منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   اليتيمة و الفستان (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=17769)

نصيرة تختوخ 31 / 10 / 2010 31 : 07 PM

اليتيمة و الفستان
 
أطبق عليها شراك الكآبة المتين مجددا واستسلمت في الغرفة التي تضيق بالأسِرَّةِ الثلاثة لصمتها الحزين و لشجونها التي لو خرجت أصواتا لأغرقت المدينة في نواح يمزق الأرواح.
لو كان والدها حيا لما انقلب حالها إلى هذا الوضع البائس، لو كان لازال حاضرا لما اضطرت لترك مقاعد الدراسة و العمل كآلة ستنتهي بالتلف و الاستبدال.
لو ثم لو تبعتهما تنهيدات حسرة لا تجدي فكم مرة استحضرت نفس الافتراضات وماأفاد ذلك في تغيير واقعها قيد أنملة.
المرض جعل من جسد الحداد الشديد كومة عظم يغلفها جلد شاحب و قاطرة الموت الرهيبة أخذته غيرآبهة بمن سيبقون خلفه.
تركها والدها سالم الغلاب و في عنقها ثلاث أخوات و زوجة ليست بأمها ،زوجة أب تقترب منها مع الزمن لكن بخطى بطيئة جدا.
في المصنع هذا اليوم تحدث الذئب عن صاحب المصنع الجديد قال أنه سيخاطبهم غدا وأنه فرنسي، كان الذئب يتكلم, ينتقل من عبارة لأخرى و يعود إليها بنظراته و هي تعرف ما يريد .
قال لها ذات يوم و هو يمسك كتفها بيده :' الدنيا أخذ و عطاء يامريم ؛ أنت شابة فاتنة ، لو تنتبهين أكثر بإمكانك أن تُسعدي و تَسعدي ، انفضي عنك غبار الحزن أيتها الحلوة و افتحي ذراعيك للحياة ولمن يقدر على مكافأة ابتسامتك و ضحكتك و لمسة يدك الناعمة .
كلمات كانت ثقيلة كالرصاص ، موجعة كمخالب توحي بالمداعبة وتدمي وكان كل ردها كتلة صمت.
شراك الكآبة زادها اختناقا و أغلقت عيونها لتغرق في بحر منام لايريح.
في الصباح أطل عليهن مسيو بلانشي و هن يعملن قال أنه صاحب المصنع الجديد و مديره أيضا و أن أشياء كثيرة ستتغير في طرق الإنتاج و التوزيع لكنه أكد أن لاأحد سيفقد عمله فالهدف التوسيع و الزيادة لا التقليص.
نزلت عبارات الكهل دافئة و مطمئنة على خلاف خطابات المدير السابق و قراراته.
على زجاج الممرعلقت إعلانات لاختيار مصممين جدد و المطلوب مؤهل تعليمي وخبرة و نموذج من صنع الراغبين في الالتحاق بالقسم.
راتب مريم ليس يكفي للادخار ، ليس يسعفها لشراء ما تحتاجه لتصميم زي ينال الإعجاب حتى جرأتها لا تكفيها لطلب قرض أو مصارحة أحد برغبتها في تقديم طلبها.
الذئب و لا شك يستطيع أن يدفع لها ماتريد ، يستطيع أن يساعدها إن أسعدته كما قال.
الذئب الذي يطاردها حتى في أحلامها و يمزق ثوبها و يخرج نهدها من شرنقته كفراشة مذعورة قادر على أن يحقق حلمها الغض .
مر أسبوعان و قدمت مريم علبة لسكرتيرة المدير قائلة أن محتوى العلبة متعلق بالإعلان الموجود في الممر.
بعد ذلك توالت الأيام و بدا وكأن الكآبة شرعت في نسج شراك جديد ومريم تشهد مجيء موظفين لاتعرفهم وهي لم تتلق ردا.
ارتفع صوت المكبر في إحدى الصباحات مناديا بأن 'مريم الغلاب ' عليها الالتحاق بمكتب المدير.
كانت اليتيمة خائفة لدرجة الذعر, أي إهانة ستسمع و أي توبيخ، كيف تجرأت و أي ثمن عليها أن تدفع ..هواجس رافقت خطواتها حتى وقوفها أمام المدير.
كان مسيو بلانشي يرقبها بنظرات فاحصة كاتما انطباعه .
سألها :'أتعرفين مادموازيل كوكو شانيل ؟ '
و ردت متلعثمة : 'لا سمعت فقط عن العطور أقصد عطور شانيل '.
ابتسم و رد: 'قبل أن تكون العطور كانت الأزياء، كوكو شانيل يا عزيزتي من أشهر مصممي الأزياء في العالم ، امرأة تركت بصماتها في هذه الدنيا قبل أن ترحل '.
توقف قليلا ، استدار و أخرج العلبة التي قدمتها مريم للسكرتيرة من خزانة خلف مكتبه.
تغير إيقاع القلب المتعب صار متسارعا ,مخيفا و صعدت غصة إلى حلق المسكينة الذي جف.
فتح المدير العلبة و كان الفستان لا يزال هناك ، فستان صغير على صدره كرزتان مطرزتان بإتقان و حزامه شريط من ثوب أحمر على يمينه جيب يغري بالاستكشاف وأدناه دانتيل ببياض الياسمين.
لامست أصابع المدير الفستان و واصل : هل لي أن أسألك كيف جمعت كل هذه المواد التي استعملتها ؟ '
اغرورقت عينا مريم بالدموع و أجابت : قماش الصدر و الكمين من بقايا قماش نخيطه هنا بالمصنع كان سيرمى لصغر حجمه،الأشرطة في الحزام و الجيوب اشتريتها ثمنها ليس مرتفعا ، الثوب السفلي استبدلته عند أحد التجار ببذلة قديمة لم تعد تنفع أحدا و الدانتيل
غلبت الدموع مريم و وقفت حجر عثرة في طريق كلامها .
أخرج مسيو بلانشي منديلا ورقيا من علبة مصنوعة من خشب الأكاجو تزين مكتبه و أعطاها إياه.
وأكملت :' الدانتيل قصصته من ثوب زفاف تركته لي أمي '.
حدق فيها مجددا و أضاف : ' لقد اخترت للمصنع مجموعة من المصممين تجمعهم الموهبة و الطموح ،هم يتفوقون عليك بشواهدهم و مؤهلاتهم الدراسية، البعض منهم سبق وأن شارك في تظاهرات و معارض لكل منهم تخصص محدد لكنهم في مؤسستي هذه ينتمون جميعا لقسم استحدثته هو قسم التصميم، أنت لن تكوني بينهم '.
تجرعت مريم مرارة الجملة الأخيرة وواصلت الاستماع.
' مادموازيل مريم، أنا لم يكن ليخطر ببالي أن أصادف كوكو شانيل في مصنعي المتواضع هذا ، شابة بمثل شغفك و إصرارك و إبداعك يمكنها أن تلحق بركب المصممين الآخرين ثقافة و دراسة لو ثابرت لكنهم لن يستطيعوا أن يكونوا بتميزها و قدرتها على الابتكار .'
سكت هنيهة و أضاف : ' ستكونين على رأس قسم التصميم إن قبلت وإن عملت بجد سيكون لك شأن أكبر. '
هزت اليتيمة رأسها معربة عن موافقتها و الدموع تغسل وجنتيها لكن الرجل لم يمكن قد أكمل حديثه بعد .
' لي عندك رجاء آخر , في الحقيقة هو رجاء زوجتي، تريد أن تشتري منك الفستان لحفيدتنا 'كلارا ' هاتان الاثنتان متعلقتان ببعضهما بشكل عجيب . في حالة إن قبلت هذا ظرف منها فيه رسالة شكر و مبلغ تظنه مناسبا لكن إن لم يناسبك يمكنك إعلامي طبعا '.
أمسكت مريم بالظرف و دقات قلبها المتلاحقة ترهقها .
على الرف العلوي في مستودع الملابس تركت وزرتها مطوية بعناية وغادرت المصنع.
كان الأفق اللازوردي يغري بالنظر إليه و أسراب الطيور العائدة من بلدان الشمال تحلق و كأنها مواكب احتفال ،لوحت لها مريم بكلتا يديها ثم جلست على مقعد الحديقة أمام النافورة العتيقة , أخرجت الظرف من جيبها و حمامات جريئات ,زاهيات, يمشين على طرف الماء .
Nassira

عادل سلطاني 31 / 10 / 2010 17 : 11 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
سمفونية رائعة مبدعتنا الفاضلة عزفت بحرفية عالية تشرفت بقراءة نص كفؤ جدير بأن ينتزع إعجاب كل ذائقة صافية .. ففلذتك الرائعة دون مجاملة " اليتيمة والفستان " فتحت كوى تأويلية عديدة تبرز الواقع الأنثوي الكادح المبدع من خلال شخصية نصك المحورية " مريم الغلاب " في مجتمع تسيطر عليه النزعة الذكورية المستبدة فما أكثر المرايم والذئاب في واقعنا مبدعتنا الفاضلة " نصيرة تختوخ" .. رائعة أخرى ذات لمسة نصيرية متميزة فنصك ينافس النصوص الأجنبية فهنيئا لنا بك أختاه ...
تحياتي

عبدالله الخطيب 31 / 10 / 2010 32 : 11 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
تلك هي لمسات نصيرة، كما لمسات مريم و شانيل
غاية في الأبداع و الرقي

نفسي أعرف، كم دفعت لها "ميسز بلانشي" في الفستان!!!... (أبتسامة)

نصيرة تختوخ 01 / 11 / 2010 22 : 01 AM

رد: اليتيمة و الفستان
 
أستاذعادل جئت لأطفئ الحاسوب قبل أن أنام فوجدت هذا التعليق المشرف منك،
يسرني فعلا أن تنال القصة إعجابك و أن ينتقل إحساس مريم إليك كقارئ فما يحدث في هذا العالم قاس فعلا و الإناث قد يحتجن أكثر من غيرهن لحماية و مؤازرة للوصول لبر آمن.
لك تقديري و تحيتي

نصيرة تختوخ 01 / 11 / 2010 24 : 01 AM

رد: اليتيمة و الفستان
 
تعجبني روحك المرحة أستاذعبد الله لكن مارأيك أن تسأل الحمامات أو الطيور المهاجرة بعد عودتها.
لك مني كل التقدير و مساء سعيد أتمناه لك.

ناهد شما 01 / 11 / 2010 23 : 02 AM

رد: اليتيمة و الفستان
 
[read]
الحاسة السادسة عندي اليوم كانت في أوج نشاطها الحمد لله
كنت واثقة بمفاجأة منك اليوم بالذات سبحان الله
كم هي رائعة قصتك عزيزتي أستاذة نصيرة
قصتك فيها من الصور الكثيرة والتي فيها العبر والحكم
هل كان يتوقع هذا الثعلب المراوغ أن توافق مريم على الرذيلة لمجرد انها فقيرة
وهل يتوقع كل غني أن المرأة الفقيرة هي التي تنساق بسهولة
ربما يحصل هذا في مجتمعنا ولكن هم قلة !! هم البعيدين عن الله سبحانه وتعالى
فالإنسانة الفاضلة لا تغريها مظاهر الدنيا وفلوسها القذرة حتى لو كانت بأمس الحاجة إليها
وهذه هي مريم الغلاب الصابرة الشريفة
لقد رزقها الله من أوسع ابوابه لماذا يا ترى ؟؟؟ !! وماذا لو انساقت وراء هذا الثعلب المكار وغيره
سبحان الله .... سبحان الله .... سبحان الله
أعجبتني جداً قصتك .. هذه القصة الإجتماعية ومن واقع الحياة وأتمنى للجميع أن يطلع عليها

أشعر أن قصتك لم تكتمل وإنها وصلت الى ما يسمى بالرواية أو القصة العقدة وان هناك جزء آخر
أتمنى ذلك
دمت ياغالية ودام لك الإبداع الهادف [/read]

منى هلال 01 / 11 / 2010 14 : 07 AM

رد: اليتيمة و الفستان
 
قصة جميلة أيتها القاصة المتمكنة نصيرة
أعجبتني كيف وقعت أحداثها في بلد أجنبي (فرنسا أو كندا)
ولكن هذا لم يمنع هذه الأنثى المسلمة العفيفة أن تظل متمسكة بدينها ومبادئها
ولم تستسلم لمراودة هذا الذئب عن نفسها

فكان في ذلك رضى من الله ورضوان في الدنيا (وربما في الآخرة أيضًا إن شاء الله)
فرضي المدير عنها وعيـّنها في مكانة مرموقة
لكي تصبح أرقى مكانا ومرتبة من الذئب نفسه
ولربما صاعت له الكيل صاعين وأذاقته الهوان جزاء ما كان يذيقها ويذيق أمثالها من الأنثيات الضعيفات الفقيرات.

سؤالي أنا هو كيف يكون لمدرسة رياضيات تلك الملكة والموهبة؟
:))

اختك منى هلال

نصيرة تختوخ 01 / 11 / 2010 54 : 11 AM

رد: اليتيمة و الفستان
 
العزيزة ناهد جميل أن تمري هنا و تتركي انطباعك عما كتبت، في الحياة كثير من الامتحانات و التجارب طبعا و من يتمسك بقناعاته أهم ما يفوز به هو رضاه عن نفسه.
لك تحيتي و تقديري عزيزتي

نصيرة تختوخ 01 / 11 / 2010 01 : 12 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
الأستاذة الفاضلة منى في الحقيقة صاحب المصنع الجديد أجنبي لكن القصة يمكن أن يكون مكانها أي بلد عربي و لا تدور بالضرورة في بلد أجنبي, للأسف فإن الغرب من الناحية المادية أكثر حماية لمواطنيه.
شمعة الأمل تبقى تضيء الدرب و الاستسلام لظلام اليأس لا يفيد صاحبه في شيء إن لم يزده تخبطا.
لك تحيتي و تقديري أستاذة منى و يسعدني مرورك من هنا

ميساء البشيتي 01 / 11 / 2010 32 : 12 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
غاليتي نصيرة
ها أنا قد وصلت فوجدت أن جميع الأحبة قد وصلوا قبلي
وهذا يا سيدتي الجميلة شيء يسعدني بحق .
القصة يا نصيرة جميلة جدا وأسلوب نصيرة أصبح مميزا ً
كعطرها الفواح الذي ينتشر بأروقة المنتدى حين تهل علينا
فهو مميز جدا ويحمل اسم نصيرة ..
طبعا سوف تسأليني ما هي القفزة التي أخبرتك عنها في مكان ما هنا ؟
القفزة هي أنه أسلوبك يا غاليتي أصبح أكثر انفتاحا .. وأخذت تعرضيننا
لقفزات ما هنا وهناك .. ربما تحتاجين قليلا من التركيز على هذه القفزة
حتى نصبح في حيرة من أمرنا .. أين تريد نصيرة أن توصلنا ؟
في بداية الحكاية تطرقت للذئب فراحت أذهاننا إليه .. في منتصف الحكاية
تطرقت للذئب مرة أخرى وكأنك توهميننا أنه لا مفر من اللجوء إليه .. هذه قفزات يا نصيرة ..
في النهاية هي وصلت ونجحت بمهارتها وعفتها ووجهت صفعة لهذا الذئب
ولكل من تسول له نفسه أن يتلاعب بمشاعر وأحاسيس الفتيات ..
نصيرة .. كنت أمام عمل إبداعي جديد فاحت رائحة عطره من العنوان
أبدعت يا نصيرة وننتظر المزيد من هذا القلم المذهل ...

نصيرة تختوخ 01 / 11 / 2010 35 : 01 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
فهمت قصدك أظن يا ميساء هو نوع من التشويق المتعمد أحببت أن يكون في القصة و أتمناه أن أكون قد نجحت في ذلك.
تسعدني إطلالتك أستاذة ميساء وأتمنى أن يمتعك و يعجبك دوما ماأكتب.
لك تحيتي و يوم جميل أتمناه لك

محمد السنوسي الغزالي 01 / 11 / 2010 46 : 03 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
رائعة هذه القصة ومُكتظة بكثير من الشحنات الدافقة فلماذا رأيتها انت غير ذلك في قسم البوح على ما أظن؟؟انها تجسد حالة واقعية من نسج الخيال..كثير من الخيال الباذخ يعالج قضايا انسانية مهمة..ومن هذا الخيل نص اليتيمة والفستان..اذ بالرغم من كل المكابدات والدموع والتداخلات والابتزاز ظلت مرفوعة الجبين.ولايهم ان يكون صاحب المصنع غير عربي..المهم الانسان..والانسان اولا...شكرا لك نصيرة.

نصيرة تختوخ 01 / 11 / 2010 06 : 04 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
أجل أستاذ محمد في الإنسانية رحمة و تعاون و كرم قد يسقط حواجز كثيرة.
لك تقديري و شكري على هذا الحضور المتميز و التلقائي

أسماء بوستة 01 / 11 / 2010 05 : 05 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
ما يشدني في قصصك أستاذة نصيرة أنك تحاولين أن تنقلي لنا صورا تمر يوميا أمام أعيننا من الظلم و الإبتزاز.. من الحرمان و الحب و الوفاء و الخيانة و غيرها، و لكن بطريقة ذكية مشوقة مع إستحضارلأمثال من الموروث الثقافي والعالمي كقصة معاناة و يتم و مثابرة المصممة العالمية قابريال شانال أو كما سميت في ما بعد كوكو شانال..أشكرك و أعبر عن إعجابي بروعة ما تكتبين.
تحياتي

نصيرة تختوخ 01 / 11 / 2010 38 : 05 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
هي الحياة ياأسماء بالمعاناة و الحب و البعد و الشوق و الحرمان و الطموح و الأمل..
بكل ما فيها تلهمنا .
يسعدني أن يعجبك ماأكتب وأن تستمتعي بما أقدم وأن تكوني حاضرة بيننا في نور الأدب.
تحيتي لك ياأستاذة أسماء

عبد الحافظ بخيت متولى 02 / 11 / 2010 51 : 12 AM

رد: اليتيمة و الفستان
 
تلتقط القاصة فى هذه القصة حالة إنسانية غزلت خيوطها القصصية بإحكام ؟ وقدمت لنا البطلة الرمز, والمثال البللورى لكل الفقراء الذين يحيون صراعا ما بين خطين فاصلين فى الحياة, خط المال الممهد بالرزيلة وخط الفقر المخلوط بالمعاناة والألم والقسوة, وعلى النموذج الإنسانى أن يختار , هذان الخطان يخلقان فى الفن مايسمى بالصراع بين الواجب والرغبة, والقاصة هنا انتصرت للواجب وتدخلت بوعيها وجريان التيار الأخلاقى فى طبيعتها كأنثى عربية ملتزمة جعلها تغلِّب الواجب على الرغبة فسارت فى القصة ضد الطبيعة الإنسانية, وهذا يجعلنى -كمتلق- أتساءل : كيف لأنثى فى ظروف بطلة القصة توصف فى مجتمعنا العربى بانها دخلت فى مرحلة العنوسة أن تظل بهذا الحفاظ الشديد رغم فقرها المدقع وحاجتها الماسة ألى أن تطعم هذه الافواه الجائعة من حولها؟ إنه وعى القاصة المؤلفة الذى اقحم هذا على فطرية الحدث , لكنه وعى غير محسوس ولا مرئي
من هنا كان المبرر الفنى لحبكة القصة الرئيسية وهى الصراع بين الرذيلة والفضيلة , إن البطل الحقيقى هنا ليس مريم ولا صراعها من أجل البقاء , وإنما البطل الحقيقى هو الإنسان الذى يجرده واقعه العفن من إنسانيته ويدفع به الى الذئاب والوحوش والنفعية لكن القاصه توجه إلينا رسالة فى غاية الخطورة من خلال هذه القصة وهى علينا أن نحمى أنفسنا بالتغيير والتجديد والطموح وأن نسير فى خط مستقيم واضح تجاه رياح القهر والمذلة ,هنا نستطيع ان نقهرها ونهزهما وننتصر للإنسانية التى هى أعلى قيمة فى ذواتنا
وعلى المستوى الفنى للقصة نجحت القاصة ان توظف عنصر التشويق فى بؤرة الحدث على امتداد القصة ,وتجلعنا نرغب فى الانتقال من جملة الى جملة ونحن نسارع الخطو لنكتشف ما الآتى, ولهذا استخدمت كل عناصر الحوار القصصى الصامت والمعلن ,والصراع الخفى والخارجى وأن تجعل البطلة محور الحدث لا الحدث محور البطلة, واستخدمت التوراى فى الكشف عن الحدث , وهو يعنى أن يتوارى حدث خلف آخر ليكشفه, فمثلا دار فى ذهن البطلة ان الذى يستطيع ان يوفر لها التكلفة المادية للدخول فى المسابقة هو الذئب ووضعتنا فى صراع حاد بين الرغبة والواجب ,ولم تكشف لنا حقيقة الموقف ,و هل استجابت البطلة للذئب حتى تستطيع الدخول فى المسابقة التى تحقق لها طموحها أم لا؟ ولكنها كشفت ذلك فى موقف آخر عند حوار البطلة مع مدير المصنع الجديد حول كيفية قدرتها على صنع الفستان فكشفت انها جمعته من قصاصات المصنع, واستبدال البدلة, وشراء بعض الأشياء الرخيصة , وهذا يكشف لنا انها لم تستجب لرغبات الذئب.
كما ان القاصة لجأت إلى ما يمكن أن نسميه تضخيم الحدث لإعلاء القيمة, فحين توازن بين البطلة وبين "كوكو شانيل" وحين يوازن المدير بينها وبين المصممين المهرة ذوى العلم هو تضخيم للشعور الذاتى للقاصة نفسها ورغبتها الحادة فى إعلاء القيم الإنسانية والإحتفاء بها , كما القاصة صنعت مفارقة بين مفتتح القصة وخاتمتها, فالمفتتح يشى بالحزن والكآبة والخاتمة تشى بالبهجة والسعادة وكأنها تريد ان تضعنا امام تدرج العاطفة وفق ما يدفع به المجتع إلينا, وتؤكد على نشوة انتصارها وبطلتها للإنسانية على حساب الحيوانية
بيد أنى أرى عنوان القصة مكشوفاو فهو يكشف القصة منذ قرائته الأولى وليتك - سيدتى -أن تعيدى النظر فى العنوان, وأن تعيدى النظر فى التعبير"لو كان لازال حاضرا" واتصور ان إسقاط مفردة " لازال" سيعطى التعبير شكلا جماليا أفضل , إذ لا ضرورة له فى ظل سيطرة مفردة"حاضرا" التى تجب ما قبلها
أحييك بصدق على هذه القصة الأكثر من رائعة, ونستطيع الآن ان نضعك فى مصاف كتاب القصة الكبار
لك كل محبتى وعظيم تقديرى

نصيرة تختوخ 02 / 11 / 2010 37 : 07 AM

رد: اليتيمة و الفستان
 
أستاذعبد الحافظ تشرفت بهذه القراءة العميقة للقصة بكل ماجاء فيها من تحليل و ملاحظات ولاأخفيك أن ما من قصة احترت في عنوانها مثل هذه و رغم أنني شخصيا لا أراه يفضح النص لكني في البداية لم أجده معبرا بالشكل الذي أتمناه.
أشكرك أستاذي الفاضل لأنك صنفتني في مصاف الكبار وأتمنى أن أكون عند حسن الظن دوما.
لك تقديري و تحيتي أستاذي الكريم

زاهية بنت البحر 02 / 11 / 2010 04 : 01 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
[frame="13 85"]
أجل اختي الغالية أستاذة نصيرة، كانبلاج الفجر من قلب الظلام يولد الأمل من قلب اليأس، قصة جميلة بأسلوب شيق رسمتِ من خلاله بخيوط من نور آفاق مبشرة بالخير رغم الحرمان المؤقت، فلا أحد يعلم مايخبِّئه الله للإنسان عندما تشرق الشمس أو يسترها الغروب، كل يوم يأتينا بجديد كنا نظنه مستحيلا، فلنحلم، ولنعمل لحلمنا بما تسعفنا به المقدرة الذاتية متكلين على الله بصبر وإيمان وحفظ شديد للنفس بين أحضان اليقين. سعدت جدا بقراءتي لقصتك الجميلة أستاذة نصيرة. دمت مبدعة
أختك
زاهية بنت البحر
[/frame]

دينا الطويل 02 / 11 / 2010 23 : 01 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
ما أجمله من أسلوب سردي في نقل القصة الينا.. دون الإخلال بالفكرة أو المعنى...

ما أجمله من اختيار يعكس شفافية عالية لروح ذات ذائقية عالية...

استمتهعت جدا بهذا السرد الذي يشد القارئ الى النهاية دون ان يكتفي...

أحييك عزيزتي...باقة ياسمين لك

فتيحة الدرابي 02 / 11 / 2010 35 : 01 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
حبيبتي نصيرة : لقد شخصت لنا في قصتك الرائعة صورة للمرأة الشريفة الطاهرة التي لا يغريها الطمع الدنيوي المرأة التي يبعدها حب الله والإيمان به عن كل ما يدنس شرفها وكرامتها التي منحها الله .
خلقها وكرمها والذئاب الغنية تريد أن تشوهها وتوسخها . هذا هو مجتمعنا للأسف مجتمع تكثر فيه الذئاب الظالة ، الله يهديهم ويبعث في قلوبهم الرحمة على ضعاف الناس. خصوصا المرأة اليتيمة " أما اليتيم فلا تقهر" صدق الله العظيم. أحسنت الاختيار عزيزتي نصيرة والله اسأل أن يديم عليك نعمة الإبداع .

خيري حمدان 02 / 11 / 2010 03 : 03 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
ليس هناك ما هو أجمل من تحقيق حلم صغير يكبر مع الإنسان فما بالك بحلم يتيمة.
سرني المرور هنا في عالمك الجميل سيدة نصيرة
باقة ورد على هذا القص الجميل
مودتي

نصيرة تختوخ 03 / 11 / 2010 11 : 12 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
الأستاذة الفاضلة زاهية سعدت بشعاع الأمل و النور الذي أضفته من خلال تعليقك، فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
لك تحيتي و مودتي

نصيرة تختوخ 03 / 11 / 2010 13 : 12 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
العزيزة دينا يسعدني استمتاعك و تشرفني شهادتك
تحياتي و طيب المنى

نصيرة تختوخ 03 / 11 / 2010 38 : 12 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
الأخت الكريمة فتيحة تسعدني إطلالتك و اندماجك الجميل في نور الأدب، صدقت فيما قلت بخصوص اليتيم و يبقى أن الله رحيم و أن شمعة الأمل يجب أن لا تنطفئ داخل القلوب.
لك تحيتي

نصيرة تختوخ 03 / 11 / 2010 12 : 04 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
الأستاذخيري يسرني حضورك الجميل و حقق الله أحلامك.
سلامي و أطيب الأمنيات

هلا عكاري 04 / 11 / 2010 10 : 02 AM

رد: اليتيمة و الفستان
 
رسمت قصتك على وجهي ابتسامة عريضة.. أسعدتني النهاية السعيدة وانتصار الخير والاجتهاد..
وجدت بطلة قصتك قريبة مني وكأني أعرفها منذ زمن.. فهذا النموذج هو ما نبحث عنه في عالم اليوم.. نريد الفتاة الشجاعة الطموحة التي لا ترضى بالحلول السهلة حتى تتسلق سلم المجد.. عطرة قصتك وغاية في الرقي.. أغبطك على هذه الملكة واضم صوتي الى صوت الاستاذة ناهد في انتظاري للتتمة..
أدام الله عليك نعمة الابداع أستاذة نصيرة وأحييك على هذه الافكار الجميلة السامية..

هلا

نصيرة تختوخ 04 / 11 / 2010 25 : 11 AM

رد: اليتيمة و الفستان
 
أسعدني ارتسامك أخت هلا لا أعرف إن كانت هناك تتمة لأني رأيت القصة مكتملة لكن من يدري.
لك تحيتي و يوم باسم أتمناه لك

فاطمة يوسف عبد الرحيم 11 / 12 / 2010 47 : 03 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
عزيزتي نصيرة
تحية تقدير وإعجاب بما خطّه القلم ، نص رائع وإبداع متميز بين نصيرة ومريم نصيرة تميزت بالكلمة المبدعة والصياغة المتميزة ومريم أبدعت بيدٍ حافظت على طهرها والمثل العامي يقول " الشاطرة تغزل بقدم عرجاء"
ودمت أختاه وتحية لنص تميّز بشفافية عالية
فاطمة

نصيرة تختوخ 11 / 12 / 2010 41 : 06 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
الأستاذة فاطمة أشكر تقديرك ويسعدني أن تلقى قصتي استحسانك.
تحيتي و تقديري

عبد الحافظ بخيت متولى 11 / 12 / 2010 12 : 10 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
الرائعة الجميلة نصيرة
منذ فترة أذكر هذه القصة وأقرر أن أبحث عنها واخرجها هنا وانسى واليوم وجدتها امامى فاسمحى لى ان
اثبتها اولا ثم انسخها لأنشرها ورقيا بسامك عزيزتى المبدعة الكريمة فهل تسمحين لى؟

نصيرة تختوخ 12 / 12 / 2010 14 : 01 AM

رد: اليتيمة و الفستان
 
لك شكري و تقديري أستاذ عبد الحافظ وتسعدني مبادرتك الطيبة.
دمت بخير

زهير الصليعي 03 / 01 / 2011 25 : 02 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
الأخت نصيرة :
ذي أول مرّة أقرأ فيها لك
رغم كلاسيكية الموضوع و الفكرة ، جاء نصك باذخا في صوره ، ممتعا في تتابع أحداثه ، يدفع لتكرار القراءة دفعا ... فاستمتعت و تفاعلت مع بطلتك ، و شكرت لقلمك نهاية لم أتوقعها .
فقط أريد أن أهمس لك عن ضرورة التكثيف فيما تكتبين ... فهو أساس القصة القصيرة .
لك كل المودّة و التقدير و التشجيع .

نصيرة تختوخ 03 / 01 / 2011 37 : 02 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
الأخ زهير بداية مرحبا بك في نور الأدب .
تسعدني قراءتك لقصتي وأشكرك على التعليق و الملاحظات.
أوقاتا طيبة أتمناها لك.
تحيتي

نزار ب. الزين 18 / 02 / 2011 36 : 09 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
ما قدمته هنا أختي المبدعة نصيرة ، من أروع القصص الإنسانية التي قرأت ، بل أروعها ، قصة تستدر الدموع و تعانق الفرح و تثير العواطف بين إشفاق و إعجاب ،
أهنئك أختي الكريمة و دوما نحو السماك
نزار

نصيرة تختوخ 18 / 02 / 2011 00 : 11 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]أستاذ نزار أعتز بشهادة قاص محترف مثلك ويسعدني أن أقرأ انطباعك الإيجابي و المشجع على ما كتبت.
لك تقديري و تحيتي.[/align]
[/cell][/table1][/align]

بوران شما 19 / 02 / 2011 06 : 01 AM

رد: اليتيمة و الفستان
 
الأخت الحبيبة نصيرة تختوخ
للأسف لم يتسنى لي من قبل قراءة هذه الرائعة " اليتيمة والفستان"
لأن نشرها صادف فترة وجودي بالمشفى وإجراء العمل الجراحي ,
وأشكر من أخرج هذه القصة إلى النور مرة أخرى , فأمكنني من
قراءتها .
قصة رائعة جداً , أحسست وكأنني أقرأ قصة من الأدب العالمي ,
وكان رائعاً جداً أسلوب التشويق الذي كان واضحاً مابين سطور
القصة , عدا أنها هي من أرض الواقع الذي نعيشه , ومريم كانت
مثال للفتاة الشرقية التي تحافظ على شرفها ولا تخدعها مظاهر
الحياة رغم الحاجة والفقر .
بانتظار المزيد من هذه الروائع , لكِ محبتي وتقديري .

نصيرة تختوخ 19 / 02 / 2011 33 : 03 PM

رد: اليتيمة و الفستان
 
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]العزيزة بوران تشرفني شهادتك و يسعدني أن تتمكني من قراءة قصتي ولو متأخرا.
طاب يومك ووفقك الله.[/align]
[/cell][/table1][/align]

خديجة السويدي 09 / 09 / 2016 14 : 01 AM

رد: اليتيمة و الفستان
 
سلمت الأنامل التي خطت هذه الكلمات أستاذة نصيرة، حقا اليُتم شيء فضيع، يغير مصير الإنسان ويرمي به في عالم مجهول يكون في عرضة للاستغلال والطمع، خاصة من طرف الذئاب الكبيرة التي لا ترحم فريستها ولا تأبه لحالها، لكن هذا الوضع السيء لا يمنع اليتيم - كيف ما كان حاله - من الحلم بغد أفضل، مزدهر.
في بداية القصة شعرت بالأسى والحزن لحال الفتاة اليتيمة، لكن النهاية جعلت حزني يتلاشى وقلبي يرقص فرحا، خاصة وأن الفاعلة الاجرائية في القصة قد تغير مسارها السردي من الفقر إلى الغنى، مما جعل هذه القصة تجسد الرقي الاجتماعي من الفقر إلى الغنى( العيش الكريم). إن هذه القصة كسرت أفق انتظاري الذي توقعته منذ البداية.
مزيدا من التألق والإبداع والعطاء مودتي

خولة السعيد 24 / 07 / 2021 28 : 04 AM

رد: اليتيمة و الفستان
 
قصة جميلة، مفصلة بدقة كتفصيل مريم الثوب الجميل منمقة بعناية ، دقيقة بفنية أحداثها المتسلسلة والمتراصة


الساعة الآن 39 : 02 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية