منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الرواية (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=166)
-   -   (( لا تحيا إلا بالعناق ! )) (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=22491)

رأفت العزي 05 / 04 / 2012 33 : 04 AM

(( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 




- هل تأتي لتأخذني أم امرّ أنا وننزل بسيارتي ؟!
- لا ، تعال خذني ، فأنا لا أرغب في القيادة ، وهذا ما تحبه أنت !
:
منذ الأيام الأولى من صباهم ، كانوا لا يفَوتون حدثا او مناسبة إلا ويقضونها مع بعضهم البعض ،
أكانت المناسبة حفلة مدرسية ، أو فنية ، ثقافية ، أو مهرجان سياسي ، أو رحلة استجمام
أكانت قصيرة أم طويلة . همّا رفقة صبا. صديقان حميمان ، كبروا ، صارت لهم بيوت ، كبرت
عائلتهم وبرغم كل الظروف لم يفترقوا إلا قسرا ؛ وكلما مرّ الزمن وضاقت دائرة اصدقاءهما
المشتركين تزداد بينهما المودة والمحبة ، ويزداد بينهما حجم الذكريات التي صارت إرث حياتهما المشترك .
أسعد لحظات حياتهما حين ينبشون الماضي بذكرياته ، ولا ينسون أبدا تفصيل صغير حتى لو كان بالنسبة إلى الآخرين تافها !
مازالوا على طباعهم ، ف" وليد " دائما يسأل وهو يعرف الجواب ، مع أن السؤال مكرر آلاف المرات :
" هل آتِ ، أم تأتي أنت " ثم يذهبون إلى حيث قرروا ؛
أما ذاك اليوم ، فكان له حكاية مختلفة ، صدفة من النادر ان تتكرر ، ولكنها حدثت في ذلك المساء !

ركبوا سيارتهم وتوجهوا نحو العاصمة مثل كل عام وفي مثل ذلك التاريخ ،تستقبل بيروت مئات
من دور النشر العربية حيث يقام معرضا للكتاب العربي ، يُعرض فيه أحدث الإصدارات في مختلف
صنوف الأدب والعلوم و الكتب المختلفة ؛ وكعادتهم في كل عام ، يتفق " عدنان " و وليد على إما
حضور حفل الافتتاح وإما تخصيص يوم او يومين يصولان فيه ويجولان أرجاء المعرض ، باحثين
عما قرروا مُسبقا شراءه ، أو يصادف أحدهم كتاب يغويه فيشتريه ؛ وتقام في ساعات الذروة من
النهار استراحات يتحلق خلالها بعض المعجبين بكاتب حاضر لتوقيع مولوده الجديد ، أو لتناول القهوة
أو المشاركة في حوارات مع بعض الكتّاب الذين يثار جدل حول جديد ما كتبوا .. كل ذلك يجري ضمن
حلقات سمر هادئة تعكس أجواء الفن والأدب ونوعية زوار هذا المعرض
المثقفين وبعض أشباه المثقفين الذين يلتزمون بما فرض عليهم من الهدوء والكياسة والرقي .
:
انتفض عدنان فجأة وأمسك بيد وليد وأقامه عن مقعده حيث كانا يستريحان وقال بلهفة :
أنظر .. بربك أنظر جيدا .. هي أم إني أحلم ؟!
- من تقصد ؟ لا .. لا .. ربما لها نفس الملامح .. ما بالك يا رجل ، إنها عشرات السنين !
- نعم .. ولكن أنظر إلينا ، هل تغيّرَ شكلنا كثيرا منذ ذاك التاريخ ؟!
- يا صديقي هذا يتوقف على من يرانا بعد أربعة عقود ! أما أنا وأنت
فإننا نرى أنفسنا كل يوم ، وبالتأكيد لا نلاحظ التغيير على وجوهنا إلا قليلا .. لكن ضع صورة
لوجهك قبل أربعين عاما ، انظر إليها ثم انظر في المرآة !

- اتركنا من فلسفاتك الآن ، تأملها جيدا وقل لي .. قم ، قم معي
سأدور خلف ذلك الجدار وأمر من أمامها مباشرة وسوف ترى !
- ألم ترى عيناك من يرافقها ؟
- سأكلمها ولو كان جنرالا في اكبر جيوش العالم يا جبان !

- وبالفعل التف عدنان وذهب باتجاهها مباشرة وتقدم نحو مرافقها ، تحدث إليه بعد أن باغته و سلّم عليه بحرارة وقال :
ألم تعرفني حضرة اللواء ؟ أنت خدمت في مدينتنا ! "
ابتسم العسكري وقال : " يبدو أنك تتحدث عن العميد ذياب ، فهو يشبهني إلى حد ما "
اعتذر عدنان ونظر نحو السيدة وحياها وهو يبتسم لعلها تبدي أي إشارة عبر نظرها أو وجهها تدل على شيئ ما
يتوقعه فلم يظهر عليها ما يفيد أنها رأته من قبل ولكنها ابتسمت ابتسامة عابرة بعد أن ردت التحية ومشت .
دار جدل اعتاد عليه الصديقان بين من يؤكد بأنها سعاد ، وبين وليد الذي لم يكذب صديقه الخبير أو يصدقه لكنه
أقرّ وقال : - تفاجئني دائما ايها الملعون بجرأتك وبأساليبك في الحديث مع كل الناس "
قال وليد وهو يعلم أن تلك الكلمات كافية لترضي غرور صديقه الذي طلب قهوة ساخنة مرة جديدة ،
وجلسا في مقعدهما يرتشفان منها على مهل . ضجة المكان " والمفاجئة " فرضتا عليهما الصمت ،
فعدنان كان يقلب كتابا بين يديه ، وعينا وليد تلاحق وجوه المارين باحثة فاحصة وعقله شارد ثم نظر
نحو عدنان بوجه ملحّ سؤاله ردده مرتين ، ثلاث مرات وقال :
" هل تأكدت جيدا ؟ !"
يبتسم عدنان كعادته ويردد جملة كلما وقع وليد في حيره يقولها له : " ألا تريد أن تكبر يا صبي، إكبر اكبر "
ثم يضحك بخبث وهو ما زال يقلب صفحات الكتاب ، ثم وفجأة ، كأنهما وثبا معا إلى ذلك الماضي البعيد
بدت ملامحهما متغيرة متبدلة ، مرة يبدوان كطفلين فرحان يضحكان ببراءة .. ومرة يكشف ضوء القاعة
الساطع خطوط الزمن التي ارتسمت على وجهيهما بعمق ، فذكريات ذلك الحدث تحتل قدرا كبيرا من مساحة ذاكرتهما
يكرران الحديث عنها دائما وفي مناسبات عدة كأجمل بقعة ضوء في حياتهما على تعدد مثيلاتها، ألا أن مساحتها
كبيرة وضوؤها متميز ، لا تفارق ذاكرتهما كأنها حدثت بالأمس القريب .
:
:

كانت تقف أمام مكتب موظفي الجوازات ، تنتظر دورها كباقي المسافرين قبل التوجّه نحو الطائرة
الجاثمة عند أحد مدارج مطار بيروت ؛ وكان مثل غيره ، واحد من الذين أطالوا النظر إليها مبهورا بجمالها
حين التفت نحو صديقه عدنان وجده ينظر إليها أيضا ، ولكنه لا يبدي نحوها بأي إعجاب فقال له همسا :
" يا ليتها تكون على ذات الطائرة التي ستقلنا " ! فأجابه عدنان باستهزاء : ولم لا تقل وذات الوجهة الذاهبون إليها أيضا !

أما تلك الجميلة ، فكانت تبدو أنها تعرف نفسها جيدا ، وأن كل من يراها سوف يطيل النظر إليها ، النساء قبل الرجال!
وربما اعتادت أن ترى الأعين وهي تلاحقها أينما حلّت وكيفما اتجهت ، وعلى ما كان يظهر ، لم تعد تكترث
حتى لمضايقات البعض السمجة وحركاتهم المراوغة ، بل كانت تبدو باسمة ، فرِحة ، وفي غاية الهدوء .

أسنانها اللؤلئية لا تعرف التستّر ، وتشع بنور ابتسامتها الساحرة ،
فمن يقع ضحية النظرة الأولى من عيناها ، يتصرف كالأطفال وهو يطيل النظر
إلى وجهها النضرّ، إلى ثغرها الشهي ؛ فجمالها صارخ .
عيناها بلون البحر ، يحرسهما حاجبان قد رُسما بفن باهر على جبهتها الملكية .
شعرها متوسط الطول ، خصلاته ، كأنها شلل ذهبية ، يتهادى على كتفيها
ويتأرجح على إيقاع مشيتها ذات الدلال ، فتارة يغطي بعض أجزاء من وجهها
وتارة أخرى ترفعه بيدها وتحركها بطريقة أنيقة - تبدو عفوية - كلما تهادى
أو لفحته نسمة هواء تدفعه مروحة يابانية صغيرة ، كانت تحملها بيدها فلا يصمد
أمام نسيمها البسيط من فرط رقته ونعومته بالرغم من كثافته الملفتة للنظر .

بيضاء اللون ، وجهها مزهواً بحمل شفتين كأنهما حبات كرز ندية ،
وعلى الوجنتين ، يا سبحان الخالق ، كأن الجمر أكتسب جمال لونه من حمرتهما .
كانت تلبس ثوبا أبيض اللون طويل فضفاض ، يغطي حتى أخمص قدميها
يضيق عند خصرها الضامر الرشيق ، ويكشف عن نهدين بارزين وكتفان
يتمنى الورد ملامستهما بشفتيه والانتحار على صدرها .
كل ما فيها جميل وأنيق ، كطائر أبيض اللون نظيف ورائع، كأنها ملاك
أرسله الله ليختبر بها عباده المؤمنين ! فكل من نظر أليها بات مسحورا مأسورا
لجاذبيتها ،لا يسعه إلا أن يُسبّح الله الذي خلقها أو، يشكو منه إليه !
:
إلى جانبها كانت تقف فتاة بدت كأنها صديقة لها أو قريبة ..
أقل جمالا وأطول منها بقليل .. ولكن جرأتها تلفت الأنظار !
فعيناها لا تهزمان في مبارزة إذا خاضت معركة مع عينا شخص آخر ،
كانت تبدو واثقة من نفسها وتمتلك شخصية قوية وبدا أنها من تقود .
:
يبدو أن أمنية وليد قد تحققت ، وها هم يركبون نفس " الباص " المتوجه
نحو سلّم الطائرة ؛ و يا للصدفة الرائعة ، فقد جلسوا على نفس المقاعد المتجاورة
لا يفصلهم سوى ممر ضيق ، فرغ تماما من أي حركة حين أقلعت الطائرة محدثة ضجيجا قويا أسكت
لسان الجميع ولكنه أثار في تفكير البعض شيء من الشك بأن حدثا ما قد يصيبها أثناء التحليق !
فالطيران البلغاري كان ما زال يستخدم الطائرات بمحركاتها الهوائية التي لا تتسع لأكثر من
سبعين شخصا والتي كانت تطير على ارتفاعات متوسطة وتمر بمطبات تشعرك بالخوف اكثر
مما تشعر حين تحلم بأنك وقعت من علو مرتفع .

لم يعرف كيف جرت الأمور وبتلك السرعة ، ولكنه لم يفاجئ حين وجد صديقه عدنان يتحدث إلى "سعاد "
ويميل بجسده نحو منتصف الممر الفاصل بين مقعدهما حتى تسمع ما كان يقول ، الأمر نفسه قد وضع
رأسها في منتصف الممر وتميل به نحوه .
سًعد " وليد " كما عادته بتعجب ، لأن لديه صديق يفوز دائما في أي مضمار سباق
إن كانت الجائزة فيه أنثى ، وقد ضمن بأن عدنان قد استقرّ نظره على هذه وليس تلك
التي كان يتخيل لأجلها أشياء كثيرة في وقت قصير ، فأدار برأسه نحو شبّاك
الطائرة وهو مطمئن ، وسرحت عيناه في عجائب خلق الله وعقله كان يفكر
في أشياء كثيرة أقربها تلك اللحظة التي سوف يرفع فيها يده – كان متأكدا - لتسلّم على يدها الرقيقة
فهو يعرف جيدا اساليب رفيقه ؛ " فالجميلة " كانت على الجانب الآخر من الطائرة ، وكانت تنظر أيضا
من شباكها ، ولكن بماذا كان يفكر عقلها .. كان ذلك في علم الغيب !

حياة شهد 05 / 04 / 2012 38 : 09 PM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
قراءة أوليّة و مرور لتحية السّطور سيدي الفاضل ..
يكفيني أن أجد نفسي بصفحة مميّزة و توقيع خاص ..
تحياتي ..

رأفت العزي 06 / 04 / 2012 14 : 02 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 



وجهتهم كانت " فارنا " الواقعة على البحر الأسود ؛ المدينة التي ازدهرت فيها السياحة في سبعينات القرن الماضي
وتعتبر من المدن الجميلة على ذلك الشاطئ الجميل ، القسم الأكبر والأجمل منها يقع وسط الغابات ، بيوتها الصغير
الجميلة تعلو فوق قمة جبل وتنحدر لتضع أقدامها على شاطئ البحر ، الأشجار متشابكة بشكل كثيف و
تحيط بالبيوت من كل الجوانب ، ويتسلل نمو أغصانها وفروعها لتحتل الشرفات والشبابيك في كل الاتجاهات
ويستطيع السائح في بعض غرف أحدى الفنادق أن يمد يده وهو في سريره ويقبض على غصن فرع من
تلك الأشجار التي كما يبدو لا تحيا إلا على عناق ابدي أو تموت .

فرصة كبيرة ووقت مناسب كان بانتظار هذان الصديقان في مطار " فارنا "
فجيع الركاب الذين كانوا أقل من أربعين شخصا بانتظارهم اثنان من الموظفين
الكسالى المتباطئين جدا في إتمام إجراءات الوصول ، الأمر الذي أثار غضب
معظم المسافرين باستثناء عدنان و وليد ، لم يشعرا بمرر الوقت على ثقله !
فمع توقف الطائرة لم يتوقف عدنان عن الحديث " معها " وحتى أثناء نزولهم
سلم الطائرة وركوبهم " باص " النقل حتى تلك القاعة وصولا إلى تلك اللحظة
التي التفت فيها نحو وليد وقال : أعرفك على الأنسة " سعاد "

مدّ يده وعيناه كانت تنظران دون قصد منه إلى تلك " البيضاء " التي اتسعت
ابتسامتها حين نطقت أسمها بهمس لم يعرف وليد كيفية نطقه ، وربما سمع
به للمرة الأولى في حياته : " بِرْنا " رد بصوت مبلوع وقال :
تشرفنا " ميرنا "
ضحكت بخجل وقالت : اسمي " بِرناديت " ولكنهم يختصرونه ب " برنا "
آه بيرنا .. تشرفنا ، هل أنتم من بيروت الشرقية ؟!
تدخّل عدنان قائلا : نحن هنا من وطن واحد ، لا شرقية ولا غربية !
هزّ وليد براسه وقال متمتما : طبعا ، طبعا ! و لعنه في سرّه ، فكم من
المواقف التي كان ينتهزها عدنان كلما سمحت له الفرصة حتى يظهر بمظهر
الإنسان المتحرر الفهيم ! لقد كان الحال هكذا ؛ " شرقية وغربية " فالحرب
اللبنانية في بدايتها ، وبيروت مقسّمة ما بين شرقية تسكنها أغلبية مسيحية
وغربية بمعظمها من المسلمين ، والناس لا تلتقي إلا عند المعابر وخارج
الحدود ، أما الاتصالات فكانت تقتصر على بعض السنترالات التي يسيطر عليها
اصحاب النفوذ ؛ وان معظم الناس كانت بحاجة إلى مكان آمن لا تسمع فيه أصوات
القذائف ولا تشم فيه رائحة الدم .. و وحده مطار بيروت كان مُحيدا من جميع
المتحاربين لكن طرقاته كانت تخضع لأمزجتهم ، وها نحن هنا ،
وكان بديهيا أن وليد يسأل !

- نعم نحن من المتن الشمالي ، يعني من شرق الشرقية "
قالت " بِرنا " ذلك وتنهدت بعد ان أخذت نفسا عميقا وكأنها أزالت عن كاهلها حملا ثقيلا !
- أليس عجيبا أن تكون الناس بهذه الوداعة والطيبة مع بعضهم البعض وفي داخل الوطن تكون كالذئاب المفترسة ؟ قال وليد !
تدخلت سعاد وقالت :
- أرجوكم .. نحن أتينا إلى هنا حتى ننسى الأحاديث في موضوع بلدنا ودعونا نتوقف قليلا عن الكذب ، ،
في داخل كل منا شخصيتان ، بل عدة شخصيات في وقت واحد .. نحن نكذب ، نكذب .. فهلا توقفنا قليلا عن التكاذب
والتزمنا الصدق ولو فقط هنا في المدة التي سوف نقضيها هنا "
ساد صمت ثقيل ، حتى عدنان تلعثم ولم يجد ما يرد به عليها .. ثم فاجأتهم
بالقول : - بصراحة ، سأكون أول من يلتزم عدم الكذب " ثم التفتت نحو
عدنان وأكملت قائلة : أنت أعجبتني .. أعجبني " تيبك " وشخصيتك المرحة
وأظن أن برناديت لن تمانع في ان يكون لنا صديقان " رجلان " باستطاعتهما
حمايتنا " وتسليتنا " ثم سألت وتوجهت بكلامها إلى وليد قائلة :
" أم أنكما ملتزمان بأشخاص آخرين ؟ "
على الرغم من صدمة وليد وتفاجئه بكلام سعاد الا أنه هزّ برأسه يمنة ويسرى ثم قال :
لا .. لا .. نحن أحرار ، وقد كنا نعتقد أنتن الملتزمات !
لم يعرف لماذا قال جملته الأخيرة ، حاول الاعتذار
ابتسمت بِرنا وعاجلته قائلة : بصراحة ، كنا . ! " وسكتت .

رأفت العزي 06 / 04 / 2012 15 : 02 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 

لم يقطع هذا الحوار سوى صوت مندوبي شركة السياحة حيث قاموا بنقل
" الكروب " السياحي بباصات أنيقة إلى الاماكن التي سوف تحتضنهم 15 يوما بلياليها
وفي الطريق كان الأمر أشبه ما يكون بالحلم ، فعدنان قد جلس إلى جانب سعاد
وقد باتا أكثر انسجاما وكأنهما يعرفان بعضهم البعض منذ سنين ، وجلس وليد بخجل
إلى جانب بيرنا يحدثها إن سألت ، ولكنه قضى معظم الوقت صامتا حتى وصلا
إلى مكان إقامتهم ونزلوا في فندقين مختلفين تقل المسافة بينهما عن 300 متر .



نزل عدنان و وليد في الطابق الأول في غرفة مشتركة أشعرتهم بالحاجة إلى النوم ولكنهما لم يفعلا
ما ان بدلا ثيابهما وقفز كل واحد على سرير حتى انتفض عدنان وجلس وقال لوليد : اسمعني جيدا ..
إن بدأنا مشوارنا منذ بدايته بالنوم سوف تنقضي الأيام ونحن نياما بمعظمها .. وإن لم نتابع الأمر قد يسد فراغنا آخرون " !
فهم وليد ما قصده صديقه تماما وانصاع لمشورته واتفقا على تناول العشاء باكرا بعد أن يعرضا على الفتاتين مشاركتهما إن قبلتا ذلك !
- ولكن قل لي ، بماذا حدّثتها بداية ؟ قال وليد .
- ألا تعرف أخاك يا حبيب حين يضع صبية في رأسه !
كل ما في الأمر إني تظاهرت بالخوف الشديد عند أحد المطبات الهوائية
فتظاهرت بالحديث معك دون الحديث ، ثم نظرت نحوها وقلت : الحمد لله
إن صديقي نائم وإلا كان قد صرخ بي ، فبادرتني بسؤال : " هل هذه أول مرة "؟
حقيقة لم أسمعها جيدا فاقتربت برأسي نحوها مستفهما ، وهي بدورها اقتربت مني
وكررت ما قالت ، ثم مِلنا نحو حافة المقاعد ، وتعرف بقية ما دار بيننا من احاديث ! "
- لقد احسست بأن شخصيتها قوية وتبدو مغامرة وتتمتع بموهبة قيادية ، عندما استمعت إليها
وهي تحدثك شعرت بمدى قدرتها على الكلام ، هل يعني ذلك بأنها مثقفة .. هل هي متحزبة ؟ "!
ردّ عدنان بتهكم :
- نعم .. ولكن أنت تنظر إلى شيء لا ينظر إليه أخاك ، إني اتطلع إلى شيء آخر يا " مسأف "
(يضحك ويقصد بقوله يا مثقف ) ثم أضاف :
- اخي انظر إلى "رفيقتك " الباردة رغم جمالها ، هي من النوع الذي لا يعجبني ، هي كالطاووس منظر فقط !
وانت تحب الألوان هههههه ابسط يا عمّ .. ولكن لا تكن كلوح الخشب وتتصنع الخجل أو الأخلاق كعادتك !

- أخي أنت تعرفني جيدا فلا تذهب بعقلك بعيدا ،
قلت لك منذ بداية التخطيط للرحلة بأني سأذهب وانا بريء وأعود بريئا !
- بريء ..! انتبه على نفسك مني يا بريء .. حتى لا تفقد عذريتك أيها " البتول " هههه ،
سوف أربي شنبي لو تصمد امام لمسة من يدها .. أنت من نظرة كنت ستقع على الأرض ! الأيام بيننا على أي حال .

:

صاحبنا عدنان هذا ، أنعم الله عليه بوجه وسيم ، جميل الطلعة طويل القامة رشق ودائم التأنق ، يمتلك خبرة واسعة في مهنته ،
وموهبة يُحسد عليها في اجتذاب الزبائن ، يعرف مع من ومتى ، يتحدث
إلى إحداهنّ بجدّ ووجه عبوس ، ومتى يضحك ويمرح ، ويعرف من هي تلك الزبونة التي تشتري والتي تتسلى ،
مغترّ قليلا ، ألا انه طيب القلب جدا ، وهو حنون جدا جدا ، وهو رجل كريم لا يتردد ولا يتراجع ، مهنته
كبائع ألبسة نسائية منذ زمن بعيد قد نزعت عنه الخجل ، وهو خبير - كما كان يقول - بأمزجة النساء ، فمتجره لا
يخلو من الزبائن على مدار اليوم بالرغم من ارتفاع أسعاره وبالرغم من تمرده على بعضهن في كثير من الأحيان!

أما وليد فهو خطاط ماهر ، يعشق مهنته ، شاب مثقف إلى حد ما ، هيئته تشبه ممثلي أبطال الأفلام التاريخية
، متوسط الطول رياضي متقدم ، يمتلك عضلات ظاهرة تلفت الأنظار قوي البنية ، الصلابة الظاهرة على شخصيته
لا تعكس رقة نفسه ، مخلص وودود ، وقد كان على عكس عدنان لا يعرف من أمر النساء شيئا .. !
لم يقرب امرأة قط في حياته كلها بالرغم وقوعه في الحب ومرات فهل هو أمام حبّ جديد ؟!

:
جاء المساء بكل ألوانه الزاهية ، وأنواره الساطعة ، وحكاياته الحميمة التي
تتحدث عنها تلك الطرق الضيقة والمتعرجة المتعددة بين الأشجار ..وجلسات
تلك الاستراحات الصغيرة حيث يتسابق السياح إليها متلهفين لملئها ، والتي تنبعث
منها أصوات الموسيقى الهادئة هنا ، والصاخبة هناك ، ولكن استراحة من تلك ، كانت
تضع تكرارا اسطوانات المغنيين العالميين في ذلك الزمن الجميل " julio iglesias " وSalvatore Adamo "
" و المغنية الفرنسية الساحرة Marie Laforet التي كانت اغنيتها " Viens, Viens "
على ألسنة عشاق ذلك الزمن الجميل الذي حمل عدنان و وليد إلى تلك البقعة من العالم وهم بالأصل
من سكان بلد قد تقدم على غيره من البلاد العربية في تداول الفن الغربي عموما .. هم في
دولة شيوعية ولكنها تفاجئك بالكثير من التراث الشرقي والأسماء العربية، عندما سأل وليد عرف
فيما بعد أن الأتراك احتلوا تلك البلاد لمئات السنين والجالية التركية كبيرة فيها ، أبناءهم يعملون
في أعمال متواضعة كسائقي سيارات الأجرة وعمال في الحانات والمطاعم وتجارة السوق السوداء
للعملة والدعارة ! وها بعض العرب خصوصا الليبيين والعراقيين ، يتهافتون على هذه البلدان الفقيرة
والرخيصة للتمتع بطبيعتها في مختلف الاتجاهات ،والانتقال إليها لا يحتاج سوى ساعات قليلة من الزمن
وها هو عدنان و وليد قد هربا من بلد يتّقد بالنيران بعد أن كان واحة لسياح العالم بجماله وتراثه وكرم
أبناءه وتعدد ثقافاته .. أتوا إلى بلد لم يعرفوا أنه يعيش هو أيضا ضمن دائرة امبراطورية هي الدولة الأقوى في العالم .. ثاني ..
يحكمهم حزب شيوعي شمولي قد أجبرته ظروفه الاقتصادية على نوع من الانفتاح بدأها من الباب السياحي
الذي أول ما اخترق كان بنيته الاجتماعية من الناحيتين السلبية والايجابية ..!


رأفت العزي 06 / 04 / 2012 16 : 02 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 

وها هم ّ الآن هنا، وليد وعدنان يجلسون على حافة متكئ أمام الفندق " الآخر "
ينتظران رفيقتيهما اللتان وافقتا على دعوة مشروطة منهما لشرب فنجان قهوة فقط
لا يعرفان ماذا سيفعلان بعدها ، وإلى أي مكان ، وقد طال الوقت ..ولكنهما يتسامران ، لا شيء يشغلهما
سوى انتظار مواعدة من نوع خاص ، قد تكون عادية وقد تتغير وجهتها ، فالمكان سوف لا يفرض حتمية
ان يكون الموعد موعد غرام كما لو كانا في بلادهما حين يواعد شاب فتاة .. ولكن عدنان قد صرح وقال
لوليد ما معناه إن لم يكن الموعد " ذو فائدة " فلن يضيع وقته في شرب القهوة والالتزام " بآداب "
الجلسة وتحمل نفقاتها ثم يعود فرحا كالمراهقين ؛ وإذ بفتاتين في العشرينات
من العمر يخرجن من باب الفندق وهن مسرعات الخطى يقطعن الطريق ويقتربن من وليد وعدنان
ويبتسمن ابتسامات مصطنعة والقلق يعلو وجوههن ويجري خلفهن ثلاث شبان كانوا خلفهن مباشرة ..
ما أن شاهدوا الفتاتين يتحدثن إلى وليد وعدنان حتى تباطأت خطواتهم وتغيرت ملامحهم ولكن أصواتهم
علت ونبرات حديثهم قد بيّن أن البلغارية لغة قاسية وذات إيقاع يعتمد على " التفّ " ما بين جملة وجملة !
نظراتهم اختلط فيها اللؤم وخيبة الأمل بعد أن شاهدوا وليد يتقدم باتجاههم خطوة فتقدموا خطوة ..
انتزع الساعة من معصمه بقوة ، وبعفوية أعطاها لأحدى الفتاتين ثم رفع أكمام قميصه ، شمر عن ساعديه
وتقدم خطوة أخرى قاطبا جبينه وبصوته العالي سألهم بالإنكليزية : ماذا ؟!
لم يتقدم البلغار لكن أحدهم نظر إليه بازدراء ثم بصق على الأرض .. وما كان من وليد إلا أن بصق
عليه مباشرة وتقدم خطوة أخرى ضّاماً يديه بقوة حتى أصبحتا كتلتين صلبتين " إذا ضربت صخرة كسرتها "
كما قال عدنان الذي يعرف أن صديقه يملك قلبا من حديد !
أحسّ الشبان بموقف أوقعهم في ورطة لم يتوقعوها ، فشدّوا زميلهم الأقرع وغادروا المكان كليا .
كان الخوف متسترا بابتسامات باهتة على وجه الصبيتين قبل هذا الحدث أما بعده فتعابيره واضحة جدا
" أولئك الشبان من الصيادين "كما قال عامل الفندق ، يبحثون عن صيد سهل ،وعادة ما يكون لهم
بعض السماسرة حتى من بين الموظفين الذين يخبرونهم عن أحوال النزلاء .
عندما ذهب وليد وعدنان لضرب موعد مع الفتاتين ، تحدث عدنان من هاتف الفندق إلى إحداهن في غرفتهن ،
فقالت انتظرونا لنهيئ أنفسنا ؛ فلم يجلس الشباب في بهو الفندق بل في باحته الخارجية في الوقت الذي كانت فيه
سعاد ورفيقتها جاهزتين ونزلتا في الحال، وجلسن في بهوه الأمر الذي شجّع الشبان البلغار
المتواجدين هناك وقاموا بالتحرش بهن فهربتا إلى غرفتهما ثم عادتا مرة ثانية وجلستا ثم عاد البلغار إلى التحرش ثانية ،
فأطلت سعاد من الباب ورأت وليد وعدنان في الخارج هذه هي الحكاية !

- لكن أرجوك لا تُكثري من الابتسام .. ابتسامتك ساحرة وخطرة ، وقد تأتي بجميع شبان " فارنا "
إلى هذا المكان " وقد اموت وأنا أدافع عنك - استدرك وقال - عنكما !
قال وليد ذلك بغير تردد ولا تكلّف ، قاله بعفوية وصدق فالتهب وجه " بِرنا " بالحمرة التي زادت من نور
وجهها وهجا وجمال وقالت :
أنت لا تعرفنا - استدركت وقالت - أنتم لا تعرفوننا لتتورطوا في معركة مع شبان يبدون خطرين ؟
انفكت عقدة لسان وليد وصار يغردّ كما البلابل .. ومما قال
" أنه مستعد أن يفتديها بروحه .. أليست بنت بلاده ؟
وحتى لو لم تكن كذلك ، فهذا طبعه ، فأكّد عدنان على ذلك ومدح صديقه " الشجاع " وقال :
" لا تعتقوا إني لا أنزل في معركة لو بدأت " والتفت نحو وليد وقال : ولكن يا صديقي
لا تستعجل ،يبدو انهم من الزعران ، مالنا ومالهم !
:
لم يعرف وليد كيف صارت يده بين يديها .. ! هي لحظة أحسن فيها أن الكون قد
صار بين يديه .. فيدها الرقيقة الناعمة تطوق ساعده بحزام الساعة ، وتربطها ،
كاد قلبه يخرج من صدره ، لا يعرف ماذا اصابه ، صار يتصبب عرقا .. كان يقول " أن من ينظر
في عينيها يبيت مسحورا " ! أما في تلك اللحظة فقد شعر بأنه قد بات مأسورا
كالدم الذي يسكن في شرايين القلب .كان يرفع عيناه وينظر في وجهها الفتان فلاحظ أن
رموش عينيها يلقيان بظلالهما على حدقات عيناها ويزيدانه سحرا وجمالا ، أحست بالحرج
وارتبكت لعدم قدرتها على إقفال حزام الساعة على معصمه، فحاول مساعدتها فصارت الأكف
الأربعة كأكف قطة رضيعة حين تلتصق بثدي أمها لترضع ، يد تدفع وأخرى تتراجع تريد الاحتواء
مرة ومرى تريد أن تُحتوى ، تتحس تتداخل مثل كصيصان مرّ على ولادتها بضع ساعات تستدفئ
بعضها من بعض ، التقت أعينهما أخيرا على ابتسامات زادت من احمرار وجهيهما وبضع كلمات تعليق
ظريفة من عدنان وسعاد اللذان كانا وكأنهما يعرفان بعضهما البعض منذ سنين .
- " شكرا للبلغار ، الحمد لله فرحتلك " ضحك عدنان وهو يغمز صديقه بفرح ظاهر


رأفت العزي 06 / 04 / 2012 26 : 02 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حياة شهد (المشاركة 142654)
قراءة أوليّة و مرور لتحية السّطور سيدي الفاضل ..
يكفيني أن أجد نفسي بصفحة مميّزة و توقيع خاص ..
تحياتي ..



أسعد ربي أوقاتك بكل الخير سيدتي
منذ أول هذا الشهر أخبرت في أحد ردودي بأني سأمكث طيلة هذا الشهر في ثلاث محاور ادبية
وربما أكثر .. وتأكدي من متابعتي الدائمة لك ( ما هو قراءتك بفائدة :) ) أما حضورك هنا على متصفحي
المتواضع فله وقع كبير على نفسي أشكرك الشكر الجزيل .:nic92:
تحيتي واحترامي

محمد الصالح الجزائري 06 / 04 / 2012 19 : 03 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
هل يجوز أن أحشر نفسي بين روائيين كبيرين ..أحدهما له صولاته والثانية بدأت تتلمّس الطريق!!! لقد قمتُ بنسخها على حاسوبي لأعانق نبضك أخي عزت...دعني إذن أحجز ـ بعد الجميلة شهد ـ مقعدي في المقدمة حتى لا أزعج الحضور...استمتعتُ سيدي ..زادك ربي من فضله وأسعدك في الدارين...

رأفت العزي 07 / 04 / 2012 16 : 02 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الصالح الجزائري (المشاركة 142683)
هل يجوز أن أحشر نفسي بين روائيين كبيرين ..أحدهما له صولاته والثانية بدأت تتلمّس الطريق!!! لقد قمتُ بنسخها على حاسوبي لأعانق نبضك أخي عزت...دعني إذن أحجز ـ بعد الجميلة شهد ـ مقعدي في المقدمة حتى لا أزعج الحضور...استمتعتُ سيدي ..زادك ربي من فضله وأسعدك في الدارين...


الحبيب الغالي أستاذي الفاضل غمرتني بكرمك فأنا لا أعتبر نفسي قاصا وما هي إلا محاولات وهواية محببة إليّ
من القلب أشكرك وأعتبرك حاضرا في وجداني قبل ان تكون على الورق شكرا لك ولسيدة الكلمة فعليا ابنتنا الغالية شهد
تحيتي احترامي محبتي

محمد الصالح الجزائري 07 / 04 / 2012 29 : 02 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رأفت العزي (المشاركة 142750)

الحبيب الغالي أستاذي الفاضل غمرتني بكرمك فأنا لا أعتبر نفسي قاصا وما هي إلا محاولات وهواية محببة إليّ
من القلب أشكرك وأعتبرك حاضرا في وجداني قبل ان تكون على الورق شكرا لك ولسيدة الكلمة فعليا ابنتنا الغالية شهد
تحيتي احترامي محبتي

تواضع منك جميل لطيف أخي رأفت... أنتظر البقية بشغف..مودتي واحترامي...

رأفت العزي 07 / 04 / 2012 33 : 02 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 


بالرغم من أن جميع الأيام متشابهة ، ألا أنها كانت من أجمل الايام التي مرّت على الأشخاص الأربعة كما أسرّوا لبعضهم .
كانوا ينهضون باكرا ، لا وقت ليضعوه في النوم ، يتناولون طعام الإفطار والذي غالبا كان في مطعم الفندق وهم في لباس البحر
يتسللون إليه من خلال بركة السباحة الملاصقة لبهو المطعم المخصص للإفطار المجاني .
الجميل في الأمر أن ممرا مائيا ضيقا يربط ما بين عدة اماكن للسباحة ، فهذا مسبح مغلق مياهه دافئة
تخرج منه إلى مسبح آخر مفتوح عبر ممر مائي وانت تسبح ؛ ما يفصل بين المياه الدافئة والباردة ارضية ملساء
ترتفع رويدا رويدا وسط الممر ثم تنحدر نحو الجانب الآخر دون أن تشعر بتغير فجائي في درجة المياه ،
ولو أردت يأخذك هذا الممر نحو برك المياه الساخنة التي تخرج من الينابيع الجوفية المعدنية الحارة ..
ولو شئت أيضا لسلكت ممرا مائيا يوصلك إلى مركز العلاج الطبي حيث يعالج الكثير من المرضى ويشفي كثير
من الأمراض على ما تقول تلك الطبيبة التي تغزّل بعيونها عدنان عندما كان ممددا على سرير الفحص ، أحب
أن يدلّع نفسه ويجرى لجسده فحصا طبيا مجانيا فردّت عليه بعربية فصحى قائلة : " أنت في أحسن حال ،
شكرا لك لأنك قلت أن عيناي جميلتان " فصاحبنا لم يفاجئ بل وبدلا من ذلك صار يغازلها ويضرب لها موعدا
حتى أضحكها ومساعدتها لكثر إلحاحه وطريقة حديثه ، وأضحك رفيقه الذي سحبه من يده وشده نحو الباب ، والطبيبة تقول :
" خذه ، اسحبه خارجا لئلا يأتي صاحبي ويضربه فهو رياضي مثلك !

الشواطئ هناك ممتدة على مدى النظر وابعد ، رمالها ذهبية نظيفة رائعة ؛ كانت الساعات تنقضي ولا يشعرون
بالوقت كيف مضى ما عدا الجوع الذي يدفعهم للخروج من الماء ، كانوا يتناولون أي شيء على الغذاء ، ينامون قليلا
وقسرا ..ولو شاءوا العكس سوف لا يجدون بعد الظهيرة سوى الفراغ ، أو الذهاب إلى وسط المدينة للتسوق أو
التجوال في شوارعها ، جنائنها ، متاحفها القديمة والحديثة ، وبإمكانهم تناول أطعمتهم بمطاعم مختلفة وبأسعار
رخيصة لا تصدق كان أشهرها ذلك الذي يقع على حافة المدينة يقدم الأسماك و " يخنة السمك " .
وأغربها كان مطعما يرفع يافطة باللغة العربية كتب عليها " خروف محشي " ! يافطة كانت تغش كل عربي
يراها .. يدخل فلا يرى سوى أرزا مطبوخا " مفلفلا " يقدمونه في صحن متواضع فوقه قطعة لحمة مقلية !
أما سهراتهم ، فكانوا يقضونها في أماكن اللهو المختلفة ؛ في الليلة الماضية ذهبوا إلى دار الأوبرا ووقفوا
طويلا بانتظار أن يحصلوا على مقاعد فلم يوفقوا ، تعرفوا هناك إلى عائلة روسية ( امرأة ورجل وابنتهم )
تحدثوا إليهم طويلا ، كان وليد ميالا لليسار وكان يعتقد أن كل روسي شيوعي .. فحين قال للرجل " يا رفيق "
رد قائلا وبلطف زائد " باستطاعتك مخاطبتي باسمي ، ديمتري "
- ألست شيوعي ؟ " فقال : " دعك من ذلك " ضحك واردف " فرق أيها السيد بين أن أكون شيوعي أو
عضوا في الحزب الشيوعي ، خذ عنواني حيث اقيم وتفضلوا إلى مسكننا " فقاطعه وليد وسأله :
" ألا تسبحون ؟ دعونا نتعرف عليكم أولا فأنا وباسم اصدقائي ادعوكم لنشرب شيئا سويا عند مسبح الفندق غدا "
نظر الرجل الخمسيني إلى زوجته وابنته وتحدث بلغته حيث بدا أنه أخذ موافقتهن فقبل ذلك وافترقوا .
اليوم التالي . شعر وليد بتململ سعاد وبيرنا فهن لا يتحدثن الإنكليزية ، كان هذا هو المبرر .. لكن الأمر قد فرض نفسه
ولا يمكن لوليد التراجع عن الموعد ، فاعتذرتا عن حضور اللقاء على أن يلتقون عند الغذاء .

كان الرجل الروسي دقيقا في موعده ، لم يعرف وليد كيف دخلت العائلة مسبح الفندق دون تصريح ، لقد حضروا بلباس البحر
زوجته وابنته سبقتاه إلى بركة السباحة ، توجه الرجال الثلاثة إلى هناك ، تعرفوا على بعضهم البعض ودار حديث يتعلق
بالمنظومة الاشتراكية و" الإمبريالية العالمية " والحزب الشيوعي والحرب الدائرة في لبنان والقضية الفلسطينية
وغير ذلك من قضايا .. المستغرب أن الزمن في مثل ذلك الزمن حيث لا وجود لثورة اتصالات ولا ثورة معلوماتية
ولا انترنت ولا فضائيات ومع ذلك استطاع وليد و" ديمتري " الفهم على بعضهما البعض ، الفضل الأكبر في ذلك
كان لأستاذ الكيمياء الروسي الطيب ، والذي اوضح لوليد ما أشكل عليه بالأمس حين قال :
" أنا شيوعي ولكني لست حزبيا ، أؤمن بالفكرة ولكني اشك بتطبيقها " !
حين قال ذلك كان فمه قريبا من اذن وليد الذي كان معتادا على انتشار الجواسيس والوشاة في وطنه
أولئك الذين دمروا كل شيء إنساني ! أما عدنان فقد سحر " تتيانا " وابنتها " آنّا" ببهلوانياته ومواهبه
بل انه غاب معهن حيث قدم لهن البوظة وترك وليد ودمتري تحرقهم الشمس والعيون .. !

لقد كان ذاك الروسي كريما جدا بالفعل ، ولم تكن دعوته لوليد وأصدقاءه لبيته دعوة عابرة ،
بل كان متماديا بالكرم ؛ في اليوم التالي حضر إلى الفندق باكرا جدا ، لم يكن متطفلا ، اختصر
الحديث وهو واقف ، أعطى وليد أربع اسطوانات موسيقى كلاسيكية ، وطلب منهم الموافقة
الفورية على دعوته للعشاء في بيته ! احتار وليد وعدنان وترددوا خوفا من عدم موافقة رفيقتيهما فاقترح ديمتري
أن يبعث ب تتيانا لإخبارهن بل ولترافقهن إلى منزلها إن احبوا ذلك !
لم يكن الأمر صعبا ، ولا كانت المسألة معقد ، فالأربعة رفاق قد حملوا شيئا ثمينا وذهبوا إلى عنوان تلك
العائلة التي كانت تقيم في إحدى " الفلل" الأنيقة ، المفاجئة كانت أنهم لم يشعروا أنهم في بيت عائلة أجنبية
كان كل شيء في ذلك العشاء حميم ،ولطيف ، الكرم بلا حدود كأنك بين عائلة عربية عريقة ف " تتيانا "
أوكرانية الأصول و ديمتري " روسي قح " وبالرغم من ذلك كانوا في غاية اللطافة والكرم ذلك ما أدهش
سعاد التي لم تخفي تحفظها حين قالت أنها كانت مترددة في المجيء .. لكنها في تلك اللحظة أعربت عن
إعجابها بتلك المرأة الأوكرانية التي كانت تقوم وتضع اللقيمات في فم بيرنا وسعاد كأنها والدتهن ، وكانت آنا
/ الفتاة الجامعية / تقلد والدتها وتضع لقمة في فم عدنان الشره وهي تضحك . لقد كانت ليلة رائعة لا تتنسى
تبادلت الإناث فيها الهدايا والضحكات .. حين غادروا خرجوا وفي نفوس الجميع علامات رضى غريبة ..
تبادلوا القبلات وهم يودعون .. لم يتخلل السهرة أحاديث في السياسة باستثناء تلك اللحظة التي رفع فيها ديمتري
كأسه ، قال جملة لم تعجب بعض الحاضرات كثيرا ، بدا أن ديمتري كان بالفعل من أصحاب المبادئ ..
فحين رفع كأسه أغرقت عيناه بعاطفة " الفودكا " وقال بحماس : " نخب الثورة الفلسطينية " !

حياة شهد 07 / 04 / 2012 35 : 12 PM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
فأن يقول أستاذان بحجمكما ذلك الكلام عنّي .. فهو الشرف بذاته ..
أستاذ رأفت منكم نتعلّم و منكم نستفيد .. و إليكم نرجع دائما ..
كلّي فخر بدخولي هذه الصفحة المشرقة كصاحبها .. و أن يوقّع أستاذ كمحمد الصالح إلى جانب توقيعي ..
فهو بالنسبة لي كلّ الدنيا ..
أتابع سيدي المحترم بشغف .. و برغبة في الاستفادة .. و بمتعة خاصة تمليها عليّ حاجتي لتواجدي بين أستاذين ..
صاحب الصفحة الرّائع .. و زائر له مكانته الخاصة ..
تحياتي ..

فاطمة البشر 07 / 04 / 2012 42 : 06 PM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 

وأنا كذلك سأحجز مكانا لي في هذا المتصفح الرائع ،
وصفك جميل ودقيق ومشوق ،،
دمت مبدعا "أ. رأفت العزي "
ودي ووردي

رأفت العزي 08 / 04 / 2012 35 : 02 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حياة شهد (المشاركة 142787)
فأن يقول أستاذان بحجمكما ذلك الكلام عنّي .. فهو الشرف بذاته ..
أستاذ رأفت منكم نتعلّم و منكم نستفيد .. و إليكم نرجع دائما ..
كلّي فخر بدخولي هذه الصفحة المشرقة كصاحبها .. و أن يوقّع أستاذ كمحمد الصالح إلى جانب توقيعي ..
فهو بالنسبة لي كلّ الدنيا ..
أتابع سيدي المحترم بشغف .. و برغبة في الاستفادة .. و بمتعة خاصة تمليها عليّ حاجتي لتواجدي بين أستاذين ..
صاحب الصفحة الرّائع .. و زائر له مكانته الخاصة ..
تحياتي ..

وكم شرفني حضورك البهي ونورك الذي أراه في قلبك وشعورك
ولك مني رد سيعجبك - اتوقع ذلك هناك على صفحتك المضيئة

رأفت العزي 08 / 04 / 2012 45 : 02 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة البشر (المشاركة 142814)

وأنا كذلك سأحجز مكانا لي في هذا المتصفح الرائع ،
وصفك جميل ودقيق ومشوق ،،
دمت مبدعا "أ. رأفت العزي "
ودي ووردي



نورت يا فاطمة .. مكانك في القلب منذ زمن بعيد .. ولا حدّ مبدع إلا قلمك ..
استغرب وربي أستغرب .. يا عمي كتابتكن أفضل من أشهر الكتاب وبلاش اسمي
يعني اولئك أصحاب الروايات وأصحاب الجوائز
وفقكن ربي وحماكن

رأفت العزي 08 / 04 / 2012 46 : 02 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 

الأيام الجميلة كانت تمضي مسرعة ولكنها مليئة بالأحداث ، وفي كل يوم ، يكتشف الرفاق أماكن جديدة للتسلية
واللهو واخرى ذي فائدة ، ويكتشفون أيضا ، أشياء جديدة في شخصية كل واحد منهم .
راق لبِيرنا " مكان " كشف لها عن موهبة جديدة يتمتع بها وليد كان لا يكشف لأحد عن سرّها قد
احتفظ به لنفسه - باستثناء عدنان - فقد كان يعلم السر ويخفيه. لا مصلحة له الكشف عن مواهب صديقه
خصوصا أمام أنثاه ! يكفي ما واجهه في شأن السباحة والقفز من المرتفعات إلى الماء ، فلا يلومنه أحد
على ذلك " أنا لست رياضيا ولا أهوى السباحة " صرح بذلك حين تحدته سعاد في الماء ..
أما في ذلك المضمار ( السر المخفي ) فقد كان يُعتبر اساسيا لشخص مثله في عصره، بل كان
- إن صح التعبير- هو الهوية " الدون جوانية" التي ترسمه عاشقا ؛ إذ كان عليه أن يتعلم ، أو
على الأقل يتمرن ، وإن عدم إجادته ل تُعتبر نقيصة وعدم نضوج !! .. مع أنه وللأمانة كان يحب
أن يفعل ذلك ، بل ويرغب فيه بشدة .. لكنه الوقت :
- " أنت يا صديقي تمتلك كل وقتك ، بيدك أن تترك ريشتك وتمضي ساعة تشاء ،فالزبون الذي كلفك بعمل ما
كان قد دفع لك مسبقا بعضا من أتعابك ، أما أنا فمرتبط بمكان عملي .. لا أستطيع مبارحته ،ولا تأجيله ..
أنتظر الزبونة لتأتي ، أما أنت فالزبائن تأتيك .. أنت بالفعل حرّ في مهنتك وأنا مستعبد "
هكذا قال عدنان عندما ألح عليه وليد أن يشاركه تلك الدروس ، لقد كان معذورا بالفعل ولا يحسد على مهنته .

كان وليد إلى جانب ارتياده لناد رياضي يرتاد مدرسة للرقص الغربي مكث فيها ستة اشهر تعلم ثلاث
رقصات اشتهرن في ذلك الزمن من ستينات القرن الماضي ، خصوصا رقصات " زوربا" اليوناني
التي حببهم فيها " انتوني كوين " ؛ فحين ارتادوا ذلك المكان الذي أعجب فيما بعد بيرنا وسعاد انكشف ذلك السرّ .
عند دخلوا ذلك البناء المؤلف من ثلاث طبقات للمرة الأولى اكتشفوا أن الأول منه ساكن تسمع فيه
رنة ابرة إن وقعت ، وهو مخصص للمطالعة فقط . الطابق الثاني تنبعث فيه صوت الموسيقى الهادئة
حيث يمكنك التحدث كيفما شئت وتطلب ما شئت من مشروبات غير كحولية ، أما الطابق الثالث ،
بدا معزول جدا .. ما أن تفتح بابه الاول حتى تسمع أصوات مرتفعة قليلا ، ثم تعبر ممرا طويلا فيفاجئك
عند فتح بابه الثاني صخبا شديدا تهتز له الجدران .. فهذا المكان مخصص للرقص والصراخ والدبك واللبط فقط !
أرادت بيرنا وسعاد الرقص على تلك الأنغام فعارض عدنان لكن وليد تحمس ! فهو ،ودون أن يدري
قد انسجم جدا في الرقص ولفت أنظار الحاضرين الراقصين والمتفرجين بدقة حركاته وأناقتها ،
ما شعر بنفسه إلا حين خلت حلبة الرقص من الراقصين طوعا حيث أشار أحدهم كالمعتاد – كما بدا -
ليتم التركيز على " كوبل " راقص متميز يرفع من وتيرة حماستهم وصخبهم . وجد نفسه وحيدا
وسط الزحمة حيث اقتربت منه فتاة غربية الملامح والشكل ، وقد اخذها الرقص مثله تماما وما
وجدت نفسها إلا هي و وليد ترقص وحيدة معه بشكل مذهل ، فلا تكلّ ولا يتعب . التف الجميع حول
الحلبة الدائرية يصفقون بقوة وحماس وفرح ، ويصرخون بجنون قد دفع من يدير جهاز الصوت
إلى أن يرفعه للحد الأقصى .. !

كان وليد منذ صغره يهوى الكثير من الأشياء ،، ولقد تم إغراءه في زمانه وانضم إلى مع فرقة صوفية
قبلته بعد اختبار ليكون فردا يشارك في احتفالات الموالد والنذورات ، ويذهب إلى الزاوية " الرفاعية "
خاصتهم القريبة من مسكنه كل ليلة جمعة ،أو يذهبون إلى أحد المنازل بمناسبة شفاء أو طهور أو بركة
واحيانا للوفاء بنذر قديم فيقام " الزار " أو الحضّرة بعد أن تجري تحضيرات خاصة ، فتولع النار في
موقد يوضع فيه كثير من البخور وتُحمى عليه جلود الطبول والدفوف لتشتد وتائرها ولتصبح أصواتها أنقى
وأكثر استشعرا .. وعند اكتمال حضور معظم الناس يؤذن للأتقياء الورعين المشاركة التي تبدأ بهدوء
سرعان ما تقوى وتشتعل !
كان وليد يؤمن بعمق بأنه سوف " يتصل " يوما ! سوف يرتفع عن الأرض بجسده وليس بنفسه فقط .
حين كان يأخذه الحال يشهق بكلمة " الله " مرارا .. يبتلع أحرفها ويبقى حرف الهاء عالقا في حلقه
يدخل إلى جوفه ثم يخرج ليعلق ثانية .. يتكرر هذا مئات المرات ، كان يشعر بأن الله يسكن قلبه
فيغيب عن الحاضرين .. يرمي أحدهم إحدى الدفوف من تلك التي ينقرون عليها فيعتليه ثم
يدور بجسده فوق تلك المساحة التي لا يتعدى قطرها 30 سم ، يدور ، ثم يدور ويدور ، يتوقف ،
يثني جسده الأعلى نحو الأسفل ، جذعه ثابت و ركبتاه لا تنثني ، يطوحه شمالا ويمينا ثم يتوقف
ثم يدور ، يتوقف ، يطوح برأسه كمساحة زجاج السيارة في ساعة مطر خفيف ..
يعلو صوته بالله ، الله ، الله ، ولما تنتقل حاله إلى أبعد من النشوة يبالغ في دورانه فيأتي شخص من
المخلصين ليحضنه ويوقفه لئلا يطير ! يجلسونه وهو في أعلى قمة انجذابه ، لا يفتح عيناه إلا حين
تحرق جمرات النار التي قبض عليها يديه كما يفعل " الواصلون " لكن جلد يديه كان يحترق ..
عندما يشعر بالألم كان يبعثر الجمر ويخرجه من مكانه .. قال له كبير الحلقة ذات يوم :
" إنك تقترب يا ولدي " !
صار لا يمسك الجمرات بل يبعثرها في كل اتجاه.. مرة كان يحرق يديه
ومرة أشياء مختلفة .. أحرق بنطال أحد الحاضرين فكفر !
في إحدى المرات كاد أن يحرق أحد البيوت وكادت أن تتحول الحضرة ( الزار )
إلى مأساة فصاروا يجلسونه بعيدا عن موقد النار .

حين كان وليد يرقص في فارنا لم يجد ما يحرقه سوى قلب شقراءه دون أن يدري!
عيناه بحثت عنها ليراقصها لكنها نأت بنفسها ولم تقترب من هذا المطب الذي كان يمكن أن
يوقعها أو يخرجها من الحلبة التي لم يبق فيها سوى الأقدر على الرقص المحترف . صفق
الجميع بحرارة ، اقتربت فتاة الحلبة من وليد ، طبعت قبلة على خده وقالت أنا من فنلندا ،
نحن نحب الرقص والغناء جدا ،هل تُغني ؟ ابتسم وليد ابتسامة باهتة شكرها اعتذر وتملص
رافضا مواصلة الرقص ثم اتجه نحو بيرنا ، أمسك يدها ونظر في عينيها وقال : " لا أعرف كيف حدث هذا
لماذا بعدت عني ؟ " فقالت : " أنا سعيدة جدا ، فاجأتني حقا " فأمسك يدها و قبلها ثم شدها إلى وسط الحلبة
ورقص معها بين الراقصين فطارت فرحا .. شعر بالراحة تماما ثم خرجوا مسرعين بعد انتهاء السهرة
مروا بجانب جنينة عامّة وجلسوا على إحدى المقاعد .. الهدوء شيء رائع ، والسماء ليست صافية
بل كان الضباب يعبر مسرعا أمام المصابيح .. نظر في وجهها فابتسمت أمسكت يده ، جذبتها نحوها ..
مررت بإحدى أصابعها فوق شرايين ساعده النافرة
صارت تنقر بأظفرها نقرات خفيفة تشبه منقار عصفور جاءه الحب بعد انقطاع وجوع
استسلم لها دمه ، تقاطر إلى ذلك الشريان ، تدافع ليلامس اصبعها ، أشفق على نفسه
سحب ذراعه ومدده على الجانب الأعلى من المقعد ، كانت .. رغبتها جامحة للالتصاق به لكنها وقفت وأمسكت بيده
شدته منها فوقف ، تأبطت ذراعه ومشوا باتجاه مساكنهم وكانت تلك لحظة كسرت حاجز الخجل بينهما إلا قليلا
صاروا في اليوم التالي يتقاسمون طعامهم ، يأكلون ما لم يكونوا يحبون ، إن مدت في أحدى المرات يدها نحو فمه
وهي خجلة قضم ما امتد إليه وأكلت .. علق عدنان بلهجة شاعرية وقال : " ليتكم تتعلمون كيف يُطعم اليمام اليمام "
صار وليد مرة يرى عينيها بلون البحر فيغرق ، يسأل نفسه هل أحبها .. هل هي أحبته ؟
ومرة يراهما بلون السماء فيطير ، حين تتحدث عيناها بعشق ساكن ، حين ترفع يدها فيحملها ويقبلها دون تردد
والأيام تمضي مسرعة سعيدة حتى جاء اليوم السادس .


رأفت العزي 11 / 04 / 2012 50 : 02 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 

لم يكن عدنان يُخفي سرا عن صديقه طوال حياته .. وكان وليد قد بدأ يلاحظ تكتما غير متوقع يمارسه عدنان في المدة الأخيرة
بعدما صار يتغيب كثيرا في فترات ما بعد الظهر ، وحين يُسأل يقول إنه يحاول الاتصال بلبنان ليطمئن على حركة البيع في متجره !
- " صحيح أن أخي شاطر ولكنه يحتاج إلى توجيه " كان وليد يقتنع في أول الأمر ولكنه بدأ يشك ..
فالاتصال لا يعقل ان يكون أربعة أيام متتالية ويأخذ من الوقت مدة ساعتين او ثلاث !

عندما عادوا إلى فندقهم تلك الليلة بعد قضائهم سهرة جميلة
لم يستبدل عدنان ثياب السهرة بثياب النوم ، ولم يدع صديقه ليفعل ذلك بل أمسك يده وقال له :
ألا تُفكر في بيرناديت ؟
- بل إني هائم بها .
- هل حدث بينكما شيء لم أعرفه ؟
- مثل ماذا .. نحن مع بعضنا البعض طوال الليل والنهار
فلماذا تسأل ؟
- هل أحببتها .. هل أحبتك .. ماذا تقولان .. ماذا تفعلان .. أنا رأيت أن البنت قد غرقت
هي الأخرى بك فهل تصارحتما .. هل أنت أعمى أم أهبل ؟!


- صدقني إن معظم احاديثي معها عن الطبيعة والبحر والحرب وفلسطين .. حين أصل إلى هذا الموضوع
تصمت وتغير الحديث .. أنا أعرف أنها عاشت في بيئة مختلفة وأعرف أن بعض تجاوزاتنا قد أكسبتنا
بعض العداوات ولكني أود من كل قلبي أن تتعرف على لبّ القضية و..!
قاطعه عدنان وهو يتهكم :
- عرفت الآن لماذا تصاب المسكينة ببعض الاكتئاب أحيانا ..! إذن تعال لنسهر ساعة إضافية عندهم في
فندقهم لعلك تفلح في شرح وجهة نظرك أيها " الثوري " أنا كنت مترددا ولما ذكرت ذلك لسعاد قالت
ومن يمنعكم من الحضور إلى غرفتنا !
انفرجت اسارير وليد ودبّ فيه نشاط عجيب قفز بعدها الرفيقان مباشرة إلى الفندق وصعدا حتى غرفة البنات اللائي
فتحن الباب ولم يتفاجأن أبدا ولكن سعاد قامت ببعض حركات غنج وقالت " ما الذي أتى بكما " ثم قامت وبدلت
ثيابها وتأبطت ذراع عدنان وقالا " سنأتي لكم بشيء سوف تحبونه لن نتأخر " !
كان الحدث مفاجئا ومستغربا بالنسبة لوليد ،
فمن أين سيأتون " بشيء يعجبنا " بعد منتصف الليل و جميع المطاعم والمحلات تُقفل في الساعة الحادي
عشر والساعة كانت قرابة الواحدة ؟!
استسلم وليد لذلك الأمر ولم يعترض على تصرف صديقيهما أما بيرنا فأمسكت يد سعاد ولوتها ثم ضربتها على كتفها
وهي تبتسم وشيء من القلق قد ظهر على وجهها وقالت " إلى أين يا مجنونة ! "
ها هما الآن في غرفة فندق سياحي وجها لوجه ، هي في ثياب تُظهر بعض محاسنها ، وهو في حلم يدرك
نفسه فيه جيدا وأرجله على أرض الواقع .. هو وهي فقط .. لا تلفاز ولا " نت " ولا هواتف ذكية ولا غبية ..
هما فقط وراديو " ترانزستر" صغير ملقى بالقرب من وسادتها ، التقطه بيده فقالت " عبثا حاولت فلم التقط إذاعة عربية "
التفت نحو ستارة باب الشرفة وتفقد بابها المقفل .. ففاجأته بسؤال " هل تود الجلوس هنا " واشارت نحو
الشرفة ثم أردفت قائلة " سوف أضع القهوة في سخان الماء الكهربائي ريثما يأتون فهلا ساعدتني في إحضار
أربعة فناجين .. ها هم هنا ، افتح الخزانة "
صار الوقت يتثاقل بالرغم من أنه وقت سعيد ؛ كان وليد قلقا تعصف به أشياء لا يفهمها .. لحظة يتصنع القلق على
غياب سعاد وعدنان – وهي تشاركه القلق أيضا – وفي نفسه يتمنى لو أن الليل يطول ولا ينتهي .

كانا يجلسان وهما متقابلان على كراسي خشبية يشربان القهوة على تلك الشرفة المضاءة بنور خفيف
ويطيلان النظر في العيون ، بعيدان عن بعضهما البعض ، لم تقترب منه كعادتها وهو كعادته لا يتقدم ،
حتى اياديهما كأنها مكبلة .. كانت تريد أن تفعل شيئا وتتردد وما لبثت أن دخلت إلى الغرفة ثم خرجت تعلو
وجهها ابتسامة رقيقة ثم فتحت يديها فظهرت فيهما سيجارة وعلبة كبريت وقطعة من لوح شوكلاه صغيرة وقالت :
- أنا أعرف بأنك تكره السجائر والمدخنين ولكني سأفعلها ،
أحيانا احبها .. أنا لا أدخن كثيرا ، يعني غير مدمنة .. وهذا ما تبقى من الشوكولا التي اعطيتني إيها كلها أنت !
- ولكن أحيانا أنا أيضا أشعل سيجارة !
- متى تأتي على مزاجك .. هل عندما تزعل أو تفرح ؟
- لا هذا ولا ذاك !
- متى إذن ؟
- عندما أكون غارقا في الغرام ، أعطني سيجارة !
استنزف وليد وبيرنا ما في جعبتهما من أحاديث لا تخرج عن التلميح دون التصريح بكلمة حب واحدة
كانت ربما ستكسر جليد فترات الصمت الطويلة التي كانت تجتاحهما .. هي تعرف أنه متيم بها ، وهو يريد
أن يعرف إن كان هو الشاب الوحيد في حياتها ؛ فعندما ترك لبنان كان على موعد تعارف مع فتاة تحب
المراسلة كانت تبتسم له ويبتسم لها من بعيد ، لم يتحدث إليها إلا مرة واحدة ، قالت له في احدى الرسائل
" غدا سأذهب لبيت خالتي في العاشرة قبلها بساعة أو بعدها بساعة لا أعلم ، ولكنني سأذهب وحيدة ،
حاول أن تراني وسوف نتحدث معا "
ذهب في اليوم التالي وانتظرها عند الثامنة صباحا وانتظر. انتظر في الشارع طويلا ولكنها أخيرا أتت.
مشى خلفها وهي مسرعة الخطى ، تبعها ، احتاط لئلا تكون مراقبة من أحد ، أسرع لعله يدركها ،
وأخيرا توقفت أمام باب بقّال فتقدم نحوها وقال " صباح الخير " قالتها وهي خائفة " صباح الخير"
وأدارت بوجهها نحو أحد الرفوف ، طلبت حاجتها ، أخذتها في كيس ورقي ومضت مسرعة كما بدأت ،
لم تعد تلتفت خلفها وفجأة دخلت إحدى الأبنية واختفت .
انتظرها وهو محبط وفي حيرة شديدة .. وعندما نزلت لم تجده بانتظارها .. ندم على فعلته وقد بدا امام
نفسه صغيرا .. فكيف قضى ساعات أربع يلهث خلفها لتقول له كلمتين متلعثمتين قالتهما وبلعت لسانها ،
ومع ذلك فقد بعثت له في اليوم التالي رسالة اعتذار وبادلها مثلها .
لكنه الآن أمام شيء آخر ، أمام لحم ودم وروح .. إنه أمام حقيقة أنه يتحدث إلى أنثى – وأي أنثى –
وهي لا تتحدث إليه فقط ، إنها ملكت عقله وروحه ..فالأنثى هي الأنثى في كل مكان وزمان ؛ وما لا
تستطيع قوله بلسانها تقوله بجسدها .. صحيح أنها لم تقل له كلمة حبّ واحدة ولكن كل خلية من خلايا
جسدها تنطق بالغرام وتدفعه نحو التهور والقفز في المجهول .. أو يلتزم التعقل ليبقى وفيا للقول الذي
بدأ به الرحلة " سيعود عفيفا " وللمبادئ الخلقية التي يؤمن بها .. كان والده يقول :
" إن العيب يا ولدي لا يأتي من طرف واحد ، وإن الرجل يتحمل المسئولية الأخلاقية أكثر من المرأة "
تعلقت إحدى شقيقات صديق له في رقبته في ساعة اختلاء ؛ ردعها .. طيّب خاطرها ، بل عقلنها ،
وقال أنا أحبك كأختي وسوف أظل ، ولا يعني أن هفوتك هذه تدل على انك رخيصة أو بلا أخلاق بل دلّت
على صدق مشاعرك وساعة أحب أن أتزوج سوف لن أختار إلا واحدة مثلك !

الأنثى هي الأنثى في كل مكان وزمان ؛ وما لا تستطيع قوله بلسانها تقوله بجسدها ..
وكان جسد بيرنا يقول أنا الأنثى التي تريد أن يصنعك جسدها من جديد !

محمد الصالح الجزائري 11 / 04 / 2012 59 : 02 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
ما أسعدني اليوم !! قرأتُ جزءا هناك للرائعة شهد ..وها أقرأ هنا جزأين للرائع الآخر رأفت...ومتعتي لن تنتهي مع الرائعيْن!!! شكرا لك أخي الغالي رأفت...استمر أنت الآخر..عصايا معي ههههههه

حياة شهد 11 / 04 / 2012 39 : 10 PM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
بدأت أنسجم مع الأحداث ..
أستاذي رأفت العزي حرفك جميل .. و أنا هنا للاستمتاع و التلقّي ..
تحيّة بعمق السّطور ..

حياة شهد 11 / 04 / 2012 41 : 10 PM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الصالح الجزائري (المشاركة 143165)
ما أسعدني اليوم !! قرأتُ جزءا هناك للرائعة شهد ..وها أقرأ هنا جزأين للرائع الآخر رأفت...ومتعتي لن تنتهي مع الرائعيْن!!! شكرا لك أخي الغالي رأفت...استمر أنت الآخر..عصايا معي ههههههه

................
ليس هناك أصدق من عصاك هذه أبتي ..
و اللّه أنت الرّائع .. الّذي لا مثيل له ..
شكرا .. لك و شكرا للأستاذ رأفت ..

رأفت العزي 12 / 04 / 2012 29 : 01 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الصالح الجزائري (المشاركة 143165)
ما أسعدني اليوم !! قرأتُ جزءا هناك للرائعة شهد ..وها أقرأ هنا جزأين للرائع الآخر رأفت...ومتعتي لن تنتهي مع الرائعيْن!!! شكرا لك أخي الغالي رأفت...استمر أنت الآخر..عصايا معي ههههههه


لا تجعلني أدمن عليك لأني لن أجد وسيلة للشفاء وصرت أخشى التشبث بعصاك التي صرت على يقين بأنها تأكل كل ألاعيب السحرة هههههههه
أستاذي الحبيب أنا الذي من يشعر بالسعادة لوجودك بعصا وبغيرها
محبتي التي لن تبور بإذن الله

رأفت العزي 12 / 04 / 2012 39 : 01 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حياة شهد (المشاركة 143267)
بدأت أنسجم مع الأحداث ..
أستاذي رأفت العزي حرفك جميل .. و أنا هنا للاستمتاع و التلقّي ..
تحيّة بعمق السّطور ..



عند دخولك هذه الصفحة سوف تجدين أرضها مفروشة لك بزهر الليمون والحناء .
شكرا إليك بعدد رمال المتوسط :)

رأفت العزي 12 / 04 / 2012 40 : 01 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 

الأنثى هي الأنثى في كل مكان وزمان ؛ وما لا تستطيع قوله بلسانها تقوله بجسدها ..
وكان جسد بيرنا يقول أنا الأنثى التي تريد أن يصنعك جسدها من جديد !
قد يدفعك لتصبح ناسكا أو قاتلا .. وقد يدفعك لتصبح شاعرا متفوها بأحلى كلمات الغزل ،
أو حاقد معتد آثم مغتصب كريه ، وقد يجعلك ديوثا ذليلا ، كلبا يزحف تحت أقدام الشهوة
أو يدفعك نحو الخطايا والجنون أو الظنون ، أو يدفعك لتمارس انسانيتك كما قُدّرَ للإنسان أن يكون
وقد يدفع أمة بأكملها نحو الحرب أو السلم أو يهزم أمة بأكملها حين يتلحف الجسد العاري
بلحف الأخبار والأسرار في سرير مغتصب مغرور !!

لقد كان وليد على وشك ان يسألها إن كانت مرتبطة بأحد ولكنها قطعت عليه سؤاله وقالت !
- " إني شعرت بالبرد قليلا دعنا ندخل إلى الغرفة لأريك بعض الصور لعائلتي "
جلسا على حافة إحدى السريران يشاهدان الصور معا ، تمرر بعضها بسرعة وتتباطأ في عرض اخرى
تتوقف يديها كليا ثم تستأنف .. أما وليد فلم يعرف ما كان يشاهد !
رأسه بالقرب من رأسها وأنفاسهما تتنقل بين خطيّ رئتيهما اللتان تتنافسان على نقل
الكمية الأكبر من " الكربون " ! لماذا تتنفس الأشجار هذه المادة ليلا يا ترى
أتختلج مشاعرها وتسرع النبضات في عروقها كالبشر وتتبادل الأنفاس ؟؟
خرجا إلى الشرفة ثانية وجلسا يسألان بعضهما عن عدنان وسعاد وبين الفينة
والفينة كانت بيرنا تفتعل القلق على صديقتها وكذلك وليد !
في لحظات صمت طويل كانا ينظران فيها نحو الشارع المتعرج في سكون ليلة لم يقطعه سوى نباح كلب بعيد ،
ينظران نحو السماء المتلألئة بالنجوم التي أوحت لبيرنا بالغناء فغنت.
- هل تحب فيروز مثلي ؟
- سوف أعشقها لأجلك لكني حقيقة أحبها .
- وأي أغنية من أغانيها تحب اكثر ؟
- همممممم ، كل ما تغنيه أحبه ولكني أعشق اغنية " وقف يا اسمر في إلك عندي كلام "
صارت بيرنا تدندن بلحن تلك الأغنية ، والكلمات تخرج من شفتيها همسا قد جعلت من حاسة السمع
عند وليد يتلاشى لحساب عينية اللتان تتفرسان بشفاهها وهي تموج بلحن الغناء كسنفونية سحرت كيانه
اقتربت بكرسيها من كرسيه مرة ثانية ، فتقدم ، أمسكت يده وقالت :
- أتضعها على خدي ؟!
منذ اللحظة الأولى التي شاهدها واقفة في مطار بيروت ، تمنى لو لثم أصابع يديها
وكذّب حلما تراءى له بانه يقبلها ، ولكن العجيب أن إحساسه باشتهائها كان يصغر كلما زاد حبها في قلبه ،
عندما لامست يده خدها طوقتها بإحدى بيدها ، أغمض عيناه ، تلاشى، صرخ في أعماقه أن " يا رب ارحمني!"
وحدك يا إلاهي تُدرك إني لست نبيا .. وكذلك لست عصيا.. !
وإنما هو يا رب قلبي .. إنها الحلم الذي لم أتخيل يوما بأني سوف أحلمه "
أخذ يديها المستسلمتين ووضعهما على وجهه .. اقتربت شفتاه من باطن إحداها فقبلها قبلة رقيقة
وضع وجهه بين يديها فأخذت إحداهما ووضعتها على رأسه ، شعر بحنان لم يكن بغريب على احساسه .
حين مرضت أمه مرضا أجلسها في الفراش لأول مرة كان لا يفارقها ، يقف بمعظم الوقت إلى جوارها
ممسكا بإحدى يديها ، يلثمها ، يقبلها ،يضع وجهه فيها بين وقت وآخر ، كانت تسحب يدها الثانية
وتضعها على رأسه ، تعبث بشعره الناعم الطويل ، تترضى عليه وتقول له سأشفى بإذن الله قريبا !
كانت يدها تبث في روحه العطف والحنان ، يدعي لها بالشفاء وطول العمر ودموعه تملئ كفها ..
تذكرّ ذلك جيدا. وها هي الذكرى تُملي أبجدية ذلك الإحساس عليه ، بكى دون دموع وتمنى لو كان طفلا لينام على صدرها ويغفو !
:
صار الصبح يتنفس .. وصوت صياح ديك بعيد قد أنبأ بقدوم الفجر الجديد ،
نسيا نفسيهما على تلك الشرفة .. نسمات بحرية باردة لسعت جسديهما المتقابلين و روائح زكية تنبعث من عمق الغابات ،
وأوراق الأغصان تتراقص لاستقبال الشمس بعد مغيب ، وراديو الترانزستر ما زال على نفس الموجة التي كانت
إذاعتها لا تقدم سوى الكلاسيك من الموسيقى ، وتشبه تلك التي سمعوها في سهرة الأمس ..
فبالأمس جلسوا لأكثر من ساعة في إحدى قاعات بلدية المدينة يستمعون إلى مثل هذه الموسيقى الجميلة
دعاهم إليها " ديمتري " وكان الحفل جزءاً من برنامج احتفالي بمناسبة الذكرى السنوية " لتحرير" بلغاريا من النازية
حين دخلت القوات السوفييتية إلى العاصمة " صوفيا " وحررتها .. يبدو أن البلغار من عشاق الكلاسيك من الموسيقى .
:
- هل تخشين على سعاد من عدنان ؟ سأل وليد وحملق في وجهها !
- سعاد فتاة قوية لا يُخشى عليها .
- ولكن هل تخشى الفتاة من رجل يحبها ؟
- بصراحة يا وليد هذا لم أدركه سوى هذه الليلة ، كنت قبلها أخشى بالفعل ، ولم أكن أرى
في أعينهم سوى الشهوة التي تدفعهم للقول الجميل .. ولكني الليلة شعرت إلى جانبك بأمان .

- اسمعي يا حبيبتي (قالها للمرة الأولى ) نحن في ثقافتنا الدينية نعتقد بأن " ما اجتمع رجل وانثى
إلا وكان الشيطان ثالثهما "
كنت أشك في هذا القول من قبل ، ولكني الليلة أقطع الشك باليقين .. فأنا

محمد الصالح الجزائري 12 / 04 / 2012 20 : 03 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
ومتى البقية ؟؟!! هذه المرة لن أحمل معي العصا استبدلتها بعراجين (دقلة نور) !!! جزء مفعم بالحب والحياة وفيروز أكاد أسمع صوتها!! أنتَ فعلا رائع يا رأفت!!!

رأفت العزي 13 / 04 / 2012 29 : 06 PM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الصالح الجزائري (المشاركة 143312)
ومتى البقية ؟؟!! هذه المرة لن أحمل معي العصا استبدلتها بعراجين (دقلة نور) !!! جزء مفعم بالحب والحياة وفيروز أكاد أسمع صوتها!! أنتَ فعلا رائع يا رأفت!!!


سوف تأتي قريبا .. ( ساعات ) :)
شقيق الروح ، الصالح الجزائري محمدا أينما حللت وكيفما اتجهت واستدرت .. ولا يسعى لحمل النور إلا المتطهرين
المفعمة قلوبهم بالحب والنقاء فلا يرون غير ما في قلوبهم .

أشكرك من أعماق القلب

رأفت العزي 14 / 04 / 2012 10 : 01 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
قلت : كنت أشك في هذا القول من قبل ، ولكني الليلة أقطع الشك باليقين .. فأنا
أشعر وبعمق بأن الله معنا وليس الشيطان ! الله أقوى من الشيطان أليس كذلك ؟
فهل يغيب الله في حضور الشيطان ولصالحه .. ولماذا .. وما معنى الإيمان بأن الله معنا أينما كنا إذن ؟!
إن الأمر يا سيدتي بيدنا ، الله لا ينسانا ، فنحن من يستحضر الشيطان عندما ننسى الله .
وإن حضوره ليس حضورا حتميا كلما اجتمع رجل وامرأة .. وها نحن !
يكفي أن يستحضر أحدنا الله حتى يغيب الشيطان ، الله يا بيرنا حاضر معنا لأن قلبي وقلبك مليئان بالحب
وقد وهبني عينان .. وتلك نعمة ل ارى بهما رقتك ، جمالك ، حسنك وكل ما فيك من كمال
إن هذا قد زاد من إيماني بالله .

بدت بيرنا حائرة متعجبة بل تائهة وسألت وليد :
- صراحة أنت تُذهلني .. أنا لا أمارس إيماني كما يجب ولكنني أعرف بعض الآيات في الإنجيل
قل لي ، هل اطلعت على الكتاب المقدس يوما ؟! أتعرف ماذا قال في هذا الخصوص ؟!
يقول : " حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم " !

- بيرنا .. أنا ذهبت مع صديق لي منذ سنوات عند كاهن برتبة " مطران " لأمر يخص عائلته
ولما سأله عني قال له " صديقي مسلم " فسألني المطران وهو يبتسم إن كنت أمارس عباداتي فقلت له
كلاما علّمني درسا ، قلت له " أنا يا سيدنا شيوعي ولا أعترف بدين " انتفض سيدنا المطران وقال بغضب شديد
" اسمع يا ابني أنا عندي مسلم على دينه أفضل من عشرة مسيحيين لا يمارسون عبادتهم "
حاولت الاعتذار يا بيرنا ولكن المطران بقى عابسا صامتا فعرفت ما مدى فداحة خطأي !
اعتقد أنني أمام رجل دين مسيحي سيفرح لمسلم بلا إيمان ! ومنذ ذلك اليوم بدأت أهتم ببعض المطالعات
عن تاريخ المسيحية وماهية الدين .. ولكني صراحة لا أحفظ أي نص ..
في جميع الأحوال يا بيرنا من قال ذاك القول يفترض أن الله موجود بين المؤمنين .. وهذا يعني غياب الشيطان ..!

لكن دعيني أسألك سؤالا حيرني منذ أن أتينا فارنا :
كيف جرأتم على هذه المغامرة وانتم فتاتين رائعتا الجمال وقررتما المجيء
إلى هنا وحيدتين وهي بلاد كانت حتى الأمس القريب مجهولة بالنسبة إلينا في لبنان ؟!

- أخبرك بصراحة ، نحن تورطنا في ذلك .. نحن خمسة بنات اتفقنا على
تمضية هذه الرحلة مع بعضنا البعض ، وقد أغرتنا الدعاية والأسعار
ولكن صديقتين منهن تراجعن في آخر لحظة، فتأثرت بقرارهن ثالثة ؛ بقيت أنا وسعاد ..
أنت لا تعرفها جيدا .. هي عنيدة جدا ، وأنا أتأثر بها ، لقد أصرت على
إتمام الرحلة ، وكذبت على عائلتي باننا خمسة .. ولكني ورغم مظهري المرح
الا انني ندمت وبكيت بكاءً حارا على متن الطائرة خصوصا عندما أقلعت ..
وبصراحة لعنت سعاد حين كانت تتحدث إلى عدنان .. وكنت انكزها بقوة لتعتدل على كرسيها
ولكنها أرادت أن تُثبت لي بأنها أقوى وتتدبر نفسها ، نظرت إليك فوجدتك مثلي تنظر نحو الخارج
فقلت لعلك مثلي نادم و .. تبكي "
قالت جملتها الأخيرة وهي تضحك والسعادة تغمرها وبالرغم من شعاع الشمس قد ملئ الأفق نورا
ألا انها كانت ما تزال بكامل حيويتها فأعدّت القهوة من جديد وشرباها على نفس الشرفة .
حركة الشارع تبدو من مطلّهما في الطابق الثالث معدومة والشارع ولا يشغله سوى بعض عمال النظافة.

كان وليد قد لاحظ منذ اليوم الأول وجود عمال للنظافة أشكالهم وأعمارهم وأعدادهم لا تتناسب وهذه الوظيفة
كانوا ينتشرون كل ثلاث مائة متر أو أقل اثنان من العمال أو ثلاثة .. وفي الغالب كانوا رجلا وامرأة
هيئتهم نظيفة جدا ، وأعمارهم تتجاوز السبعين ، يحملون مكانس لها عصي طويلة بطول قامتهم
مهمتهم تقتصر على كنس أوراق الأشجار المتساقطة وجمعها في مكانها على الأرض ثم يأتي عمال آخرون
بعمر الشباب لإزالة تلك الأكوام وطمرها في حفرة كبيرة قريبة أعدت لهذا الغرض ؛ أما الحاويات الصغيرة
فتأتي السيارات الخاصة لتحملها .

أشار بيده نحو الشارع وقال - انظري إلى هناك ، إلى الرجل والمرأة اللذان يكنسان !
قد يفاجئك أعمارهم ومظهرهم الراقي ولكنه لا يفاجئني ذلك الآن
فهل تتخيلين أن هؤلاء العمال كانوا من كبار موظفين الدولة !
عندما سألت أحدهم منذ يومين قال لي بأنه جنرال متقاعد ، وأن رفيقته تلك أستاذة جامعية
وأن مهمتهم تقتصر على نظافة تلك المسافة الممتدة لثلاثة
مئة متر فقط ، هم يكنسون أوراق الأشجار ويجمعونها فقط !
قال لي أن عملهم طوعي ، يُسعدهم ، يؤدونه ولا يطمعون بأكثر من قبض راتبهم التقاعدي دون نقصان
وقال " أنظر إلى صحتنا ،هذا الأمر بمثابة رياضة يومية تجعل منها نعمة دائمة لنا حتى الممات "
استغربت في بادئ الأمر ولكنه شرح لي طبيعة سير النظام .. فسألته إن كانوا من البعيد
فقال لا نحن من فارنا ونحن سعداء أن مدينتنا تستقطب هذا العدد من البشر ومن مختلف بقاع الدنيا .
سألته يا بيرنا وأنا متردد فقال :

"لا ، ليست زوجتي ، إنما رفيقة عمل " فقلت له :
- ولكن اعذرني على سؤالي السمج .. هل أنتما متحابان ؟!
فقال " ماذا تقصد وبأي معنى ؟"
فأشرت له بحركة من يدي فضحك كثيرا .. صار في غاية السعادة وقال
" ماذا يمكنني أن أقول ، كيف أشرح لك هذا ! ولكن استمع إلي وافتح قلبك وعقلك لي
افتحهم جيدا حتى تستوعب ، فلو كنت في مثل عمرك لما فهمت هذا جيدا واعتبرته قول شاعر !

جلست ، أما عدنان فقال لي " اهنئ يا صديقي " وسبقني إلى الفندق بحجة حاجته للنوم ..
جلست يا بيرنا وفتحت قلبي قبل أذناي :

محمد الصالح الجزائري 14 / 04 / 2012 21 : 01 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
حديث في الإيمان يفوق ما نسمعه على المنابر!!! استمرّ أيها القاص المبدع ..فلن أحمل بعد اليوم عصاي!!!

عبد الحافظ بخيت متولى 14 / 04 / 2012 50 : 03 PM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
من الجميل أن ينشط قسم الراوية هنا على يد كاتبين متميزين الاستاذة حياة شهد التى تلقط فى روايتها مساحة جميلة من الانسان وتجعل كاميرا السرد تغوص فى اعماق الواقع لتكشف عن مرايا الواقع والانسان منعكسة على الماضى والحاضر وعلينا معها ان نستشرف المستقبل
والاستاذ رأفت العزى ذلك الكاتب الذى يضع بين سطوره الروائية خبايا الواقع وقبح السياسة التى تحول الواقع الى مسوخ من الانسانية والبشر الات تحركها اصابع مدنسة
وهذا النشاط يحسب لهما فعلا ويجعلنا نطمع فى ان نوكل اليهما قسم الرواية ونحن نتابع معهما راصدين الفن والواقع والنفعية والجمال فيما يقدمون من نصوص روائية نسعد بها كثيرا وتبهجنا
لكما كل المحبة وكل التقدير

رأفت العزي 15 / 04 / 2012 06 : 12 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الصالح الجزائري (المشاركة 143447)
حديث في الإيمان يفوق ما نسمعه على المنابر!!! استمرّ أيها القاص المبدع ..فلن أحمل بعد اليوم عصاي!!!


لا يا سيدي ارجوك .. فحين تكون لها مآرب أخرى نحتاجها بيدك :)
.. ماذا أقول لك .. ماذا أقول وها أنت حاتمي الكرم وأكثر

شكرا إليك أخي الحبيب ألف شكر

رأفت العزي 15 / 04 / 2012 39 : 04 PM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الحافظ بخيت متولى (المشاركة 143471)
من الجميل أن ينشط قسم الراوية هنا على يد كاتبين متميزين الاستاذة حياة شهد التى تلقط فى روايتها مساحة جميلة من الانسان وتجعل كاميرا السرد تغوص فى اعماق الواقع لتكشف عن مرايا الواقع والانسان منعكسة على الماضى والحاضر وعلينا معها ان نستشرف المستقبل
والاستاذ رأفت العزى ذلك الكاتب الذى يضع بين سطوره الروائية خبايا الواقع وقبح السياسة التى تحول الواقع الى مسوخ من الانسانية والبشر الات تحركها اصابع مدنسة
وهذا النشاط يحسب لهما فعلا ويجعلنا نطمع فى ان نوكل اليهما قسم الرواية ونحن نتابع معهما راصدين الفن والواقع والنفعية والجمال فيما يقدمون من نصوص روائية نسعد بها كثيرا وتبهجنا
لكما كل المحبة وكل التقدير



أستاذي الغالي أديبنا الكبير الناقد الرائع عبد الحافظ بخيت متولي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا أشكر لك لفتتك الكريمة ونشاطك الرائع ادام ربي عليك الصحة وانت تتنقل
بين زوايا المنتديات تتابع هنا وتقرأ هناك وتضع ملاحظاتك الحكيمة والتي
هي موضع ترحيب من الجميع شكرا على ثقتك التي ابديتها واعتقد
أن الأستاذة الرائعة حياة شهد تتمتع بكامل الصفات الإبداعية لغة ومعرفة وحسن مقال مما يجعلها
مؤهلة وقادرة على إدارة ملف العبد لله فيه فقير قد يحسن " الكلام " قليلا ولكن لا يُحسن فيه التدبير

ثانيا كما شرفني أن تبدي ملاحظة إدارية يشرفني أن تبدي ملاحظة نقدية
طامع بكرمك حين انتهائي منها لأني ماشي ( وعلى عماها ) هههههه
فإليك شكري مثى وثلاث مكررة مع حبي تقديري واحترامي

رأفت العزي 15 / 04 / 2012 18 : 10 PM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
ما أريده منك يا ولدي فقط أن تفتح لي عقلك ، مجرد بقائك هنا يعني أنك فتحت قلبك !
نحن البشر يا سيدي نشبه الأشجار إلى حد كبير ، حين اعتدنا الجلوس هنا تحتها تعلمت
و" وإلزا " منها أشياء كثيرة لم نكن نعرفها من قبل ،التأمل قد جعلنا نلاحظ أشياء لم
تكن لتخطر لنا ونحن في سلك العمل ، كنا إذا جلسنا لنرتاح قليلا ، نفكر بأشغالنا
وهمومنا كسائر البشر .. أما ومنذ أن تقاعدنا وقمنا بالتطوع بهذا العمل ،
وبعد مرور سنوات أصبحنا اكثر إدراكا لواقعنا الجديد ، لم يعد ما يشغلنا سوى يومنا
والتفكير في قضاء ما تبقى لنا من أيام طالت أم قصرت . لقد تركتنا الأحلام إلى غير عودة !

في صغرنا وعز شبابنا كنا نتزاحم ، نتنافس على كل شيء ، نتزاحم من اجل لقمة العيش
في الشوارع والوظائف والعمل .. نتنافس كما في الرياضة وأشياء أخرى اكثر او أقل أهمية ،
نتفاخر بتنافس ربما على كم خسرنا على طاولة القمار ،على شرب أكبر عدد من كؤوس الخمر ،
على أكبر مساحة في قلوب النساء ويا ليتنا نسعى نحو قلوب نساءنا فكم وكم صرفت
على العطور والبخور وربما دفعها الحسد نحو التعلق بأوهام " النفاثات في العقد " !
الأشجار يا ولدي هكذا حين تزرع ، تتسارع جذورها لتحتل أكبر مساحة من الأرض
لتستحوذ الكمية التي تحتاجها من الماء والغذاء تتصارع جذورها تحت القشرة الرقيقة من التراب ؟
ربما ، تتزاحم ، تتقاتل في الظلام ،ربما ؛ ولكنها لا تأخذ أكثر من حاجتها ..!
tنحن لم نرى ولم نسمع عن جذور عابرة للقارات ولم تعرف أن جذرا قتل جذر شجرة أخرى لتعيش !
ربما تتصارع .. لكنها تكتفي بحاجتها !
يا للمفارقة إنها تبدو مسالمة فوق الأرض .. تبدو جميلة وارفة الظلال ، يلجئ إليها عشرات وربما مئات
المخلوقات ، تطعمهم ، تؤنسهم ، تأويهم ، تنعشهم ، وتدفئهم إن قطعوا من أغصانها والفروع ،
وكل ذلك بالمجان . وهي كلما كبرت ، كلما اقتربت من أختها لتعيش إلى جانبها بسلام ، ووئام ؛
على عكسنا نحن البشر تماما فنحن نتصارع فوق التراب ، ونعيش تحته بسلام ! "

كان " العجوز " يتحدث بلهجة شاعرية يا بيرنا ، ولا يجد صعوبة في التحدث
بالإنكليزية التي تعلمها باكرا واحسنها عند اختلاطه بالسواح ،.. وكنت أنا ، أصارحك
مدهوشا ثم زادت دهشتي حين واصل كلامه وقال :


" معظم الناس لا تدرك حركة الأشجار ولا يلاحظون مدى تلاحمها وتعاضدها ..
حتى أن العملاقة منها تفسح المجال لبزرتها كي تنمو وتكبر إلى جانبها وبحمايتها !
كلما كبرت وامتدت فروعها وتفرعت أغصانها تكتشف حاجتها للتعاضد من أجل تلك الحماية
من هوج العواصف والرياح .. تظلل بعضها بعضا حتى لا تقتلها حرارة الشمس الحارقة .
تتشابك لتحيا ، تتعانق لتحيا ؛ ونحن تعلمنا العناق منها ، فلا نستغرب !
لا تشكك بعواطفنا إن وجدتنا في عناق ما بين وقت وآخر
فذلك من أجل أن نستمر ونحيا ، من أجل أن تمشي بنا عجلة الحياة
نعانق بعضنا لنشعر بوجودنا ، بوجود أشخاص آخرين إلى جانبنا
ولا نفكر في شيء غير الأمل في يوم آخر جديد يمر ونحن أصحاء .
صمت قليلا ثم نظر إلي وسألني :

" هل جربت عناق شخص آخر دون التفكير بشيء آخر ؟!"
كنت أستمع وكان ذلك العجوز ينظر إلي وكأنه يريد الدخول إلى عقلي
ليعرف مدى قدرته على الاستيعاب !
لم يتوقف عند هذا الحد بل وقف وأشار إليّ بالاقتراب فاقتربت؛ اقترب
مني و فاجأني بأن رفع يديه وضمني إلى صدره برقة وحنان ثم ابتعد قليلا وقال :
" هل شعرت بشيء مختلف ؟ "
حملق في عيناي ثم أردف قائلا :
" أنت لم تشعر بقيمة عناقي لك لأنك تعجبت وتساءلت وكنت قلقا !
تجرد الآن من أي تفكير سلبي ، أترك نفسك لتسترخي ، تخيل أنك
غصن شجرة تحركها نسمات هواء صيفية ،
اجعل من جسدك شراعا يستقبل رياح الحب حين تعانق أحدا
اتركه يموج بسفينة إحساسك .. اغمض عينيك وعانقني من جديد " !

فعلت ذلك يا بيرنا وحضنته كما لم أحضن أحدا من قبل . استرخيت وهو يطبطب
بكفا يديه المرتجفتان على ظهري ويمسحه برفق كأنه يمسح عينه
وجدت نفسي أبادله العناق كما يفعل ، طبطبت على ظهره ثم تركني وابتعد فشعرت إني مسحور!
سيفاجئك القول ، أن رفيقته العجوز اقتربت مني وهي تبتسم رافعة يديها واحتضنتني
كما رضيعها .. ضمتني برفق وحنان ، طبطبت على ظهري قبلتي على خدي ونظرت إلى
بهدوء واطمئنان ، تحدثت بلغتها وهي تبتسم وعينيها الغائرتان تنطقان بأشياء
أحسستها ولا أستطيع وصفها بل لا وصف شعوري ، لا استطيع أبدا .

اجتاحه دفق من حنين ، وقف دون تردد ، فتح ذراعيه واقترب من بيرنا ،
حين رأته لم تتردد، فتحت ذراعيها واحتضنا بعضهما البعض
بحنان متبادل ، طبطب كل منهما على ظهر الآخر وتركا جسميهما يتمايلان
كأغصان شجرة ويموجان كمركب سقط شراعه
أعينهما مغمضة في زمن مرّ كالسحر الذي يطير بالأنفس الولهى
لم يوقف عناقهما سوى هاتف الغرفة حين رنّ مستعجلا افاقهما من حلم رائع .
حين قالت بيرنا ألو شهقت بصوت عال قالت :
" أين انتم .. ؟ أنا لم أنم قلقا عليك "
كان وليد ينظر إليها بشغف واهتمام ، لاحظ وجهها وقد كسته الحمرة
وهي تتحدث وتستدير به ذات اليمين وذات الشمال .. أخفضت صوتها وصارت
تتحدث بهمس حين يأتي دورها في الكلام .. كانت تستمع أكثر مما تتكلم ،
تهزّ رأسها بهدوء ،أنهت حديثها بكلمة واحدة رددتها مرات ومرات " لا، لا " .
استدارت وقالت : " هم بانتظارنا في مطعم الفندق ، هل أنت جوعان ؟ "

رأفت العزي 19 / 04 / 2012 56 : 10 PM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
كانت الحياة قد بدأت تدب في أرجاء الفندق ، والطريق إلى المطعم بدت
محفوفة بالجمال ، كأنها المرة الأولى التي يمر فيها وليد في ردهاته وممراته
المغطاة بسجاد أحمر نظيف ، وأن الصور المعلقة على الجدران قد كشفت عن
ذوق رفيع في خطوط الاطارات المعتقة الانيقة التي تحمل لوحات في غاية
الأبهة والجمال بالرغم من كونها ليس أصلية ، فمهنة وليد كخطاط ، قد جعلته
خبيرا في أنواع الألوان الزيتية والمائية وهو يميز ما بين المرسومة منها والمطبوعة
أو المصورة ،كذلك لم يكن يلاحظه من قبل أن الشرفات تغص بأحواض الزهور
وأن المتكئات المشغولة من الحديد هي رائعة الرسمات وأن أعمدة الإضاءة تحمل
فوانيس مشغولة من زجاج ملون جميل ومتناسق .. في تلك اللحظة كان يرى
كل العالم كله جميل ؛ كان يمسك بيد بيرنا وقلبه ممتلئ بالبهجة والسعادة وهما
ينزلان إلى الطابق الأرضي ليصلوا غرفة الطعام ، استوقفته بسؤال :
- " ماذا سنقول لهم ؟"
- ماذا سنقول ..؟!
لم يعرف وليد ما الذي اعتراه .. لقد تغيّر مزاجه تماما ، ما كان عليها
سؤاله ذلك السؤال – قال لنفسه - !
أحست بيرنا أن شيئا ما لم تعرفه قد حدث فسألت من جديد :
- " أين الخطأ ؟ "
- ما من خطئ يا عزيزتي ولكن هل وجب علينا نحن البوح ،لا أعرف !
ثم اكملا الطريق بصمت كان بالنسبة لوليد ثقيلا جدا ، فهو لا يريد أن يبدوان
وكأنهما قد اقترفا بعض الذنوب ، ربما كان سؤال بيرنا عابر وعادي جدا لكن
وليد شاب مرهف وحساس ، ولا يريد الظهور بوجهين ولا يريد لمشاعره
أن تكون عرضة للشك !
:
طاولة الإفطار قد جمعت الرفاق الأربعة ، جلسوا متقابلين ، تقاسمت بيرنا
وسعاد نفس المقعد ، وعلى الجانب الآخر جلس وليد إلى جانب عدنان الذي
سحب يده تحت الطاولة و وضعها على فخذ صديقه وضغط بها عدة مرات
كان وليد يتجاهل ، لا يريد لرفيقه البدئ في الغمز واللمز كعادته .. لا يريد
لكلمة طائشة من هنا أو هناك أن تطيح بقداسة تلك الليلة ، كان يمكن لسعاد
ملاحظة الرصانة الزائدة البادية على تصرفات وليد وإلى حد ما بيرنا ، الأمر
الذي فرض بعض علامات استفهام كبيرة على تلك المائدة !

كان النعس والتعب باديان بوضوح على وجهي عدنان وسعاد لكنهما سعيدان للغاية
كل منهما ينظر في عيون الآخر ويبتسم ، يتغامزان ، يتداعبان ، يتناوشان نفس
قطع الخبز ويطعمها للآخر. ما بين الأمس وصباح هذا اليوم ، ازدادت جرأتهما
سقطت حواجز الخجل تماما!
حين أخذ عدنان حبة زيتون ووضعها في فم سعاد ، عضت على أصبعه ، لم تأكلها
، عاد ليداعبها من جديد بحبة أخرى ، لم تلتقطها بل أرته الأولى على طرف لسانها
عضت عليها ولاعبتها بأسنانها ثم أطبقت شفتيها المكورتان عليها بطريقة مثيرة
كررت مداعبتها لحبة الزيتون مرارا وتكرارا كانت تمتص جلدتها بما فيها من ماء وملح
تنظر نحو عدنان المبتسم بعين وتغمزه له بالثانية ، فقام هو الآخر بحركات سخيفة
اثارت وليد فقام وغادر طاولة الطعام دون النطق بكلمة ولكنه
أشار بيده بأنه سوف يعود فورا !
كان يتحين الفرصة لينفرد بصديقه ليعرف منه أين وماذا !
بدا أن حاجة الرفاق الملحة لينفردوا ببعضهم البعض كانت الدافع لعدنان
لترك الفتاتين واللحاق برفيقه . جلسوا في احدى زوايا الباحة الخارجية
المطلة على المسبح ، طلبوا قهوتهم وطال الحديث بينهما .. تحدث عدنان مطولا
قال كلاما كثيرا ، روي له أشياء ،وسكت عن الكثير، وحين أصرّ وليد عليه
أقسم واغلظ بأنه لم يقبّلَ سعاد سوى ساعتين وهي ما دافعت عن حصونها
لأكثر من ساعة .. وكانت تلك الليلة ليلة " من عمري " قال عدنان ..
وأوضح ، بأنهما لم يذهبا إلى فندقهما ولم يقتربا من غرفتهما كما كان يُعتقد
بل ذهبوا إلى شاطئ البحر ( الشاطئ الأزرق )
فهناك ، عند رماله الجميلة ، يرقد كل ليلة عشرات العشاق من كل لون وجنسية
ويبقون إلى ما بعد منتصف الليل أو أكثر .. ومن ينسى منهم نفسه يبقى حتى الصباح
ذلك الشاطئ لا يغلق أبوابه أمام أحد .. وكلما ازادت اعداد الاجساد العارية
الملتحفة بسواد ليله كان حضنه يتسع ويتسع ، يستعير من البحر أصدافه الزرقاء
ليزيد من حسن رماله وجمالها ، وأمواجه المبهجة تبتلع معظم الحكايات الحميمة
تحملها الأمواج المرتدة بعيدا ثم تتركها لتغوص في أعماقه
يحتضنها في مروج ضياء مرجانه ، يركنها ، يغطيها بطحالبه الخضراء
وتنام في قعره المدلهم بالسواد ، يحتجزها في أصدافه المهجورة التي
لا تبيح بما فيها سوى للمتحدث لغتها ، ولا تنطق إلا وشوشة
حين تلمسها يد عاشق للبحر والماء حكاية الأنسان الأولى .

أقرّ عدنان بان الأمر كان مُعدا وإنه وسعاد قد تركا
وليد وبيرنا لمصيرهما ليصنعوه كما يحلو لهم في تلك الليلة ، وقاما بالانضمام إلى ذاك
الجمع الذي يشبههما في التفكير والطباع!
- ولكن ، هل كنت تأتي لو سألتك ؟
أنا تركت لك فرصة التقرب أكثر إلى بيرنا " قال عدنان .
- لم لا ، ولكن خيرا فعلت انك لم تدعوني ، هل كنتما بثياب البحر ، من أين اتيتم بها ؟!
- قلت لك يا عزيزي أن كل شيء مدبر ؛ لا ، في ثيابنا الفضفاضة ،
جلسنا في ظلّ مظلّة لذنا في جنباتها ، حمتنا من الندى لكنها لم تحمنا من رغباتنا .
أخذنا بعض العصائر وأكلنا الكثير من الشكولاتة ، تسامرنا ضحكنا ولكن لا اخفيك
فإن الليل كان طويلا ومللنا قليلا ! "

كيف تحدث عدنان عن الملل تساءل وليد !

- ولكن جاء دورك لتخبرنا .. أنا تعبت حتى أُخلي لك الطريق تماما
فلا تقل لي كعادتك لم يحدث شيء بينكما .. هل ..
قاطعه وليد وقال :

محمد الصالح الجزائري 19 / 04 / 2012 22 : 11 PM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
نسجك للأحداث يجعلني أعيشها حية طازجة !!! سأسبقهما إلى المطعم فأنا جوعان!!! استمر...

محمد الصالح الجزائري 19 / 04 / 2012 26 : 11 PM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
لن أتوقّع البقية لأنك دائما تفاجئني كما في أفلام السوسبانس!!! المهم لدي فكرتي وأنتظر البقية...

رأفت العزي 21 / 04 / 2012 16 : 12 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الصالح الجزائري (المشاركة 143858)
نسجك للأحداث يجعلني أعيشها حية طازجة !!! سأسبقهما إلى المطعم فأنا جوعان!!! استمر...

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ;143859
لن أتوقّع البقية لأنك دائما تفاجئني كما في أفلام السوسبانس!!! المهم لدي فكرتي وأنتظر البقية...


أستاذي الحبيب أخي الغالي .. قراءتك العميقة للأحداث ومتابعتك الصادقة ما يجعلها حية .. ولا تتصور مدى سعادتي في قولك
بأني أفاجئك ، فهذه شهادة غالية كبرى بالنسبة إليّ لأنها قالت لي بان عنصرا هاما من عناصر الرواية قد نجح / أتمنى ذلك حقا .
وأنتظر في النهاية منك رأيا صريحا وصادقا خاصة ما يتعلق " بالفكرة التي لديك " لا أشك في ما تقول ولكني أخشى المسايرة .

تحيتي إليك مقرونة بعناق طويل وحار وصادق :nic92:

محمد الصالح الجزائري 21 / 04 / 2012 09 : 02 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
أخي الغالي رأفت... لقد أعدتما أنت وشهد إلي متعة القراءة..قراءة الرواية خاصة..بقدر ما تدلّ على طول نفس كاتبها تؤكّد فعلا طول صبر القارئ !! وأنا بالعكس لا أطيق صبرا في انتظار البقية...استمر وبعدها سأدلي برأيي...مودتي التي لا تنتهي...

رأفت العزي 21 / 04 / 2012 59 : 03 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 





جاء دورك لتخبرنا .. أنا تعبت من أجلك حتى أُخلي لك الطريق تماما ،
فلا تقل لي كعادتك ، لم يحدث شيء بينكما .. هل ..
قاطعه وليد وقال :
-لا ، لا شيء !
- أنت جبان ، مفلس ، مريض ،كيف تترك هذه النعمة تطير من بين يديك ..أو أنك كاذب حقير !

- " لِمَ لا تريد ان تصدق أيها الحبيب إني أفكر بطريقة مختلفة عنك ، أنت
أقرب إليّ من أخي ، من أمي وأبي وأنا أحبك يا فتى ولكني لا أتّبع هواك ! "
كان وليد يتحدث بشفافية وصدق ولا يريد أن يُظهر صديقه بمظهر الفاجر
وهو في مظهر ملاك .. أردف قائلا :

" قلت لك أيها العزيز أنني لم آتي هنا لأتحرر من مشاعري وأتنكر لعاداتي وتقاليدي ..
ها هو انا . هنا أنا ، كما أنا هناك . لم اتطرف هناك ، ولن أتطرف هنا ،
كنت في وطني معتدلا وسأبقى على اعتدالي ولو سكنت باريس أو لندن ولو
قيدت لي ملكة جمال العالم فلن اتغير. هل أبالغ في القول ، ربما أنا كاذب من يدري !! "

شعر عدنان بمرارة غير مبررة ، هو يعرف صديقه جيدا ، يعرفه منذ البداية،
ويعرف بأنه أكثر من طبيعي ، ورجولته - بالمعنى الذي يفهمه - لا يضاهيها رجولة
التفت نحو وليد وسالة :
- هل أحببتها .. ؟ أظنك كذلك .. ابقى كما أنت يا عزيزي .. ابق كما أنت .
حب على كيفك . سوف يأتي اليوم الذي يضيع منك تماما ذلك الشيء الذي يُثبت
رجولتك ؛ فأنا لم أنسى فعلتك الأخيرة ، أخجلتني وما زلت .. يا ندمي على
تعبي معك ، اعتقدت أنك سوف تُكَفر عن سيئة ما فعلت في الصيف الماضي ! "


في الصيف الماضي ، قام عدنان بإيقاع وليد في كمين بائعة هوى غاية في الجمال ،
وقد دفع لها ضعف المبلغ الذي تتقاضاه على ان تُنجز عملها كاملا ،
وقد أفهمها بأن صاحبه رجل خام ! قال لوليد أن " السيدة " هي زبونة
تشتري ثيابها من متجره وهي زبونة تدفع جيدا ، وأن لديها مخطوطة أثرية
تريد ترميمها وهي لا تريد أن تخرجها من البيت وكل ما عليك إلا أن تنتظرني
عند المساء لأدلك إلى عنوان بيتها لترى العمل وتتفق معها فأنا أوصيك بها
فكن لطيفا بقدر ما تستطيع ! وهكذا صار.
لم يهرب وليد بعد ان علم بغاية وجوده هناك ولم يتذرع بقصص لا تنتمي للواقع
فعندما سُأل قال : جلست معها وحدثتها طويلا .. كانت في غاية اللطف ،
لم أسالها شيئا ، لم الق موعظة ، لم أعاملها إلا بكل احترام ، لم اجرح مشاعرها بكلمة .. !
ولكن لما دخل اليأس إلى نفسها منه سالته فقال :
" أنت امرأة شهية وفي غاية الجمال ، سرّني معرفتك ، سامحيني ،
فأنا لا أعرف كيف أرضي غرور صديقي الذي يعتقد إنني مريض أو عاجز ..
فقالت " وما المشكلة إذن ؟! " قال : " إنني أحب . "
سكتت ، أشاحت بوجهها ، فتحت الثلاجة وأخرجت منها زجاجتي " بيرة "
ابتسمت حين اعطته واحدة وقالت " على حسابي " ثم نظرت إليه وقالت
- " ستجلس هنا لمدة كافية ، ربما غيرت رأيك ، سأغير من ثيابي وتسريحتي
فلا تهرب لأني أقفلت الباب وأحتاجك في شيء آخر ! "
عادت بحلة أجمل ، وبعطر يأخذ الروع ،وبثوب لونه متناغم مع لون جسدها البض
يظهر مفاتنها الساحرة ، أشعلت سيجارة ولم تعرض عليه واحدة بل مدت يدها
وامسكت ذراعه المفتول وقالت " بالطبع أنت لا تدخن ، ولا تمنعني منه أليس كذلك ؟"
سحبته إلى غرفة نومها وقالت "لا يبقى في الغرفة أحد غيري والسرير " الجميع يغادرون
شعر وليد بالحرج وبالخجل فشكرها وجلسل برهة ثم استأذنها للخروج .
عند الباب أمسكت بيده وقالت اسمع مني هذه النصيحة :
" لا تقل لصديقك ومهما يكن انك لم تفعل شيئا ! أنت ما زلت شابا صغيرا
ولا تعرف كم أن هذا يؤذي الرجال "
حين همّ بالخروج مدت يدها وأمسكت أنفه وهزته قليلا وهي تبتسم بمكر وقالت
" أراهن بأن في داخلك ثور هائج " لقد كانت تلك المرأة صادقة ، كان يقف
على الباب بعقله وإرادته إنما كان جسده لا يريد الخروج أبدا ، كان يتعذب ،
كاد أن يصل لحافة الانهيار والاستسلام ، لكنها خطوة كما كان والده يقول .

والده كان من المغرمين بقصة يوسف ، يرويها باستمرار ، بل كان يرويها
بعد قراءتها من القرآن ، يرتلها بصوته العذب الجميل ، وقد جعلها ترسخ في
ذهن وليد كالحفر على الصخر ، كان في تلك اللحظة يتمنى أن تُمسك به وتراوده
كما فعلت امرأة " العزيز " تمنى لو شدته نحو الداخل، ومزقت قميصه بعنف
وحفرت بأظافرها لحم ظهره بعمق . تمنى لو ان صراعا دار بينه وبينها كان
ليلقي بها على ذلك السرير ذو الأربعة اعمدة لتكشف عن مرمر جسدها اللامع
ثم تاتي نحوه زاحفة ببطيء وهو يراقب بغضب كامل محاسنها ؛ عند الباب ، وقف
وتمنى ، كان أمام نصف تجربة ، فماذا لو امسكت بيده المتوترة ورفعتها على جسدها
المثير ، أتراه يسقط أو كان ليبقى من الصامدين ؟!
اقتربت منه وهمست في اذنه : " لقد دفع لي صاحبك أجرا مضاعفا "!
ضحكت ،ابتسم ببلاهة هزّ رأسه ومشى .
لما اختلى بصديقه في اليوم التالي صارحه بكل ما حدث ولم يعمل بنصيحة
تلك المومس ،انفجر من الضحك وهو يُقسم بالحقيقة حين تحدث عن " أخلاقها "
وكيف كانت حريصة على مشاعرة ورجولته لئلا تهانان ! استوقفه عدنان
بعد أن ضحك باستهزاء ومكر وقال : "خشيت أن استرد مالي فضحكت عليك !"

كان على يقين بأن صاحبه لم يكن يكذب ، يملك إرادة هو لا يفتقدها ولكنه لا يستخدمها
في مواجهة أنثى في جميع الأحوال .
وها هو الآن واقع في خيبة جديدة ، كان يلتزم الصمت ، يرتشف قهوته بهدوء وتثاقل ،
ينظر في مياه المسبح النظيفة والتي برغم كثافتها وعمقها ألا أن باستطاعة الناظر
إليها الرؤية بوضوح .. كل ما نحتاج ، ليس أكثر من تصفية أفكارنا والتأمل قليلا !

محمد الصالح الجزائري 21 / 04 / 2012 09 : 04 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
مشاهد مثيرة فعلا !!! تصورتُ الفكرة ..وربحتُ الرهان..إنما التفاصيل كانت أبرع مما اعتقدتُه !!! أشكرك لأنك حافظت على الخيط الفاصل بين الإباحية في السرد وقمّة الأدب!!! شكرا أيها الرائع...

حياة شهد 22 / 04 / 2012 04 : 12 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
و أنا بدوري أواصل الاستمتاع بما تكتب سيدي المحترم .. جميل أن يكون لكلّ شخص غاية يستميت لأجلها حتّى و إن واجهه العالم بأسره ضدّها ..
هذا هو الإنسان المميّز بعقله المترفّع عن كلّ عوارض الحياة الخارجة عن العادي .. قضية وجدتها أحداث روايتك و درس في الأخلاق ..
شكرا .. تمنياتي بالتوفيق ..

محمد الصالح الجزائري 22 / 04 / 2012 42 : 12 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
وهكذا تفعفل العصا فعلها السحري ههههههه وتعود شهد لتغيب يا رأفت هههههه

رأفت العزي 22 / 04 / 2012 27 : 02 AM

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حياة شهد (المشاركة 144050)
و أنا بدوري أواصل الاستمتاع بما تكتب سيدي المحترم .. جميل أن يكون لكلّ شخص غاية يستميت لأجلها حتّى و إن واجهه العالم بأسره ضدّها ..
هذا هو الإنسان المميّز بعقله المترفّع عن كلّ عوارض الحياة الخارجة عن العادي .. قضية وجدتها أحداث روايتك و درس في الأخلاق ..
شكرا .. تمنياتي بالتوفيق ..



الأستاذة الرائعة الأخت الأبنة الصديقة أسعد ربي جميع أوقاتك بكل الخير

كم هي سعادتي عارمة ولا أريد تكرار ما قلت لكنني بالفعل سعيد أن يتابع مبدعون ما أكتب
يثيرون حماستي ويشدون أزري يستحسنون ما لم أقصده كتابة لأني في الحقيقةوإن لم أقصد أن يكون
درسا في الأخلاق ألا انني أشير إلى قدرة الإنسان حين يقرر وأنه ليس مسيرا بكليته فما يملكه باستطاعته السيطرة عليه

من القلب أشكرك وأشد على يدك وبدوري أتمنى لك التوفيق والنجاح


الساعة الآن 57 : 04 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية