منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   القرآن الكريم (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=430)
-   -   إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=24959)

الدكتور أسامة أبوشعر 17 / 02 / 2013 50 : 12 AM

إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 
بسم الله الرحمن الرحيم

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَاوَيَسْفِكُ الدِّمَاءَوَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَوَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِوَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَوَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىوَاسْتَكْبَرَوَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ (34)}-البقرة (30-34)-.

** إضاءات في تفسير الآيات الكريمة:[1]

- {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً...} -البقرة (30)-:
في هذا المشهد العظيم عند خلق الإنسان، يخاطب الله تعالى ملأً من الملائكة والجان ويخبرهم بأنه سيجعل آدم خليفة في الأرض. (دليل وجود الجان مع الملائكة أن إبليس كان معهم كما سيتم ذكره في الآية (34)، وقد توجه الخطاب للملائكة دون ذكر الجان على صيغة تغليب الأكثر، وهو أسلوب عربي عريق، قد جاءكثيرًا في نصوص القرآن والسنة ولغة العرب). والله أعلم.

- {...قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَاوَيَسْفِكُ الدِّمَاءَوَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَوَنُقَدِّسُ لَكَ...} - البقرة (30)-:
ويأتي الاعتراض من قبل الجان المؤمنين. والدليل على أن الاعتراض كان من الجان وليس من الملائكة، أن الملائكة لا يتكلمون إلا بإذن الله، ولا يسألون الله تعالى شيئاً لم يأذن لهم فيه، ولا يعملون شيئاً إلا بأمره: {لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِوَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} -الأنبياء (27)-. وكذلك تسبيحهم وعبادتهم ليست مدار مقارنة مع باقي المخلوقات.
وهنا يقارن الجان أنفسهم بالمخلوق الجديد المكلف معتبرين أنفسهم الأفضل والأحق بالاستخلاف في الأرض، فهم يقومون بالتكليف الإلهي من التسبيح بحمد الله وتقديسه، ويظنون أن المخلوق الجديد سيفسد في الأرض وسيقتل وسيسفك الدماء (ربما أنهم رأوا سلالات ومخلوقات سابقة خلقها الله قبل خلقه للإنسان، ممن سفك الدماء وأفسد في الأرض، ولم يتمتع بالعقل والإرادة التي سيكرم الله بها الإنسان، كسلالة الإنسان الكروماني والنياندرتال .. الخ، التي أثبت العلم وجودها قبل وجود الإنسان، وأثبت سفكها للدماء وقتلها بعضها البعض).

- {...قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} - البقرة (30)-:
يخاطب الله تعالى هؤلاء الجان ويقول لهم بأنه تعالى أعلم بخلقه وهو أدرى بمن يكون الأحق بخلافته.

- {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا...} - البقرة (31)-:
يُعلم الله آدم ويميزه عن الجان بإعطائه علماً يفوق بأدواته وبقيمته ما علم به الجان. فيعلمه أسماء الأشياء جميعها، والاسم يعبر عن جوهر الشيء وماهيته، كما إن الأسماء أكانت رموزاً صوتية أم مرئية هي وسيلة الخطاب ونقل المعلومات والعلوم. ومن المعلوم أن هناك طرقاً أخرى للتخاطب والتواصل كتوارد الأفكار والخواطرTelepathy.. إلخ. وربما أن الرمز للأشياء بمسمياتها ووسيلة الخطاب والتواصل الإنساني هي ما ميز الله بها آدم عن بقية مخلوقاته من جان وملائكة، وهو ما تدل عليه هذه الآية الكريمة.

- {...ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} -البقرة (31)-:
يعرض الله هذه الأسماء على الجان ويسألهم إن كانوا يستطيعون معرفتها (وسيلة التواصل المعرفي تلك) إن كانوا صادقين في زعمهم أنهم الخلق الأفضل. (وتشكيك الله بصدقهم هنا هو دليل آخرعلى أن المخاطبين ليسوا من الملائكة بل من الجان المكلفين، فالملائكة صادقون دائماً).

- {قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ} - البقرة (32)-:
يعترف الجان أن علمهم محدود، لا يمكن أن يتجاوز العلم الذي علمهم الله إياه. فلا أحد يحيط بعلمٍ إلا بما شاء الله (وهي إشارة إلى أن الله قد ميز الإنسان على الجان في قدرته المعرفية وطريقة تواصله المعرفي).

- {قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ...} -البقرة (33)-:
يمتحن الله الإنسان في علمه، وينجح آدم في هذا الامتحان مثبتاً أنه الأجدر أن يكون خليفة الله في الأرض.

- {قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِوَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَوَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} -البقرة (33)-:
يُذكَر الله الجان بأن علمه كامل وهو يعلم ما يظهرون من قول وما يخفون في أنفسهم (وهو دليل آخر أن الله يخاطب الجان المكلفين، فالملائكة لا تخفي ما لاتظهر ولاتكتمما في أنفسها، بل تطيع الله في كل ما يأمرها، فهي لا تعصي أمر الله ولا تتعداه: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْوَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} -النحل (50)-، أما الجان فهي مخلوقات مكلفة مثل الإنسان تبدي وتكتم: {..وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَوَمَا تَكْتُمُونَ}-المائدة(99)-).

- {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىوَاسْتَكْبَرَوَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ}-البقرة (34)-:
في هذه الآية تأكيد على أن هذا الملأ من الملائكة كان يشمل بعض الجان وإبليس واحد منهم، وهو هنا يستكبر ويعترض على أمر ربه بالسجود لهذا المخلوق الذي فضله الله عليه (كما اعترض ومن معه من الجان من قبل على استخلاف الله لغيرهم)، وهو لم يقتنع بالحوار الذي دار في كل الآيات السابقة والذي أثبت الله له ولجماعته من الجان علمه وحكمته في اختيار هذا المخلوق الجديد للخلافة. والله أعلم.


** وسأكرر، للأهمية، تلخيص الأدلة على أن المعترضين على استخلاف الله لآدم كانوا من الجان وليسوا من الملائكة:

الدليل الأول:
دليل وجود الجان مع الملائكة قوله تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ}، وفي قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}-الكهف (50)-.

الدليل الثاني:
تساؤلهم كيف يجعل الله خليفة في الأرض غيرهم بينما هم يقومون بالعبادة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَاوَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}، لا يستقيم تفسيره أن يكون تساؤل ملائكة، فالملائكة لا يناقشون أوامر الله تعالى، ولا يسألونه شيئاً لم يأذن لهم فيه: {لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِوَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}-الأنبياء (27)-.

الدليل الثالث:
قولهم: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَوَنُقَدِّسُ لَكَ}، لا يستقيم تفسيره أن يكون أيضاً قولاً للملائكة، فتسبيح الملائكة وعبادتهم ليست مدار مقارنة مع باقي المخلوقات.

الدليل الرابع:
تحديالله لهم إن كانوا صادقين:{إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}، لا يستقيم تفسيره أن يكون مقصوداً به الملائكة، فالملائكة صادقون دائماً.

الدليل الخامس:
- تأكيد الله تعالى على أنهم يكتمون ويخفون مالا يظهرون {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَوَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}، لا يستقيم تفسيره أن يكون مقصوداً به الملائكة، فالملائكة لاتخفي ولاتكتم.

والله أعلم.
أ.أ.


[1] هذه بعض الشروحات لتفاسير الآيات المذكورة، الواردة في بعض المصادر والمراجع:

- قال أبو جعفر (الطبري): وأولـى هذه التأويلات بقول الله جل ثناؤه مخبراً عن ملائكته قـيـلها له: {أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكَ الدّماءَ وَنَـحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ} تأويـل من قال: إن ذلك منها استـخبـار لربها بـمعنى: أعلـمنا يا ربنا، أجاعل أنت فـي الأرض من هذه صفته وتارك أن تـجعل خـلفـاءك منا، ونـحن نسبح بحمدك، ونقدّس لك؟ لا إنكارٌ منها لـما أعلـمها ربها أنه فـاعل، وإن كانت قد استعظمت لـما أخبرت بذلك أن يكون لله خـلق يعصيه... (جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري –ت 310هـ-)

- التفسير في قوله تعالى {أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكَ الدّماءَ وَنَـحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ}: فإن قلت: لأي غرض أخبرهم بذلك؟ قلت: ليسألوا ذلك السؤال ويجابوا بما أجيبوا به فيعرفوا حكمته في استخلافهم قبل كونهم، صيانة لهم عن اعتراض الشبهة في وقت استخلافهم. وقيل: ليعلم عباده المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها، وعرضها على ثقاتهم ونصائحهم، وإن كان هو بعلمه وحكمته البالغة غنيا عن المشاورة {أَتَجْعَلُ فِيهَا} تعجب (من الملائكة) من أن يستخلف مكان أهل الطاعة أهل المعصية وهو الحكيم الذي لا يفعل إلا الخير ولا يريد إلا الخير. فإن قلت: من أين عرفوا ذلك حتى تعجبوا منه وإنما هو غيب؟ قلت: عرفوه بإخبار من الله، أو من جهة اللوح، أو ثبت في علمهم أن الملائكة وحدهم هم الخلق المعصومون، وكل خلق سواهم ليسوا على صفتهم، أو قاسوا أحد الثقلين على الآخر حيث أسكنوا الأرض فأفسدوا فيها قبل سكنى الملائكة... (تفسير الكشاف/ الزمخشري -ت 538 هـ)-

- قوله: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ظ±لدِّمَآءَ} الآية، إنما هو سؤال استعلام واستكشاف (من قبل الملائكة) عن الحكمة في ذلك، يقولون: يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء، مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء؟ فإن كان المراد عبادتك، فنحن نسبح بحمدك، ونقدس لك، أي: نصلي لك، كما سيأتي. أي: ولا يصدر منا شيء من ذلك، وهلا وقع الاقتصار علينا؟ قال الله تعالى مجيباً لهم عن هذا السؤال: {إِنِّيغ¤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}...
وقيل: بل تضمن قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ظ±لدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} طلباً منهم أن يسكنوا الأرض بدل بني آدم، فقال الله تعالى لهم: {إِنِّيغ¤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} من أن بقاءكم في السماء أصلح لكم وأليق بكم. ذكرها الرازي مع غيرها من الأجوبة، والله أعلم...
وقال ابن جرير: وقال بعضهم: إنما قالت الملائكة ما قالت: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؛ لأن الله أذن لهم في السؤال عن ذلك بعد ما أخبرهم أن ذلك كائن من بني آدم، فسألته الملائكة، فقالت على التعجب منها: وكيف يعصونك يا رب وأنت خالقهم؟ فأجابهم ربهم: {إِنِّيغ¤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} يعني: أن ذلك كائن منهم، وإن لم تعلموه أنتم، ومن بعض ما ترونه لي طائع... (تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير -ت 774 هـ-)

- قيل: خاطب الله الملائكة بهذا الخطاب؛ لا للمشورة، ولكن لاستخراج ما عندهم. وقيل: خاطبهم بذلك لأجل أن يصدر منهم ذلك السؤال، فيجابون بذلك الجواب، وقيل لأجل تعليم عباده مشروعية المشاورة لهم. وأما قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} فظاهره أنهم استنكروا استخلاف بني آدم في الأرض، لكونهم مظنة للإفساد في الأرض، وإنما قالوا هذه المقالة قبل أن يتقدم لهم معرفة ببني آدم، بل قبل وجود آدم، فضلاً عن ذريته، لعلم قد علموه من الله سبحانه بوجه من الوجوه، لأنهم لا يعلمون الغيب؛ قال بهذا جماعة من المفسرين. وقال بعض المفسرين: إن في الكلام حذفاً، والتقدير: إني جاعل في الأرض خليفة يفعل كذا وكذا، فقالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا ويسفك الدماء}... (فتح القدير/ الشوكاني –ت 1250 ه-)

- قال الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله تعالى - عند تفسيره لهذه الايات الكريمة: [وقول الملائكة هذا ليس على وجه الإعتراض علىالله ، ولا على وجه الحسد لبني آدم كما يتوهمه بعض المفسرين ! وإنما هو سؤالاستعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك ...]

محمد الصالح الجزائري 17 / 02 / 2013 55 : 01 AM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 
السلام عليكم...حتى نثري النقاش ونجعله مشوقا ..سأسأل أخي أسامة :
جاء في معرض حديثكم الآتي: (ربما أنهم رأوا سلالات ومخلوقات سابقة خلقها الله قبل خلقه للإنسان، ممن سفك الدماء وأفسد في الأرض، ولم يتمتع بالعقل والإرادة التي سيكرم الله بها الإنسان، كسلالة الإنسان الكروماني والنياندرتال .. الخ، التي أثبت العلم وجودها قبل وجود الإنسان، وأثبت سفكها للدماء وقتلها بعضها البعض).
فهل أتيتنا بأدلة من القرآن أو الحديث أو بعض ما جاء في أبحاث العلماء حتى تضيء أكثر هذه الزاوية .
الأمر الثاني: تقولون: (
تشكيك الله بصدقهم:{إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}، لا يستقيم تفسيره أن يكون مقصوداً به الملائكة، فالملائكة صادقون دائماً.)
فكلمة تشكيك أرى أنه لا يجوز استعمالها على هذا النحو فلله العلم والأمر من قبل ومن بعد...والله أعلم..
أكتفي بهذا في انتظار بقية الأعضاء وما سيضيفونه إن شاء الله..شكرا لك أستاذنا الفاضل على هذه الإضاءات المفيدة..


رشيد الميموني 17 / 02 / 2013 56 : 02 AM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 
[align=justify]ما أمتعني في هذا الشرح متانته وسلاسة أسلوبه بحيث لا يستعصي فهمه على أي أحد مهما كانت درجة ثقافته .
والأمتع في كل هذا هو تلك الرحلة الربانية التي حلقت بنا في السماوات العلى حيث الإله الأعظم وهو يعد آدم لخلافته في الأرض ومناقشة الملائكة لهذا الأمر مما يضفي على النفس سكينة وطمأنينة وخشوعا ، بل وهيبة من ذلك الموقف العظيم الذي بدأت معه البشرية أولى خطواتها .. وفوق ذلك يزيد القلوب حبا وامتنانا لهذا الخالق ذي القوة المتين الذي حبا الإنسان بالعقل وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا ..
شكرا لك أستاذي الدكتور أسامة أبو شعر ولك مني كل التقدير والمحبة .[/align]

مازن شما 17 / 02 / 2013 15 : 03 AM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 
موضوع قيّم

جزاك الله كل خير اخي الغالي الدكتور أسامة أبوشعر

جعله الله في موازين اعمالكم

واســــأل الله العظيــم لي ولكــم ولكل مؤمن

أن يبعــد عني وعنكــم وعن كل مؤمن ثـــــلاث

الفقـــر ، و الضيــــق ، و الهّــــــــــم

و أن يحفــــظ للجميع ثـــــلاث
نفسـه ، و أهلـــه ، و دينـــه

و أن يسعـــد الجميع بثـــــــلاث
سعــة الــرزق ، و شكــر النعمــة ، و طــول العمـــر

و أن يصــــرف عن الجميع ثــــلاث
نـار جهنــم ، و عيــن حسـود ، و غــل حقــود

و أن يعين الجميع علــي ثـــلاث
ذكــره ، و شكـره ، وحســـن عبادتـه

نصيرة تختوخ 17 / 02 / 2013 14 : 01 PM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]تفسير منطقي بحكم أن إبليس كان من الجان وأنه كان متواجداً.
والله أعلم.
تقديري لاجتهادك د.أسامة ودمت بكل خير.[/align]
[/cell][/table1][/align]

د. منذر أبوشعر 17 / 02 / 2013 17 : 02 PM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 
أخي أسامة ،أستاذ (كمال):
صعبٌ في مثل هذا الموضوع الإتيان بالقول الفاصل الثبت ،لانتفاء الأدوات المساعدة في البحث.
فالأمر كله من الغيب، لم يُفصِّله القرآن الكريم ،ولم يشرحه حديث صحيح، وهما الوسيلة الوحيدة لإدراكه، وهذا ليس متوفراً في مثل هذه الآيات. فمدار الأمر كله على ( الظن ) و ( الحدس )، وهما يُشكِّلان بداية، لكن لا يُشكِّلان يقيناً مُريحاً.
وكم أعجبني قولك :(الله أعلم )،لأنك تركتَ البوابات مُشَرَّعة ،وما احتكرتَ الفهم أبداً.
وأقول:لاشك أن ما جئتَ به ،فتحاً جديداً ،لم يسبقك إليه أحد، لكن يبقى - كما ذكرتُ - ظنًًَّاً ،تُحسَب لك شرف الريادة والسبق إليه.
والخير كله لك ،ونبقى مع طيب الحديث.


ميساء البشيتي 17 / 02 / 2013 48 : 03 PM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 
السلام عليكم أيها الأحبة
أنا مع أخي د. منذر بأن نقول والله أعلم حتى نفتح أبواب الإجتهاد على مصراعيها
حقيقة أخي العزيز أ. أسامة لم يخطر لي ببال أن أعرف إبليس ما هو أصله
نتعامل مع على أساس أنه إبليس خلق هكذا إبليس ولكن الشرح الذي تفضلت به
شرح منطقي وواعي جداً وربما لو بدأنا من هذه النقطة نتابع قد نصل إلى ما يؤكد
هذه النتيجة وطبعا باقة من الشكر الكبير لك أخي أسامة على الشرح المهم
وربنا يجعله في ميزان حسناتك ويبارك فيك يا رب .

وسام أحمد 17 / 02 / 2013 20 : 05 PM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 
اقتباس:

(ربما أنهم رأوا سلالات ومخلوقات سابقة خلقها الله قبل خلقه للإنسان، ممن سفك الدماء وأفسد في الأرض، ولم يتمتع بالعقل والإرادة التي سيكرم الله بها الإنسان، كسلالة الإنسان الكروماني والنياندرتال .. الخ، التي أثبت العلم وجودها قبل وجود الإنسان، وأثبت سفكها للدماء وقتلها بعضها البعض).
حقيقة لست متعمقة كثيرا في دراسة التفاسير وإن كنت قرأت في تفسير القرآن للشيخ الصابوني وابن كثير
ومن معرفتي المتواضعة وعلمي القليل بأن الله عندما خلق آدم خلقه في أحسن صورة وأكرمه منذ بدء الخلق
وأهبطة على الأرض من الجنة على هيئته البشرية وأن التغير بين الإنسان الحالي والإنسان القديم هو تغيرات بفعل البيئة وتغير الظروف الحياتية وطبيعة الحياة كالإختلاف في الطول
وأن القرآن والسنة لم يذكر أي تطور خلقي أو تحور في خلق الإنسان بما ينفي نظرية تطور الخلق لداروين بأن الإنسان القديم أصله قرد ..
وفي كثير من التفاسير أن تساؤل الملائكة ({أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ})
جاء مقارنة منهم بحال الجن الذين سكنوا الأرض قبل الإنسان فظنوا بأن الإنسان قد يفسد كما أفسدت الجن من قبل
هذا والله أعلم
سررت بالقراءة هنا والتعرض لهذه النفحة المباركة والاجتهاد
جعلها الله في ميزان حسناتك ونفع بك

الدكتور أسامة أبوشعر 17 / 02 / 2013 22 : 05 PM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 
أخي الأستاذ محمد الصالح الجزائري:
أشكر قراءتك المتأنية، وسأتابع معك هذه النقاط:

1- هناك عدة أبحاث في علم الانثروبولوجيا Anthropology في دراسة مستحاثات سلالات مخلوفات النياندرثال Neanderthal وجدت احتمالاً كبيراً لفناء هذه السلالة نتيجة لإبادتها من سلالات سابقة.
ومن الممكن الرجوع لأحد هذه الدراسات على الرابط التالي: http://news.nationalgeographic.com/news/2009/07/090722-human-neanderthal-murder.html

وفي كلام بعض المتقدمين تشابه قريب، يدعو لمزيد من التأمل:
قال ابن جرير: وحدثنا أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال: إن أول من سكن الأرض الجن، فأفسدوا فيها، وسفكوا فيها الدماء، وقتل بعضهم بعضاً، قال: فبعث الله إليهم إبليس، فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال، ثم خلق آدم فأسكنه إياها... (تفسير ابن كثير).

2- جزاك الله على التنبيه الذكي حول خطأ استخدام العبارة في حق الذات الإلهية، وقمت بالتعديل المناسب.

3- كما أرجو التفضل بقراءة مقالي السابق عن القضاء والقدر (إضاءات في مفهوم القضاء والقدر) وإبداء ملاحظاتكم.

الدكتور أسامة أبوشعر 17 / 02 / 2013 46 : 05 PM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 
الأستاذ الأديب رشيد الميموني، الأستاذ الأديب مازن شما، الآنسة الأديبة نصيرة تختوخ، أخي الأديب د، منذر، أختي العزيزة الأديبة ميساء البشيتي، الآنسة الأديبة وسام أحمد:


أشكر لكم قراءتكم الواعية لمقالي، وتعليقاتكم المفيدة، ومعاً إلى إضاءات جديدة بتوفيق الله وفضله.

محمد الصالح الجزائري 17 / 02 / 2013 43 : 10 PM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الدكتور أسامة أبوشعر (المشاركة 171242)
أخي الأستاذ محمد الصالح الجزائري:

أشكر قراءتك المتأنية، وسأتابع معك هذه النقاط:


1- هناك عدة أبحاث في علم الانثروبولوجيا anthropology في دراسة مستحاثات سلالات مخلوفات النياندرثال neanderthal وجدت احتمالاً كبيراً لفناء هذه السلالة نتيجة لإبادتها من سلالات سابقة.
ومن الممكن الرجوع لأحد هذه الدراسات على الرابط التالي: http://news.nationalgeographic.com/news/2009/07/090722-human-neanderthal-murder.html

وفي كلام بعض المتقدمين تشابه قريب، يدعو لمزيد من التأمل:
قال ابن جرير: وحدثنا أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال: إن أول من سكن الأرض الجن، فأفسدوا فيها، وسفكوا فيها الدماء، وقتل بعضهم بعضاً، قال: فبعث الله إليهم إبليس، فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال، ثم خلق آدم فأسكنه إياها... (تفسير ابن كثير).


2- جزاك الله على التنبيه الذكي حول خطأ استخدام العبارة في حق الذات الإلهية، وقمت بالتعديل المناسب.


3- كما أرجو التفضل بقراءة مقالي السابق عن القضاء والقدر (إضاءات في مفهوم القضاء والقدر) وإبداء ملاحظاتكم.

[gdwl] ألف ألف شكر لك أخي الغالي أسامة سأفعل إن شاء الله..سررتُ بقراءة ما ينفع!!![/gdwl]

سلمان الراجحي 18 / 02 / 2013 28 : 01 PM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 
أخي الدكتور أسامه مساء الخير

كما أشكر أخي الدكتور منذر أبو شعر على الدعوه الكريمه وهذا نبل منه عظيم

لقد أستخلف الله آدم على الارض وهذا بلغة الرياضيات فرضيه لاتحتاج الى برهان

كما جعل أبليس وهو من الجن الند لآدم ليجعل فينا الخير والشر وهذه فرضيه أخرى

لاتحتاج الى برهان أما الملائكه فهي مخلوقات جبلت على الصدق لتكون حكما بين هؤلاء

وهؤلاء فمنهم الكتبه ومنهم الحفظه ومنهم الرسل من الله الى بني البشر وبني الجان

سلمت أخي وجعل الله هذا الموضوع في ميزان حسانتك...سعدنا هنا في هذه القراءه

السلسه والطرح المعتبر تحياتي ومودتي..!!!

أخوكم سلمان الراجحي

فاطمة البشر 18 / 02 / 2013 04 : 08 PM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 

لا أعرف كثيراً عن الحياة قبل وجود الإنسان وحياة الجان ،
لكن تفسيرك كان واضحاً وسهل الفهم ..
جزاك الله خيراً د. أسامة أبو شعر على هذا الرح المفيد
ودي ووردي

رامي كمال 18 / 02 / 2013 35 : 10 PM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 
الاخ الدكتور الفاضل
لا اظن اني وجدت في كتب التفسير ما يخالف ما ذكرت انت هنا
وانا معك بقضية ان السؤال طرح من الجان وليس من الملائكة
فما نعرفه هو ان الملائكة لاتسال ولا تعترض وانما تطيع فقط
وعندما سأل واعترض الملكين هاورت وماروت كان عاقبهما شديدا
ولكن ابليس كان مع الملائكة وكان عابد زاهد وذكر في روايات انه كان يحكم ما بين السماء والارض
وذكر انه كان له جند من الجان وعندما عصى رب العزة انتزعت منه هذه الصفات وطرد من رحمة الله والله تعالى اعلى واعلم
اعجبني كثير ما ذكرته يا سيدي وجزاك الله خيرا على مجهودك
اخوك ي الله رامي كمال

الدكتور أسامة أبوشعر 19 / 02 / 2013 04 : 10 PM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 

الأستاذ الشاعر المهندس سلمان الراجحي، الآنسة الأديبة فاطمة البشر، الأستاذ الأديب رامي كمال:
أشكر قراءتكم لمقالي وحسن تعليقاتكم، وأرجو من الله أن نلتقي قريباً مع مقال آخر جديد.

حسن ابراهيم سمعون 20 / 02 / 2013 22 : 11 PM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 
الأستاذ الفاضل الدكتور أسامة , أعتذر لتأخري عن شرف المشاركة ..
أنا شخصيًا أميل لتأويل التفسير بالجانب العقلي ,ولا أحبذ محاولة
بعض الدعاة أسلمة , وقرأنة كل شيء . من نصوص وعلوم وتطبيقات , وفضاء , واتصالات .
قرأت هنا قراءة جديدة , فيها من المنطق , والموضوعية ما يدعو لإعادة النظر بكثير من التفسيرات , والتأويلات , وأتمنى أن يأتي
يوم يجتمع فيه علماء الأمة لاعتماد الموضوعي فقط , وغربلة الضعيف و الغريب , والإسرائيلي , والملوكي , والسلطاني من التفاسير ..فبرأي التفسير ليس مقدسًا, وهو قابل للتطوير , والنقاش والاجتهاد . والمقدس هو النص القرآني ..
أشكرك أخي الدكتور أسامة , ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة
أضيف متضامنًا هذه الدراسة . لمن يود الاطلاع أكثر .

تفسير القرآن الكريمأحد العلوم الشرعية الأساسية، لأنه يتعلق بالقرآنالكريم الذي أنزله الله تعالى هداية للناس، ورحمة ونورا يبحث في معاني كلام الله،ومحكم آياته. وقد أمر الله الناس بتدبر آياته، وتفهم معانيه، ومعرفة أحكامه ليدركواعظمة الله تعالى وفضله عليهم، وليقوموا بما أمرهم به، ويجتنبوا ما نهاهم عنه. قالتعالى: ﴿كتاب أنزلناه إليك مباركٌ ليدَّبروا آياته وليتذكر أولوالألباب﴾ ص: 29. وقال تعالى: ﴿أفلا يتدبرون القرآن﴾ النساء : 82.
والتفسير في اللغة يعني الإيضاح والتبيين لقوله تعالى: ﴿ولا يأتونكبمَثَلٍ إلا جئناك بالحق وأَحَسَن تفسيرًا ﴾ الفرقان : 33. أي بيانًاوتفصيلاً. وفي الاصطلاح الشرعي للتفسير عدة تعريفات تعود كلها إلى مفهوم واحد، وهوأنه المبين لألفاظ القرآن الكريم ومفاهيمها. وعرَّفه الزركشي بأنه ¸علم يبحث فيه عنأحوال القرآن المجيد، من حيث دلالته على مراد الله تعالى، بقدر الطاقةالبشرية·.
يهدف علم التفسير إلى فهم كتاب الله تعالى، واستنباط الأحكام الشرعية بوجه صحيح،ومعرفة المنهج الإلهي القويم، والتذكير بحق الله تعالى على عباده، وإنقاذهم من شركالضلال، وشباك الشيطان، والاطلاع على حقيقة الكون والإنسان والحياة لقوله تعالى: ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم﴾ الإسراء : 9.
ويرتبط علم التفسير بالكثير من العلوم العربية والشرعية، وهي: علم النحو والصرفوالاشتقاق والمعاني والبديع والبيان والقراءات وأصول الدين، وأصول الفقه وأسبابالنزول والقصص والناسخ والمنسوخ، والفقه والسنة والأحاديث الشريفة المبينة للمجملوالمبهم، بالإضافة إلى الموهبة التي يمنحها الله لمن شاء من عباده، مع إخلاص النيةوصحة الاعتقاد.
التفسير في عهد الرسول
لقد أنزل الله تعالى كتابه الكريم بلسان عربي مبين على نبيه الأمين ³ وأمرهبالبيان والتبليغ ليكون للعالمين بشيرًا ونذيرًا. قال تعالى: ﴿وأنزلناإليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم ولعلهم يتفكرون﴾ النحل: 44. ولقدكان جبريل عليه السلام ينزل على النبي ³ بالقرآن وبالسنة المفسرة له، كما قالتعالى: ﴿وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم﴾النساء: 113. ولقد تكفل الله ببيان كتابه، وكلف نبيه إبلاغ هذا البيان ولقدكان عليه الصلاة والسلام يبلغ ما أنزل إليه من ربه، فيبين عن الله لأصحابه ما دعتالحاجة إليه من ألفاظ القرآن الكريم، ولم يترك شيئًا تحتاجه أمته في أمر دينها أودنياها إلا وبّينه عن الله وفسره أحسن تفسير وبيان. وهنا مسألة جديرة بالاهتمام ألاوهي: هل بيّن الرسول ³ جميع القرآن أو بعضه؟ وللعلماء في هذه المسألة رأيان هما: 1- أن النبي ³ بيَّن جميع معاني القرآن لأصحابه كما بّين لهم كذلك ألفاظه. 2- أنالرسول ³ لم يبّين لأصحابه من معاني القرآن إلا القليل.
ومن يتدبر معاني القرآن في كتب التفسير بالمأثور يجد أن النبي ³ لم يبيّن جميعالقرآن، كما أنه لم يكتف ببيان القليل منه كما يرى بعضهم.
إذن فالرأي المرجح أن الرسول ³ بيّن ـ لأصحابه عن الله ـ الكثير من معاني القرآنالكريم، كما تشهد بذلك كتب الصحاح وغيرها ولم يبيّن كل القرآن. ومن الأسباب التيدعت إلى هذا أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لم يكونوا يتكلفون الأسئلة، وكانوايتهيبون مقام النبي ³، كما أنهم قد تأدبوا بآداب القرآن الكريم الذي يدعوهم فيه ربالعالمين إلى أدب السؤال، بقوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عنأشياء إن تُبْدَ لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين يُنزَّل القرآن تبد لكم عفا اللهعنها والله غفور حليم¦قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين﴾ المائدة : 101، 102.
فلم يكونوا رضي الله عنهم يبتدرون الرسول ³ بالسؤال حتى يبتدرهم هو ببيان مايحتاجونه في دينهم وغيره. ولذلك كانوا ـ رضي الله عنهم ـ يحبون أن يأتي الرجلاللبيب من الأعراب، فيسأل الرسول ³ عما يريد والرسول ³ يجيبه عن كل شيء، ولا يعنفعليه. فمن هنا كان الصحابة رضي الله عنهم يستفيدون من هذه المجالسة وهذا الحوار بينالأعرابي اللبيب والرسول الرحيم.
فكان الرسول ³ يبّين لأصحابه ما أشكل عليهم من فهم القرآن ويترك ما يفهمونهبالسليقة العربية. لذا قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ فيما أخرجه عنه ابن جريرالطبري في تفسيره: (التفسير على أربعة أوجه، وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لايعذر أحد بجهالته، وتفسير يعرفه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله).
ومن البديهي أن الرسول ³ لم يفسر لأصحابه ما يرجع فهمه إلى لغة العرب؛ لأنالقرآن الكريم إنما نزل بلغتهم، وكذا لم يفسر لهم من القرآن ما يتبادر إلى الأذهانفهمه، وكذا ما استأثر الله تعالى بعلمه كقيام الساعة، وحقيقة الروح، وفواتح بعضالسور، وغيرها من عالم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله وحده. ولذا نجد أن الصحابة ـرضي الله عنهم ـ كانت أفهامهم تتفاوت في فهم القرآن الكريم، كما نجد أن بعضهم قدأشكل عليه من القرآن ما لم يستيقن بمراد الله منه، أو ما لم يَؤْثرُ عن النبي ³علمًا فيه. ويشهد لهذا ما أخرجه أبو عبيدة في الفضائل عن أنس ـ رضي الله عنه: أنعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قرأ على المنبر: ﴿وفاكهة وأبًا﴾ عبس : 31. فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأبّ؟، ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذالهو التكلف يا عمر. وقد عقب ابن كثير على هذا الأثر بقوله: وهذا محمول على أنه رضيالله عنه أراد أن يعرف شكله وجنسه وعينه ثم أضاف ابن كثير: وإلا فكونه نبتا منالأرض ظاهر لا يجهل.
وقرأ كذلك على المنبر: ﴿أو يأخذهم على تخوُّف﴾ النحل : 47. ثم سأل عن معنى التخوف، فقال رجل من هذيل: التخوف عندنا التنقص. وكذا ما أخرجه أبوعبيدة بسنده عن ابن عباس ـ رضي الله عنه، قال: كنت لا أدري ما﴿فاطرالسماوات﴾ الشورى: 11. حتى أتاني أعرابيان يتخاصمان في بئر فقال أحدهما: أنافطرتها والآخر يقول: أنا ابتدأتها.
وهذا خلاف ما ذهب إليه العلامة ابن خلدون في مقدمته حيث يقول: إن القرآن نزلبلغة العرب، وعلى أساليب بلاغتهم، فكانوا كلهم يفهمونه ويعلمون معانيه في مفرداتهوتراكيبه.
مصادر التفسير في عصر الصحابة
القرآن الكريم. الناظر في القرآن الكريم يجد أنه قد اشتملعلى الإيجاز والإطناب، وعلى الإجمال والتبيين، وعلى الإطلاق والتقييد، وعلى العموموالخصوص. وما أوجز في مكان قد يُبسط في مكان آخر، وما أجمل في موضع قد يُبين فيموضـع آخر، وما جاء مطلقًا في ناحيـة قد يلحقه التقييد في ناحية أخرى، وما كانعامًا في آية قد يدخله التخصيص في آية أخرى.
ولهذا كان لابد لمن يتعرض لتفسير كتاب الله تعالى أن ينظر في القرآن أولاً،فيجمع ما تكرر منه في موضع واحد، ويقابل الآيات بعضها ببعض، ليستعين بها على ماذكر.
النبي ³،كان المصدر الثاني الذي رجع إليه الصحابة فيتفسيرهم لكتاب الله تعالى، فكان الصحابيإذا أشكلت عليه آية من كتاب الله رجع إلىرسول الله ³ في تفسيرها، فيبين له عن الله ما خفي عليه، لأن وظيفته البيان، كماأخبر الله عنه بذلك في كتابه العزيز حيث قال: ﴿وأنزلنا إليك الذكرلتبين للناس ما نُزِّل إليهم ولعلهم يتفكرون﴾ النحل : 44.
كما نبه على ذلك رسول الله فيما أخرجه أبو داود في سننه بإسناد صحيح، أنالرسول قال: ( ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه) . والمثلية للقرآن في شيئين: الأول أن السنة وحي كالقرآن والثاني أن السنة واجبةالاتباع ـ إذًا ـ كالقرآن.
ابن كثير ومصادر التفسير. وقد أجمل ابن كثير القول فيمصادر التفسير وطرقه، مقدمًا بذلك لتفسيره حيث قال: فإن قال قائل فما أحسن طرقالتفسير؟
فالجواب أن أصح الطرق في ذلك أن يُفسر القرآن بالقرآن؛ فما أجمل في مكان فإنه قدبسط في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قدقال الإمام أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله تعالى، كل ما حكم به رسولالله فهو مما فهمه من القرآن، قال الله تعالى: ﴿إنا أنزلنا إليكالكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما﴾ النساء: 105. وقال تعالى: ﴿وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذياختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾ النحل: 64. وقال تعالى: ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون﴾ النحل: 44. ولهذا قال رسول الله (ألا إني أوتيت القرآن ومثلهمعه) يعني السنة، والسنة أيضًا تنزل عليه بالوحي، كما ينزل القرآن إلا أنهالا تتلى كما يتلى القرآن.
ثم قال ابن كثير والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده فمن السنة، كماقال رسول الله لمعاذ حين بعثه إلى اليمن، (فبم تحكم؟قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لمتجد؟ قال: اجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله في صدره وقال: ) الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله. قال ابن كثيروهذا الحديث في المسند والسنن بإسناد جيد كما هو مقرر في موضعه. ثم قال وحينئذ إذالم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرىبذلك لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم والعلمالصحيح، والعمل الصالح لا سيما علماءهم وكبراءهم كالائمة الأربعة والخلفاء الراشدينوالأئمة المهتدين المهديين وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهم.
ثم أورد قول مسروق، قال عبدالله بن مسعود: والله الذي لا إله غيره ما نزلت آيةمن كتاب الله تعالى إلا وأنا أعلم فيمن نزلت، وأين نزلت ولو أعلم أحدًا أعلم بكتابالله مني تناله المطايا لأتيته. ومنهم البر البحر عبدالله بن عباس ابن عم رسول الله ³ وترجمان القرآن، ببركة دعاء رسول الله ³ له حيث قال: (اللهمفقهه في الدين وعلمه التأويل) .
ثم قال ابن كثير إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عنالصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد بن جبر؛ فإنه كانآية في التفسير، كما قال محمد بن إسحق: حدثنا أبان بن صالح؛ عن مجاهد قال: عرضتالمصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منها وأسألهعنها ثم أورد رواية ابن جرير عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهدًا سأل ابن عباس عنتفسير القرآن ومعه ألواحه، قال: فيقول له ابن عباس: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله. ولهذا كان سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك! وكسعيد بن جبيروعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري... وغيرهم من التابعينوتابعيهم ومن بعدهم، فتذكر أقوالهم في الآية فيقع في عبارتهم تباين في الألفاظيحسبها من لا علم عنده اختلافًا فيحكيها أقوالاً وليس كذلك فإن منهم من يعبر عنالشيء بلازمه أو بنظيره، ومنهم من ينص على الشيء بعينه والكل بمعنى واحد في أكثرالأماكن فليتفطن اللبيب لذلك.
وأفاد ابن كثير ـ بعد هذا ـ أن التابعين إذا أجمعوا على الشيء فلا يُرتاب فيكونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون بعضهم حجة على بعض ولا على من بعدهم ويرجع في ذلكإلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب أو أقوال الصحابة في ذلك.
ثم قال: فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام؛ لما رواه الترمذي وأصحاب السننبإسناد حسن من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال: (من قال في القرآن برأيه، أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار) . وهذا الذي رآه ابن كثير وساق له ما رواه إنما يعني به الرأي الذي يطرح هذهالمصادر، ثم ينساق وراء الفكر الشخصي أو الاتجاه المذهبي أو التعصب الطائفي ليقولعن الله ورسوله ما يصادم ما جاء عن الله ورسوله في القرآن والسنة وفيما أثر الصحابةوالتابعون عن الله ورسوله.
فأما الاجتهاد بمعنى قوة الاستنباط ودقة الاستنتاج في فهم كتاب الله وبيانهوفيما لم يرد فيه نص صريح في كتاب أو سنة وبما لا يعارض نصًّا في القرآن ولا فيالسنة، ولا إجماعًا للصحابة والتابعين فهو أمر واجب لأن التفقه في الدين أمر واجب،ولأن تعلم تأويل الكتاب أمر لازم ما دام ذلك الاجتهاد في إطار ما جاء عن اللهورسوله وما دام ملتزمًا بقواعد الكتاب والسنة وما دام معتمدًا أول الأمر وآخره علىالكتاب وصحيح السنة دون تناقض أو معارضة.
فأما أن يكون الرأي في تفسير القرآن فيما ورد فيه تفسير مخالف في القرآن والسنةأو فيما يتعارض مع ما جاء عن الله ورسوله فذلك هو الضلال البعيد وهذا هو المعيارالذي يقاس به أي تفسير، فكل ما وافق ما جاء عن الله ورسوله، واعتمد على ما جاء عنالله ورسوله فهو التفسير وما لا فلا.
التفسير في عصر التدوين
هذه المرحلة هي الثالثة من مراحل التفسير بعد مرحلتي عهد النبي وصحابته، وعهدالتابعين، وتبدأ من ظهور التدوين وذلك في أواخر عهد دولة بني أمية وأول عهد دولةالعباسيين. وقد كان التفسير قبل هذه المرحلة يتناقل بطريق الرواية؛ فقد رواهالصحابة ـ رضي الله عنهم ـ عن الرسول ³ كما رواه بعضهم عن بعض، ثم رواه التابعون عنالصحابة وكذا بعضهم عن بعض.
ولما بدأ عهد التدوين لحديث الرسول كان التفسير ضمن أبوابه، ولم يكن التفسيرعندها مفردًا بالتأليف سورة سورة وآية آية، بل كان بابًا من أبواب الحديث التياجتهد العلماء لجمعها، ونقبوا في الأمصار لتدوينها، فكان من أثر هذه الرحلاتالميمونة للعلماء أن جُمع إلى جانب الحديث قسط لا بأس به من التفسير المسند إلىرسول الله أو إلى الصحابة أو التابعين.
ومن هؤلاء العلماء الذين قاموا بهذا الجهد العظيم في الجمع والتدوين: يزيد بنهارون السُّلمي المتوفَّى سنة 117هـ، وشعبة بن الحجاج المتوفى سنة 160هـ، ووكيع ابنالجراح المتوفى 197هـ، وسفيان بن عيينة المتوفى سنة 198هـ، وعبد الرزاق بن همامالمتوفى في 211هـ. غير أن هذا الأخير استطاع أن يجمع إلى جوار حديث الرسول تفسيرًا واسعًا يعتبر من أوائل التفاسير التي كتبت في عصر التدوين، وما يزال هذاالتفسير مخطوطًا، وتوجد قطعة منه في دار الكتب المصرية. ويشهد لهذا أن الطحاوي قدرجع إليه كثيرًا في كتابهمشكل الآثار. خطا العلماء بالتفسير خطوة أخرىاستطاعوا بها أن يفصلوا التفسير عن الحديث، وبذلك أصبح هذا اللون من العلم، علمًاقائمًا بذاته يتناول كل آية من القرآن، ومرتبًا كذلك على سور المصحف. ومن هؤلاءالذين نهضوا بهذا العلم على هذا النحو: عبد الرزاق بن هَمَّام ـ كما سبق أن ذكرنا ـوابن ماجة المتوفى في 273هـ، وابن جرير الطبري المتوفى في 310هـ، وأبو بكر بنالمنذر النيسابوري المتوفى في 318هـ، وابن أبي حاتم المتوفى في 327هـ، والحاكمالمتوفى في 405هـ وغيرهم من العلماء في هذا الشأن.
أما منهج هؤلاء المفسرين المذكورين في تأليفهم لكتب التفسير، فإنه كان على طريقالرواية بالإسناد إلى الرسول ³ أو الصحابة ـ رضوان الله عنهم ـ والتابعين وتابعيالتابعين، أي كان يغلب عليه التفسير بالمأثور، إلا ما كان من ابن جرير الطبري، فإنهكان يذكر بعض الأقوال، ويرجح بعضها على بعض، كما كان يعنى باستخراج الأحكام منالآية، وكذا أمور الإعراب والاستشهاد بأشعار العرب وكلامهم إذا دعت لذلك الحاجة. وهنا مسألة مهمة تجدر الإشارة إليها وهي: مَن أول مَن كتب في التفسير على هذاالنحو؟ فنجد ابن النديم في كتابهالفهرستيذهب إلى أن الفراء المتوفى في 207هـ هو أول من فسر القرآن مبتدئًا بسورة الفاتحة إلى آخر القرآن، ثم قال: قال أبوالعباس ثعلب: لم يعمل أحد مثله، ولا أحب أن أحدًا يزيد عليه.
والظاهر أن هذا الكلام مبالغ فيه، إذ الناظر في تفسير الفراء هذا والمعروفبمعاني القرآن يجد أنه لا يعدو أن يكون تفسيرًا لبعض ما أشكل من آي القرآن سورةسورة، ولم يتناول جميع آي القرآن بالتفسير، وكتابه هذا شبيه بكتابمجاز القرآنلأبي عبيدة معْمر بن المثنى، الذي تناول فيه ما أشكل من القرآن فقط.
وهذا عبد الرازق بن همام قد ألف تفسيرًا شاملاً لكل آي القرآن، ومعروف أنه كان ـرحمه الله ـ معاصرًا للفراء فلا يُعرف كيف أهمل ابن النديم ذكْر تفسير عبد الرزاق،واهتم بتفسير الفراء، مع أن الأخير أقل شمولاً من تفسير عبد الرزاق.
ومن هنا يمكننا القول كذلك إن هذا اللون من التفسير الذي اتسم بالشمولوالتفصيللم يتأخر التأليف فيه إلى نهاية القرن الثاني وأول القرن الثالث الهجريين كما يرىبعض العلماء، بل الأدلة تُثبت أن العمل والتأليف بدآ فيه مبكرًا.
قال ابن جرير الطبري في تفسيره فيما يرويه عن أبي مليكة: قال: رأيت مجاهدًا يسألابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه، فيقول له ابن عباس: اكتب قال: حتى سأله عنالتفسير.
مدارس التفسير
التفسير بالمأثور. يشمل التفسير بالمأثور ما كان تفسيرًاللقرآن بالقرآن، وما كان تفسيرًا للقرآن بالسنة، وما كان تفسيرًا للقرآن بالموقوفعلى الصحابة أو المروي عن التابعين.
وإنما أدرجنا في التفسير بالمأثور ما روي عن التابعين ـ وإن كان فيه خلاف: هل هومن قبيل المأثور أو من قبيل الرأي ـ لأنا وجدنا كتب التفسير بالمأثور ـ كتفسير ابنجرير وغيره ـ لم تقتصر على ذكر ماروي عن النبي ³ وماروي عن أصحابه، بل ضمت إلى ذلكما نقل عن التابعين في التفسير.
تدرج التفسير في دورين: دور الرواية ودور التدوين. أما في دور الرواية، فإن رسولالله ³ بيّن لأصحابه ما أشكل عليهم من معاني القرآن، فكان هذا القدر من التفسيريتناوله الصحابة بالرواية بعضهم لبعض، ولمن جاء بعدهم من التابعين.
ثم وُجد من الصحابة من تكلم في تفسير القرآن بما ثبت لديه عن رسول الله ³، أوبمحض رأيه واجتهاده، وكان سبب ذلك ـ على قلته ـ الروح الدينية التي كانت لهذاالعهد، والمستوى العقلي الرفيع لأهله، وتجدد حاجات حياتهم العملية، ثم شعورهم أنهذا التفسير شهادة على الله تعالى.
ثم وُجد من التابعين أيضًا من تصدى للتفسير ـ فروى ما تجمع لديهم من ذلك عن رسولالله ³ وعن الصحابة، وزاد على ذلك من القول بالرأي والاجتهاد بمقدار ما زاد منالغموض الذي كان يتزايد كلما بعد الناس عن عصر النبي ³ والصحابة.
ثم جاءت الطبقة التي تلي التابعين، وروت عنهم ما قالوا، وزادوا عليه بمقدار مازاد من غموض سبَّبه بُعد الزمن أيضًا... وهكذا ظل التفسير يتضخم طبقة بعد طبقة. وتروي الطبقة التالية ما كان عند الطبقات التي سبقتها كما أُشير إلى ذلك فيماسبق.
ثم ابتدأدور التدوينـ وهو ما يعنينا في هذا البحث ـ فكان أول مادوّن منالتفسير هوالتفسير بالمأثور، على تدرج في التدوين كذلك، فكان رجال الحديثوالرواية هم أصحاب الشأن الأول في هذا. وكان أصحاب مبادئ العلوم حين ينسبون ـ علىعادتهم ـ وضع كل عِلم لشخص بعينه، يعدون واضع التفسير بالمأثور بمعنى جامعه لامدونه.
ولم يكن التفسير إلى هذا الوقت قد اتخذ شكلاً منظمًا، ولم يفرد بالتدوين، بل كانيكتب على أنه باب من أبواب الحديث المختلفة، يجمعون به ما روي عن النبي ³ وعنالصحابة والتابعين. ثم بعد ذلك انفصل التفسير عن الحديث، وأفرد بتأليف خاص، فكانأول ما عرف لنا من ذلك، تلك الصحيفة التي رواها علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
ثم وُجد من ذلك جزء أو أجزاء دونت في التفسير خاصة، مثل ذلك الجزء المنسوب لأبيروحة، وتلك الأجزاء الثلاثة التي يرويها محمد بن ثور عن ابن جريج.
ثم وجدت من ذلك موسوعات من الكتب المؤلفة في التفسير، جمعت كل ما وقع لأصحابهامن التفسير المروي عن النبي ³ وأصحابه وتابعيهم، كتفسير ابن جرير الطبري. ويلاحظ أنابن جرير ومن على شاكلته ـ وإن نقلوا تفاسيرهم بالإسناد ـ توسعوا في النقل وأكثروامنه، حتى استفاض وشمل ما ليس موثوقًا به، كما يلاحظ أنه كان ما يزال موجودًا إلى مابعد عصر ابن جرير ومن على شاكلته ـ ممن أفردوا التفسير بالتأليف ـ رجال من المحدثينبَوَّبُوا للتفسير بابًا ضمن أبواب ما جمعوا من الأحاديث. ثم وجد بعد هذا أقوامدوَّنوا التفسير المأثور دون أن يذكروا أسانيدهم في ذلك، وأكثروا من نقل الأقوال فيتفاسيرهم وبدون تفرقة بين الصحيح وغيره، مما جعل الناظر في هذه الكتب لا يركن لماجاء فيها، لجواز أن يكون من قبيل الموضوع المختلق، وهو كثير في التفسير.
بعد ذلك تغيرت الاتجاهات، فبعد أن كان التدوين في التفسير لا يتعدى المأثور فيه،تعدى إلى تدوين التفسير بالرأي على تدرج فيه.
علمنا مما تقدم أن التفسير بالمأثور يشمل ماكان تفسيرًا للقرآن بالقرآن، وما كانتفسيرًا للقرآن بالسنة، وما كان تفسيرًا للقرآن بالموقوف على الصحابة أو المروي عنالتابعين. أما تفسير القرآن بالقرآن، أو بما ثبت من السنة الصحيحة، فذلك مما لاخلاف في قبوله؛ لأنه لا يتطرق إليه الضعف، ولا يجد الشك إليه سبيلاً.
وأما ما أضيف إلى النبي وهو ضعيف في سنده أو سنته فذلك مردود غير مقبول ـمادام لم تصح نسبته إلى النبي ³.
وأما تفسير القرآن بما يروى عن الصحابة أو التابعين، فقد تسرب إليه الخلل وتطرقإليه الضعف، إلى حد كاد يفقدنا الثقة بكل ماروي من ذلك، لولا أن قيض الله لهذاالتراث العظيم من أزاح عنه هذه الشكوك، فسلم لنا قدرًا لا يستهان به وإن كان ضعيفهاوسقيمها ما يزال خليطًا في كثير من الكتب التي عني أصحابها بجمع شتات الأقوال.
أسباب الضعف. ترجع أسباب الضعف في رواية التفسير بالمأثور إلى أمور ثلاثة:
أولها: كثرة الوضع في التفسير. ثانيها: دخول الإسرائيليات فيه. ثالثها: حذفالأسانيد.
التفسير بالرأي. هو التفسير القائم على الاجتهاد، وقداختلف العلماء حوله منذ القدم بين مجيزٍ لذلك ومانع له. فالذين أجازوه استدلوابالآيتين التاليتين:- قوله تعالى: ﴿أفلا يتدبرون القرآن أَمْ علىَقلوبٍ أَقفالها﴾ محمد : 24 . وقوله تعالى: ﴿ولو رَدُّوهُ إلىالرسول وإلى أولي الأمرِ منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم﴾ النساء : 83 .
ففي هاتين الآيتين ما يدل على أن معاني القرآن لا يصل إليها إلا أهلُ الاستنباطوالاجتهاد، بما يملكون من مواهب؛ كما أن في الآية أمرًا بالتدبر والاجتهاد فياستنباط معانيه. كما كان اختلاف الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ في بعض أقوالهم فيتفسير القرآن، يدل على أنهم فسروه باجتهادهم القائم على معرفتهم الخاصة، إذ لولاذلك لاتفقت أقوالهم. كما كان أيضًا دعاء النبي ³ لابن عباس رضي الله عنهما (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) على جواز الاجتهاد في فهم القرآن.
أما الذين منعوا التفسير بالرأي فلهم أدلتهم التي اعتمدوا عليها وهي:- قولهتعالى: ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم﴾ النحل : 44. فهذه الآية في رأيهم جعلت تفسير القرآن وبيانه للنبي ³ وحده دون غيره. قوله تعالى: ﴿قل إنما حرّم رَبِّيَ الفواحش ما ظَهَرَ منها وما بطنوالإثمَ والبغيَ بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا وأن تقولوا علىالله ما لاتعلمون﴾ الأعراف : 33. فحرّم الله على عباده القول على الله بدونعلم، والتفسير بالرأي ـ عند المانعين ـ قول على الله بدون علم. ما رواه الترمذي عنابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ³ : (من قال في القرآن برأيهفليتبوأ مقعده من النار) ، وما رُوي عن أبي بكر رضي الله عنه: ¸أي سماءٍتظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في حرف من كتاب الله بغير ما أراد الله·. إضافة إلىامتناع بعض السلف عن القول في القرآن برأيهم. فالمانعون يرون أن التفسير بالرأي قولعلى الله بغير علم، فلا يجوز لأحد الإقدام عليه؛ لأنه حرام.
والنتيجة تتمثل في ردّ المجيزين على المانعين بما يأتي:- هناك خلاف بين العلماءفي المقدار الذي فسره الرسول ³ في القرآن، فمنهم من يرى أنه عليه الصلاة والسلامفسر القرآن كله، ومنهم من يرى أنه ³ فسر القليل؛ والأصوب أنه فسر ما أشكل علىالصحابة واختلفوا فيه وسألوه عنه، فلم يكن قليلاً، ولم يستوعب القرآن كله. فما لميفسره ³، هو الذي فيه مجال لأهل الفقه والعلم والاستنباط والنظر، استنادًا إلى قولهتعالى: ﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها﴾ محمد : 24.
إن الاجتهاد في التفسير ليس قولاً على الله بغير علم، وإنما استعمال للعقل الذيأنعم الله به على الإنسان مع شروط يجب توافرها فيمن يقوم بهذا الاجتهاد. إن المجتهدمأجور، إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر. فالاجتهاد البعيد عن الهوى والضلالةوالجهالة أمرٌ غير مذموم. وقد ورد عن أبي بكر رضي الله عنه حين سُئل عن الكلالةفقال: أقول فيها برأي؛ فإن كان صوابًا فمن الله وإن كان غير ذلك فمنِّي ومنالشيطان، ثم فسَّر معنى الكلالة. أما امتناع أبي بكر وغيره من الصحابة والتابعين عنتفسير القرآن برأيهم فيحمل على الورع والاحتياط وخشية الوقوع في الزلل.
أشهر كتب التفسير بالرأي. 1- مفاتيح الغيبللفخرالرازي (ت 606هـ، 1209م). 2- أنوار التنزيل وأسرار التأويلللبيضاوي (ت 691هـ، 1291م). 3- مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي (ت 701هـ، 1301م). 4- لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن (ت 741هـ، 1340م). 5- البحر المحيطلأبي حيان الأندلسي (ت 745هـ، 1344م). 6-السراج المنيرللخطيب الشربيني (ت 977هـ، 1569م). 7- إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريملأبيالسُّعود (ت 982هـ، 1574م). 8- تفسير الجلالين: لجلال الدين المحلِّي (ت 864هـ، 1459م) وجلال الدين السيوطي (ت 911هـ، 1505م).
ولا يعني هذا أن هذه الكتب خلت من التفسير المأثور والأثر المنقول، وإنما يعنيأنه يكثر فيها التفسير بالرأي. والتفسير بالرأي قد ظهر مبكرًا منذ عهد التابعين، إنلم يكن في عهد الصحابة أنفسهم رضي الله عنهم أجمعين.
التفسير في العصر الحديث. لم يترك الأوائل للأواخر كبيرجهد في تفسير كتاب الله والكشف عن معانيه ومراميه؛ إذ إنهم نظروا إلى القرآنباعتباره دستورهم الذي جمع لهم بين سعادة الدنيا والآخرة، فتناولوه من أول نزولهبدراستهم التفسيرية التحليلية، دراسة سارت مع الزمن على تدرج ملحوظ. والذي يقرأ كتبالتفسير على اختلاف مناهجها، لا يداخله شك في أن كل ما يتعلق بالتفسير من الدراساتالمختلفة قد وفاه هؤلاء المفسرون الأقدمون حقه من البحث والتحقيق.
وقد تناول المفسرون الأقدمون أيضًا القرآن الكريم، فتوسعوا فيه توسُّعًا ظاهرًاملموسًا من النواحي اللغوية والبلاغية والأدبية والفقهية والنحوية والمذهبيةوالكونية، ما كادوا يتركون لمن جاء بعدهم من عمل جديد، أو أثر مبتكر يقومون به فيتفاسيرهم التي ألّفوها، اللهم إلا عملاً ضئيلا لا يعدو أن يكون جمعًا لأقوالالمتقدمين، أو شرحًا لغامضها أو نقدًا وتفنيدًا لما يعتريه الضعف منها، أو ترجيحًالرأي على رأي، مما جعل محاولات التفسير تقف وقفة طويلة خالية من التجديدوالابتكار.
مميزات التفسير في العصر الحديث. ظل تفسير القرآن على ما هو عليه من تفاسيرالأقدمين لا يمتد إليه قلم ولا تغير فيه آراء حتىجاء عصر النهضة العلميةالحديثة، فاتجه العلماء الذين لهم عناية بدراسة التفسير إلى أن ينظروا فيهنظرات خاصة؛ فنظروا في كتاب الله نظرة تخلصوا فيها من كل الاستطرادات العلمية التيأقحمت في التفاسير إِقحامًا، ومُزجت بها على غير ضرورة لازمة، كما عملوا على تنقيةالتفسير من القصص الإسرائيلي ـ الذي كاد يذهب بجمال القرآن وجلاله ـ وتمحيص ماجاءفيه من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة على رسول الله ³ أو على أصحابه ـ عليهم رضوانالله تعالى، كما عملوا أيضا على إلباس التفسير ثوبًا أدبيًا اجتماعيًا يظهر روعةالقرآن ويكشف عن مراميه الدقيقة وأهدافه السامية، وبيان ما استحدث من نظريات علميةوما اكتشف من حقائق كونية صحيحة، موافقة لما جاء به القرآن.
وكان ذلك من أجل أن يعرف المسلمون وغير المسلمين أن القرآن هو الكتاب الخالدالصالح لتنظيم حياة الإنسان في كل زمان ومكان. وهناك غير هذه الآثار آثار أخرى ظهرتفي الاتجاه التفسيري في العصر الحديث، نشأت عن عوامل مختلفة، أهمها التوسع العلميوالتأثر بالمذهب والعقيدة، والإلحاد الذي قام على حرية الرأي الفاسد.
مذاهب التفسير في العصر الحديث أربعة. وهي: المذهبالعلمي، والاتجاه المذهبي، والمذهب الإلحادي، والمذهب الأدبي الاجتماعي.
المذهب العلمي. راج التفسير العلمي في العصر الحاضر رواجًا ملحوظًا، وهو يرميإلى جعل القرآن مشتملاً على سائر العلوم ما جدّ منها وما سيجدّ. وراج لدى بعضالمثقفين الذين لهم عناية بالعلوم، وعناية بالقرآن الكريم، وكان من أثر هذه النزعةالتفسيرية التي تسلطت على قلوب أصحابها، أن أخرج المشغوفون بها كثيرًا من الكتبيحاول أصحابها فيها أن يحملوا القرآن كل علوم الأرض والسماء، وأن يجعلوه دالاًعليها بطريق التصريح أو التلميح، اعتقادًا منهم أن في هذا بيانًا لناحية من أهمنواحي صدقه، وإعجازه وصلاحيته للبقاء.
من هذه المحاولات: إعجاز القرآنلمصطفى صادق الرافعي وهو من أنصار هذهالنزعة التفسيرية ومن المؤيدين لها، وفي هذا الكتاب، يعقد المؤلف بحثًا خاصًالموضوع القرآن والعلوم. وفيه يقرر: أن القرآن بآثاره النامية معجزة أصيلة في تاريخالعلم كله على بَسْطِ هذه الأرض، من لدن ظهور الإسلام إلى ماشاء الله. وهذا اللونمن التفسير قد أدى خدمة جليلة في بيان الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، غير أن بعضالعلماء قد وسع الخُطى، وبسط البحث في هذا المجال مما جعلهم يخرجون بالقرآن عن هدفهالأسمى الذي من أجله أُنزل؛ فأصبحوا يلوون أعناق الآيات الكريمة حتى توافق بعضالنظريات أو المكتشفات الحديثة. لهذا السبب، نظمت لجان خاصة وهيئات مسؤولة عن هذاالمجال، فتكونتلجنة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وهي تابعة لرابطةالعالم الإسلامي بمكة المكرمة، وكان لهذه اللجنة الأثر الكبير في ترجمة الإعجاز إلىعدة لغات، وكذا حضور عدة ملتقيات ومؤتمرات عالمية أذعن لها الحاضرون وشادوا بهاإعجابًا. بل قد أسلم بعض ممن بلغهم هذا الإعجاز العلمي الباهر.
الاتجاه المذهبي. لم يبق من الفرق المنسوبة إلى الإسلام في العصر الحديث فرقةلها كيان إلا أهل السنة والجماعة، والإمامية الاثنا عشرية والإمامية الإسماعيلية،والزيدية والإباضية من الخوارج، والبهائية من الباطنية.
وهذه الفرق التي لا تزال قائمة وموجودة، محتفظة بتعاليمها وعقائدها التي تسيرعليها من أول عهدها ومبدأ ظهورها.
وإذا كان لهذه الفرق في عصورها السابقة عملٌ ظاهر في تفسير كتاب الله وشرحه حسبما تمليه عقيدة المفسر، فإنه مما لا شك فيه ما يزال موجودًا في العصر الحديث بمقدارما بقي قائمًا من المذاهب الإسلامية.
فأهل السنّة فسروا القرآن وألفوا الكتب فيه بما يتفق وفهمهم الصحيح للدين، كمانرى ذلك واضحًا في التفاسير الحديثة لأهل السنّة والجماعة. والإمامية الاثناعشريةفسروا القرآن بما يتفق ومذهبهم. وكذلك باقي الفرق، فإنها وإن كتبت في العصر الحديثكتبًا في التفسير، فهي لا تخرج عن معتقدها ومذهبها، ولم يؤثر فيها طول السنينالماضية ولا مرور الأيام.
الاتجاه الأدبي الاجتماعي. يمتاز التفسير في هذا العصر بأنه يتلون باللون الأدبيالاجتماعي، وذلك لمعالجة النصوص القرآنية معالجة تقوم أولاً وقبل كل شيء على إظهارمواضع الدقة في التعبير القرآني، ثم بعد ذلك تصافح المعاني التي يهدف القرآن إليهافي أسلوب شائق أخاذ، ثم يطبق النص القرآني على ما في الكون من سنن الاجتماع، ونظمالعمران. وعلى رأس هذا الاتجاه، مدرسة الإماممحمد عبدهومن جاء بعده.
أدوات المفسِّر
هناك علوم لا بد منها للمفسر، هذا ما قاله الإمام السيوطي في الإتقان، مع زيادةالتوضيح وحسن التصرف. قال بعض العلماء: اختلف الناس في تفسير القرآن: هل يجوز لكلأحد الخوض فيه؟ فقال قوم: لا يجوز لأحد أن يتعاطى تفسير شيء من القرآن، وإن كانعالمًا أديبًا، متسعًا في معرفة الأدلة، والفقه والنحو والأخبار والآثار، وليس لهإلا أن ينتهي إلى ما روي عن النبي ³ في ذلك. ومنهم من قال: يجوز تفسيره لمن كانجامعًا للعلوم التي يحتاج المفسر إليها، وهي خمسة عشر علمًا.
اللغة. بها يعرف شرح مفردات الألفاظ ومدلولاتها بحسبالوضع، قال مجاهد: لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله، إذالم يكن عارفًا بلغات العرب. وقال الإمام مالك: لا أوتي برجل غير عالم بلغة العربيفسر كتاب الله إلا جعلته نكالاً. من هنا فإن العلم الواسع المتعمق باللغة شرطأساسي، ولا يكفي الإلمام اليسير بها، فقد يكون اللفظ مشتركًا وهو يعلم أحد المعنيينويكون المراد الآخر، وهذا التعمق هو من الأسباب التي مكنت لابن عباس، رضي الله عنهأن يكون حَبْر القرآن ورأس المدرسة المكية التي هي خير المدارس التفسيرية.
النحو. لأن المعنى يتغير ويختلف باختلاف الإعراب فلا بدمن وضعه في الحسبان.
ومن لم يعرف النحو فربما يقع في أخطاء فاحشة مثل ذلك الرجل الذي قرأ قوله تعالى: ﴿وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء منالمشركين ورسولُه﴾ التوبة : 3. بجر كلمة رسوله، فكان المفهوم من قراءته تلكأن الله بريء من المشركين ومن رسوله أيضًا، حاشالله!! فكاد يقع هذا الرجل في الكفروهو لا يعلم، فكان ذلك من الأسباب الحاملة على وضع علم النحو.
علم التصريف. لأن به تعرف أبنية الكلمات والصيغ.
علم الاشتقاق. لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتينمختلفتين اختلف المعنى باختلافهما، كالمسيح: أهو من السياحة أو المسح، فمن الأولسُمي المسيح مسيحًا لكثرة سياحته، وأما من الثاني: فلأنه حسب المأثور من القولوإخبار الله عنه في القرآن، كان لا يمسح على ذي عاهة إلا شُفي بإذن الله تعالى.
علوم المعاني والبيان والبديع. تُعرِّف بخواص تراكيبالكلام من جهة إفادتها المعاني، خواصها من حيث اختلافها بحسب وضوح الدلالة وخفائها،وبوجوه تحسين الكلام. وهذه العلوم الثلاثة، هي من علوم البلاغة، وهي من أعظم أدواتالمفسر.
وقال الزمخشري: من حق مفسر كتاب الله الباهر، وكلامه المعجز أن يتعاهد بقاءالنظم على حسنه، والبلاغة على كمالها، وما وقع به التحدي سليمًا من القادح.
والزمخشري بحق خير من له في إدراك إعجاز القرآن باع طويل، وخير من أفصح عن أسرارإعجاز القرآن الكريم بطريقة العرب الفصحاء البلغاء، لا بطريقة أهل الفلسفةوالكلام.
علم القراءات. علم يعرف به مخارج الحروف والأصوات وكيفيةالنطق بها والقراءات المتواترة في القرآن الكريم أو المشهورة أو الشاذة. والوجوهالتي يترجح بها بعض القراءات على بعض.
علم أصول الدين. علم يعرف به ما يجب لله تعالى وما يستحيلعليه، وما يجوز في حقه، ويعرف الفرق بين العقائد والشرائع، وما هو من أصول الدين،وما هو من فروعه.
علم أصول الفقه. علم يعرف به وجوه الاستدلال وطريقةاستنباط الأحكام الشرعية من الأدلة.
علم أسباب النزول. بمعرفة سبب النزول، يعرف المعنى المرادمن الآية، كما أنه يزيل الإشكال عن بعضها، ويبين بعض حكم الله في التشريع، وبعلمالقصص، يعلم ما هو من الإسرائيليات التي دُست في الرواية الإسلامية، وما ليس منها،وما هو حق، وما هو باطل.
علم الناسخ والمنسوخ. مهم للمفسر، وإلا وقع في خطأكبير.
علم الفقه. علم تعرف به الأحكام الشرعية ومذاهب الفقهاء،ومن احتج منهم بالآية ومن لم يحتج بها، وطريقة كل منهم في فهم الآية والأخذ بها، أوالإجابة عنها.
علم الحديث والسنن. والآثار المبينة لتفصيل المجمل،وتوضيح المبهم، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وإلى غير ذلك من وجوه بيان السنةللقرآن.
الموهبة. ما يورِّثه الله تعالى لمن يعمل بعلمه. ويؤيدذلك قوله تعالى﴿واتقوا الله ويعلمكم الله﴾ البقرة: 282. قالابن أبي الدنيا: وعلوم القرآن وما يستنبط منه بحر لا ساحل له.
فهذه العلوم التي هي كالآلة للمفسر لا يكون مفسرًا إلا بتحصيلها، فمن فسر القرآنبدونها، كان مفسرًا بالرأي المنهي عنه، وإذا فسر مع حصولها لم يكن مفسرًا بالرأيالمنهي عنه. والصحابة والتابعون كان عندهم علوم العربية بالطبع والاكتساب،واستفادوا العلوم الأخرى من النبي ³ قال الإمام السيوطي: ¸ولعلك تستشكل علمالموهبة، وتقول هذا شيء في قدرة الإنسان، وليس كما ظننت من الإشكال والطريق إلىتحصيله، لارتكاب الأسباب الموجبة من العمل والزهد·.
وقال الإمام الزركشي في البرهان: ¸اعلم أنه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي، ولايظهر له أسراره وفي قلبه بدعة، أو كبر، أو هوى أو حب للدنيا، أو وهو مُصِر على ذنب،أو غير متحقق بالإيمان، أو ضعيف التحقيق، أو يعتمد على قول مفسر ليس عنده علم، أوراجع إلى مقولة، وهذه كلها حجب، ومواقع بعضها آكد من بعض·.
قال الإمام السيوطي: ويدل على هذا المعنى قوله تعالى: ﴿سأصرف عنآياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق﴾ الأعراف : 146.
والموهبة ثمرة من ثمرات التقوى، والتقوى لها معنيان: معنى نفسي وهي: خشية اللهومراقبته في السر والعلن، وهذا هو ما أراده النبي ³ حينما قال: (التقوى ههنا) ثلاثًا، وأشار إلى صدره. ومعنى ظاهري، وهو الاستقامة على الدين، وذلك بامتثالالمأمورات واجتناب المنهيات، وقد تسمو بصاحبها، فتصل به إلى حد فعل النوافلوالمستحبات أيضًا، واتباع مكارم الأخلاق، وتوقي الشبهات، خشية الوقوع في المآثموالمحرمات. والتقوى بمعنييها لا بد منها لمن يتصدى لشرح كتاب الله، وفي هذا المعنىقوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانً﴾الأنفال : 29. أي معنى في القلب يُفرق به بين الحق والباطل.
ومن العلماء من أضاف علومًا أخرى إلى هذه العلوم، حتى يتسنى للمفسر أن يكون علىعلم واسع في تفسيره لكتاب الله تعالى.
ومن هذه العلوم،علم تاريخ البشر، وعلم السيرة النبوية، والعلوم الكونية،وعلم الاجتماع البشري. وكذلكعلم تاريخ الأديان السماوية.
وكذاالمذاهب الدينية غير السماويةكالبرهمية، والبوذية، والمزدكيةوالمانوية وغيرها.
فإذا كان من يتعرض لتفسير كتاب الله على علم بهذه العلوم كلها ـ ما ذكرهاالسيوطي وغيره من العلماء ـ فقد استأهل أن يفسر القرآن الكريم.
المصادر: الموسوعة العربية
حسن إبراهيم سمعون

عدنان أبوشعر 22 / 02 / 2013 19 : 09 PM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 
[align=justify]هذا المشهد الجليل الفريد للحظة تكريس الإنسان خليفة، وتفاصيل الحوار الذي دار فيه، دعوة إلهية كريمة لنتواصل مع بداية البداية، ولننخرط في سلك من حضر، لا بأجسام آيلة للبلى بل بأرواح تتوق لمعرفة باريها وتشتاق لمشاهدة الملأ الأعلى حيث كانت. وليس من الحكمة دخول هذه الحضرة المملؤة جلالاً وبهاء ورفعة دون التعرف على هوية من حضروا للاستئناس بوجودهم. وأجازف بالتخمين أن هذا كان الهدف السامي من وراء إضاءتك.
ولعلّ أسوأ كوابيس العقل البشري عبر التاريخ كانت في البحث عن شجرة هذا النسب وفهم أسباب وجودنا ككائنات معزولة في بقعة نائية من درب التبَّانة. ويبدو أن ما منح الفرادة لهذا المخلوق بالمطلق هو طريقة إدراكه لمحيطه عن طريق (العقل)، وما زُّود به من جهاز (النطق) القادر على تحويل المعلومة من (شيفرة) إلى (إصاتة) قادته عبر آلاف السنين ليغذَّ السير في طريق تحقيق الخلافة المنشودة.
[/align]

هدى نورالدين الخطيب 23 / 02 / 2013 43 : 01 AM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 
1 مرفق
[align=justify]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحياتي لك دكتور أسامة، واسمح لي للمرة الثانية أن أعبر عن مدى غبطتي وامتناني لإضاءاتك النورانية
هذا الموضوع تحديداً شدني لسنوات طويلة، وقد جئتَ دكتور أسامة بتفسير سلس عقلاني لا يبخس العلم ولا الدين، وهو ما نحتاجه بالضبط في مثل هذه الدراسات بارك الله بك.

خلق الله سبحانه سيدنا آدم من تراب ونفخ به الروح العلوية، ومن هنا بالضبط يأت معنى التكليف وخلافة الأرض، فالجسد الترابي الحيواني الذي تتحكم به غرائزه نفخت به الروح العلوية النورانية الدالة على الخير والارتقاء المفطورة على العبادة ، ليكون هذا الإنسان بين نفسه الحيوانية ( الموجودة في كل المخلوقات البشرية) وبين روحه النورانية ، في ميزان أيهما ينتصر على الآخر، وقد شرح الرسول صلى الله عليه وسلم بما معناه: " الروح كالمرآة وأن المرء إذا ابتعد عن الخير واستجاب لبشريته ونوازعها تشكل الخطايا ما تشكله الأتربة والشوائب على سطح المرآة ومع التراكمات يمكن أن تخبو أنوارها حتى تظلم كلياً"
إنه الميزان ومعنى التكليف، غير مطلوب منا أن نكون ملائكة وننفصل عن بشريتنا تماماً وعن العالم ولا مطلوب منا أن نستسلم لبشريتنا ونوازعها الحيوانية!
معنى الأمانة التي أشفقت الجبال من حملها وصعوبة التكليف في هذا التوازن بين النفس الدنيا والروح العليا، فالأرض لا تعمر بالروح وحدها والبشرية تصبح متوحشة إن انفصلت عن إنسانيتها وحجبت عن أنوار الروح وعاشت بنفس الجسد وروح أظلمت تماماً.
الصلاة والسراط المستقيم:
لقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن شعب الإيمان وأن أعلاها " الإحسان " وأدناها " الإسلام " والذي هو إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة إلخ..
كنتُ منذ بضعة أشهر فتحتُ حوارا سألت فيه لماذا فرضت علينا الصلاة ؟
للأسف لم يصل أحد تقريباً لما أردت من هذا الملف
لماذا فرضت علينا الصلاة وعلى الأمم من قبلنا؟
الله سبحانه وتعالى ليس بحاجة لصلاتنا، صلاتنا لنا،أرواحنا بحاجة للتغذية وتغذيتها الدنيا الالتزام بمواعيد أداء فروض الصلاة لتنقيتها من الشوائب واقتباس الأنوار لها من خلال هذه الصِلة الروحية وحتى لا تظلم أرواحنا، وسنحتاج هذا النور يوم الحق بشكل خاص لاجتياز السراط المستقيم.

تطور سلالاة البشر وأشباه البشر ، والبشر المهيأ بعلم الله للإرتقاء وتقبل الروح العلوية وخلافة الأرض والتكليف...
حصل الكثير من الجدل بين العلم والدين حول هذا من نظرية داروين وما تبعها، والمكتشفات لبشر قابل للتطور والتعلم وأشباه بشر وعمليات الاندثار والتطور، وكان آخرها في مصر حول كتاب المرحوم عبد الصبور شاهين : " أبي آدم " حيث قامت القيامة عليه ولم تقعد حتى توفاه الله.
كتاب: " أبي آدم " للاطلاع دون تحميل:
http://www.4shared.com/office/f-UsJRM4/_____.htm
كيف يكون قبل آدم أوادم وكيف نرضى فكرة أن يكون لآدم أب وأم ولدته ؟؟! إلخ..
وهذا ما بعض ما تم فيه الرد على الدكتور عبد الصبور شاهين:[gdwl][/gdwl][gdwl][/gdwl][gdwl][/gdwl][gdwl]
في أوائل القرآن الكريم يأتي كلام الله تبارك وتعالى عن صفات المؤمنين التي لا يصح منهم إيمان بدونها وهي ( .. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ..)[البقرة:3]. ويقول تعالى: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)[النمل:65]. ويقول تعالى: (مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا)[الكهف:51].
وعقيدة الأمة أن الله عز وجل هو الذي سمى أبانا آدم بهذا الاسم لأنه أول مخلوق بشري على وجه الأرض، كتسميته لابن زكريا بيحيى (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا)[مريم:7]. وفي لسان العرب أن علة التسمية بآدم لأنه خلق من الأرض، يعني خلقه المباشر كان من الأرض(اللسان 1/46). وأما عن قول الملائكة: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ...)[البقرة:30]. فإن الملائكة ـ كما قال علماء التفسير ـ قاست حال الإنسان على حال الجان؛ لأن الجان كانوا يعمرون الأرض قبل خلق آدم، فكانوا يسفكون الدماء ويفسدون في الأرض، والبشر مثلهم ذوو شهوات تحمل على الصراع والمنازعة، فوجه الشبه بين الجان والإنسان شديد القوة والوضوح، أما الملائكة فهم أشكال نورانية لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون، وقد جاء في القرآن أن الجان مخلوق قبل الإنسان، قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ)[الحجر 26-27].
فآدم ـ عليه السلام ـ هو "البشر" المخلوق من تراب، وليس من أب وأم ، وهو "البشر" الذي سواه الله ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة أن تسجد له. وفي صحيح البخاري (6227) وصحيح مسلم (2841)، مرفوعًا، عن أبي هريرة، رضي الله عنه: "خَلَقَ اللهُ عزَّ وجلَّ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ". أي هكذا كما هو وبدون سابقة من أصل أب أو أم .
أما القائلون بغير هذا فيزعمون أن آدم عليه السلام ليس هو أبا البشر، ولا أول مخلوق عاقل من غير الجن والملائكة، بل هو "أبو الإنسان"، وأن الله خلق قبله من جنسه خلائق كثيرين عاشوا قبل آدم "هذا" ملايين السنين، وكانوا في تلك الأزمان خاضعين للتصرف الإلهي من التسوية والتعديل والتهذيب، ثم انقرضوا جميعًا بعد أن اختار الله منهم آدم "هذا" من أب وأم "منهم"، كما اختار حواء زوجة آدم من "أب وأم" كذلك من آخر أجيال البشر الأولين الذين انقرضوا تمامًا ولم يصبح في الوجود منهم أحد، وأن آدم وحواء وحدهما هما اللذان بقيا ليكونا أبوين لنوع جديد من ذلك الجنس الذي انقرض، أي نوع من الإنسان المستمر توالده حتى الآن إلى قيام الساعة . وهم يضعون- حسب زعمهم ـ عدة فروق بين "البشر" وبين "الإنسان"، وهي:
1. أن البشر أقوام همجيون، لا سمع لهم ولا بصر لهم ولا عقل.
2. الإنسان هو النوع المنتخب المهذب الراقي، لهم سمع وإبصار وعقول.
3. البشر لم يرسل الله فيهم رسولا،ً ولم يكونوا من أهل التكليف الإلهي؛ فلا إيمان بالله ولا أوامر ولا نواهٍ.
4. البشر مخلوقون من تراب أو طين.
5. أما الإنسان فإنه هو المخلوق من ماء أو من علقة أو من نطفة .
وهي شبهة مردودة ، وحجة داحضة ، القول بها يتشابه مع نظرية التطور لدى اليهودي الملحد دارون التي من عناصرها:
1- أن الإنسان ليس مخلوقًا لأول مرة وإنما متطور عن مخلوق آخر هو القرد.. الإنسان أصله قرد.. ويرده قوله تعالى: (خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)[ص:75]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "النَّاسُ بَنُوآدَمَ, وآدَمُ مِنْ تُرَابٍ". أخرجه أبو داود (5116) والترمذي (3956).
2- أن الأجناس البشرية متفاوتة في قدرها وذكائها وأهميتها، فاليهود أفضل من الآريين، والآريون أفضل من العرب، والعرب أفضل من الزنوج وهكذا.. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَد،َ وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى ". أخرجه أحمد (23489). ورُوي عنه صلى الله عليه وسلم: "الناسُ سَوَاءٌ كَأَسْنَانِ المُشْطِ". أخرجه ابن عدي 3/248، والقضاعي في مسند الشهاب (195). وانظر السلسلة الضعيفة (596).
3- البقاء للأصلح، بمعنى وجوب قتل الضعفاء والمرضى وعدم مراعاة الأخلاق ولا أوامر الدين بالإحسان إليهم ونواهيه عن الإساءة إليهم، وقد تبلورت هذه النظرة غير الإنسانية بشكل لافت لدى الملحد الألماني "فريدريك نيتشه" الذي زعم أن إلهه نزل إلى الأرض ومات.


[/gdwl]
من وجهة نظري
الدكتور عبد الصبور شاهين بحث واجتهد وما كان يستحق كل تلك الزوابع ، لكنه العصر المظلم الذي نعيشه ولا يجيز الاجتهاد!
رأيي الخاص الذي أستنتجه إذا سمحت لي:
- الإنسان بشر لكن البشر ليس بالضرورة إنسانا
- الإنسان هو البشري الذي نفخت به الروح العلوية
- سيدنا آدم عليه السلام هو الإنسان الأول المكلف
- إذا كان لسيدنا آدم أم بشرية غير مكلفة فهذا لا ينفي كونه الآدمي أو الإنسان الأول
- الله سبحانه وتعالى صنعه أو صبه شبيهاً للبشر عقب انقراضهم أو بذات الآلية التي أنشأ عليها سيدنا المسيح عليه وعلى سيدنا آدم ورسولنا الكريم أفضل الصلاة وأتم التسليم
كل هذه الفرضيات برأيي لا تلغي أن سيدنا آدم هو الإنسان الأول وأصل سلالة الناس المكلفون جميعاً
إن لم يكن البشر اختفى لصالح الإنسان فأين البشر وكيف انقرضوا جميعاً؟؟!

- سيدنا آدم قبل أن يرتكب خطيئة المعصية كان أقرب بصفاته للملائكة، وما أن ارتكب المعصية بدت له سوأته وحصل التكليف ودخل في الامتحان.
مجرد اجتهاد دكتور أسامة أرجو أن أفتح به باب الحوار ، وأستوضح منك أكثر

كل الشكر والتقدير مجدداً لأنك اضأت لنا وفتحت الباب على نافذة هادفة يمكننا أن نفهم أكثر وننظم آلية تفكيرنا ونوازن بينها
تقبل عميق شكري وتقديري
هدى الخطيب
[/align]

حسن ابراهيم سمعون 23 / 02 / 2013 12 : 02 AM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 
كثيرة , كثيرة , كثيرة , نقاط الالتقاء بيني , وبين ماقدمته الأديبة الموسوعية ذات البعدين المادي , والروحي ( المدرحي )
هدى ,, ولعل ماطرحته يسوقنا إلى ملف آخر , يخرج عما طرحه أخي الدكتور أسامة , الذي هنأته هاتقيًا,, على طرحه المميز
وأشكر الأستاذة هدى التي وافقتني ذات الرؤيا حول ماطرحه أخي أسامة , والتأكيد على البحث الموضوعي العلمي والعقلاني
لنلامس التأويل , والتفسير , بقدر طاقاتنا , وحد تحمل عقولنا , من إشراقات , وفيوضات , قد تلغي الكثير , الكثير من السخافات
والترهات التي شابت العقيدة ,,
إن أسلمة , ونصرنة , وتهويد النصوص , والعلوم تقودنا إلى محاكم تفتيش أخرى ,,
دعونا نرتشف الإسلام والدين الصحيح بطريق يسر , يمسك بالروح ويدلها إلى النجدين
دعونا نترك لله دوره , ولا ننصب أنفسنا ناطقين باسمه ...
أشكر أخي الدكتور أسامة ....
وثمة ملفات تحرك العقل , وتضع أمامه الحقيقة ,,,, ربما نستطيع التحاور فيها يومًا
بعد أن نلقي العصا , والبارودة ...ونتعلم الحوار الذي هو صلب موضوع أخي أسامة
فالله حاور ..... ونحن نرفض الحوار ...
محبتي للجميع
حسن إبراهيم سمعون

الدكتور أسامة أبوشعر 06 / 04 / 2013 22 : 07 AM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 
أختي الأديبة الكبيرة هدى نور الدين الخطيب، مدير عام منتدى نور الأدب، أخي الشاعر والكاتب إبراهيم حسن سمعون، أخي الحبيب الباحث عدنان أبوشعر:


أشكر لكم مداخلاتكم وتعليقاتكم التي تستحق أن تكون أبحاثاً هامة وموضوعات قائمة برأسها.. وأعتذرعن تأخري في الرد لمرض ألمَّ بي.


اختي الأديبة هدى: سأقوم بالرد على ما تفضلت به من تساؤلات هامة في بحث جديد " إضاءات حول مفهوم الخلق والتكيف والتطور"، قريباً إن شاء الله. ولكم الشكر.

خولة السعيد 28 / 06 / 2022 35 : 06 PM

رد: إضاءات في تفسير الآيات (30-34) من سورة البقرة
 
جميل هذا التأمل والتدبر إذ يجعل القارئ كذلك يتفكر في الأمر ويبحث أكثر بتمعن أكبر
شكرا أستاذ أسامة


الساعة الآن 30 : 06 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية