منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   فنجان قهوة ومساحة من البوح (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=274)
-   -   دعوة إلى فنجان قهوة.... (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=30598)

محمد توفيق الصواف 20 / 08 / 2016 45 : 11 PM

دعوة إلى فنجان قهوة....
 
الأعزاء في (نور الأدب).. مساء الخير لكم جميعاً..
في ضوء ترحيب البعض بالاقتراح الذي طرحتُه قبل أيام..، وأقصد اقتراح البدء بتوسيع تعليقاتنا على ما ننشره من نصوص إبداعية في الموقع، تمهيداً لتحويلها إلى أحاديث نقدية خفيفة غير مُقيَّدة بالتزام قواعد أيِّ مدرسة نقدية، ورغبةً في فعل أمور أخرى كثيرة ذكرتُها هناك ونسيتُها هنا، حِرْتُ بأي نصٍّ أبدأ تجربة تجسيد هذا الاقتراح واقعاً..
ومصدر حيرتي كان خشيتي من احتمال أن أُضايق صاحب النصِّ الذي أختاره لبدء التجربة.. فماذا إِن لم تُعجبه تجربة هذا النوع من النقد على نصٍّ من نصوصه؟..
في الحالات العادية، ولو كنتُ أريد ممارسة النقد خارج هذا الموقع، لما فكرتُ لحظةً بمراعاة مشاعر صاحب النص الذي أُريد نقده.. لقناعتي التامة بأنْ لا مجاملةَ في النقد، وإلا أصبح مدحاً ممجوجاً أو تملقاً أو أيَّ نوع آخر من الكلام إلَّا النقد..
لكنْ في موقع نور الأدب، الأمرُ، بالنسبة لي على الأقل، يختلف تماماً، فهنا أخوةٌ وأصدقاء وأحباب..!
هل يعني هذا الكلام جوازَ انحراف خطِّ النقد عن الجدية والموضوعية إذا كان صاحبُ النصِّ المراد نقده صديقاً أو حبيباً أو أخاً أو... أو...؟
بالتأكيد لا.. ولكن في مثل هذه الحال، قد يكون من الواجب اختيار الكلمات والعبارات بدقة ومهارة لتخفيف وقعها على سمعه ونفسه، وتحويلها إلى ما يشبه همسَ النصيحة في أُذنِ من نُحب إذا وجدناه أخطأ عن غير قصد.. فلا تقريعَ ولا تعنيفَ ولا سخريةَ ولا هزء ولا محاولة لتوسيع الخروق بتسليط الأضواء القوية عليها وعلى ما في النصِّ من عيوب أخرى سواء كانت عيوباً في الصياغة أو أخطاء لغوية ونحوية وإملائية وما أشبه..
نعم.. فبهذا النوع من الهمس الذي يُشبه الهمس بين أصدقاء وأحباب، يمكن أن نُمارس نقداً يتجاوز عبارات المجاملة التي اعتدنا أن نصوغ بها تعليقاتنا على ما ينشره كلٌّ منا في الموقع، من جهة، ويُبيِّنُ، في ذات الوقت، ما نلاحظه ونعثر عليه من أخطاء وهنات دون تجريح من جهة ثانية.. أي ننقد لنُنَبِّهَ صاحب النصِّ إلى ما يَعيب نصَّه من أخطاء، بهدف دفعه إلى تفاديها مستقبلاً، وبذلك نُساعده على تطوير موهبته وتمكينه من امتلاك أدوات فنه واستخدامها بشكل صحيح وخبرة أفضل، إنْ كان مبتدئاً، دون ممارسة دور الأستاذ عليه..؛ وإذا كان مبدعاً كبيراً ومحترفاً نبهناه إلى ما قد نجده في نصه من هنات وقعَتْ سهواً، وقلَّما ينجو منها نصٌّ أدبي أو فكري، أيّاً كانت براعة مؤلفه وشهرته ودرجته..
وبصراحة لأنني لم أعتَدْ هذا اللون من النقد اللطيف، ولم أُمارسْه قبلاً، ولرغبتي في تجربته أيضاً ورؤية نوعية ردود الفعل عليه ونوعية نتائجه؛
ثم لأنني بقيتُ متردداً في اختيار النصِّ الأول الذي سأبدأ فيه تجربتي، ، على الرغم من كلِّ الاحتياطات التي ذكرتُها آنفاً،
ثم لأنني بعد أن بحثتُ مراراً وتكراراً في المنشور من النصوص حديثاً، وأَجَلْتُ فيها بصري وباصرتي، واخترتُ أحدها ليكون الأول في هذه التجربة، رحتُ أتصوَّر أنماط الأحاديث التي يُمكن أن يُديرها أعضاء الموقع وزواره الكرام حول هذا النصِّ المختار، فإذا بي أُحجم عن اختياري له، خصوصاً بعدما وجدتني عاجزاً عن التوصُّل إلى جواب صاحبه لو سألني عاتباً: لماذا بدأتَ تجربتكَ بي؟
لذا، وتفادياً لإحراج البدء، إذا جاز التعبير، رأيتُ أن يكون النص الأول لي، وأن أدعو الجميع إلى التعليق عليه، وأن ينتظروا ردودي على تعليقاتهم، ليعودوا ويُناقشوني بما قلتُه فيها، ومن أراد منهم أن يحاور عضواً آخر في تعليقه على ذات النص فَلَهُ ذلك..
ولتلطيف الجو أكثر، رأيتُ أن يكون النصُّ الأول الذي أطرحه أقربَ إلى الأدب الساخر، فكان قصة قصيرة/غير ساخرة بيني وبينكم/ابتسامة، أمَّا عنوانُ هذه القصة التي نشرتُها في (نور الأدب) بتاريخ 29/1/2011، وسأُعيد نشرها الآن، فهو (خبر كاذب)،..
بالطبع لكم مُطلق الحرية في التعليق على هذه القصة المسكينة كيف شئتم.. لا يتحرجَنَّ أحدٌ منكم أن يقول عنها أيَّ شيء يخطر على باله.. ليكتب الانطباع الأول الذي تَوَلَّدَ في نفسه عقب الانتهاء من قراءتها مباشرة، وليكتبه وينشره على الموقع دون تجميل أو تعديل أو تلطيف، ولا يخافَنَّ من أن يجرح مشاعري مثلاً، فأنا لا أتأثر بما يُكتَب عني، ليس لأنني بلا إحساس أيْ (متمسح) ـــــ لا سمح الله ــــــ بل لقناعتي العميقة بأنَّ من يريد أن يقرأ الناس ما يكتبه لهم، أيّاً كان نوعه، فعليه أن يكون قد أعدَّ نفسه لاحتمال ردود فعلهم أيّاً كان نوعها..، وإلا فليكتب لنفسه، وليُبقِ ما يكتبه طيَّ أدراجه..
ملاحظة /1/:
يمكن لمن يرغب أن يُعلِّقَ على حديثي الطويل هذا أيضاً، وليس على القصة التي سأُوردها بعده فقط أن يفعل، كما يمكن التعليق على النص والقصة معاً لمن يريد.. فكلُّ ما يُنشَر يمكن أن يكون، ودون استثناء، مادة للنقد..
ملاحظة /2/:
بعد تجربة البدء هذه، سأترك لكم حرية اختيار النص التالي لنصِّ قصتي التي اخترتُها للبدء بهذه التجربة، هذا إن أعجبتكم التجربة أصلاً، فإن لم تُعجبكم، طويناها إلى غير رجعة...
وتقبلوا مني فائق الاحترام والتقدير..

خبر كاذب
قصة محمد توفيق الصواف
في ذلك الصباح المشؤوم، جلست إلى طاولة الإفطار، قبالة زوجتي التي بدت لي، لكثرة ما تحمله من هموم، أكبرَ من سيدنا نوح عليه السلام...
كنا هادِئَين كعادتنا كلَّ صباح، ينظر كلٌّ منا إلى الآخر، دون أن تنتابه أيُّ مشاعر من أيِّ نوع، ونتناول إفطارنا بصمت وملل، وكأننا في وليمة مأتم، نأكل بعد عودتنا من دفن عزيز...
مراراً غادرت طاولة الإفطار دون أن أتوقف عن الأكل، غادرتها بشرودي لا بجسدي.. أفكارٌ كالغيوم السوداء الثقيلة كانت تتلبَّد في سماء عقلي المضطرب، فتجعلني أخلط الزعتر بالمربى بدل الزيت، وأحمل اللقمة إلى عيني أو أنفي أحياناً... ومع ذلك لم تكن هذه التصرفات لتجعل زوجتي تبتسم مجرد ابتسام، لأنها غالباً ما تكون هي الأخرى في دنيا غير التي تجلس فيها إلى مائدة الطعام، فإذا بها تأكل وتشرب الشاي بحركات آلية معتادة، دون أن تحس بطعم ما تأكل أو تشرب...
ذلك اليوم، أَخْرَجَتْنا طرقاتٌ سريعة على باب البيت من رحلة شرودنا.. قفزتُ قبلها إلى الباب وفتحْتُه، فإذا بجاري أبو أكرم يقول لي، وقد استحال وجهه إلى إشارة تعجب كبيرة ومضحكة:
-هل سمعت الخبر؟؟
-أي خبر؟
-افتح الراديو واستمع، وأنا على استعداد لأن أحلف يميناً بالطلاق أنك لن تُصدِّقَ ما ستسمعه..
تركتُه يكملُ حديثه على الباب الذي بقي مفتوحاً، وهرعتُ إلى المذياع... شَغَّلْتُه، فإذا بصوت المذيع في أول إذاعة، يتحدثُ عن انفجار هنا وآخر هناك، وضحايا بالعشرات قُتلوا دون أن يعرف أحدهم لماذا قُتل...
أَدَرْتُ مُؤَشِّرَ المذياع إلى محطة أخرى، لأسمعَ مذيعَها يخبر مستمعيه المساكين بأن الدولة الديمقراطية العظمى قد أغارت قواتُها صباحَ اليوم على إحدى الدول الرجعية ذات النظام الديكتاتوري، واحتلَّتْ جزءاً كبيراً من أراضيها، بعد أنْ أَسْقَطَتْ نظامَها الحاكم الذي ينتهجُ سياسة قمعية، وذلك بهدف تحقيق الديمقراطية والحرية لشعب هذه الدولة الذي سقط منه كذا ألف بين قتيل وجريح، جرَّاء الاجتياح الديمقراطي لأراضيه...
أَسرعتُ أُغيِّر المحطة مرة أخرى، فإذا بي أسمعُ مذيعاً آخر ينقل لي خبرَ زواج أحد الزعماء العرب من راقصة كانت تعمل في إحدى علب الليل الباريسية، وذلك توفيراً لأمواله التي جمعها من ثروة بلاده العامرة، بعد أن نصحه أحد المقربين بأن زواجه من تلك الراقصة أوفر لثروة البلاد التي كان يُبَدِّدُها على حبيبة القلب في الملهى كل ليلة...
شعرتُ بالغثيان، وظننتُ بجاري الظنون، لولا أن أسعفني المذيع في المحطة الرابعة التي انتقلتُ إليها، بذلك الخبر الغريب الذي راح يذيعه بصوت متوتر عال:
(سيداتي سادتي... جاءنا الآن ما يلي:
بشكل غير مُتوقَّع، أصدرَتْ الحكومات العربية مجتمعةً، صباحَ هذا اليوم، قراراً تُعلن فيه مباشرتها بإلغاء جميع الحدود المصطنعة بين دولها الشقيقة، وبإغلاق جميع السجون والمعتقلات في بلدانها، وإطلاق الموقوفين فيها، وخصوصاً سجناء الرأي المخالف، مع السماح لكلِّ أبناء شعبنا العربي العظيم بحرية التعبير في مختلف المجالات، أيْ برفع قوانين الرقابة على وسائل الإعلام والفكر...
وعلى الصعيد الاقتصادي، قرَّرَتْ حكوماتُ الدول العربية، دون استثناء، وابتداء من اليوم، وَقْفَ ضخِّ نفط بلدانها، ووَقْفَ تصدير سائر ثرواتها الطبيعية الأخرى، بالأسعار شبه المجانية، إلى الدول الاستعمارية. وبالمقابل، قررت الحكومات العربية مجتمعةً وَقْفَ استيراد أيِّ مواد استهلاكية من تلك الدول المعادية لشعبنا العربي العظيم..
وعلى الصعيد العسكري، اتخذ الزعماء العرب قراراً استراتيجياً بالغ الأهمية يقضي بتوحيد جيوشهم في جيش واحد، وتحت إمرة قائد واحد، لن يترددوا في استدعائه من كبار القادة العرب الكبار الذين رحلوا إلى الآخرة، إذا لم يجدوا بين العرب المعاصرين من يصلحُ لأن يكون هذا القائد الذي سَيَكِلُون إليه إنجاز مهمة بالغة الخطورة تتمثل بتحرير فلسطين والعراق، وباقي الأراضي العربية المحتلة من قبل الدول المجاورة، المعادية والصديقة...
وهكذا، وبهذا التطور المذهل في الأحداث، ونتيجةً له، تمكَّن القادة العرب من إعلان دولتهم الجديدة الموحدة، كدولة عظمى وحيدة في العالم... وقد أكَّدوا أَنَّ مظاهر الوحدة ستشمل كلَّ مظاهر الحياة العربية، بما في ذلك جعل بداية شهر رمضان المبارك موحدة بالنسبة لكلِّ "الولايات العربية المتحدة" ـــــــ وهذا هو الاسم الذي اختاروه لدولتهم العظمى ــــــــ وجعل نهايته وبداية عيد الفطر السعيد واحدة أيضاً، تماماً كما كان عليه الحال في أيام الاستعمارين المملوكي والعثماني...
أما بالنسبة لحرية المعتقد، فقد تمَّ الاتفاق على أن يكونَ رائدَ الجميع في ذلك قولُه تعالى: (لا إكراهَ في الدين).. أي أن "الولايات العربية المتحدة" سوف يكفل دستورها الجديد حرية المعتقد حتى لمن لا يعتقدون إلا بأنفسهم، ما داموا لا يُؤذُون الآخرين....)...
للوهلة الأولى ظننت أنني أحلم، وأنَّ ما أسمعُه مجرد صوت نَبَتَ في الحلم ولا أصل له في أرض الواقع.. وحانت مني التفاتة إلى وجه زوجتي أستطلعُ أثرَ سماع الخبر في وجهها، فرأيتها تتثاءب، فعلمتُ أنها لم تتأثر، الأمر الذي جعلني أغضب وأصرخ في وجهها مؤنباً وموبخاً، وهو ما لم أفعله منذ سنين طويلة، بسبب اعتيادي على التنفس تحت الوحل... لكن المسكينة ما كادت تستفيق من سكونها الأبدي وتسمع الخبر من فمي حتى تَغَيَّرَتْ ـــــ والحق يُقال ـــــ تغيراً كلياً، فأسرعَتْ تَكُمُّ فمي بيدها لئلا يسمعني أحد، وتكون نهايتي ونهايتها فيما أرويه.. ولكن حين أكدتُ لها أنني سمعتُ الخبر من الإذاعة، تَغَيَّرَتْ ملامحُها وفرحَتْ فرحاً عظيماً عبَّرتْ عنه بإسراعها لإلقاء نفسها من الطابق الرابع، كما فَعَلَتْ المنتحراتُ الشهيراتُ حزناً على وفاة المرحوم عبد الحليم حافظ، حين سمعن خبر وفاته، لكن الله سَلَّمَ بالنسبة لزوجتي المصون، إذ تَدَارَكْتُها في اللحظة المناسبة...
حين عادت إلى رشدها، نَبَّهَتْني إلى أمر صحيح غفلتُ عنه..
ـــــــ ماذا لو كان الخبر الذي سمعتَه كاذباً؟ لماذا لا تحاول سماعه من محطة إذاعية أخرى؟ إنَّ مثل هذا الخبر لابد أنْ يستأثرَ باهتمام كلِّ الإذاعات العربية وغير العربية..
فسارعتُ أُطَمْئِنُها:
- لقد فعلتُ ذلك، قبل أن أصل إلى المحطة التي أذاعت الخبر..
فَرَجَتْني أن أعيد المحاولة مرة أخرى لِلتَثَبُّتِ لا أكثر.. فوافقْتُ.. ولكنني لم أسمع هذا الخبر إلا من تلك الإذاعة، فدخل الشكُّ إلى نفسي، ورحتُ أفكر في أمور كثيرة متضاربة... ولم يخرجني من دوامة تفكيري تلك، سوى الضجيج الهادر الذي تناهى إلى سمعي وسمع زوجتي من الشارع...
نظرنا فإذا الناس جميعاً في الشوارع يهتفون ويهزجون فرحاً بالخبر الذي بَثَّتْهُ تلك المحطة، والذي سرى فيهم سريان النار في الهشيم، فانفجر المكبوت من أيام الصحابة والأمويين والعباسيين دفعة واحدة، وعمَّ الفرح جميع أرجاء الوطن العربي...
لم أنتظر ريثما أُغيِّر ملابسي، فنزلتُ إلى الشارع بالبيجاما... أما زوجتي الحَيِيَّة فلم تنتبه إلى نفسها إلا في الشارع، حيث لاحظتُ ولاحظَ كثيرون غيري، أنها نزلَتْ بثياب النوم الشفافة... ولكن ما هَوَّنَ عليها وعليَّ الأمر أن معظم نساء الوطن العربي، حتى المحجبات منهن وزوجات الموصوفين بالأصولية والتزمت، قد نزلن إلى الشارع مثل المجنونات لا يدرين ما يلبسن، ولا يشعرنَ بما يَفْعَلْنَ، بسبب طغيان حالة الفرح على عقولهن... بل لاحظتُ، وأنا أبتسم، أنَّ جاري (أبو خالد) قد نسي بأن سرواله الداخلي الذي نزل فيه إلى الشارع، هو في الأصل، كيس طحين من مخلفات هدايا الولايات المتحدة الأمريكية إلى شعوب العالم الثالث...
فجأة، وبينما الناس ترقص وتغني فرحاً، طوَّقتْ قوات الجيش والشرطة، في أغلب البلدان العربية، جماهيرها الغفورة، وراحت تُفَرِّقُ جموعها بالعصي والرصاص الحيّ، حرصاً على النظام والأمن.. بينما طغتْ أصوات المكبرات المثبتة فوق سيارات عسكرية جوَّابة، على أصوات الجماهير الفرحة، وهي تعلن أنَّ الخبر عن قيام وحدة عربية كان خبراً كاذباً، ومغرضاً يهدف إلى زعزعة الأمن وتهييج المواطنين العرب دون فائدة..!! وأنَّ هذا الخبر الذي بَثَّتْهُ محطةٌ إذاعية معادية للأمة العربية وشعوبها ومصالحها وآمالها القومية والوطنية ومستقبلها، هو خبرٌ عارٍ عن الصحة...!!! ولذلك فإن الجهات العربية المسؤولة سوف تضرب بيد من حديد وربَّما من فولاذ ومن مختلف اللدائن الأخرى الأقسى والأكثر صلابة، كل من تُسَوِّل له نفسه، كائناً من كان، تصديقَ مثل هذا الخبر (الحقير) وإشاعته..
وهكذا عاد الناس إلى بيوتهم حزناً يجرجر قدميه على إسفلت الواقع، ودموعاً سخينة تنهمر على مساحات شاسعة من الخيبة، تُقَدَّرُ بمساحة الأرض العربية المحتلة، من المحيط إلى الخليج... وقد بلغت الخيبةُ ذروتَها والألمُ مداه، حين اتفقت جميع إذاعات العالم المتحضر والمتخلف، على بثِّ ضحكة مجلجلة هازئة من عواطف الشعب العربي الكبير....

فاطمة البشر 21 / 08 / 2016 10 : 01 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 

أ. محمد الصواف...
أحسنت فعلاً بفتح مساحة البوح هذه ...
(سأقول لك سراً بيني وبينك يبدو أنك سرقت ما أفكر به وأعمل عليه منذ فترة)
على كل حال ... ستعرف ما أقصد قريبا ..
سأعود لأقرأ القصة وأعلق عليها لاحقا...
أتيت لألق التحية ..
ولي عودة

محمد الصالح الجزائري 21 / 08 / 2016 38 : 01 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
[align=justify]صدّقني أخي الدكتور الصواف لو قلتُ لك كنتُ على يقين بأنك ستعطي مشرطك غيرك (ابتسامة) والكريم يبدأ بنفسه طبعا.. فمن كان له حاجة عند الصواف فليأخذها وبأيّ طريقة كانت فحينما يمسك برقاب نصوصكم فلن تلومنّ إلا أنفسكم (ابتسامة عريضة )..
1 ـ أعود إلى ما عرضته كمدخل لتقديم نصك إلى القراءة والنقد..فقد سعت سيدة المنتدى إلى نفس فكرتك وإن بطريقة أخرى وقبلها حاول المرحوم طلعت ، فأنشأ قسما للنقد (الميزان) وإليك الرابط :
http://www.nooreladab.com/vb/forumdisplay.php?f=334
2 ـ سأعيد قراءة قصتك مرات ومرات وبعدها سأقول كلمتي (لعملك أنّ النسخة الأصلية لمشرطك هي عندي الآن)..
[/align]

محمد توفيق الصواف 21 / 08 / 2016 26 : 01 PM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
أستاذة فاطمة..
شكراً لمرورك..
ودعيني أَقُلْ لكِ جهراً لا سراً:
أنا أبداً ما سرقتُ، في حياتي، فكرَ أحدٍ أو عمله، ولن أسرق..
وبالتالي، يبدو لي أنَّ ما ظننتِه سرقة قمتُ بها، كان نتاجَ تقارب في الفكر بيننا، وهذا أمرٌ شائع في عالم الثقافة والأدب، كما تعلمين..
تقبَّلي اعتذاري ومودتي..

محمد توفيق الصواف 21 / 08 / 2016 51 : 01 PM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
أخي الحبيب محمد الصالح..
شكراً للطفِ تعابيرك، ولهذه المودة التي تقطر من عباراتك.. وحلالٌ عليك المشرط، لأنني قررتُ دخول (مقهى فنجان القهوة للنقد) الذي افتتحتُه أمس، مسالماً بلا أسلحة، خشية أن يتهمني أحدٌ بالإرهاب، ولو بسبب مشرط نقدي.. أم نسيتَ أنني عربي مسلم، أي لا يحقُّ لي أن أمتلك حتى مشرطاً نقدياً، بينما يحق لمن ليست فيه هاتان الصفتان أن يمتلك طائرة وصاروخاً وقنبلة ذرية حتى، وأن يقتل الناس فيها بمئات الألوف، ويظل مع ذلك رجلَ السلام وداعيته والمؤهل وحده للحصول على جائزة نوبل للسلام!!
ما علينا يا سيدي.. ليس هنا موضع مثل هذا الحكي.. ولكنها (فَشَّة خلق)، كما يقول المثل عندنا نحن أهل الشام..
بالنسبة لرابط (الميزان) الذي اشرت إليه، زرتُه وأعرفه، وقرأتُ فيه موضوعات شتى غاية في الدقة والروعة، ونقاشات شارك فيها كثيرون.. ولا أكتمك سراً أنني فكرت بنقل مشروعي هذا إلى ذلك القسم، ثم عدلتُ عن ذلك لسبب بسيط جداً وهو أن لا أُسبغَ على هذا المشروع السمة الأكاديمية التي قد تجعل كثيرين يُعرضون عن المشاركة فيه.. فمقهى فنجان القهوة للنقد ليس مجلساً أكاديمياً، بل مجلس لجميع القراء من مختلف المستويات والمشارب، ولا أريد من أحد منهم ممارسة النقد فيه وفق أي مدرسة نقدية قديمة أو حديثة..
إنها مجرد محاولة لتوسيع دائرة النقد الانطباعي البسيط.. وبتعبير أدقّ هي محاولة لتوسيع مفهوم (نقد القارئ العادي) الذي أعتقد أنه مظلوم في كل أنحاء العالم، وفي كل العصور، لأن النقاد يُصادرون رأيه سلفاً في أي نص يُنشر، ويجبرونه على اعتناق رأيهم، بطريقة ما، والويل كل الويل له إن تمرد على تقييماتهم وتصنيفاتهم للنصوص التي ينقدونها وأصحابها أحياناً..
أترى أنني أطلتُ في الرد هنا؟
نعم أعرف، وأنا تقصَّدت ذلك لأقول للجميع في هذا المقهى أن يتحدثوا بعفويتهم وبقدر ما يشاؤون، عن اي موضوع وعن أي نص، على أمل أن تُفضي هذه التجربة إلى بلورة ملامح لنقد القارئ العادي، لا أريدها أن تكون مُلزمة بل قابلة للتغير المستمر، لأنني أومن بالتغيير الدائم وبإيجابية استمراره في تطوير الأفراد والشعوب والأمم..
وأما بالنسبة للقصة التي اقترحتُ بدء هذه التجربة بالتعليق عليها، فأنا أعرف أن فيها ثقوباً وعيوباً، أرجو أن يشير إليها من يراها بكل صراحة، وإذا رآها البعض خالية من العيوب، وهذا مستحيل، فلا اقلَّ من أن يُعربَ عن مدى انسجامه معها أثناء القراءة، وهل أعجبته، هل جذبته، هل كانت مشوقة أم مملة، هل وصلته فكرتُها ببساطة أم كانت غامضة أم لم تصله أبداً؟ وغير ذلك من تساؤلات مُشابهة أرجو الإجابة عنها بالنسبة لهذه القصة ثم بالنسبة لأي نص آخر يتلوها في الطرح للنقاش..
أشكر صبركَ على ثرثرتي، وأحترم رأيك، وأتمنى دوام ودّك..

عزة عامر 21 / 08 / 2016 06 : 04 PM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
أ. محمد توفيق الصواف ..جئت أسجل حضوري ..و ألبي دعوتك ..ولتقديري الشديد لأهمية الموضوع ..والذي أعلم ..أن مدى الإستفادة منه لن تنتهي إلى حد معين ..بل هي مطلقة.. وأعلم أيضا ما سيحدث لنصوصي هنا (إبتسامة) ولي عودة للمزيد من التركيز ..تحية وتقدير.

فاطمة البشر 21 / 08 / 2016 12 : 11 PM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد توفيق الصواف (المشاركة 217657)
أستاذة فاطمة..
شكراً لمرورك..
ودعيني أَقُلْ لكِ جهراً لا سراً:
أنا أبداً ما سرقتُ، في حياتي، فكرَ أحدٍ أو عمله، ولن أسرق..
وبالتالي، يبدو لي أنَّ ما ظننتِه سرقة قمتُ بها، كان نتاجَ تقارب في الفكر بيننا، وهذا أمرٌ شائع في عالم الثقافة والأدب، كما تعلمين..
تقبَّلي اعتذاري ومودتي..

أ. محمد ...
يبدو أنني لم أُوفق في اختيار كلمة "سرقة" .. وأنا لم أقصدها بمعناها الحرفي أبداً ...
أعتذر إن بدوتُ فظة، أو ضايقتك بهذه الكلمة ... صدقاً لم أعنيها بتاتاً ...
نعتذر عما بدر منا وأزعجكم ..
احترامي

Arouba Shankan 22 / 08 / 2016 35 : 02 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
تحية بعطر الياسمين
الدكتور محمد توفيق الصواف
ها قد لبيت دعوتكم الكريمة.. فنجان قهوة ومساحة من النقد.. وكررت قراءة (خبر كاذب)
لكنني لا أُتقِنُ فن النقد.. معكم نتابع.. ونتعلم.. تحيتي
وعميق تقديري

د. رجاء بنحيدا 23 / 08 / 2016 16 : 02 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
الأستاذ الجليل ،، الدكتور محمد الصواف
رائعة منك هذه المبادرة التي ترمي إلى همس خافت نقدي ...جاد وموضوعي سيساهم - دون شك- في تنمية ملكة الذوق.. التذوق الأدبي
حقاً ، هي مبادرة يحتاجها الأديب في كل وقت ، وفي كل محاولة وإن وصل علو إبداعه مكانة ورُقِيًّا ..!!
أستاذنا المبدع الجليل .. جاء في حديثك ، أن الأساس من هذا الهمس الخافت هو التنبيه والتوضيح ..
من هذا المنطلق .. فأني أهمس لك همسة خافتة جداً والحياء يعلو كلماتي ..
أن اختيارك للقصة غير موفق ..!!
لأن القصة في نظري .. قصة محكمة النسج .. لاخلل فيها ،لذا فلن يتمكن القارئ من إيجاد هذه الهنات التي ستفتح باب النقاش النقدي الهادئ ،
سيدي .. ما أحوجنا إلى مثل هذا الإبداع الراقي ..!!
تقبل همستي ،، وتقبل احترامي..

محمد الصالح الجزائري 23 / 08 / 2016 46 : 04 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
[align=justify]وها أخي الدكنور الصواف قد عدتُ لأقرأ قصّتك.. وفي وهمي ـ على حدّ تعبيرك ـ أن لا أحد يبدأ قبلي ، لأنّ مشرطك معي (ابتسامة)..
بين الجِدّ والفكاهة ، جاءت قصة الدكتور محمد توفيق الصواف ساخرة إلى درجة الألم ! تفنّن السّارد في شدّنا أوّل الأمر حول مائدة الفطور (في صياح ذلك اليوم المشؤوم) فرحنا نراقب الزوجين باستغراب وتطفّل كبيرين.. ما السرّ في عدم تحاورهما ؟! في بداية كانت تنبئ بأنّ شيئا ما سيحدث بإشارات ذكية جدا تمثلت في شرودهما! فأكثر صاحبنا من استعمال التشبيه في وصف حالهما (كنا هادِئَين كعادتنا كلَّ صباح، ينظر كلٌّ منا إلى الآخر، دون أن تنتابه أيُّ مشاعر من أيِّ نوع، ونتناول إفطارنا بصمت وملل، وكأننا في وليمة مأتم،نأكل بعد عودتنا من دفن عزيز...
مراراً غادرت طاولة الإفطار دون أن أتوقف عن الأكل، غادرتها بشرودي لابجسدي.. أفكارٌ كالغيوم السوداء الثقيلة...)

وفجأة.. الجار أبو أكرم يكون سببا في إخراجهما ليس من شرودهما فحسب بل من منزلهما.. أربعة محطّات مختلفة/أربعة أخبار مختلفة !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ

1 ـ المذيع في أول إذاعة، يتحدثُ عن انفجار هنا وآخرهناك..
2 ـ محطة ثانية:مذيعها يخبر مستمعيه المساكين بأن الدولة الديمقراطية العظمى قد أغارت قواتُها صباحَ اليوم على إحدى الدول الرجعية ذات النظام الديكتاتوري...
3 ـ المحطة الثالثة: مذيع آخر ينقل خبرَ زواج أحد الزعماء العرب من راقصة كانت تعمل في إحدى علب الليل الباريسية..
4 ـ المحطة الرابعة :المذيع يذيع الخبر الغريب :بشكل غير مُتوقَّع، أصدرَتْ الحكومات العربية مجتمعةً، صباحَ هذا اليوم،قراراً تُعلن فيه مباشرتها بإلغاء جميع الحدود المصطنعة بين دولها الشقيقة....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

..وكان هذا أهمّ خبر بل محور القصة برمّتها ! وهنا راح القاصّ يسخّر كل إمكاناته اللغوية ليرغمنا على الخروج معه إلى الشارع .. ومشاركة جموع الناس هتافاتهم (مصدّقين الخبر) رغم استحالة تصديقه !! صدّقناه كحلم ولو للحظات..مسافة أن تنتهي القصة لينتهي معها (الحلم العربي الكبير) !! عند قمة تأزّم الحدث برع الصواف في تصوير حالة اللاوعي بطريقة أعادت إلى ذهني نص طه حسين ـ رحمه الله ـ في السفينة!! وقول ذلك الأرستقراطي: لا أريد أن أموت وأنا بقميص النوم !! في سياق فيه الكثير من الحركة وحالات الدهشة الهستيرية :
(نظرنا فإذا الناس جميعاً في الشوارع يهتفون ويهزجون فرحاً بالخبر الذي
بَثَّتْهُ تلك المحطة، والذي سرى فيهم سريان النار في الهشيم، فانفجر المكبوت من أيام الصحابة والأمويين والعباسيين دفعة واحدة، وعمَّ الفرح جميع أرجاء الوطن العربي...
لم أنتظر ريثما أُغيِّر ملابسي، فنزلتُ إلى الشارع بالبيجاما... أما زوجتي الحَيِيَّة فلم تنتبه إلى نفسها إلا في الشارع، حيث لاحظتُ ولاحظَ كثيرون غيري، أنها نزلَتْ بثياب النوم الشفافة... ولكن ما هَوَّنَ عليها وعليَّ الأمر أن معظم نساء الوطن العربي، حتى المحجبات منهن وزوجات الموصوفين بالأصولية والتزمت، قد نزلن إلى الشارع مثل المجنونات لا يدرين ما يلبسن،ولا يشعرنَ بما يَفْعَلْنَ، بسبب طغيان حالة الفرح على عقولهن... بل لاحظتُ، وأنا أبتسم، أنَّ جاري (أبو خالد) قد نسي بأن سرواله الداخلي الذينزل فيه إلى الشارع، هو في الأصل، كيس طحين من مخلفات هدايا الولايات المتحدة الأمريكية إلى شعوب العالم الثالث...
)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ

وتأتي لحظة الانفراج ...في تلك الخيبة ..أنّ الخبر كان كاذبا !! هذا ما يفسّر قول القاص قي بداية القصة : (في صباح ذلك اليوم المشؤوم ...)
وحتى يخفّف السارد على القارئ وطأة الأحداث فلوّنها بلمسات قمّة في السخرية ! أوجِزها كما يلي:
ـ زوجتي التي بدت لي،لكثرة ما تحمله من هموم، أكبرَ من سيدنا نوح عليه السلام...
ـ أخلط الزعتر بالمربى بدل الزيت، وأحمل اللقمة إلى عيني أو أنفي أحياناً..
- زواجه من تلك الراقصة أوفر لثروة البلاد التي كان يُبَدِّدُها على حبيبة القلب في الملهى كل ليلة...
ـــ وهو ما لم أفعله منذ سنين طويلة، بسبب اعتيادي على التنفس تحت الوحل...

ـــــ عبَّرتْ عنه بإسراعها لإلقاء نفسها من الطابق الرابع، كما فَعَلَتْ المنتحراتُ الشهيراتُ حزناًعلى وفاة المرحوم عبد الحليم حافظ، حين سمعن خبر وفاته..
ــ فانفجر المكبوت من أيام الصحابة والأمويين والعباسيين دفعة واحدة..
ـ لم أنتظر ريثما أُغيِّر ملابسي، فنزلتُ إلى الشارع بالبيجاما
ــ أنها نزلَتْ بثياب النوم الشفافة...
ـ جاري (أبو خالد) قد نسي بأن سرواله الداخلي الذي نزل فيه إلى الشارع، هو في الأصل، كيس طحين من مخلفات هدايا الولايات المتحدة الأمريكية إلى شعوب العالم الثالث...
ـ لن يترددوا في استدعائه من كبار القادة العرب الكبار الذين رحلوا إلى الآخرة ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ

ولولا بعض الإطناب وطول الجملة السردية أو تلك الجمل التفسيرية ، وإن كان هذا الأمر قليلا من جهة وربّما لحاجة في نفس أخي الدكتور ، ولولا لفظة ( الغفورة) التي لا أدري كيف اندسّت في القصة ؟ لما وجدنا في جسد القصة آثار علّة تُذكر ! وهذه أمثلة على ذلك:
ـــ وكأننا في وليمة مأتم،نأكل بعد عودتنا من دفن عزيز...
ـــ ومع ذلك لم تكن هذه التصرفات لتجعل زوجتي تبتسم مجرد ابتسام..
ـ فإذا بها تأكل وتشرب الشاي بحركات آلية معتادة، دون أن تحس
بطعم ما تأكل أو تشرب...
-
لأسمعَ مذيعَها يخبر مستمعيه المساكين بأن الدولة الديمقراطية العظمى قد أغارت قواتُها صباحَ اليوم على إحدى الدول الرجعية ذات النظام الديكتاتوري...

ـ إذا لم يجدوا بين العرب المعاصرين من يصلحُ لأن يكون هذا القائد الذي سَيَكِلُون إليه إنجاز مهمة بالغة الخطورة تتمثل بتحرير فلسطين والعراق..
ـ فقد تمَّ الاتفاق على أن يكونَ رائدَ الجميع في ذلك قولُه تعالى: (لا إكراهَ في الدين).. أي أن "الولايات العربية المتحدة" سوف يكفل دستورها الجديد حرية المعتقد حتى لمن لا يعتقدون إلا بأنفسهم، ما داموا لا يُؤذُون الآخرين...
ـ في أغلب البلدان العربية، جماهيرها الغفورة...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأعظم ما شدّني في هذه القصّة / التحفة تلك التعابير المجازية المبثوثة هنا وهناك كما جاء في آخر القصة :
(وهكذا عاد الناس إلى بيوتهم حزناً يجرجر قدميه على إسفلت الواقع، ودموعاً سخينة تنهمر على مساحات شاسعة من الخيبة، تُقَدَّرُ بمساحة الأرض العربية المحتلة، من المحيط إلى الخليج...)
فهنيئا لنا كقرّاء وللنور كصرح بالقاص الدكتور الباحث والناقد الأستاذ محمد توفيق الصواف ...
[/align]

د. رجاء بنحيدا 23 / 08 / 2016 17 : 05 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
أخي الشاعر الألق محمد الصالح الجزائري
جميل ورائع .. أنك مهدت الحديث عن الجوانب الإيجابية المتعددة في القصة ..،
إذا .. هي بداية انعطاف إلى الهمس الإيجابي دون السلبي ( ابتسامة )

محمد الصالح الجزائري 23 / 08 / 2016 35 : 05 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. رجاء بنحيدا (المشاركة 217728)
أخي الشاعر الألق محمد الصالح الجزائري
جميل ورائع .. أنك مهدت الحديث عن الجوانب الإيجابية المتعددة في القصة ..،
إذا .. هي بداية انعطاف إلى الهمس الإيجابي دون السلبي ( ابتسامة )

[frame="10 98"][align=justify] وهو كذلك أختي الدكتورة رجاء.. وطالما المشرط /النسخة الأصلية / معي فلا خوف على البقية من سلطان السلخ والتشطير والتسطير (ابتسامة) وأقول من خلالك لبقية الأعضاء : هذه فرصتكم للنيل منا ! (ابتسامة عريضة)[/align][/frame]

د. رجاء بنحيدا 23 / 08 / 2016 42 : 07 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
أستاذي شاعرنا الفاضل محمد الصالح الجزائري
إن لفظة ( الغفورة) قد اندسّت في القصة عن قصد .- ربما -.من طرف القاص الألق محمد توفيق الصواف
لأنه استبعد ( الجماهير الغفيرة ) واستحضر ( الجماهير الغفورة ) التي تغفر وتنسى بسهولة ..
تقبل مروري واحترامي

محمد الصالح الجزائري 23 / 08 / 2016 03 : 02 PM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
[align=justify]..وفي وهمي أنّ صديقنا يرانا أختي الدكتورة رجاء..وقد انبسطت أساريره وانشرح صدره ، فاستراح ..لأنّ الخطوة الثانية قد بدأتْ فعلا..وأننا بدأنا نرتشف أولى قطرات القهوة التي أعدها بمهارة !! فشكرا له ألف شكر....[/align]

محمد توفيق الصواف 24 / 08 / 2016 35 : 11 PM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
بتاريخ 20/8/2016، أي قبل أربعة أيام، وجَّهتُ للسيدات والسادة أعضاء (نور الأدب) الكرام دعوةً لِلِقاءٍ نَتَسَلَّى فيه بإدارة ما يُشبه حديثاً نقدياً حول بعض ما ننشره من أعمالنا وإبداعاتنا في موقع نور الأدب..
ولإسباغ شيءٍ من الواقعية على هذه الدعوة التي ستتمُّ في عالم افتراضي، اخترتُ لها عنواناً مألوفاً في حياتنا اليومية هو (دعوة إلى فنجان قهوة)... ولمزيد من الواقعية، اخترتُ لِلِّقاء ركناً هادئاً على طرف موقعنا هو منتدى (فنجان قهوة ومساحة من البوح) الذي تعرفون.. ثم لا أدري كيف شَرَدَتْ بي أحلامي وخيالاتي إلى درجة إيهامي باحتمال تَطوُّر هذا الركن إلى مقهى صغير مستقبلاً، نلتقي في دفءِ ودِّه أصدقاءَ وأخوةً تجمع بينهم محبة صادقة ومواهب فياضة يرغبون بعرض إبداعاتهم لبعضهم قبل عرضها لأيِّ آخر خارج دائرتهم الحميمة.. ولأُجَنِّبَ جميعَهم الإحراج، قلتُ أبدأُ بنفسي، فاخترتُ قصةً قديمةً لي لتكون محورَ أول دردشة "نقدية" تجري بيني وبينهم..
وبعدَ كلِّ هذه التحضيرات، جمعتُ أوراقي تحت إبطي، كما يفعل كلُّ السذج أمثالي، وسمحتُ لشوقي إلى من أحببتُهم أن يُنبِتَ لخطواتي اللَهِفَة إلى لقائهم أجنحةً من فرحٍ طفلٍ تطيرُ بي مُسرعَةً إلى الاجتماع بهم في ذلك الركن الذي وَدِدْتُ موافقتهم على تسميته (مقهى أصدقاء النور)..
بالطبع، كنتُ أولَ الواصلين إلى مكان الدعوة، لأنَّني الداعي، وحسب الأصول، ينبغي أن أكون في استقبال مَن دعوتُهم.. اخترتُ طاولةً صغيرة مُواجِهَةً لباب المقهى، ثم طلبتُ فنجان قهوة رشفتُه على مَهلٍ مُفكراً بما سأقول وأفعل، حين يكتمل الحضور.. ثُمَّ لمَّا طالَ مُكثي ولم يأتِ أحد، طلبتُ فنجاناً آخر، ثم ثالثاً ورابعاً و.... وعاشراً..، لكن أحداً لم يأتِ..
ومع أنَّ اليوم الأول انقضى انتظاراً بلا طائل، أصررتُ على مواصلة الانتظار، مُنقاداً لطبعٍ فيَّ سيِّء يُسمَّى العناد.. إلا أنَّ عنادي ما لبث أن بدأ يضعُف شيئاً فشيئاً مع تَقدُّم الوقت، وفعلتْ الشيخوخة فيَّ فعلُها، فبدا على ملامحي التعب والإرهاق إلى حدٍّ دعا عمال المقهى إلى رجائي أن أُغادر إلى البيت لأرتاح، ثم أعودَ صباحَ اليوم التالي.. فَأَبَيْتُ قائلاً: وماذا لو أتى أحدُ المدعوين في غيابي؟ لاشكَّ أنه سينزعج وربما سيغضب إِذْ لم يجدني.. فطمأنوني بأنَّهم سيخبرون كلَّ مَن يحضر في غيبتي بطويل انتظاري وتعبي وأكيدِ عودتي..
مع فجر اليوم التالي، عدتُ إلى المقهى أشتعلُ أملاً وتشوُّفاً للقاء مَنْ دعَوت، فلَمَّا أضحى النهار ولم يأتِ أحد، داخَلَني بعضُ يأسٍ وانقباضٌ كادا يَستَفِزَّانَنِي من مكاني ويَغلِبا صبري فأرحل، لولا أن بَدَّدَتْهُما إطلالةُ واحدةٍ من ألطف أعضاء الموقع هي الآنسة (فاطمة البشر).. فاستبشرتُ بمقدمِها خيراً، وأمِلُتُ أن أبدأ الدردشة معها ريثما يحضر آخرون، فإذا بها تُخبرني أنَّ مرورها عابرٌ، لكنها ستعود.. فحزنتُ، ثم ما لبث أن مازَجَ حزني شيءٌ من غضب غَذَّاهُ انتظارُ ليلةٍ طويلة وتعبُها، فكان ناتجُ هذا المزيج السيِّءِ سوءَ فهمٍ لمقصدِ كلمةٍ قالتْها لي ممازحة، فردَدْتُ عليها بعتاب فظٍّ أرجو أن تَتَقَبَّلَ اعتذاري الشديد عنه وأسفي، ولا أظنُّها إلا عاذرةً خصوصاً وأنني أرى فيها ابنتي وموهبةً رائعة تفيض لطفاً وإنساً ومودة..
بعد مغادرة الآنسة فاطمة، ببضع ساعات، كاد أخي (محمد الصالح) أن يُثير بي مرورُه العابر نفس الحالة من الغضب أيضاً، لولا أن بادر إلى تبديد غضبي بنكتة المشرط التي سأحكيها يوماً لمن يحضرون إلى هذا المقهى..
وبعده بساعات قلائل، عَرَّجَت الأستاذة (عزَّة عامر) على مكان الدعوة، لا لتبقى بل لتُسَجِّلَ حضورها فقط وترفعَ عن نفسها العَتَبَ بأنَّها لَبَّت الدعوة.. فقبلتُ عذرها، وابتسمت لمزحتها الخفيفة التي ألقتها وهي تمضي مغادِرَة..
في اليوم التالي، كان أولُ الواصلين الأستاذة (عروبة شنكان)، ففرحتُ بأنني سأُجالسُ أديبةً مبدعة أُحبُّ ما تكتب، لكن فرحتي سرعان ما خَبَتْ حين أخبرتني الست عروبة أنها جاءت ملبيةً الدعوةَ فقط، أي مثل عزَّة، ومعتذرة عن البقاء طويلاً بعدم إتقانها النقد..!
ثم حضرت د. رجاء بنحيدا ترفل لطفاً كعادتها.. فأَلْقَتْ التحية، ثم انصرفت وهي تَهْمِسُ في أذني بعبارة تنتمي إلى أسلوب المدح بما يُشبه الذم أنَّ اختياري لقصة (خبر كاذب) لم يكن موفقاً لأنها مُحْكَمَةُ النسج، وبالتالي لا تصلح لبدء دردشة نقدية.. قالت ذلك وانصرفت على عجل، فتَكَدَّرتُ لذهابها..
ويبدو أن أخي محمد الصالح، بحسه المرهف وقلبه النقي، استشعر في عدم رَدِّي على كلِّ من مروا بي، وهو منهم، ما أَقْلَقَه، فكرَّر زيارتي حاملاً معه، هذه المرة، تحليلاً طويلاً وجميلاً لقصتي (خبر كاذب).. تحليل سأُعَلِّق عليه لاحقاً، مُكتفياً هنا بتوجيه الشكر الجزيل له على كتابته، ليس بسبب ما جاء فيه من كلمات إيجابية بحقي، بل تقديراً لتلك المحبة الآسرة التي شعرتُ بها تفيض من العبارات التي نَسجَ منها هذا التحليل لقصتي..
ولمَّا لم يصدر عني أيُّ ردّ على تحليله ومداخلة الدكتورة رجاء، أعادا كلاهما خطابي بأسلوب آخر، جَمَعَ بين الأُنس والمحبة اللذين حَفَّا بهما تعليقاتهما اللطيفة على القصة..
وهنا، قد يسأل سائل: أما كان يكفيك حضور هؤلاء السيدات والسادة جميعاً لتردّ؟ أَوَلَمْ يكن من المحتمل، لو ردَدْتَ على من حضروا، أن يَتَشَجَّعَ آخرون فيحضروا ويُشاركوا؟
وأقول مجيباً: بلى.. وأنا من يقع عليه الذنب، لا غير، فقد أبطأتُ في التفاعل مع من حضروا، حين لم أردّ عليهم؛ وأسأتُ، عن غير قصد، إلى مَن لا زلتُ ألتمس معذرتَها.. ولكن كان لكلِّ هذا الذي حصل ما يُبرِّرُه.. وتكفي الإشارة شرحاً هنا إن قلتُ إن ما حصل أثناء انتظاري لم يكن في حسباني أبداً حين طرحتُ فكرة هذا المقهى النقدي، ولا حين وَجَّهْتُ الدعوة لحضور افتتاح جلسته الأولى التي ذَكَّرَني عددُ الحضور القليل فيها، بضآلة جمهور الأمسيات الشعرية والقصصية في دمشق، قبل الأزمة الحالية..، فقد كان يقتصر عددهم على الشاعر ومدير النادي الذي تُقام فيه الأمسية وبعض العاملين فيه، بالإضافة إلى بعض من وافقَ من أهله وأصدقائه على الحضور، حتى لا يبدو الشاعر المسكينُ مجنوناً يُكلم نفسه..
وأخيراً،
فنظراً لأنَّ مبررَ غيابي خلال الأيام الأربعة الماضية مثيرٌ وغريبٌ، ولأنَّ التعبَ أدركَ شيخوختي وأجبرَها على التماس إذنكم لترتاح، فسأُؤجل الحديث عن هذا المبرِّر إلى الغد، إن شاء الله..
هل أطلتُ الثرثرة؟ أظنّ، وأعتذر..

محمد الصالح الجزائري 24 / 08 / 2016 51 : 11 PM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
[align=justify]بل لم تطل أبدا أبدا..وددتُ لو استمر هذا السيل اللطيف لتأريخ تأسيس (مقهى أصدقاء النور) وكيف استطاع رجل عنادي الطبع أن يصبر على حضور من يقص الشريط (ابتسامة) لم يكن من المسؤولين الكبار طبعا..بل إنسان بدرجة مواطن بسيط ..و متقاعد..ومسنّ أيضا..لكن لا بأس تمّ تأسيس بل وفتح المقهى أيضا..فالحمد لله على كل حال ..وريثما يعود صديقي المسن..أعتذر فقد حان وقت صلاة المغرب حسب توقيت مدينة قسنطينة وما جاورها..سأعود بإذن الله..[/align]

Arouba Shankan 25 / 08 / 2016 33 : 12 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
كم اشتقنا هذا ألكم من التعليقات،، والنقد الغالي والعزيز،، أذكر الأمسيات الشعرية التي كانت تنادي جمهورها
وأذكر المُدرجات التي حضت على تواجد مُبدعيها،، نحن هُنَا أستاذنا الفاضل،، صراحةً تريثت النقد،،
أملاً بناقدٍ جريء يسبقني لأقتفي إثره،،فكان أن غادر الجميع، والمنصة بقيت بانتظارنا من جديد
بكل التقدير والاحترام، نقول لك عُدنا، وشعورنا بالخجل يرافق خطواتنا،، سأعيد القراءة، وكطالبٍ يسعى لإرضاء أستاذه
سنقرأ. ،للنقد والنقد
تحيتي وتقديري

محمد الصالح الجزائري 25 / 08 / 2016 11 : 04 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
[frame="13 98"][align=justify] (ويبدو أن أخي محمد الصالح، بحسه المرهف وقلبه النقي، استشعر في عدم رَدِّي على كلِّ من مروا بي، وهو منهم، ما أَقْلَقَه، فكرَّر زيارتي حاملاً معه، هذه المرة، تحليلاً طويلاً وجميلاً لقصتي (خبر كاذب).. تحليل سأُعَلِّق عليه لاحقاً، مُكتفياً هنا بتوجيه الشكر الجزيل له على كتابته، ليس بسبب ما جاء فيه من كلمات إيجابية بحقي، بل تقديراً لتلك المحبة الآسرة التي شعرتُ بها تفيض من العبارات التي نَسجَ منها هذا التحليل لقصتي..)
أخي الغالي الدكتور الصواف..بتواضع كبير أقول: إنّ باحثا وأديبا بقامتك يدعو من هم أقلّ منه منزلة في مجالات الثقافة والفكر والأدب وبمسافات كبيرة وواسعة وبعيدة لهو شرف لنا من جهة وأمر مخجل في نفس الوقت..للكبار مكانتهم وإن كانوا أمّيين ! فما بالك بهم وهم من هم !! لذلك نحن من يعتذر لا أنتَ ، ونحن من يُلام لا أنتَ ! وأعدك بأن أكون من يقدّم للحضور قهوة الصباح أو المساء ومن يفتح باب المقهى ويغلقه..سأبيت الليلة في المقهى فهل رضيتَ ؟؟!! شكرا لك مرة أخرى على كلماتك في حقي وفي محبتي لشخصك وفكرك وأدبك..
[/align]
[/frame]

د. رجاء بنحيدا 25 / 08 / 2016 57 : 05 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
أستاذي الجليل د . محمد توفيق الصواف
سآقتبس هذه الجملة كما وردت في مداخلة أخي الرائع محمد الصالح الجزائري -
-نحن من يعتذر لا أنتَ ، ونحن من يُلام لا أنتَ !
فعلا أعتذر .. عن هذا التقصير غير المقصود ، وعن تكدرك أثناء مروري .. ،
سيدي الفاضل .. محمد توفيق الصواف ، هو شرف عظيم لنا أن تؤانسنا بدردشتك المفيدة والممتعة والقيمة ، سواء في مقهى نور الأدب أو في محطات الموقع المختلفة ، لأنك قامة أدبية عظيمة ، سنستفيد منها وفي كل المجالات والتخصصات والمعاملات .. /وهاهو أول درس تعلمته الآن/ .. التواضع من شيم النفوس الكبيرة الراقية
فعذرا مرة أخرى ، إن قصرت ُ أو تهاونتُ .. أستاذي الجليل
محبتي واحترامي

عزة عامر 25 / 08 / 2016 49 : 07 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
صدقت الخبر الكاذب بكل جوارحي ..حتى رحت أقلب موازين المشاعر ..فبكيت فرحا وطرت في سماء حلمك..ثم ضحكت ساخرة بعد أن إكتشفت أنه خبر كاذب..رغم أني أعلم مسبقا وتذكرت على الفور ..أثناء قرأتي لقصتك ..قصيدة عامية للشاعر المصري العامي هشام الجخ بعنوان (التأشيرة ) والتي ناقش فيها نفس الحلم.. حلمك هذا هو الحلم العربي..وهو الحلم الجميل ..وكيف ؟؟هذه لمن يعلم فن النقد وأصولة ..وبالتأكيد لم أكن من بينهم ..أن ينقد حلما طالما حلمناه جميعا ..وبكل مشاعر الألم التي خلقت في الدنيا..كلنا يعلم أنه ليس أكثر من حلم ..إلا بمعجزة إلهية.. وبعيدا عن المشاعر المختلطة التي سببتها لي قصتك الأكثر من رائعة ..ضحكت ملئ قلبي ..في مستهل القصة بهذه الجملة( جلست إلى طاولة الإفطار، قبالة زوجتي التي بدت لي، لكثرة ما تحمله من هموم، أكبرَ من سيدنا نوح عليه السلام.) بالطبع في البداية.. إحترمت تلك الهموم المتسببة في ما حدث لها وتعاطفت لحالها ..لكن حقيقة ..تخيلت على الفور ..التغيرالرهيب ..والسريع أيضا والذي بدا لعين البطل ..لحظة تحولها من كائن أنثوي يفترض به الجمال النسبي..إلى كائن فاقت وتجاوزت ملامحه.. ملامح أهل الكهف بل إن أهل الكهف خرجوا بعد 309 عام ..لكن سيدنا نوح عليه السلام عاش ألف عام فما أكثر والله أعلم ..فبما أنه استمر في الدعوة ألف سنة إلا خمسين عام ..فربما كان يبلغ من العمر خمسين عام وقت نزول الرسالة والأمر بالدعوة.. واعود إلى أصل الحكاية ..أسأل الله إن كان الحلم العظيم هذا سوف يصبح حقيقة لن أطمع إلا في أن أرى بادرة تحقيقة قبل نهاية عمري.. رغم أنني أطمع أن أراه مكتملا .. وأخيرا وليس أخر شكرا لك أستاذنا القدير. محمد توفيق الصواف.. على تلك المساحة الجميلة من البوح ..والتي منحتها لكل منا ..تحيتي

عزة عامر 25 / 08 / 2016 20 : 08 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
أستاذي الفاضل .محمد توفيق الصواف..بعد ما إنتهيت من قرأة قصتك التي ليس لها نهاية في قلوبنا ..وبعد أن أضفت الرد السريع ..لمحت في الصفحة التالية عتابك الذي أحزنني كثيرا من نفسي ..وأرجو المعذرة ..فقد أرسلت الرد الأول ..لأقول أنني هنا معكم ..لكن الوقت لم يسعفني أن أقرأ ..ولأني أحب قرأة موضوعاتك بتأن وتؤدة ..ل أنهم أكبر قدر من الفهم والإستفادة ..ما رضيت أن أقرأ قرأة عابرة ..بل عدت لأجمع بين المتعة والإستفادة ..وأصدقك قولا.. كما يقولون (جاءت من عند ربنا).. قصتك غاية في الإستفزاز لمشاعر الفرح الأليم..والدموع الساخنة.. وأنا بالحقيقة ولتكتم السر ما كنت أمتلك كلينكس وقتها..لكن الحمد لله إشتريت اليوم ..وكأن قلبي تنبأ بما سيواجهني عند قرأتها جاءت سليمة والحمد لله .. (إبتسامة).فتقبل عذري وإعتذاري ..وبما أنني أعلم أنك سوف تقبلهما ..فلك جزيل الشكر والتقدير.

فاطمة البشر 25 / 08 / 2016 45 : 04 PM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 

أرشدنا الكاتب من العنوان إلى أن الخبر الذي سيرد لاحقاً في القصة هو خبر كاذب، وهذا ما جعلني شخصياً أبحث عن الخبر الكاذب بين عناوين الأخبار التي وردت في المحطات الإذاعية الأربع، فوجدت أن الخبر الأول يأخذ مساحة كبيرة من حياتنا، ولم تسلم حتى الدول العظمى منها، فهو خبر صادق. انتقلت مع الكاتب إلى المحطة الثانية، فوجدت أن هذا الخبر يصف حالنا نحن العرب حالياً، فكان الخبر صادقاً. أما الخبر الثالث فقلتُ ربما يحمل شيئاً من الكذب، لأن زعماءنا العرب لا يأبهون بإهدار أموال الدولة على أنفسهم ومتعتهم إطلاقاً. وفي المحطة الرابعة، كان الخبر صادماً، وأقررت أن هذا الخبر هو الخبر الكاذب بالتأكيد، فلو أنني حييتُ ثلائمائة سنة لن يحدث شيئاً كهذا أبداً، ما أكّد لي هذه المعلومة هو تصرف الزوجة حين أخبرها زوجها عن الخبر، لم تحرّك ساكناً وكأن شيئاً لم يكن.
وحينما غطت فم زوجها وهو يتحدث، أكدت لي هذه الزوجة مرة أخرى أن الخبر كاذب، فلو أنه لم يكن كذلك ما كانت لتغطي فم زوجها خشية أن يسمعه أحد، ويذهب في غياهب السجون.
إلا أن الجماهير التي نزلت للشارع، غير مهتمة بما ترتدي على الإطلاق، زرعت الشك في نفسي، وهذا ما أراده الكاتب بالتحديد، وجعلني أفكر مرة أخرى، لم لا يكون الخبر صحيحاً؟، وتلك النسوة اللاتي نزلن بثياب نومهن، أبيْن إلا أن يقطعن الشك عندي باليقين أن الخبر صحيح. وأهنئ الكاتب على استطاعته أن يجرّ القارئ تدريجياً، دون أن يشعر، من مرحلة التصديق أن الخبر كاذب، إلى مرحلة التصديق أن الخبر صحيح.
ثم حينما وصلت الشرطة، أفقت من سكرتي التي وضعني فيها الكاتب متعمداً، وقلت مرة أخرى هذا هو الخبر الكاذب بالتأكيد، ولن أشك بهذا مطلقاً.

هذا فيما يخص القصة كاملة، لكني سأذكر بعض النقاط التي شدت انتباهي بالقصة:
** حياة الزوجين تبدو رتيبة، مملة، قهرها الروتين، ويبدو أن كلا الزوجين لم يمارسا النقاش الهادف ولم يتحدثا كزوج وزوجة منذ فترة طويلة، ورغم أن هذا ما تؤول إليه جلّ العلاقات الزوجية، إلا أن الزوجين مايزال أحدهما يخاف على الآخر. حيث أن الزوجة كتمت فم زوجها خشية أن يقتل أو أن يدخل السجن لتفوهه بمثل هذه الأخبار المغرضة، وقام الزوج بالتقاط زوجته من على الشباك خشية الانتحار.
** كلمة الغفورة -والتي اعترض عليها أ. محمد الصالح- وجدتها تحديداً في مكانها الصحيح، وهذا لأن جماهيرنا العربية تغفر لكل معذبيها، وخصوصاً سادتها وحكامها وجيشها، تغفر لهم كل خطاياهم. لهذا أرى أن الكاتب وفق في اختيار كلمة الجماهير الغفورة، فهي غفرت للشرطة قمعها مسيرتهم، وعادوا يجرون أذيال الخيبة وراءهم دون أن ينبسوا ببنت شفة. وإن ما يحدث في مجتمعاتنا العربية هو نتيجة صكوك غفران الشعوب لأفعال الزعماء.
** استخدم الكاتب "الراديو" بدل التلفاز، وهذا ما جعلني أستغرب في بداية القصة، وسألت نفسي :"لماذا؟"، فنحن امتنعنا عن الاستماع إلى الراديو منذ سنوات طوال، إلا في السيارات، وبما أن الزوجين في المنزل لماذا لا يفتحان التلفاز!. لكن مع تتابع الأحداث في القصة، رأيت أن الراديو هو الوسيلة الأنسب لبث مثل هذا الخبر، رغم أننا في القرن الحادي والعشرون. وهذا لأن التلفاز يتطلب صوراً حية، وبثاً مباشراً، وهذا ما لا يملكه الكاتب، وبالتالي وُفق الكاتب باستخدام الراديو.

******
في هذه القصة القصيرة استطاع الكاتب أن يتطرق إلى عدة أمور وربما مشاكل سياسية واجتماعية تعاني منها المجتمعات العربية، ولا أخفي سراً أنني فرحت حينما وجدت أن الكاتب لم يغفل عنها، لأنها هي سبب الكثير بل جميع مشاكلنا:

* منع حرية الرأي: وتتمثل في فضّ المسيرة.
* والمعارضين مصيرهم غير معروف: وتتمثل في تكميم الزوجة فم زوجها.
* الشعوب العربية تُساق كالأغنام وراء قادتها: وتتمثل في عودتهم إلى بيوتهم دون أن يقولوا كلمة اعتراض واحدة.

* الفنانون هم المحرّك الرئيسي للمجتمع، وصفاقة الكثير من الشبان والشابات وانسياقهم وراء هذه الأمور لدرجة الجنون: وتتمثل في ذكر الكاتب الفتيات المنتحرات بسبب وفاة عبد الحليم. ونرى هذا جليّاً في فئة الشباب والمراهقين.
* التكالب والتواطؤ العالمي على الشعوب العربية: وتتمثل في سخرية الإعلام من تصديق الجماهير العربية لهذا الخبر.
* الشائعات مرض ينهش في مجتمعاتنا العربية: وتتمثل في الجار الذي جاء لاهثاً يخبر جاره عما سمعه. وإن كانت القصة تتطلب مثل هذا الفِعل، إلا أنني رأيته يمثل الشائعات التي تتنشر كالنار في الهشيم في المجتمع.

* مجتمعاتنا تصدق الأخبار الكاذبة دون سواها: ويتمثل في تصديق كل الناس لخبر اتحاد الدول العربية، وهذا شيء مستحيل، وخرجوا عن بكرة أبيهم يهتفون، دون أن يتحققوا من صحة الخبر، وهذا شائع جداً في مجتمعاتنا العربية.

* العرب لا يهتمون ببعضهم أبداً: وتتمثل في نسيان الجماهير وربما عدم اهتمامهم بالأخبار التي تتحدث عن القتلى والجرحى والتفجيرات هنا وهناك. ونرى هذا واضحاً هذه الأيام.

******
أخيراً؛ أريد أن أنوه إلى أنني لست ناقدة، لكن هذا ما شعرت به كقارئة ... وأني لم أتأخر عن الرد إلا لرغبتي في قراءة القصة مراتٍ أُخر ...
تقبل مروري د. محمد الصواف



محمد توفيق الصواف 26 / 08 / 2016 03 : 12 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
التزاماً مني بتقاليد نور الأدب، في تعليق أعضائه على ما ينشره كلٌّ منهم في منتديات الموقع، سأبدأ حديثي الليلة بالردِّ على أَحِبَّتي /الأستاذ محمد الصالح ود. رجاء بنحيدا والأستاذة عروبة شنكان والأستاذة عزة عامر وأخص ابنتي الأستاذة فاطمة البشر/، مُنطلِقاً في ردِّي عليهم مما جادت به قرائحهم من تعليقات على قصتي (خبر كاذب) وعلى آخر ما نشرتُه بخصوص دعوتي أعضاء الموقع إلى فنجان قهوة.

وسأتوجَّه أولاً إلى أخي الصالح قائلاً: ما صَبَّرني على سبقك إلى قصِّ شريط المقهى عظيمُ حبي لك أولاً، وبأنَّني في مثل بساطتك وأكثر ثانياً، وأخيراً لكوني أكثر منك هرماً../ابتسامة..
وأمَّا بالنسبة لقولك (وأعدك بأن أكون من يُقدّم للحضور قهوة الصباح أو المساء ومن يفتح باب المقهى ويغلقه.. سأبيت الليلة في المقهى فهل رضيتَ ؟؟!! )..
أقول لك: أنا راضٍ ما دمتَ أخي وأسألُ الله أن تظلّ.. وأمَّا بالنسبة لفتح باب المقهى وإغلاقه وتقديم القهوة للحضور، فأقول: أكرمكَ الله ورفع مقدارك بقدر ما تقطر تواضعاً ورقة وحباً.. ولكن على الرغم من تطوعك الجليل لهذا العمل الجليل في نظري، فأرجو أن يَكْفِيكَهُ شخصٌ أحبُّه، على الرغم من أنَّه افتراضي كالمقهى نفسه، وذلك بعدما رجاني أن أعهدَ إليه القيام بهذه المهام وغيرها، فطلبت منه التريث ريثما آخذُ موافقتكم على تعيينه مديراً لهذا المقهى وساكناً فيه أيضاً..

ثاني مَن أودُّ التوجُّه إليهم لشكرهم على ما أبدوه تجاه دعوتي من لطف ومحبة وتعاون، الدكتورة رجاء بنحيدا التي كتبت تعتذر عمَّا سمته تقصيراً وتكديراً.. استغفر الله يا أستاذة، أنتِ في نظري أكبر وأجلُّ من الاعتذار لشخصي المتواضع، لكنها نفسيتُك الرفيعة وتواضع العالِم الذي يشمخ في شخصك الكريم هما دفعاكِ معاً إلى كتابة هذا الخطاب المفعم ودّاً وعظمة في آنٍ معاً.. فلكِ بالغ شكري واعتزازي بأن تكوني ركناً من أهم أركان المشروع البسيط الذي أطمح إلى تحقيقه بتعاونك وتعاون باقي أعضاء الموقع الكرام..

وأما الأستاذة عروبة شنكان التي كتبت تُذكِّرنا بتلك الأمسيات الرائعة التي كان يحتشد جمهورها في المدرجات لسماع شاعر أو قاص، فقد أوجعتني ذكراها بقدر ما شَوَّقَتني لعودتها حافلةً صاخبة من جديد.. وأما بالنسبة للتريث في النقد، فقد توقَّعتُه منك لا لأنك تنتظرين من هو أكثر جرأة ليبدأ بل لأنك ألطف من أن تُمارسي نقداً موضوعياً قاسياً، أرجو أن أنجح في إقناعكِ بممارسته كي لا تظل ساحة الأدب العربي الحديث تعجُّ بأدعياء الأدب وأشباه المبدعين المتطفلين الذين لن يُغادروا تلك الساحة إلا خوفاً من مشرط ناقد موضوعي قاسٍ، كالمشرط الموجود مع أخي محمد الصالح./ابتسامة.. وأنتِ أهلٌ لاستخدام هذا المشرط بعدل وموضوعية ولطف..

وأما المبدعة الأستاذة عزة عامر، فأقول لها: شكراً على ما كتبتِه ناقدةً بهذه الطريقة العفوية البسيطة لقصة (خبر كاذب).. فبصراحة، هذا النقد الذي أودُّ البدء به، وتطويره إلى نقد موضوعي ذي أصول متغيرة باستمرار يكفلُ له استمرارُ تغيرها البقاءَ حياً متجدداً على الدوام.. لكن إعجابي بنقدك الانطباعي العفوي لا يجعلني أغضُّ الطرف عن استمرار وقوعك في الأخطاء النحوية والإملائية.. أرجوك تريثي قبل نشر ما تكتبين وراجعيه أكثر من مرة لتنقيته من تلك الأخطاء..

وأخيراً سأختم حديثي هذا بالتوجُّه إلى ابنتي الغالية والمبدعة فاطمة البشر، لأقول لها صادقاً – إن شاء الله - صدقيني لم أفرح، في الآونة الأخيرة، قدرَ فرحي بقراءة تعليقك على قصتي (خبر كاذب)، على الرغم مما يتلامح خلف سطور هذا التعليق القيِّم من عتاب لطيف لم يُخطِئه إحساسي..
وأُكرِّر هنا: مقبولٌ عتابك، ورفيعٌ خلقُك في طريقة توجيه هذا العتاب. ولأُنهي سوء التفاهم الذي حدث بيني وبين ابنتي اللطيفة المرحة فاطمة، سأتمنى عليها أن نُسامحَ بعضَنا بعضاً، ويا دار ما دخلك شر..
وأعود إلى تعليقك على القصة، لأقول: لقد فاجأتِني بحق، على الرغم من أنك ختمتِ ذلك التعليق الذي توسَّعتِ فيه وأجدتِ، بأنك لستِ ناقدة..! يا ويلي يا فاطمة، ماذا كنتِ ستفعلين بي لو كنتِ ناقدةً إذاً؟/ابتسامة..
تعليقك يدل على موهبة نقدية تبدو واضحة في قدرتك على تفكيك النص الذي تنقدينه والإمساك بأهمِّ مفاصله.. وهذا كله مُصاغٌ بلغة سليمة سهلة تصل إلى المتلقِّي بيسر وتعينه على فهم النص وتذوُّقه..
وبالطبع، لا أقول لك هذا تملقاً، فليس التملق من طبعي، أياً كان الذي أُخاطبُه، وأياً كان الموقف الذي أجدُ نفسي فيه.. وهذا يعني أنني أَصِفُك بما فيكِ حقيقة.. ولذلك أتمنى أن تستمري في هذا الاتجاه، لاسيما وأن مشرطك النقدي يُشبه إلى حدٍّ ما مشرطي الموجود حالياً عند الأستاذ محمد الصالح/ابتسامة..، وإذا حالفكِ الحظ، فستكونين عما قريب من أصحاب المشارط النقدية ذات الحضور والهيبة، يا لطيف!/ابتسامة..
هل راقت ابنتي فاطمة؟
أرجو ذلك، وأنا من جهتي صافي يا لبن..

محمد توفيق الصواف 26 / 08 / 2016 24 : 12 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
ختمتُ حديثي قبل السابق بالقول: إنَّ مبررَ غيابي عن الموقع، خلال الأيام الأربعة التي تلت توجيه الدعوة لأعضائه إلى فنجان قهوة، كان طارئاً مُفاجئاً ومثيراً، لم يخطر لي على بال.. وأرجو أن يحتملَ صبركم سَرْدَ ما حدث معي مُفَصَّلاً، لأهميته، آملاً ألَّا تُصابوا بالملل..
حدثَ ذلك عشية اليوم الثاني الذي شَهِدَ مروراً عابراً لبعضِ مَن دعوتُهم وغادروني معتذرين واعدين بعودة قريبة.. ليلتذاك، لا أُنكر أنني شعرتُ بُعيد مغادرتهم بغزوةِ يأسٍ، دَعَتْني نفسي على إثرها، إلى اتخاذ قرار بالرحيل.. ولأنَّ الانتظار العقيم قد أحالني تَعَباً ممزوجاً بالخيبة ومُبركَناً بالغضب، وَجَدْتُني أُجيب دعوة تلك الأمَّارة بالسوء مُتَسَرِّعاً، فعَكَفْتُ على أوراقي أُلَمْلِمُها مُبَقَّعَةً بخيبتي التي حاولتُ سَترَها قبل أن أستدير مُتجهِّزاً لمغادرة المقهى الذي كنتُ قد أَولَيتُ بابَه ظهري.. لكن، وفي اللحظة التي استدرتُ فيها مُستقبلاً الباب لأَعْبَرَهُ مُغادراً، حدثَ ما لم يكن بالحسبان..
ففجأةً، وجدتُ نفسي قبالةَ رجلٍ جاوزَ الخمسين من عمره، قد سَدَّ الباب بقامتِه الطويلة ومنكبيه العريضين.. كان يرتدي جلابية بيضاء عتيقة حائلة اللون، ويغطِّي رأسَه الكبير بطاقية بيضاء تتدلَّى من تحت حوافِّها خصلاتُ شعرٍ طويل وَخَطَهُ الشيب فجعله رمادياً يُضفي على وجه صاحبه الأزهر ما يُشبه هالةً من نور زاد أَلَقَها بياضُ لحيته الكَثَّة التي كانت أكثرَ شيباً من شعر رأسه، والتي تَرَكَها تسترسلُ على صدره طولاً وعرضاً حتى غَطَّتْ معظمه..
حَدَّقَ كلٌّ منَّا بصاحبه لحظات، وكأنَّه لا يُصدِّق ما تراه عيناه، ثم أَعْقَبَتْ لحظاتِ المفاجأة تلك هنيهةُ دهشةٍ شهقتُ بانتهائها مُنفعلاً، ثم صرختُ وأنا أنُوسُ بين الامتعاض والذهول:
- بُهلول؟!!!
وبدلاً من أن يُجيبني بلسانه مُؤكِّداً أو نافياً، فَضَّل الإجابة بطريقة أخرى، نسبةُ الحِسِّيَّةِ فيها أعلى بكثير مما يمكن أن تحمله أيُّ كلمة أو عبارة مهما بلغت درجة بلاغتها.. فقد اندفعَ نحوي بكامل جسمه الضخم فاتحاً ذراعيه الطويلتين اللتين ما إن بَلَغَني حتى لَفَّني بهما مُعانقاً، ناسياً أنَّ حجمَه يُساوي ضعفَ حجمي، وأنَّ قوَّتَه لا تُلائمُ هشاشةَ شيخوختي، الأمر الذي دفعني للصراخ به مُستغيثاً:
- خُفَّ عليَّ يا بهلول.. ستقتلُني..
وكأنَّ استغاثتي رَدَّتْ إليه وَعيَه الذي فقده فَرَحاً برؤيتي، فَتَرَاخَتْ لسماعها ذراعاه وانطلقَ لسانُه معتذراً:
- آسف يا معلمي إن كنتُ آلمتك.. والله لم أقصد.. لكن والله من شدة شوقي إليك وفرحي بالعثور عليك ولقائك..
- أعلم يا بهلول.. أعلم.. لكن كدتَ تُزهق روحي يا رجل.. صحيح أنَّ من الحبِّ ما قَتل، كما يقول المرحوم عبد الوهاب..
وكأنَّ تعليقي كان نكتةً ألقيتُها لأُضحكَه، انطلقَ في قهقهةٍ لم تهزّ كرشَه الكبيرة فقط، بل هزَّت أرجاء المقهى الصغير أيضاً، وأخافت عماله الذين ظنُّوا لهولها أنَّ زلزالاً ضرب مقهاهم.. فصرختُ به غاضباً:
- ما بكَ يا بهلول؟ على مهلك يا أخي..
نجح صراخي بإخماد صوت قهقهته الرهيب، لكنه لم يُفلح في مسح آثار الفرحة عن وجهه، فقال مُعلِّلاً وبقايا ابتسامةِ سعادةٍ على شفتيه:
- والله إنَّه ضَحِكُ الفرحِ بلقائك بعد طول فراق.. إنَّك لا تتصوَّر كم أنا سعيد بالعثور عليك..
- بلى تصوَّرت.. لكن أرجوك لا تدعْ الفرح يُعَطِّلُ سيطرتَكَ على أقوالك وأعضائك ودرجة ارتفاع صوتك ونوع كلماتك ودرجة قهقهتك.. وإلا فضحتَنا..
- حاضر..
قال ذلك، ثم فرك كفَّيه الكبيرتين ببعضهما جذلاً، وسحب كرسياً قريباً وضع فوقه جسمَه الضخم، وأشار بيده إلي أنْ اجلس.. فجلستُ مرغماً، وسؤال واحد يدور في ذهني:
- كيف اهتديتَ إلى مكاني هنا، ومن الذي أوصلكَ إلي؟
وأراد أن يُطلق ضحكته المُجَلْجِلَةَ الرهيبة مرة أخرى، فحذَّرتُه فابتلعها، ثم قال:
- مَن يُوجَد في فمه لسان يسألْ، ومَن يسألْ لا يضيع.. أليس كذلك يا معلمي؟
- ومن الفالح الذي سألتَه فدلَّك على مكاني؟
- ابن صديق لي.. وَلَد فَلْتَة.. عبقري كومبيوتر وأنترنت وما لفَّ لَفَّهما..
ولإغاظته سألتُه:
- وصديقُك هذا بهلولٌ مثلك أيضاً؟
فَرَدَّ محاولاً إغاظتي بإجابته:
- نعم.. فالبهاليل هم الشريحة الاجتماعية الوحيدة في العالم العربي اليوم التي لا يُورِّث أصحابُها مهنتَهم لأولادهم.. وبالتالي، فمعظم العباقرة من ذريتهم..
ولكي أقطعَ عليه محاولة استدراجي إلى الاستطراد في الحديث معه، كما يحبُّ أن يفعل دائماً، قاطعتُه سائلاً:
- وكيف دَلَّك هذا العبقري على مكاني؟
اكتسى وجهه بالجد، وهي يُجيب:
- صَدِّق أو لا تُصدق لم يحتمل عثورُه عليك أكثر من دقيقَتَي بحث.. عرفَ خلالهما أين تجلس، وزوَّدني بخارطة قال لي إِن اتبعَتَها في بحثك عن معلمِك فلن تَضِلَّ أبداً ولن تشقى.. وقد صَدَقَ فيما قال..
- حسناً.. ها قد وصلتَ إلي ولقيتني، فماذا تريد مني بعد؟
- آه.. أريد الكثير يا معلمي.. فأنا لا أكاد أُصدِّقُ أنني عثرتُ عليك لتسألَني هذا السؤال ولأجيبَك قائلاً: أريد أن أعرضَ عليك كلَّ ما أَلَّفْتُه خلال السنوات السبع الماضية التي لم أَرَكَ فيها؛ وأريد أن أُصبح عضواً في موقع (نور الأدب) لأنشرَ إبداعاتي على صفحاته؛ وأريدُ أن تُعرِّفَني إلى أعضائه الكرام وتُعَرِّفَهم بي.. وثمة أمور أخرى كثيرة أريدها منك، لكن كل شيء بوقته ظريف..
فقلت له وأنا أجاهد نفسي لأكظم غيظي:
- هذا يعني أنك ستؤنسني طويلاً..
- طبعاً إن لم يكن لديك مانع..
- وأين ستقيم سيادتك خلال هذه الفترة؟
وبلهجة الواثق، أجابني إجابة أذهلتني بالفعل:
- لا تأكل هَمِّي من هذه الناحية.. لقد أَفْهَمَني العبقري الذي أوصلني إليك، أنَّ بإمكاني الإقامة في عالمِ الانترنت قَدْرَ ما أشاء، دون أن أدفع قرشاً واحداً..
- طيب..؟!
- وها أنتَ على وشكِ افتتاح مقهى تابع لموقع (نور الأدب)، ولاشك أنَّك ستحتاج إلى من يُديرُ لك العملَ فيه، لأنك لن تستقيل من أعمالك وتديره بنفسك، ولن تجدَ أفضلَ مني لإدارته.. ولا أحتاج لكي أُباشرَ إدارَتَه إلا إلى موافقة السيدة الأديبة هدى الخطيب صاحبة الموقع، أدام الله عزَّها، وموافقة أعضاء الموقع من بعدها.. وبما أنَّها تحترمكَ، كما علِمْتُ، فأرجوك أن تتوسَّط لي عندها للموافقة على إدارة هذا المقهى والمبيت فيه أيضاً، وبهذا تحلُّ مشكلتي ومشكلتَك في نفس الوقت..
- أتعتقد يا بهلول أنَّني ممن يأتون بالدبِّ إلى كرمهم؟ أنا آتي بك إلى هذا الموقع لتُصيبني بوجع رأس مزمن؟ معاذ الله.. لم أفقد عقلي بعد..
- أُعاهد اللهَ وأُعاهدك ألا أُسبب لك أيَّ إزعاج مع أعضاء الموقع وزوار المقهى، أو مع صاحبة الموقع.. صحيح أنَّني بهلول ولكنني عاقلٌ أكثر من كثيرين في هذا العالم، وأنتَ تعرف ذلك تماماً، فلا تقطع بسببي، الله يرحم أمواتك..
صمتُّ برهةً أُفكِّر، ثم قلتُ له مُجيباً:
- دعني أستشِر صاحبة الموقع وأعضائه، فإن وافقوا فبها ونعمت، وإن رفضوك فلا حول لي ولا قوة في هذا الشأن.. موافق؟
هزَّ رأسَه الكبير وقد غاضت ضحكتَه وانتشرت على جبينه سحابة قلق، ثم قال مُستسلماً:
- كما تُريد يا معلمي.. ولكن أرجوك يا معلمي أن تسمح لي بالمبيت في هذا المقهى، فأنا غريب في عالم الانترنت هذا، ولا ترضى لي أن أنام في شوارعه مثل المشردين..
- موافق، بشرط أن لا تُحدث أي فوضى أو مشكلة..
- وأنا موافق على شرطك يا سيدي..
وبالفعل، تركتُ بهلولاً في المقهى، كمقيم مؤقت، ريثما تعطونني قراركم بشأن الموافقة على طلباته أو رفضها.. ولأنني أعلم أنَّ اتخاذ قرار كهذا لابد أن يسبقَه إعطاؤكم معلومات عن بهلول وشخصيته ومدى صلته بي، ونوعية نشاطاته، لتستنيروا بمعرفتها في تكوين قراركم، فإنني أرجو صبركم مجدداً ريثما أقصُّ عليكم موجزاً عن حياته، غداً أو بعد غدٍ إن شاء الله..

فاطمة البشر 26 / 08 / 2016 13 : 01 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد توفيق الصواف (المشاركة 217814)

وأخيراً سأختم حديثي هذا بالتوجُّه إلى ابنتي الغالية والمبدعة فاطمة البشر، لأقول لها صادقاً – إن شاء الله - صدقيني لم أفرح، في الآونة الأخيرة، قدرَ فرحي بقراءة تعليقك على قصتي (خبر كاذب)، على الرغم مما يتلامح خلف سطور هذا التعليق القيِّم من عتاب لطيف لم يُخطِئه إحساسي..
وأُكرِّر هنا: مقبولٌ عتابك، ورفيعٌ خلقُك في طريقة توجيه هذا العتاب. ولأُنهي سوء التفاهم الذي حدث بيني وبين ابنتي اللطيفة المرحة فاطمة، سأتمنى عليها أن نُسامحَ بعضَنا بعضاً، ويا دار ما دخلك شر..
وأعود إلى تعليقك على القصة، لأقول: لقد فاجأتِني بحق، على الرغم من أنك ختمتِ ذلك التعليق الذي توسَّعتِ فيه وأجدتِ، بأنك لستِ ناقدة..! يا ويلي يا فاطمة، ماذا كنتِ ستفعلين بي لو كنتِ ناقدةً إذاً؟/ابتسامة..
تعليقك يدل على موهبة نقدية تبدو واضحة في قدرتك على تفكيك النص الذي تنقدينه والإمساك بأهمِّ مفاصله.. وهذا كله مُصاغٌ بلغة سليمة سهلة تصل إلى المتلقِّي بيسر وتعينه على فهم النص وتذوُّقه..
وبالطبع، لا أقول لك هذا تملقاً، فليس التملق من طبعي، أياً كان الذي أُخاطبُه، وأياً كان الموقف الذي أجدُ نفسي فيه.. وهذا يعني أنني أَصِفُك بما فيكِ حقيقة.. ولذلك أتمنى أن تستمري في هذا الاتجاه، لاسيما وأن مشرطك النقدي يُشبه إلى حدٍّ ما مشرطي الموجود حالياً عند الأستاذ محمد الصالح/ابتسامة..، وإذا حالفكِ الحظ، فستكونين عما قريب من أصحاب المشارط النقدية ذات الحضور والهيبة، يا لطيف!/ابتسامة..
هل راقت ابنتي فاطمة؟
أرجو ذلك، وأنا من جهتي صافي يا لبن..


فرحتُ لفرحك د. محمد الصواف ...
وشكراً على ما قلته في حقي فيما يخص النقد، وسأجعل منها محفزاً لي في هذا المجال ...
أنا عادة أستخدم عبارة "صافي يا عسل" لكن دائما ما أحصد الانتقادات لأن المثل السائد هو "صافي يا لبن" ...
لكني سأتمسك بعبارتي وأقول "صافي يا عسل".. ورداً على عبارتك "صافي يا لبن"، أقول " حليب يا قشطة " ....
ولن يفسد الود أبداً ... وأنا دائماً "مروّقة " .. (ابتسامة وغمزة )
ودي ووردي أستاذي الفاضل


محمد الصالح الجزائري 26 / 08 / 2016 01 : 04 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
[align=justify]متى يكون الغد؟؟؟ دكتورنا الفاضل سرد ماتع وحكي رائع..ما أسعد البهلول برفقتك !! طابت ليلتك أخي الغالي الدكتور الصواف..[/align]

عزة عامر 26 / 08 / 2016 12 : 04 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد توفيق الصواف (المشاركة 217815)
ختمتُ حديثي قبل السابق بالقول: إنَّ مبررَ غيابي عن الموقع، خلال الأيام الأربعة التي تلت توجيه الدعوة لأعضائه إلى فنجان قهوة، كان طارئاً مُفاجئاً ومثيراً، لم يخطر لي على بال.. وأرجو أن يحتملَ صبركم سَرْدَ ما حدث معي مُفَصَّلاً، لأهميته، آملاً ألَّا تُصابوا بالملل..
حدثَ ذلك عشية اليوم الثاني الذي شَهِدَ مروراً عابراً لبعضِ مَن دعوتُهم وغادروني معتذرين واعدين بعودة قريبة.. ليلتذاك، لا أُنكر أنني شعرتُ بُعيد مغادرتهم بغزوةِ يأسٍ، دَعَتْني نفسي على إثرها، إلى اتخاذ قرار بالرحيل.. ولأنَّ الانتظار العقيم قد أحالني تَعَباً ممزوجاً بالخيبة ومُبركَناً بالغضب، وَجَدْتُني أُجيب دعوة تلك الأمَّارة بالسوء مُتَسَرِّعاً، فعَكَفْتُ على أوراقي أُلَمْلِمُها مُبَقَّعَةً بخيبتي التي حاولتُ سَترَها قبل أن أستدير مُتجهِّزاً لمغادرة المقهى الذي كنتُ قد أَولَيتُ بابَه ظهري.. لكن، وفي اللحظة التي استدرتُ فيها مُستقبلاً الباب لأَعْبَرَهُ مُغادراً، حدثَ ما لم يكن بالحسبان..
ففجأةً، وجدتُ نفسي قبالةَ رجلٍ جاوزَ الخمسين من عمره، قد سَدَّ الباب بقامتِه الطويلة ومنكبيه العريضين.. كان يرتدي جلابية بيضاء عتيقة حائلة اللون، ويغطِّي رأسَه الكبير بطاقية بيضاء تتدلَّى من تحت حوافِّها خصلاتُ شعرٍ طويل وَخَطَهُ الشيب فجعله رمادياً يُضفي على وجه صاحبه الأزهر ما يُشبه هالةً من نور زاد أَلَقَها بياضُ لحيته الكَثَّة التي كانت أكثرَ شيباً من شعر رأسه، والتي تَرَكَها تسترسلُ على صدره طولاً وعرضاً حتى غَطَّتْ معظمه..
حَدَّقَ كلٌّ منَّا بصاحبه لحظات، وكأنَّه لا يُصدِّق ما تراه عيناه، ثم أَعْقَبَتْ لحظاتِ المفاجأة تلك هنيهةُ دهشةٍ شهقتُ بانتهائها مُنفعلاً، ثم صرختُ وأنا أنُوسُ بين الامتعاض والذهول:
- بُهلول؟!!!
وبدلاً من أن يُجيبني بلسانه مُؤكِّداً أو نافياً، فَضَّل الإجابة بطريقة أخرى، نسبةُ الحِسِّيَّةِ فيها أعلى بكثير مما يمكن أن تحمله أيُّ كلمة أو عبارة مهما بلغت درجة بلاغتها.. فقد اندفعَ نحوي بكامل جسمه الضخم فاتحاً ذراعيه الطويلتين اللتين ما إن بَلَغَني حتى لَفَّني بهما مُعانقاً، ناسياً أنَّ حجمَه يُساوي ضعفَ حجمي، وأنَّ قوَّتَه لا تُلائمُ هشاشةَ شيخوختي، الأمر الذي دفعني للصراخ به مُستغيثاً:
- خُفَّ عليَّ يا بهلول.. ستقتلُني..
وكأنَّ استغاثتي رَدَّتْ إليه وَعيَه الذي فقده فَرَحاً برؤيتي، فَتَرَاخَتْ لسماعها ذراعاه وانطلقَ لسانُه معتذراً:
- آسف يا معلمي إن كنتُ آلمتك.. والله لم أقصد.. لكن والله من شدة شوقي إليك وفرحي بالعثور عليك ولقائك..
- أعلم يا بهلول.. أعلم.. لكن كدتَ تُزهق روحي يا رجل.. صحيح أنَّ من الحبِّ ما قَتل، كما يقول المرحوم عبد الوهاب..
وكأنَّ تعليقي كان نكتةً ألقيتُها لأُضحكَه، انطلقَ في قهقهةٍ لم تهزّ كرشَه الكبيرة فقط، بل هزَّت أرجاء المقهى الصغير أيضاً، وأخافت عماله الذين ظنُّوا لهولها أنَّ زلزالاً ضرب مقهاهم.. فصرختُ به غاضباً:
- ما بكَ يا بهلول؟ على مهلك يا أخي..
نجح صراخي بإخماد صوت قهقهته الرهيب، لكنه لم يُفلح في مسح آثار الفرحة عن وجهه، فقال مُعلِّلاً وبقايا ابتسامةِ سعادةٍ على شفتيه:
- والله إنَّه ضَحِكُ الفرحِ بلقائك بعد طول فراق.. إنَّك لا تتصوَّر كم أنا سعيد بالعثور عليك..
- بلى تصوَّرت.. لكن أرجوك لا تدعْ الفرح يُعَطِّلُ سيطرتَكَ على أقوالك وأعضائك ودرجة ارتفاع صوتك ونوع كلماتك ودرجة قهقهتك.. وإلا فضحتَنا..
- حاضر..
قال ذلك، ثم فرك كفَّيه الكبيرتين ببعضهما جذلاً، وسحب كرسياً قريباً وضع فوقه جسمَه الضخم، وأشار بيده إلي أنْ اجلس.. فجلستُ مرغماً، وسؤال واحد يدور في ذهني:
- كيف اهتديتَ إلى مكاني هنا، ومن الذي أوصلكَ إلي؟
وأراد أن يُطلق ضحكته المُجَلْجِلَةَ الرهيبة مرة أخرى، فحذَّرتُه فابتلعها، ثم قال:
- مَن يُوجَد في فمه لسان يسألْ، ومَن يسألْ لا يضيع.. أليس كذلك يا معلمي؟
- ومن الفالح الذي سألتَه فدلَّك على مكاني؟
- ابن صديق لي.. وَلَد فَلْتَة.. عبقري كومبيوتر وأنترنت وما لفَّ لَفَّهما..
ولإغاظته سألتُه:
- وصديقُك هذا بهلولٌ مثلك أيضاً؟
فَرَدَّ محاولاً إغاظتي بإجابته:
- نعم.. فالبهاليل هم الشريحة الاجتماعية الوحيدة في العالم العربي اليوم التي لا يُورِّث أصحابُها مهنتَهم لأولادهم.. وبالتالي، فمعظم العباقرة من ذريتهم..
ولكي أقطعَ عليه محاولة استدراجي إلى الاستطراد في الحديث معه، كما يحبُّ أن يفعل دائماً، قاطعتُه سائلاً:
- وكيف دَلَّك هذا العبقري على مكاني؟
اكتسى وجهه بالجد، وهي يُجيب:
- صَدِّق أو لا تُصدق لم يحتمل عثورُه عليك أكثر من دقيقَتَي بحث.. عرفَ خلالهما أين تجلس، وزوَّدني بخارطة قال لي إِن اتبعَتَها في بحثك عن معلمِك فلن تَضِلَّ أبداً ولن تشقى.. وقد صَدَقَ فيما قال..
- حسناً.. ها قد وصلتَ إلي ولقيتني، فماذا تريد مني بعد؟
- آه.. أريد الكثير يا معلمي.. فأنا لا أكاد أُصدِّقُ أنني عثرتُ عليك لتسألَني هذا السؤال ولأجيبَك قائلاً: أريد أن أعرضَ عليك كلَّ ما أَلَّفْتُه خلال السنوات السبع الماضية التي لم أَرَكَ فيها؛ وأريد أن أُصبح عضواً في موقع (نور الأدب) لأنشرَ إبداعاتي على صفحاته؛ وأريدُ أن تُعرِّفَني إلى أعضائه الكرام وتُعَرِّفَهم بي.. وثمة أمور أخرى كثيرة أريدها منك، لكن كل شيء بوقته ظريف..
فقلت له وأنا أجاهد نفسي لأكظم غيظي:
- هذا يعني أنك ستؤنسني طويلاً..
- طبعاً إن لم يكن لديك مانع..
- وأين ستقيم سيادتك خلال هذه الفترة؟
وبلهجة الواثق، أجابني إجابة أذهلتني بالفعل:
- لا تأكل هَمِّي من هذه الناحية.. لقد أَفْهَمَني العبقري الذي أوصلني إليك، أنَّ بإمكاني الإقامة في عالمِ الانترنت قَدْرَ ما أشاء، دون أن أدفع قرشاً واحداً..
- طيب..؟!
- وها أنتَ على وشكِ افتتاح مقهى تابع لموقع (نور الأدب)، ولاشك أنَّك ستحتاج إلى من يُديرُ لك العملَ فيه، لأنك لن تستقيل من أعمالك وتديره بنفسك، ولن تجدَ أفضلَ مني لإدارته.. ولا أحتاج لكي أُباشرَ إدارَتَه إلا إلى موافقة السيدة الأديبة هدى الخطيب صاحبة الموقع، أدام الله عزَّها، وموافقة أعضاء الموقع من بعدها.. وبما أنَّها تحترمكَ، كما علِمْتُ، فأرجوك أن تتوسَّط لي عندها للموافقة على إدارة هذا المقهى والمبيت فيه أيضاً، وبهذا تحلُّ مشكلتي ومشكلتَك في نفس الوقت..
- أتعتقد يا بهلول أنَّني ممن يأتون بالدبِّ إلى كرمهم؟ أنا آتي بك إلى هذا الموقع لتُصيبني بوجع رأس مزمن؟ معاذ الله.. لم أفقد عقلي بعد..
- أُعاهد اللهَ وأُعاهدك ألا أُسبب لك أيَّ إزعاج مع أعضاء الموقع وزوار المقهى، أو مع صاحبة الموقع.. صحيح أنَّني بهلول ولكنني عاقلٌ أكثر من كثيرين في هذا العالم، وأنتَ تعرف ذلك تماماً، فلا تقطع بسببي، الله يرحم أمواتك..
صمتُّ برهةً أُفكِّر، ثم قلتُ له مُجيباً:
- دعني أستشِر صاحبة الموقع وأعضائه، فإن وافقوا فبها ونعمت، وإن رفضوك فلا حول لي ولا قوة في هذا الشأن.. موافق؟
هزَّ رأسَه الكبير وقد غاضت ضحكتَه وانتشرت على جبينه سحابة قلق، ثم قال مُستسلماً:
- كما تُريد يا معلمي.. ولكن أرجوك يا معلمي أن تسمح لي بالمبيت في هذا المقهى، فأنا غريب في عالم الانترنت هذا، ولا ترضى لي أن أنام في شوارعه مثل المشردين..
- موافق، بشرط أن لا تُحدث أي فوضى أو مشكلة..
- وأنا موافق على شرطك يا سيدي..
وبالفعل، تركتُ بهلولاً في المقهى، كمقيم مؤقت، ريثما تعطونني قراركم بشأن الموافقة على طلباته أو رفضها.. ولأنني أعلم أنَّ اتخاذ قرار كهذا لابد أن يسبقَه إعطاؤكم معلومات عن بهلول وشخصيته ومدى صلته بي، ونوعية نشاطاته، لتستنيروا بمعرفتها في تكوين قراركم، فإنني أرجو صبركم مجدداً ريثما أقصُّ عليكم موجزاً عن حياته، غداً أو بعد غدٍ إن شاء الله..

أستاذنا الفاضل .محمد توفيق الصواف..
إنه لرائع ذلك الحوار..الذي دار بينك وبين الأخ بهلول ..وبرغم أنني أشعر أنه فصيل مختلف ..عن كونه يصبح أخ لي..إلا أنني سأعتبره أخ ..إلى حين الكشف عن هويته.. وحقيقة ..قد أجدت إستدراجنا ..للإنتباه لذلك البهلول ..وأرسيت له مكانا ..قبل أن يأتي ..وهيئتنا نفسيا لتقبله بيننا ..قبل أن نعرفه.. وأثق أننا سنرحب به عند وصوله.. رغم أنه يبدو مخيف الطلة ..عظيم الأمر..إلا أنني أعلم ..أن نور الأدب ..بيت الكرم..لكل وارد .. :) وقد حدثني حدسي ..بشأن شخص ذلك البهلول ..ولكنني لن أتسرع هذه المرة ..في الكشف عما أشتمت أنفي ..والتي نادرا ما تخطئ..سوف أنتظر معلومات بهلولنا المبجل ( إبتسامة)..وأما بخصوص تصحيح الأخطاء النحوية والإملائية ..فإني سوف أذاكر من جديد ..ليس بيدي سوى ذلك .. سامح الله معلمو اللغة العربية .. الذين تلقيت منهم..على مر مراحل تعليمي ..فلست أدري من منا كان فاشلا ..أنا أم هم ..(إبتسامة )وردي.. وأيضا وردي.

عائشة بناني 26 / 08 / 2016 25 : 10 PM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
تحية أرق من همس النسيم
أستاذ محمد توفيق الصواف
لست سوى هاوية للحرف الرقيق ،عاشقة للكلمة النقية
وكل نص جميل يستوقفني ويشدني لأدخل برج الحروف ربما بذاكرة شاحبة علني أسند روحي بظل كلمة راقية ....
أعتذر لتدخل ذاتيتي في الموضوع لكنني أظنها لعنة ترافق كتاباتي
سأتجرا الآن وأشارككم فنجان القهوة الذي أتحفتنا به وأقف على محراب قصتك علني أستشف منها ما أثري به النقاش
وأنا أتجول في أزقة مفرداتها كسمكة نهر وضعت في ماء مالح فلست بقاصة ولا ناقدة وإنما هي نشوة الكتابة مدتني بالجرأة لأضع ملاحظتي حول عنوان القصة "خبر كاذب"
أظن أن العنوان كان فاضحا لمضمون القصة كأنك سهلت على القارئ معرفة النهاية فانتفى بذلك عنصر المفاجأة
وأظن أنك ربما تعمدت ذلك لأن الخبر أكيد سيكون كاذبا فواقع الحال خير دليل عليه
لكن على أي كقارئة عادية شدني أسلوبك الساخر في القصة وذكرني بالكاتب ابراهيم عبد القادر المازني وكذا سهلها الممتنع واستعاراتك من مناهل مختلفة أثرت القصة وجعلتنا ولوهلة نعيش مع بطلها حلم لم شمل الأمة العربية فهنيئا لمكتبتنا بها
لك كؤوس مودتي واحترامي

Arouba Shankan 26 / 08 / 2016 48 : 10 PM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
لن أبت في أوراق القبول.. علينا القبول.. بهلول سيكون عضو رائع بيننا
إن أوصدنا في وجهه الباب.. غالبنا الكياسة واللباقة.. وأجحفنا في حق من يحبونا
نمارس طقوس الاستقبال اليومية.. والقهوة عامرة.. بهلول يسرني استقبالك.. لكنني حزينة
أجل.. لم أشأ أن أستقبلك .. ومساحات الحُزن تتسع في أوردتي.. لقد رحلت إحداهن عن عالمنا
كم كانت بشوشة.. وضاءة الوجه.. مُبتسمة على الدوام.. رحلت بهدوء..
لم تترك لنا رسالة.. ولا حتى تعليقاً على الفيس بوك..
في تغريدات المتوفين.. طالعتني تغريدة.. لقد رحلت لتهنأ في العالم الآخر.. تم..
نامي بسلام.. أيتها الحسناء.. هل الوفاة هي السلام الذي بحثت عنه.. ربما..
بهلول.. اعذر حماقتي.. إن لم أستقبلك بالابتسام.. فربما شاطرتني أحزان الفُراق
لتزرع ابتسامة .. فوق شفاهٍ.. تبكيها على الدوام..
تحيتي

محمد توفيق الصواف 27 / 08 / 2016 06 : 01 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
شكراً للأستاذة عائشة بناني على مرورها اللطيف وتعليقها الذي تتفتحُ كلماتُه إبداعاً جميلاً، صرتُ أراه علامة مُميِّزَة لكل ما تنشره في الموقع من نصوص..
لك مني كل المحبة والتقدير..

محمد توفيق الصواف 27 / 08 / 2016 15 : 01 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
شكراً لكِ أُستاذة عروبة على قبولك غير المشروط لاستقبال بهلول في (نور الأدب)،
وإن كنتِ قد أقلقتِني بخصوص الحزن الذي تحدثتِ عنه.. فلم أشعر، من قبل، بمثل نبرة الحزن التي شعرتُ بها تنبض الليلة بقوة لافتة في كلماتك وطريقة صياغتك لعباراتك..
خيراً إن شاء الله..
تقبلي تعاطفي مع حزنك أيّاً كانت أسبابه، وأرجو أن تعودي قريباً جداً تلك المبدعة التي تتدفق حيويةً يسري الحزنُ في نصوصها الإبداعية فناً، وليس في أعصابها ألماً وفي عيونها دمعاً..
أبدلَ الله حزنَك فرحاً..

محمد توفيق الصواف 27 / 08 / 2016 26 : 01 AM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
أسعدَ الله مساء الجميع، وأعتذر عن التأخر بالنشر إلى الآن، إذ لم أحسم أمري بالنسبة لنشر ما ستطالعونه الآن إلا قبل دقائق فقط..

لعل من المفارقات الغرائبية التي تُثير الكثير من الدهشة أن يبدأ تعارفُنا، أنا وبهلول، عن طريق الانترنت، على الرغم من أنَّ معرفةَ كلينا بعالم الانترنت أقرب إلى معرفة اللَّحام بجراحة الأعصاب..
كان ذلك في أواخر العام الأخير من القرن الماضي.. عندما وجدتُ بين الرسائل الواردة إلى بريدي الالكتروني رسالة لا أعرف صاحبها.. وحين فتحتُها عرفتُ أنها ليست لي بل لأخي طلعت سقيرق بوصفه مدير الموقع الالكتروني الذي أسسه آنذاك باسم (أوراق 99) خلفاً لموقع (العنقاء) الذي أسستُه مع طلعت أيضاً قبل ذلك، وأَغْلَقَه لنا أدعياءُ الحرية والديموقراطية في أوروبا والولايات المتحدة، لأننا حاولنا من خلال المواد التي كنا ننشرُها فيه، باللغتين العربية والإنكليزية، تغييرَ الصورة النمطية السلبية للإنسان المسلم عموماً والعربي خصوصاً، وتقديمه في صورته الحقيقية المغايرة لتلك النمطية تماماً.
أمَّا سبب وجود رسالة بهلول في بريدي لا في بريد طلعت، فكان وجود عنوان بريدي إلى جانب عنوان بريده على صفحة موقع (أوراق 99)، دون أن يعرف غالبية المُرسِلِين أن هذا العنوان لي وذاك لطلعت..
على أيِّ حال، ما إن شرعتُ في قراءة رسالة بهلول حتى أغربت في الضحك، لخفة دم كاتبها وغرابة أسلوبه في الحديث عن الموضوعات التي تَطَرَّق إليها في تلك الرسالة التي وعدني، البارحة، بإعادة نشرها في (نور الأدب) إن حظيَ بالعمل مديراً لمقهاه النقدي..

ولكن ماذا سأكتبُ عنك يا بهلول، وكيف تُريدُني أن أُقدِّمَك لأعضاء الموقع؟

للإجابة عن هذا السؤال، سَهَّرني السيد بهلول البارحة إلى ما قبيل الفجر بقليل، وهو يحادثني حول الطريقة المثلى، في رأيه طبعاً، لتقديمه إلى أعضاء (نور الأدب) ومديرته السيدة هدى الخطيب.. ولم يتركني إلا بعد عودتنا معاً من صلاة الفجر في الجامع، ورؤيتِه لي كيف أدَّيتُها وأنا شبه نائم.
في البداية، رجاني ألا آتي على ذكر هيئته الخارجية، خشيةَ أن يظن به أعضاء الموقع الظنون، ثم تراجع عن طلبه هذا بحجة أنهم لابد سيعرفون، حين يرونه مستقبلاً، ما يريدُ أن يخفيه عنهم الآن..
ثم تردَّد كثيراً في السماح لي بالحديث عمَّا كانت عليه حياتُه قبل أن يَتَبَهْلَلَ.. وانتهى نقاشنا لهذا الجانب إلى ترجيح رأيه بأنَّ من الأفضل قيامه بالحديث عن تلك الفترة من حياته، بنفسه وبأسلوبه..
عند ذلك، قلتُ له: لم تترك لي سوى تقديمك لهم بوصفك بهلول الذي عرفتُه عن طريق صندوق بريد المرحوم طلعت.
فأجاب موافقاً: نعم.. لكن بشرط أن توافق على كل التعديلات التي أطلب منك إجراءها على ما تقوله عني..
بعد موافقتي على طلبه هذا، بدأتُ، في نحو العاشرة ليلاً، أكتب ما سمح لي بنشره عنه في هذا الموقع، ولم ننتهِ إلَّا قُبيل الفجر، كما سبقت الإشارة، لكثرة ما أجرى من تعديلات على ما أوردتُه في السيرة الموجزة لسيادته، حتى رضيَ عن صيغتها النهائية التي مَلَأَتْ ثلاثَ صفحات كبيرة، تركناها في البيت لنقرأَها مرةً أخيرة، قبل أن ننشرَها في الموقع، بعد عودتنا من صلاة الفجر..
لكن، وبعد هذا التعب الذي جَرَّعْنِيه السيد بهلول، كأساً تلو كأس طيلة الليل، إذا به يُمسكُ أوراق سيرته ويمزِّقُها، حالَ انتهائي من إعادة قراءتها عليه، ثم يلتفتُ إليَّ مُعلِّلاً فِعلَتَه الشنعاء تلك بقوله:
- سامحني يا معلمي.. لم تُعجبني.. شعرتُ وأنتَ تقرأها لي، كأنك تقرأ سيرة أحد آخر غيري، وليس سيرتي..
ومع كل ما اشتُهرِتُ به من قدرة على كظم الغيظ، لم أتمالك نفسي من الصياح به غاضباً:
- ماذا تقول؟ لم تُعجبْكَ؟! والله لستَ أنتَ البهلول بل أنا الذي قَلَّلْتُ عقلي وطاوعتُك ساهراً طيلة الليل لأُقدِّمَك في أفضل صورة ممكنة لأعضاء الموقع.. اللعنة على..
وقبل أن تصل لعنتي إلى حيث أردتُ إرسالها، وضع بهلول كفَّه الكبيرة على فمي بلطف، وهو يرجوني قائلاً:
- أرجوك يا معلمي لا تلعن.. ما حلوة بحقك، وأنتَ الرجل الرزين العاقل..
تراجعَ غضبي قليلاً وأنا أرى في عينيه نظرات أسف حقيقي وخجل لم تستطع غَسْلَهُما الدمعتان اللتان تَحَدَّرَتا على خدَّيه بصمت.. وفي الواقع رَقَقْتُ له.. وما إن شعرتُ بعودة الهدوء إلى أعصابي، حتى سألتُه:
- لماذا مَزَّقْتَ الأوراق يا بهلول؟ لقد رسمتُ لكَ فيها صورةً غاية في الروعة..
- لأنَّني شعرتُ أنَّ تلك الصورة الرائعة التي رسمتَها لي برغبتي ليست صورتي.. ومادامت كذلك فكيف أُقَدِّمُها لمَن أريد العمل عندهم مديراً لمقهى نقدي غايتُه ممارسة الصدق في النقد؟! أيْ ممارسة التعليق على النصوص الإبداعية دون تَحَيُّز لأصحابها أو ضدهم؟.. أيْ قول الحق دون مواربة ولا تحوير ولا تزوير..؟!
ثم أضاف وهو يرمي ببصره على الأرض، حياءً مني:
- أليس حراماً يا معلمي أن أحاولَ بالكذب الحصول على منصب المدير لمقهى يريد زوَّرُاه التعبيرَ عن آرائهم فيما يقرؤونه بصدق؟! والله يا معلمي ما استطعتُ أن أهضم أن أغشهم..
أمام موقفه هذا الذي عبَّر عنه بكلماته البسيطة السابقة، وقفتُ حائراً مُشتَّتاً بين مشاعر متناقضة آلمتني مداهمتُها لي في آنٍ معاً، فلم أدرِ ما أقولُ له.. ولذلك طال صمتي بقدر طول معاناتي للتناقض بين إحساسي باحترام موقفه النبيل وخجلي من قبولي أصلاً لتعديل صورته، بقصدِ مساعدته في الحصول على إدارة مقهى النقد في الموقع.. لَكَمْ تمنيتُ لو أنَّني كنتُ البادئ برفض تزوير الحقيقة وليس المذعن لرفضه تزويرها.. لكن ما حصل قد حصل.. وكانت النتيجة هكذا أفضل..

عن أي نتيجة تراني أتحدث الآن؟

قصدتُ النتيجة التي انتهينا إليها في ختام سهرة البارحة ، والتي يُمكنُ تلخيصها بالكلمات التالية:
- سيُقدِّمَ بهلول لمحة سريعة عن نفسه غداً، واعداً بالحديث عن نفسه قبل البَهْلَلَة وبعدها، ابتداء من استلامه العمل في المقهى الذي اقترح تعديل تسميته إلى (مقهى الدردشة النقدية).
- يقترح بهلول أن يتمَّ افتتاح منتدى خاص بالمقهى في أي مكان على الموقع..
- لكي يُجَنِّبَني الإحراج والتعب معه بنشر كتاباته عن طريقي، يرجو بهلول منحَه صفةَ عضو في الموقع، ليكون بقدرته بعد ذلك نشر ما يريد والتعليق على ما يريد بنفسه لا من خلالي...
- أخيراً، يرجو بهلول من كلِّ الذين شعروا أنَّه أضاع وقتهم بقراءة مجريات الليلة الماضية وحيثياتها الكثيرة أن يقبلوا اعتذاره، ويعِدُهم إن عذروه أن يُعوِّضَهم عمَّا أضاعه من وقتهم الثمين بأجمل الأمسيات والجلسات في المقهى، وعلى حسابه..

محمد توفيق الصواف 28 / 08 / 2016 55 : 08 PM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
ثلاثة أيام مضت على ما نشرتُه، في هذه الصفحة، حاكِياً فيه ما جرى بيني وبين بهلول في تلك الليلة التي مزَّق في نهايتها نصَّ ما كتبتُه عنه لتعريف أعضاء الموقع به..
ثلاثة أيام بلياليها وهو ينتظر أن يصدر عن أحد أعضاء الموقع تعليقٌ على ما جرى بيننا تلك الليلة التي أبقاني ساهراً فيها حتى الفجر، عَلَّهُ يستشف من تعليق أحدهم ما يُنْبِئُه، ولو جزئياً، بنوعية ردِّ فعل بعضهم على تصرفه معي..
ومع أنني كنتُ منشغلاً جداً خلال تلك الأيام الثلاثة، لم أستطع أن أمنع نفسي عن مراقبته من طَرْفٍ خَفِيّ، وهو يُغالب رغبتَه في أن يطلب مني الدخول إلى الموقع ليرى إن كان أحدٌ قد كتبَ عنه شيئاً، فكنتُ أُشفِقُ عليه وأُقدِّرُ مغالبتَه لنفسه وكَبْتِه لفضولها كي لا يُعطِّلَني عن عملي..
وحين اشتدَّ عليه صمتي وحرصه على عدم إلهائي عن عملي، فكرَ أن يفعل شيئاً يهرب بفعله مما يعاني ومن انشغالي عنه.. ولذلك تقدَّم مني، في النهاية، وسألَني أن أعطيه قلمَ رصاصٍ وعدة أوراق بيضاء، لأنه يريد أن يكتب شيئاً، فأعطيتُه ما طلب، دون أن أسأله ماذا يريد أن يكتب.. ولم يكد يراني أنهمكُ في عملي من جديد، حتى أَعرْضَ عني واسترسل في تسويد الصفحات التي أخذها مني بما لم أعرف ولم أحاول أن أسأله لأعرف..
مع انتهاء اليوم الثالث لانتظاره ماكثاً في غرفة مكتبي، رجاني أن أمنحه بعض الوقت ليكلمني، فأجبتُه إلى طلبه بسرعة، لأنني كنتُ أنا أيضاً أُعاني من ضغط فضولي لمعرفة ردِّ فعله على ما جرى..
كان واضحَ العصبية، على نحو لم أرَه فيه قبلاً، ولا مرة، خلال فترة معرفتي الطويلة به.. فقبل أن ينطق بأيِّ كلمة، رأيتُه يفرك كفيه الكبيرتين ببعضهما على نحو بدا لي عنيفاً إلى حد ما، ثم باعد كفيه عن بعضهما، ورفع يمناهما إلى جبينه ليفرك بأصابعها الكبيرة صدغه ثم أنفه ثم ذقنه..، ثم تكلَّفَ رَسْمَ ابتسامة باهتة على شفتيه، ودون أن يَسْتَرِدَّها، بدأ حديثَه إليَّ بصوت واجف خافت، في البداية، ما لبث أن ارتفع تدريجياً:
- ليتكَ لم تُطلِع أعضاء الموقع على ما جرى بيننا تلك الليلة..
صمتَ هنيهة ثم تابع..، دون أن يُتيحَ لي قول أي كلمة:
- أظنُّ أنَّني أسأتُ لك ولنفسي في وقت واحد.. أكيد.. أكيد أنَّ أعضاء الموقع غضبوا من تصرفي معك... أكيد اعتبروا تصرفي معك غير جيد.. وأكيد أخذوا عني فكرة سيئة، بسبب هذا التصرف... صحيح أستاذ؟
لم أُجِب، لأنني لم أُرِد أن أُقاطع سيالة تفريغه للمكبوت من أحاسيسه وانفعالاته.. ولذلك تابع، وهو ما يزال يفرك جبينه بعصبية:
- أكيد قالوا لأنفسهم، إذا كان هذا الإنسان قد تَصَرَّفَ مع مَن يُناديه أستاذه هكذا، فكيف سيتصرف معنا ونحن لا نعرفه ولا يعرفنا؟
وهنا، أدركتُ أنَّ من الضروري أن أتدخلَ لأساعده على النطق بالقرار الذي اتخذه كردِّ فعل على ما بدا لي أنه أغضبه جداً، فسألتُه:
- وماذا استنتجتَ من صمتهم إذاً؟
حكَّ جبينه بشدة أكبر هذه المرة، حتى تهيَّأ لي أنه على وشك أن يسلخ جلده، ثم قال بنرفزة بادية:
- اسمح لي أن أختصر جوابي على سؤالك بكلمتين ونصّ، فأقول: عدم الجواب جواب..
تَكَلَّفتُ الابتسام وأنا أنهض مقترباً منه، وحين بلغتُه، وضعتُ كفي على كتفه محاولاً مواساته والتخفيف من انفعاله، ثم خاطبتُه قائلاً وأنا أُرَبِّتُ على كتفه:
- والله أنتَ حكيم يا رجل.. قال بهلول قال؟! استنتاجُك صحيح، لكن، مع ذلك أرى أن لا تُحمِّل الأمر أكثر مما يحتمل..!
- كيف يا معلم؟
تابعتُ، وبنفس الطريقة المُهدِّئة:
- للناس ظروفهم يا بهلول.. من يدري.. ربَّما حدث انشغالهم عنك بالمصادفة..
أبعد كفي عن كتفه، بحركة لطيفة، قبل أن يقف بطوله الفارع في مواجهتي.. وبعد أن زرع الغرفة بخطواته مرتين جيئة وذهاباً، وقف قبالتي، حاول أن يقول شيئاً، ثم تراجعَ، ثم رفع يده إلى رأسه من جديد، وراح يهرشه هذه المرة هرشاً عنيفاً، بعصبية بادية، ثم استجمع إرادته وأطلقَ لانفعاله العنان، فجاء كلامه أقرب إلى الصياح:
- صحيح أنني بهلول يا معلمي، لكن عندي كرامة..
قال ذلك، ثم صمتَ هنيهةً، سمعتُ صريف أسنانه خلالها، وفي نهايتها قال بصوتٍ حازم:
- لذلك سأغادر.. نعم سأغادر هذا الموقع.. لن أعمل في نور الأدب حتى لو رَجَوْتَني.. سأغادر إلى غير رجعة..
قال ذلك، ثم نظر إليَّ مستطلعاً أَثَرَ قراره في ردِّ فعلي، ولمَّا لم يجد ردَّ الفعل الذي تَمَنَّاه، تابع يقول، ولكن بعصبية أقل وأسى أكبر:
- صحيح أنني أحببتُ الكثير من أعضائه، من خلال ما قرأتُه من كتاباتهم، لكنَّ محبتي لهم لا تشفع لإهمالهم لي.. ولذلك سأغادر..
قال ذلك ثم اتجه إلى الطاولة التي كان يجلس إليها ويكتب في الأوراق التي أخذها مني، ثم راح، وهو يتجنَّب النظر إليّ، يجمع تلك الأوراق التي كتبَ عليها ما لا أعرف.. وتراءى لي أنه يُبطِئ في جمعها، وكأنَّه كان ينتظر أن أقول له شيئاً يثنيه عمّا هو بصدده، أو يجعله يتراجع عن قراره بالمغادرة.. ولمَّا لم يصدر عني ردُّ الفعل الذي كان يأملُه، ازدادت عصبيتُه وهو يُتابع جَمْعَ تلك الأوراق التي لَفَّها، في النهاية، على بعضها، بعنف، وقدَّمها إليَّ قائلاً بانفعال واضح:
- تفضَّل أستاذ خُذْ هذه الأوراق..
مددتُ يدي وتناولتُها من يده بصمت، فزاده صمتي انفعالاً، بذل جهداً كبيراً للسيطرة عليه، ليتمكَّن من أن يقول لي:
- ألن تسألني ماذا في هذه الأوراق؟
- بلى..
_ لقد مزَّقتُ الأوراق التي ظللتَ تكتبَها تلك الليلة وتعدِّل فيها حتى الفجر.. أتعرفُ لماذا؟ مزَّقتُها لأنني أردتُ أن أُقدِّم نفسي لأعضاء نور الأدب بنفسي وبأسلوبي، وقد فعلت الآن.. ستجد في هذه الأوراق الكثير عني، لقد تحدثتُ فيها عن طفولتي وشبابي وعملي قبل أن أَتَبَهْلَل، وعن حياتي بعد أن تَبَهْلَلْت.. كتبتُها رغم قراري بأن لا أبقى في نور الأدب، كتبتُها ليعرف أعضاؤه أنني لا أستأهلُ الإهمالَ الذي عاملوني به حتى وإن كنتُ بهلولاً..
قال ذلك، وهو يُغالب دمعة غَلَبَتْ إرادتَه في منعها من الخروج من عينه، فسارع يمسحُها بطرف كمه، خجلاً من أراها.. ثم تقدَّم مني مادّاً يده ليُصافحني، ثم مدَّ الأخرى ليُعانقني بكلتيهما مُودِّعاً.. وبينما سمحتُ له، بعد أن أعتقني من عناقه، بالاحتفاظ بكفي الصغيرة بين كفيه الكبيرتين، قال لي:
- اقرأ هذه الأوراق يا سيدي، وأرجو أن تُعجبَك.. وإن رأيتَ أن تنشرها في أي مكان فافعل، وإن شئتَ أن تتلفها فافعل، فأنا موافق سلفاً على أي قرار تتخذه.. والآن.. اسمح لي بالانصراف.. أستودعك الله، وأرجو أن ألقاك على خير دائماً..
قال ذلك، ثم ترك كفي تتحرَّر من بين كفيه، ثم استدار متجهاً إلى الباب بخطوات بطيئة تراءى لي من بطئها وكأنه كان يتمنى لو أدعوه إلى العدول عن قراره.. لكنني لم أفعل، على الرغم من رغبتي الشديدة بذلك وحزني الشديد لفراقه منكسراً هذه المرة، على نحوٍ لم أرَه عليه سابقاً أبداً..
وفي الواقع، لم يمنعني من محاولة إقناعه بالعدول عن قراره بالمغادرة، إلا تَوَهُّمي بأنَّ انصرافه سيكون خيراً له ولأعضاء الموقع الكرام، فقد يتمادى في توجيه ملاحظاته لهم، وفي طريقة حديثه معهم، إن اعتاد عليهم، وعند ذاك قد لا يحتملونه فيقع بينه وبينهم ما لا تُحمَدُ عقباه، وهو ما لا أريده أبداً، ولذلك آثرت المكابرة على نفسي والضغط على عواطفي، وتركتُه يمضي، وأنا لا أعلم حقيقةً، إن كنتُ سألتقيه ثانية، فيما تَبَقَّى لنا من عُمر أم لا..
ولا أُخفيكم أنني ازددتُ ندماً وأسفاً على فراقه، بعد أن قرأتُ ما كتبَه في الأوراق التي أعطانيها وهو يُودِّعُني.. لقد برَّ بوعده في تقديم صورة صادقة عن نفسه في تلك الأوراق، مبتدئاً برسم هذه الصورة من لحظة ولادته، حتى الأيام الأخيرة التي سبقَتْ لقاءَه الأخير بي..
ونزولاً عند رغبته، ووفاءً له، ولقناعتي فوق هذا وذاك، أنَّه بدا لي فيما كتبه عن نفسه شخصيةً جذَّابة، وفناناً صاحبَ أسلوب ممتع في الكتابة، استطاع أن يضحكني وهو يكتبُ مهموماً مفعماً بالأسى، رأيتُ نشر تلك الأوراق. لكن، ودفعاً للإملال، لن أنشرها دفعةً واحدة، كما كتبَها صاحبها، بل تباعاً على دفعات..

Arouba Shankan 28 / 08 / 2016 24 : 09 PM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
عزيزي بهلول
لا تكن كمن مرّ، وذهب.. تارِكاً في النفس حسرة.. وكمشة ذكريات
أوافقك الرأي بأن تفتتح رُكناً يليق بالدردشات النقدية.. وبأن نتقاسم الكلمة
والفن والإبداع
لا أعلم لِما أشعر بأننا سنُصبح أصدقاء.. سوف نكسر رتابة لقاءاتنا بشيء من إبداعاتنا
ونستدني أمانينا مِن نوافذ الفرح.. ونتحرر من قيود الأنانية.. يومياً يتولد لديّ الشعور بأننا نقترب من بعض أكثر
لا ترحل يا بهلول.. لقد كسرت من جليد المعاملة.. إليك أمدُ يدي.. بباقة مِن الزهور.. التي تُرحِبُ بك على الدوام

عائشة بناني 29 / 08 / 2016 05 : 11 PM

رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
 
أستاذ محمد توفيق الصواف
اعتقدت أن شخصية بهلول أسطورية اختلقتها من خيالك الخصب فأنا عضوة جديدة معكم في المنتدى
لكن يبدو من مقالك الثاني أنها شخصية حقيقية تتنفس وتشكو، تتمنى وتتألم وترسم خططا للمستقبل ثم تعود وتمسحها في لحظة انفعال ...
رفقا بنا أخي بهلول فما زلنا نتخبط في أمورنا العادية وأصبحت اللحظات التي نسرقها من الزمن لنكتب أو نقرأ تتضاءل أمام أعباء الحياة خصوصا و أننا في سن وسط لا يسمح لنا بحمق الشباب ولا حتى بحكمة الشيوخ ومن كان يقول أن خير الامور أوسطها لم يدرك ما معنى أن تكون وسط كل شيء فلا تتجرأ على فعل أي شيء اعذرني استاذ بهلول على سفسطتي لكن يبدو أنني لا أملك للغد إلا ذاكرة لفها الصقيع ولم أعد أملك للكتابة إلا أصبعا يظل في الصباح يتخبط بين الأواني وفي المساء ألفه بضماد أبيض لأطبطبه من آثار معارك المطبخ (ابتسامة عريضة ) ومع ذلك تراني أحتفل بانكساراتي كما فعل زوربا ...وتستاء أنت لمجرد تأخرنا في التعليق ....وتقرر الفراق قبل اللقاء والرحيل قبل البقاء ....
للكتابة مفتاح يحتاج للصبر و للصبر عكاز يمسكه زمان أعرج الرؤيا ....ولا أظنك سوى ممن إذا ركبوا الفلك اتبع مقولة طارق ابن زياد البحر من ورائكم والعدو أمامكم ....
فلتتناول مشرطك ....فنحن في قاعة الانتظار ....


الساعة الآن 12 : 02 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية