![]() |
الانتظــــــــار
الانتظــــــار
النافذة المطلة على "السان "، توحي بأن يوما باريسيا جديدا، ينساب بين شوارعها .. قلَّبَ صفحة " لو موند " حيث لم تأت بجديد مثير، غير أخبار المظاهرات، و إضراب أصحاب الشاحنات، الذي دخل يومه الخامس، حتى أخبار العالم فقدت عنصر الإثارة، فمهما كان شتاؤها هذا، حارا بلهيب القذائف هنا وهناك، إلا أن شيئا من ذلك .. لا القذائف، ولا سائقو الشاحنات، يأخذ شيئا من اهتمامه، ويخفف من شدة قلقه، الذي اختبأ بعضه في أعقاب السجائر المتراكمة، وقد ضاقت بها المطفأة .. وفنجان القهوة، الذي نال منه برد الانتظار، نصيبا أكبر مما ناله "ماركو" لهذا الموعد، الذي لم يأت بعد، ولليوم العاشر .. ربما، بدأ اليأس هذا الصباح ينال منه .. وهو كذلك، يلح على الساعة، ويديرها في ساعده، كأنها هي من تخبئ بين عقاربها مجيء "ألفريد"... الساعة، والولاعة، والمطفأة والجريدة، والنافذة، وبرد باريس، وصوت القطار الذي يغادر المحطة لتوه، كلها تناشد ماركو أن يكف عن صمته .. وزجاج النافذة الحزين، الذي لا يخفي دموعه المتساقطة بتكثف الضباب، والموقد المنزوي، هناك خلف الكرسي المنقوش بزخارف سويسرية، والطاولة المتوسطة أرجاء الغرفة، والإطارات المعلقة على الجدران، كلها تتحلق في دائرة أنيقـة حــوله، ربـما هي كذلك تتوسل إليه أن يتكلم ويقول شيئــا يبعث الحياة، في هذا الركـن المختبئ في فنــدق "لو سان" . الثامنة.. تكسر الصمت الذي لم يكن يشوبه، غير دقات البندول الرتيبة .. ولولا أن النــادل دخل قبل ساعة أو أقل، وسأله إن كان يريد شيئا غير الجريدة وفنجان "النسبريسو"، الذي حفظه من إماءة رأسه ..لولا ذلك، لظنت الأشياء حول ماركو، أن هذه الغرفة مهجورة منذ القرن السادس عشر، وربما مر البارحة تحت شرفتها جيش "لويس الثاني عشر" . الثامنة ..والتفت قليلا إلى الباب، ثم استدار ثانية إلى أفق النافذة، والجريدة ما زالت تتوسد ركبتيه، وتأخذ قسطا من الراحة تحت ظلال الدخان الصاعد من زفراته : - ((.. الثامنة ولم يأتِ!")) أخيرا تكلم، واستدار ثانية إلى الباب، ولكن، هذه المرة وقف من مكانه مسرعا، وتناول سماعة الهاتف: - نعم ، من ؟ من ؟ ألو ..من المتصل ؟ حقا لقد كان جرس الباب، أو ربما رنين شيء آخر في ذاكرته، عندما فتح الباب فلم يجد أحدا، وتأكد حين تذكر أن ليس في غرف الفندق جرس للباب ، فالطرق هنا من الإتيكيت .. لكن، كيف استطاع أن يترك في رأسه مساحة للإيتيكيت ؟ عاد إلى مقعده وحمل الجريدة ثانية، كأنه يتدثرها من النسمات الباردة، التي تساجل خيوط الدفء المتواضعة، المنبعثة من الموقد الخافت .. وأشعل سيجارة أخرى. حدق طويلا في عنوان (( خطر انتشار إنفلونزا الطيور في شرق أوروبا)). طوى الجريدة ووضعها جانبا، حيث لم يكن الموضوع يهمه، أكثر من كلمة (خطـــر) وأرسل يده إلى الجيب الداخلي لمعطفه، وعاد منه بورقة مطوية على الطريقة الصينية .. ثم أعادها دون أن يفتحها. ربما كان يتأكد من وجودها أو من بقائها هناك .. وعاد ليقارن بين ساعة الجدار، وتلك المطوقة ساعده، ثم حمل الجريدة مرة أخرى : - خطر! ..لماذا لم يأت إلى الآن؟ كانت كلمة أخرى قالها هذا الصباح ، وعلى غير عادته تكلم، وتكلم كثيرا ، لعل نهاية انتظاره ابتدأت ، وكلامه هذا، إرهاص لانطلاق يوم عاشر، أفضل مما سبقه. - هل كان أحد غيره يرتاد هذه الغرفة؟ - أبدا سيدي المفتش .. في سجلات الفندق، نزل لدينا يوم الثامن جانفييه ، ولم يزره أحد طيلة مدة إقامتــه هنا. - حسنا .. أخبر صاحب الفندق أن يأتي فورا .. وأنتم أريدكم أن تقلّبوا في ثيابه التي يلبسهــا .. وفي كل أغراضه .. ثم.. ثم خذوه إلى المشرحة . - هنا ورقة في جيب معطفه الداخلي، سيدي المفتش. - أرني .. (( .. إذا لم أحضر حتى ليلة السابع عشر جانفييه وطلع صباحها فلا فائدة من الانتظار. إمضاء ألفريد )). - عجيب ! .. هذا ما أسميه الانتظار القاتل. الزبير قريب،بئر العاتر، الجزائر 10/07/2007 |
رد: الانتظــــــــار
رائعة هذه القصة أيها المبدع الجميل على ماتحمل من خطاب قصصى محبوك بعناية وسرد محكم جدا وآليات قصصية لا يحسن توظيفها الا قاص ماهر مثلك مثل الحوار الداخلى والقطع المثرى للقصة والباعث على التشويق أيضا انها تشبه الى حد كبير كتابات : كافكا: فى الاهتمام بالجانب الانسانى و" البير كامى" فى تراكم الحدث مع التشويق والايقاع السردى المحسوب
اهلا بك قاصا مبدعا وجميلا |
رد: الانتظــــــــار
شرفت بقراءتك أخي، ولكم أدهشني هذا الغوص البعيد خلف شعاب المرجان وبالأخص ... حين بدى من الوهلة الأولى، أن الغواص ماهر مثل أخي عبد الحافظ حفظك الله، وألف تحية. |
رد: الانتظــــــــار
اشكرك اخى الكريم ولأجل هذا تثبت القصة لانها تستحق ذلك
خالص مودتى |
رد: الانتظــــــــار
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أستاذي الحبيب " عبد الحافظ بخيت متولي " تناقشت هذا المساء وأخي الزبير وأثناءها قلت له إن هذا الفاضل المبدع لا يرد على النصوص هكذا مجاملة أو جزافا لأنه ناقد قارئ متمكن من الفن النثري بوجه عام على دراية عارفة قارئة بأدواته وردوده بعيدة عن المزاج الإنفعالي وإنما هي واعية متربصة بالفعل الإبداعي في محاولة لاستكناه خفاياه سعدت وسعد الزبير بهذه القراءة الواعية المشجعة فمن خلالك أيها الفاضل سيبدع الزبير لأن تواصلك معه بعث فيه هاجس الإحتراق النثري وأشكرك على تثبيت هذا النص الواعي المنحوت بحرفية عالية فانتظار الزبير جديرة بافتكاك الإعجاب وقراءتك أيضا تفتك الإعجاب ،بعيدا عن المجاملة الرتيبة التي تقتل الإبداع والمبدع لأنكما صديقاي ولست أجاملك أو أجامله لأنكما بصريح العبارة مبدعان استطاعا أن يفتكا إعجابي فلكما مودتي وتقديري .. تحياتي لكما ولقلبيكما أزف عطرا أسلافيا أبثه على أثير حب يجمعنا في الله ... |
رد: الانتظــــــــار
الأستاذ الرائع...
قلمك فعلا بارع الى حد الإحتراف الباذخ....نثرت هنا فعلا أدبا نثري متفرد... يا لقلمك الرائع البارع ....سبك محكم .. رائع.. رائع . انت ... كنت سعيدة لانني قابلت هنا نثرا..حقيقي... اكتب.. ننتظر الجديد أيها الفنان |
رد: الانتظــــــــار
بالفعل عمل جيد ويستحق القراءة .. وأرى هنا كاتب يمتلك ناصية الكتابة القصصية وقريبا سوف يصبح من كبار كتاب القصة في الوطن العربي .. وهذه ليس مجامله .. بل كلمة حق .
مودتي وتقديري |
رد: الانتظــــــــار
[gdwl]
اشكرك اخى الكريم ولأجل هذا تثبت القصة لانها تستحق ذلك خالص مودتى [/gdwl] أخي عبد الحافظ شكرا على القراءة، وعلى النقد، وعلى التثبيت، وعلى الشكر. |
رد: الانتظــــــــار
[gdwl]
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أستاذي الحبيب " عبد الحافظ بخيت متولي " تناقشت هذا المساء وأخي الزبير وأثناءها قلت له إن هذا الفاضل المبدع لا يرد على النصوص هكذا مجاملة أو جزافا لأنه ناقد قارئ متمكن من الفن النثري بوجه عام على دراية عارفة قارئة بأدواته وردوده بعيدة عن المزاج الإنفعالي وإنما هي واعية متربصة بالفعل الإبداعي في محاولة لاستكناه خفاياه سعدت وسعد الزبير بهذه القراءة الواعية المشجعة فمن خلالك أيها الفاضل سيبدع الزبير لأن تواصلك معه بعث فيه هاجس الإحتراق النثري وأشكرك على تثبيت هذا النص الواعي المنحوت بحرفية عالية فانتظار الزبير جديرة بافتكاك الإعجاب وقراءتك أيضا تفتك الإعجاب ،بعيدا عن المجاملة الرتيبة التي تقتل الإبداع والمبدع لأنكما صديقاي ولست أجاملك أو أجامله لأنكما بصريح العبارة مبدعان استطاعا أن يفتكا إعجابي فلكما مودتي وتقديري .. تحياتي لكما ولقلبيكما أزف عطرا أسلافيا أبثه على أثير حب يجمعنا في الله... [/gdwl] أخي الأكبر عادل، لا أخفي على كل زائر لهذا المنتدى الرائع أنك من دفعني لأشارك بل أوجب عليّ، وقد فعلت، فسعدت. |
رد: الانتظــــــــار
[gdwl]
الأستاذ الرائع... قلمك فعلا بارع الى حد الإحتراف الباذخ....نثرت هنا فعلا أدبا نثري متفرد... يا لقلمك الرائع البارع ....سبك محكم .. رائع.. رائع . انت ... كنت سعيدة لانني قابلت هنا نثرا..حقيقي... اكتب.. ننتظر الجديد أيها الفنان [/gdwl] أختنا الفاضلة دينا بل أنا من يناله الحظ الأوفر من الغبطة والسرور، حين أجد جمعا لما أنثر ألف شكر |
رد: الانتظــــــــار
[gdwl]
بالفعل عمل جيد ويستحق القراءة .. وأرى هنا كاتب يمتلك ناصية الكتابة القصصية وقريبا سوف يصبح من كبار كتاب القصة في الوطن العربي .. وهذه ليس مجامله .. بل كلمة حق . مودتي وتقديري [/gdwl] أخي نعيم رفقا بأخيك على هذا الحكم ، ولكنني سأتشرف بالمحاولة ألف شكر. |
الساعة الآن 22 : 10 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية