندما تكبرين ياسحاب ستعرفين كل شيء ياحبيبتي .. أعرف بأن أمي تحبني ولكن هل من تحب أبنتها تتركها تعيش مع امرأة غريبة وتقول لها أمي ؟ أليس هذا ظلمًا؟ أحيانا أحس بالغيرة من أختي سها عندما تحضنها أمها وتقبلها، وأنا أنظر إليهما بحزن، فتطلب مني الخروج من الغرفة، أوالذهاب إلى المطبخ لغسل الصحون، أو الذهاب إلى سريري للنوم.. بت أكره النوم كثيرًا فهو لايجلب لي غير الكوابيس، وأحيانا أرى أمي في المنام، ويدها تمسك بيدي، ونحن نركض معًا في حدائق مزهرة فيها أشجار عالية، وقمر ونجوم ، فتقطف لي الفاكهة فآكلها، وتقطف النجوم من السماء، وتزين بها دفاتري، فيدُ أمي تطالها.. يارب اجعلني أكبر بسرعة كي أعرف لماذا انفصل أبي عن أمي، فقد أستطيع الجمع بينهما عند معرفة السبب.. مازلت في بيت جدي ألاحق أمي خطوة خطوة في المطبخ، وغرفة الجلوس، وفي غرفة النوم وحتى وهي تتوضأ كنت أقف أمامها لأتعلم طريقة وضوئها التي لاتختلف عن طريقة وضوء أبي وزوجته.. بعد أن انتهت أمي من الوضوء رحت أتوضأ كي ألحق بها لصلاة العشاء.. كانت أمي قد بدأت بالركعة الثانية عندما أنهيت ارتداء ملابس الصلاة الخاصة بي، ووقفت باتجاه القبلة فوق سجادة صلاة صغيرة أحضرتها لي جدتي من مكة المكرمة، عندما عادت العام الماضي من الحج.. صليت فرض العشاء، وأنا أحس براحة كبيرة بين يدي الله عزَّ وجل.. أحبك يا ربي.. فساعدني بالإصلاح بين والدي فأنا أحبهما كثيرًا ولا أريد أن يظلا مفترقين خاصة بعد أن سمعت اليوم حديثًا يدور بين أمي وخالتي بشأن العريس الذي تقدم لخطبة أمي.. لاأريد لها الزواج من غير أبي.. لاحظت أمي حزني وهي تودعني عندما أمسك خالي محمود بيدي، وخرج بي من البيت ليوصلني إلى بيت أبي المعتم بما أعانيه من مشاكل الحياة.. بقلم زاهية بنت البحر (مريم محمد يمق) يتبع الحقوق محفوظة معدة للنشر الورقي http://zahya12.wordpress.com/%d9%85%...%d8%a7%d8%a81/ |
رد: مذكرات سحاب
أسجل حضوري يسعدني أن أكون أول الحاضرين وأنتظر الحلقة القادمة بفارغ الصبر أسلوب شيق جميل سلس يشد القارئ إلى نهايته مؤلم هذا السرد على لسان طفلة بريئة لا ذنب لها في طلاق الوالدين ومع ذلك فهي أكثر المعذبين في الأمر كله ليت جميع زوجات الآباء يتعلمون ماذا يجنون وبماذا يتجنون على هؤلاء الأبرياء شبهتني كثيرًا بقصة قصيرة سابقة ترجمتها لكِ "أنين الروح" بارك الله فيك أختاه |
رد: مذكرات سحاب
أهلا أهلا بالغالية أستاذة منى صدقت فأنين الروح هي إحدى مذكرات سحاب التي تفضلت مشكورة بترجمتها سابقا وقد لاقت نجاحا كبيرا سأنشرها في كتاب ورقي بإذن الله قريبا جدا صباح الخير ولسدني التي تضمك غاليتي كم تمنيت لو التقينا هناك ولكن خيرها بغيرها بإذن الله. أختك زاهية بنت البحر |
رد: مذكرات سحاب
الأستاذة الفاضلة زاهية بنت البحر.. تحية و تقدير تحاصرنا أنسانيتك المرهفة من بين كل حرفٍ و سطر.. فنلمس في الصميم قضية أسرية جوهرية، ضحيتها تلك الزهرة البريئة التي كان بأمكان والديها تفادي أمر الطلاق لو فكروا قليلاً بها. كل الألق لك سيدتي **** على الهامش: يا لتوارد الأفكار.. فأنا بصدد نشر نص قصة قصيرة جداً بعنوان "هواجس مشروعة" يحمل نفس المغزى. طبعاً.. الأن سيكون الأهداء "لسحاب" و لكي أختي العزيزة. |
رد: مذكرات سحاب
لازالت زوجة الأب في مجتمعاتنا تحافظ على تلك الصورة القاسية التي عهدناها في حكايا الطفولة مع أن الزمن تغير و الوعي ازداد و المجتمعات صارت أكثر انفتاحا و هذا أمر غريب ومؤسف في الوقت ذاته.
تحيتي لك أخت زاهية وبورك قلمك |
رد: مذكرات سحاب
اقتباس:
أهلا بك أخي المكرم عبد الله هذه المذكرات كتبتها قبل ثلاث سنوات ونيف استقيت أكثر حوادثها من الواقع، نشرتها في بعض المواقع وقد تخطت المئة مذكرة، نشرت بعض المذكرات منفصلة عن الأم وقد تفضلت الأستاذة منى هلال بترجمة واحدة منها (أنين الروح) أشكرك على حضورك الجميل وبانتظار قصتك التي لابد ستكون جميلة أختك زاهية بنت البحر |
رد: مذكرات سحاب
عندما قرات اول دفعة من القصة .. احسست بشئ يجذبني لإكمال جميع اسطرها....
الغريب .. انك كتبت أسطر من المعاناة المتكررة والمشاهد التي شاهدتها بعيني منها... فكانت تضع لي كرسيا صغيرًا لأقف فوقه كي أطال الحوض الذي أنظف فيه الصحون والكاسات، ولكن يدي صغيرة لاتستطيع تنظيف الطناجر الكبيرة، هذا المنظر.. شاهدته..وأنا في أحد الدول الــ ** وحزنت كثيرا...على تلك الفتاة الصغيرة.. وها هو المشهد يكرر نفسه في هذه السطور التي تلامس الواقع...وكأنها تجسد معاناة تلك الفئة وتلك الطفولة الضائعة بين براثن اللا قيم ولا أخلاق.. اسمحي لي بأن أسجل اعجابي بما عبر لنا قلمك عن واقع مرير.. بقدر ما اعجبني اسلوبك السردي الشفاف.. وكأن روح طفلة قد سكنت قلمك انذاك.. اعجابي وتحياتي |
رد: مذكرات سحاب
الغالية المحترمة : زاهية بنت البحر
خيط إنسانية رفيع , يشد أوصال قصة سحاب , ويشدني كي أكمل معك هذا العمل الباهر لك كل الإجلال والتقدير . |
رد: مذكرات سحاب
اقتباس:
أهلا بك أختي العزيزة أستاذة نصيرة تختوخ صدقت هي كذلك وستظل على ماهي عليه إلى يوم الدين إلا من رحم ربي. لي صديقة طفولة كانت تقرأ قصص حواء وكانت متاثرةجدا بما تقرأ، قالت لي ذات يوم : - أحلم بأن أتزوج رجلا له طفلة من أم متوفاة لأعوضها حنان الأم. سبحان الله حقق لها ماتمنت، ولكنها أخلفت ماوعدت، فكانت من أشد الناس ظلما للفتاة وقد روت لي لك الفتاة عندما كبرت ما يملأ رأس الصغير شيبا مما تجرعته من قسوة وعذاب من صديقتي العزيزة، كما روت لي أخت صديقتي مايؤيد كلام الفتاة، ولله في خلقه شؤون. أهلا بك ومرحبا أختك زاهية بنت البحر |
رد: مذكرات سحاب
ضمتني إلى صدرها الدافئ الحنون الذي أحلم به في ليالي البرد، فأحسست بأنَّ لي صدر أمٍ بوسع الدنيا.. ذكرتني مذكرات سحاب بصديقة طفولة لم ألتقيها منذ سنوات طويلة عايشت معاناتها عند إنفصال ابويها...كانت تقول لي " لا أرغب في هدايا و لا لعب و لا جولات بل ضمة صدر حنونة تكفيني...." شاهدتها يوما و هي تعانق والدها أمام المدرسة وهو يودعها...أحسست و هي تضمه كأنها تحاول أن تخزن دفأه و حنانه حتى لقاء آخر أشكرك أستاذة زاهية على روعة الأسلوب و القص و على انسانيتك التي غمرتنا بين سطور مذكرات سحاب و حملتني شخصيا إلى أغوار ذكريات قديمة سأنتظر بشغف بقية القصة لك تقديري و محبتي |
رد: مذكرات سحاب
الأخت العزيزة الأديبة الأستاذة زاهية بنت البحر
اسمحي لي أن أسجل تقديري وإعجابي بهذه القصة "مذكرات سحاب" وهذا السرد الجميل والأسلوب الشيّق , وهذه المعاناة الاجتماعية التي يعانيها شريحة كبيرة من أطفالنا , للأسف بسبب حالات الطلاق الكثيرة هذه الأيام . بانتظار الحلقات الجديدة , تقبلي فائق تقديري واحترامي ومحبتي . |
رد: مذكرات سحاب
http://www.alamuae.com/gallery/data/...alamuae-65.jpg مذكرات سحاب 11 أخبرتني جدتي لأبي اليوم بأن عمتي مهجة قد أنجبت بنتًا شقراء تشبهني.. فرحتُ كثيرًا بل طرت من الفرح، وطلبت من جدتي أن ترسل من يحضرني إليهم لأرى ابنة عمتي.. عمتي مهجة هي التي تعهدت تربيتي بعد أن أخذوني من أمي، لم تكن في ذلك الوقت قد تزوجت، فخصَّتني بحنانها وعطفها، وكنت أناديها بأمي، وبقيت معها في بيت جدتي إلى أن تزوجت، فأخذني والدي للعيش معه في بيته حيث سها وهدى ولم يكن سامح قد ولد بعد.. بكيت كثيرًا عندما أخذوا مني عمتي مهجة، فقد كانت صدر الحنان الذي عوضني فقدان الأم وحنانها، لم تشعرني عمتي مهجة بأنني عبء عليهم بل كانت تدللني وتحضر لي الحلويات والملابس الجميلة، وتصحبني معها أينما ذهبت، فبقيت مع جدتي العجوز وجدي إلى أن قرروا إلحاقي ببيت والدي.. أحس بأن الجميع يحبني ولكنه حب شفقة لما أنا فيه من وضع لاأحسد عليه.. أسرعي ياجدتي أريد رؤية ابنة عمتي مهجة سأحبها كما أحب سها وهدى وسامح.. وعندما رأيتها لاأدري لماذا انتابتني نوبة بكاء أخافت عمتي، فضمتني إلى صدرها وقالت لي: سحاب، نسمة هذه أختك الصغيرة، وسأحبكما معًا، رغم أنك سبقتِ نسمة بسكنى قلبي.. 12 فكرت اليوم بترك كتابة مذكراتي فقد مللت منها، وتعبت من تذكر أحداثها المؤلمة، وسألت نفسي عن الفائدة التي سأكسبها من وراء كتابتها فهي ستظل سجينة الدفتر، ولن يقرأها أحد غير معلمتي، ولكنني سأكون في موقف حرج إن رأتها زوجة أبي، وقرأت ما كتبته فيها عنها، فإنها ستقيم الدنيا فوق رأسي، وستنتف شعري، ولن تسامحني أبدًا، ولكن ربما يشفع لي عندها عدم ذكري لما فعلته بي يوم حبستني في البلكونة مع الصرصور الطيار، وأنا أصرخ خائفة، وهو يحلق كسوبر مان في أجواء البلكونة الضيقة.. كان يومًا قاسيًا كدت أفقد فيه عقلي، بل كدت أموت خوفًا من هذا الصرصور الكبير الحجم كجراده.. كانت تشاهدني من خلف زجاج الباب، وتشير لي تسألني إن أنا وافقت على جلي الصحون دون احتجاج، فأشرت لها بالموافقة، فأدخلتني إلى البيت قبل أن تخرج روحي من صدري على أن لاأخبر والدي بما حدث وإلا فإنها ستضربني، فوعدتها ألا أفعل، ولو انكسر ظهري من الوقوف على الكرسي أمام المجلى، وظل الدم يسيل من يديَّ بسبب التشقق الذي أحدثه فيهما معجون الجلي وقتًا طويلا لم يلحظ أبي منه شيئًا.. 13 الضجيج يملأ بيتنا الليلة، فقد تجمع عندنا أهل زوجة أبي كلهم كبارًا وصغارًا، جاءوا ليحتفلوا بعودة سها من المستشفى بعد إجراء عملية استئصال الزائدة الدودية.. قامت خالتي بتحضير بعض المأكولات والحلويات في البيت إضافة لما اشتراه والدي من السوق.. زينتْ الغرفة التي سيتم فيها الاحتفال بالبالونات وأوراق الزينة، وأشترت لسها فستانًا جديدًا وآخر لهدى، أما أنا فقد أرسلت لي عمتي هيفاء فستان ابنتها لمى لألبسه في الاحتفال.. حزنت عندما وجدت الفستان واسعًا وطويلا جدا، لمى تكبرني بثلاثة أعوام، وفستانها لايليق بي لاختلاف المقاس.. نظرت في المرآة فوجدت كتفَي الفستان أعرض من كتفيَّ، والخصر واسع جدا، فشددت الحزام وربطته كي يبدو الفستان مناسبًا لخصري.. جاءت رحاب أخت خالتي، وسرحت لي شعري الأشقر، وعقصته بشكلة كبيرة تناسب الفستان الذي أرتديه.. وقفت مع المحتفلين بهذه المناسبة أشاهد مايجري، ولكن خالتي كانت تناديني كل دقيقة، وتطلب مني خدمة الحضور، أو الذهاب إلى قرب أخي الذي لم يهدأ طوال مدة الاحتفال، وبعدما ذهب الجميع ساعدتها بترتيب البيت، وتنظيفه وجلي الصحون بينما ذهب الجميع إلى النوم.. أحسست بالجوع يقرص معدتي، فأخرجت بعض الطعام من الثلاجة، وعندما وضعت أول لقمة في فمي دخلت خالتي المطبخ، ونظرت إلي بغضب وقالت: ألا تشبعين يابنت؟ ألا تعلمين بأن أهل والدك سيأتون غدًا وسنقدم لهم هذا الطعام؟ أجبتها: هذه أول لقمة أتناولها منذ الغداء، ونحن الآن بعد منتصف الليل، قالت بغضب: أتتهمينني بالكذب ؟ وقبل أن أجيبها كانت يدها تصفع خدي فتخرج اللقمة من فمي، وعيناي تذرفان الدموع .. 14 جلست منزوية هذه الليلة على غير عادتي بوجود أهلي لأبي عندنا في البيت.. حاولت جدتي إخراجي من صمتي المقلق فلم تنجح، فاقتربت مني عمتي مهجة وسألتني بصوت منخفض عما بي فلم أجبها. ملأت لي صحنًا من الطعام الذي أحبه، فرفضت أخذه منها.. سألني والدي عما بي فلم أنطق بكلمة، حاول جدي العجوز إضحاكي ببعض النكات فلم أضحك.. كانت زوجة أبي ترمقني خلسة من بعيد، وعندما تلتقي عيوننا كنت أطبق جفوني.. اقتربت مني بهدوء، ولكزتني بكوعها في خاصرتي وهي تبتسم للحضور، فتعمدت الصراخ أمام الجميع كي أعلمهم بما فعلت بي.. أصاب أهلي القلق من جراء صراخي المفاجئ، فأسرعت عمتي مهجة وضمتني إليها وسألتني عما بي، فقلت لها بصوتٍ مرتفع وأنا أجهش بالبكاء: لكزتني في خاصرتني فآلمني قلبي.. فتعالت أصوات الاستنكار وكلمات التوبيخ لها مما جعلها تترك المكان إلى غرفتها، وكان أبي في موقف حرج لايحسد عليه محتارًا بين زوجته وتوجعي وأهله .. 15 لن أسكت لها بعد اليوم فماتفعله بي لايحتمل.. لاأدري لماذا لاتعامل ابنتها كما تعاملني ونحن متقاربتان سنًا، أنا لست خادمة لها ولا لأولادها. صحيح أنا أحب سها وهدى وسامح، ولكني لست خادمة لهم، ولسوف أتحداها كما فعلتُ اليوم إن هي عادت لمضايقتي.. سمعتها ذات يوم تطلب من والدي أن يعيدني إلى بيت جدتي، ولكنه رفض فهو لايريد أن يربي أولاده متفرقين، ليتك قبلت عرضها هذا ياأبي ليتك.. كنت سأتفرغ حينئذ لدراستي لالجلي الصحون وتنظيف أرض البيت بمكنسة تقارب طول جسدي الصغير. لقد طلبت مني ذات مرة أن أكوي بعض ملابس هدى فاحترق فستانها الأخضر، وعاقبتني بحرماني من مصروف المدرسة رغم أن أبي كان يضع النقود في يدي قبل أن أذهب إلى المدرسة، فكانت تلحق بي إلى باب البيت وتعطيني لفافة خبز فيها زعتروزيت، وتسترجع مني المصروف، وهددتني بالضرب إن أنا أخبرت والدي بذلك فلم أفعل.. ياربي أحس بالألم يقطع قلبي كلما فكرت بما أنا فيه.. وكثيرا ما أتمنى أن أكون مثل بقية الأطفال الذين يعيشون بين أبويهم فلا ينكد حياتهم مايزعجهم.. 16 جهزت ثيابي وكتبي في حقيبة صغيرة أخذتها معي إلى بيت جدتي بعد أن عادت زوجة ابي إلى البيت بشرط ألا أكون فيه، اضطر والدي للرضوخ لما تريد من أجل سها وهدى وسامح، فقد رفضت جدتي لأبي العناية بهم، فهي امرأة متقدمة في السن وصحتها لاتسمح لها بذلك. أخبرني أبي ونحن في طريق ذهابنا إلى بيت جدتي، بأن بقائي عندها لن يدوم طويلا، وسيعيدني إلى البيت عندما تهدأ أمي وتنتهي المشاكل التي حصلت بسبب سوء التفاهم بيننا.. أبي يقول بأنه سوء تفاهم، ولكن هل يستمر سوء التفاهم بين امرأة طويلة و طفلة صغيرة مثلي سنواتٍ تقارب نصف عمرها ؟هذا ماأذكره من تصرفاتها معي، وما جهلته ربنا وحده يعلم به.. فرحت وأنا أدخل بيت جدتي التي استقبلتي بأحضانها الحنونة وحمدت ربي أن خلَّصني من ظلم زوجة أبي. عندما رآني جدي في البيت زيَّنت ابتسامته وجهه المتعب، فهو يعاني من المرض منذ أكثر من شهرين..روعند الغداء وصلت عمتي بهيجة، ومها ابنتها الجميلة بسمة وجلسنا نتناول غداءنا الذي أحضرته معها من الطعام الذي أحبه، فهي تعلم بأن الملوخية هي أحب الطعام إلي.. مضى النهار وأنا ألاعب بسمة التي تشبه عمتي بهيجة، وسمعتهم أكثر من مرة يقولون بأنني أشبه إلى حدٍّ كبير عمتي.. 17 حكت لي صديقتي نهاد سالم قصة عجيبة تحدثت فيها عن فتاة شابة كانت تحب قراءة القصص كثيرًا، ومما قرأته قصة عن ظلم زوجة أب لابنة زوجها، فكانت هذه الشابة تبكي بحزن شديد على الطفلة المظلومة، فقررت أن تتزوج من رجل ماتت زوجته، وتركت له طفلة صغيرة كي تربيها وتعطف عليها، ومرت الأيام وحقق الله لها أمنيتها، فقد تقدمت بها السن ولم تتزوج إلى أن خطبها رجل توفيت زوجته، وهي تلد ابنتها، فرحت كثيرًا وحمدت الله لأنه حقق لها رغبتها، وسوف تقوم بتربية الفتاة أحسن تربية، وتعطيها من وقتها واهتمامها الشيء الكثير، وكان لها ذلك فقد أحبت الصغيرة ودللتها كثيرًا إلى أن أنجبت ابنتها الأولى، فبدأت تنفر من ابنة زوجها رويدا رويدا، وتبدلت معاملتها لها من المحبة واللطف، إلى القسوة والضرب، والفتاة صابرة حتى أن أهل زوجة الأب كانوا يشفقون على الصغيرة أكثر من ابنتهم، وظلت تذيقها مرَّ العذاب إلى أن تزوجت، فأراحها الله من زوجة أبيها الظالمة التي لم تتق الله.. عندما سمعت هذه القصة من صديقتي نهاد التي كانت تواسيني ونفسها سألتها: لماذا تغيرت معاملة زوجة الأب للصغيرة بعد أن أنجبت طفلتها الأولى؟ فقالت لي نهاد: لاأدري رغم أنها هي التي تمنت الزواج من رجل له طفلة أمها ماتت.. ظل هذا السؤال يشغلني ومازال وأنا أحاول أن أجد له جوابًا يريح قلبي من الحيرة . 18 وقفتُ أمام المرآة وأنا أمشط شعري الذهبي في بيت جدتي لأمي.. كنت سعيدة جدااليوم، لأن اجتماع خالاتي وأولادهم تقرر أن يكون يوم حضوري إليهم .. صحبتني جدتي إلى السوق، واشترت لي فستانًا جميلا كي أرتديه اليوم.. أحببته جدا فأنا التي إخترته شخصيًا بلونه الأبيض والزهري الساحر، كما اشترت لي شرائط من الساتان الزهري، فرحت أضعها فوق شعري أزين بها رأسي. مازلت أنظر في المرآة بإعجاب وفرح، ودون قصدٍ مني وقع نظري على صورة معلقة على الحائط المقابل للمرآة.. نظرت إليها فرأيت وجهي والصورة داخل المرآة.. رحت أنقل النظر بين أنا وصورة والدتي تلك.. لاحظت أنني أشبه أمي إلى حد كبير.. ما أجملك ياأمي وما أرق قلبك.. لاأدري لماذا خطر ببالي أن كره زوجة أبي لي، ربما كان بسبب هذا التشابه الكبير بيني وبين والدتي.. نعم ولمَ لايكون كذلك، فوجودي عند أبي سيذكره بأمي دائما، وهي تخشى أن يعود إليها ثانية قبل أن تتزوج.. يااااه ماأذكاني من فتاة.. سأعود إلى بيت أبي مهما كان الثمن، فقد أستطيع إعادة أمي إليه عندما لاتغيب صورتها بي عن ناظريه، خاصة وأنه كما سمعت من جدتي لأبي بأنه أرغم على طلاقها وهو مازال يحبها .. 19 هرب النوم من عينيَّ الليلة، وراحت الهواجس والمخاوف تلعب بي كيفما اتفق، وكأن لها أيد ضخمة، وأصابع طويلة ثخينة، تعلقني بها من شعري، وتأرجحني في الفضاء، وأنا خائفة أريد أن أصرخ، فلاأستطيع.. أحس بأن فمي مطبق وشفتيَّ قد أخيطتا بالصمت الرهيب.. الوحدة مخيفة.. تأكل الأعصاب وتهدُّ الحيل، وبيت جدتي واسع تحيط به النوافذ المطلة على الحديقة.. كنت أسمع صوت شخيرها وشخيرجدي يأتي إلى مسمعي، وكأنه صوت عاصفة كالذي نسمعه في المسلسلات والأفلام، حتى أني كنت أتخيله صوت شبح مبحوح يناديني كي يقتلني، فأدفن رأسي تحت الغطاء، وأصابع يدي في أذني ثم أنهض من سرير عمي هاشم المسافر إلى أمريكا، فأتمشى في الغرفة بعد إضاءة النور فيها علني أخفف عن نفسي من وطأة الرعب هذا، أو يوقظ النور جدتي فتأتي إلي.. أخيرًا لجأت إلى دفتر مذكراتي في محاولة للهروب مما أنا فيه، وجلست أسجل مايخطر ببالي علني أسلي نفسي بالكتابة ريثما يداهمني النوم، ويريحني من ثقل الهواجس.. شعرت بالوحدة تنهشني بأنياب الغربة عمن حولي.. وحيدة أنا دون أم ولا أب، يتيمة وهما على قيد الحياة، ترى أيهما أصعب بالنسبة للأولاد، موت الوالدين أم طلاقهما؟ 20 فرح أبي بعودتي إلى البيت كذلك سها وهدى، وعدت إلى جلي الصحون، وتنظيف الأرض، ولكن دون أن تطلب خالتي ذلك مني، فقد بدت لينة بعض الشيء بعد ماحصل سابقًا، ووافقت على عودتي إلى البيت بعد أن هددها أبي بالطلاق عندما طلبت منه جدتي وجدي ذلك، نزولا عند رغبتي وإلحاحي عليهما بدموعي الغزيرة التي تحزنهما. كان في رأسي بداية أن أنتقم لأمي بقهر خالتي زوجة أبي بعد أن فهمت لماذا تكرهني، وبدأت بالظهور أمامها دائما وأنا مسرحة شعري وابتسامة على وجهي دون أن أظهر لها تعبي، فوجدتها سعيدة بعكس ماكنت أتوقع، وراحت تمتدحني أمام والدي وتشيد بي وبما أقوم به من أعمال حتى أنها وعدتني بزيارة حديقة الحيوانات.. خاب ظني بي وبذكائي الذي حسبته عالي الكعب. ورحت أسأل نفسي عما إذا كانت تعرف أمي أو رأت صورتها يومًا.. لاأدري كيف سأعلم هذا، وأنا لا أستطيع معرفة ذلك منها، فقررت أن أسأل أبي هذا السؤال فهو يحبني ولن يغضب مني. أجابني ودمعة تلوب فوق جفنه.. لاياسحاب لاتعرفها، فقد أرسلت لأمك كل صورها التي كانت عندي لأنها لم تعد زوجتي فلا يحق لي رؤية صورها بعد الطلاق.. فقلت له: ولكنها أمي وأنت أبي فلم يحرم عليك رؤية صورها؟ أجابني بهدوء: قلت لك ياابنتي إن الشرع يحرم ذلك، ولو كان لنا مئة ولد، فبعد الطلاق تصبح المرأة كالغريبة عن طليقها، ولايحق له رؤيتها دون حجاب هكذا أراد الله عزَّ وجل.. تأكد لي الآن أنني كنت واهمة وأن تعبي ضاع سدى، ولكني حمدت الله عزَّ وجل على أنني كسبت رضاها بما قمت به من أعمال بيَّضت وجهي أمامها.. سأتابع ماأنا عليه وأحمد الله أن ألهمني فعل الخير، فقد كان لغاية في نفسي، فلم تتحقق ولكنني كسبت حسنات بها بإذن الله . بقلم يتبعزاهية بنت البحر الحقوق محفوظة |
رد: مذكرات سحاب
اقتباس:
أهلا ومرحبا بك أختي العزيزة أستاذة دينا الطويل القصة التي أكتبها جلُّها من الواقع القريب منى، أعرف أكثر من طفلة تعيش هذه الحياة فسحاب هي حقيقة أحببت أن أظهرها للجميع ليتداركوا مغبة ماقد تصل إليه النتائج من كوارث قبل فوات الأوان بدأ كتابة هذه المذكرات قبل ثلاث سنوات وتوقفت بعد ذلك واليوم أحس برغبة جامحة لتكملتها . أشكرك غاليتي على تعاطفك مع سحاب أختك زاهية بنت البحر |
رد: مذكرات سحاب
الأديبة الرائعة زاهية بنت البحر كم تكررت مأساة سحاب في حياتنا لقد لامست مثل هذه ا لقصص لعدد من الأطفال ولمدة ثماني سنوات وأنا أعمل مشرفة إجتماعية في السلك التعليمي كان هؤلاء الأطفال يعانون من اليتم ماعاناه الكثير ومن قسوة وجور زوجة الأب وأحياناً يظهر ذلك على أجساد الأطفال فكانت هذه الزوجة تتقرب من أبناء الزوج أولاً وما أن تصل إلى والدهم وتتزوجه حتى يقع هؤلاء الابناء في براثن هذه الزوجة المتسلطة .و الأغرب أن الأغلبية من المتعلمين و المثقفين في مجتمعنا فليس الموضوع هو الجهل .. ولكن ربما الابتعاد عن الدين وجوهره وما حثنا عليه .. من رحمة ورأفة وحنان اللهم اهدي الاباء والامهات وارزقهم العدل في زينة الحياة الدنيا قصة رائعة وطريقة السرد سلسة ومشوقة في نفس الوقت فقلمك لا يكتب عبثاً دمت بخير |
رد: مذكرات سحاب
الصديقة والأخت الأستاذة زاهية بنت البحر وأي بحر هذا ذاك الذي أنت إبنته
بعر من العوالم الإنسانية الإبداعية العبقرية ويفيض بمكنوناته على لسانك الذي يقطر احرفا من نور لتشكل عند المتلقي حالات من الإنتقال إلى تلك العوالم وبدون الرغبة لذلك الأستاذة زاهية النص جميل واستغراقك في وصف جزئيات ودقائق وتفاصيل ذكاء منك لشد المتلقي كما يزيد جمالية النص وخاصة أنه جاء على لسان طفلة اللغة سهلة وعذبة ورائعة إلا أنني أحسست ببعض الإطالة ولا أعرف إذا كنت توافقيني الرأي فالنص قابل للإختزال لك إحترامي ومحبتي وتقديري كريم سمعون |
رد: مذكرات سحاب
[frame="13 85"]
السلام عليكم [/frame]إخوتي وأخواتي الكرام أستميحكم عذرا بالرد على الأخ المكرم عبد الكريم ، ولي عودة بالرد على ردودكم الجميلة ومتابعة نشر بقية المذكرات قبل نشرها الورقي بإذن الله. أهلا بك أستاذ عبد الكريم . أشكرك على ماتفضلت به من ثناء على ماسجلتُه من مذكرات سحاب. أما ياأخي بالنسبة للإطالة قأنا أكتب مذكرات طفلة لاتعرف فنون القص ولاالاختزال هي تسجل أحاسيسها بصدق وعفوية بالغة وسترى ذلك في المذكرات القادمة فهل من المعقول أن أختزل مثلا حادثة ما تعرضت لها ببضعة أسطر؟ هي تكتب للصغار وتحكي مع الكبار بأسلوبها المتواضع كي ينزلوا من عليائهم المصطنع لعالمها البسيط. مازالت المذكرات في بدايتها وقد تجاوزت المئة مذكرة، هي تسجلها يوما بيوم. حتى في مدونتي لم يكتمل نشرها بعد، وأفضل نقد العمل بعد اكتمال نشر المذكرات. أهلا بك ومرحبا. أختك زاهية بنت البحر |
رد: مذكرات سحاب
زاهية بنت البحر;92159][frame="13 85"]
السلام عليكم إخوتي وأخواتي الكرام أستميحكم عذرا بالرد على الأخ المكرم عبد الكريم ، ولي عودة بالرد على ردودكم الجميلة ومتابعة نشر بقية المذكرات قبل نشرها الورقي بإذن الله. أهلا بك أستاذ عبد الكريم . أشكرك على ماتفضلت به من ثناء على ماسجلتُه من مذكرات سحاب. أما ياأخي بالنسبة للإطالة قأنا أكتب مذكرات طفلة لاتعرف فنون القص ولاالاختزال هي تسجل أحاسيسها بصدق وعفوية بالغة وسترى ذلك في المذكرات القادمة فهل من المعقول أن أختزل مثلا حادثة ما تعرضت لها ببضعة أسطر؟ هي تكتب للصغار وتحكي مع الكبار بأسلوبها المتواضع كي ينزلوا من عليائهم المصطنع لعالمها البسيط. مازالت المذكرات في بدايتها وقد تجاوزت المئة مذكرة، هي تسجلها يوما بيوم. حتى في مدونتي لم يكتمل نشرها بعد، وأفضل نقد العمل بعد اكتمال نشر المذكرات. أهلا بك ومرحبا. أختك زاهية بنت البحر الأستاذة الأخت زاهية مساء الخير وصباح الخير وكل أوقاتك بإذن الله خير أنا أعجبت كثيرا بما كتبتي وأبديت بعضا منه وبالنسبة لموضوع الإطالة هذا رأي ليس إلا و لا يغيير شيئ من إعجابي ولك الشكر |
رد: مذكرات سحاب
http://www.alamuae.com/gallery/data/...alamuae-65.jpg مذكرات سحاب 21 رافقت خالتي وسها إلى سوق الحميدية لشراء بعض الأغراض الضرورية من هناك.. هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها السوق.. دهشت وأنا أتنقل بين المحلات التي تبيع الملابس والأحذية والعباءات المطرزة بخيوط القصب، والعطور الرائعة الرائحة.. كانت السوق تغص بالناس من كل الجنسيات العربية والأجنبية ..رأيت الأجانب يشترون الملابس الشرقية المزركشة، ويفرحون بها وبعضهم كان يرتديها ويأخذون بها الصور التذكارية بين الناس بواسطة كاميرات التصوير والفيديو، صورني أحدهم وأنا أبتسم له، وكانت البالونات تملأ سماء السوق المسقوفة.. ياااه ما أشد ارتفاع السقف، لاأدري كيف استطاعوا بناءه.. يبدو أنه قديم جدًا.. رأيت الأعمدة الأثرية تزين جنبات أبواب المحلات التجارية، وعندما مررنا من قرب أحد المحلات التي تبيع البوظة وكشكة الفقراء والكاتو، طلبت من خالتي أن تشتري لي بوري بوظة ففعلت ذلك، فرحت وهدى نأكلها بشهية إلى أن وصلنا إلى قرب الجامع الأموي الكبير، وكان المؤذنون قد بدأوا بالأذان.. ياالله ما أجمل صوت الأذان قرب الجامع حيث شعرت بدقات قلبي تزاد وإحساس غريب يخفق بنبضي.. طلبت من خالتي أن تدخلنا إلى المسجد ففعلت لأنها كانت تريد أداء صلاة الظهر.. وعندما دخلت المسجد دهشت وتركت يدها، ورحت أركض بفرح باتجاه الحَمام الكثير الذي كان يلتقط حبوب القمح في أرض صحن المسجد الخارجي، وعندما اقتربت منه فرَّ طائرًا بينما انزلقت رجلي فوق الحبوب، فوقت على وجهي، وأنا أصرخ من الألم، والدم ينزف من أنفي.. 22 كانت خالتي بعيدة عني وأنا مرميَّة فوق حبوب القمح، أبكي ألمًا وخوفًا من الدم الذي ملأ وجهي ويدي بشكل مرعب، فأسرع نحوي بعض الرجال الذين كانوا يتوضأون في صحن الجامع لنجدتي، فأمسك أحدهم بيدي وهو يستعين بالله ويهون علي، فرفعني عن الأرض، ومضى بي إلى الموضأ القريب، فغسل وجهي بيده، وأخرج منديلا ورقيًا من جيبه، وضغط به فوق أنفي النازف ريثما وصلت خالتي إلي على عجل قبل أن تدخل بهو الجامع للصلاة، فأخذتني جانبًا، وأنبتني على ماقمت به من طيش تسبب في وقوعي فوق الأرض، فازددت بكاءً، ولم أهدأ حتى وصلنا إلى البيت، فأسرعت إلى الحمام، وغيرت ملابسي المتسخة بالدم.. كان وجه أختي سها مصفرًا طوال الوقت خوفًا من منظر وجهي الملطخ بالدماء، ورغم ماألم بي من أوجاع فإنني لاأنكر أن مشوار اليوم كان جميلا، ومدهشًا لولا أن انتهي بنزف أنفي المفزع.. ما أجمل بلدي الحبيبة، وما أروع آثارها الخلابة، سأطلب من خالتي أن تأخذنا ثانية إلى سوق الحميدية، والجامع الأموي على أن لا أركض فيه للقبض على الحمام الأليف الذي يملأ صحن الجامع وسطوحه ومآذنه العالية، إنه يزيد من روعة المكان فيشعر الواحد منا بالأمن مادامت الطيور آمنة.. أحببتُ المآذن كثيرًا وبخاصة مئذنة العروس التي لم تعرف خالتي لماذا أطلق عليها هذا الاسم.. 23 ظل اسم مئذنة العروس يشغل تفكيري مدة من الزمن إلى أن سألت أبي ذات يوم، ونحن نشرب الشاي بعد الغداء :أبي ماسبب تسمية إحدى مآذن الأموي بمئذنة العروس؟ هل كان ذلك بسبب صعود العروس للأذان. ضحك والدي حتى ملأت دموعه عينيه.. ضمني إليه وهو يقول: لاياسحاب لا العروس ولا غيرها يجوز لهن أن يؤذنَّ، فالأذان خاص بالرجال وصوت المرأة ياابنتي عورة خاصة إن كان بشيء من الحنان أو الدلع أو الغناء، فلا يجوز أن يسمعه الرجل الغريب غير المحرِم . فسألته: وهل للصوت عينان قلعت إحداهما فصارت عورة؟!! عاد أبي للضحك وهو يقول: العورة ياابنتي غير أعور فالأعور والعوراء من قلعت عينه أما العورة فهي تعني أنها محرمة على غير الأهل رؤيتها أو سماعها . فسألته وهل لي عورة ياأبي ؟ فأجابني: نعم ياسحاب وعندما تصبحين في سن البلوغ فيجب أن تتسري كأمك تماما. وعورتك الآن ماتخجلين بإظهارها أمام الناس وحتى أمام والديك. احمر وجهي خجلا من أبي وزوجته وراحت هدى تضحك وقد أخفت وجهها براحتي كفيها فقلت له هروبًا من الحرج: ولكن لم تخبرني لماذا سميت المئذنة بمئذنة العروس ؟ قال والدي وهو يتحدث بفخر عن بلدنا، وعن حضارتنا الإسلامية التي بت أفكر بها كثيرًا وأتمنى أن أعرف عنها كل شيء، فهاهم الأجانب يقلدوننا، ويرتدون ثيابنا الشرقية، ونحن للأسف نجري وراء أزيائهم التي لاتناسبنا كما قالت معلمتي في المدرسة.. ابتسم والدي وهو يقول: قرأت ذات يوم في كتاب لم أعد أذكر اسمه مافيه تعريف بهذه المئذة ( تقع المئذنة في الواجهة الشمالية للجامع الأموي، وهي معروفة باسم “مئذنة العروس”، لأنها تضيء في الليل فتظهر كالعروس، وينتهي رأس هذه المئذنة بساعة تُضبطُ على دقاتِها أوقاتُ مساجد دمشق كلها ومواعيدُ الأذان، وقد أقامها الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، وطلاها بالذهب، وغدت في ما بعد أنموذجاً للمآذن في سورية وشمالي أفريقية، ونقل طرازها الى الأندلس، وتعد أقدم مئذنة إسلامية ما زالت قائمة. وتابع والدي الكلام قائلا: ولكن هناك رواية أخرى غير هذه تحكي لماذا سميت بهذا الاسم. سألته عنها فرفض أن يرويها لنا رغم إلحاحي و خالتي بالطلب، وترك الأمر لي كي أبحث عنه في بعض الكتب الموجودة في مكتبتنا ،لأحصل على معلومات أخرى وأنا أبحث عنها. لله ماأذكاك ياوالدي تريد أن تعلمني حب القراءة والبحث.. حسنًا سأقوم بذلك، ثم سأروي لكم أنا سبب التسمية هذه، فانتظرني ريثما أجد الكتاب، وإن لم أجده فسأسأل معلمتي في المدرسة عنها، فهي بلا شك تعرف ذلك أوليست هي معلمة وتعرف كل شيء؟ 24 بحثت في الكتب التاريخية فلم أجد شيئًا يدلني على سبب تسمية مئذنة العروس بهذا الاسم غير الذي ذكره أبي، وعندما سألت معلمتي في المدرسة أخبرتني بما أخبرني به أبي، ولم تزد شيئًا، فاضطررت للعودة إلى أبي ليحدثني عن ذلك.. وعدني خيرًا، وفي المساء عندما كنا نشرب الشاي بعد تناول العشاء، ونحن ملتفون حول المدفأة قال أبي: سأخبركم بسبب تسمية المئذنة الشمالية للجامع الأموي بمئذنة العروس .. فرحت كثيرًا وجلست وكلي آذان صاغية، بينما كانت خالتي غير مهتمة بالأمر، وأختي سها كذلك.. قال أبي: ذكرت بعض كتب التاريخ مايلي( أقام المئذنة الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، وأراد أن يدعمها بالرصاص خشية الزلازل والحرائق، فوضع البناءون كل الرصاص الذي تملكه الدولة فيها، واشتروا من الأسواق كل الرصاص أيضًا، ولكن ذلك لم يكفِ فراحوا يشتكون للخليفة حاجتهم الملحة للرصاص، وأخبروه أن أحد التجار في دمشق عنده مايكفي، ولكنه توفي وورثته ابنته الوحيدة، وهي ترفض أن تبيع لهم الرصاص، فطلب إليهم أن يدفعوا لها ماتريد من المال، فعادوا إليه يخبرونه بأنها تطلب أكثر مما يعرضون عليها، فقدم الخليفة أموال الخزينة كلها، فقالت أريد أكثر، فـحارَ الخليفة وسألها ماهو الأكثر الذي تريدينه فأجابت: رضا الله. وقدمت كل الرصاص مجانًا لبناء المئذنة، فأعجب الخليفة بالفتاة وزوجها لأحد الأمراء من أبنائه، ولذلك سميت بمئذنة العروس. 25 ظلَّت قصة بناء مئذنة العروس تتردد في رأسي حتى تمنيت لوأني كنت تلك العروس التي رفضت أموال خزينة الخليفة كلها في سبيل رضا الله. لم يخطر ببالي أن رضا الله يُشرى بمثل هذا الثمن الغالي جدا، فقد دفعت هذه الفتاة كل ميراثها من أبيها، ولم تكن تفكر بالزواج من ابن الخليفة، فكافأها الله به.. ماأروعها من فتاة وما أكرمها من نفس، لم أكن أعرف أن هناك نساء رائعات لهنَّ مواقف تقشعر لها الأبدان غير المجاهدات العربيات المسلمات.. كنت أظن أن معظمهن مثل زوجة أبي التي ظلمتني كثيرًا، أو مثل أمي مظلومةٍ لاحيل لها ولاقوة، أو مثل معلمتي تعلمنا في المدرسة ثم تعود إلى بيتها لتربية أولادها كبقية النساء، أو مثل جدتي همها في الطهي، وغسيل الثياب، وتنظيف البيت وتوبيخ عمتي بهيجة قبل أن تتزوج، إن هي تأخرت في النوم، ولم تجهز لجدي فطوره كي يشرب الدواء، فعمتي كانت تشاهد التلفاز حتى ساعة متأخرة من الليل. بدأت أحبُّ التاريخ وعندما أكبر سأدرسه بإذن الله كي أستفيد من الأحداث التي مرت فيه، فتكون لي دروسًا تعلمني كيف أكون إنسانة مثل عروس المئذنة.. قلت لأبي: أريد أن تكون في الجامع الأموي مئذنة باسمي مثل العروس صاحبة الرصاص التي زوَّجها الخليفة لاميرٍ من أولاده .لاأدري ماالذي جعل أبي يضحك بصوت عال وصل حدَّ القهقهة، فراح يسعل بشدة متأثرًا بالضحك، مما جعل خالتي تأتي إلينا في غرفة الجلوس تحمل كأسًا من الماء ناولته لأبي ليسكت به السعال، وسألته عن سبب ضحكه الغريب هذا.أخبرها بالأمر وهو مازال يضحك، فنظرت إليَّ بسخرية وقالت: مئذنة باسمك !؟ أمَّا هذه فهي نكتة الزمان كله، من أين لأبيك مثل ميراث الفتاة من الرصاص، ودخله الشهري بصعوبة يكفينا مصروفًا؟ ثم أي أميرٍ تطمعين بالزواج منه ياروح أمِّك؟ لاتتعبي عقلك الصغير بأحلام مستحيلة، واحلمي على قدر واقعك، وإلا وقعت على رأسك، ولن تجدي من ينقذك من مصابك. هكذا إذن يازوجة أبي تريدين أن تحطمي نفسي بقتل أحلامي قبل أن تولد.. حسنًا سأظل أحلم بما أشاء دون أن أتحدث عن أحلامي لأبي كي لايخبرك بها فتسخري مني، ولكن من يدري فقد يكون لي مئذنة باسمي والله قادر على أن يحقق لي ما أريد. 26 ذهبتُ اليوم مع خالي مهند إلى بيت جدتي لأمي، وكالعادة وجدت خالاتي وأولادهن مجتمعين عندها ..انفردت بي أمي جانبًا، سألتني عن سبب صمتي وحزني على غير عادتي عندما أكون معها.. رويت لها ماحصل بشأن مئذنة العروس، وطلبت منها اصطحابي إلى الجامع الأموي لأمتع عيني برؤيتها فقد سلبت قلبي.. وعدتني خيرًا على أن تقترح ذلك على خالاتي أثناء الغداء، فإن وافقن ذهبنا جميعًا إلى الجامع حيث يوجد الناس بكثرة في صحنه وفي داخله .. عندما دخلت الجامع من باب سوق الحميدية لم ألتفت يمنة ولايسرة، وإنما كان نظري موجهًا نحو مئذنة العروس.. لاأدري كم من الوقت مرَّ، وأنا أتفحصها شبرًا شبرا.. يالها من مئذنه رائعة حقًا، مبنية من الرصاص، وكما قيل أمَرَ الخليفة الوليد بطليها بماء الذهب ..أين أنت يامن ساهمت ببنائها بميراث الرصاص من أبيك؟ أرجو أن تكوني في جنات النعيم التي عملت لأجلها .. لقد رحلتِ عن الدنيا وفنيتْ عظامُك، ولكن عملك للخير في سبيل الله ظل حيًا يتناقله الناس أبًا عن جد.. رحمك الله، وأثابك خير الثواب.. ليتني أعرف مااسمك، لاأدري لماذا كتم التاريخ هذا الاسم لصاحبته الكريمة. نعم لصاحبته التي أكل جسدها الدود، ولم تعد تُعرفُ من هي، ظل العمل الطيب وغاب الجسد والاسم معًا.. سأسعى بأعمال الخير مثلك ياعروس، وما همني أن يذكر اسمي بمئذنة، أو غيرها أو لايذكر، فالعمل هو لوجه الله عزَّ وجل، وهو يجزي به الثواب. 27 كان يوم نحسٍ ذاك الذي اكتشفت فيه خالتي دفتر مذكراتي.. فبعد أن بدأتْ تحسن علاقتها بي، وتكف عن مضايقتي الدائمة، وملاحقتي في البيت بالعمل المستمر، عادت من جديد لما كانت عليه بل أشد ظلما من ذي قبل.. لقد عثرت على دفتري الصغير في حقيبة المدرسة، وهي تبحث عن دفتر العلوم الخاص بأختي سها، فقد أضاعته في المدرسة، وادعت أنه في البيت ولاتعرف أين هو.. قامت خالتي بتفتيش حقيبتي وأنا في منزل جدتي لأمي، وعندما عدت إلى البيت انفردت بي والشرر يتطاير من عينيها، وألقت بدفتر المذكرات أمامي على الطاولة في غرفتي، وسألتني عما بداخله ..ارتبكت..صمت.. احمر وجهي، عرق جبيني، وارتجفت يداي.. كررت السؤال، فأطرقت ولم أجب. أمسكتني من كتفيَّ، وهزتني بشدة ، وكأنها أصيبت بالجنون، فكاد ظهري يقصف.. خفت وأنا أنظر في عينيها الحمراوين المفتوحتين في وجهها كنافذتين تخرج منهما النار لتحرق وجهي المصفر، فانهارت قواي، وشعرت بدوخة مفاجئة كدت أسقط بها فوق الأرض، لولا أن صفعتي على خدي الأيسر صفعة جعلتني أستعيد وعيي، وأنا أصرخ من الألم والخوف، وأستنجد بأبي الذي أقبل مسرعًا، وأبعدها عني قبل أن تسحب روحي من صدري بما ألقته في داخلي من رعب .. 28 أحيانا أحس بأنني أكره الحياة لكثرة ما أجد فيها من عذاب ..ماذنبي كي أبدأ عمري بالحزن، أمشي في طريق وعرة، أسقيها بالدموع، ويحفر أقدامي الوجع.. عندما أرى رفيقاتي في المدرسة يبتسمن دون أن تترقرق الدموع في أعينهن، أتمنى لو أني واحدة منهن أعيش مع أمي وأبي، لايفرق بينهما طلاق ولافراق.. محرومة أنا من حنانهما معًا.. أحس بأن قلبي مشتت بينهما وبين جدتي وعمتي.. أتمنى لو أستطيع أن أمسك بيد أمي بيدي اليمنى، وبيد أبي باليسرى، وأركض معهما في حدائق كلها زهور وطيور وجداول ماء.. نفرش بساطًا فوق الحشائش ونجلس سعداء.. تصنع أمي الشاي وأبي يشوي اللحوم، وأنا أركض خلف الفراشات الملونة وأزقزق كالعصافير .. نظل في الحديقة حتى تغيب الشمس ويبدأ النهار بالانسحاب حاملا معه أحلى الذكريات، ويأتي الليل فنجلس بعد أداء الصلاة نتحدث في أمور مختلفة، يروي لنا والدي قصصا تاريخية تخبرنا عن عظمة بلادنا وبطولة أهلها، وتنشد لنا أمي أحلى الأناشيد التي تعلمني فيها التقى والإيمان ومحبة الله عزوجل ورسوله الكريم.. يالغبائي المفرط، ويالتعاستي المقيتة، كيف سيكون لي ما أريد وأنا قلقة. خائفة تسقيني زوجة أبي الماء مرًا وتطعمني الزاد فاسدا؟ ربما كان وجودي في هذه الحياة ليس مهمًا بالنسبة لأحد، وسأظل على الهامش مدى العمر.. 29 صعب على الحزين أن يبتسم.. صعب عليه أن يرى شيئًا جميلا في الحياة مهما كان مدهشًا.. أنا الآن أبكي في داخل نفسي.. أصمت، وأطرق أرضًا.. أود أن أخرج من دائرة حزني التي تشدُّ على رقبتي بقبضة خشنة تريد أن تخنقني..أريد أن أصرخ… أن أركض.. أن أطير.. أن أصبح عصفورًا أحلق عاليًا.. أتنقل فوق الأشجار في كل الحدائق.. في كل البلاد.. فوق البحار والجبال لايقيدني شيء، ولكن جسدي هذا يحبسني ،يشدني نحو الأرض.. أحسه ثقيلا لايساعدني على أن أرفرف بجناحي روحي.. ليت زوجة أبي تشعر بي، فتعاملني كابنتها.. فلا تضربني، ولا تبخسني حقي في السعادة، ولاتحرمني من مذكراتي التي كنت أتسلى بها، فأبث الورق أشجاني، فأرتاح من المؤلم منها.. لو أن زوجة أبي تحسن علاقتها بي الآن، فسأمسك بيدها، وأصطحبها معي في رحلاتي عندما أكبر، ويصبح لي بيت وأولاد مثلها، ولن أكون قاسية معها بل سأشفق عليها، وأنسى مافعلته بي.. يارب ساعدني كي أعيد دفتر مذكراتي منها، فأنا الآن أكتب على ورقة أخذتها من دفتر الحساب، وسأخفيها في مخدتي ريثما أشتري دفترًا جديدًا.. بعد العَشاء جلس والدي يشاهد الأخبار، وكنت أنظف طاولة الطعام، وأجمع في كيس صغير ما بقي فوقها من فتات الخبزالذي نتركه حتي يصبح يابسًا، ثم نضعه في الشاي أو الحليب، فنكسب ثواب حفظ النعمة.. هكذا تعودت منذ أن وعيت الدنيا، وكثيرًا ما كنت أسمع جدتي لأمي تقول: من يحفظ النعمة تحفظه.كلام جميل جدا، ولكنني مالبثت أن نسيته عندما صرخ أبي بصوت عال.. لاحول ولاقوة إلا بالله.. لاحول ولاقوة إلا بالله. نظرت إليه فوجدت عينيه معلقتين بالتلفاز، فتابعت ماكان يشاهده، فلم أستطع أن أثبت ناظري في الصورة التي تعرض على الشاشة.. كان منظر الدمار بشعًا، والقتلى يملأون المشهد.. وبرك الدماء تنتشر في أمان متفرقة من الأمكنة.. هربت من الغرفة، وأنا ألعن الحرب ومن يقتل الأطفال والنساء والعجائز. أنهيت عملي في المطبخ، وأسرعت إلى غرفتي لأغرس أحزاني فوق سطور ورقتي شتلات ألم بمذكراتٍ تمتص بعضًا من وجعي، وما ألبث أن أضع رأسي فوقها لأراها في النوم بتفاصيل مطولة، وأشياء غريبة تشبه الواقع في شيء وتختلف عنه في أشياء، ولكنني لاأستطيع تحديدها تمامًا .. 30 وما زلت أركض في الشارع الخالي من المارة، والظلام يخيم فوق الطريق.. أركض.. أركض، أحس بأني مازلت في مكاني، وأنَّ رجلي ثقيلتان لاأستطيع رفعهما عن الأرض، والرجل الذي يلاحقني يحمل سكينًا كبيرًا يلمع كعينيه الدائريتين، ومعه كلب أسود كبير، فأحاول الإسراع، ولكنني أقع فوق الأرض، فأنهض ثانية بصعوبة وأركض.. أصرخ فلا أسمع صوتي.. أنظر خلفي.. مازال الرجل وكلبه يلاحقاني، ويكاد يقبض علي.. ياإلهي هاأنا ذي فوق جبل شاهق الارتفاع، والرجل يلاحقني.. أحاول الفرار منه، فأرى البحر أمامي، فأكاد أسقط فيه من أعلى الجبل ..أصرخ، ويظل صوتي مخنوقًا.. ألهث.. أبكي بلا دموع .. أحس بالاختناق.. لامعين لي ..مازلت وحيدة، وهذا الرجل المقنع بالسواد يطاردني .. أمي ..أبي ..جدتي.. لاأحد يرد علي..لامعين لي.. ياويلي يكاد يقبض علي.. وأسمع صوتي بعد طول اختناق ينادي ياالله ..ياالله.. ياالله، أفتح عيني وأبي فوق رأسي يعيذني بالله من الشيطان الرجيم، ويقرأ آيه الكرسي.. أتكمش به وأطلب منه إبعاد الرجل المقنع وكلبه عني، فيدفنني في صدره ودموعي تغسل وجهي.. بقلم زاهية بنت البحر الحقوق محفوظة |
رد: مذكرات سحاب
أتابع تلك المذكرات بأحلامها الصغيرة بشغف.. شدتني تلك التفاصيل عن المسجد الأموي و مأذنة العروس تميز هذا الجزء بالأشارة الى العديد من السلوكيات الأجتماعية التي تؤثر في المجتمع مجهود يستحق الثناء والتقدير دمت و سلم يراعك |
رد: مذكرات سحاب
الله ما اروع هذه القصة وما أروع ما جاء بها وما أروع من كتبها وما اروع سوق الحميدية وما اروع الجامع الأموي وخاصة عند الآذان تقشعر الأبدان من جماله والخشوع وما أروع بوظة بكداش تسلسل من الأحداث رغم البراءة التي تملكتها لكن الحزن ما زال يخيم على سحاب مازلت متابعة الأحداث وأتمنى أن تكون نهاية سحاب كلها سعادة وهناء دمت مبدعة الشاعرة الدمشقية زاهية بنت البحر دمت بخير |
رد: مذكرات سحاب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جميل ماكتبتي اسلوب رائع قصه رائعه موثره حـــــــــــــــــــزينـــــــــــــــــــــه جدا واختيار موفق وربي يعطيك العافية على هذا الطرح الجميل منتظرين الحلقات الجديدة تقبلي مروري دمتي بود |
رد: مذكرات سحاب
[frame="13 85"]
أهلا ومرحبا بكم إخوتي وأخواتي الأعزاء أشكركم رغم عجزي عن إيفاء الشكر لكم ياأحباب نور الأدب، جزاكم ربي عني خير الجزاء، سأعود للرد عليكم بإذن الله فاعذروني الآن، وأنا سعيدة والله بحضوركم المفرح والمشرف لسحاب وكاتبة مذكراتها، فكونوا معي. أختكم زاهية بنت البحر |
رد: مذكرات سحاب
1 مرفق
http://www.alamuae.com/gallery/data/...alamuae-65.jpg مذكرات سحاب 31 كان يومًا ربيعيًا جميلا أمضيته حتى الظهر في المدرسة مع رفيقاتي.. دراسةً ولعبًا ، ولكن ثمة أمر مزعج عكَّر صفو اليوم، عندما اتُّهِمَتْ يارا الصادق، بسرقة قلم حبر وفاء سعيد الذي أهداه لها عمها صالح عندما عاد مؤخرًا من أستراليا، دخلت المديرة الصف غاضبة، وتكلمت عن الأمانة وأن السرقة حرام، وذكرتنا بالآية الكريمة التي تنص على أن السارق والسارقة يجب قطع أيديهما جزاء بما فعلا. السرقة مرض خطير يصيب ضعفاء النفوس، فيجعلهم ألعوبة بيد الشيطان الذي يزين لهم القيام بها، ويوهمهم بأن نفعًا لهم فيها مما يحصل عليه السارق من مال، أو أشياء ثمينة من الآخرين.. ورغم أنَّ القلمَ وُجِدَ في حقيبة يارا مع أقلامها، فإنها أنكرت ذلك، وقالت بأنها لاتعرف من وضع القلم في حقيبتها، وأنها بريئة، ويجب الكشف عن الفاعلة التي جعلتها عرضة للشكوك، فاتهمتها المديرة بالكذب إضافة إلى السرقة، فراحت يارا تبكي وتقسم بأنها لم ترَ القلم قبل الآن، وعندما حضرت والدة يارا باستدعاءٍ من المديرة قامت الدنيا ولم تقعد، وعلت الأصوات، وتصرف الجميع بما لايرضي عاقلا، وطالبت والدة يارا باستدعاء الشرطة لمعرفة الحقيقة وأصرت على ذلك غير أن المديرة والمشرفة استطاعتا إقناع والدة يارا بالعدول عن طلبها، وأنهما ستعملان على إعادة التحقيق، وكشف السارقة الحقيقية فسألتُ نفسي: ترى هل سيحضرون غدا الشرطة والكلاب البوليسية التي تستطيع كشف السارقة أيا كانت؟ أخافتني الفكرة فأنا لاأحب الكلاب هذه، منظرها يخيفني من بعيد فكيف إن كانت بالقرب منى؟ لكن سأغمض عيني إن أحضروها إلى المدرسة ، المهم الآن أن نعرف السارقة الحقيقية. 32 في منزل جدتي كانت أمي مشغولة بضيوف جدتي هذا اليوم، فوقفت مع الخادمة نوريني في المطبخ بعض الوقت حيث راحت تحدثني عن أخواتها الصغار وتقول بأنها اشتاقت لهن ولوالديها كثيرًا، وأنها سعيدة لأنها ستذهب إليهم بعد شهر ونصف لأن مدة العمل التي جاءت من أجلها قد شارفت على الانتهاء.. كانت طنجرة بخار كبيرة فوق النار، فحملتني نوريني وأرتني مابداخلها.. كان فيها كثيرٌ من العظام وقطع اللحم الكبيرة، ولكن نوريني قالت بأن هذه عظام ابنة خالتي تالا فقد ذبحوها اليوم، وسنأكلها مع الفريكة عندما تنضج، وقالت بأن دوري بذلك سيكون غدً.. خفت، أفلتت من يديها وأنا أصرخ من الخوف، دخلت إلى حيث خالتي ربى تجلس أمام التلفاز، وألقيت بنفسي في حضنها وأنا أرتجف.. سألتني عما بي فقلت لها: لاأريد أن تذبحوني كما فعلتم بتالا ثم تسلقون عظامي وتأكلونني مع الفريكة. انتفضت خالتي بغضب وسألتني: من قال لك ذلك؟ أجبتها: نوريني وأرتني العظام في الطنجرة، لماذا ذبحتم تالا، أريد أن أذهب إلى بيت أبي.. أمسكت خالتي بيدي ودخلت بي إلى المطبخ حيث كانت نوريني تغسل الصحون، سألتها: كيف تقولين لسحاب هذا الكلام؟ هل جننتِ؟ أجابتها بلكنتها الأجنبية: كنت أمازحها ولكنها صدقت. صرخت خالتي بها: أتريدين أن تصاب الفتاة بالجنون، ساعة تكلمين الصغار عن الجنو فتلقين الخوف في قلوبهم، وساعة عن مصاص الدماء واليوم تتهميننا بذبح تالا، مابك لماذا تخالفين تعليماتنا لك بألا تتحدثي مع الصغار بما يخيفهم. لم تقل شيئًا وراحت تضحك بصوت عال وهي تنظر إلى فألتصق بخالتي ونوريني تقول لي: اريدين رؤية العظام في الطنجرة؟ فاقتربت خالتي منها وصفعتها على وجهها، فازدادت ضحكا، وأنا أمسح عن وجهي دموع الخوف الذي سيطر علي، رغم أني ضمنيًا لم أقتنع بما قالته نوريني، ولكنه أحدث في نفسي قلقًا ذكرني بالرجل الذي أراه في المنام يطارني وبيده السكين.. 33 ذهبت زوجة أبي إلى بيت أهلها بزيارة خاصة، وتركتني مع أخي سامح مصطحبة معها سها وهدى.. كان سامح لطيفًا طوال مدة غياب أمه، وكنت ألاعبه، وأعطي له البيبرونة فيرضع منها الحليب الذي وضعته له قبل ذهابها.. لم أشعر بالوحشة وأنا مع سامح، ولكني كنت مشغولة الفكر بشأن مذكراتي التي أخفتها عني في خزانتها في غرفة نومها وأبي، فقررت البحث عنها مستغلة فرصة غيابها عن البيت، فهذا حقي، فأنا أحس بأن مذكراتي جزء هام مني بعد أن أخرجتها من نفسي، ووضعتها فوق الورق، ليس من حقها أن تأخذها مني .. كانت غرفتها مغلقة، فتحت الباب واتجهت نحو الخزانة.. فتشت فيها، لم أجد شيئًا، فأحضرت كرسيا، ووقفت فوقه لأبحث عن دفتري فوق رفوفها، فوجدته تحت بعض الملابس المطوية، تناولته سريعًا، وأعدت الكرسي إلى مكانه، وأغلقت الخزانة وباب الغرفة، وأسرعت إلى غرفتي لأخفي فيها الدفتر الحبيب، ولكن فضولي جعلني أفتح الدفتر، وأقرأ فيه بعض المذكرات، فخطر ببالي أن أنقلها على أوراق خاصة، وأعيد الدفتر إلى الخزانة قبل أن تعود خالتي إلى البيت، فما زال الوقت مبكرًا لعودتها.. ساعدني في إتمام النقل نوم الصغير سامح، فأخفيت الأوراق هذه المرة داخل الفرشة التي أنام فوقها، وذهبت إلى غرفة خالتي لأعيد الدفتر، وقبل أن أغلق باب الخزانة فوجئتُ بها أمامي .. 34 أحسست بشعر رأسي يصل السقف مقشعرًا، وصوت مدوّ ينفجر في جمجمتي الصغيرة، فسَرَتْ البرودةُ في جسمي رغم تصبب العرق من جبيني، بينما تجمدت عيناي شاخصة في وجهها للحظات، ثم أحنت جفونها مطرقةً أرضًا . أيقنتُ بأنني في موقف حرج، ولكن حرجه شتت فكري بهول المفاجأة التي لم أكن أتوقعها أبدًا، ولاأدري ماالذي أتى بها قبل الموعد المحدد، فقد كان من المقرر أن يحضرها أبي عندما يعود من مكتبه.. رفعت نظري قليلا صوب يديها فوجدتهما متباعدتي الأصابع، وكأنهما قد تجمدتا في ثلاجة البيت كأصابع الدجاجة التي لا أحب أن أراها مذبوحة ينتف ريشها و يقطع رأسها فتغمض عينيها الصغيرتين جدا وهي ميتة لاحول لها ولاقوة، تواردت الخواطر الدجاجية المثلجة وكأن ذلك ينقصني.. سألت نفسي لماذا تجمدت أصابعها؟ فأجبتني: ربما لتصبح قاسية كالعصا فتصفعني بها فتوجعني.. وأنا أنظر إلي يديها رأيت اليمنى ترتفع قليلا فلحقتْ بها عيوني رغما عني بدافع حب الفضول الممتزج بالخوف من العقاب الذي مازال مجهولا بالنسبة لي، رغم قناعتي بأنني لم أقم بشيء لايحق لي القيام به، فرأيتها تضعها فوق أنفها، وتحكه بسبَّابتها حكًا متواصلا حتى ظننت بأنها ستقتلعه من وجهها ، فيصبح منظرها أكثر مناسبة لإرهابي كما يفعلون بأفلام الرعب عندما يدخل مجرم لسرقةٍ، أولقتلٍ كما رأيت ذلك في فيلم ذات مساء، فعاقبني والدي بعد ذلك بحرماني أسبوعًا من رؤية التلفاز، وأخبرني أنه لايحق لي رؤية أفلام الرعب التي تتعب الأعصاب، وتشوه تفكير الأطفال، فتوجههم نحو الجريمة، وتزرع في نفوسهم عقدًا من الصعب اقتلاعها منها، أين أنت ياأبي لترى ابنتك الآن في فيلم رعب حقيقي؟ أعلم أنك لا تسمعني، فأطرقتُ أرضًا من جديد بانتظار ماسيحدث بعد لحظات .. 53 سبحان الله كيف يطوف الفكر بنا في اتجهات مختلفة خلال لحظات قليلة، فنظنها ساعات وأحيانًا أياماً وسنوات.. هذا ماحدث لي وأنا أسيرة ورطتي المخيفة بفتح خزانة زوجة أبي أثناء غيابها عن البيت.. ربما شعرت بذلك لوجود هاجس في نفسي، يشعرني بأني لست ابنتها، ولايحق لي فتح خزانتها، ولوأنني كنت ابنتها فلن أ شعر بما أحس به الآن.. ماذا يعني أن تفتح البنت خزانة أمها، وتطلع على مابداخلها إن كانت الأم لاترفض ذلك؟ أنا أفتح خزانة أمي في بيت جدتي، وأرى ثيابها ومصاغها، ولم تنتقدني يومًا من أجل ذلك.. ترى هل ما أحس به سببه توبيخ الضمير لأنني قمت باستعادة مذكراتي بطريقة غير مشروعة؟ ربما هذا الأمر له تأثير أكيد فأنا أقرُّبأنني أخطأت، وأعترف بجبني لأنه كان علي أن أواجه المشكلة معها بما لايجعلني ضعيفة أمامها، بل أطالب بحقي في الاحتفاظ بمذكراتي الخاصة أعجبها ذلك أم لم يعجبها.. رفعت نظري عن الأرض محاولة رؤية يديها فلم أجد أحدًا أمامي ..أين ذهب ؟ فتشت في الغرفة فلم أجدها.. خرجت إلى غرفة الجلوس فلم أجد أحدًا فيها.. كان سامح مازال نائمًا.. ناديت: أمي ..أمي ..أين أنت؟ لم أسمع جوابًا.. حرت في أمري فعدت إلى غرفتها وأغلقت الخزانة وباب الغرفة وأسرعت إلى الهاتف في غرفة الجلوس.. طلبت أبي.. رد علي.. سألته برجاء أن يعود إلى البيت سريعًا، فأخبرني أنه قادم مع خالتي بعد أن أحضرها من بيت أهلها.. كدت أجن فزعًا فذهبت إلى المطبخ لشرب كأس من الماء ..كان الماء باردًا جدًا.. شربت مافي الكأس كله دفعة واحدة فشرقت به ورحت أسعل بشدة ومازلت أسعل وأنا أحس اختناقًا.. يشتد شعوري بالاختناق أكثر وأكثر فأصرخ بصوت عالٍ أبي.. أبي.. أفتح عيني فأجد أبي فوق رأسي يتلو سورة الفلق .. 36 طلبت من والدي أن يأخذني خارج البيت لحاجتي للانفراد به، والتحدث معه بحرية دون مراقبة عينَيْ وأذنَيْ زوجته لكل حركة وكلمة تصدر مني.. ونحن في الطريق سألني: إلى أين تريدين الذهاب؟ فقلت له وأنا أتكمش بيده :إلى أي مكان في الدنيا يشعرني بالسعادة معك.. دعنا نمشِ في الشوارع..نتفرج على الناس، وعلى المحلات التجارية الممتلئة بالبضائع الجميلة منها غالي الثمن ومنها دون ذلك .. وافقني أبي وبقينا نمشي من شارع إلى آخر حتى أحسست بالتعب والجوع، وكنا قد وصلنا سوق مدحت باشا أحد أسواق دمشق القديمة فقال لي والدي: سأصطحبك الآن إلى مكان لاتعرفينه، وهناك مفاجآت كثيرة فيه. ومضى يقطع بي سوق البزورية، فشممت رائحة البهارات والعطور، وشاهدت الكثير من أنواع السكاكر، وقمر الدين،والشموع الساحرة،ومحلات الصاغة التي تضم أجمل المشغولات الذهبية، ومحلات الملابس الشعبية القديمة، وفيها محلات لبيع الفاكهة المجففة التي أحبها جدا، فاشترى لي علبة فيها من كل أنواع الفاكهة، وقبل أن نصل إلى الجامع الأموي أدخلني بابًا كبيرًا لبناء أثري عرفني عليه قائلا: هنا قصر العظم ستشاهدين فيه الآن مايدهشك.. دفع أبي بعض النقود للموظف المسؤول عن دخول الزواروالسياح إلى القصر.. أول مالفت نظري هنا الأواني النحاسية الكبيرة جدا التي كان القدماء يسكبون فيها الطعام في الحفلات والولائم، والصناديق الخشبية والحديدية المعروضة في مدخل القصر التي كانوا يضعون فيها الألبسة والأشياء الثمينة، ثم دخلنا دارا واسعة فيها الكثير مما يشبه الخيال، سبحت الله وأنا أرى الشمس تعانق أشجار النارنج والكباد، والعصافير تملأ الأجواء زقزقة وتغريدا. قال والدي :قصرالعظم يابنتي: هو أحد أهم معالم دمشق القديمة. سألته بإعجاب: من بنى هذا القصر ياأبي؟ أجاب: بناه أسعد باشا العظم، والي دمشق عام 1749، وقد استعان في بنائه بأمهر الصناع والعمال في دمشق. سألته: كم استغرق بناؤه؟ - يقال بأنه استغرق ثلاث سنوات. سألته: ومن سكن البيت الكبير هذا؟ أجاب: سكنه أسعد باشا العظم وأسرته ومن شاء لهم الحياة معه. سألته وهل دام لهم مدى الحياة؟ أجاب: لا ياسحاب فقد اتخذه المفوض السامي الفرنسي مقراً لإقامته في بداية الاحتلال 1920. سألته: ولماذا أخرجوا أهله منه؟ قال: يقال بأن الحكومة الفرنسية اشترته من ورثته وحولته إلى معهد للدراسات العلمية. سألته: وهل ظل القصر محافظا على بنائه كما كان في بدايته؟ أجاب: لا، فقد تعرض لأضرار كبيرة خلال القصف الفرنسي لدمشق إبان الثورة السورية عام 1925، وتم ترميمه بعد ذلك. - ترميمه؟ ماذا يعني ترميمه؟ قال ضاحكا: يعني إصلاحه . - ولمن هو اليوم ياأبي؟ أجاب: بعد الاستقلال تحول عام 1954 إلى متحف للتقاليد الشعبية. قلت : ماأجمل هذا المكان البديع! - يعد هذا القصر أنموذجاً للبناء الشامي القديم، وهو من أهم مقاصد السياح في دمشق. قلت وأنا أشعر بالزهو: أنا أحبك كثيرًا لأنك والدي ولأنك أحضرتني إلى هنا .. ضحك أبي سعيدًا وأنا أنفلت من يده، وأركض في بهو حديقة القصر الفسيحة فأكاد أطير من البهجة، وأحلق مع اليمام والعصافير التي كانت تغرد فوق الأشجار.. صدق أبي عندما قال لي بأن هذا القصر هو أنموذج مدهش للبيت الدمشقي القديم، حيث يشعر فيه المرء بالانشراح والسرور لما يحوي من الحجارة الجميلة، التي تتشابه مع البيوت القديمة بما فيها من الرخام الملون، والأزهار المختلفة، وبحيرة صغيرة تتدفق فيها المياة من نافورتها التي تتوسط باحة البيت. قال أبي: كان على مدرستكم أن تأتي بطلابها إلى هنا لتريهم القصر الذي أصبح الآن متحفا للفنون والتقاليد الشعبية. ليت بيوتنا اليوم تعود مثل هذا القصر بحديقته، وأشجارها ونافورة المياه التي تغدق في البحرة الصغيرة.. ما أجمل الحياة في هذا البيت.. اقتربت من الماء ورحت أغسل به يدي ووجهي، وأبي يبتسم لي وأنا أرشقه بالماء البارد .. قلت له: أحس عطشا أأشرب من ماء النوفرة، فنهاني عن الشرب منها، واصطحبني إلى مكان خاص بماء الشرب، فشربت حتى ارتويت، ثم تابعنا زيارتنا للقصر .. قال لي: انظري ياسحاب إلى اتساع المساحة هنا، ويعتقد أن مساحته الاصلية كانت تفوق ذلك، ولاندري ماالذي غيرها، يتالف القصر من ثلاثة أقسام حسب التقليد الدمشقى العريق، وهى السلملك، والحرملك، والخدملك. لاأدري ماذا أصابني فانفجرت ضاحكة وأنا أردد السلملك، الحرملك، الخدملك. فهم أبي ماأصابني فقال، السلملك هو المكان المخصص للرجال، والحرملك للنساء والخدملك للخدم، اضكحي الآن فأنا سعيد بسعادتك، ولن أنسى فهناك أيضا الحمَّام والمرآب، فرحنا نشاهدها قسما قسما. وقبل مغادرة البيت قلت لوالدي: أريد قصرا مثله. فانفجر هو هذه المرة ضاحكا. 37 عندما علمت زوجة أبي بزيارتنا لقصر العظم، كادت تفقد صوابها، فراحت تصرخ بأبي بصوت عالٍ، وتتهمه بحبه لي أكثر منها ومن أولادها.. حاول تهدئتها في بادئ الأمر، ولكنها كانت تزداد غضبًا كلما ازداد هو تواضعًا ومسايرة لها، إلى أن فقد القدرة على متابعة الصبر على ماتتلفظ به من كلام أكثره جارح ومهين لرجولته، فوقف بوجهها محاولا إخافتها، فازداد الأمر بينهما سوءً، فشعرت بالذنب تجاههما، وبأني السبب فيما يحدث بينهما من شجار فدخلت غرفتي وأنا أبكي حزنًا على أبي، وعلى نفسي التي رحت ألومها على أنها تشعر بالضيق مما تتعرض لها من مضايقات.. مضى اليوم ولكن ليس كأي يومٍ آخر فيه تجرعت القلق والحزن والخوف من انتقام زوجة أبي مني، ومنعًا لذلك اصطحبني والدي إلى بيت جدتي التي راحت تدافع عني، وعن حرية أبي ضد زوجته، وتقول له بأنه حرٌّ، وليس لزوجته سلطة تمنعه من فعل مايشاء، ودعته لإخافتها بإظهار القوة كما كان يفعل مع أمي، وقالت جدتي كلمة جميلة بحق والدتي المطلقة منه، جعلتني أحس بالحنين إليها وحاجتي لأن أكون بالقرب منها في مثل هذه الظروف، قالت له بالحرف الواحد: ذكر الله أم سحاب بالخير، فقد كانت مؤدبة وصبورة، ولاتقول إلا مايرضي الله، وما سمعنا لها يومًا صوتًا عاليًا بغضب أو بفرح، فتدفقت دموعي بغزارة وسألت جدتي عن الأسباب التي سببت الطلاق بين أبي وأمي فصمتت ولم تجبني. 38 انزويت هذه الليلة في غرفة عمي بعيدًا عن الجميع، وأنا أبكي بحرقة، وأسأل الله أن يفرِّج عني ما أعاني من مشاكل، فالقهر يحيط بي من كل جانب، فما أن أرتاح قليلا من ظلم زوجة أبي لي، حتى أحاصر بتحكم أهل أبي بأموري كلها، فلا يتركون لي فرصة أتمسك بها بيدي سعادة عابرة تمر بي.. قبل أيام كنت في زيارة لأمي وتمنيت البقاء معها دائما، ولكن كلمتني ابنة عمتي هاتفيًا للعودة إلى بيت جدتي لأبي، اعتذرت منها وطلبت أن أبقى يومًا آخربقرب أمي وخالاتي وجدتي وجدي، الذين يضعونني في عيونهم، ولن أنسى الرحلة التي اصطحبتني بها جدتي إلى حارات دمشق القديمة، وقد سجلتـْها جميعًا بفيديو الموبايل، وأدخلتني إلى مطعم شهير للبيتزا فأكلت منها بنهم، ووعدتني بشراء ثيابٍ جميلة في غير يوم العطلة الأسبوعية.. كانت أمي تسألني عن أحوالي المعيشية في بيت أبي، فأحكي لها ماأعانيه من قسوة زوجته وكيف تعاملني بغير ما تعامل به أولادها، حتى في الطعام والملبس وأشغال البيت، فكانت تحزن علي كثيرًا، وأحيانًا تبكي بحرقة. وعندما عدت إلى بيت جدتي حاول الجميع استجوابي عما تسألني أمي وأهلها، وعما أشاهده في بيت جدي، فقلت لهم ذلك تحت التهديد بحرماني من رؤية أمي إن أنا كذبت عليهم، أو أخفيت شيئًا مما سمعت ورأيت عندهم، فكانت أجوبتي عن أسئلتهم سببًا بمنعي من حضور حفلة خطوبة خالتي رجوى .. 39 سهرت هذه الليلة ودمعتي تلوب بين جفوني، فلا أنا قادرة على إطلاق سراحها، ولاأنا قادرة على حبسها في عينيَّ تحرقهما.. جلست أفكر بحفلة الخطوبة والعروس خالتي رجوى التي أحبها كثيرًا، فهي تهتم بي عندما أكون في بيت جدتي، وهي التي تواسيني عندما تجدني حزينة وتعمل على إخراجي من دائرة الكآبة التي تحيط بي في بعض الأحيان، فتنتشلني من بين أنيابها المفترسة.. صحيح هل للكآبة أنياب مفترسة كالليث والنمر والفهد والضبع؟.. آه كم أحب رؤية هذه الحيوانات عن قرب، سأطلب من أبي أن يأخذني إلى حديقة الحيوانات لمشاهدتها، سيكون ذلك جميلا جدا، ياااه نسيت بأن زوجة أبي ستمنعه من ذلك، حسنًا سأطلب من أمي أو جدتي الذهاب بي إلى حديقة الحيوانات.. أمي الآن وجدتي وخالاتي سعداء بخطوبة خالتي رجوى وأنا حزينة.. هم يغنون ويرقصون، وأنا أحترق بصمت.. جدتي لأبي ترفض أن أذهب لحضور الحفلة بتحريض من والدي الذي أقنعته زوجته بأن أهل أمي يستجوبوني لمعرفة أسرار حياتي في بيتها، على كل أنا لم أكذب بما قلت، فهي وأبي يخبراني بأن في سقف البيت الخشبي أفعى نسمع خشخشة حركاتها في الليل عندما نطفئ النور في غرفة النوم في بيتنا الجديد الذي انتقلنا إليه مؤخرًا، وهو عبارة عن غرفة واحدة ننام فيها جميعًا، ونستقبل فيها الضيوف أيضًا.. حالة والدي المادية أصبحت سيئة جدا في الآونة الأخيرة، ولم يعد يأتي إلى البيت في فترة الظهيرة لانشغاله في دكانه الذي يبيع فيه، ويتناول غداءه عند جدتي فبيتها قريب من مكان عمله، وتذهب زوجته لتأكل عند أمها، وأبقى أنا وسها في البيت، وغالبًا مايكون طعامنا سندويشة واحدة طوال اليوم، وكل يوم تطلب مني أمي النوم قبل وصول أبي، فأسألها أن تعطيني بعض الخبز لإسكات الجوع فتقول بأنه ليس في البيت خبز، وعندما يعود أبي سيحضر معه الخبز، ولكنني أنام قبل قدومه خوفًا من الأفعى، وعندما أصحو من النوم والجوع يعض معدتي أسمع صوت خشخشة الأفعى في السقف والنور مطفأ، فأدفن رأسي تحت المخدة خشية سقوطها فوقه فتعضني هي الأخرى.. 40 ماأصعب الهم عندما يسكن في قلب طفلة صغيرة مثلي، يحرمها العيش الهني، ويلون أيامها بالسواد.. عندما أرى قوس قزح أنظر إليه بإعجاب، وأغبطه على ألوانه الجميلة، وأتمنى أن تعشعش في قلبي فتنير حياتي بالجمال، الأخضر والبرتقالي والأصفر والأزرق ألوان أحبها مثل البوظة المشكلة الألوان بالكيوي، والحليب، والشوكولا، والأناناس، والمانجا.. عندما يصبح معي نقودٌ سأشتري فستانا بألون قوس قزح، ولن أترك البوظة تسقط عليه، وأنا أتناولها من البوري البسكويتي اللذيذ، سيكون الفستان جميلا بلا شك.. ياالله لاأدري لماذا كُتب علي الحزن والحرمان، وما الذي يعجبه بقلبي الصغير الذي لايستطيع مقاومة أسنانه الطويلة، وفمه الواسع، فيلوكني بهمه دون رحمة، فلايشفق علي كخالتي زوجة أبي..أحيانا أراها بشعة.. مخيفة كالضبع الذي رأيته محنطًا في أحد معارض الحيوانات بالقرب من سوق الحميدية.. أنا لاأحب الضبع قال لي أبي عنه بأنه خبيث، ونتن.. أين أنت ياأمي ليتك تأخذيني، وتدفنيني في صدرك الدافئ الحنون فترتوي عظامي دفئًا، فلا أحس ببرد الغربة عنك.. ليتهم لم يسلخوني عن صدرك فشبعت منك حليبًا يسعف جوعي عندما أطلب طعامًا فلا أجده.. أتراني أخطأت عندما أخبرتهم بأنني قلت لك كل شيء عن حياتي معهم؟ أنبتني جدتي كثيرًا، فقلت لها لقد أصابك الخـَرَفُ ياجدتي.. فجن جنونها، وقامت الدنيا فوق رأسي ولم تقعد.. اتهم الجميع أمي، وأهلها بأنهم يقولون ذلك عن جدتي.. أقسمت لهم بالله بأن أمي لم تذكر ذلك يومًا، لم يصدقني أحد، وحاربني والدي ثلاثة أيام دون أن يكلمني أو ينظر إلي، فازددت همًا فوق همٍّ.. سألت نفسي هل سأظل أسيرة ظلمهم العمرَ كله؟ لم أجد جوابًا ولكنني على أيةِ حال سأنام الآن، وقد بيَّت أمرًا سأنفذه في الغد بإذن الله . بقلم زاهية بنت البحر يتبع الحقوق محفوظة |
رد: مذكرات سحاب
أختي الحبيبة زاهية لا أصدق أنه قد فاتني هذا الكم دون انتباه منيّ سلم هذا القلم الرائع المبدع سأتابع القراءة وأحب أن أزف إليك بشرى ابتدائي بترجمة هذه المذكرات اليوم أحيلك غاليتي إلى هذا الرابط http://www.nooreladab.com/vb/showthr...4126#post94126 أسأل الله لك الصحة والعافية ودوام الإبداع وأطلب منه التوفيق في الترجمة لإعطاء هذا العمل ما يستحق إن شاء الله |
رد: مذكرات سحاب
بارك فيك ربي أختي الغالية أستاذة منى سأتابع نشر المذكرات لك الشكر والتقدير على ماتقومين به من عمل كريم أختك زاهية بنت البحر |
رد: مذكرات سحاب
http://www.alamuae.com/gallery/data/...alamuae-65.jpg مذكرات سحاب 41 حاولت النوم فلم تغمض لي عين، وكأن سرير عمي مليء بالأشواك رغم أن جدتي تهتم به بغياب صاحبه في أمريكا منذ زمن.. ليت عمي يأخذني إلى أمريكا، فيريحني من ظلم الجميع لي.. حتى عمتي التي ربتني لم أعد أراها إلا نادرًا، فقد شغلت بابنتها وزوجها عني، أحيانا أتمنى لو أنها ظلت عانسا، وبقيت بقربي ترعاني وتحنُّ علي، فجدتي أصبحت شبه عاجزة لاتستطيع رعايتي، وفهمي نفسيًا رغم حكمة الشيوخ لديها.. أه ياجدتي آه.. ماكنت أعرف معنى الخَرَف قبل أن أتفوه بها في وجهك.. كنت أظنها تقال لمن أصبح شيخًا، وأنت قد وصلت سن الشيخوخة، ولكنك تحملين عقلا كبيرًا.. أجل هو كذلك أنت لست بقليلة العقل، ولكن مادمت تحملين في رأسك عقلا كبيرًا، فلماذا تركت أبي يطلق أمي؟ لماذا لم تردّيني إلى حضنها عندما أخذوني منها؟ لاشك هناك الكثير من الأسئلة التي سأطرحها مستقبلا عندما أكبر، ويصبح باستطاعتي السؤال والبحث عن الجواب الذي يريحني من عذابي وقلقي.. آه ياجدتي ليتك تجربين ما أعانيه من مرِّ العذاب، لتعرفي ثقل ما أحمله في قلبي الصغير حجمًا، الكبير همًا لأسرعتِ بمداواة جراحي، وعملتِ على ضمي لأمي وأبي معًا، وإبعاد زوجته عني وأنيابها التي لاترحم.. ترى من المسؤول عن تشردي النفسي، وحاجتي إلى الحنان والاستقرار؟ والله العظيم حرام عليكم جميعًا أن تتركوني غارقة في بحر الألم، أولست ابنتكم؟ أولست إنسانة تحس وتشعر؟ أولستُ طفلة لاذنب لها فيما حدث ويحدث؟!! أحيانًا أحس بكراهيتي للجميع.. للعالم كله وحتى لنفسي، فأبكي بعيدًا عن عيون الجميع هربًا من نظرات وكلمات الشفقة الكريهة.. الشفقة الكاذبة التي تغضبني فأرفضها بكل المسميات.. أريد حبًا حقيقيًا يمنحني الأمن والسعادة لاشفقة تزيدني شعورًا بالحرمان والنقص، وبأنني عبء على من حولي. ماذنبي ؟ ماذنبي؟ ماذنبي؟ 42 وأنا أبكي وأتساءل عما جنيته في الحياة كي أزجَّ في جحيم لايطاق، يحرق زهو طفولتي، ويمزق أفراح قلبي البريء، سمعت صوت المؤذن في تسابيح الفجر، اقشعر بدني، وانهمرت دموعي فوق خدي تطفئ نار قلبي.. سرى في شراييني إحساسٌ غريب ماعرفته من قبل.. إحساس جعل نبضي يتسارع فلم أستطع التمييز بين الخوف وشيء آخر لاأدري ماهو، ولكنه على أي حال كان يشعرني بشيء من الطمأنينة.. أصغيت بكلِّي لصوت المؤذن، المنبعث من مئذنة المسجد القريب من بيت جدتي.. أحسسته قريبًا مني.. سبحان الحي القيوم.. ماذا يعني الحي القيوم.. من سيشرح لي ذلك؟ سبحان الواحد الأحد الفرد الصمد.. مامعنى الصمد؟ أنا أقرأها في الصلاة ولكنني لاأعرف معناها.. ترى أين أجد تفسيرًا لها؟ سأبحث عنها غدابإذن الله.. ياالله ما أعظم هذه التسابيح.. لم أسمعها في مثل هذا الوقت سابقًا، فأنا أجبرُ على النوم باكرًا، ولاأحد يوقظني لصلاة الفجر حاضرًا.. نهضت من سريري خلسة وذهبت للوضوء دون أن أحدث أي صوت يوقظ جدتي وجدي.. وعندما خرجت من مكان الوضوء، وجدت جدتي تقف أمامي، والدهشة تعتلي وجهها الشاحب، ومالبثت أن ابتسمت لي عندما رأت المياه تبلل وجهي وشعري ويدي وقدمي.. اقتربت مني وقبلتني بحنان، فاندفعت نحو صدرها أزرع نفسي في حضنها، فوجدتها تقع فوق الأرض مغشيًا عليها، فصرخت بخوف صرخة مزقت أستارالليل وغشاء الطبل في أذني جدي. 43 أعيدت جدتي بعد عدة أيام إلى المنزل، وهي بصحة جيدة بعد أن أسعفت وأدخلت غرفة العناية المركزة في المستشفى، إثر إصابتها بهبوط مفاجئ بالضغط.. لم أسامح نفسي على فعلتي النكراء عندما ارتميت في صدر جدتي المسكينة، فوقعت مغشيًا عليها.. لأول مرة تمتد يد أبي نحوي بالضرب، ويقسوعلي بالتأنيب كما فعلت عماتي وأولادهن وعمي محمود أكبر أفراد الأسرة، لقد شفى تعرضي للإهانة من الجميع قلب زوجة أبي مني، فرأيت السعادة ترقص في عينيها دون أن تنبت ببنت شفة.. بنت شفة؟ وهل للشفة بنت وولد؟ نعم.. نعم تذكرت ماقالته المعلمة يوم شرحت لنا معناها.. بنت الشفة هي الكلمة أجل الكلمة وليس الابتسامة.. ولكن من هو ابن الشفة؟ هذا مالاأعرف.. ولكن زوجة أبي تعرف ماتريد جيدًا ليتها تتفهم وضعي وتساعدني على تخطي أزمة حياتي الكبرى بابتعادي عن أمي، بل ليتها تضع ابنتها في موضعي، وترى كيف سيكون إحساسها تجاه زوجة أبيها، ربما جن جنونها إن هي علمت بما تفعله بها تلك الزوجة التي حلَّت محلها.. ياويلي لو أنها تعرف بما أفكر به لكانت قضت على حقدًا وكراهية، ولظنت بأنني أسعى لعودة أمي لأبي، وطلاقها هي فيصبح أولادها في رعاية أمي، هذا حلم أدعو الله أن يحققه، وتطرد هي من بيتنا.. سأطلب من أمي أن تعامل أولادها بقسوة كما كانت أمهم تعاملني، فليس هناك أحد يفضلني ولو كانوا أخواتي.. سها لاتطلب من أمها الكفَّ عن تعذيبي، وأنا عندما تعود أمي إلى البيت الجديد الذي اشتراه والدي، وسننتقل إليه قريبًا كما قال، لن أطلب منها الكفَّ عن تعذيب سها وهدى وحتى سامح الصغير البريء الذي لايستطيع الدفاع عن نفسه مثلي تمامًا انتقامًا لي منهم، أولستُ أنا أيضًا طفلة بريئة؟ مامعنى بريئة؟ أظن أنها تعني كما قالت المعلمة: نظيفة طاهرة لايشوبها ذنب، وعندما ستبكي هدى وسامح سأبكي معهم وأمي تضربهم ولاتطعمهم، وسأظل طفلة بريئة مادمت أبكي لأجلهم.. ترى هل سيحاسبني الله على نية الشر لأخواتي؟ مادام الأمر سيسبب لهم ألمًا وظلمًا، فسأحاسب عليه ولو ظنًا، فكيف سأكون بريئة وأنا أضمر الأذى لغيري ولأمي باقتراف الذنب؟ ليت زوجة أبي تكف عن اقتراف الذنوب ليتها.. 44 عندما دخلت غرفة جدتي لأراها بعد عودتها من المستشفى، كنت خجلة جدا منها، فأطرقت رأسي أرضًا وأنا أقبل يدها، فجذبتي نحوها وضمتني إلى صدرها والدموع تنساب من عينيها المتعبتين.. أدهشني تصرفها هذا وزادت دهشتي أكثر عندما قالت لي: كنت سعيدة بك ياسحاب وأنا أرى آثار الوضوء على وجهك ويديك.. كان شعرك يلمع تحت الضوء الخافت ووجهك يكتسي نورا.. أنا آسفة ياحبيبتي أن سببت لك الخوف عندما وقعت مغشيًا علي.. ليس بسببك وقعت ياابنتي، فقد نهضت من سريري للوضوء، وأنا أحس بدوخة وشيء من الحرارة في جسدي، ولكن يبدو أن ضغط الدم انخفض عندي عندما قمت بسرعة، ولم أنتظر بعض الوقت قبل الوقوف.. اطمئني ياسحاب فأنت بريئة، وقري عينًا، ولاتشعري بتوبيخ الضمير من أجلي، فقد كان الأمر كله قضاء وقدرا، ولسوف أعيد لك حقك ممن أهانك وممن ضربك عندما اتهموكِ ظلما بما حدث لي.. فقلت لها بفرح: لايهم ياجدتي ماتعرضتُ له من ألم مادمت قد عدتِ إلينا سالمة.. الحمد لله..الحمد لله.. جدتي مامعنى الحي القيوم والصمد؟ كان لعودة جدتي إلينا وكلامها أثر كبير في مداواة جراحي وعودة ثقتي بنفسي واحترامي لذاتي بعد ما أصابني ما أصابني من تجريح وتقريع من الجميع.. ياالله ما أعدلك وما أنصفك للمظاليم، فانصفني يارباه من زوجة أبي التي لاتخافك بي إنك على كل شيء قدير.. بقلم زاهية بنت البحر يتبع |
رد: مذكرات سحاب
عزيزتي الأديبة زاهية بنت البحر ما زلت متابعة لهذه القصة الإجتماعية الرائعة وفعلاً تستحق الترجمة بارك الله بكاتبتها وبمترجمتها العزيزة أستاذة منى دمتم بخير |
رد: مذكرات سحاب
[frame="13 80"]
شكرا لحضورك أستاذة ناهد والشكر موصول لجميع إخوتي وأخواتي الكرام فردا فردا الذيم عقبوا على القصة، فلكم جميعا الدعاء بخير الحياتين . [/frame]أختك زاهية بنت البحر |
رد: مذكرات سحاب
http://www.alamuae.com/gallery/data/...alamuae-65.jpg مذكرات سحاب 45 تكلمت جدتيكلاما جميلا وهي تشرح لي معنى الصمد والحي القيوم ولكنني لم أفهم أكثره.. مازال استيعابي للمعاني الصعبة ضعيفًا و قلت لها بأنني أحفظ سورة الإخلاص وآية الكرسي فسهل الأمر عليها وراحت تشرح لي المعاني على قدر ماتعرف.. قالت: إن سورة الإخلاص (قل هو الله أحد *الله الصمد *لم يلد *ولم يولد*ولم يكن له كفوًا أحد*) تعادل ثلث القرآن.. ياااه سورة صغيرة لاتتجاوز السطر تعادل ثلث القرآن؟ سبحان الله كم لهذه السورة من فضل عند الله، وقالت أيضًا: ثبت في حديث أن رجلا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركوع قال: اللهم لك الحمد، أنت الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من الذي قال بهذه المقالة أو دعا بهذه الدعوة؟ فقال الرجل: أنا فقال: لقد سألت الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى .. سبحانك ربي عزَّ شأنك لم أكن أعرف أن اسم الله الأعظم في هذه السورة.. سأدعوه بها أن يفرِّج عني همومي وأن يسعد أمي المسكينة التي طلقت وهي صغيرة في الثامنة عشرة من العمر.. نعم سأفعل ذلك بإذن الله وسأتوجه إلى الله الفرد الصمد بالدعاء، والصمد كما قالت جدتي نقلا عن العلماء المفسرين: الصمد التي تصمد إليه القلوب الذي يجب أن يكون إلاها، يعني التوجه إليه وحده فكرًا وقلبًا وجسدًا. وكما قربت لي المعنى فقالت: إن الكفار كانوا يصمدون إلى أصنامهم وهم يتعبدونها أي يتوجهون إليها.. وفسر الصمد بأنه السيد الذي انتهى سؤدده، ولا شك أن هذا وصف لله سبحانه وتعالى أنه السيد. فهمت بعض ماقالته جدتي وعندما أكبر سأفهم القول كله بإذن الله.. 46 قال جدي عندما سألتُ جدتي عن الحي القيوم: “الحي القيوم ياسحاب هو من أسماء الله الحسنى، وهي كثيرة، ومعنى الحي: الذي يدوم وجوده ، فلايموت مثل الناس الذين يموتون بانتهاء أعمارهم، وإنما لم يزل الله سبحانه وتعالى موجودًا ولايزال موجودًا، فليس شيء قبله وليس شيء بعده.. والقيوم ياابنتي هو القائم الدائم بلازوال، قال الله تعالى في آية الكرسي في سورة البقرة( الله لاإله إلا هو الحي القيوم لاتأخذه سنة ولانوم ).. فنفي السَّنَة والنوم دليل على كمال حياته وقيوميته، والحي القيوم مذكورة في القرآن في ثلاث سور.. في سورة البقرة وآل عمران والعنكبوت، وهما من أعظم أسماء الله الحسنى، حتى قيل: إنهما الاسم الأعظم، فإنهما يتضمنان إثبات صفات الكمال أكمل تضمن وأصدقه. سألته مامعنى القيوم؟ أجاب: يدل القيوم على معنى الأزلية والأبدية ما لا يدل عليه لفظ القديم. قلت له: دوختني ياجدو مامعنى هذا الكلام ؟ فقال : سأقرب لك المعنى: هذا الكلام يدل أيضا على كونه موجوداً بنفسه، وهو معنى كونه واجب الوجود”… سألت جدي وكيف لي ألا أموت ياجدي فأنا أريد أبقى مدى الحياة حية؟ ابتسم جدي فبانت أسنانه والفراغ مشوهًا لها بعد أن خلع بعضًا منها ثم قال لي بهدوء: كل إنسان سيموت ياابنتي، هكذا أراد الله عزَّ وجل الذي خلقنا في الدنيا لنعبده ولنتقرب إليه بفعل الخير، ثم نموت ويبعثنا يوم القيامة للحساب، فمن عمل خيرًا يجده محضرًا له، ومن عمل شرًا يجده محضرًا له أيضًا، ولايظلم ربك أحدًا، ثم يجزى بأعماله فإما أن يدخل الجنة، وإما والعياذ بالله فمصيره النار.. وأنا أسمع كلام جدي أحسست برعشة تنتاب جسدي الصغير والخوف يقفز في صدري فقلت لجدي: - لاأريد دخول النار ياجدي ا دع الله أن يدخلني الجنة.. ضحك جدي وهو يقول: لايستطيع أحد أن يشفع لأحد وإنما أعمالك الحسنة هي التي تدخلك الجنة، وتمنعك من النار. فسألته كيف ياجدي؟ أجابني: أن يكون إيمانك بالله سليمًا صحيحًا صادقا وأن تؤمني بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر بخيره وشره. سألته: هذا فقط؟ أجاب: وأن تقومي بما أمرنا به من عبادات، وتنتهي عما نهانا عنه. فسألته : بماأمرنا الله ياجدي؟ قال: بالصلاة والصوم والزكاة والصيام وحج البيت من استطاع إليه سبيلا.. فقلت له بسيطة سأعمل بها ياجدي بإذن الله لأدخل الجنة وألتقي فيها مع أمي وأبي معًا وتكون أنت وجدتي وكل من أحب معنا أيضا. وعندما أويت إلى فراشي سألت نفسي مامعنى الحي القيوم ؟ 47 مضى وقتٌ طويل لم أكتب فيه مذكرات، خاصة بعد أن عدت للعيش مع أبي وزوجته عندما انتقلوا إلى بيتهم الجديد، فقد مررت بظروف نفسية جعلتني أبتعد عن أوراقي الصغيرة، فهجرتها دون رحمة كقلب الظالمين من الناس.. أحس بأن هذه الأوراق هي شيء غالٍ يحدثني وأحدثه.. أرمي في صدره كل مالا أستطيع البوح به للآخرين، فيظل أمينًا لايشي بي لأحد..أبكي فوق سطورها وأضحك عبر كلماتها وأسجل ماأراه من مشاهدات، وما أزوره من معالم أثرية، وما أتعلمه من أمورعلمية وحياتية، وعندما أعود إليها مرة أخرى أجدها حياة عامرة بكل ماللناس من شؤون.. لم أكن أتوقع أن تكون مذكراتي هامة بالنسبة لي إلى هذا الحد، الذي أدهشني عندما عدت إليها اليوم، ولكم تمنيت أن أسترجع مذكراتي التي سلبتني إياها زوجة أبي.. على أية حال فالمذكرات مازالت موجودة عندها فهي لم تمزقها لأنني لم أر بقايا الأوراق في صندوق القمامة.. ياللقسوة أيعقل أن تلقى مذكراتي في صندوق القمامة ؟ أليس هناك احترام لحياة الإنسان بكل تفاصيلها حتى لو كانت مذكرات؟ أوليست سجلا لحياة عاشها ومنها يتعلم الآخرون؟ ولكن مابالي أتحدث عن نفسي وعن مذكراتي وكأني شخصية مهمة؟ ياااه كم الإنسان هو محب لنفسه لدرجة الغرور، ولكنني لست مغرورة أبدًا، ولاأدري كيف سيتفق الغرور مع من هو مقهور؟ أنا مقهورة في هذه الحياة،مقهورة جدًا، ولولا إيماني بالله، وثقتي بعطفه، وأنه يكفيني كل الدنيا وما فيها لمتُّ حسرة وألما.. 48 في رمضان شعرت بأنني أولد من جديد فقد راح الجميع يهتمون بي حتى زوجة أبي، فقد تغيرت معاملتها لي، ولم تعد تتعبني بأعمال البيت بل جعلت العمل موزعًا علينا نحن الثلاث، هي وأنا وسها.. فشعرت بقيمة هذا الشهر المبارك، وسأظل ماحييت أحتفظ له بالمحبة والتقدير.. ليت أيامنا كلها رمضان، ففيه كثرت العبادة من صوم وصلاة وقيام ليل وتهجد، وكنت أذهب وسها برفقة أمنا إلى المسجد القريب من بيتنا، فنصلي هناك التراويح في القسم الخاص بالنساء بينما تضع الصغير سامح عند والدتها العجوز ريثما نعود من التراويح.. لقد انتظمت زوجة أبي في الصلاة، فلم تعد تؤخر فرضًا أو تتركه، وكانت توقظني للسحور، وتطعمني كثيرًا كي لاأحس بالجوع.. ولم تعد تنظر إلي بكبر ولاكراهية، وكانت تقرأ القرآن وتطلب منا ذلك، سبحان الله مغير الأحوال وهادي البشر لما يحب ويرضى.. سألت أبي ذات وقت: لماذا يسمى رمضان شهر القرآن ؟ أجابني: لأن القرآن الكريم نزل على رسولنا الحبيب عليه الصلاة والسلام في هذا الشهر المبارك، وفيه تكثر قراءته وكلما ازداد المؤمن منه قراءة وتفكرًا فيه وتدبرًا ازدادت حسناته.. فقلت: ياالله ماأنفع القرآن ورمضان لنا. قال: شهر رمضان ياابنتي أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار . فسألته مامعنى عتق من النار ياأبي ؟ فأجاب: سأضرب لك مثلا كي تفهمي المعنى ياسحاب قرأته ذات يوم من كتاب لم اعد أذكر اسمه.. مثلا لو كان عندك عبدٌ اشتريته بمالك الخاص، وليس لأحد عليه سلطة غيرك أنت التي تأمرينه وتنهينه، وإن خالفك أدبته بالضرب أو بالحرمان مما يحب، فأنت حرة لأنه ملك لك، وجاء يوم أن أحسن هذا العبد فلم يخالفك بشيء فكان طيبًا مجيبًا لكل طلباتك وزاد في ذلك أعمالا حسنة، فكافأته بأن أطلقت حريته وقلت له: أنت حر لقد أعتقتك في سبيل الله فاذهب فأنت طليق.. وهكذا يعتقنا الله من النار عندما نكون كما يحب ويريد، فيحررنا من النار، ويعتق رقابنا منها فيطلقنا إلى جنات النعيم. 49 كنت وأنا صغيرة أسأل نفسي ماهو الصوم، ولماذا يصوم الناس بأمرٍ من الله ، ولماذا في شهر رمضان تحديدًا؟ لم أكن أفهم شيئًا مما يقوم به الكبار غير أنه واجب ديني لا أعرف عنه سوى تلك التقاليد المتبعة من امتناع عن الطعام من الفجر وحتى غروب الشمس، يتحملون فيه الجوع والعطش وخاصة في أيام الصيف الحارة، وذات مرة قلت لجدتي الصائمة عندما كانت تشكو من ألم شديدٍ في رأسها، ولم تستطع تناول حبة من الدواء لتسكينه قلت لها: ادخلي الغرفة ياجدتي، وأغلقي النوافذ والباب، فتظلم الغرفة قبل الغروب وعندها تناولي حبة الدواء فيشفى رأسك من الصداع .. يومها ضحكت جدتي حتى سمع صوت ضحكتها جدي الذي كان يسقي الزهور في الشرفة، فأسرع سعيدًا ليشاركها فرحتها ظنَّا منه بأنَّها قد شفيت من وجع الرأسِ، وعندما علم السبب ضمني إلى صدره ضاحكًا، وراح يشرح لي ماكنت أجهله عن الصوم ووقته. قال جدي: ياسحاب لقد خلق الله الإنسان وهذا المخلوق الإنساني مثلي أنا ومثلك ومثل جدتك خلقنا روحًا وجسدا، فالروح سامية نقية دائما تشد إلى الطاعة والعبادة والرقي، أما الجسد فيظل ملتصقًا بالأرض، ويمشي عليها فيسعى وراء الشهوات من الطعام والزينة والنساء وغير ذلك .. سألته: ولكن لماذا نصوم ياجدي؟ قال : مايجب أن تعرفيه لتفرقي بين العبادة لله سبحانه وتعالى، والعادة التي ترين الناس قد تعودوا عليها في الصوم من جوع وعطش . حاشا الله عز وجل ياابنتي أن يكون المراد من الصيام هو تجويعنا وتعطيشنا وإتعابنا، والله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين، وهو أرحم من الأم بولدها، بل إن الله قال في آخر آيات الصيام “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” (البقرة 185) سألته- إذا ماهي الغاية من الصيام؟ أجاب- الغاية الأولى والهدف الأسمى من صيام رمضان هو إعداد القلوب للتقوى ومراقبة الله. وإعداد القلوب للخوف من الله سرا وجهرا. فالصوم يبعد القلوب عن القسوة فتصبح رقيقة شفافة وحساسة، وأيضا يجعلها تخشى الله وتراقبه في أعمالها وأفكارها. سألته: ماذا يعني هذا؟ أجابني: يمعنى أن الصوم يوقظ القلوب من غفوتها فما فسد منها خلال وقت من الأوقات فبالإيمان والعودة إليه يرقق القلوب ويوقظها باللين وليس بالقسوة، فالإسلام دين محبة يقود الناس بالتقوى والرضى ومراقبة الله، والخشية منه، وليس بالسلاسل والضرب. 50 تابع جدي الكلام الجميل الذي جعلني أنوي الصوم، فأمسك بكتاب صغير وراح ينظر فيه ويقرأ ويشرح لي مالا أفهمه، فتحدث عن ثمرات الصيام . سألته: وهل للصيام ثمرات تؤكل ياجدي؟ أجاب باسما: نعم له ثمرات ولكنها لاتؤكل بل هي غذاء للروح. - مثل ماذا؟ - ”رقة القلب وغزارة الدمع، وذلك من أسباب السعادة، “فإن الشبع مما يذهب نور العرفان، ويقضى بالقسوة والحرمان” لم أفهم ماذا يقصد جدي بهذا الكلام فطلبت منه تفسيره فقال: كثرة الطعام والشراب لها أثر كبير على فساد القلب واسترخاء العقل والكسل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: قاطعته قائلة: “ما ملأ أبن آدم وعاء شراً من بطنه” صفق لي جدي فرحا وأضاف قائلا: وقال أيضًا “إياكم والبطنة فإنها تقسي القلب”، وقال الطبيب العربي المشهور: ابن كلدة “الحمية رأس الدواء والبطنة رأس الداء”، فصألته: ماذا يعني البطنة؟ قال: الأكل الكثير الذي يسبب الأمراض والحمية الإقلال من الطعام المضر للجسم فقالت: الحمد لله أننا في بيتنا نعيش على الحمية ولن نمرض بسبب كثرة الطعام. تابع حديثه دون ن ينتبه لما قلت: وقال سفيان الثوري: “إن أردت أن يصح جسمك ويقل نومك فأقلل من الأكل”.. ولذلك فان تقليل الطعام والشراب يجعل القلب نشيط وينوره ويجعل العقل أكثر وعيا ويضيق مجاري الدم التي يجري فيها الشيطان، فتهمد شهوة الجسد وينشط نور القلب، وهذا كله من فضل الله علينا بالصيام، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: “من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجه في أن يدع طعامه وشرابه” مازال جدي يتكلم بكلام لاأفهم أكثره، ولكنني عرفت لماذا نصوم والحمد لله. بقلم يتبعزاهية بنت البحر الحقوق محفوظة |
رد: مذكرات سحاب
لقد اكتشفت هذه الرائعة للتو.. ولم استطع التوقف عن قراءتها كاملة..
بارك الله فيك أستاذة زاهية .. قصة جميلة مشوقة.. تعكس انسانيتك واحساسك المرهف.. أحييك على طرحك المتجدد لكثير من الأمور.. تقبلي مودتي وفي انتظار التتمة.. هلا |
رد: مذكرات سحاب
فخورة بكم جدا ياآل نور الأدب، أهلا بكم قراء ومعقبين أشكركم جميعا الأستاذة هيفاء، الاستاذة ناهد الأستاذة هلا. وكل الأعزاء والغاليات من أضاءوا هذه المذكرات بحضورهم المنير. لكم شكري وإن شاء الله سأتابع نشر المذكرات قريبا. أختكم زاهية بنت البحر |
رد: مذكرات سحاب
الله عليك أختى زاهية أو مريم
سحاب بل سحب كثيرة في وطننا العربي نتاج سوء الإختيار أو الظلم أو ... أو... أسلوبك رائع يأخذ بيد القارئ في دروب قصتك حتى نهايتها ... أبدعت أختي زاهيه زادك الله علما ورقة وإبداعا |
رد: مذكرات سحاب
الأستاذة العزيزة زاهية بنت اللالئ والمرجان مذكرات سحاب رائعة جداً وأنت منبعاً للعطاء ورمزاً للوفاء أنت صاحبة القلب الذي يشع عطفاً وحناناً لذلك لا تحرمينا من هذا الإبداع فأكملي لنا هذه المذكرات الرائعة ننتظر ذلك بفارغ الصبر دمت بمحبة وكل خير :nic32::nic24: |
الساعة الآن 30 : 01 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية