![]() |
بردى
[align=justify]بردى
على مشارف وادي مرتيل وفي مقهى بسفح جبل بوعنان المقابل لتطوان المستلقية في دعة دون أن تفارق الابتسامة شفتيها ، جلست أرتشف فنجان شاي ساخن وقد شملني شعور بالسكينة بعد يوم شاق بين جدران الفصل الدراسي وضجيج الصغار الذين لا أنكر أنني إلى هذه اللحظة أتمنى لو كانوا معي رغم شغبهم البريء وحركاتهم الدائمة المتعبة . كنت على وشك النهوض لأتمشى قليلا لولا أن شخصا اقترب وهو يتلفت بحثا عن طاولة فارغة وبصحبته فتاة في مقتبل العمر لا يملك الناظر إليها إلا أن يسبح الخالق لما حوته من بهاء يفتن العين والقلب معا .. نظر إلي وفي عينيه شبه استفسار فهمته للتو فأشرت له مرحبا بالجلوس على نفس الطاولة . بدا لي كهلا رغم أن الشيب لم يغز أية شعرة من رأسه . ولم يتردد ، فجلس وبجانبه مرافقته الفاتنة مطرقة في انفعال وقد التحفت بعباءة سوداء زادتها جمالا . - أرجو عدم الإزعاج .. هي فقط لحظات تستريح ابنتي من التعب .. هي لم تتعود صعود المرتفعات – ثم أضاف متنهدا – رغم أننا هناك لدينا أجمل الجبال . لهجته مشرقية .. كنت متأكدا أنه من الشام بفضل تواصلي مع الكثيرين من تلك المنطقة على النت . فأجبته وأنا أهم بالوقوف : - ليس هناك أي إزعاج البتة .. كنت سأغادر المكان على كل حال .. - أشكرك .. محسوبك نور الدين حافظ من حلب .. - الشهباء .. تشرفت أخي . - تعرف حلب ؟ هل زرتها يوما ما ؟ - أعرفها .. لكني لم أتشرف بذلك . أنا مهووس بالتاريخ والجغرافيا ولدي أصدقاء من هناك على ذلك العالم الافتراضي . - هذه ابنتي .. بردى .. أحنيت رأسي بينما اكتفت هي بهزة خفيفة من رأسها وابتسامة خاطفة ارتسمت على شفتيها القرمزيتين وقلت وأنا أنظر إليها : - اسم جميل جدا يحمل من سميه الكثير من البهاء .. - رحمة الله على ذلك البهاء .. لكن قل لي "شو بتشتغل حضرتك ؟" - مدرس .. - ونعم المهنة .. هذا ما كانت تحلم به بردى .. هي رغبة المرحومة أمها .. كنت أهم بطرح أسئلة كثيرة لولا أني لمحت من الفتاة شبه امتعاض يمتزج بالألم البادي في عينيها . ربما استاءت لاندفاع أبيها في ذكر أشياء تعتبرها شخصية ، لكن الرجل لم يأبه لذلك وكأنه وجد فرصة للتنفيس عما يجيش في صدره. كان متحمسا للحديث عن بردى ولا شيء عن بردى .. عن طفولتها .. عن صباها ودراستها .. عن تفوقها في الفنون والعلوم والآداب .. بردى – قال لي – كانت فخر كل مؤسسة درست فيها .. كنت أشعر بزهو كبير وأنا أرى نفسي محط ثقة نور الدين وهو يتحدث بتلقائية وكـأنما يحادث أقرب الأقربين إليه .. حدثني عن حلب وحمص وحماة .. وعرج على دمشق وغوطتها ثم حملني حديثه الممتع إلى اللاذقية حتى شعرت وأنا أنظر عن يميني إلى البحر المتوسط أنني أشاهد بناياتها الأنيقة. ولم يخل اسم بردى من أي مكان يذكره حتى خلت أن كل الأسماء اختفت وحل محلها بردى . حتى الجولان تحدث عن شموخه وهو يذكر أن بردى فازت بأحسن قصيدة تمجد بطولاته في وجه الاحتلال . وكنت أثناء حديثه أسترق النظر إلى الفتاة فأجدها ساهمة وقد اختفى الوجوم والاستياء من صفحة وجهها الساحر .. كنت أحس بها هناك حيث زرع أبوها اسمها في كل شبر من تراب البلد .. بل إن ذهني أوغل في الزمن السحيق ليجوب أرجاء الشام قبل الفتح وبعده ليوغل أكثر في الماضي حتى خلتني أسمع صدى لأسماء تمتزج ببردى والعاصي ويتردد اسم جلق فيجعلني استكين لذاك السرد الشيق منتشيا بالإصغاء إلى حديث نور الدين . إنصاتي وعدم مقاطعتي للرجل جعله يقرب كرسيه ليصير حديثه همسا ، بينما استدارت بردى نحوي وقد تهلل وجهها بشرا وانتفت عنه تماما أمارات الامتعاض والألم .. وحين اصطبغ الأفق بالشفق عند الغروب ، انتبهنا إلى أن وقت الانصراف قد حان . لكن ركوبنا معا سيارة الأجرة أخر افتراقنا إلى حين ونحن نتوجه إلى تطوان . كانت لهفتي شديدة لاستضافة الرجل وابنته لكن شعورا غريبا جعلني أعزف عن ذلك حتى شعرت بالخجل من نفسي وهو يدعوني لتناول "الشوارما" عند أحد مواطنيه المالك لمحل "نور الشام" للأكلات الخفيفة في وسط المدينة . - صحة وهنا – قلت وأنا أنظر لبردى .. - على قلبك – ردت باستحياء .. كانت هذه أول مرة أسمع فيها صوت بردى الرخيم وكأنه ترنيمة منبعثة من هدير النهر المنساب هناك في موطنها . كنت متلهفا لسماع الكثير منها ، لكنها بدت لي من النوع الذي ينطق في صمت . إذ كانت عيناها تحكي بموازاة كلام أبيها وتنفعلان وتبتسمان وتضحكان . بل إني شعرت بهما تصيحان تارة في فرح وتارة أخرى في ألم حتى خيل إلي في لحظة أن كل شيء ينزف داخلها . لم أذق طعم الشوارما لانشغالي بما هو آت .. كنت أسائل نفسي هل آن أوان فراق هذين الشخصين وبكل هذه البساطة وأنا أحس أنهما ملآ علي الدنيا ؟ كيف سيختفيان سريعا وقد صار الماضي والحاضر جزءا مني وصرت قطعة منهما ؟ لم أشعر إلا ونور الدين ينصرف إلى مواطنه ليتبادلا حديثا وديا ووجدت نفسي لأول مرة منفردا مع بردى وقد توردت وجنتاها بفعل دفء المحل ولمعت عيناها ربما ابتهاجا بقضاء أمسية أنستها همومها . لكننا لم نتبادل أية كلمة واكتفينا بالنظر لحظات أعادتني من جديد إلى ربوع الشام أرتع وألهو بين رباه ووديانه . مرت لحظات لم أعد أرى فيها الرجل .. ربما كان يتدارس مع صاحب المحل أحوال البلد وتطورات الأمور فيه ولم أنتبه إلا وهو يشير إلى بردى بالنهوض ثم يقترب مني ويشد على يدي بحرارة ، بل ويحتضنني .. حدق في عيني برهة قائلا : - علينا بالرحيل .. لكني متأكد من أننا سوف نلتقي .. متى وأين ؟ الله أعلم .. أشكرك على رفقتك لنا .. بردى ممتنة لك على مؤانستك ولطفك .. ثم خرجا ليلفهما ظلام الليل بينما لبثت جالسا على طاولتي ساهما وأنا ألتفت بين الفينة والأخرى إلى الباب وكأني أنتظر عودتهما من جديد .. ثم غادرت المحل لأذرع الشوارع المقفرة حتى ساعة متأخرة من الليل . في صباح اليوم الموالي مررت بـ"نور الشام" وقد شملني شعور بحنين وبفراغ قاتل .. نظرت إلى الداخل حيث كانت بردى مقتعدة كرسيها بالأمس وتأملته في صمت ثم درت على عقبي مبتعدا .. لكني فوجئت بصاحب المحل يقف بالباب ويشير إلي بالرجوع . - كيفك سيدي ؟.. الله يعطيك العافية .. خذ .. هذه ورقة تركها لك السيد نور الدين . - شكرا لك سيدي .. أخذت الورقة بلهفة وانطلقت إلى رياض العشاق الذي بدا خاليا من الزوار في تلك الساعة المبكرة من الصباح وجلست أقرأ وأعيد قراءة الورقة دون ملل . "أشكرك سيدي من جديد على لطفك ونبلك .. كانت اللحظات التي قضيناها برفقتك ممتعة بكل ما في الكلمة من معنى . لا أذكر أني التقيت شخصا منح حديثي كل هذا الاهتمام أو أصغى إليه كما فعلت أنت. حين تبدأ بقراءة هذا الخطاب سنكون بعيدين لكنني كما قلت لك أحس أننا سنلتقي يوما ما ، إن لم يكن هنا ، فسيكون بإذن الله على ضفاف بردى .. بردى تبلغك امتنانها على رقتك وحسن رفقتك لنا . لكن قد تستغرب من شيء سيدي ، وهو أنني أنحني لك إجلالا وإكبار على عدم استضافتك لنا ولا عن تلميحك لرغبتك في بردى رغم أن كل شيء كان يصيح بذلك في عينيك ، مما جعل بردى تلح علي بالعودة مرة أخرى لاستضافتك أو لقبول دعوتك حتى ولو لم توجه إلينا دعوة ، وهذا ما لم تفعله أبدا مع أحد غيرك .. هكذا هي بردى . قد تبدو غريبة الأطوار لكنها تتمسك بما تعتبره أغلى ما تملك .. عزة نفسها التي حاول الكثيرون النيل منها ..دون جدوى . التقيت بأناس كثيرين أبدوا تعاطفهم بمجرد معرفتهم بجنسيتنا وانهالت علينا الدعوات سواء لاستضافتنا أو لطلب بد بردى ، لكن لا أحد أدرك أننا في غنى عن هذه الاستضافة وأنها تثير فينا من الألم أكثر مما تحدثه من الاعتزاز .. وأن طلب يد بردى من سابع المستحيلات ، لأن لا أحد فهم أن بردى ملك نفسها وليست مستعدة ليملكها أحد .. بردى أدركت منذ وعت أنها لن تكون لأحد ، بل إن الكل سيكون لها . وهذا ما سبب لها الألم والوجع حتى من أقرب الأقربين .. من يرى بردى يفتتن بسحرها وجمالها لكن لا أحد يحس بما أحدثه الأذى في نفسها ، هذا الأذى الذي كاد يحطم كل شيء فيها لولا أنها بردى . لقد كنت عند حسن ظني بك مذ رايتك للوهلة الأولى سيدي .. ولهذا دعني أعبر لك عن مدى امتناننا وإعجابنا . سنجوب كل ربوع بلدكم العزيز وربما نزور بلدانا أخرى ، لكننا سوف نحط الرحال هناك على مشارف الغوطة لأن بردى تريد ذلك ولأن بردى متأكدة من أنها سوف تعود كما كانت لأنها يجب أن تكون كذلك . شكرا لك مرة أخرى .. وتقبل تحياتي وسلام بردى ." **** صار من عادتي أن أنهض باكرا وأمر على "نور الشام" لألقي التحية على صاحبها ، ثم أتأمل الكراسي لحظات قبل أن أيمم شطر رياض العشاق وأجلس قبالة النافورة الأندلسية ، وأفتح هاتفي المنقول الذي حملته بأغنية صارت أثيرة لدي وأعود في الأخير عبر شارع النخيل مترنما : مر بـــي يا واعداً وعـــداً مثلما النســــمة من بردى تحـــــمل العــــمـر تــبدّده أه ما أطــــيـــبه بــــددا رب أرض من شذا وندى وجراحــــات بقلب عدى سكتت يــوماً فهل ســـكتت أجمل التـــــاريخ كان غدا واعدي لا كنت من غضب أعرف الحب سنى و هدى الهــــــوى لحـظ شــــآمية رق حتـــى خلـــته نــفـــذا هكذا الســـيف ألا انغمدت ضربة والسيف ما انعمدا واعدي الشـمــس لنا كرة إن يـــــد تتـــعب فناد يــدا أنا حبي دمــــعة هجرت ان تعد لي أشـــعلت بردى [/align] |
رد: بردى
يالله
شكراً أستاذ رشيد على هذه القصة الرائعة ، نعم بردى ملك نفسها ، وبردى النهر ملك الشام ، قصتك دخلت بأعماقي فانهمرت دموعي وأصابني "الوجع"، ثم افرغت شحنة حزني بقيدة غنتها فيروز ، سلمت وسلم قلمك الرائع ........... |
رد: بردى
اخي الغالي زياد .. ألمنا واحد ووجعنا هو نفسه ..
اسعدني أن قصتي نالت إعجابك وتجاوبك .. أتمنى أن أبقى عند حسن ظنك .. محبتي الأخوية بلا حدود . |
رد: بردى
رشيد
قصة مذهلة .. صدقاً فيها صراحة وجرأة وواقعية رائعة نعم تألمت على بردى لأنني أعرف تماما ماذا حل بها وماذا يحل بها .. القصيدة جاءت متتمة للقصة وفي الحقيقة هذه القصة لو عرضت في مسابقة للقصص لفازت بالمرتبة الأولى دون منازع .. رشيد من صفحتك أحيي بردى الصغيرة وبردى الأم وأقول لهم لهم " الخير في وفي أمتي إلى يوم الدين " بوركت أيها المبدع |
رد: بردى
يمتعني هذا التجاوب منك ميساء مع كل كتاباتي ويحفزني للمزيد من العطاء ..
لم أدرج اسم سعيد عقل كاتب القصيدة التي انتهت بها القصة لأن أغنية "مر بي" مشهورة وقد غنتها باقتدار السيدة فيروز من تلحين محمد عبد الوهاب . شكرا من كل قلبي . مع مودتي وورودي . |
رد: بردى
شكرا لك أستاذ رشيد قمة في الإبداع تسلسل جميل مترابط الوقائع ولأحداث أسلوب سلس وممتع وبديع .... شكرا لك أيها الكاتب |
رد: بردى
العزيز رشيد، تسلم الأنامل المبدعة التي تنتر لنا حروف وهمسات في منتهى الروعة والجمال.
تحياتي لقلم لا ينضب . |
رد: بردى
شكرا لك زين العابدين .. وشكرا لمرورك العبق الذي أضفى على متصفحي كل الألق ..
أملي أن تنال كل كتاباتي إعجابك . محبتي لك . |
رد: بردى
العزيزة فتيحة ..
سعيد بهذا الثناء وممتن لك على اهتمامك وحفاوتك بالقصة .. سأنتظر مرورك بكل شغف وأترقب بصمتك على متصفحي . ودي وورودي لك . |
رد: بردى
[align=justify]سأقرأ هذا الجزء أولا..لا أدري كيف فاتتني هذه القصة ولم أقرأها !! سأعود حتما للقراءة مرّات ومرّات..شكرا لك أخي وجاري الأحب الأستاذ رشيد على متعة القص..[/align]
|
رد: بردى
اقتباس:
ملاحظة : كنت كتبت القصة في جزأين لكني ضممتهما في قصة واحدة بعد اقتراح أحد الأصدقاء . شكرا لك من كل قلبي . |
رد: بردى
أستاذ رشيد هذه ليست قصة جميلة فقط وإنما ممتئلة زاخرة بالمعاني... تلمس أحاسيسنا...
(ولم يخل اسم بردى من أي مكان يذكره حتى خلت أن كل الأسماء اختفت وحل محلها بردى) (بردى أدركت منذ وعت أنها لن تكون لأحد ، بل إن الكل سيكون لها . وهذا ما سبب لها الألم والوجع حتى من أقرب الأقربين). وفي كل قراءة أكتشف شئيا جديدا. شكرا على هذه الروعة. تحيتي واحترامي |
رد: بردى
يا لبردى وجمالها تلك التي أنطقت قلمك فتتهادى الكلمات برقتها وروعتها
جعلتني أعيش اللحظة تلك التي رافقت بردى شخصكم وأتنقل بين حروفك الرقيقة ولقطات من تلك المشاهد الخلابة دمت مبدعا |
رد: بردى
[align=justify]ما أروعك قاصّاً أخي الغالي رشيد.. ما أروعك قاصّاً...
نصُّك حملتني كلماته إلى عالم من الجمال والدهشة.. إلى رؤيا من المحطات اللامُتَوَقَّعة.. أبدعتَ فأتمم متعتنا بقراءة نصوص أخرى مماثلة... مع محبتي لك إنساناً ومبدعاً...[/align] |
رد: بردى
رائعة ومؤثرة
هكذا عهدناك فارساً للقصة والمضمون أكثر من رائع أخي رشيد بردى حكاية تأخذنا إلى حكايات لا تنتهي من أوجاع مشرقنا المعذب دمت ودام ابداعك |
رد: بردى
اقتباس:
حين كتبت هذه القصة كنت كالعادة منفعلا تحت تأثير ما يجري بسورية الغالية علينا جميعا . وكنت حين أمر أمام محل "الأكلة الخفيفة" لصاحبه السوري أتوقف طويلا وكأنني أتطلع إلى جزء أليف من الشام .. بل إني ولجته مرة وتناولت "شوارما" أسعدني ثناؤك وجعلني أعود لقراءة القصة من جديد أعيش تفاصيلها بكل متعة . شكرا مع خالص مودتي والورود |
رد: بردى
اقتباس:
صرت متعودا على مرورك الذي أنتظره بكل شغف لأني على يقين من أنه يحمل في كل مرة تحفيزا لي وتشجيعا على المزيد من العطاء . الكلمات لا يمكن أن تفيك حقك من الشكر والامتنان . لك محبتي الأخوية بلا حدود . |
رد: بردى
اقتباس:
كلما تكرمت بالمرور على متصفحي ، أعلم يقينا أني على موعد مع كلمات لها نكهة خاصة ووقع لذيذ على القلب والنفس معا . في تشجيعك ونقدك وأيضا انتقادك ما يجذبني إلى طريقتك في التواصل . أعتبر نفسي محظوظا لما نالته قصتي من احتفائك وإطرائك دمت بكل المحبة والتفدير اللائقين بك . |
رد: بردى
اقتباس:
أخي العزيز علاء .. انضمامك إلى كوكبة الأحبة الذي شرفوني بالتعليق على هذه القصة التي لها مكانة خاصة في نفسي ، زاد من سعادتي ومن اعتزازي بما كتبت . كن دزما بالجوار لأسعد ببصمتك البهية وحضورك المميز . مع خالص محبتي ومودتي التي لا تبور . |
رد: بردى
[align=justify]والله يا أخي يا أستاذ رشيد قصتك حلوة مثل شخصيتك التي بالصورة الظاهرة تحت اسمك.. ومن كثرة ما عجبتني قرأتها ثلاث أربع مرات، ثم حملتها ورحت بها إلى مقهى البهاليل حتى أقرأها لهم وأمتعهم بسماعها..
المهم، وبلا طول سيرة، طار عقلهم فيها من كثرة ما أعجبتهم.. وطلبوا لي كأس شاي على حسابهم، إكرامية لي لأني قرأتها لهم.. ثم قال لي أحدهم، وهو بهلول مختص بالتاريخ، فهمان ودمه خفيف، وسأحكي لكم قصته بيوم من الأيام، لأنها حلوة وتُفرِّط من الضحك، قال لي: - يا يوسف.. أنتَ تعرف قصة بردى؟ فقلت له: - لا.. فسأل باقي البهاليل: - فيكم أحد يعرف قصة بردى؟ فأجابوه جميعاً: - لا فقال: - إذاً اعملوا لنا إبريق شاي كبير، واقعدوا لأحكيها لكم ونحن نشربه.. فقعدنا مثل أولاد المدارس المؤدَّبين، وبدأ هو يحكي لنا حكاية بردى.. وإذا كان عندك وقت، أتمنى أنك تقرأها لأنها حلوة كثير مثل قصتك.. بعد ما سعل أخونا معلم التاريخ، وشرب مصتين شاي من الكأس الذي أمامه، بدأ يحكي لنا حكاية بردى، فقال: كان يا ما كان، في قديم الزمان.. صلُّوا على النبي العدنان.. فصلينا كلنا عليه، فأكمل يقول: بعد ما انتهى طوفان سيدنا نوح عليه السلام، بأكثر من مائة سنة، وكثروا أحفاده وصاروا أمة، اختاروا واحداً منهم وجعلوه ملكاً عليهم.. وبعد كم سنة، وُلِد لهذا الملك ولد مثل القمر، سماه أبوه (قمر الزمان).. وبعد كم سنة صار قمر الزمان شاباً يأخذ العقل، أخته تعشقه من كثرة جماله، كما يقول المثل.. ولأنه ما كان يومها في الدنيا مدن مثل اليوم، ولا بنايات، كان الناس، بمن فيهم الملوك، يعيشون في الكهوف.. وفي يوم من الأيام، ضاق خلق قمر الزمان وأحب أن يخرج من الكهف ليتنزه ويُروِّح عن نفسه بالمشي في البساتين الموجودة بالشام، وكانت الشام يومها كلها بساتين خضراء.. مشى قمر الزمان كثيراً، وفجأة وجد نفسه أمام صبية حلوة مثل فلقة القمر تُطير العقل، فوقف أمامها مثل الأهبل، بعدما شعر أن قلبه سيتوقف من جمالها.. ووقفت هي أيضاً تنظر إليه وهي مبهورة بجماله.. لأنه كان يأخذ العقل مثلها.. يعني شاب طويل مثل النخلة وشعره طويل أسود نازل على أكتافه العريضة، وعضلاته مفصَّلة تفصيل، خلقة الله، يعني بدون ما يلعب رياضة.. لأنه يومها ما كان الإنسان عرِف الرياضة ولا لَعِبها.. ولأنه الناس كان عددهم قليلاً بذاك الزمان، ما خاف قمر الزمان أن يراه أحد وهو يتكلم مع الصبية الحلوة ويخبِّر أهلها حتى يعملوا له مشكلة.. لذلك تقدَّم منها، وقال لها: - الله يسعد صباحك يا حلوة.. ولما سمعت صوته، خجلت البنت، ونزَّلت رأسها لتحت وصارت تنظر للأرض.. قبل ما تقول له، بصوت ناعم وضعيف: - يسعد صباحك.. يا.. فأسرع وقال لها اسمه: - قمر الزمان.. اسمي قمر الزمان.. وأنتِ ما هو اسمك، تقبري عظامي إن شاء الله.. فضحكت البنت لما سمعته يقول لها ذلك.. وقالت له: - ست الحسن.. اسمي ست الحسن.. - والله اسم على مسمى.. وبدون مقدمات، ولا لفّ ودوران، طلب الشاب يدها للزواج على الفور.. فقالت له: - آسفة.. فطار عقله، وسألها: - لماذا؟ قالت له: - لأني جنية وأنتَ أنسي.. فارتاح قلبه لجوابها وزال قلقه، وقال لها، بدون تردد: - رَعَّبتِني يا شيخة.. حسبت في سبب ثاني.. ولا يهمك.. أنا ما لي عنصري.. وما عندي فرق بين جن وأنس، كلنا خلقة الله. فقالت له، وهي تضحك وتتغنج: - إذا كان ما عندك مانع مثل ما قلت، لازم تذهب إلى قصر أبي وتطلب يدي منه للزواج.. فظهرت على وجه الشاب علامات الدهشة، وسألها: - قصر..؟ لماذا؟ يعني أبوكِ ماذا يشتغل؟ فأجابته بكبرياء وثقة: _ أبي ملك الجن.. فابتهج قمر الزمان، وقال لها وهو يضحك ويضرب كفّاً بكفّ من التعجب: - يا محاسن الصدف.. يعني أنتِ بنت ملك مثلي تماماً.. فسألته مدهوشة هي أيضاً: - أنتَ ابن ملك أيضاً؟ فقال لها بثقة: - نعم.. ولذلك، قولي لي أين يقع قصر أبيكِ حتى أذهب إليه وأطلب يدك منه، في الحال.. فقالت له: - قصرنا وراء سبعة بحور.. - ماذا؟ وكيف يعني الواحد ممكن أن يصل له، بلا قافية؟ ظهر الجد على وجهها، وهي تقول له: - أولاً، لازم يقطع الأراضي السبع مشي على رجليه، حتى يصل إلى البحر، وبعد ذلك يقطع السبعة بحور سباحة.. ومن كثرة ما كان عقل المسكين طائراً بجمالها، لم يتردد، وقال لها: - أبشري.. سأذهب منذ اللحظة! فتعجبت، وقالت له: - لكن الطريق طويلة، ويمكن ما تقدر تصل إلا بعد مائة سنة.. - يا لطيف!.. ولماذا؟ - لأن الطريق طويلة مثل ما قلت لك.. وأنا أخاف عليك من التعب.. ابتسم، لما قالت له ذلك، وعرف أنه مَلَك قلبها، فقال لها: - تسلمي لي.. من أجلك أنا لا أقطع سبعة بحور فقط، بل سبعين بحراً.. ولكن، لأن الجن لا يعرفون المَنْفَخَة الموجودة عند الأنس، ارتعبت عليه، وقالت: - أبداً.. وراس أبي الملك ما أتركك تمشي وتسبح كل هذه المسافة.. معقول؟ - ما هذا الحكي؟ إذا ما قطعت هذه المسافة، كيف سأصل إلى أبيك وأطلب يدك منه؟ وهنا ظهر الارتياح على وجه الصبية فزاد جمالها، وقالت: - ولا يهمك حبيبي.. سأطلب من خادمي أن يحملك على ظهره ويطير بك معي إلى قصر أبي.. - ماذا؟ سألها قمر الزمان.. ثم تابع: - عن أي خادم تتكلمين..؟ - عن خادمي بردى.. - بردى؟ وأين هو هذا البردى، أنا لا أرى معك أحداً.. - سمحت له أن يقوم بجولة في بساتين المنطقة.. فسألها بلهفة: - ومتى يعود؟ - اطمئن.. صوت واحد أنادي به عليه ويكون أمامي.. فقال لها: - تفضلي نادي عليه.. ولم تُكَذِّب المخلوقة خبراً، فنادت بصوت كله غنج ودلال أمام حبيبها قمر الزمان: - بردى.. يا بردى تعال.. وما كادت ست الحسن تنتهي من ندائها حتى وجد قمر الزمان مارداً ضخماً طوله أطول من جبل قاسيون، وعرضه أكثر من عرض ثلاث بنايات، وقف أمامه.. فانخلع قلب المسكين، وكاد يموت من الرعبة.. لو ما أسرعت ست الحسن، وطمنته قائلة: - لا تخاف حبيبي.. بردى طيب وابن حلال.. ويحبني كثيراً.. ثم التفت إلى بردى وقالت له: - اسمع يا بردى.. أريد منك أن تحمل هذا الشاب معي على كتفك الثاني وتطير بنا إلى قصر أبي.. ورغم ضخامة جسم بردى، ظهر القلق والتعجب على وجهه، وقال لها يريد أن يستفهم: - لماذا يا ستي؟ عمل معك شيء؟ - أبداً.. سرق قلبي فقط.. وما كاد بردى يسمع حكيها حتى تغيَّر لونه، وأراد أن يهجم على قمر الزمان حتى يقصف رقبته ويُرجِّع قلب مولاته لصدرها، لو ما أسرعت تقول له: - يا مخبول.. سرق قلبي يعني جعلني أحبه.. فهمت الآن؟ فهز بردى المسكين رأسه وقال لها: - نعم فهمت يا ستي.. _ والآن أريد أن تحمله معك لقصر أبي حتى يطلب يدي منه للزواج.. وأراد أن يعترض بردى على ما سمع، لكن ست الحسن أسكتته بإشارة من يدها، وأمرته بحملها مع قمر الزمان إلى القصر، فأسرع يلبي طلبها بكل طاعة واحترام.. بلا طول سيرة.. وصل قمر الزمان إلى قصر ملك الجن، ووقف أمامه، وبكل جرأة وقوة، طلب يد ابنته ست الحسن للزواج.. ولما عرف ملك الجان أن قمر الزمان ابن ملك الأنس، رأى أن لا يؤذيه، حتى ما تصير مشاكل بين مملكة الجن ومملكة الإنس، وفكر بطريقة يتهرب فيها من الموافقة على طلبه، دون أن يُغضبَه، ولذلك طلب منه أن يمهله إلى اليوم التالي، ليعطيه الجواب، فوافق قمر الزمان.. عندها، أمرَ الملك حراسه أن يأخذوا قمر الزمان إلى جناح خاص في قصره، حتى ينام فيه إلى الصباح.. في صباح اليوم الثاني، حضر قمر الزمان إلى غرفة العرش وقابل الملك، ليعرف رأيه.. فأجلسه الملك بجانبه، إكراماً له، ثم قال له: - أنا موافق على طلبك، لكن بشرط أن توافق على المهر الذي سأطلبه منك لست الحسن.. فابتهج قمر الزمان، وظهر الفرح على وجهه الجميل، ثم ابتسم وقال للملك، بكل ثقة: - تفضل اطلب المهر الذي تريد، وأنا سأقدمه لك، بالغاً ما بلغ.. ظهر الارتياح على وجه الملك، وعرف أن خطته قد نجحت.. فقال لقمر الزمان: - طلبي بسيط يا بني.. أريد أن يكون مهر ابنتي نهراً تحفره في الشام، طوله من أولها لآخرها، ويكون له سبعة أفرع، بشرط أن ينتهي حفره ويجري الماء فيه خلال سنة فقط! وما كاد قمر الزمان يسمع طلب الملك حتى ذبلت الضحكة على فمه، وتغيَّر لونه، وصار وجهه أصفر مثل الليمونة.. وعلم أن الملك ما طلب منه هذا الطلب إلا لأنه لا يريد أن يزوجه ابنته.. ولذلك سكت طويلاً، ثم رفع رأسه ونظر إلى الملك متحدياً، وقال له بثقة هزت كيان الملك وجعلته حيراناً: - موافق! وأمام هذا الجواب، لم يستطع الملك أن يرفض طلبه.. لكن قال له، حتى يُعجِّزَه: - اسمع يا بني.. أمامك سنة واحدة حتى تحفر النهر، وتجري المياه فيه، وإذا تأخرت عن الموعد ساعة واحدة، فاعرف أن اتفاقنا صار في خبر كان، يعني فَقَس.. وبنفس الثقة قال قمر الزمان: - حاضر.. أنا موافق.. لكن لي طلب واحد عندك، وأرجو ما تخيبني فيه.. فقال له الملك: - تفضل.. - جلالتك تعرف أن المسافة بين قصرك والشام بعيدة كثيراً، وحتى ما ضَيِّع الوقت الذي تكرمتَ عليّ به في الطريق، أرجو أن تطلب من خادمك بردى أن يحملني على كتفه ويطير بي لبلدي.. وتردد الملك، وكاد يرفض لو ما تدخلت ابنته ست الحسن، وطلبت منه بدلال أن يوافق على طلب قمر الزمان.. ولأنها بنته الوحيدة، ولا يستطيع أن يرفض لها طلباً، قال: - موافق.. ثم نادى على بردى وطلب منه أن يحمل قمر الزمان ويعود به إلى الشام.. وفي الطريق، أحسَّ بردى بقطرات ساخنة تنزل على كتفه وتبلله.. وسرعان ما اكتشف أنها دموع قمر الزمان، فتعجب وسأله: - أتبكي يا سيدي؟! لماذا؟ فأجابه قمر الزمان بخاطر مكسور: - والله يا أخي يا بردى، أنا خائف إني ما أَقدِر أن أحفر النهر بالمدة التي أعطاها لي الملك.. وإذا خلصت المدة وما حفرت النهر، سأخسر ست الحسن، مثل ما تعرف.. سكت الجني بردى، ولم يقل كلمة واحدة.. لكنه أضمر في نفسه شيئاً.. وصل قمر الزمان إلى قصر أبيه الذي كان قلِقاً عليه، ولما حكى له ما جرى بينه وبين ست الحسن وأبيها الملك، قال له أبوه، وكان رجلاً حكيماً: - يا بني أنتَ فقدت عقلك أكيد.. والله لو طلبت من كل رجال مملكتي أنهم يساعدونك ما ممكن يخلصوا من حفر نهر بالحجم الذي طلبه ملك الجن، لا بسنة ولا بعشر سنين.. فقال قمر الزمان، ودموعه على عرض خدوده، من الأسى والحزن: - وماذا أفعل يا أبي؟ فقال الملك العاقل بحزم: - انسَ ست الحسن هذه، وأجرك على الله، واختر أي أنسية تعجبك حتى أزوجك إياها بدلاً من ست الحسن الجنية.. وهنا طار عقل قمر الزمان وصرخ بأعلى صوته: - أبداً.. والله إذا ما تزوجت ست الحسن، فلن أتزوج بحياتي أبداً.. ومع أن الملك بذل كل جهده حتى يُقنع ابنه قمر الزمان بتغيير رأيه، لكنه ما استطاع، فملَّ وتركه لشأنه.. بعد ذلك.. خرج قمر الزمان وهو غاضب من قصر أبيه، وصمم على حفر النهر بنفسه.. وبعد شهر من التعب الشديد، نظر قمر الزمان إلى المسافة التي حفرها، فوجدها صغيرة جداً.. فعلم أنه لن يستطيع أن يفي بوعده، وتأكد أن ست الحسن طارت من يده.. فجلس على الأرض تعباناً، ووضع رأسه بين كفيه، وراح يبكي بحرقة نادباً حظه التعيس.. وبينما هو يبكي، وقد وصل إلى قمة اليأس، إذا بصوت رقيق يعرف صاحبته جيداً، يناديه: - قمر الزمان.. حبيبي قمر الزمان.. لماذا تبكي؟ رفع رأسه صوب صاحبة الصوت، فإذا به أمام ست الحسن.. فوقف بسرعة ومدّ ذراعيه نحوها وكأنه يريد أن يعانقها من شدة الشوق، فصدته عنها بلطف، وقالت له: - على مهلك.. بعد الزواج حبيبي.. بعد الزواج.. فأنزل يديه محبطاً، وقال لها: - لكن ما في زواج حبيبتي.. لأني خلال شهر بحاله، ما قدرت أحفر أكثر من مائة متر.. فماذا أفعل؟ أنا آسف حبيبتي.. أنا آسف.. سامحيني ما قدرت نفِّذ طلب أبيكِ.. وبحنان وطيبة.. مسحت ست الحسن على رأسه، وقالت له: - لا تحزن حبيبي.. خادمي بردى حكى لي عن مشكلتك، وأنا اتفقت معه على أن يحفر هو النهر بدلاً منك، ثم تقول لأبي أنك أنت الذي حفرته.. وما كاد قمر الزمان يسمع حكيها، حتى طار عقله من الفرح لدرجة أنه نسي أنه ابن ملك وأن بردى مجرد خادم لحبيبته، فركض نحوه وأمسك يده يريد أن يقبلها، لكن بردى المؤدب سحب يده بسرعة، وهو يقول لقمر الزمان: - استغفر الله يا مولاي.. أنا خادمك.. اطلب وأنا جاهز.. قل لي فقط، متى تريد أن أنتهي من حفر النهر، واترك الباقي على الله وعليّ.. فقفز قمر الزمان من شدة فرحه في الهواء، وكاد أن يسقط على الأرض وتتكسر أضلاعه لو ما لحقه بردى وأمسكه ومنعه من الوقوع على الأرض.. ثم أعاد السؤال عليه، فأجاب قمر الزمان وهو لا يُصدق أن مهر حبيبته سيكون جاهزاً قبل مضي المدة التي حددها له ملك الجن: - والله يا أخي يا بردى.. إذا كنت تقدر أن تنتهي من حفر النهر اليوم، لن أقول لك لا.. ابتسم بردى، وقد أدرك ما يثور في صدر قمر الزمان من نيران الحب والعشق، وقال له: - اطمئن يا مولاي.. سيكون النهر محفوراً والماء يجري فيه خلال ثمانية أيام.. ولما سمع قمر الزمان كلام بردى، فتح فمه متعجباً، وظن أنه يسخر منه، وقال له: - كيف؟! فأجابه بردى بثقة: - سأنتهي من حفر النهر بخمسة أيام، ومن حفر فروعه السبعة بيومين، ومن فتح الماء من الينابيع الموجودة بقلب الجبال التي حوله وتحويلها عليه بيوم.. ماشي الحال؟ ولم يفهم بردى لماذا طلب منه قمر الزمان، بعد أن سمع كلامه، أن يرفعه إلى مقابل وجهه، لكنه رفعه، ولما صار قمر الزمان مقابل وجه بردى، هجم عليه ونزل فيه تقبيل.. وصار بردى يضحك عليه، ثم أنزله، وقال له: - انتظرني في قصر أبيك، حتى رَجِّع مولاتي ست الحسن لقصر أبيها، ثم أعود لأحفر النهر وفروعه.. وبالفعل.. قام بردى بحفر النهر وفروعه بسبعة أيام، ثم أجرى مياه الينابيع فيه، ثم طلب من قمر الزمان وأبيه الملك أن يأتيا مع بقية أفراد الحاشية ليروا النهر، فطار عقلهم من طوله وعرضه وقوة الماء الجاري فيه.. وبعد أن استأذن بردى الملك والد قمر الزمان بحمل ابنه إلى ملك الجن، وافق الملك الأب، ولكن عندما انحنى بردى ليحمل قمر الزمان ويطير به إلى مملكة الجن، رفض قمر الزمان وقال: - لن أذهب إلا إذا وافقت على طلبي يا أخي يا بردى.. تفاجأ بردى بكلام قمر الزمان وسأله: - أي طلب يا مولاي الأمير؟ فأجابه قمر الزمان وعيناه تفيضان حباً وعرفاناً بالجميل: - أريد، بعد إذن أبي، أن توافق على أن نُسمي هذا النهر باسمك.. عرفاناً منا بجميلك عليّ وعلى أهل الشام كلهم.. تظاهر بردى بالتمنع أولاً، ثم وافق.. فصفق الملك والحضور جميعاً، وبعد أن شكروا بردى على جميل صنعه، حمل قمر الزمان على كتفه وطار به إلى قصر ملك الجن الذي صعقته المفاجأة حين أخبره قمر الزمان بأنه انتهى من حفر النهر.. ولأنه صاحب كلمة، ولا يتراجع عن وعد وعده لأحد، وافق على تزويج ابنته ست الحسن من قمر الزمان، لكن بشرط أن يقضيا شهراً عند أبيه الملك وشهراً عنده في قصره.. فوافق قمر الزمان على طلبه، وعند ذلك..، استأذن بردى مولاه الملك في أن يحملهما إلى الشام، حتى يكون عرسهما هناك بجانب النهر الذي حفره، فوافق الملك، فحملهما بردى وطار بهما إلى الشام وعاشا فيها بثبات ونبات حتى أتاهما هادم اللذات ومُفرِّق الجماعات سيدنا ملك الموت.. وتوتة توتة خلصت الحدوتة.. هذه يا أستاذ رشيد قصة بردى، ولماذا سُمي النهر بهذا الاسم.. وأنا لا تؤاخذني لا أعرف إذا كانت صحيحة أم من بنات عقل أخي البهلول أستاذ التاريخ، لأن له مثل هذه الحركات من قبل.. لكني وجدتها حلوة كقصة، فقلت لنفسي، يا ولد يا بهلول، احكيها للأستاذ رشيد حتى يعرف أصل بردى وفصله، خصوصي وأن اسم بطل قصته على اسم ذلك الجني بردى الله يرحمه.. وسامحني يا سيدي إذا طولت عليك وكثَّرت عليك الحكي.. وفي الختام، يا أخي يا أستاذ رشيد، لي عندك طلب صغير.. إذا عجبتك قصتي هذه، فكرمى لله ولخاطري، اطلب من أعضاء الموقع وعضواته أنهم يقرأوها حتى يعرفوا أنه في بين البهاليل ناس فنانين وقادرين يحكوا قصص حلوة.. صحيح أن لغتها ما فيها فصاحة وبلاغة، على قول معلمي الصواف، لكن فيها فن، مثل ما قال لي.. وأنا بانتظار رأيك ورأي الجميع فيها، وإذا أحببت أن تعيد نشرها حتى يقرأها أكبر عدد ممكن، وتعمّ الفائدة على الجميع بمعرفة قصة نهر بردى، فسأكون شاكراً فضلك، ولن أنسى لك معروفك.. وإذا قررت إعادة نشرها، فلو سمحت انشرها بعنوان (بهلول يحكي قصة نهر بردى)، وبارك الله فيك..[/align] |
رد: بردى
العزيز الغالي بهلول .لا أدي إن كنت تنبأت بعشقي لكل ما يمت إلى التاريخ بصلة .. أعشق السرد القصصي وخاصة ما له علاقة بالتاريخ ..
لهذا وجدت في تعليقك ما يضفي على قصتي وهجا .. ربما لتواجدي الآن بضواحي المدينة حيث أنعم ببعض الهدوء وسط الحقول الخضراء يجعلني مقتضبا في ردي الآن .. لكن لي عودة بعد أن أكون قد قرأت قصة بردى بكل تمعن . لك تحياتي المخضرة بعشب المروج هنا. |
رد: بردى
قصة رائعة اخي رشيد ...اعجبني تسلسل احداثها واكملتها بشوق متلهفة لمعرفة ما آلت اليه بردى..أكملت القصة بدمع منسكب من العين حزنا على سوريا الحبيبة وبردى الابية ...
اتحفتنا بقصصك ابن العم...وبردى من اجمل ما قرأت احترامي وتقديري لابن العم الغالي |
رد: بردى
العزيزة لطيفة بنت العم ..
غمرتني بلطفك وانهالت حروفك تؤثث قصصي بلمساتها فأضفت عليها رونقا . شكرا لك من كل قلبي مع خالص مودتي |
رد: بردى
جرني حبي للشام ولنهر بردى ... هذا الحب الذي وجدته فجأة قد غرس بداخلي دون ان أعرف متى وكيف.. هذا الحب الذي جعلني أحلم يقظة ونوما بأن اكون هناك يوما... هذا الحب الذي جعلني أيضا أبكي الشام وأهلها وأحسبني منهم... وكم أشعر بالسعادة حين يقول لي أحدهم أنه حسبني من هناك لكني مع ذلك أرد بكل فخر واعتزاز أني مغربية... حينها لا أحب أن أقول من أية مدينة.. حينها أكون مغربية وفقط...
أطلت الكلام... بردى.. هذا العنوان أثارني أكثر من مرة لأقرأه.. لكن اهتزاز القلب وبكاءه على بردى كان يردني ولو كنت أعلم أنه سيرسم ابتسامة على شفتي رغم الألم لقرأته منذ زمن... تبدع في إثارة المشاعر أنت، وتبدع في رسم لوحاتك الطبعية، وفي تمثيل الحب وتجسيده.. قصة جميلة .. كلما قرأت سطرا آخر فيها كلما أدركت جمالها وحسها الفني وبهاء الإبداع فيها |
الساعة الآن 33 : 02 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية