![]() |
رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[frame="10 98"] [align=center] أنا من عرعرة [/align] ما أن يقال لك : اكتب يا ولد حتى تكتب .. وما أن يقال لك : قل يا مسعود ما تشاء حتى تركبك الحيرة .. فماذا يريدون منك يا ولد يا مسعود ؟؟.. سألني رئيس التحرير : ماذا ستكتب يا ولد ؟؟.. ضحكت وصفقت وما أجبت ، فأنا لا أعرف حتى الآن كيف يكتبون ، وكيف يمسكون بالقلم ، ويقولون ما يقولون .. فمنذ لجأت من قريتي عرعرة القريبة من عارة وأنا أقرأ وأقرأ وأتعجب، كيف يركبون الحروف قرب بعضها فتكون جملة ، ثم يرصّون الجمل فتصير قصة أو قصيدة ، أو أي شيء آخر .. والآن يقولون اكتب يا ولد يا مسعود يا من أتيت من عرعرة القريبة من عارة ، فماذا أكتب يا أهل القلم ؟؟ ..هل أحدثكم عن نفسي ، أنا المخلوع خلعتين ، مرة عندما كان اللجوء الأول من عرعرة التابعة لحيفا ، ومرة عندما ذبحوا كل من أعرفهم في مخيم شاتيلا ، وما بقي من عائلتي الطويلة العريضة إلا أنا الولد مسعود ، فأصبحت ضائعاً تائهاً أكثر من ذي قبل .. وما نجت رقبتي من السكين إلا مصادفة حيث كنت كعادتي أتمشى بعيداً عن المخيم .. فأنا أعشق المشي في الليل ، ويومها دخلوا وما وجدوا الولد مسعود ، فما ذبحوه .. ولو وجدوه لما أنقذه قول البعض إنه ولد ( أهبل ) فأنتم تعلمون أن ( الإسرائيليين ) مشهورون بجرائمهم ، من دير ياسين التي مات فيها عمي ، إلى كفر قاسم التي قتلوا فيها ما قتلوا، ولست أحسب أنا الولد مسعود أن لجرائمهم نهاية، وصدق ثم صدق ، أن الولد مسعود الذي هو أنا ـ ولا فخر ـ لا يكذب أبداً.. وماذا تريد أن تعرف فأعرفك عن شخصي ، أنا النحيل الطويل الذي تحدثت عنه أمه فقالت : ( ما أن جاء الولد مسعود حتى أمحلت ) ورغم أنني لا أعرف أمحلت هذه ، فأنا أحب أن أرددها ليقال مسعود الفصيح ولا تسل عن فصاحتي فهي مضرب المثل ، فأنا أحفظ الكثير من الشعر والكثير من سواه، وسواه هذا متروك لما تريد ... وعلى كل فأنا لست المسعود الذي كتب عنه أميل حبيبي وهو ذلك المسعود المعروف بكنية (فجلة) فمسعود (الفجلة ) غير مسعود الذي هو أنا ، والفرق بيننا أوسع من أن يحد ، وأكبر من أن يرد .. ولا تسل عن دهشتي عندما قرأت عن مسعود هذا الذي ظننته أنا ، ورغم أنه ليس أنا ، فقد سررت سروراً كبيراً ، لأن الأسماء متشابهة.. [/frame] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
أتمشى في الشوارع [align=justify] [frame="10 98"] عندما كنت في عرعرة القريبة من عارة ، قالت أمي : يا ولد يا مسعود عليك أن تحمل البندقية ، فحملت ... وعندما كنت في بيروت ، صاحوا بكل اللغات المتعارف عليها : عليك أن تسلّم فسلمت على صديق كان قربي ، فضحك الصديق، وضحكت أنا الولد مسعود ، وما عدت خائفاً من أي شيء.. وكم سرني أن يقال : الولد مسعود لا يخاف .. الولد مسعود قلبه قوي.. وصحت : اسمعي يا أم مسعود ، ابنك مسعود لا يخاف .. وما عاد (أمحلت ) كما كنت تقولين .. وتضحك أمي وتقول ما عدت ( أمحلت ) يا ولد يا مسعود ما عدت ( أمحلت ) ..!!.. ومن شارع إلى شارع كانوا يقصفون ، وكنت أنا الولد مسعود متعوداً على القصف ، ومتعوداً على التجوال .. وما أصابوا الولد مسعود الذي يتجول ولا يخاف ولا يخشى القصف .. وكان صديقي يضحك ويتجول معي .. وأقول له : اذهب واختبئ .. فيقول : ولماذا لا تختبئ أنت يا ولد يا مسعود .. فأقول : أنا الولد مسعود الذي لا يختبئ ولا يخاف.. وصديقي لا يريد أن يخاف .. يحضر الخبز والماء لامرأة عجوز فتقول : ( الله يصونك ويصون الولد مسعود ) وأصفق فرحاً وأقبل العجوز التي تشبه أم مسعود كثيراً ، ولكنها لا تقول (أمحلت ) ، ودائماً تمدح الولد مسعود وصديقه وتقول : ( الله يصونكن جميعاً ) وأنا أحمل الماء لها وأقبلها من جديد وأفرح لأنها تشبه أم مسعود .. ويعود القصف ، ولا أختبئ .. أتمشى في الشوارع ، أضحك ، وأحدث الأصحاب عن عرعرة وعارة ، وهم يضحكون ويفرحون .. وأحكي لهم عن مسعود الذي هرب من المدرسة فظنت أمي أنه أنا الذي هرب ... فأخذت تصرخ ، وتستغيث بأهل عرعرة أن يقبضوا على الولد مسعود .. فأخرجوني من المدرسة وضربوني وما عرفت السبب إلا بعد سنوات ، ومن يومها وأنا أكره هذا المسعود الآخر الذي تسبب لي بالضرب والأذى .. ويضحك الأصحاب من جديد ، ويشتد القصف وهم يضحكون .. وأنا الولد مسعود أحكي وأحكي ولا أخاف .. وكلما صاحوا سلم سلمت على صديق ، وضحكت ..!!.. وأنتم لا تعرفون أن الولد مسعود يحب ( مسعدة ) التي هي من عارة القريبة من عرعرة ، وأنه ما زال يسأل عنها القاصي والداني ، دون أن يعرف ما صارت إليه .. وكم حزنت مرة عندما أخبروني أنها تزوجت من مسعود الذي هرب من المدرسة في عرعرة .. ولكن آخرين كذبوا النبأ وما أتوا بنبأ آخر ففرحت وحزنت .. والولد مسعود كثيراً ما يفرح ويحزن في لحظة واحدة ، وهذه ميزة من ميزات الولد مسعود الذي هو من عرعرة القريبة من عارة ، والذي يحب (مسعدة) ولا يعرف أين هي وما صارت إليه.. وكثيراً ما كانت تأتي لتسلم على أمي وأنا أحمر خجلاً ولا أحدثها .. وما حدثتها أبداً إلا بالعيون ، ولكنني أحببتها وما زلت .. وكلما اشتد القصف ، أقول : أين أنت يا مسعدة لتري الولد مسعود الذي لا يخاف .. ومسعدة لا تأتي ولا ترى الولد مسعود.. [/frame] [/align] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
مسعود يرغب أن يكون فاعلاً
[frame="10 98"] [align=justify] كان يوم نحس يوم قابلت رئيس التحرير وأجرى لي ، أنا الولد مسعود فحص مقابلة لتعييني محرراً متجولاً في جريدته .. فقد انهالت الأسئلة عليّ كالسياط ، وكنت أجيب ، بنعم ، ولا ... واغتظت مكوراً قبضتي حين قال لي رئيس التحرير : يا مسعود أنت ولد ذكي وجريء ولا تخاف .. لكنك لا تعرف شيئاً من لغة قومك .. وزعلت منه كثيراً .. وقررت أن أطلّق هذه المهنة ، فهل هكذا هي الصحافة مهنة للشتائم .. وكان يوماً أغبر بسواده يوم سألني رئيس التحرير : يا ولد يا مسعود هل تدري لم سميت بذلك ؟ واكفهر وجهي وأرغيت وأزبدت وما ظفر مني بشيء أنا الولد مسعود الذي من قرية عرعرة القريبة من عارة.. وشغل بالي هذا السؤال إلى حين رجعت إلى بيتنا في المخيم .. وناديت أمي ثم سألتها السؤال نفسه ، تبسمت وأخبرتني : أنها لما جاءها المخاض بي ، أنا الولد مسعود ، وكانت قد أمحلت حسب زعم أمي في قرية عرعرة التي هي توأم روحي لقرية عارة ، لم يكن أبي حاضراً تلك المناسبة السعيدة، فقد كان مع الثوار يحارب عسكر اليهود ، وبني قريظة وقينقاع ومالف لفهم من الاشكناز والسفارديم .. وقالت أمي ، إنه لما جاءها المخاض وهي على تلك الحال ، اشتد الوضع عليها وابتأست وذرفت دمعاً غزيراً .. وفي ساعات الصباح الأولى ، شرفت أنا الولد مسعود من قرية عرعرة القريبة من عارة، إلى هذه الحياة ، وضعتني أمي ، كما قالت لي ، على خرقة بجانبها ..قالت لي متابعة : (يومها كنت تشبه الجرو الصغير ) وزعلت منها وعبست ، وطلبت أن تختصر في روايتها .. فمضت تقول وما أن أشرق الصباح علينا، أنا وأنت حتى جاء خالك يلهث تعباً ، وهو يقول : ابشري .. لقد شاهدت زوجك في قرية كفر قرع.. وقال لي ، سلم على ( سعدة ) وقل لها سآتي اليوم إلى البيت.. وعندها فرحت كثيراً ، وما دريت إلا وأنا أسميك ( مسعود ) وهكذا صرت-أي حضرتي - ابني (مسعود ) الذي جاء في يوم ( أمحلت ) فيه ، وكبرت ، أنا الولد مسعود ، حتى أصبحت كاتباً عند رئيس التحرير الذي فرح عندما حدثته عما قالته لي أمي .. وقال لي : ولكن هل تدري يا مسعود ماذا يعني اسمك، وما هو وزنه الصرفي في اللغة العربية ؟ وما دريت ما يقصد رئيس التحرير بسؤاله إلا عندما شاهدت صديقاً لي في بيروت يعرف في اللغة العربية ، نحوها وصرفها وفقهها .. وحين سألته أجابني قائلاً : مسعود يعني من وقع عليه فعل السعد ، والسعد هو الخير وما يفرح به المرء وهو على وزن مفعول .. وهكذا صرت أنا الولد مسعود على وزن مفعول، وكم غاظني أنني دائماً مفعول .. دائماً مفعول ، ولست فاعلاً .. [/align] [/frame] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
أحاديث الولد مسعود
[frame="10 98"][align=justify] كانت أم مسعود تقول دائماً ( جربت حظي بالجاج طلع بيضه خداج ) وكنت أنا الولد مسعود أقول دائماً ( زرعنا اللوز طلع بقدونس ) ومن يوم ليوم كنت أبحث عن مسعدة وأسأل عنها دون جدوى ، وكنت قد قررت أن أتزوج.. ومن ستتزوج يا مسعود ؟؟ وأنا أقول مسعدة ولا غير مسعدة .. ويقول صديقي الفصيح : ولكن مسعدة في عارة ولا أخبار عنها .. وأذهب أنا الولد مسعود في السؤال والبحث عن أي واحد يعرف الأخبار ، وصديقي الفصيح أجهل ما يكون في هذه الأمور، وأتخيل أمي تقول : ( اجتمع المتعوس على خايب الرجا ) فأنا الولد مسعود هو المتعوس وصديقي الفصيح هو ـ خايب الرجا ـ واللي يوكل ع ضرسه بنفع نفسه .. قلت يا ولد يا مسعود ابحث وابحث .. وبحثت ثم بحثت .. دون جدوى .. يقول رئيس التحرير : اكتب يا مسعود واتركنا من مسعدة .. وأشرئب أنا الولد مسعود معجباً من أين أتت ( أشرئب ) هذه ، وأتطلع إلى رئيس التحرير وأقول : وماذا تريد أن أكتب ؟؟ يصرخ رئيس التحرير : كل مرة تقول ماذا أكتب؟؟..وأحرد أنا الولد مسعود ، ورئيس التحرير لا يهتم ، وأخاف أن يكتب غيري فأبتسم ( المقروص بخاف من جرة الحبل ) فمرة حردت أنا الولد مسعود وأطلت الحرد ، فقام رئيس التحرير واستكتب غيري وما عاد ينفع الحرد .. قلت : سأكتب وأكتب حتى أصير كاتباً مشهوراً وعندها سأحرد كل يوم ، فالكاتب المشهور يحق له أن يحرد ، ويحق لرئيس التحرير أن يسترضيه أما الولد مسعود فلا فائدة ترجى من حرده .. وأضحك فيضحك رئيس التحرير ويصافحني دون مناسبة .. وأقبض على القلم ، وأبدأ في التفكير ، فتقفز مسعدة إلى ذهني ، فأبعدها ، وتعود لتقفز من جديد .. ورئيس التحرير يراقبني متسائلاً عن سبب شرودي.. وأخاف أن أحكي له عن مسعدة فيغضب كعادته ويقول : اتركنا من مسعدة .. وأقرر أنا الولد مسعود الشارد أن أكتب عن عرعرة من جديد.. فيقول صديقي الفصيح : تريد أن تكتب عن عرعرة حتى تصل إلى عارة ثم إلى مسعدة .. وأغضب من صديقي ـ خايب الرجا ـ ولا أحدثه لمدة يومين ، وأقول في نفسي ، (احنا من غير دف عم نرقص ) ويأتي هذا الفصيح ليذكر مسعدة من جديد ، وما خاصمته إلا لأنه عرف ما في نفسي وكشف ما كنت أحاول ستره.. ويعود القصف شديداً على بيروت ، وأضحك أنا الولد مسعود ، سيقول رئيس التحرير : الولد مسعود ضاع .. الولد مسعود راح .. وسيخاف خوفاً شديداً على الولد مسعود .. وأنا لا أشرد هنا ولا أخاف وأتطلع بعيون مفتوحة إلى القذائف واضحك .. يقول الفصيح : انتبه يا مسعود .. ولا أنتبه .. وتكاد إحدى القذائف أن تلتهمني لولا أن الفصيح قفز وأبعدني ملقياً إياي على الأرض .. وأحكي له وللمقاتلين عن رئيس التحرير وماذا يقول حين أفكر بمسعدة فيضحكون ويقول أحدهم: اتركنا من مسعدة .. ويشتد القصف، وتسقط إحدى العمارات دفعة واحدة .. ويشتم صديقي الفصيح ويلعن دون توقف .. ونقوم بإخراج بعض الناس من بين الأنقاض ، وأبكي أنا الولد مسعود أمام طفل تمزق جسده الصغير ولا أستطيع حمله .. ويعود صديقي الفصيح ليلعن ويشتم والدموع تتجمع في عينيه .. ويبكي وهو يحمل جسد الطفل ليواريه التراب .. [/align] [/frame] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
أبو العبد يحكي [frame="10 98"] [align=justify] ذهبت مساء لألتقي أبا العبد وما أن رآني مقبلاً عليه حتى قام محيياً وأخذني بالسلامات والأسئلة التي لا تنتهي .. وكيف حالك يا ولد يا مسعود ؟؟ وماذا تعمل يا ولد يا مسعود ؟؟ قلت مقاطعاً : قطعت نفسي يا رجل فدعني أجلس.. فأقسم ألا أجلس إلا في صدر المكان ، فجلست .. وأتى بالمصب وصبّ ( فتقهويت ) وماذا عن عرعرة يا ولد ؟؟ فحدثته عن عارة لأصل إلى مبتغاي في الحديث عن مسعدة .. فما سمعته إلا وهو يحكي عن أخبارنا التي وصلته من بيروت ، وتحدث بعدها ممتعضاً عن الاتفاق الأخير بين الجلاد والضحية ولعن وقام وثار .. قلت : أهكذا تصبح بيروت الصامدة ؟؟ وما أن أتممت حتى قام كمن به مس ، وهش وبش وقبلني وشدّ على يدي فذهلت .. قلت : ماذا جرى يا أبا العبد هل تراجع اللبنانيون عن الاتفاق؟؟ قال : لا .. قلت : هل تراجع ـ الإسرائيليون ـ عن بلع لبنان دفعة واحدة وقرروا بلعها على دفعات ؟؟ قال لا .. قلت : هل استيقظ ضمير ( الأمريكان) فحدثت هزة أرضية ما ؟؟ قال : لا .. قلت إذاً لماذا خلعت يدي من مكانها وما هي موجبات الهش والبش ؟؟ صاح : ذكرتني ببيروت الصامدة فأيقنت أنه لا يمكن أن ترضى بما صار .. قلت : رضيت يا أبا العبد رضيت .. صاح : لا تصدق فبيروت لن ترضى والزمن كفيل بأن يريك .. فقمت إليه وخلعت يده محيياً هاشاً باشاً منشرح الصدر .. وصحت : أجل بيروت ستدفن الاتفاق وستدفن عاقديه فكاد أن يقوم محيياً فصحت : مكانك وإلا استغثت .. فبهت ، وصب القهوة من جديد ( فتقهونت )-هذه غير تقهويت فلكل حرف مكانه ومناسبته ومعناه ألاحظتم فصاحتي - وما أن ليل الليل حتى قمت مستأذنا فأذن لرجل وقام مودعاً حتى الباب ، وما سلمته يدي ممرحباً حتى علقت .. وسألني سؤالاً عارضاً عنّ على باله عن مسعدة: فما صدقت .. ومن حديث إلى حديث ، حتى تململ أبو العبد وقال مكشراً : (الجايات أكثر من اللي رايحات ) فعرفت أنه يريد صرفي، فأخبرته أنني ممنوع من الصرف وتابعت ، والرجل بين حين وحين يتأفأف وأنا أتابع وما تركته إلا وقد أصبح الصباح وأبو العبد على الباب استراح فمرحبت مودعاً وما أجاب ، وذهبت وما تحرك .. فقلت في نفسي : لن يستقبلني بعد اليوم (بختي ردي وخيارتي مره ) فما أن يحدثني أحدهم عن مسعدة حتى أسعد فلا أتوقف عن الكلام .. وأخبرت الفصيح عن فصاحتي مع أبي العبد فقدحت عيناه شرراً فتواريت وسمعته يصيح : يا ولد يا مسعود أنت أحمق الحمقاء.. فأطللت مبتسماً معجباً بالحمقاء هذه وأخبرته أنها على وزن فعلاء .. فكشر وما هش ولا بش ، وما أنقذني إلا رئيس التحرير ليوقعني في السؤال : أين مقالك .. قلت : اكتبه الآن .. فهمهم وهز رأسه وأعصابي وخرج .. وأخذت أكتب ، ومزقت عدة أوراق بيضاء وألقيتها أمامي وورائي وهنا وهناك ، ليقال أصبح الولد مسعود صحفياً كبيراً .. أما هكذا يفعلون ؟؟ وكما يقولون: ( عاشر القوم أربعين يوم بتصير منهم ) وأنا عاشرتهم تسعة وأربعين يوماً وما صرت وبقي رئيس التحرير يقول : الولد مسعود ما بعرف الخمسه من الطمسه ، فذهبت مثلاً عند أهل الفصاحة والرأي ولصقت بي هذه الصفة دونما فكاك .. [/align] [/frame] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[frame="10 98"]
رائعة استاذي طلعت بتعقد ، ذكرتني برواية البحث عن وليد مسعود كنت أحبها جدا ً واهو كله مسعود ، لكن اسلوبك رائع جدا ً وبيشد للاخر .. شكرا ً استاذي ودمت بألف خير [/frame] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
درهم عقل ولا خزاين مال [[frame="10 98"]align=justify] تذكرت عرعرة فأخذت أميجن : يا شجرة الزيتون ما أحلا حبك قلبي من الأعماق والله حبك مدّي غصونك على جسمي وحبكي لاحظي بجمالك يا شجرة بلادنا وأخذت أعيد وأعيد ، والفصيح يصيح : الله .. الله.. ما أجمل الميجانا .. وتحدث كما لم يتحدث من قبل عن حب قديم . فلوّحت بالملوح فاستطاب... وأردت أن أعرج خلسة على عارة لأصل إلى مبتغاي في الحديث عن مسعدة فقلت : أتعلم يا صديق أن عارة وعرعرة قريتان متقابلتان تقعان في الجنوب الشرقي من مدينة حيفا فقال : أعلم .. قلت : وتعلم أنه إن ذكرت احداهما فلابد من ذكر الأخرى لارتباط كل منهما بأختها وتلاصقهما ؟؟ قال : أعلم يا مسعود أعلم .. قلت مغتاظاً : وهل تعلم أن أهل القريتين يهتمون بأشجار الزيتون اهتماماً كبيراً ، وأنه كان في عرعرة مدرسة ابتدائية واحدة لكل طلاب القريتين ؟؟ قال الفصيح : أعلم .. فماذا تريد .. قلت : خذ هذه فما تعلمها ، فقد أطلق الغزاة الصهاينة على عرعرة اسم ( عروعير ) وقد صادروا من أراضي القريتين حتى عام 1975 / 46 ألف دونم صاح الفصيح : أعلم يا مسعود فماذا تريد ؟؟ قلت : وهل تعلم أنني ما زلت أسأل القاصي والداني عن مسعدة و .. فقدحت عيناه شرراً ، فعدت إلى الميجانا وشيء من الدموع على الخدين وقلت حزيناً : ( من أول غزواتي انكسرت عصاتي ) فضحك الفصيح وقال : ( اجت الحزينة لتفرح ، ما لاقت لها مطرح ) .. و ( العرق بمد لسابع جد ) فنحن الولد مسعود نرث لواعج الحب والهوى .. ولواعج هذه سلخني بها الفصيح حتى استقرت في دماغي ( فتلوعجت ) وما عرفت معناها وخفت أن أسأل فيقال : الولد مسعود جاهل.. فما سألت . وظللت ادخلها في الكلام حتى أصبحت لازمة لا غنى لي عنها .. و ( عين الله حولك وحواليك ) فما أن قرأ رئيس التحرير ما كتبت في المقال من لواعج كثيرة حتى صاح : ( درهم عقل ولا خزاين مال) الولد مسعود يدخل لواعج كما يعنّ له .. فقلت : وما يعنّ هذه ؟؟ فقال الفصيح : الولد مسعود ـ سيعنعن ـ فقلت فرحاً : يعنّ على لواعجي .. فما أتممت حتى رماني رئيس التحرير بنظرة ربطت لساني وما أطلقته.. وحننت إلى ( مسعدة ) كل الحنين ، فقلت : أرى أبا العبد فأحدثه وذهبت.. فما أن رآني حتى استدار ، وترك البيت وما فيه وخرج .. فما رأيته بعدها ولا التقيته ، وما زلت أتعجب واستغرب : لماذا تركني أبو العبد وما رجع؟؟ [/align] [/frame] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
كل عيد ومسعود سعيد [frame="10 98"] [align=justify] ما أن أصبحت ، حتى صاحوا : العيد ، العيد .. فقلت : وماذا أتى يفعل؟؟ فما أجاب أحد ، لأنه لم يكن في الغرفة غيري .. قلت : هو العيد ، وكل عام والولد مسعود سعيد .. وكعادتي في العيد حزنت وتذكرت عارة وعرعرة فغنيت : يا ظريف الطول بلادي ما أنساها لو قطعوا أوصالي ما أنسى هواها بالله يا طير وسلم عليها ..... وبوسلي حبابي ولابد ما التقيهـــا وسمعت صوتاً عميقاً يصيح : يا ولد يا مسعود تعال .. قلت : هذه أمي التي ماتت ، فكيف تريدني أن أذهب إليها ؟ قال الصوت : افتح الباب !! فعرفت فيه صوت الفصيح ، فقلت : متى مات ؟؟ وما أن قرع الباب ، حتى حرت وارتعشت وارتعدت .. ( افتح يا مسعود افتح ) .. قلت : ما هذا العيد ، الأموات يتحدثون ، ولكن متى مات الفصيح .. ؟؟ وما أن فتحت الباب حتى رأيت الفصيح يصيح : ما بك يا ولد يا مسعود ، ماذا جرى لك ، ساعة وأنا أصرخ .. وظل فمي مفتوحاً حتى أغلقه بكفه ، فصحوت .. وحدثته عما كان فقال : ( الطول طول نخله والعقل عقل سخله ) قلت : ( جبنا الأقرع ليونسنا، كشف عن قرعته وخوفنا ) فضحك الفصيح مشرقاً مسروراً .. قلت : كل عيد والولد مسعود سعيد .. قال : أي عيد يا ولد يا مسعود ؟؟ وهل عندنا أعياد إلا في العودة ؟؟ صحت : أي والله ، وهذا ما يفسر سبب حزني الغريب في كل عيد .. وأفصح الفصيح إذ قال : يجب أن يرى أطفالنا عيداً على غير ما نراه .. قلت : ولكن ليس عندنا أطفال ، فأنا وأنت عازبان وأعدك أنني عندما أتزوج مسعدة وأصبح أباً ، فعندها سأري الأطفال عيداً على غير ما نرى .. و .. فقاطعني الفصيح غاضباً : (لا للخل ولا للخردل) يا ولدنا يا مسعود أنا أقصد كل أطفال فلسطين .. قلت : نريهم ، تعال نبحث عنهم ، ونريهم .. صاح : يا مسعود .. ماذا بك يا مسعود ، أنت مثل ( شرابة خرج لا بعدل ولا بميل ) أنا أقصد المستقبل يا مسعود ، العودة يا مسعود .. ففرحت رغم حزني وقلت : أجل ، أجل ، هو العيد الذي سيرون.. وتحدثت مطولاً عن عارة وعرعرة ، وما تحدثت عن مسعدة خشية أن يغضب الفصيح وفاجأني الفصيح بقوله : وماذا عن مسعدة يا مسعود ؟؟ فكدت أطير فرحاً ، وما أن أردت أن أبدأ ، حتى قال ( الأجر بتدب مطرح ما بتحب ) قل يا مسعود قل .. ففتحت فمي وقبل أن ألفظ حرفاً قال : ما رأيك يا مسعود أن نكتفي بهذا وأن تحدث عن شيء آخر .. قلت : ولكن ما تحدثنا بعد .. قال ماذا ستقول من جديد ، كل ما ستقوله أعرفه .. فدمعت عيناي وقلت : أتعبث بمشاعري أيها الصديق الفصيح ؟؟ قال : ما أن نجلس سوية حتى تبدأ في الحديث عن مسعدة ، أما مللت يا مسعود ، أم أنك كما يقول المثل ( اقطع اجر الكلب ودليها واللي فيه عادة ما بخليها ) صحت : ماذا تقصد ؟؟ قال : كل عيد والولد مسعود سعيد.. [/align] [/frame] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[frame="10 98"]
[align=justify] إيّاكم أن تصدّقوا الشارع مقفر ، ووحشة غريبة تغتال القلب .. أتجول ، أرصد في قلق متزايد أخبار الأهل من الجنوب إلى الجنوب .. ويقولون لك : ( الولد مسعود حزين) وكيف لا أحزن يا أصحاب .. وهل تريدون أن أرقص ؟؟ قلبي على أهلنا يا أصحاب .. فأنا الولد مسعود الذي من عرعرة القريبة من عارة شاهدت ما شاهدت من أهوال ، ورأيت ما رأيت من صور يذوب لهولها الحجر.. وهل نسيتم صبرا وشاتيلا يا أصحاب ؟؟ ما تزال أمي ذبيحة هناك، وما يزال أخي لحماً طرياً موزعاً على الجدران .. فكيف لا يكون الولد مسعود حزيناً ؟؟ وكيف لا يكون الولد مسعود مليئاً بالكآبة حتى التخمة.. وسأقول لك شيئاً لم أقله من قبل : فأنا الولد مسعود الذي من عرعره القريبة من عاره ، والذي أحب مسعدة ، وبكى كثيراً على الذين ذهبوا ضحية جرائم الصهاينة ، أنا يا أصحاب مفطور على حب نسيان كل شيء ، إلا ثلاثة أشياء : الوطن الذي فيه عرعره وعاره ومسعدة ، ودم الشهداء على طول السنوات وعرضها ، وثالث الأشياء السلاح الذي لا يمكن الاستغناء عنه ، فأنا يا أصحاب مؤمن كل الإيمان بذلك البيت الشعري الذي يقول: ( وللحرية الحمراء باب .. بكل يد مضرجة يدق ) ومؤمن بأنه لا يمكن لعرعره وعاره إلا أن تعودا مع كل فلسطين لنا .. قولوا ما شئتم عن ولد اسمه مسعود ، يحلم في بعض الأحيان ، ويبكي في بعض الأحيان، ويحزن في أحيان أخرى ولكن قولوا أيضاً : إن الولد مسعود يعرف أنه سيعود .. قولوها دائما ودائما .. فالشمس يا أصحاب يا أصحاب تبقى قوية رغم أنها تشرق كل يوم ، وربما هذا الشروق ، هو سر قوتها الأكبر ..وهاهو الشارع المقفر والوحشة التي تغتال القلب، وأخبار الجنوب .. ولكن أرأيتم ، إن أهلنا لا يعرفون الخنوع يطلعون دائماً من رحم الشمس ويغتالون كل خيوط الظلمة ، وشيئاً فشيئاً تصبح خطواتهم أكبر من عتمة الليل وأقوى .. أرأيتم إنهم يتحدون يصمدون ، يتحركون .. وإياكم أن تصدقوا ، أن هكذا شعب ، يمكن له أن يرضخ .. فلا يعرف هذا الشعب إلا الشموخ ، وإننا عائدون.. [/align] [/frame] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[frame="15 98"]
[align=justify] أحلى على قلبي من العسل .. قلت : يا ولد يا مسعود حاول ، فحاولت .. وأخذت أقرض الشعر على كل الأوزان التي خلفها الفراهيدي .. وهات يا شعر .. الفصيح قهقه حتى تمنيت أن تنشق الأرض وتبلعه .. ورئيس التحرير حوقل وضرب كفاً بكف .. وقال أصحاب الرأي السديد : الولد مسعود أراد أن يصبح شاعراً فنسي النثر وما قال شيئاً من الشعر وأنا ( أحلى على قلبي من العسل ) أليس الشعر أن تخلق مشكلة حولك ، أما كان المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس..؟؟!!.. وصحيح أنني لم أستطع ملء المكان الذي أجلس فيه ، ولكن الحقيقة تقال، فقد شغلت الكثيرين ، وكلهم اتفقوا على أنني لست شاعراً ، وهذا شيء عظيم ، فما من عادتهم أن يتفقوا ، وهاهم يتفقون ، والفضل في ذلك لي، وسيقول التاريخ ذات يوم ، إذا عنّ للتاريخ أن يذكرني ، وما أظن..!!.. سيقول : كان الولد مسعود أول من وحد آراء النقاد على شيء .. فأنا معجب بأول هذه .. فالعرب تقول : أول من وقف على الأطلال .. وأول من بكى واستبكى .. وسيكون لي نصيب في ( أول ) هذه ولابد ـ هذا إذا عنّ للتاريخ أن يذكرني وما أظن لن يذكرني أحد ولن يذكر شيئا من شعري - وعندها سيذكرون مسعدة المذكورة في شعري ، وتكون مسعدة قد دخلت التاريخ من أضيق أبوابه ، ولو أن الفصيح لم يقهقه ، ورئيس التحرير لم يحوقل ، لكنت ذكرتهما في أول هذه ، ولكن لا نصيب لهما في دخول التاريخ ـ هذا إذا عنّ للتاريخ أن يذكرني ـ وما أظن .. وها أنا أنفذ المثل القائل : ( اشتغل بقرش وحاسب البطال ) فقد تنطحت لمحاسبة الشعراء ، والمتشاعرين أمثالي .. ورحت أجلدهم بالنقد حتى قالوا : الفصيح متفاصحاً : ( طبل وزفه ، والعروس عمشه ) قلت : أنا شاعر وهم يقتلهم الحسد .. صاح الفصيح : ( لو بدها تشتي غيمت ) صحت : وما دخل الشتاء هنا .. ضحك زميلنا الجديد رسام الكاريكاتير وقال : ( مش كل الوقعات زلابيه ) فما عدت أفقه أي شيء .. وهنا ختمها رئيس التحرير قائلاً : ( الطول طول نخله ، والعقل عقل سخله ) فصحت : سيدخل التاريخ والله ، سيدخل التاريخ والله من أوسع أبوابه ، فقام الكاريكاتيري مودعاً ، وخاطبني بكاريكاتيرية قائلاً : ( لا كف ولا دف ولا نغم طيب ) فتبسمت وتبسم وتبسم الجميع .. فقلت : حلت وما أمحلت كما كنت متوقعاً ، وعدت إلى قرض الشعر بعد مغادرة زميلنا الكاريكاتيري .. وما أن بدأت أقرض ، حتى حدقت العيون ، واحمرّت ، وكادت تطلع من محاجرها .. فصحت : أنا الولد مسعود الذي من عرعرة القريبة من عارة سألملم الأوراق ، وإلى الفرار ، الفرار ..[/align] [/frame] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
أبو الوفا [frame="1 98"] [align=justify] في الطريق إلى المخيم ، أخذت أستذكر أياماً مضت ، وقلت محدثاً نفسي : ترى أين سيكون أبو الوفا الآن ؟؟ فمنذ سنوات عشر ما رأيته ، ولا سمعت عنه أي شيء .. وقد كان أبو الوفا أقرب الأصدقاء إليّ ، لا يمر يوم دون لقاء .. وإن شاهده أحدكم سيقول : ( البرد والقله أساس كل عله ) فهو صغير الجسم ، نحيل أصفر الوجه بشكل دائم .. ولكن ( الحكي مش مثل الشوف ) فمن الصعب أن أصف أبا الوفا .. ولا تظنوا أن أبا الوفا رغم كل ذلك ضعيف أو متخاذل ، فقد كان أقوانا وأقدرنا وأشجعنا ، ولا أذكر أحداً في المخيم عرفه إلاّ قال : ( كلمته ما بتصير ثنتين ) فما أن يصمم على شيء ، حتى يكون هذا الشيء واجب الحدوث وصحيح ( اللي بحب واحد بحط كل المحاسن فيه ) ولكن يمكنكم أن تسألوا أي شخص عن أبي الوفا ، أي شخص في المخيم وستعرفون صحة كلامي ، فأبو الوفا ، الضئيل النحيل الأصفر الوجه ، رجل ولا كل الرجال . يوم قرر أبو الوفا أن يذهب، قلنا إلى أين يا أبا الوفا ؟؟ وما قال .. وما سمعنا عنه أي شيء بعدها .. ورغم التأويلات الكثيرة ، عن ذهابه في عملية فدائية إلى قريته تحديدا .. وعن استشهاده.. وعن قسمه بأن يدخل داره القديمة وأن يبقى هناك مهما حدث.. فإن أخباره لم تكن على ثقة ، ولم تكن صحيحة كل الصحة ، وحسب رأيي أنا الولد مسعود فإن أبا الوفا سيعود ذات يوم ، لنلتقي من جديد .. فأبو الوفا، الضئيل النحيل ، الأصفر الوجه ، لا ينسى الأصدقاء ولا ينسى المخيم ، ولا يمكن له إلا أن يعود .. قلت في نفسي ذات مرة : لماذا لا أكتب عن أبي الوفا ؟؟ وما كتبت .. تذكرته في بيروت ، وما كتبت .. تذكرته وأنا أحدث رئيس التحرير عن مشروعي في كتابة روأي.. وما كتبت .. وعندما قلت للفصيح ، سأكتب .. قال : ( اضرب الحديده وهي حاميه ) وما ضربت .. وها أنا في الطريق إلى المخيم ، أريد أن أكتب ، فكيف ؟؟ قلت : عندما يعود أبو الوفا سأكتب عنه كل شيء .. سأكتب عن الضئيل النحيل الأصفر الوجه سأكتب عن حبه للدار ، وعن أشواقه التي لا تهدأ لقرية بعيدة هناك .. ولا تظنوا أن أبا الوفا لا يعرف مسعدة التي حدثته عنها ما حدثته ، ولا تظنوا أن أبا الوفا لا يعرف عن عرعرة القريبة من عارة مثلما أعرف .. إنه أبو الوفا .. وأبو الوفا رجل ولا كل الرجال .. [/align] [/frame] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
أشواق التي لن تغادر ! [frame="1 98"] [align=justify] قال عبد الرحيم : شاهدت أبا الوفا يتجول في المخيم ، ويطرق الأبواب سائلاً عن أشواق التي ما رآها منذ زمن .. قلت : ( الاجر بتدب مطرح ما بتحب ) ولكن كيف يا أهل الخير كيف ؟؟ فأبو الوفا كان بعيدا وعلى سفر.. قال الرجل الأشيب حمدان : علمنا أنه كان يقاتل عسكر اليهود في الجنوب، وقبلها لا ندري أين كان وسيعود ليقاتلهم من جديد .. قلت بفرح : هاهو الضئيل النحيل الأصفر الوجه يعود ، أما قلت لكم أنا الولد مسعود أنه سيعود ؟؟ صاح الرجل حمدان : ولكنه يبحث عن أشواق ليأخذها معه .. وهنا صحت صيحة العارف العالم : ولكنكم تتناسون أن أشواقه رحلت للبحث عنه ؟؟ صاح الفصيح الذي كنت مسروراً لصمته الذي ما طال : أنت مخطئ يا مسعود ، فأشواق ما زالت في المخيم وما زالت تنتظر وتنتظر ، ولعلمك يا ولد يا مسعود ، فأشواق لن تغادر إلا إلى الوطن ... قال عبد الرحيم : ولكن البنت ـ أشواق ـ ذهبت... فأصر الفصيح : لا .. فأبو الوفا سيجدها في المخيم ، لابدّ أن يجدها .. فسعدت أنا الولد مسعود لأول مرة بما أفصح الفصيح عنه، وقلت : ( الحب أوله دلع وآخره ولع ) فما تركني الفصيح لسعادتي التي نزلت عليّ وقال : الولد مسعود ( ما حافظ من العشق إلا كلمة أوحشتونا ) فصمتّ ُ على مضض ـ وكلمة مضض هذه أتت من وحي الخاطر ـ قال الرجل حمدان : كلما قلنا لأبي الوفا ذهبت أشواق صاح: أشواق لا تذهب ... قلت : أما سأل عني أنا الولد مسعود ؟؟ ضحك عبد الرحيم وقال : سأل عن الجميع وما زال يسأل.. وقد قلنا له : الولد مسعود الذي من عرعرة القريبة من عارة ، والذي يحب مسعدة ويسعد بالحديث عنها صار صحفياً لا مثيل له ولا شبيه، فضحك أبو الوفا حتى أضحك وقال: أما زال يحدثكم عن مسعدة ؟؟ ثم سألنا : هل كتب الولد مسعود عن الاحتلال وعمن سقط في جيوب الاحتلال ؟؟ قلنا : ما كتب والله ما كتب.. فسأل من جديد : هل كتب عن أشواق المطاردة في كل مكان ؟؟ قلنا : ما كتب والله ما كتب .. فصاح وهل كتب عن عذابات السجناء في سجون ومعتقلات الاحتلال ؟؟ قلنا : ما كتب والله ما كتب .. فصال أبو الوفا وجال حتى برقت عيناه من غضب وقال : اخبروا الولد مسعود أنني لن أراه إلا إن فعل .. قلت : أفعل والله أفعل .. فعاد الفصيح ليتفاصح وقال : ( شباط ما عليه رباط ) قلت : ( الديك الفصيح من البيضة بيصيح ) صاح الرجل حمدان : ( قاضي الأولاد شنق حاله ) كنا في حديث فصرتم في حديث .. قال عبد الرحيم : والآن ؟؟ قلت أنا الولد مسعود أقترح أن نذهب لنرى أبا الوفا .. ضحك الرجل: أبو الوفا معنا أما تراه ؟؟ صحت : ( أكبر منك بيوم أعرف منك بسنه ) ولكن أين هو يا عم حمدان؟؟.. فتفاصح الفصيح قائلاً: (اللي ما بفهم بالوما الحكي معاه خساره ) .. [/align] [/frame] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
الولد مسعود ينزف دائماً ويضحك [gdwl] [align=justify] ولأنني لا أفهم ( بالوما ) فقد عدت إلى (مضض) وصمتّ .. وأخذت أنظر من حين إلى حين باحثاً منقباً عن أبي الوفا ، دون جدوى .. وكانوا في جلستهم يتحدثون ما شاء لهم الحديث عن أشواق التي تعرف كل بيوت المخيم ، وعن أبي الوفا الغائب العائد .. وما كان للولد مسعود الذي لا يسعد إلا بالحديث عن مسعدة إلا أن قام .. قلت : اذهب ... فكانوا عني غافلين.. فأعدت بصوت ظننته قوياً : أنا الولد مسعود سأذهب.. فما تحرك ساكن ولا متحرك .. وذهبت ، قلت في نفسي : أعود فأسأل عن أشواق التي ذهبت وما ذهبت وعن أبي الوفا الذي أتى و ما أتى .. فما عدت .. وكان الجو بارداً ، فما شعرت إلا بشوقي إلى أبي الوفا وعارة القريبة من عرعرة ومسعدة التي أحب .. وتسلل الحزن إلى القلب ، وصحت كمن به مسّ : متى أراك يا عرعرة وأنت يا عارة ، ومتى أراك يا مسعدة ؟؟ وشعرت بغليان في الحلق وغليان في القلب .. ولعنت عسكر اليهود.. ودون أيمقدمات ، أخذت أبكي وأبكي .. حياني صديق ، فما حيّيت .. كنت خارجاً من نزيف ، داخلاً في نزيف .. وعارة التي في الوطن ، تنام كطفلة في حنايا القلب .. ويقولون : الولد مسعود لا يفهم أي شيء .. وأضحك ، أضحك حتى الجرح .. أقول باحتراق : أتعلم يا عبد الرحيم ، كنت أتمنى لو أنني في الجنوب الآن ، أقاتل وأقاتل وأقاتل .. أنت لا تعرف عارة يا عبد الرحيم .. لا تعرف الولد (مسعود ) الذي يشتاق حتى الحرقة .. ويقول عبد الرحيم : أعرف يا مسعود أعرف .. ويأخذ في الحديث عن صفد ، يتذكر الشوارع كلها ، الدور كلها ، الوجوه كلها ويكاد يبكي .. أقول : أتعرف يا عبد الرحيم كانت مسعدة مجبولة برائحة البرتقال .. يداري دمعة ويصمت ... واصمت .. لا على مضض .. ولا على أي شيء يشبه المضض .. ولكن على جفاف رهيب في الحلق ، وحرارة في القلب .. أنا الولد مسعود الذي من عارة القريبة من عرعرة أحدثكم .. فتقولون : الولد مسعود لا يفهم أي شيء .. ويوم حملت جثة أمجد ورفعتها حتى الشمس ، وأخذت أصرخ وأصرخ وأقول : إلى الشمس يا أمجد ، إلى الشمس .. وقفتم كلكم في خشوع ، وبكيتم .. يومها قال الرجل حمدان : الولد مسعود يعرف الطريق .. وفهمت أنا الولد مسعود .. وفهمتم .. ومعاً أخذنا نقاتل عسكر اليهود .. وأحب أن أقول لكم : الولد مسعود ينزف دائماً ويضحك .. الولد مسعود يقاتل عسكر اليهود ويضحك .. والولد مسعود يحنّ كثيراً إلى عارة القريبة من عرعرة ، وإلى مسعدة .. ورغم كل ذلك ، يضحك .. [/align] [/gdwl] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
الشيء بالشيء يذكر [gdwl] [align=justify] والشيء بالشيء يذكر ، فقد سألني رئيس التحرير مرة : لماذا تضحك دائماً يا ولد يا مسعود؟؟ فأخذت أحكي عن الشمس التي تضحك، وعن مسعدة التي تضحك ، وعن الرجل حمدان الضاحك الضحوك .. فضحك رئيس التحرير منشرح البال والقلم .. وكتب يومها عن ( الأمل ) وحكى عن فلسطين الواقفة على رصيف الشمس .. فقلت : أنا الولد مسعود ( مثل غيمة شباط محركة الشتا ) أنا ( صاحبها ) وكنت أقصد فكرة الشمس .. فصاح رئيس التحرير : صاحب من يا ولد يا مسعود ؟؟ فشرحت ما شرحت ، دون جدوى حتى شرد ومن عادته الغضب بعد الشرود ، و ( اللي بتسمطه الشوربه بصير ينفخ ع اللبن ) وأنا الذي التعت من فورات الغضب ، قلت : أحدثه عن مسعدة فينشرح ، ولكن ( مش كل الوقعات زلابيه ) فما أن بدأت بعرعرة حتى حوقل .. قلت : أنصرف .. فانصرفت .. وحمدت الله على أنني من الأسماء القابلة للصرف ، وحمدته أكثر على أن الفصيح ما كان موجوداً ليمنعني من الصرف ، ولو كان لفعل ، فهو أدرى بالنحو وبمسائله.. وقد صفا ذات يوم ، فحكي عن أيام خلت ـ وحديث رئيس التحرير حلو إن صفا ـ وعن أيام الطفولة والشباب في فلسطين ، فسررت أنا الولد مسعود وصفوت .. واقترب في حديثه من حيفا وما أن وصل إلى عارة وعرعرة حتى هششت وبششت ، وكدت أطير فرحاً ، وقبل أن أطير ذهب في الحديث إلى غيرهما .. وكنت مثل الذي ( بترتح بحبال الهوا ) فأخذت أرجوه أن يعود إلى عرعرة ، فما عاد ، ولما ألححت ضحك .. قلت ( أجته ساعه رحمانيه ) وما كاد يعود ، حتى جاءنا زائر ليقطع ما كاد أن يوصل، فذهبت .. وأعود من ( الشيء بالشيء يذكر ) إلى ما أنا فيه ، فبعد أن عزّ على النفس إهمال الأصحاب لي ـ عزّ فعل ثلاثي لا أعرف معناه ـ فقد ظللت أمشي وأمشي ، حتى بلغ التعب مني كل مبلغ ـ فصاحة ما بعدها فصاحة ـ وكان عليّ أن أمشي مثلما مشيت إن أردت الوصول إلى غرفتي.. وكان عليّ أن ( أفعلها ) للمرة الألف بعد الألف ، في إزعاج صاحبة الدار أم العبد .. وهي امرأة كبيرة السن من طبرية، تملك هذه الدار المكونة من غرفتين ، غرفة لي ، وغرفة لها .. تأخذ أجرها شهراً ، لأنقطع عن الدفع خمسة شهور .. وكثيراً ما حدثتني عن أبي العبد الذي رحل منذ عشر سنوات وما عاد .. ترك لها هذه الدار القديمة المتواضعة ، ولا شيء غير ذلك .. وكانت تعمل في البيوت حينا ، تقدم بعض الخدمات البسيطة في مساعدة السيدات .. وأحياناً كثيرة تبقى في غرفتها أقرب ما تكون إلى المرض .. أم العبد هذه ، كانت تنزعج من عودتي في منتصف الليل .. فكانت تقول لي : هذه هي المرة الأخيرة وبعدها سأرميك في الشارع أنت ومتاعك ـ وما كان عندي متاع ـ وكانت معجبة بكلمة ( تقلع ) فكانت تصيح: عليك أن تقلع عن هذه العادة .. ولا أقلع .. ولا تنفذ تهديدها .. فهي طيبة إلى حد بعيد ، ومتسامحة إلى أبعد الحدود ، وكانت تقول دائماً وما تزال ( طول عمرك يا زبيبه فيك هالعود ) وأنا أفرح ( بالعود ) ولا أقلع .. أشعر أنها أمي فأسعد بذلك .. وأحدثها عن مسعدة فتضحك ، وتحكي لي عن أيام طبرية، وعن أيام اللقاءات الأولى مع أبي العبد .. وحين تصل إلى يوم رحيله ، تحزن ، وتشرد .. ولكنها تبقى مليئة بالحنان فأشرد معها .. وأتطلع إلى صورة أبي العبد ، وأتمنى أن يعود ذات يوم .. تقول لي : أنا أعرف أنه سيعود ، وتبكي.. أحدثها عن رئيس التحرير وعن الرجل حمدان وعن الفصيح وعبد الرحيم .. وعن أمي التي كانت تقول ( أمحلت ) فتضحك .. وتقول : أنت طيب يا مسعود فأسعد وانشرح وأغني : درب العين بنعرفها كلها شجر زيتون وحاجي تعن وحاجي تنوح بكره العودة يا عيوني فتضحك أم العبد مسرورة .. وأضحك .. ويذهب التعب ، لأعود مسرعاً إلى أمي أم العبد .. [/align] [/gdwl] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[gdwl] حبات الزيتون برك من دم [align=justify] كانت الغرفة التي أقيم فيها مطلة على شارع ضيق .. وكنت أحب أن تبقى النافذة مفتوحة على الدوام .. ولولا ذلك ، لضقت بها قبل أن تضيق بي .. وكم من مرة قالت أم العبد : ( صحيح أنها غرفة ضيقة ، ولكن هواء نافذتها يردّ الروح ) .. وكأن الهواء يطلع من خشب هذه النافذة المهترئة!! وكانت غرفة أم العبد أكثر اتساعاً ومتاعاً ، حيث لم يكن في غرفتي إلا السرير الذي أنام وآكل وأقرأ وأكتب عليه، والمنضدة التي هي أقرب ما تكون إلى أرجوحة تهتز وترقص دون دف أو مزمار .. وحتى قبل أن أقترب منها أو ألمسها ، فهي مركونة قرب النافذة لا عمل لها إلا الإزعاج .. وإلى جانب ذلك ـ المتاع ـ دفاتر وكتب وبعض أوراق .. والقليل من ثياب أملكها منذ عهد ما عدت أذكره .. رغم ذلك ، فقد نشأت بيني وبين هذه الغرفة ألفة ووئام .. حتى أنه ، كان يطيب لي ، إلى جانب القراءة والكتابة أن أشرد إلى حين .. وكم من مرة فاجأتني أم العبد (متلبساً ) بالشرود .. فكانت تضحك ، وتطلب مني أن ( أقلع ) عن شرودي .. فلا أقلع .. إلا حين تحدثني عن طبرية، وعن بنت خالها فاطمة التي دوخت عسكر اليهود بما كانت تقوم به من عمليات فدائية جريئة ضدهم .. وأسألها عن فاطمة التي من طبريةأين هي الآن ؟؟ فتقول أم العبد : في الجنوب تقاتل عسكر اليهود .. فأفرح.. وأحكي لها عن عرعرة وعارة ومسعدة التي أحب .. وعن أيام قتالنا ضد عسكر اليهود في بيروت .. فكانت تستزيد حيناً ، وتلعن عسكر اليهود حيناً آخر .. وقد حدثتها ذات مرة عن صديقي محمود من جيش التحرير الفلسطيني ، وكيف دمر عند محور المتحف دبابتين إسرائيليتين .. فزغردت أم العبد ، ودمعت عيناها .. قلت : هم رجال يا أم العبد .. رجال .. فزغردت أم العبد من جديد ، وقبلتني وأقسمت أنها تتمنى لو أنها تستطيع أن تضم إلى صدرها كل هؤلاء الرجال الذي يقاتلون عسكر اليهود .. وكل هؤلاء الرجال الذين يدهم على الزناد لمقاتلة عسكر اليهود .. قلت : أنا الولد مسعود الذي قاتلت عسكر اليهود.. وسأقاتلهم دائماً .. فضحكت أم العبد ، وضمتني إلى صدرها ، فبكيت .. وأخذت أنادي أمي .. فضمتني أم العبد من جديد ، وطلبت أن ( اقلع ) عن البكاء ، فأقلعت .. وتركتني أم العبد وذهبت إلى شأنها .. فرأيت في خطوتها خطوة أمي .. وعدت صغيراً يركض في عرعرة ، يعانق شجرة زيتون ، يذوب على صدرها .. ويحب مسعدة التي من عارة .. وتقول أمه ( أمحلت ) فيحزن ، ويضحك ، ويركض في عرعرة من جديد .. وتطل مسعدة من كل الدروب الصغيرة يلاحقها فتهرب وتهرب .. يتسلق الشجر ، يقفز تذوب مسعدة خلف شجرة زيتون ، يبحث عنها ، ولا يجدها .. تركض الدروب ، تحترق.. يتسلق الدم أشجار الزيتون .. يتوزع الرصاص الخطوات، يشتعل كل شيء .. القرية تقاتل عسكر اليهود .. القرية تقاوم عسكر اليهود .. يتسلق الدم أشجار الزيتون .. يقول رئيس التحرير : ماذا كتبت يا ولد يا مسعود؟؟ أخرج أنا الولد مسعود من عرعرة .. ولا أجيب .. يقول رئيس التحرير : ما بك يا ولد يا مسعود لماذا لا تجيب ؟؟ أحكي له عن أمي التي ذبحت في صبرا .. وعن عرعرة التي تسلق أشجار زيتونها الدم .. وعن فاطمة التي تقاتل في الجنوب .. ويحكي رئيس التحرير عن الرجال الذين يقاتلون عسكر اليهود ، وعن الرجال الذين يدهم على الزناد لمقاتلة عسكر اليهود .. وأكتب ، ثم أخرج من الكتابة ، لأدخل في عرعرة يقول الفصيح : حمدان يريد أن يراك يا ولد.. وأنا الذي عزّ على نفسي إهمال الأصحاب لي ، لا أريد رؤية الرجل حمدان .. ولكن الفصيح يصرّ : الساعة الرابعة بعد الظهر في المخيم .. يقول رئيس التحرير بغضب : اكتب يا مسعود اكتب .. أقول : وماذا يريد مني الرجل حمدان ؟ يضحك الفصيح : يريد أن يراك .. هل هذا غريب ؟؟ يحوقل رئيس التحرير .. فأعود إلى القلم .. أدخل في عرعرة .. يتدفق الدم ويتسلق أشجار الزيتون.. يشتعل كل شيء .. يقاتل الرجال عسكر اليهود .. وتحكي أمي عن أبي الشهيد .. أركض في عرعرة وتسقط حبات الزيتون بركاً صغيرة من دم .. تتكسر الأغصان التي كانت خضراء وتحترق .. يصبح الهواء ساخناً .. أشعر بالاختناق .. أركض .. الرجال يقاومون .. يبحث الجنين عن بطن أمه ، فتسقط حبات الزيتون بركاً صغيرة من دم .. أبكي .. أركض .. ألهث .. عرعرة في مسامات جلدي تحترق .. عرعرة في شرايين يدي تقاوم .. أضم عرعرة إلى صدري .. وأكبر .. لأقاتل عسكر اليهود .. وأرى الرجال يطلعون من جديد وأياديهم على الزناد لمقاتلة عسكر اليهود .. فتزغرد أم العبد .. وتزغرد .. [/align] [/gdwl] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[gdwl] الزناد [align=justify] أكتب من جديد .. أدخل في مساحات القلب من جديد .. يقول الفصيح : أنت تبكي يا ولد يا مسعود، أقول له : حبات الزيتون برك من دم .. تلهث مسامات جلدي .. أبكي من جديد .. أشهق... يضع رئيس التحرير يده على كتفي .. يقول برفق : مالك يا ولد يا مسعود ؟؟.. أحكي ... وأحكي .. أترك القلم .. أترك الأوراق .. أدخل في صبرا .. أدخل في شاتيلا .. تركض السكاكين مليئة بالحقد .. يسقط الأفق على الذراع الصغيرة التي تهشمت وتمزقت .. أتنفس بصعوبة.. يصبح العالم ضيقاً إلى حد الاختناق .. يناولني رئيس التحرير لفافة تبغ .. يشعلها .. يتصاعد دخان أسود .. تتراكم الجثث في الطرقات .. تهرب الصغيرة من حد السكين ، تركض في الشوارع الثكلى ترتمي فوق جثة أمها .. تصرخ تشهق .. تغيب .. يسحبونها .. يطرزون لحمها بالدم .. يتصاعد الدخان .. يقول الفصيح : الرجل حمدان يريدك .. أقول : لماذا برك الدم تتسع ؟؟ تركض.. ترتمي أصابعها الصغيرة على دفتر ما سلمت صفحاته من حقد النار والسكاكين .. تخرج أمي عارية تبحث عن نخلة تهزها ، فلا تجد .. الطرقات مغلقة بالدم .. بالجثث .. تهوي على الأرض .. تبتلعها السكاكين تخرج من آخر طعنة في الصدر .. تدخل في البحث عن نخلة تهزها ، فلا تجد .. ترفع يدها .. تهز أحد الأحجار القريبة فيساقط دمعاً ودماً .. وتساقط أمي حتى آخر نفس .. حتى آخر رمق .. وتكبر برك الدم .. تقول أم العبد : قم يا ولدي .. قم .. ولا أقوم .. لا أخرج من وجه أمي .. لا أخرج من حبات الزيتون التي سقطت مخضبة بالدم .. يتصاعد الدخان .. يغطي المدى .. وتكبر برك الدم .. تكبر .. تمتد في صبرا .. وشاتيلا .. ودير ياسين .. وكفر قاسم .. وأمي عارية إلا من يدين تبحثان عن ظل .. ولا ظل في الطرقات .. لا ظل في الوجود .. يقول الفصيح : أنت تبكي يا ولد يا مسعود .. تبكي !! ما بك يا ولد يا مسعود ، ما بك ؟؟ يضع رئيس التحرير يده على كتفي .. لا يقول أي شيء .. تتجمع السماء ، ولا مطر .. لا غيوم .. لا برق ولا شيء سوى الدخان الأسود ، يتصاعد ويتصاعد .. أم العبد تسحب الغطاء على جسد مرتعش .. تضع يدها على رأسي .. يقول الرجل حمدان : كنت بانتظارك يا ولد يا مسعود وما أتيت ؟ تقول أم العبد : ماذا جرى له .. لا أدري .. وتبكي أم العبد .. يقول الفصيح : لا تخافي يا خالة مجرد إرهاق .. واضحك .. أضحك حتى رعشة القلب .. أي إرهاق .. والدخان .. الجثث .. السكاكين .. الدم .. صبرا .. شاتيلا .. أمي العارية الباحثة عن ظل .. يقول الرجل حمدان : عبد الرحيم سيذهب إلى الجنوب لمقاتلة عسكر اليهود .. من أجل ذلك طلبت حضورك .. سنجتمع جميعاً لوداعه .. سيذهب بعد غد .. قالت أم العبد : الله معه .. الله مع كل رجالنا .. وحكت عن فاطمة التي من طبرية ، وعن أبي العبد الذي ما عاد .. قال الرجل حمدان : غداً سنلتقي عندي في المخيم.. معافى يا ولد يا مسعود معافى .. خرج الرجل حمدان والفصيح معه .. وبقيت أم العبد التي من طبرية قربي .. قلت : ماذا جرى يا أم العبد ؟؟ ماذا جرى ؟؟ قالت أم العبد : لا شيء يا ولدي .. أنت متعب قليلاً .. قلت : أتعرفين أمي يا أم العبد .. ضحكت بحنو وقالت : عبد الرحيم سيذهب لمقاتلة عسكر اليهود ، سيلتقي فاطمة هناك ، سيقاتل معها .. صحت : أسألك عن أمي، أتعرفينها ..؟؟ لم تجب ، أخذت تحكي عن عبد الرحيم وفاطمة ومحمود الذي من جيش التحرير.. وسألتني فجأة : ألا تأخذني معك لأرى عبد الرحيم .. ؟؟ قلت : كما تشائين سنذهب معاً يا أم العبد .. وعندما سألتها من جديد عن أمي .. خرجت من غرفتي .. وتركتني مع النافذة المفتوحة .. قلت : أم العبد لا تعرف أمي .. أو ربما تعرفها ، ولكنها لا تجيب .. تركت أمي صورة معلقة على الجدار .. وأخذت تركض في شوارع صبرا .. وكانت ظلمة الليل أشد من السكاكين .. الكون ليل وظلام .. العالم ليل وظلام.. والسكاكين تقطع اللحم والقلب .. تشتد الظلمة .. والسكاكين تقطع .. يقول أبي : لا تنزل يدك عن الزناد .. تقول أمي : لا نخلة .. لا شجر.. لا ماء .. أدخل في الشوارع المسكونة بالدم ألهث .. أصيح .. يصيح أبي : الزناد .. الزناد .. أصيح : الزناد الزناد .. تصيح أمي : الزناد .. الزناد .. يقول عبد الرحيم : أنا ذاهب لمقاتلة عسكر اليهود .. تقول فاطمة : الزناد الزناد .. أصرخ .. أصرخ .. تهبط الشوارع .. تصعد الشوارع .. وفاطمة تقاتل عسكر اليهود .. [/align] [/gdwl] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[gdwl] عبد الرحيم .. وأم العبد [align=justify] قالت أم العبد : هاأنت على ما يرام يا ولدي يا مسعود .. فأعجبتني (يرام ) هذه وسألت عن أختها .. فضحكت أم العبد وقالت : أما حان الوقت لنذهب؟؟ قلت : ( راح الكثير وما ظل إلا القليل ) سترين عبد الرحيم يا أم العبد فصبرك... وما أن طلبت منها الاستعداد للذهاب .. حتى كانت أسبق مني إلى الباب .. قلت : ( اللي بيعيش كثير بشوف كثير ) هاقد عدت صبية يا أم العبد ، تركضين مثل الغزال .. فضحكت وأشرق الوجه منها ، وقالت : (افقي له حصرمه في عينه ) وكانت أم العبد فرحة مسرورة ، أسرع فتسرع وإن أبطأت تطلب الإسراع .. قلت : وصلنا يا أم العبد .. فكادت تزغرد .. وما أن أطل الرجل حمدان ، حتى شدت على يده وصاحت : أين عبد الرحيم ؟؟ فقال بمرح : تفضلي يا أم العبد تفضلي وتفضلت أم العبد .. وتفضلت أنا الولد مسعود وقبل أن يتصافح الفصيح الذي كان في الغرفة إلى جانب عبد الرحيم قلت : هذا هو عبد الرحيم الذي من صفد والذي سيذهب لمقاتلة عسكر اليهود يا أم العبد .. فأخذته أم العبد بالصدر والقلب ، وراحت تتأمله طويلاً .. وكنا وقوفاً نتطلع إلى أم العبد وإلى عبد الرحيم الذي وقف مشدوهاً لا يعرف من هذه العجوز ولا ماذا تريد؟؟ قلت : أم العبد أصرت على الحضور لكي تراك فهي تحب كل الذين يقاتلون عسكر اليهود ، وما أن عرفت أنك ذاهب إلى الجنوب حتى قالت : عبد الرحيم واحد من أولادي ويجب أن أراه .. وجلست أم العبد بالقرب من عبد الرحيم .. قالت له : أنت رجل يا ولدي .. ولن أوصيك .. (الأسى ما بنتسى) يا ولدي ، ولا تصدق أن عسكر اليهود سيعرفون السلام يوماً ، و ( أكبر منك بيوم أعرف منك بسنه) ما عرفنا منهم إلا الجرائم والكذب والخداع .. فقاتلهم حتى النصر أو الشهادة يا ولدي .. قال عبد الرحيم : حاضر ( يما ) الشهادة أو النصر ( يما ) .. فبكت أم العبد، وقامت إليه ، وأخذته إلى صدرها وراحت تمطره بالقبل وهي تصيح : (يما) الله معك ( يما ) الله ينصرك (يما) .. فأخذت أشهق أنا الولد مسعود ، وما كان الرجل حمدان والفصيح أحسن حالاً مني .. قال الرجل حمدان : الله يسامحك يا أم العبد (انعمت اقماري ) .. قال الفصيح : كما اتفقنا يا عبد الرحيم .. زودنا بأخبارك .. مسحت أم العبد دموعها ، وأوصته أن يبحث عن فاطمة التي من طبرية ، وأن يعلمها عن أخبارها.. ضحك عبد الرحيم وقال : وهل تظنين ( يما ) أنه لا يوجد في الجنوب إلا فاطمة واحدة من طبرية أم تريدين أن أرسل لك أخبار كل فاطمة تقاتل عسكر اليهود في الجنوب ..؟؟.. قالت أم العبد : أرسل يا ولدي أرسل .. ( أحلى على قلبي من العسل ) .. وقام عبد الرحيم ، فقمنا .. وأنا الولد مسعود لا أحب مواقف الوداع .. شدّ على يد كل واحد منا.. ضممناه إلى الصدر .. ووصل إلى أم العبد .. فأخذته إلى القلب ، وما بكت .. مشت معه إلى الباب ومشينا.. وامتدت زغرودتها في المخيم.. فتحت الأبواب ، وخرج الرجال الذاهبون مع عبد الرحيم .. واشتعلت الزغاريد قناديل فرح .. وتحول الليل إلى نجمة مضيئة زاهية .. وركضت أم العبد إلى الرجال ، وأخذت تقبلهم واحداً واحداً .. وما رأيتها سعيدة من قبل كما كانت الآن .. وسعدت أنا الولد مسعود وخرجت.. وفي طريق العودة إلى البيت ، حدثتني أم العبد عن طبرية ، وعن الرجال الذين قاتلوا عسكر اليهود .. وغنت : لقعد على الدرب واسبكلك رصاص جارح لا تطلبوا الصلح وتنسوا اللي جرى امبارح قلت : كيف ننسى يا أم العبد كيف ؟؟ لا صلح يا أم العبد لا صلح .. قالت أم العبد : اعرف يا ولدي اعرف ، فالرجال هم الرجال ، وهم الذين يصنعون النصر .. [/align] [/gdwl] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/21.gif');border:4px double limegreen;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]الولد مسعود يتذكر[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN] [gdwl] [align=justify] ودعتني أم العبد وذهبت للنوم في غرفتها .. وطاب لي .. وكثيراً ما يطيب لي .. أن أرتب بعض الأمور في رأسي من بدأيما ، إلى نهأيما .. فأخذت أتمشى في غرفتي الصغيرة جيئة وذهاباً .. وأخذت أفكر في أشياء وأشياء .. وخطرت على البال مسعدة فسعدت وطربت .. وقفزت عرعرة شمساً لا تعرف الانطفاء .. ورأيت ذلك الطفل مسعود يركض ولا يتعب .. ويحب قبل أن يعرف معنى الحب .. تقول له أمه: يا ولد يا مسعود اهدأ .. ولا يهدأ .. تقول له : اجلس .. ولا يجلس .. يتعلق بكل أيام الطفولة دفعة واحدة .. ويشرب من مائها حتى الارتواء ولا يرتوي .. ينظر إلى عارة التي تلملم خطوات مسعدة نظرة حالم بشجرة زيتون تستلقي على ذراعه ذات صباح ، أو ذات مساء ، وما كان الولد مسعود يحب أن تكبر الأيام ، وأن تنتزع الطفولة العذبة من بين الضلوع ، وكأنه كان يتوجس خيفة من أيام ستأتي .. وها أنا ـ الولد مسعود ـ لا أدري كم من العمر مضى ، وكم من السنوات مرت .. ولكن كل ما أدريه .. أنني ما زلت ذلك الولد الذي يركض في عرعرة من مكان إلى مكان .. وذلك الولد الذي يحب مسعدة حتى آخر الحب .. وتكبر الأيام ولا يكبر .. تقفز السنوات وتشيب ، ولا يشيب .. ذلك أن في القلب وطناً ما زال يركض كغزال مليء بالحيوية والحياة .. يكسر القيود ، يتحدى الجلاد ويضحك .. لا يعرف إلا كرة دائمة الإشراق ، هي الشمس .. تتوقد وتتوقد .. ولا يكبر الولد مسعود لا يشيب .. لا تتكسر أيام حلمه ، ولا تتسرب من بين الأصابع ومضات طفولة كانت لها عرعرة الجمال الذي ما زال .. هو الحلم ، الولد مسعود يحلم .. والحجر الفلسطيني حلم يصير بندقية ، تقف في وجه الاحتلال ، تدميه ، ترعبه ، تزلزله .. ولا يستطيع بكل أساليب تعذيبه ، أن يكسر شيئاً من حدته فهو الحجر الفلسطيني الذي يكبر دائماً ، ولا يصغر .. فكيف لا أحلم ؟؟ وكيف لا أقبض على الطفولة بأصابع من حجر ، تبقيها أبداً رهن أيامي .. لتكون عرعرة القريبة من عارة ، كما هي دائماً ، معي في كل لحظة ، ومعي في كل خاطر يخطر .. أنا الولد مسعود أشهدكم ، أنني الطفل الذي يحفظ تفاصيل قرية اسمها عرعرة ، كما يحفظ الواحد منكم ، تفاصيل ملامح وجهه .. وأشهدكم أنني لا أحب أن أكتب إلا في شيئين ، الأول يتعلق بطفولة تأبى أن تسقط من الذاكرة .. والثاني يتعلق بمسعدة التي أراها في كل وجوه الأهل المنتظرين في الوطن المحتل .. لذلك فأنا الولد مسعود ، الذي يحب أن يمضي دائماً إلى طفولته الواقفة في عرعرة ، وإلى مسعدة التي تتوزعها كل الملامح هناك .. وكلما قاتلنا عسكر اليهود ، أشعر أن عرعرة تقترب وأن مسعدة تقترب .. فكيف تريدون من الولد مسعود ، الذي ما نسي طفولته ، ولا نسي مسعدة أن يترك السلاح ؟؟ أتريدون أن تسقط الذاكرة المليئة بالوطن ؟؟ كيف؟؟ [/align] [/gdwl] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/18.gif');background-color:red;border:4px groove deeppink;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center] الولد مسعود يتذكر [/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN][gdwl] [align=justify] ودعتني أم العبد وذهبت للنوم في غرفتها .. وطاب لي .. وكثيراً ما يطيب لي .. أن أرتب بعض الأمور في رأسي من بدأيما ، إلى نهأيما .. فأخذت أتمشى في غرفتي الصغيرة جيئة وذهاباً .. وأخذت أفكر في أشياء وأشياء .. وخطرت على البال مسعدة فسعدت وطربت .. وقفزت عرعرة شمساً لا تعرف الانطفاء .. ورأيت ذلك الطفل مسعود يركض ولا يتعب .. ويحب قبل أن يعرف معنى الحب .. تقول له أمه: يا ولد يا مسعود اهدأ .. ولا يهدأ .. تقول له : اجلس .. ولا يجلس .. يتعلق بكل أيام الطفولة دفعة واحدة .. ويشرب من مائها حتى الارتواء ولا يرتوي .. ينظر إلى عارة التي تلملم خطوات مسعدة نظرة حالم بشجرة زيتون تستلقي على ذراعه ذات صباح ، أو ذات مساء ، وما كان الولد مسعود يحب أن تكبر الأيام ، وأن تنتزع الطفولة العذبة من بين الضلوع ، وكأنه كان يتوجس خيفة من أيام ستأتي .. وها أنا ـ الولد مسعود ـ لا أدري كم من العمر مضى ، وكم من السنوات مرت .. ولكن كل ما أدريه .. أنني ما زلت ذلك الولد الذي يركض في عرعرة من مكان إلى مكان .. وذلك الولد الذي يحب مسعدة حتى آخر الحب .. وتكبر الأيام ولا يكبر .. تقفز السنوات وتشيب ، ولا يشيب .. ذلك أن في القلب وطناً ما زال يركض كغزال مليء بالحيوية والحياة .. يكسر القيود ، يتحدى الجلاد ويضحك .. لا يعرف إلا كرة دائمة الإشراق ، هي الشمس .. تتوقد وتتوقد .. ولا يكبر الولد مسعود لا يشيب .. لا تتكسر أيام حلمه ، ولا تتسرب من بين الأصابع ومضات طفولة كانت لها عرعرة الجمال الذي ما زال .. هو الحلم ، الولد مسعود يحلم .. والحجر الفلسطيني حلم يصير بندقية ، تقف في وجه الاحتلال ، تدميه ، ترعبه ، تزلزله .. ولا يستطيع بكل أساليب تعذيبه ، أن يكسر شيئاً من حدته فهو الحجر الفلسطيني الذي يكبر دائماً ، ولا يصغر .. فكيف لا أحلم ؟؟ وكيف لا أقبض على الطفولة بأصابع من حجر ، تبقيها أبداً رهن أيامي .. لتكون عرعرة القريبة من عارة ، كما هي دائماً ، معي في كل لحظة ، ومعي في كل خاطر يخطر .. أنا الولد مسعود أشهدكم ، أنني الطفل الذي يحفظ تفاصيل قرية اسمها عرعرة ، كما يحفظ الواحد منكم ، تفاصيل ملامح وجهه .. وأشهدكم أنني لا أحب أن أكتب إلا في شيئين ، الأول يتعلق بطفولة تأبى أن تسقط من الذاكرة .. والثاني يتعلق بمسعدة التي أراها في كل وجوه الأهل المنتظرين في الوطن المحتل .. لذلك فأنا الولد مسعود ، الذي يحب أن يمضي دائماً إلى طفولته الواقفة في عرعرة ، وإلى مسعدة التي تتوزعها كل الملامح هناك .. وكلما قاتلنا عسكر اليهود ، أشعر أن عرعرة تقترب وأن مسعدة تقترب .. فكيف تريدون من الولد مسعود ، الذي ما نسي طفولته ، ولا نسي مسعدة أن يترك السلاح ؟؟ أتريدون أن تسقط الذاكرة المليئة بالوطن ؟؟ كيف؟؟ [/align] [/gdwl] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[gdwl] اليد التي لا تشيب [align=justify] ما أن رآني رئيس التحرير أهلّ ، حتى رماني بنظرة غضب .. فشعرت أنني ( أخفّ من بيضتين ع جمل ) قلت : صباح الخير .. فما أجاب بخير .. قال : الولد مسعود ( لا للهدّه ولا للسدّه ولا لعثرات الزمان ) فما وجدت ريقاً أبلعه، وترحمت على جدتي التي كانت تقول : (مش غادر يصرط ريقه) وبعد حين ، قال رئيس التحرير : أين كنت يا ولد يا مسعود .. فتعللت بالمرض و ( مش غادر ) .. قال : (الشغل بجوهر البدن ) قلت : ( العافيه بتيجي من خرم الإبرة ، والمرض بدفق دفق ) فما ضحك رئيس التحرير ولا طاب له أن يلين .. وأخذ يتحدث عن الصحافة وواجب الالتزام ، وعرّج كما كان يعرّج الجاهليون على الطلل ، فبكى واستبكى على مسعود الذي كان نشيطاً وخمد ، والذي كان ( ظهره مثل قفا الخباز ) من كثرة القراءة والكتابة .. ففرحت بمسعود الذي كان وحزنت لمسعود الذي صار .. وأخيراً ختم رئيس التحرير كلمته الموجزة بأن قال : ( ما ظل بالخم ريش غير أنت يابو قنبره ) فسررت كل السرور وصفقت بحرارة ما بعدها حرارة .. وطلبت المزيد فما هشّ ولا بشّ .. بل غادرنا ، وهو على أشدّ ما يكون أسفاً وتأسفاً وهمّاً وغمّاً .. قلت : سأعوّض ما فات .. لأعود ذلك المسعود الذي كان .. وما أن أمسكت بالقلم ، حتى دخل الرجل حمدان والسرور باد على وجهه … همست : (اجانا وقت الحزّه واللزّه ) فصاح من بعيد : (اجاك مين يعرفك يا بلوط ) وضحك ما طاب له أن يضحك .. وأخذ يدي ممرحباً ثم أعادها ممرحباً .. وبعد حوار : ما بينه وبينه عن أيام الشباب .. وصل إلى (بيت القصيد ) فأخبرني عن عبد الرحيم الذي ذهب لمقاتلة عسكر اليهود.. وكيف علم بأن عبد الرحيم على أحسن ما يكون .. وأنه يهدينا السلام والتحيات وخاصة لأم العبد .. ففرحت كل الفرح .. وسألته عن فاطمة التي من طبرية .. فقال الرجل حمدان لابدّ أن يجدها عبد الرحيم، لابد .. قلت : أرسل له تحياتنا جميعاً .. فقال : أتعلم يا مسعود .. إنني أفكر بالذهاب إلى هناك ، لمقاتلة عسكر اليهود .. قلت : أبعد أن شاب الرأس يا عم حمدان ؟؟ فضحك الرجل حمدان ، وقال : ما زالت اليد قادرة على حمل السلاح ، فاليد لا تشيب يا مسعود .. فانحنيت وطبعت قبلة على اليد التي لا تشيب فبكى الرجل حمدان .. وذكرّني بأيام زمان سبق.. وحكى عن إحساسه بالهم والغم لبعده عن مقاتلة الغاصب المحتل .. وأخذ يتنفس من رئة مزروعة في الوطن ، وحملني إلى هناك ، فرأيت عرعرة القريبة من عارة في القيد فبكيت.. وقلت : اليد لا تشيب يا عم حمدان .. لا تشيب .. فضمني إلى صدره .. وحكى عن أيام طفولته وشبابه في فلسطين وحدثني عن وادي الطواحين الذي يقع في غرب مدينة صفد ، والذي يبدأ من نبع قرية ميرون ويسير بمحاذاة جبل (الجرمق) وترفده في طريقه روافد كثيرة من الينابيع حتى ينتهي إلى بحيرة طبرية .. وقال : كانت تدار بمائه أكثر من ثلاثين طاحونة يقصدها أهالي صفد وأهالي القرى المجاورة لطحن حبوبهم .. وعلى جانبي غدير هذا الوادي يا مسعود توجد البساتين الكثيرة ذات الأشجار المختلفة من الفواكه وغيرها .. ثم تنهد الرجل حمدان وقال : هذه المنطقة الجميلة الرائعة .. كانت أيام طفولتي يا ولد يا مسعود.. [/align] [/gdwl] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[frame="1 98"]الحديث عن مسعدة[/frame] [gdwl] [align=justify] وبعد أن تحدث الرجل حمدان طويلاً عن أيام الطفولة الجميلة اللذيذة في وادي الطواحين الذي يقع في غرب مدينة صفد .. انتقلنا سوية للحديث ما طاب لنا الحديث ، عن أيام قاتلنا فيها عسكر اليهود .. وكيف كانت هذه الأيام مليئة بالحياة والحركة والعطاء .. وأخبر الرجل حمدان ، أنه لابد من العودة إلى قتالهم .. فقلت : هو الحق ، علينا أن نقاتلهم دون هوادة .. فقال الرجل حمدان مودعاً : أجل دون هوادة يا مسعود دون هوادة .. وانصرف.. ومن غير أن يسطر القلم كلمة واحدة ، ذهبت مفكراً إلى غرفتي .. وكان الشارع مليئاً بالمارة ، يضطرب بالحركة الدائبة المستمرة … ولا أدري لماذا تذكرت يوماً كانت أمي كثيراً ما تتحدث عنه .. كانت تضع يدها على خدها ، تشرد بين الحين والحين .. ثم تعود لتردّ عن جبينها شعرها الأسود الذي خالطه الكثير من البياض .. وتقول : كان ذلك في الثاني والعشرين من نيسان عام 1948 ، بعد منتصف الليل ، أخذ عسكر اليهود ، يهاجمون حيفا .. دخلوا البيوت والشوارع والمباني العامة .. قتلوا خمسين واحداً منا ، وجرحوا الكثير .. فوجئنا .. أخرج الرجال النساء والأطفال إلى منطقة الميناء لنقلهم إلى عكا.. وفي أثناء ذلك ، هاجم عسكر اليهود النساء والأطفال ، وقتلوا مائة منا .. وكنت أسأل أم مسعود التي هي أمي : ولماذا هاجموا الأطفال والنساء ؟؟ وكانت أم مسعود تجيب : هكذا هم دائماً يا ولد، وما كان ذلك بأمر جديد … وكانت تتابع : ولكن تأكد يا ولد يا مسعود ، أن رجالنا وشبابنا قاتلوا ببسالة ، رغم قلة السلاح والذخيرة.. فما كنا نملك إلا القليل الذي لا يذكر.. وأنت تعلم يا ولد .. كانت الأسلحة تتدفق على عصاباتهم . وكنا محرومين ومحاصرين ، فلا يسمح للواحد منا ، أن يملك رصاصة واحدة .. وما أن أتذكر ذلك اليوم حتى يمر شريط طويل من الذكريات .. وأشرد : كيف كنت أسأل أمي عن قتلهم لنسائنا وأطفالنا .. !! ولا أرى في الشريط الطويل إلا الدم والدم .. وفي كل مرة ، النساء والأطفال يقتلون ، يذبحون.. فكيف كيف ، يمكن لنا أن نسقط الذاكرة ، أن نسقط الحقد ، أن نسقط الجسر الطويل من الدم . ذات مرة ، قالت أم العبد : إياك إياك يا ولد يا مسعود أن تنسى .. يومها ضحكت وقلت : وكيف يا أم العبد كيف ؟؟ أتصدقين أن ينسى الفلسطيني أمه وأخاه وهما يقطران دماً ودماً ودماً ؟؟ يومها وضعت أم العبد يدها على خدها ، وحكت عن طبرية ، عن أطفال ونساء في بركة الدم .. فتذكرت أمي وصرخت : الرصاص ، الرصاص .. الزناد ، الزناد.. لتكن كل الأصابع يداً واحدة في مقاتلة عسكر اليهود.. الزناد الزناد .. الرصاص الرصاص .. بركة الدم تسألكم تصرخ فيكم : الزناد الزناد .. الرصاص الرصاص .. قالت أم العبد : حدثني عن مسعدة يا مسعود.. وكنت غائم القلب والعينين .. فأخذت أحكي عن عبد الرحيم الذي يقاتل عسكر اليهود ، وعن الرجل حمدان الذاهب لقتالهم .. قالت أم العبد : عن مسعدة يا مسعود ، عن مسعدة !! فأخذت أحكي عن فاطمة التي من طبرية .. فضحكت أم العبد وقالت : لأول مرة لا يطيب لك الحديث عن مسعدة يا مسعود .. فتطلعت إلى الشمس وقلت : وهل أتحدث عن غيرها يا أم العبد.. أليست مسعدة في كل هؤلاء.. أليست عرعرة القريبة من عارة في كل هؤلاء .. وحيفا ، تلك التي تحدثت أمي عنها .. وطبرية التي تحدثت أنت عنها يا أم العبد .. أما حيفا وطبرية في كل هؤلاء .. ضمتني أم العبد إلى صدرها وقالت : أجل يا مسعود يا ولدي .. مسعدة في هؤلاء .. وعرعرة في هؤلاء .. كما كل فلسطين في هؤلاء .. [/align] [/gdwl] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[gdwl] [align=justify] الولد مسعود وشفّني الوجد ! [align=justify] صبّحت على أم العبد ، فصبّحت .. وأخذت أحكي لها عن ( شفني الوجد) فضحكت أم العبد وقالت : الولد مسعود على الوجد أصبح !! فما ضحكت .. ولكن تحدثت عن عرعرة القريبة من عارة حديث ذي علق .. فما استطابت أم العبد هذه (العلق ) وأخذت تحكي عن طبرية وأيام لها في طبرية ، فقلت: هذا هو ( شفني الوجد ) يا أم العبد.. فأنت تتحدثين عن طبرية .. والرجل حمدان يتحدث عن وادي الطواحين الذي يقع في الغرب من مدينة صفد .. كل هذا ( شفني الوجد ) يا أم العبد ، وهذا ما نريده .. فكلما ( شفنا الوجد) أكثر من ذي قبل ، كلما ازددنا اقتراباً من البلاد أكثر .. فما صفقت أم العبد، بل قالت ببرود : (اشلحني وإلبس غيري ) أنا أعرف كل هذا يا مسعود، وكما قال المثل : ( اسأل مجرب ولا تسأل حكيم ) .. فاحمر قلبي من (شفني الوجد) وتركت لأم العبد المكان وانصرفت .. استقبلني الفصيح بخطبة عصماء عن ضرورة التزامي بالدوام .. وقال : هكذا رغبة رئيس التحرير .. وأنت لا تريد أن تسمع يا ولد يا مسعود .. ثم تعتب على رئيس التحرير ومعاملته السيئة لك ( ازرع قمح بتلاقي قمح ، ازرع شوك بتلاقي شوك ) قلت : ( اشتغل بقرش وحاسب البطال ) فهذه هي المرة الأولى التي تجيء فيها مبكراً يا فصيحنا !! فمالك تريد سلخ جلدي منذ الصباح ؟؟ فما أفصح الفصيح عن مبتغاه بل أخذ يتحدث دون مقدمات عن رحيل الرجل حمدان إلى الجنوب لمقاتلة عسكر اليهود .. قلت : ولكنه، ما ودعنا .. فأفصح الفصيح : لأنه ينتظر لحاقنا به يا ولد يا مسعود .. فإلى متى سنبقى بعيدين هكذا !! قلت : لابد أن نتبعه عما قريب .. لابد أن نتبعه .. فشدّ الفصيح على يديّ .. وقال وصاح : معاً يا ولد يا مسعود معاً .. قلت : معاً .. معاً .. يدنا على الزناد .. وتعانقنا .. دخل رئيس التحرير غير مكفهر كعادته .. قال : أراكما على وفاق ، فماذا جرى ؟؟ فحكى الفصيح عما وصلنا إليه من رأي .. فقال رئيس التحرير : الولد مسعود لن يذهب ، أنا أعرفه .. قلت بإصرار : بل اذهب .. ضحك رئيس التحرير وقال : الولد مسعود ( بجعجع ع الفاضي ) ولكن الفصيح أنصفني وحكى عن أيام بيروت .. فما تراجع رئيس التحرير عن رأيه ، وقال : ( اللي بتكل عليك بتكل على حيط مايل ) يا ولد يا مسعود .. وافترقنا.. قالت أم العبد : ومتى ستذهب ؟؟ قلت : قريباً.. قريباً جداً يا أم العبد .. صمتت أم العبد وأخذت تدور في الغرفة جيئة وذهاباً .. قلت : ما بك يا أم العبد ؟؟ .. لم تجب .. اقتربت من النافذة .. وتطلعت إلى الشارع القريب .. وعندما استدارت كانت الدموع تتجمع في عينيها .. جلست على طرف السرير .. وضعت رأسها بين يديها .. وتبدت الخطوط البيضاء في شعرها أكثر من ذي قبل .. قلت بهدوء : بماذا تفكرين يا أم العبد ؟؟ مسحت بطرف يدها شيئاً من دموع بللت تجاعيد خدها .. قالت : ستتركني وحيدة يا مسعود .. كم تعودت على وجودك .. وفجأة أجهشت بالبكاء .. اقتربت منها … ضممت يدها بين يديّ .. كانت باردة … رفعتها إلى شفتي .. قلت : كلنا أولادك يا أم العبد .. وسنعود ذات يوم ونحن نحمل الشمس يا أماه .. ثقي سنعود .. قامت .. عادت إلى الدوران المتواصل في الغرفة الضيقة .. كانت مليئة بالعاطفة .. مليئة برائحة طبرية، ورائحة عرعرة القريبة من عارة ، ورائحة مسعدة الواقفة على رصيف بعيد .. قلت : وماذا بعد يا أمي ؟؟ تطلعت إليّ .. حدّقت .. ودون أي مقدمات .. أخذتني إلى صدرها .. وبكت .. بكت طويلاً .. وكانت الأرض ، الأرض البعيدة ، هناك ، تمدّ يدين مخضبتين بالشوق الكبير .. [/align] [/align] [/gdwl] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[gdwl]
[align=justify] الولد مسعود أطول أمْ شجرة الزيتون ؟ ذهبت والفصيح على مودة ووفاق ، من أجل الاستعلام عن موعد رحيلنا لمقاتلة عسكر اليهود.. وبعد أن تفاصح الفصيح ما طاب له .. قال المسئول: ليس الآن فالذاهبون لمقاتلة عسكر اليهود كثر .. وكل شيء بنظام … وسنخبركما عندما يحين موعد رحيلكما .. وبعد ترك اسمينا وعنوان عملنا رجعنا ونحن على فرح .. قلت : قريباً سنلتقي الرجل حمدان وعبد الرحيم ، وفاطمة التي من طبرية .. قال الفصيح: يا ولد يا مسعود المهم مقاتلة عسكر اليهود قبل أي شيء آخر .. قلت : وفاطمة ؟ أجاب الفصيح : هذه أمور ثانوية .. فأعجبتني ( ثانوية ) وصمت.. وصلنا متأخرين .. صاح رئيس التحرير غاضباً: أما فكرتما بعملكما .. على أقل تقدير قدما إجازة ، طلب استقالة ، أي شيء .. قلت .. قال الفصيح .. وما أراد رئيس التحرير أن يسمع ، كان غاضباً ، وكنت فرحاً لغضبه .. فما أن يغضب حتى أستبشر بكتابة مقالة جديدة أستلهمها من تعبير وجهه المدلهم .. فرئيس التحرير ( لسانه مثل مقص السكافي ) وهو يحرك كوامن الحزن في النفس ، وحين تتحرك ، فإن القلم يجود ويجود .. أما الفصيح ، فهو غير الولد مسعود الذي هو أنا، فمع غضب رئيس التحرير ، كان يضرب عن الكتابة ، ويتفاصح قائلاً : ( قد كان ذلك مرة فاليوم لا ) فأسأله أنا الفقير لغة عن معنى ذلك .. فيقول : أول من قال ذلك فاطمة بنت مرّ الخثعمية .. فأقول : وما معناه ؟؟ فيرجعني إلى مجمع الأمثال الذي هو للميداني ، لأبحث وأبحث.. ولا أعرف من هو الميداني، فأصمت .. أقول في نفسي : ربما كانت هي فاطمة التي من طبرية ، سأسأل أم العبد .. ولكن أم العبد تضحك وتقول : فاطمة ليست خثعمية .. فلا أعرف أي شيء ، ولا أدري هل الفصيح على غضب ، أم على فرح !! خرجت وحيداً ، كانت النسمة باردة .. وكنت متوجهاً إلى المخيم .. مدة طويلة مضت ، وما ذهبت إلى هناك .. تذكرت ( أشواق ) .. تذكرت ملامحها الدافئة ، تنقلها من بيت إلى بيت في المخيم .. وأشواق كانت تحب مسعدة ، وتحب عرعرة القريبة من عارة .. كنت أحدثها طويلاً، وكانت تتحدث طويلاً .. ذات مرة ، وقفت أشواق في شارع من شوارع المخيم .. أخذت تصرخ وتصرخ .. تجمع الناس ، خرجوا من البيوت ، أطلوا من النوافذ .. قالت أشواق : لا تنسوا زعتر البلد .. لا تنسوا زيتونكم .. لا تنسوا شوارعكم التي ما زالت تحن لوقع خطواتكم .. البيوت .. الجدران .. الأرض .. رائحة التراب .. لا تنسوا.. وبكت أشواق .. قالت : أنت يا ولد يا مسعود أطول أم شجرة الزيتون ؟؟ .. أصابني البله ، قلت : لا أدري يا أشواق لا أدري .. قالت أشواق : المهم يا مسعود أن تكون معك البندقية وعندها ستصل إلى مسعدة ، وإلى عرعرة القريبة من عارة ، وستكون شجرة الزيتون دافئة.. قلت : ومن سيكون الأطول يا أشواق .. ضحكت أشواق ـ كما تضحك الشمس عادة ـ وقالت : عندها ستعرف يا مسعود ، عندها ستعرف .. كنت أحب أن أعرف .. لا أدري كم من السنوات مرة .. وعندما كنت في بيروت سألت ( محمود ) الذي هو من جيش التحرير الفلسطيني ، فضحك وقال : شجرة الزيتون أطول عندما تترك السلاح، وأنت أطول عندما تحمل السلاح .. فما زادني إلا ضياعاً .. قلت : اشرح يا محمود اشرح .. قال : الآن علينا أن نقاتل ، وتأكد يا ولد يا مسعود أن كل رصاصة تطلقها على العدو ستزيدك طولاً .. ففرحت أنا الولد مسعود ، وعرفت ما كنت أريد أن أعرف.. وصلت إلى المخيم .. تذكرت الرجل حمدان وعبد الرحيم .. قلت : متى سنلتقي متى ؟؟ ورأيت الرجل حمدان يتحدث بحب وشوق عن وادي الطواحين .. شعرت بالدفء .. وكما كانت تفعل أشواق أخذت أتنقل من بيت إلى بيت .. وكنت أتحدث عن الرجل حمدان وعن عبد الرحيم .. وتحدثت عن محمود الذي هو من جيش التحرير الفلسطيني والذي يقاتل عسكر اليهود .. وقلت : كل رصاصة تطلقونها على العدو ستزيدكم طولاً .. وخرجت ، حين أخذت أشواق يدي وشدت عليها بقوة . . [/align] [/gdwl] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[gdwl]
[align=justify] الولد مسعود .. وأزفَ الرحيل .. ما تأخر موعد الرحيل كثيراً .. فبعد يومين ، قيل لنا : الاستعداد .. الاستعداد .. قلت : الولد مسعود سيحمل السلاح من جديد .. قال الفصيح منشرح الصدر واللغة : الآن سيعود للأيام طعمها الأول.. وما أن صرخ رئيس التحرير ، حتى أخذتنا موجة من الضحك .. قلنا معاً ـ الفصيح وأنا ـ : سنقاتل عسكر اليهود يا رئيس تحريرنا ، وسنوافيك بالأنباء أولاً بأول .. فانبسطت أسارير رئيس التحرير ، كما كانت تنبسط أسارير جدتي وهي تتجول بين أشجار الزيتون في عرعرة القريبة من عارة. وقال ـ أسعده الله: أولاً بأول يا مسعود .. أولاً بأول .. فانتفخت ـ إلى حد ما ـ حين ذكرني وحيداً وقلت : لك ذلك .. لك ذلك .. أولاً بأول .. وعزّ على الفصيح ألا يذكر في معرض أول بأول فقال : وأنا سأرسل أولاً بأول .. ولكن رئيس التحرير أصر على إسقاط اسمه من ( الأول ) وقال : وعد رجال يا مسعود.. قلت : وعد رجال .. وعد رجال .. وذهبت ..كنت طوال الطريق أفكر بأم العبد ( ماذا سأقول لها .. ؟؟ وكيف ؟؟ وماذا سيكون شعورها ، وكيف سأتركها وحيدة بعد أن أصبحت أمي؟؟...) دخلت إلى البيت هادئاً ساكناً مبلبل الفكر، قالت أم العبد ما أن رأتني : (مالك يمّا مسعود ؟؟؟.. ) ولا أدري لماذا انفتحت كل شوارع طبرية دفعة واحدة في جنات القلب ، وأخذت تمطر ذلك المطر المليء برائحة الأهل .. قلت : أزف الرحيل يا أم العبد ـ وقبل أن أفكر بمعنى أزف هذه ـ فاجأتني أم العبد بزغرودة طويلة ما توقعتها .. فأنا الولد مسعود كنت أحب أن تحزن أم العبد، أن تبكي مثلاً .. أن تشهق .. ولكن أن تزغرد !! قلت : أنا سأرحل يا أم العبد.. قالت أم العبد التي هي أمي : أعرف يا مسعود اعرف .. وزغردت من جديد .. صعدت إلى غرفتي بهدوء واستغراب .. وما جلست على طرف السرير ، حتى كانت أم العبد داخل غرفتي .. قلت : أراك على فرح يا أم العبد ؟؟ ضحكت بتوتر .. قالت وهي تجلس إلى جانبي : ولماذا أحزن يا ولدي.. أنت ذاهب لمقاتلة عسكر اليهود .. تطلعت إلى الملامح التي كانت تخفي شيئاً يغلي في الداخل .. قلت : أجل يا أم العبد أجل .. لا داعي للحزن.. هكذا كانت تقول أمي ( عندما يذهب الرجال إلى الحرب علينا أن نبتسم ) .. وتمنيت بحق أن تبقى أم العبد متماسكة حتى النهاية ..ولكن .. فجأة أخذت شفتاها ترتعشان بنزق طفولي يرفض أن يطيع أي أمر .. وأخذت عيناها تدمعان .. وقبل أن تنفجر اللحظات المشحونة بعاطفة هائلة .. شددتها إلى صدري ، وتركتها تبكي بصمت .. وشعرت بكل جسدها يرتعش .. ينتفض .. قلت : وبعد يا أم العبد وبعد .. ابتعدت عن صدري .. أخذت تدور في الغرفة كما كانت تدور دائماً .. اقتربت من النافذة المفتوحة .. أخذت تتنفس بعمق .. وعندما واجهتني من جديد .. كانت تبدو متماسكة إلى حد ما.. قالت وهي تتظاهر بالهدوء.. أمانة يا ولدي يا مسعود احمل السلام إلى فاطمة وإلى الرجل حمدان وإلى ولدي عبد الرحيم .. قلت: تأكدي من ذلك يا أمي .. وبعد أن عادت إلى الدوران من جديد ، ثم هدأت ، قالت : وصديقك محمود الذي من جيش التحرير الفلسطيني .. قلت : كما تشائين يا أم العبد ، كما تشائين .. قالت : احمل سلامي إلى الجميع ، كل من يقاتل عسكر اليهود له سلامي .. أخبرهم أن أمهم أم العبد تنتظرهم كلهم .. قل لهم : ارفعوا رؤوسكم دائماً ولا تخشوا أي شيء فالنصر لكم.. قلت : كما تريدين يا أم العبد .. كما تريدين .. قالت : متى سترحل .. قلت : صباحاً .. ودون أي كلمة .. خرجت من الغرفة .. وأغلقت الباب بهدوء شديد .. [/align] [/gdwl] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[gdwl] [align=justify] اليوم الأول أخذت أمرحب على الرجال أولاً بأول وأنا منشرح الصدر منطلق المحيا .. كانت معنويات الرجال على أحسن ما يكون .. والاستعداد على أشده .. فشددت على يد كل واحد منهم وشدوا فتألمت .. قلت : أياديكم صلبة يا رجال .. فضحكوا وقال أحدهم : ستصلب يدك يا مسعود ما دمت معنا ، فسعدت أنا الولد مسعود باليد التي ستصلب .. طلبت الذهاب للبحث عن الرجل حمدان وعبد الرحيم وفاطمة التي من طبرية فقال محمود الذي من جيش التحرير الفلسطيني : سترى الرجل حمدان وعبد الرحيم عند الصباح فهم قريبون من مواقع جيشنا ، أما فاطمة هذه فلا أعلم عنها أي شيء ، قلت : الرجل حمدان يعرفها وكذلك عبد الرحيم قال : تذكرت ، سألني عنها الرجل حمدان ذات مرة ، ولكن لست أعرفها كما أخبرتك .. قلت : سنرى عند الصباح ، سنرى .. كان الليل بارداً ، وكنت بين الحين والحين أنصت إلى حديث الرجال المليء بالأمل ، فأشعر بالدفء .. اقترب أحد الجنود وكان اسمه خالد قال لي : ما بك يا مسعود ، أراك تحب الوحدة .. قلت : إنني أفكر .. ضحك خالد وقال : نحن هنا أسرة واحدة ، ولا نحب الفردية.. قلت : ومن قال لك إنني أحب الفردية ولكن كما تعلم ، فهذا أول يوم لي في هذا المكان ، وغداً ستراني أشارك هذه الأسرة في كل شيء .. قال بهدوء لا تنزعج يا مسعود من كلامي ، فأنت تعلم أننا يد واحدة في مجابهة عساكر الاحتلال .. قلت : حتى الفصيح ذهب يبحث عن الرجل حمدان وعبد الرحيم وما عاد ..ضحك خالد: الفصيح الفصيح .. هل اسمه الفصيح ؟؟؟.. ارتسمت على شفتي ابتسامة تشبه ابتسامة أمي التي من عرعرة وقلت : من كثرة ما ناديناه بالفصيح تناسينا اسمه ـ حتى كدنا ننساه .. اقترب محمود منا وقال : عم تتحدثان ؟؟ قلت : يسألني خالد عن اسم الفصيح .. قال محمود : أتعلم ، هذا ما كنت أريد أن أعرفه منذ قدمته لنا اليوم ولكن ظننت أنه اسمه مما دعاني للصمت .. قلت : اسمه رشيد ، ولكن إن سألت كل من في جريدتنا فلن يعرفوا من هو رشيد، أما إن سألت عن الفصيح فسيعرفونه فوراً .. قال خالد : أما زلت تشعر بالوحدة .. قال محمود: أي وحدة هذه ، كلنا هنا أسرة واحدة .. قلت : أنت تعرف يا محمود أنني لا أحب الفردية ولكن هو اليوم الأول .. قال : لابد أنك تفكر أين ذهب رشيد قلت : من رشيد هذا ؟؟ ضحكا معاً .. قال خالد : حتى أنت يا مسعود .. فتذكرت الفصيح وضحكت.. [/align] [/gdwl] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[gdwl]
[align=justify] الوجوه التي ألفتها … من بعيد ، كنت أسمع بين الحين والحين ، صوت طلقات الرصاص فأرجع بالذاكرة إلى أيام بيروت واذهب في التذكر حتى حدود الشغف ، وتتراءى أمام ناظري تلك الصور حية خصبة بكل ملامحها التي كانت .. كنت أيامها مليئاً بذلك الشعور الدافئ الحبيب ، فقد كان علينا أن نصمد، وصمدنا.. وكان علينا أن نقاتل فقاتلنا .. وها أنا أتطلع إلى الأمام ، أرقب ذلك اليوم الذي نقاتل فيه عسكر اليهود من جديد ، وما أظنه بعيداً ذلك اليوم.. وفي لحظة ما ، عندما سحبت الغطاء ولففته على كل جسدي ومن جميع الجهات ، أطلت أمي ذات الملامح القريبة الهادئة .. قالت : مساء الخير يا ولدي يا مسعود .. انساب خفقان القلب بشيء من قلق .. كنت على يقين بأنها رحلت عن الحياة منذ زمن .. ولكن .. اقتربت أصابعها ذات الإبهام العريض إلى حد غريب في اليد اليمنى ، والتفت على طرف الغطاء ، وشدت .. وانتبهت بشكل مباغت إلى الدم الذي ما زال يتدفق من ثديها الأيسر المطعون .. قلت : أما جف الدم بعد يا أمي ؟؟ ..ارتسمت ملامح الصرخة الفزعة على صفحة وجهها وقالت : كيف يجف يا مسعود ، كيف يجف ؟؟.. قلت : الزمن يا أمي .. الزمن .. شدت أصابعها ذات الإبهام العريض على كتفي فارتعشت .. كنت خائفاً ومبهوتاً وغائماً .. قالت الأم ذات الصدر المفتوح والثدي المطعون : أي زمن يا مسعود ، أي زمن ؟؟ لا يجف الجرح ، ولا يجف الدم إلا بالثأر يا ولدي ، إلا بالثأر يا ولدي .. بالثأر.. وغاصت أصابعها في القلب .. وانسحب الجرح في شوارع صبرا ، وفي شوارع شاتيلا وأخذت أمي توزع الرصاص على المقاتلين .. أخذت أبحث أوائل الصباح عن أمي .. لم تكن في الخيمة ، وما كانت خارجها .. قال خالد : صباح الخير يا مسعود عن أي شيء تبحث ؟؟؟.. ضحكت.. قلت : عن أمي يا خالد .. هزّ خالد رأسه ومضى.. قلت : أودّع الرجال وأبحث عن عبد الرحيم والرجل حمدان وفاطمة التي من طبرية.. وطالعني وجه رشيد الفصيح بحرارة وحب عند خروجه من خيمة أخرى على بعد خطوات .. قلت : أين كنت يا رشيد ؟؟ فبانت علامات الاستغراب على وجهه حين سمع اسمه الذي طغى عليه الفصيح .. قال : بحثت عن الرجل حمدان وعبد الرحيم فما وجدتهما .. قلت : أما سألت أين هما ؟؟ قال: علينا أن نلتحق بمواقعنا قبل أي شيء آخر .. وبعدها سنعرف .. توجهنا معاً لتوديع الرجال .. أصرّوا على تناول الفطور معهم .. ففعلنا .. وحين مددت يدي مصافحاً ، قال محمود : المكان قريب ، لا تقطعا الزيارة .. قلت بالتأكيد يا محمود بالتأكيد وتفاصح رشيد قائلاً : هذا أمر مفروغ منه ، لا جدال فيه .. سبقت رشيد بقفزات سريعة .. قال بغضب : تمهل يا مسعود ما بك ؟؟.. ضحكت ضحكة طويلة، قلت : ماذا سيقول الرجل حمدان حين نلقاه يا رشيد؟؟ حاذاني لاهثاً ، وقال : بماذا تفكر يا مسعود ؟؟ أجبت : أتعلم يا رشيد كانت أمي قريبة مني إلى درجة لا يمكن أن تقترب من الحلم .. قال : ماذا تقصد ؟؟ حكيت عن أصابعها وصدرها المفتوح وثديها المطعون .. قال: لابد من ذلك ، لا يندمل الجرح إلا بالثأر .. قلت : هذا ما قالته أم العبد ألف مرة ، ترى ماذا تفعل الآن؟؟ ما أجاب الفصيح ، بل أخرج علبة سجائره وأشعل اثنتين ، ناولني واحدة ، وظل صامتاً .. قلت : لابد من الرجوع إلى تلك الشجرة التي حملت بصماتي وبصمات أبي .. قلت : هاهي مواقعنا يا مسعود .. قلت : أجل ، هاهي مواقعنا يا رشيد .. شدّ كل الرجال على يدينا .. ومن عناق إلى عناق، كنت أرى الوجوه التي ألفتها من قبل .. وما طالت فترة الأسئلة والأجوبة عن وعن .. كان علينا أن نتسلم أجهزتنا من سلاح ولباس وذخيرة .. وبعدها .. ذهبنا إلى خيمة واحدة أنا ورشيد .. رتبنا أمورنا الصغيرة في وقت قليل .. وأصبحنا بعيدين عن أيام الاسترخاء .. الآن على كل واحد منا أن يبقى يقظاً إلى أبعد حد .. قلت : نبحث عن الرجل حمدان وعبد الرحيم وفاطمة التي من طبرية .. قال رشيد: تمهل يا مسعود .. تمهل .. قلت : ولم التمهل ؟؟ قال رشيد : سنسأل الرجال، وبعدها نبحث .. قلت : هو كذلك .. هو كذلك .. وما بدأنا بالسؤال حتى قيل لنا ، سيعودان بعد حين .. وما عرفنا هذا الحين .. ولكن ما كان علينا إلا الانتظار .. فقد كنا على يقين بأنه لن يقال لنا متى سيعودان .. [/align] [/gdwl] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[gdwl]
[align=justify] رويت ما رويت انتظرنا على مضض .. وما طال الانتظار ولا طال المضض .. فقد أقبل الرجل حمدان ومعه عبد الرحيم .. وكان عناق و شيء من دمع .. أسئلة كثيرة ، وأجوبة .. ثم جاء دور الصمت .. وكل واحد منا يفكر بما شاء له هواه .. وبعد حين، أطلّ السؤال الملح ، قلت : أما وجدتما فاطمة التي من طبرية ؟؟ أجاب الرجل حمدان : بحثنا يا مسعود ، بحثنا ، بعضهم أخبرنا بأنها في الجنوب ، وبعضهم أخبرنا أنها ليست في الجنوب، وما بين هذا وذاك كانت حيرتنا تكبر وتكبر .. قال رشيد : لابد أن نجدها ذات يوم ، لابد.. ضحك عبد الرحيم وقال : والله لقد عشقت فاطمة هذه من كثرة ما سألت عنها ، وكل مرة أشعر بأنني أحبها أكثر .. وأصرّ الرجل حمدان: ذات يوم ستكون إلى جانبنا ونحن نقاتل عسكر الاحتلال .. قلت : لابد..لم تكن أيامنا كما كانت من قبل فهنا ، كان الشعور بالجماعية يسيطر علينا.. ومن الصعب ، أن يبقى أحدنا وحيداً .. فالوقت مشحون بأحاديث كثيرة لا تهدأ .. وكلها تصب باتجاه واحد ، الإصرار على مقاتلة عسكر اليهود.. وكنا نستعد ، نتدرب .. نعمل نبني دقائقنا بناء متواصلاً لا يهدأ.. وكنت أفي بالوعد ، فأكتب لرئيس التحرير أولاً بأول .. وكان وقت الكتابة في المساء ، داخل الخيمة التي أصبحت تضم إضافة للولد مسعود الذي هو أنا ، ولرشيد الذي هو الفصيح ، الرجل حمدان وعبد الرحيم وثلاثة آخرين هم نايف العوض العبد الله الذي عشق ذات الخال وعشقته ، وفرّق الاحتلال بينهما ، فبقيت هي في الناصرة ، وخرج هو لاجئاً يحمل قلبه الملتهب .. وسمير الذي من اللد.. وأيضاً عامر الذي من قرية البروة التي ما أبقى عليها الاحتلال فنسفها ومحاها عن الأرض.. وما استطاع أن ينسفها في القلوب ، فحملها محمود درويش كما حملها غيره لتبقى أقوى من النسف والتدمير .. وبينما كان نايف العوض العبد الله يتحدث للرجل حمدان عن ذات الخال .. كان صاحب البروة يحدثنا عن حالة الوجد والغليان .. قلت : أنا الولد مسعود أفهمها دون مقدمات .. قال : هات حدثنا.. فرحت أحدثه عن مسعدة فاستطاب .. قلت : أتعرف عرعرة ذات شجر الزيتون ؟؟ قال : أعرف عن كل قرية ومدينة في فلسطين الكثير… فانشرح الصدر مني ، ورويت ما رويت عن طفولة ما اكتملت كما تكتمل الطفولة عادة ، ولعنت الاحتلال ، فلعن .. وجاءت لعنة رشيد لتتبعها لعنة عبد الرحيم .. فقلت : وماذا عن نايف العوض العبد الله والرجل حمدان ؟؟ .. فلعنا الاحتلال ومن خلف الاحتلال ومن صنعه .. قلت : لا سبيل سوى القتال .. وتابع الرجل حمدان : هو الطريق الوحيد ، ولا سواه .. [/align] [/gdwl] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[gdwl]
[align=justify] ما تأخرت الدقائق كانت الدقائق مشحونة بالترقب والتوتر وكانت اللحظات تنسحب ببطء.. وكلما اقتربت الشمس من مغيبها ، كنا نقترب من طلوع شمسنا الصغيرة ، التي لابد أن تشكل مع مثيلاتها ، شمسنا الكبيرة الرائعة .. قال نايف العوض العبد الله هذه عاشر عملية أشترك بها في الجنوب ..وقال سمير الذي من اللد: هذه الثامنة وتطلع عامر الذي من البروة بصمت وما قال أي شيء.. وكان رشيد الفصيح يعيد تركيب رشاشه بعد تنظيف كل قطعة فيه .. قلت في نفسي : الولد مسعود سيقاتل من جديد عسكر اليهود .. وشدت قبضتي على المخزن بقوة .. كان المخزن بارداً محايداً ، جامداً .. قلت : غداً سأكتب لرئيس التحرير .. قال ماجد قائد مجموعتنا : إذا أراد أحدكم أن يستوضح عن أي شيء ، فأنا على استعداد .. قلت : عندي سؤال .. ابتسم ماجد وقال: هات ما عندك يا مسعود .. فحكيت عن مسعدة وعرعرة القريبة من عارة.. قال : وأين السؤال يا مسعود ؟؟ ..ضحك الرجل حمدان وصاح : مسعود يريد أن يذكر مسعدة ولا يريد أن يسأل .. وقال عبد الرحيم : غريب يا مسعود، تحدث عن شيء يهمنا الآن .. قلت : لماذا لا نذهب إلى هناك ؟؟.. شدّ ماجد على يدي وقال : تأكد سنذهب ذات يوم .. ففرحت بذلك وانشرح الصدر مني والمخزن المليء بالرصاص .. وابتدأ التحرك .. كنا عشرة أفراد وقائد مجموعتنا .. وكانت التعليمات مشددة بضرورة الحذر والانتباه .. الابتعاد عن أي خطأ .. تنفيذ العملية بشكل متكامل .. ولا أدري لماذا شعرت بشيء من فرح طفولي يباغتني .. تمنيت أن أصيح ،أن أركض، أن أضحك بصوت مرتفع .. وسحبتني إشارة قائد مجموعتنا من أفكاري ومشاعري .. فانبطحت كما فعل الباقون .. وأخذنا نزحف .. ولأول مرة شعرت بثقل الرشاش المرفوع على راحتيّ ، والقريب من وجهي .. الآن ، كان علينا أن نصمت وبشكل مطلق .. أن نتحرك بصمت .. أن نتنقل بصمت .. وأن نتحدث بصمت .. وارتعشتُ/ كانت الوجوه قريبة ، جامدة ، باردة../ قالت أمي : هؤلاء هم عسكر اليهود .. ولكن .. علينا الالتزام بالأوامر .. والتزمت على مضض، وعلى أكثر من مضض .. تجاوزناهم.. مضت دقائق .. وعدنا للتحرك السريع .. والزحف .. فالتحرك السريع وبعدها تمركزنا .. دقائق .. وستمرّ ثلاث شاحنات محملة بعسكر اليهود .. وما تأخرت هذه الدقائق .. وارتفعت يد قائد مجموعتنا .. أعطى الإشارة.. وما عادت يده إلى الارتفاع مرة ثانية ، حتى تبدد الصمت برصاص مفاجئ.. وأخذت الوجوه الجامدة الباردة تغرق بحيرة غريبة .. تبعثروا.. تشتتوا .. وارتسمت أمام ناظري فتحة في الصدر وأخذت شوارع صبرا وشاتيلا تسبح بالدم .. الدم .. الدم .. ورأيت طفلة تسقط ممزقة تحت السكين الغادرة.. وشددت على الزناد .. وبكيت .. بكيت .. هؤلاء هم الذين قتلوا أمي.. هؤلاء هم الذين أخذوا عارة وعرعرة وشردوني .. وركض طفل ما تجاوز السادسة من عمره يحاول الهروب من مخيم صبرا ، ضحك الجلاد، وعلقه على طرف الحربة الباردة .. صرخت بحرقة : هؤلاء هم .. وانتهى المخزن الثالث .. الرابع .. أطلقوا القنابل المضيئة .. الرصاص .. وكانوا خائفين .. وما كانت أمي تملك بندقية .. ورغم ذلك قتلوها .. كانت الطفلة تحمل دفتر رسم ، فسقط رأسها الصغير على الدفتر وأصبحت كل الصفحات حمراء .. أعطى قائد مجموعتنا أمراً بالانسحاب.. وانتهى المخزن التاسع .. وشيئاً فشيئاً كنا نتراجع ببطء .. أحاطوا بنا من كل جهة .. وحين تأكدوا من وقوعنا في الحصار ، ضمن الدائرة التي فرضوها علينا .. كانت مجموعتنا تقدم تقريراً كاملاً عن نجاح العملية .. وكنت بعدها أحدّث الرجل حمدان وعبد الرحيم ورشيد الفصيح ونايف العوض العبد الله وسواهم عن مسعدة ، وكانت خيمتنا مليئة بالدفء والفرح .. والشعور بالأمل .. [/align] [/gdwl] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[gdwl]
[align=justify] زيتونة في عرعرة ! ومن عملية إلى أخرى ، كنت أروي للأصحاب عن ذلك الشعور الذي يلازمني ملازمة الروح بالفخار .. وكان الصحاب يؤكدون على مثله، فأهلل .. وكانوا يضحكون ، كلما تطلعت من فوهة البندقية لأطل على الغد المشرق ، وما كان ضحكهم إلا الزاد الذي نتزود به ، ولا نستغني عنه،فدائماً عليك أن تضحك ، حتى وأنت تطلق الرصاص .. و إلا .. ماذا و إلا قال نايف العوض العبد الله ؟؟.. أجبت أنا الولد مسعود : و إلا سيطر علينا الكمد ، وأنا لا أحب الكمد ولا أستطيبه وكثيراً ما أحب ـ أنا الولد مسعود بطبيعة الحال ـ الضحك حتى من خلال الدمع .. وأسوق لك مثالاً لا علاقة له بالموضوع ، فحين حدثني الرجل حمدان ، عن الظل الذي يمتد من عرعرة إلى قلبي ما ضحكت ، بل صدقت وصدقت ، وصار هذا الظل جزءاً من حياتي ، وصدق أو لا تصدق، بأنني كثيراً ما أرى ـ أنا الولد مسعود بطبيعة الحال ـ عرعرة وعارة من خلال هذا الظل الذي حدثني عنه الرجل حمدان ما حدث .. والشيء بالشيء يذكر ـ كما يقولون ـ فقد وهبت طبيعة تقريب كل بعيد حتى يصير بمرأى مني ومسمع ، وهذا ما جعلني أركض كثيراً في شوارع عرعرة أو أزقتها ، وهذا أيضاً ، ما يجعلني أرى يوم العودة أقرب من قريب .. وحدث إن شئت أن تحدث ، عن الولد مسعود، الذي أبصر في طول القلب وعرضه ، ذلك الشراع المتوجه إلى البلد ، وهو يحمل الكثير من الأهل العائدين .. وبلغ إن شئت أن تبلغ ، أن الولد مسعود ما رأى الطريق إلا من فوهة بندقية.. وأنه ـ أي أنا الولد مسعود ـ ما دخل في حقيقة الحلم على حصان مجنح بخيال ، أو وردة مرسومة في دفتر، ولكن على مسافة زمنية اسمها النار ، الدم ، الشهادة ، الفداء ، فبغير هذا، وذاك ، وذلك ، لا يكون وصول ، ولا يكون وطن ، ولا يكون بلوغ مأرب ، أو فيء زيتونة أمام بوابة دار في عرعرة أو غيرها من العرعرات المحتلة .. ويا .. صاحبي .. هكذا كان علينا أن نبني ، وأن نعمل ، وأن نقاتل .. وحين قالها نايف العوض العبد الله وهو يعبئ مخزن رشاشه برصاص جديد (الرصاص خبز الأرض المحتلة ) عرفت وعرف الصحاب ما كان يريد.. لذلك كان استعدادنا لعملية جديدة .. وما كان الرجل حمدان، الذي لهث متعباً حين قطعنا مسافة طويلة على الأقدام ، ما كان أقل منا فرحاً أو راحة ، وهو يطلق الرصاص ، ويذكرني بأمي ذات الصدر المفتوح .. وكنت أعرف ، أنهما الأرض وأمي جسد واحد وصدر واحد وقلب واحد ، وأن لحظة انتشارنا على الزناد هي الماء الطيب الذي يستطيع أن يجعل شجرة الزيتون في عرعرة تورق .. ويا صاحبي .. سنكبر .. ونكبر .. ونرى أجنة اليمام في رحم الأرض .. حين تورق الأرض بأهلها العاشقين .. وعندها ، ستكون الرصاصة بعيدة عن اليد .. ولكننا الآن في الطريق .. نقاتل ونقاتل .. ونبحث عن فاطمة التي من طبرية إن سألت .. ولا نجدها .. ونعرف أننا سنجدها .. ونستطيع أن نضحك ، ونضحك .. لأننا يا صاحبي قوم يؤمن بالتفاؤل الدائم ، ولا نؤمن بسواه .. فبشر إن أردت أن تبشر ، أنه لابد من العودة .. لابد .. [/align] [/gdwl] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[gdwl]
[align=justify] كما قدوم النهار ولأن الحنين إلى أم العبد ذات العيون المتوقدة ، هو حنين ملازم لي في كل الأوقات .. فقد أرسلت رسالة لها ، أحكي فيها عن فاطمة التي ما وجدناها وأحكي أيضاً عن الرجل حمدان وعبد الرحيم والسلامات المرسلة إليها.. وتخيلت ـ أنا الولد مسعود ـ أن أم العبد تضحك تتمشى في الغرفة وتضحك، تتذكر أبا العبد ، وتضحك .. وبين الحين والحين تأخذ في التذكر الطويل، وتحكي عن طبرية ، وأيام طبرية ، ويطيب لها ، أن تشعر بالدفء .. وكنت ـ أنا الولد مسعود الذي من عرعرة ـ أتمنى أن أرى أم العبد عما قريب لا من أجل شيء محدد ، ولكن من أجل كل شيء .. ولأحكي طويلاً عن الشعور بالفخر والاعتزاز وأنا أقاتل عسكر اليهود في كل عملية كنا نقوم بها .. وأنا أعرف ، أن ذات العيون المتوقدة ، ستفرح حين تسمع عن نايف العوض العبد الله العاشق المسافر أبداً إلى الحبيبة الأسيرة .. وستقول ـ ذات العيون المتوقدة ـ وماذا عن صاحب البروة ؟؟ وسأقول لها ، منشرح القلب والذاكرة ، إن صاحب البروة، مصمم على العودة إليها ليرجعها كما كانت قبل النسف والتدمير ، وعندها أقول ـ أنا الولد مسعود ـ لن يكون احتلال ، وستكون الأرض حبلى بالدفء العظيم .. ولأن آخر عملية قمنا بها ، مساء البارحة بالتحديد، جعلتنا نحمل معنا شهيداً من الرجال ، قبض على الرشاش بقوة وما تركه حتى بعد أن لفظ آخر الأنفاس فقد تساءلت : أيمكن لشجرة الزيتون أن تكون أطول قامة من قاماتنا ما دمنا نقبض على سلاحنا بهذه القوة ؟؟ وأجبت ـ أنا الولد مسعود ـ إن شجرة الزيتون لا يمكن أن تكون إلا من صنع يدنا .. وفرحت .. فرحت لأن الشهادة ، تعلمنا أن الخصب مستمر .. كما الولادة ، كما إطلالة الشمس ، كما قدوم النهار .. ولا نريد أن نحزن كثيراً ، أن نذرف الدمع كثيراً ، أن نفقد شيئاً من توقد الأمل .. فحتى مع الشهادة ، نؤمن ، ويجب أن نؤمن ، بأنه لن تكون هناك حرية ، أو شجرة زيتون من صنع يدنا دون دم ، ودون شهادة ، ودون خصب .. ولا أطيل ـ أنا الولد مسعود ـ في الحديث عن صورة الوطن ، والطريق إلى الوطن ، إلا لأن الحب مشرع والقلب مشرع والذاكرة مشرعة .. وبين هذا وهذا وذاك ، نمتلئ بالوطن الأمل .. لأن يدنا تقبض بشدة على السلاح .. ترفعه .. وتعرف كيف تضغط على الزناد.. وكيف تقاتل عسكر اليهود .. كل ذلك ، كتبته لرئيس التحرير ، وعرفت أنه سيبتسم إن طاب له أن يبتسم.. ولأنكم تعرفون ، أن رئيس التحرير كثيراً ما يكفهر ويكاد يمطر غضباً دون تحديد الفصول فهو في الشتاء مثلما في الصيف .. فأنا ـ الولد مسعود ـ وحتى نتلافى غضبه أودعكم .. [/align] [/gdwl] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[gdwl]
[align=justify] للمرة الأخيرة أطلقت أمي العنان لزغرودة لفتها على شارع في القلب ، وكنت قد أصبت بجراح بشظية أشعلت خاصرتي بالنزيف وصدري بالدم .. وتذكرت .. تذكرت أنا الولد مسعود الذي من عرعرة القريبة من عارة الذي أحب مسعدة ، وبحث طويلاً عن فاطمة التي من طبرية ، تذكرت ، أنني أريد أن أكتب لكم للمرة الأخيرة ، وكانت أمي تريد أن تكتب لكم للمرة الأخيرة، ولكنها أطلقت العنان لزغرودة لفتها على شارع في القلب ..وتذكرت ، تذكرت أنا الولد مسعود ، شاعرنا توفيق زياد الذي من الناصرة وهو يقول (أناديكم أشد على أياديكم .. وأبوس الأرض تحت نعالكم .. وأقول أفديكم ) فبكيت و ضحكت وأخذت أركض في عرعرة من مكان إلى مكان ، كانت الأرض ساخنة ، والأشجار ساخنة وحتى الوجوه ، كانت ساخنة .. ومن بينها أطلّ وجه مسعدة ساخناً من فرح ، ففرحت وصرخت: وأنا أحب الأرض ، وأحب مسعدة وأحب الأشجار .. ودائماً تطلق أمي العنان لزغرودة لفتها على شارع في القلب ، وتزغرد: ماذا تريدين يا أمي ؟؟ تضحك أم مسعود ، وتضحك .. تأخذني إلى صدرها، تدور في الغرفة البعيدة .. فأرى أم العبد وهي تعانق أبا العبد الذي عاد محملاً بالأمل .. وأنا الولد مسعود ، أقفز من جذع ، إلى جذع ، وعرعرة تصبح امرأة تضع على رأسها طرحة العرس ، وتضحك ، فأضحك .. تدخل في مساماتي ، فأدخل في مساماتها .. ومسعدة تلف صدري برائحة البرتقال ، ورائحة الزيتون فأضحك .. أضحك .. وتطلق أمي العنان لزغرودة لفتها على شارع في القلب .. وللمرة الأخيرة ، كنت أريد أن أكتب لكم وأمسكت أمي القلم ، ووقفت أنا بين شجرة وأخرى سألتني أم العبد : كيف الحال يا ولدي مسعود ؟؟ ووضعت يدها على جبيني .. قالت أم العبد: حرارته مرتفعة.. وشعرت أنا الولد مسعود بسخونة الأرض وسخونة الأشجار ، وأخذت أقفز من مكان إلى مكان .. قال رئيس التحرير : يجب أن تكون الكلمات معبّرة عن حرارة في القلب .. عن حرارة في الشوق .. وكانت أمي تطلق العنان لزغرودة .. وأخذت أضم الأشجار .. الأرض .. عرعرة .. مسعدة ....كانت الشمس تقترب ، تدخل في مساحة القلب ، وكانت الجراح ، الخاصرة ، النزيف.. واقتربت أمي مني ، شدت على يدي، مسحت على جبيني .. قالت : ماذا تريد يا ولدي..؟ .. قلت : خذيني إلى عرعرة يا أمي .. وحملتني .. حملتني .. ومضت .. كانت الأشجار تقترب ، الأرض تقترب وعرعرة .. وكنت أكتب ، كنت للمرة الأخيرة ، أصافح شجرة من أشجار عرعرة .. وكان نزيف .. وأمي .. وأغلقت قلبي على الأرض ، هناك في عرعرة على الأرض .. وضحكت .. [/align] [/gdwl] |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
السلام عليكم
صورت أستاذنا الكبير حال هذا الولد المتعب بشكل تفصلي واقعي قوي... حتى أن العنوان بداية , شدنا وجذبنا .. سررت بالمرور من هنا اتمنى ان أكمل النص لاحقا... كل التوفيق أرجوه لك.. |
رد: رواية أحاديث الولد مسعود ....... طبعة أولى 1984
[align=justify]
للمرة الأخيرة .. أستاذي الجليل ؟ طبعا لن تكون المرة الأخيرة التي أعيش فيها هذا الإحساس الصادق بالحب و الدفء المنبعث من بين أشجار البرتقال و الزيتون . وأشنف أذني بزغرودة الأم .. هذه الزغرودة التي جاءت على شكل لازمة لقصيدة وليس لنص روائي عبق برائحة التراب المضمح بالدماء الزكية . دام لك الحب ولإبداعك كل التقدير . [/align] |
الساعة الآن 37 : 02 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية