منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   دراسات مستقلة لأدباء ونقاد (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=502)
-   -   دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين عرعار (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=26107)

ياسين عرعار 03 / 11 / 2013 12 : 03 AM

دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين عرعار
 


دراسة سيميونفسية في قصيدة ( غدا تعرفين )
للشاعر طلعت سقيرق/ بقلم الشاعر ياسين عرعار


https://fbcdn-sphotos-e-a.akamaihd.n...42071853_n.jpg



بين الشاعر و القصيدة نبض و موهبة وبين الشاعر و ذاته نفسية مضمخة بالأحاسيس تتأرجح بين الفرح و الحزن و بين اللذة و الألم و الواقع و المتخيل ليعزف مكنوناته على وتر العبقرية راسما أنفاسه على بياض الورق ..فالجمال ملهم الشعراء يولد مع الإنسان لكن الشاعر تميز عن غيره من البشر بفن البوح و العبقرية الشعرية الموهوبة في تجسيد ملامح شاعريته النابضة المتوهجة في كينونته الإنسانية ، و الشعر العربي يزخر بملايين الشعراء الموهوبين و لكل شاعر فضاؤه الإبداعي و محرابه الفني الذي تولد القصيدة بعفوية الشعور لقول الشاعر نزار قباني :-

شعرت بشيء فكونت شيئا *** بعفوية .. دون أن أقصد

- إن الشعور في حد ذاته عملية إبداعية ترتقي بالنفس البشرية إلى أسمى مراتب الإنسانية في إثبات كينونتها ، و كذا الشعور حالة من حالات التفاعل الإنساني مع ذاته و المحيط ليفرح لحظة الفرح و يتألم لحظة الألم و يثور لحظة الغضب حين تنتفض المشاعر معلنة ثورتها على كل مخالف للقيم الحضارية الإنسانية .

- و أنا أتصفح قلوب الشعراء بما جادت قرائحهم استوقفتني قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر الفلسطيني الراحل ( طلعت سقيرق ) الذي يقف فيها على عتبة من عتبات الزمن ليجسد لنا مشهدا شعريا متميزا و يرسم لنا انفلاته الشعري الجميل في محرابه الإبداعي لحظة معانقته لجسد القصيدة التي اقتحمت شاعريته ذات مساء .


يقول الدكتور شكري عبد العزيز ماضي :-
( ظلت عملية الإبداع الأدبي تكتنفها التفسيرات الغامضة التي تدل على الحيرة إزاء هذه الظاهرة المتميزة إلى أن جاء علم النفس و قدم دراسات علمية متعددة حول الإبداع الفني و قدم مفاهيم جديدة لعل أهمها العبقرية ، إنفعالات ذكية منظمة يتميز صاحبها بقدرة أكبر على عمليات التركيب و التحليل و الربط و التنظيم عن بقية الناس ، فالعبقري لا يختلف عن البشر سوى في الدرجة ).(الأدب و علم النفس - صفحة 105 – دار البعث بقسنطينة - طبعة 01 – سنة 1984 - كتاب محاضرات في نظرية الأدب للدكتور شكري عبد العزيز ماضي - أستاذ نظرية الأدب و النقد المعاصر).

كما أشار الدكتور (مصطفى سويف) بشيء من التفصيل في كتاب (الأسس النفسية للأبداع الفني في الشعر). إلى (شروط قيام الشاعر) و (منشأ العبقرية) .

فأجد من خلال هذا الاستدلال بنظريات النقاد أن القصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق تأنقت و ازينت بالكثير من الإنفعالات الذكية المنظمة ذات التركيب و التحليل و الربط و التنظيم لتتألق العبقرية و يتميز فن البوح الشعري في لوحات فنية راقية تتوهج بانفعالات الشاعر و اهتزازاته النفسية و عبقريته في صوغ فتيل الحرف و الموهبة الموسيقية للمفردة .

يقول الدكتور سمير أبوحمدان في كتابه - الإبلاغية في البلاغة العربية ( صفحة 49 – ضمن موضوع - البواعث النفسية إلى الإبداع ) :- ( إن الطاقة الإبلاغية ترتبط بأوثق علاقة مع الخاصية النفسية لصاحب الصنيع النثري أو الشعري . إن هذه الخاصية النفسية إذ أطلق عليها بلاغيونا القدامى الطبع و الغريزة حينا ثانيا و الملكة في حين ثالث هي نفسها التي تشحن الإنسان المبدع بطاقة إبلاغية متفردة )

لعلنا من خلال قصيدة ( غدا تعرفين ) نلمس هذه الخاصية النفسية ( الطبع أو الغريزة أو الملكة مهما اختلفت التسميات موجودة عند الشاعر طلعت سقيرق و هي التي دفعته إلى التعبير بأسلوب بليغ ذي طاقة متميزة و إبلاغية رائدة .


كما أشار الدكتور سمير أبو حمدان إلى التوتر النفسي و العملية الإبداعية قائلا :- ( إذ شاهد البلاغيون و النقاد العرب هذه الظاهرة و تكلموا عليها ، غير أنهم ذهبوا بعيدا في تنظيرهم ، فقد رأوا أن الفعل الأدبي ، إن بشقه العقلي أو بشقه ( الإبلاغي الإنفعالي ) يرتبط أشد الارتباط بالتركيب النفسي لصاحبه . إلا أنهم لاحظوا من جانب لآخر ، أن الفعل الأدبي سوف يكون على غير ما يشتهى إذا ما قام على التوتر النفسي وحده ، فالعملية الإبداعية و هي أحوج ما تكون إلى انفعال من حب أو حرب أوخوف . يحوجها الطبع أيضا أو الطاقة النفسية الفطرية التي يمكنها أن ترتقي بالعملية الإبداعية إلى منصة رفيعة )

و أواصل تحليلي لقصيدة (غدا تعرفين ) التي قامت على التوتر النفسي الذي ساهم في العملية الإبداعية و انطبع في روح القصيدة ..خاصة و أن الطاقة النفسية الفطرية من طبع أو غريزة أو ملكة متوفرة لان الشاعر طلعت سقيرق مطبوع موهوب .، فجاء الإبداع النفسي في القصيدة متماسكا مع الإبداع الأدبي ، متباينا من حالة انفعالية إلى أخرى كالدهشة و الغرابة و الحب و الصراخ و الحنين و غيرها من الانفعالات. و هذا الجانب (الإبلاغي الإنفعالي) ارتبط بالجانب العقلي للشاعر لحظة التفكير و الإبداع و التركيب على مستوى العقل متوازية و متماثلة مع الجانب الانفعالي .



- إن امتزاج الأدب بالفرويدية سهل الطريق إلى العديد من الدراسات الأدبية النفسية لأن الثلاثية ( المبدع – النص – القارئ ) في مجال واحد خاصة و أن ( المبدع و القارئ) شريكان في التفاعل مع المادة الإبداعية بحكم الحالات النفسية و الوجدانية لديهما . و من هنا جاءت الدراسات الأدبية متلاقحة مع علم النفس لتفك الكثير من الغموض الفني .


إن القصيدة الطلعتية ( غدا تعرفين ) رصدت الكثير من الشحنات النفسية المتواترة من مشهد لآخر رغم استرسالية البوح الشعري و ترابط اللوحات المعزوفة على (المتقارب) من البحور الخليلية الشعرية . و كأن الشاعر عانق المتقارب ذا الدلالة اللغوية ( الاقتراب و التواصل ) محاولا ( التقارب من حبيبة القلب ( هدى ) التي تعتبر المحور الرئيس الذي تدور حوله الإنفعالات وتلتقي عنده الشحنات العاطفية ، ليبدأ الشاعر القصيدة بعبارة ( غريب هدى ) و ينهي القصيدة بعبارة ( غدا تعرفين ).
رغم التلاحم النفسي بين كل المشاهد و اللوحات إلا أنني اخترت أن أدرس المشاهد تبعا للروي الذي ازدانت به كل لوحة من اللوحات 12 و عبقرية الشاعر في التنويع للروي الشعري من مقطع إلى آخر ليفوز بأبهى حلة شعرية فنية عروضية متماسكة الجدران و الأنفاس .



المعطيات الواردة في القصيدة

* - جاءت 06 لوحات بروي ( الراء المسكون ).
* - جاءت اللوحة (08 - 07 – 09) بروي ( الخاء المسكون).
* - جاءت اللوحة (10– 11 – 12) بروي ( النون المسكون ).

*- (آخ و آخ ) تكررت مرتين ( اللوحتان 07 -08 ) و هي عبارة عن لازمة شعرية نفسية .
*- (غدا تعرفين ) تكررت ثلاث مرات ( اللوحتان 11-12)و هي عبارة عن لازمة شعرية نفسية
*- وردت كلمة ( القدس ) مرتين في القصيدة و ( وطن من حنين ) و ( بحجم البلاد )
* - وردت كلمة ( كندا ) مرة واحدة في القصيدة

*- اسم (هدى) هو المحور الرئيس لأنه تكرر في القصيدة 09 مرات صريحا . و ورد ضمنيا مرتين 02 بعبارة ( حبيبة عمري ) و ورد ( ضمائر متصلة ) كثيرا في سياق الخطاب الشعري .


الإشكالية المطروحة في الدراسة
لماذا اسم ( هدى ) ؟
ما الحيز الذي استحوذت عليه في القصيدة ؟
ما دلالات الاسم ( هدى ) قي القصيدة ؟؟
لماذا العنوان ( غدا تعرفين ) ؟

للإجابة لابد من استقراء الذات الشاعرة الحائرة التي انطبعت في تضاريس النص الشعري الجميل .

اللوحة 01
غريب هدى ؟؟!!
أن أهز سرير المساء
بفضة عمري و ناي من الذكريات
غريب هدى
أن تنامي كوردة عشق
على راحتي و أن أستحم بنغمة آه
و أنت هناك بتلك الديار

----------
ليس غريبا أن نلمس الجمالية الشعرية في القصيدة منذ البداية لشاعر له تجربة عميقة في الشعر ، أن تجتمع في نفسيته باقة الشعور المخضرم بين ( الدهشة و الألم و الغرابة و الحيرة..) لينطلق بكلمة (غريب) التي جمعت الكيميائية النفسية الشاعرة في مادة مفتاحية ، لفتت انتباه القارئ إلى القصيد في مشهد شعري افتتاحي ليخاطب ( هدى ) عند المساء في سريالية عذبة حشد فيها الشاعر بعفوية الموهوب الصور الشعرية المكثفة الحالمة المعبرة عن نفسيته لحظة انتشاء القصيدة ، لتتكرر مرتين عبارة ( غريب هدى ) في اللوحة الأولى ، و التكرار إن دل فإنما يدل على ألق الحيرة التي انتابت الشاعر .

صورة المرأة في القصيدة حاضرة منذ البداية بين الواقع و المتخيل و الكثير من الشعراء ازينت طلائع قصائدهم بأسماء المرأة .. فهذا محمود سامي البارودي يصف طيف «سَمِيرَة » قائلا :-

تَأَوَّبَ طَيْفٌ مِنْ « سَمِيرَة َ» زَائرُ *** وَمَا الطَّيْفُ إلاَّ مَا تُرِيهِ الْخَوَاطِرُ

فطيف سميرة انتفضت على غراره المشاعر لتسكب روائع الشعر العربي في قصيدة من أروع قصائد سامي البارودي و هو في ( سرنديب )، فصورة ابنته (سميرة) أججت في جوانحه لهيب الشعر والحرف .

فصورة ( هدى) أيضا زائرة ملازمة عالقة بذاكرة الشاعر حقيقة أما المتخيل فهي الصورة الفنية لامرأة بعيدة في قوله ( وأنت هناك في تلك الديار ) حضر طيفها في طالع القصيدة (أن تنامي كوردة عشق على راحتي و أن أستحم بنغمة آه ).أما الآه فهو الأنفعال الداخلي للشاعر من أحاسيس تلاقح فيها فيها ( الحب و الحزن و الحسرة و الأمل....) .

فرغم الفضة و الناي و الورد و العشق و سرير المساء استحم الشاعر بالآه لأن صورة ( هدى ) في ذاكرة الشاعر أرقى من أن نلمسها بيقين الحاسة بل هي انتصار الذات للحس المرهف والوفاء و الحب .

اللوحة 02
أراك تروحين فصل ربيع
تعودين فصل ربيع
و مثل اليمام تذرفين بالحب
و العشق ضلع النهار

-------------
يعتري طوفان البوح ألق الشاعر و تفيض مياه الشعر لتنقش على جداران العمر أحلى الصور و أشهى الهدايا برؤية قلبية تبعا للمتخيل الشعري ( أراك تروحين فصل ربيع .. تعودين فصل ربيع .. و مثل اليمام تذرفين الحب .. و العشق ضلع النهار ) .

امتزجت لغة الشاعر بالطبيعة ليختار فستان الربيع بما حوى من جمال ، مشبها (هدى ) باليمام الذي يذرف ابتسام النهار و يشرق في حنايا القلوب . فبين اللوحتين ( الأولى و الثانية ) اكتمال النرجسية الشعرية الراقية فتصير (هدى) ربيعا و حبا و يماما و دفء النهار بشموسه و جماله .


اللوحة 03
هدى عفو عينيك
هاتي قليلا من الدفء
أرجوك لا تستفيضي بشرح
التفاصيل عن جو تلك البلاد
و كيف تصير الثلوج ركاما
بحجم جدار

----------------
تتفتق الشاعرية ليغازل الشاعر ( هدى ) و جمال عينيها ( عفو عينيك .. هاتي قليلا من الدفء ) في دعة المحب ليزداد الإلحاح و الرجاء ( أرجوك لا تستفيضي بشرح التفاصيل عن جو تلك البلاد ) . فهذا إن دل فإنما يدل على أن ( هدى ) استفاضت - سابقا – في تفاصيل البلاد و الدلالة الرئيسة التي نستقيها من الخطاب الشعري أن الشاعر و (هدى) كانا على اتصال دائم رغم المسافة بين كندا و سوريا.

اللوحة04

حبيبة عمري رويدا
فإني هنا رغم كل الشموس
بدون ثمار
تعرى الزمان
و هيمن وجه الخريف ثقيلا
على كل دار

----------------
تزدان اللوحة بخطاب أشهى من العسل قائلا ( حبيبة عمري رويدا ) ثم يستغرق في وصف جميل ( فإني هنا رغم كل الشموس بدون ثمار ) .
فبين اللوحة السابقة 03 و هذه اللوحة 04 يرسم الشاعر جسدا لمتناقضين هما وطن تسكن فيه هدى مملوء بدفء ( هدى ) رغم الثلوج و وطن يقيم فيه الشاعر ورغم كل الشموس فلا طعم و لا ثمار .
إن نفسية الشاعر مياسة بين الثلج و الشمس ( تشاؤل = تشاؤم + تفاؤل ) و بين الدفء و البرد برزخ روحي فني انبجست منه عبقيرية موهوبة في التحليق إلى أعلى الفضاءات الشعرية .

و بين اللوحة 02 و الرابعة 04 تأرجحت نفسية الشاعر بين مشهدين من مشاهد الفصول لينعت وجه الحبيبة بالربيع و ترتسم على وجهه دمعات الخريف ، فالشاعر يصف ( هدى ) أراك تروحين فصل ربيع .. تعودين فصل ربيع ) كما يصف ذاته الشاعرة ( تعرى الزمان و هيمن وجه الخريف ثقيلا على كل دار )


اللوحة 05
هدى نحن نحيا ؟؟
أشك !!
نسير على كل درب ؟؟
أشك!!
أحس بأم جميع الوجوه
تحنط فيها الشعور
فصارت بقايا وجوه
و ظل انكسار !!

-------------
يزداد الهذيان ليغرق الشاعر في محاورة ذاته ليخرج من اليقين إلى الشك وكأنه يريد القول على حد تعبيري الخاص ( نحن أجساد بلا روح لم نذق طعم الحياة .. فما قيمة العيش؟ )
و على غرار هذا الصورة الجميلة تحضر معي أبيات لصديقي الشاعر الجزائري ( صلاح طبه ) في قصيدة ( الصعود ) من ديوانه ( لا شعر في زمني ) حين قال :-

سيزيف لا تركع لآلهة الهوى ** و اكسر عصا الطاعات بالعصيان
لا فرق بين الشعر لما هام بي ** و سفينة هامت بلا ربان
ما قيمة الإبحار في أوزانه ** و حياتنا شعر بلا أوزان

اللوحة06

هنا جثث حين تمشي
تصك العظام العظام
تمط الجماجم عظم الشفاه
بغير دثار !!

---------
بلغة التصريح المباشر عبر الشاعر عن فضاء الديار التي يسكنها و قد عربد عليها الألم و الحزن و الموت ( هنا جثث حين تمشي .. تصك العظام العظام .. تمظ الجماجم عظم الشفاه بغير دثار ) ..فاللوحة غنية بالصور المعبرة عن حالة البشر في ديار الشاعر .

اللوحة07

أنا يا هدى جثة مثل غيري
يدقون يمحون كل البلاد
أظل تثاؤب ليل طويل
كغيري !!
على شاشة قرب عيني
كنت أراقب وجهك ياقدس
آخ و آخ

---------------
الشاعر لم يستثن نفسه من هذه الجثث ، بل هو واحد منها يتحدث باسمها واصفا تفاصيل الحياة تحت وطأة الاستعمار الصيهوني الذي سرق أنفاس الجثث و استباح فنون الإجرام . و صار المهجر و المنفى موطنا لأهل فلسطين فيطلون على القدس عبر شاشات الذكرى الطفولية العالقة بالعقل و الروح ، أو عبر شاشات التلفزيون .
فكم تألم الشاعر و هو يحضن بالذكرى صورة القدس ليصرخ من فرط التألم و الحسرة ...!!!
فصدق الشاعر أحمد شوقي حين قال :-


وطني لو شغلت بالخلد عنه *** نازعتني إليه في الخلد نفسي

اللوحة08
هدى لا تلومي دموعي فقلبي قتيل
و جرحي كهذا الزمان طويل طويل
و قهري من القهر شاخ
فآخ و آخ

-----------
مازال الخطاب متواصلا ليحاور الشاعر طيف ( هدى ) و هو يعيش بين جراحات الزمن الذي طالت آلامه فلا عتبى و لوم إذا انهمرت دموع الشاعر الذي اجتاحته أمواج الأحزان و القهر الذي خيم على قلبه منذ زمن طويل قائلا ( فآخ و آخ ). لأن نفسيته بقيت تردد الصدى بصوت محزون لقد اعترى الصدى كل العالم يصلنا ( آخ و آخ ) فل سمعتم و هل أدركتم صرخة الشاعر طلعت سقيرق .


اللوحة09

هدى يا حبيبة عمري
أأصرخ !!
ما عاد يجدي الصراخ !!

--------
يزداد الهذيان ليخاطب (حبيبة عمره) فما أجمل الهذيان حين يمتزج بالصراخ ..!.. فتزداد نبرات الحزن فماذا يفعل الشاعر بعد الصراخ؟! ، فالنفسية وصلت الذروة في تألمها و أحزانها و صراخها .

اللوحة 10
أنا متعب يا هدى
رأيتك في كندا تسألين
عن الناس عن وطن من حنين
عن القدس و المجد المستباح
و هذا البكاء الحزين !!

---------
نونية محزنة كنونية (ابن زيدون) في حزنها . فتراءت في ( المشهد 10 ) صور العذاب الذي أرهق الشاعر حين قال ( أنا متعب يا هدى ) لأن الشاعر يجيب عن أسئلة متعلقة بالوطن و القدس .
كما ألمس حضور أنفاس الشاعر نزار قباني في قصيدته ( أنا يا صديقة متعب بعروبتي .. ) فما أجمل أن تتعانق الأرواح و الأنفاس في حدائق الشعر العربي !!!!


اللوحة 11

هدى كل شيء بخير فنامي !!
غدا حين تصبح فينا الجراح
بحجم البلاد جميع البلاد
غدا تعرفين !!

---------
فرغم الجراحات يطمئن الشاعر من كانت تعيش في (كندا) و تسأل عن وطنها الجريح و الدم المذبوح .. و ليس غريبا أن تهتز نفسية الشاعر لنلمس عودة قوية للأمل الباسم لأنه ينتظر الغد المشرق الذي تنتفض فيه الجراح و تثور الثورة التي تولد من رحم الأحزان .فالتنبؤ الذي اقتحم وجدان الشاعر ( غدا تعرفين ) يوحي بإشراقة الأمل رغم العذاب ، فالعبارة أنفاسها ثكلى بالوجع و الحنين و الدمعة و الابتسامة .


اللوحة 12

إذا لم نغير جلود الوجوه
ونبض القلوب
إذا لم نغير
أحاسيس هذا الزمان الكئيب
غدا تعرفين
بأنا ذهبنا و رحنا و صرنا
أقل و أدنى من الميتين
غدا تعرفين

---------------

لعل المشهد في اللوحة الخامسة حين قال :-

أحس بأن جميع الوجوه
تحنط فيها الشعور
فصارت بقايا وجوه
و ظل انكسار !!


فيتكرر هنا برمزية عالية في اللوحة 12 بصورة جميلة تعكس نفسية جديدة للشاعر .. (إذا لم نغير جلود الوجوه .. ونبض القلوب إذا لم نغير جلود الوجوه ... ونبض القلوب ... إذا لم نغير ... أحاسيس هذا الزمان الكئيب غدا تعرفين ... بأنا ذهبنا و رحنا و صرنا ... أقل و أدنى من الميتين)

فما أجمل أن تلتقي أوراح الشعراء !! في مشهد تاريخي رائع قوي و كأنني أقرأ لأبي القاسم الشابي :-
( إذا الشعب يوما أراد الحياة *** فلا بد أن يستجيب القدر )

ليختم الشاعر طلعت سقيرق القصيدة بعبارة ( غدا تعرفين ) ... و هنا انتصار الذات المرصعة باليقين بأن الثورة سبيل الخلاص .

---------------------------------



المصادر

– قصيدة الشاعر طلعت سقيرق ( غدا تعرفين ) من ديوان ( نقوش على جدران العمر ) .الصادر عن دار المسبار للطباعة و النشر .

المراجع
- كتاب محاضرات في نظرية الأدب – دار البعث بقسنطينة - طبعة 01 – سنة 1984 ) للدكتور شكري عبد العزيز ماضي - أستاذ نظرية الأدب و النقد المعاصر) / موضوع (الأدب و علم النفس - صفحة 105 )
- كتاب ( الإبلاغية في البلاغة العربية ) للدكتور سمير أبوحمدان ( صفحة 49 – موضوع - البواعث النفسية إلى الإبداع ) .
- كتاب (الأسس النفسية للإبداع الفني ) للدكتور (مصطفى سويف) - دار المعرفة القاهرة - مصر / الفصل الأول - موضوع (شروط قيام الشاعر)- صفحة 119-120 و موضوع (منشأ العبقرية) صفحة 124- 125 -126 – ضمن مبحث ( محاولة لتفسير ديناميات الإبداع في الشعر)

--------------------
هوامش لأسماء أشخاص

طلعت سقيرق - شاعر فلسطيني أقام في سوريا
نزار قباني – شاعر سوري
محمود سامي البارودي – شاعر مصري كتب رائعته الشعرية لابنته سميرة و هو في المنفى
صلاح طبة – شاعر جزائري صاحب ديوان ( لا شعر في زمني )
(ابن زيدون) – شاعر عربي أندلسي
أبو القاسم الشابي – شاعر تونسي

-----------------------------
ملاحظة / تتبع الدراسة بالجزء الثاني - إن شاء الله -
لنجيب عن الإشكالية المطروحة


محمد الصالح الجزائري 03 / 11 / 2013 24 : 10 PM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 
الله الله الله.. أخي ياسين بهذه الدراسة الحديثة العميقة المتعمّقة في الفضاء الشعري السقيرقي أثبتّ مرة أخرى أنك قامة عظيمة في هذا الصرح من جهة..ومن جهة أخرى قمة الوفاء والإخلاص للثنائي النوري الرائع (طلعت/هدى )..ألف ألف شكر لك..

بوران شما 03 / 11 / 2013 47 : 10 PM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 
الأخ الكريم الأستاذ ياسين عرعار

جزاك الله كل الخير على هذه الدراسة الرائعة لقصيدة (غداً تعرفين) لشاعرنا
الراحل طلعت سقيرق , وكما قال الأخ محمد الصالح فهذا إن يدل على شيء
إنما يدل على ثقافتك الواسعة في هذا المجال وعلى وفائك وإخلاصك لشاعرنا
الراحل .
دمت بألف خير .

هدى نورالدين الخطيب 04 / 11 / 2013 59 : 07 PM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 
الأخ العزيز الشاعر الأستاذ ياسين تحياتي
دراسة في غاية الأهمية وبأسلوب أكاديمي ممتاز وفني متميز
حظي ولله الحمد الجزء الأول هذا بآلاف القراء ، ولكن كالعادة هناك تقصير من جانب الأعضاء

لك جزيل شكري وامتناني وبغاي الاهتمام بانتظار الجزء الثاني
تفضل بقبول فائق آيات تقديري واحترامي
أختك هدى الخطيب

ياسين عرعار 04 / 01 / 2014 05 : 01 PM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الصالح الجزائري (المشاركة 184760)
الله الله الله.. أخي ياسين بهذه الدراسة الحديثة العميقة المتعمّقة في الفضاء الشعري السقيرقي أثبتّ مرة أخرى أنك قامة عظيمة في هذا الصرح من جهة..ومن جهة أخرى قمة الوفاء والإخلاص للثنائي النوري الرائع (طلعت/هدى )..ألف ألف شكر لك..

أخي الكريم
محمد الصالح شرفية ( الجزائري )
جزيل الشكر لحضورك الجميل
و كلماتك النبيلة الوفية الصادقة ..

----------
لك تقديري واحترامي

ياسين عرعار 04 / 01 / 2014 09 : 01 PM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بوران شما (المشاركة 184764)
الأخ الكريم الأستاذ ياسين عرعار

جزاك الله كل الخير على هذه الدراسة الرائعة لقصيدة (غداً تعرفين) لشاعرنا
الراحل طلعت سقيرق , وكما قال الأخ محمد الصالح فهذا إن يدل على شيء
إنما يدل على ثقافتك الواسعة في هذا المجال وعلى وفائك وإخلاصك لشاعرنا
الراحل .
دمت بألف خير .


الفاضلة الكريمة
بوران شما
جزيل الشكر لحضورك و متابعتك للدراسة
التي سأنهيها عن قريب بإذن الله تعالى
-------
جزاك الله كل خير ..
لك تحياتي و تقديري

ياسين عرعار 04 / 01 / 2014 22 : 01 PM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هدى نورالدين الخطيب (المشاركة 184788)
الأخ العزيز الشاعر الأستاذ ياسين تحياتي
دراسة في غاية الأهمية وبأسلوب أكاديمي ممتاز وفني متميز
حظي ولله الحمد الجزء الأول هذا بآلاف القراء ، ولكن كالعادة هناك تقصير من جانب الأعضاء

لك جزيل شكري وامتناني وبغاي الاهتمام بانتظار الجزء الثاني
تفضل بقبول فائق آيات تقديري واحترامي
أختك هدى الخطيب



الأستاذة الفاضلة
هدى نورالدين الخطيب

أعتذر لانقطاعي في المدة الأخيرة لأسباب خاصة و ظروف قاسية أرهقتني و أبعدتني قليلا عن النور ... و أخي عادل سلطاني يعلم ما أعيشه من ظروف صعبة للغاية ... و لكن اطمئني سيكتمل هذا الشهر بإذن الله موضوع هذه الدراسة التي تمت في جزئها الأول ليليها الجزء الثاني إن شاء الله و عن قريب خلال هذا الشهر .

فاعذريني آلاف المرات ... لانشغالي عنكم بسبب مرض والدتي ثم مهنة الأستاذية ثم ظروف أخرى خاصة جدا أخذت من وقتي الكثير ..

--------
جزيل الشكر لمتابعتك و إشرافك و حضورك
و جزيل الشكر لكل من قرأ ما جادت به قريحتي
في عالم الكلمة و بحر الإبداع و الدراسات النقدية ..


قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر الراحل ( طلعت سقيرق ) جميلة جدا ، و مهما قدمت أنا في دراستي للقصيدة .. فهي محاولة للغوص في عالم شاعر مطبوع صادق .. و فارس مغوار في فن البوح ..

--------
تحياتي و تقديري و احترامي

ياسين عرعار 30 / 03 / 2014 58 : 01 AM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 

بإذن الله تعالى سأشرع غدا في نشر الجزء الثاني من
الدراسة النقدية على شكل حلقات متسلسلة إن شاء الله ..

و أعتذر عن غيابي لظروف
صعبة خاصة منها الصحية ..


علاء زايد فارس 30 / 03 / 2014 29 : 02 AM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 
لم أكن من قراء النقد الأدبي بحكم طبيعة دراستي كمهندس ومهنتي
لكني وحينما اطلعت على هذه الدراسة النقدية شعرت بجاذبية النقد كجاذبية موضوع أدبي رائع
واستمتعت كثيراً رغم قراءتي السريعة التي جاءت على عجالة
لكني حتماً سأعود لقراءة تفصيلية دقيقة علي أتعرف من خلال هذا العمل المتقن على طبيعة النقد وعناصره وأهميته
سلمت يداك أستاذ ياسين عرعار
أحييك على دراستك النقدية وأهنئك عليها وعلى اختيارك لهذا النص المؤثر الرائع لشاعرنا الكبير طلعت سقيرق رحمه الله

ياسين عرعار 31 / 03 / 2014 16 : 12 AM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 

الإشكالية المطروحة في الدراسة
لماذا اسم ( هدى ) ؟
ما الحيز الذي استحوذت عليه في القصيدة ؟
ما دلالات الاسم ( هدى ) قي القصيدة ؟؟
لماذا العنوان ( غدا تعرفين ) ؟

-------------------------
لماذا اسم هدى ؟

ربما لو تتبعنا بداية الدراسة النقدية منذ البداية لوجدنا أننا تعرضنا إلى حضور المرأة في الشعر العربي من خلال العبارة الآتية التي كنت كتبتها ( صورة المرأة في القصيدة حاضرة منذ البداية بين الواقع و المتخيل و الكثير من الشعراء ازينت طلائع قصائدهم بأسماء المرأة .. ) و على غرار هذا الكلام أوردنا مثالا لمحمود سامي البارودي يصف طيف «سَمِيرَة » قائلا :-
تَأَوَّبَ طَيْفٌ مِنْ«سَمِيرَة َ» زَائرُ ** وَمَا الطَّيْفُ إلاَّ مَا تُرِيهِ الْخَوَاطِرُ
و سميرة هي ابنة الشاعر ليصلها نبأ الرسالة حين فاض القلب شعورا وهو بين جدران السجن ليرسم لنا لوحة شعرية راقية في متحف أدب السجون و هي قصيدة من أروع قصائد سامي البارودي و هو في ( سرنديب ).

وحضور المرأة في الشعر العربي ليس جديدا بل كان منذ القديم فالأسماء كثيرة والشعراء أيضا الذين تغنوا بأسماء المرأة كثيرون ،كما نجد أيضا التنوع في الأغراض والأحداث والمناسبات.

فهذا شاعر( تهامي) اشتهر بالقصيدة اليتيمة ( دعد ) :-
لهفى على دعدٍ وما خلقتْ *** إلا لِطُول بَليّتي دَعْدُ

و هذا الصحابي الشاعر (كعب بن زهير) تغنى باسم ( سعاد ) في قصيدته الرائعة :-
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ*** مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ

و هذا الشاعر (جميل بن معمر) في قصة غرامه مع بثينة :-
أبثينَ، إنكِ ملكتِ فأسجحي، *** وخُذي بحظّكِ من كريمٍ واصلِ

و هذا (قيس بن الملوح) مجنون ليلى في قصيدته :-
يقولون ليلى في العراق مريضة *** فيا ليتني كنت الطبيب المداويا

و هذا الشاعر العراقي ( مسكين الدارمي ) يمدح صاحبة الخمار الأسود في قصيده الإشهاري للخمار قائلا :-
قل للمليحة في الخمار الأسود ***** ماذا فلعت بناسك متعبد
قد كان شمر للصلاة ردائة ***** حتى وقفتي له بباب المسجد
فسلبت منه دينه وبقينه ***** وتركتيه فى حيره لا يهتد

وهذا (نزار قباني) يرثي زوجته ( بلقيس ) قائلا :-

شُكراً لكم ..
شُكراً لكم . .
فحبيبتي قُتِلَت .. وصار بوُسْعِكُم
أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدهْ
وقصيدتي اغْتِيلتْ ..
وهل من أُمَّـةٍ في الأرضِ ..
- إلا نحنُ - تغتالُ القصيدة ؟
بلقيسُ ...
كانتْ أجملَ المَلِكَاتِ في تاريخ بابِِلْ
بلقيسُ ..
كانت أطولَ النَخْلاتِ في أرض العراقْ

----------------
و يفتخر نزار قباني ب (جميلة بوحيرد) بطلة الحرية الجزائرية .. قائلا:-

الاسم جميلة بوحيرد
رقم الزنزانة تسعونا
في السجن الحربي بوهران
والعمر اثنان وعشرونا
----------------------
إن ذكر هذه الأمثلة على سبيل الذكر لا الحصر .... خاصة و أن الأسماء كثيرة و الأغراض متعددة و أشكال الشعر متنوعة و طيف المرأة حاضر في الشعر العربي بغزارة تبعا لتعدد الموضوعات و اختلاف العصور الأدبية... و ليس موضوع الحب وحده هو الغالب في الشعر و لكن القصيدة العربية امتزجت امتزجت بروح الأنثى و نبضاتها. لترتقي الصورة الشعرية بين الواقع و المتخيل إلى فضاءات إنسانية جديدة .

كما أن الأسماء الأنثوية التي ذكرناها ارتبطت بذاكرة الشعر العربي و صارت مضرب المثل في الكثير من المناسبات و لأنها أيضا نابعة عن قصص أو حوادث اعترضت الشاعر ... لتفيض القريحة و تنتفض الروح معلنة جمالية الحرف و الشعورفي أسمى و أجمل القصائد الشعرية .

و هذا الشاعر الفلسطيني (طلعت سقيرق) يتغى باسم أنثوي ( هدى ) .. قائلا :-

غريب هدى !!
أن أهز سرير المساء
بفضة عمري و ناي من الذكريات
غريب هدى
أن تنامي كوردة عشق
على راحتي و أن أستحم بنغمة آه
و أنت هناك بتلك الديار
---------------
فلماذا اسم ( هدى ) في قصيدة ( غدا تعرفين) للشاعر طلعت سقيرق ؟

أولا هو اسم من المسميات التي نطلقها على المرأة .

وله دلالاته الكثيرة في معاجم اللغة و من الدلالات مايلي :-
هُدَى: مصدر هَدَى
الهُدَى : النهارُ
الهُدَى : الطَّريق ، الشَّريعة لقوله تعالى ( قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى) من الآية 120 من سورة البقرة
الهُدَى : الرَّشادُ
الهُدَى : الدَّلالةُ بلُطفٍ إِلى ما يوصّل إِلى المطلوب
الهُدَى : الطاَّعة لقوله تعالى ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ) من الآية 90 من سورة الأنعام


-------- يتبع ---------

ياسين عرعار 31 / 03 / 2014 08 : 01 AM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 

مواصلة لما سبق ..
- ربما أجدني أقترح فرضيتين للإجابة عن هذا السؤال ( لماذا اسم - هدى ) الذي يفتح للقارئ نافذة كبيرة على المساحات النفسية داخل النص الشعري ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق. ومن هنا أجدني مجبرا على فرضيتين هما :-
الفرضية 1– اسم ( هدى ) رمز و نبض داخل النص الشعري الإبداعي .
الفرضية 2- اسم ( هدى ) اسم لامرأة آدمية عالقة بقلب و ذاكرة الشاعر.

و لذلك عدت أبحث في كتابات الشاعر طلعت سقيرق لأن الفكرة الرئيسة ترتكز على سؤالي استثنائي ( هل هذا الاسم موجود في كل كتابات الشاعر طلعت سقيرق؟ ) .يجب أن أنطلق منه للوصول إلى نص القصيدة ( غدا تعرفين ) ، هذه القصيدة التي أبدع فيها الشاعر لم تولد من العدم بل استمرار تجربة ابداعية حقيقية خاصة و أن مساحات القصيدة فيها محطات و أسرار تنبئ أن الاسم ( هدى ) لم يات عفويا بل تكرر في القصيدة و الخطاب الشعري الراقي

بحثت كثيرا فوجدت الإجابة في نثريات من أجمل النصوص العربية في فن الرسائل الأدبية و منها استقرأت حقيقة الاسم ( هدى ) و هويتها و حقيقية الشاعر طلعت سقيرق و هويته . و هنا أجدني مجبرا على الاستشهاد بهذه النصوص النثرية ليتعرف القارئ على شخصين أحدهما الشاعر طلعت سقيرق و الثاني ( هدى بطلة قصائده ومحبرة كتاباته و روحه الإبداعية التي يخلد إليها لحظة الاحتراق بجمال الحرف ).

هي نصوص تمازجت فيها الهوية الزمانية و المكانية بكل تفاصيلها من خلال فن الرسائل الأدبية .
و جاءت هذه الرسائل بعنوان ( نبضات دافئة في شارع العمر ) و هي منشورة في الموقع الأدبي نور الأدب
-------- يتبع --------


ياسين عرعار 31 / 03 / 2014 18 : 01 AM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 

نثريات تكشف عن حقيقة اسم ( هدى )
في قصيدة (غدا تعرفين) للشاعر طلعت سقيرق

حكايات جدتي قصة وطن


طلعت يا ابن عمتي وفي هذا المقام لا يمكن إلا أن أخاطب فيك ابن عمتي..

هل تذكرك مثلي هذه الخلفية البيضاء الملتهبة بدماء الألم بجيد جدتنا؟

تعصف في الذاكرة حكايات جدتنا أحياناً كما تعصف الأعاصير فتزلزل وجداني
جدتنا تجلس هناك.. هنا.. كانت جدتي وكنت طفلة.. كانت جدتي وكأني للتو رفعت رأسي عن صدرها المتعب تروي لي حكايات الوطن وتقسم عليّ أن أحفظ وصاياها وأحكيها للناس وللضمائر..
حكايات جدتنا حكاية وطن اسمه فلسطين، وفلسطين ليست مجرد وطن، فلسطين هي ضمير الناس.. كل الناس
فلسطين هي ميزان الإنسانية في عصرنا الفاصلة الناس بين الخير والشر.. بين الإنسانية والبشرية..
نجلاء سقيرق - أم نورالدين - جدتي الكنعانية العربية التي زُرعت في أرض فلسطين منذ آلاف السنين وكانت الأولى هناك وكانت سماد التربة والأشجار.. كانت هي فلسطين ولم تزل....
جدتي هي كل نساء فلسطين اللاتي روعن وأخرجن من بيوتهن وفلسطينيهن وشردن في بلاد الله..

خرزية العينين كانت جدتي وهبها الله من الجمال والملاحة الكثير ولطم الظلم والشرّ صفحة حياتها بآلام لا تطاق حتى كنت أحياناً أبعد رأسي عن صدرها الأحمر الملتهب حين تلسعني نار فجيعتها وهي تروي لي حكايات الوطن..
كانت جدتي.. كانت جدتك.. و جدة كل أبناء وبنات فلسطين
جدتنا.. قصة وطن...
صفحة جيدها ما زالت حمراء ملتهبة تلسع وجهي وقلبي بأحزانها..
فتعال نبدأ حكاياتها ويرويها معنا كل أبناء فلسطين فكل حكايات الجدات قصة وطن اسمه فلسطين.....


بلقم - هدى نور الدين الخطيب

------ يتبع --------

ياسين عرعار 31 / 03 / 2014 32 : 01 AM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 



هدى يا بنت الخال ، يا حفيدة امرأة غسلتْ قدميها ذات يوم بتراب الوطن ، وتنشقت رائحة الزعتر والبرتقال وتفاح حيفا من نسيم الوطن ، امرأة اسمها نجلاء سقيرق .كانت ، وما تزال الذاكرة معجونة بعطر كفيها ، تعرف تماما كيف تفرط حبات الحب لتوزعه مثل حبات رمانة على من حولها ، فيكون شتاء الغربة أقلّ قسوة ، ويكون حرّ التشرد أقلّ قيظا .. أذكرها يا هدى ، وأنا الأكبر منك سنا -وهذه ميزة تحسب لي لأنني عايشتها أكثر - في كلّ طرق طرابلس وهي تصرّ بما أنني البكر لابنتها أن أكون قربها حتى في الوجع اليوميّ ..
أتدرين كيف يكون الوجع اليوميّ لامرأة بعمرها وعطائها وحبها وحنانها ومحاولتها أن تريح الكلّ وتتعب هي .. هذا التعب اليوميّ يا هدى هو قدرتها الفذّة على أن تكون البيت والوطن ، الغربة واليد الذي تمسح دمعة العين ، الطيبة حتى التداخل مع رقة النسيم ، والقاسية حين تدفع الأذى عن أيّ واحد منا..أو في مجابهة أيّ موقف ترى أنّ وقوفها فيه يمكن أن يحمي واحدا من أحبابها،الأبناء والأحفاد ، وكلّ فرد في العائلة.. مثل هذه المرأة يا هدى ، بداية الحكاية عن وطن ، أو كلمة في سطر الحكايات الطويل عن فلسطين ، فالجدة التي جاءت مع جدنا الشيخ العلامة يونس الخطيب ، وبعض الأولاد، كان عليها في وجود الجدّ القصير ، وفي رحلة الغربة التي عاشت في صحرائها عمرا يدخر ألف عمر ، كان عليها أن توازن بين عيشة طيبة هانئة ناعمة غنية في حيفا ، وعيشة قاسية الملامح في الغربة ، فكان أن أزهر الورد على يديها إلى حين ، إلى أن طعنت تلك الطعنة المرعبة يوم وفاة ابنها ، الشاعر والصحفيّ اللامع ذائع الصيت وهو في ريعان الشباب ، ما أصعب أن تصيبها هذه الطعنة وهي تصارع الحياة من أجل سعادة كلّ فرد في العائلة .. آسف يا هدى إن ذكرتك بوالدك خالي الحبيب نور الدين الخطيب ، لكن في ذاك الزمن ، الذي أعتبره قريبا ، تغيرت حياة كثيرين عرفوا ما معنى أن يرحل نجم العائلة وهم في بعد وغربة وتشرد وقسوة عيش ..
تريدين أن نفتح دفتر الحكايات عن الوطن ، نقلب أوراق الجدة ، وكل الجدات عن فلسطين .. ليت كل واحد منا يروي للعالم كله ، وهو يروي حكاياته عن الوطن .. ما معنى أن تنكسر الحياة بكل هذا الضجيج والوجع في حياة ناس ٍ كانوا يعيشون في أمن وأمان في فلسطينهم ، فأتت شرذمة غريبة وقلبت كل شيء في حياة كل فرد منهم ، حتى صارت الصورة ملعونة الألوان !!.. وفي لعنتها تلك ، تلعن كلّ من ينادي بسلام يقوم على زيف ما بعده زيف !!..إذ كيف نغفر لمن وضعوا هذا الألم الجارح في حياة كل واحد منا وعلى أيّ أساس ؟؟.. أنغفر وقد ذقنا العذاب حتى صرنا ننزف عذابا ؟؟.. من هنا يا هدى تبدأ حكاية جدتنا لتعود إلى هناك .. تبدأ من أنّ الوطن ممتد من النهر إلى البحر ، وكل ما يغاير ذلك ، خيانة ..
هدى ليكن سنحكي .. لكن لنزرع قبل ذلك وردة على قبر جدتنا .. ووردة على قبر جدنا .. ووردة على قبر والدك /خالي ..ووردة ... آخ يا هدى ما أكثر القبور في غربتنا .. آخ يا بنت الخال كم هو موجع أن يموت كلّ هؤلاء بعيدا عن الوطن .. كأنّ علينا أن نعجن كل وردة بدمعة .. لكن معك حق تعالي لنحكي فقصة الوطن طويلة.

بقلم - طلعت سقيرق ..


--------- يتبع --------

ياسين عرعار 31 / 03 / 2014 25 : 02 AM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 
حين تمطر الدموع في شارع العمر

هدى يا صديقتي
أرأيت إلى الفضاء المفتوح وهو يغتسل بذاكرة الدهشة فتطلع النجوم دفعة واحدة كي تراقص القلب على إيقاع موسيقى لا حدّ لها .. هكذا تجيء كلماتك لتمطرني بهذا الشعور الدافئ من الحب والفرح واشتعال الأزهار بلغة الوجد الجميل ..
هل كان علي أن ابدأ بالتحية والسلام والسؤال عن فضة الوقت؟؟.. ربما هي الفصول تداخلني فأشعر معها بتماوج الوقت على إيقاع وردة منك يمكنها أن تذهب بي حتى النسيان بأن ملامحي مطبوعة على وجهي أو أطراف أصابعك ..
هدى يا ابنة خالي
ما عدت على استعداد أن أرجع خطوة معك للوراء .. سأكون أنا بكل ما لديّ من براءة الأطفال وعبث الشعراء .. سأفتح كل الصنابير على أنغام يديك وأنسى انك بعيدة كل هذه المسافات ... سأحدثك ويدي في يدك ، ربما ونحن نمشي من جديد في تلك الشوارع القديمة التي تحمل رائحة كل خطوات الذين مشوا منذ قرون .. هل كانوا حقا على هذا القدر من الروعة حتى فتح العالم ذراعيه لهم ، فأعطوه من قلوبهم وأرواحهم وإيمانهم وعلمهم الكثير؟؟..
أأذكر يا هدى ..؟؟.. من الصعب أن ننسى أحيانا تلك الصور التي تنطبع في الذاكرة فتبقى مثل ملامحنا.. أتدرين أنني في تلك الأيام كنت فرحا وأنا امشي مع تلك الصبية الجميلة في طرقات مسكونة بالورد ؟؟.. كأنني كنت أريد من الناس أن ينظروا إليّّ وأنا أخطو على رصيف دهشتي بك وبكل تلك الأماكن الرائعة .. لحظة بلحظة اذكرها.. صدقيني يا هدى كان الأيام تدق الآن بابي فأفتح لأجدك قربي ، و معا نخطو على تلك الأرصفة المموسقة بعناقيد الزمن الجميل ..
رائع أن يكون الحب بهذا الحجم ، وأن يكون الدفء على هذا الشكل ، لأننا بالحب يا هدى نحمي أعمارنا من برد السنين .. وإذا كنت املك ناصية الحرف ، فمن حسن الطالع أن أبحر في بحث دائب عنك وأنت القريبة ، وأن أعيد رسم ملامحك في عينيّ مع أن صورتك مطبوعة في الذاكرة ..
في ذلك الحي ، أو ذلك السطر المفتوح على صوتي ، الشيخ محي الدين ، أو الصالحية ، كنت أخطو بشيء من قلق يساورني على الذين أحب .. أتدرين يا هدى أن أكثر ما كان يخيفني ويرعبني هو الموت .. لم يكن الخوف على نفسي ، بل على المحيطين بي .. وكان من أصعب الأشياء وأمرها أن يخرج إنسان ما من حياتنا ليضع ما تبقى على رف الوجود مجرد ذكرى أو نداء مشدود الوتر ..
حين رحل خالي نور ذهلت .. كانت أمي تدور مثل نافورة ماء مسكونة بالبكاء .. ما معنى أن تكون نافورة الماء مسكونة بالبكاء؟؟.. الانهيار الذي أصيبت به جعلني شخصين في شخص واحد .. أزداد خوفا من الموت ، وأبحث عن معنى الوجود والرحيل وكل تلك المفردات التي كانت اكبر مني .. هذا الموت المبكر كان نارا تشعل الشاعر وتلوكه ثم تلقيه على درج الأيام ممزقا لا يعي إلا أن الموت فاصلة قاسية .. ومات عمي .. وبعد سنوات مات أبي !!.. لأول مرة أقف أمام الجسد المسجى تاركا كل شيء وذاهلا عن كل شيء .. حاولت أن ابكي وما استطعت .. كان الجميع منخرطين في بكاء جماعي .. وكنت واجما لا اعرف إلا أنني أسير في الدرب المرسوم دون قدمين أو أي أفكار .. كان هناك شخص ما يطل من نافذة بعيدة وينظر إليّ .. كنت هذا الشخص الذي ينظر إلى ذلك الذي يمشي مدعيا التماسك .. لم أذرف دمعة واحدة ..
في البيت ، وبعد أن ذهب كل إلى حاله ، جلست وحيدا في الغرفة .. أطلَّ وجه أبي من كل شبابيك عمري وقلبي وروحي ونفسي .. و انداح شريط الأيام محموما يكر الصور بتتابع غريب .. وقتها بكيت وأخذت أرتعش من قمة رأسي حتى أخمص قدميّ .. كل الدموع التي خبأتها انفجرت مطرا مجنونا كاد يخنقني .. وانطلق من أعماق قلبي وروحي صوت يصرخ:لماذا يا أبي ؟؟.. لماذا كان عليك أن تتركني وأنا الذي كنت أراك فتضحك الدنيا في اشدّ الظروف صعوبة ؟؟.. ولم يجب أبي .. كنت الولد البكر .. وهذا يعني أن أكون بدل الأب.. أن أكون الرجل !!.. وآخ يا أبي من رجولة علينا أن نستحضرها والسكين في الخاصرة !!.. هذا الدور ما كان باستطاعتي أن ألعبه أو أدعيه ، لكنهم أصروا على أن أكون.. وكنت .. كل شيء عليّ أن أجد الجواب له ، وعلي أن أحل أصعب الأمور ، وأن أعطي رأيي في اعقد المسائل .. آه يا أبي كم كنت صبورا وحكيما .. لكن لماذا أفتح كل هذه الحقول المسكونة بالدمع ؟؟..
هدى يا ابنة خالي .. لا أعرف لماذا .. أتدرين بحاجة أنا إلى البكاء .. وبحاجة أنا إلى الضحك حتى الجنون .. صرتِ يا هدى ملامح عمري أو ربما ملامح وجهي ، ومن الصعب أن اترك هذه الملامح وإن للحظة واحدة .. أعيدي لي تلك اللحظة التي كانت لأعيد لك كل الأيام الماضية .. صعب يا هدى .. صعب .. قدرنا أن نسير معا هذا المشوار من العمر .. وقدرك أن تمنحي هذا الشاعر شيئا من صبرك حين تموج به الذكريات وتقذفه حتى قاع الرغبة بالبكاء .. أحيانا يا هدى أرتكب حماقتي محاولا استعادة الأيام حتى أرى كل من رحلوا .. فتسخر الأيام مني وتمد لسانها معلنة العصيان.. فالذي رحل من الأيام لا يعود.. والذين طوتهم القبور لا ينفضون التراب عن أجسادهم وينهضون ..
هل أنا حزين الآن .. ؟؟..
سأقول لك شيئا يا هدى .. مشكلة الشاعر أنك لا تعرفين متى ينفجر بالبكاء ومتى ينفجر بالضحك .. معادلة صعبة ، لكنها الحقيقة الوحيدة التي تنطبق على الشعراء ..
قرأت رسالتك فتعجبت .. بأي حروف تكتبين ؟؟.. وبأي روح ومشاعر ودفء ؟؟.. تملكين القدرة المذهلة على التعبير ، لكنك تحاولين الاختباء خلف هذا الحرف أو ذاك ، وكأن الحروف جدران تستطيع أن تفصل بينك وبين العالم .. لا يا هدى .. لا يا غاليتي .. حرام أن تكسري هذا السحر الحلال بقلة الكتابة ، أو بتركها بعيدة إلى هذا الحد أو ذاك ..


ابن عمتك
طلعت سقيرق- بتاريخ 2006/06/08


------ يتبع ------

ياسين عرعار 31 / 03 / 2014 33 : 02 AM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 


أيها الغالي الحبيب
كنت تبكي يا طلعت؟ بكيت .. أقسم أنّي رأيتك تبكي ...
بمشاعري و روحي و كلّ نفسي رأيتك تبكي.. بكيت و أبكيتني...
أبكيتني مطراً..
مسحتُ دموعك بكلّ لهفي عليك و ودّي و مسحتُ دموعي بباطن كفّي........
كم أصبحتَ قريباً حتّى لا أحتاج النظر كي أراك؟!
جميلٌ أنت .. جميلٌ بحزنك و دموعك كما أنت جميلٌ بطفولتك و شعرك و ابتساماتك..
جميلٌ في كلُ حالاتك
أي تصويرّ هذا لمعنى الحزن و مرارة الرحيل؟!!.......
هل كنت ترسم على قماش الحزن صورة نفسك أم صورتي؟!
كم أنت تشبهني .. كم أنا أشبهك ...
كم إنسانية الحزن تصهر الأنفس و الأرواح حتّى تذوب و تنعدم تفاصيل أنا و أنت و الآخر..
متى تمطر الدموع؟
اللحظة التي نرى فيها أغلى و أقرب الأحبة و رمز حياتنا و وجودنا جسدا مسجى
أنقوى على البكاء؟!
كيف و هو المحال؟! أيكون الجسد هو أو نحن ؟ جسدٌ فوق السرير مسجى و جسدٌ آخر ينظر إلى جسده!!
الدموع في مثل هذه الحال تعني أنّ فكرة رمز الحياة الذي تحول أمام ناظرنا إلى جسدٍ مسجى تقبلناها و صدقناها و رضينا بوجعها!!
نبكي فقط حين نصدق و نستطيع أن ننفصل عن الأنا الحبيب المسجى..
يكون حين انفصل الجسد المسجّى لحظة ثم انصهر و أطلّ عليك عبر نوافذ العمر وكلّ نوافذ الحب و الذكريات و أمسى الشوق عطشاً متوحشاً في غربة الغصن المبتور من الشجرة التي غابت.........
حين يكون الموت موت جزء من أرواحنا و أنفسنا وبتر جزء من هذه الأنا التي تسكننا..
كم من القبور و شواهد القبور مسجّاة داخل كيان كلٌ منا؟!!
حين رحل نـور كنت صغيرة جداً و طوال هذا العمر و أنا أحسّ أني أحمل نعشه فوق أكتافي..
حكمٌ بالإعدام على الطفولة و السعادة و على الإحساس بالأمان.. بعمري و في كلّ عمري و منذ ذلك اليوم لم أحس بالأمان ... عمرٌ انعدم فيه الأمان....
و كان الحكم عرفيا لا يقبل الاســتـئـنـاف
كثيراً ما أحسّ أنه لم يمت .. غادر جسـده و انصهر بي و نام في أعماق ذاتي...
كثيراً ما أشفق عليه من الموت و أنسى أنه أبي كأنه بين الضلوع طفلي و أتمنى لو أحميه من الموت و رعشة الموت و أخبئه بين الضلوع من وحشة و برد القبر..
أحياناً أيضاً عند منعطفات الأشواك القاسية في طريق الحياة أغضب من رحيله لكني سرعان ما أستميحه عذراً و أستجدي من القدر لحظة أمان بين ذراعيه ..أبــي
و تهفو نفسي لساعة واحدة أقبّل فيها يديه و قدميه و كلّ مسـاماتـه.....
آه يا طلعت ما أصعب الشوق إلى المسـتحيل !..
الشوق إلى السراب ضيـــــــــاع
و كثيراً ما تتوق نفسي إلى الموت لعلني أجده هناك، به أطفـئ هذا الظمأ المزمن ....
الله أي تعبير هذا التعبيـــر؟!
بقدر ما هو بديع و فريد في القدرة على تصوير الفجيعة بقدر ما هو موجـــع، تقول:
" كانت أمّي تدور مثل نافورة ماء مسكونةٌ بالبكاء.. ما معنى نافورة الماء المسكونة بالبكاء؟؟"
معناها أن يكون اسمه نـور ويكون النور الذي انطفأ!! معناها الأخ في قلب أخته والراحل بلا استئذان و لا وداع!
آه يا طلعت لو تدري مقدار ظلم الأيّام
لو تدري كم كان موت النـور فاجعاً..
لم يكن موت فرد مهما كان حبيبا.. كان موت عائلة وشقاء عمر......
حتّى في ذلك العمر الساذج كم من الوقت الطويل مرّ قبل أن أبكي؟!
تكورت على نفسي و أحطت ساقيّ بذراعيّ كالتمثال ... لم أبكِ و لم أتحرك حتّى لا أدرك ماذا يحصل من حولي! كنت لا أريد أن أدرك لأنّ الموقف أكبر من قدرتي على الإدراك،
إنه الذعر الذي يشلنا صغاراً كنّا أو كباراً و الفجيعة التي تذهلنا حتّى تغيبنا..
إلى أن رأيت أيدي كبيرة و كثيرة تريد أن تحملني بعيداً عن البيت....بعيداً إلى حيث البرد و الخوف و غربة الحياة........
عندها فقط بكيت و صرخت و قاومت و ركضت بكلّ قوتي نحو جسده المسجى أحتمي به كما تعودت قبل أن يفصلني بوحشية أنيابه المرعبة ذلك اليوم الأسود الأخير عن دفء ذراعي النور و أمان حضنه و حلاوة بسمته وملمس جلده.....
و أمّي تصرخ بالأيدي الكبيرة: " اتركوها.. دعوها تودّعه و تملأ عينيها منه" ، لكنّي لم أكن أريد أن أودّعه كنت أريد أن أحتمي به و أسكن تحت جلده و أفنى معه إن ذهب إلى الفناء..........
و كان جلده بارداً و أنفه متشمعاً على غير عهدي به!!
كان قد رحل..........


ابنة خالك
هدى الخطيب
مونتريال - كندا




------- يتبع ---------

ياسين عرعار 31 / 03 / 2014 50 : 02 AM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 

الإشكالية الثانية
ما الحيز الذي استحوذت عليه ( هدى ) في قصيدة (غدا تعرفين) ؟

------- سنجيب لاحقا ---------
متعرضين إلى :-
- حضور المرأة في الشعر العربي ( نفسية الشاعر و ارتباطها بالمرأة ) .
- اسم (هدى) بين الحقيقة و المتخيل في شعر طلعت سقيرق .

------- يتبع بإذن الله -----


ليلى مرجان 31 / 03 / 2014 15 : 06 AM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 

دراسة راقية لرائعة الراحل طلعت سقيرق رحمه الله "غدا تعرفين"

راقية بأسلوبها الفني الذي يجذب القارئ بسحر مغناطيسي

عبر بوصلة المعاني على تضاريس القصيدة

مشرعا نوافذ التنقيب على حقول تزيد المعنى ألقا

أ. ياسين عرعار شكرا لحضورك المميز



محمد الصالح الجزائري 31 / 03 / 2014 38 : 05 PM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 
الرائع ياسين..أتابعك باهتمام شديد..يحتاج ومازال يحتاج النور إليك أيهذا الأكاديمي الحداثي الأصالي الأصيل..شكرا لك..مودتي واحترامي..

هدى نورالدين الخطيب 31 / 03 / 2014 51 : 09 PM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 
[align=justify]
الشاعر والناقد والأخ العزيز أستاذ ياسين تحياتي لك
ما شاء الله عليك.. ما شاء الله..
أقرأ بانبهار وأتابع ..
مرور أولي لإبداء الإعجاب بهذه الدراسة السيميو نفسية ، وأكاد أجزم أن مثل هذه الدراسة لم يسبقك إليها أحد بكل ما فيها من جهد لأديب وناقد نادر..
ما زلت تبهرني وتزداد تألقاً
حين تنتهي بإذن الله سيكون لي مداخلة طويلة
كن بخير وانتبه لنفسك أيها الجميل المبدع والأخ العزيز
[/align]

علي ابو حجر 31 / 03 / 2014 08 : 11 PM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 
تحية عطرة لشاعرنا وأستاذنا الكبير .

فائق الإحترام .

Arouba Shankan 05 / 10 / 2015 57 : 11 AM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 
ألف شكر على الأسلوب الراقي، الذي لا يتركك تمر دون القراءة حتى النهاية
كشفت عن نفسية فاضت شعراً وشاعرية

تحيتي

ياسين عرعار 17 / 10 / 2015 52 : 01 AM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 
لكل المبدعين ..
أعتذر عن غيابي الطويل ... لظروف صعبة ..

بإذن الله تعالى سأشرع هذا الأسبوع في نشر الجزء الثاني
من الدراسة النقدية على شكل حلقات متسلسلة إن شاء الله ..

تحيتي و تقديري

ياسين عرعار 17 / 10 / 2015 59 : 01 AM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 
الإشكالية الثانية
ما الحيز الذي استحوذت عليه ( هدى ) في قصيدة (غدا تعرفين) ؟

------- سنجيب لاحقا ---------
متعرضين إلى :-
- حضور المرأة في الشعر العربي ( نفسية الشاعر و ارتباطها بالمرأة ) .
- اسم (هدى) بين الحقيقة و المتخيل في شعر طلعت سقيرق .
----------
تحيتي و تقديري

محمد الصالح الجزائري 18 / 10 / 2015 45 : 02 AM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 
[align=justify]مرحى..مرحى..لقد عاد إلى النور نوره!! شكرا لك أخي ياسين...[/align]

د. رجاء بنحيدا 18 / 10 / 2015 03 : 03 AM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 
الشاعر ياسين عرعار
ربما قد لا يصح لي أن أرحب بك في بيتك .. فأنت أهل الدار
ولكن .. يقتضي الواجب أن أقول لك : سعيدة لوجود قلم متميز بيننا ..
دمت في حرز المولى .

ياسين عرعار 20 / 10 / 2015 54 : 01 AM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 

الإشكالية الثانية
ما الحيز الذي استحوذت عليه ( هدى ) في قصيدة (غدا تعرفين) ؟

------- سنجيب لاحقا ---------
متعرضين إلى :-
- حضور المرأة في الشعر العربي ( نفسية الشاعر و ارتباطها بالمرأة ) .
- اسم (هدى) بين الحقيقة و المتخيل في شعر طلعت سقيرق .
----------
تحيتي و تقديري

ياسين عرعار 20 / 10 / 2015 59 : 01 AM

رد: دراسة سيميو نفسية في قصيدة ( غدا تعرفين ) للشاعر طلعت سقيرق / بقلم الشاعر ياسين ع
 
مقدمة


- لو تمعنا قليلا في تاريخ الشعر العربي لوجدنا صورة المرأة حاضرة منذ القديم أي منذ الشعر القديم إلى يومنا هذا ، لكن تتفاوت صورة المرأة في حضورها الأنثوي من عصر إلى آخر و تختلف التعابير تبعا للتحولات الحضارية التي طرأت على المجتمع العربي و من ثمة فنمط التفكير تأثر بهذه التحولات لتستمر أنوثة المرأة حاضرة مطبوعة في كثير من قصائد الشعراء ، فمنهم من استمر في مغازلة الجسد و منهم من راح يرشف من بحرها الأنثوي روح القصيدة و استقراء ذاتها بعيدا عن الجسد . و بين هذا و ذاك تبقى المرأة هاجس الشاعر و ملاذ بوحه الشعري لحظة الإبداع و انصهار ذاته في شرايين القصيدة .

- لقد تقدم الكثير من النقاد بدراسات حول الصورة الأنثويّة للمرأة في المعلّقات الشعرية و مدى حضور المرأة في الشعر العربي و القصيدة العربية ، كما تناولوا تنوع اهتمامات الشعراء في مادة الغزل فمن الشعراء – على سبيل الذكر لا الحصر - من كان الواصف المتصوف ، و منهم من كان المحب المتعفف ، ومنهم من كان العابث بالأنوثة ، و منهم من كان المتمتع بالجنس في رسمه لجغرافية الجسد و منهم من كان يتهجم على إنسانية المرأة و أنوثتها ، متجاهلا كينونتها و إحساسها و رسالتها الإنسانية النبيلة ، ومستفزا بقبح أفكاره و إباحية لغته و مجون تعبيره المجتمع الأنثوي .


- كما تعرض النقاد لأهم العوامل البارزة في حركية الإبداع داخل فضاء الغزل و هذا قصد التأسيس لمعطيات أبحاثهم المتعلقة بحضور المرأة في القصيدة العربية عبر العصور و الأزمنة ، آخذين بعين الاعتبار الصراع الأنثوي الداخلي بين المرأة و ذاتها المحاصرة بقصائد الشعراء على اختلاف مقاصدهم لها و الصراع الأنثوي الذي حاولت فيه المرأة أن تحرر ذاتها من كيمياء القصيدة الغزلية الماجنة المفروضة عليها من طرف المجتمع الذكوري ، هذه القصيدة المستفزة شهدت ديبلوماسية شعرية جديدة في صورتها الفنية المنطبعة بشيء من الانفتاح العربي على العالم الأوربي الحديث تبعا للتحولات الإجتماعية و السياسية و الاقتصادية ، كما أثر هذا التمدن في جانبه السلبي على نفسية الكثير من الشعراء الذين يبحثون دائما في تجاربهم عن الجديد في حركية الإبداع ضمن ثنائية ( القصيدة و الأنثى ).

-----------
يتبع إن شاء الله



---------

بقلم الشاعر
ياسين عرعار


الساعة الآن 14 : 01 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية