منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   مكتبة نور الأدب (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=220)
-   -   كتاب نور الأدب للقصة القصيرة (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=3079)

طلعت سقيرق 24 / 03 / 2008 42 : 03 AM

كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
[align=CENTER][table1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/21.gif');background-color:silver;border:4px groove sandybrown;"][cell="filter:;"][align=center]
مختارات مما ينشر في منتدى القصة القصيرة سيكون سجلا باقيا في نور الأدب [/align][/cell][/table1][/align]

ملاحظة : لإضافة أي قصة لكتاب نور الأدب .. يتم ذلك من خلال مشرف منتدى القصة القصيرة الأديب القاص رشيد حسن .. وكل ما يضاف دون الرجوع إليه يحذف ..
لكم الشكر

طلعت سقيرق 26 / 03 / 2008 09 : 03 AM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
[frame="1 98"]
الصبار ... قصة للأديب القاص : رشيد حسن
[/frame]


[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/22.gif');background-color:silver;border:7px groove silver;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
[align=justify]
ولجت الفصل ، فطالعتني عشرات العيون في تحفز وفضول، وران صمت عميق لا يشوبه سوى وقع قلم أو أزيز كرسي . أشرت بالجلوس ثم أخذت مكاني بمكتبي وفتحت دفترا دونت فيه ملاحظات هي عبارة عن تعليمات للصغار حول طريقة العمل... الأدوات ، التغيب ، الشغب ، الزي المدرسي ، الفروض ... استمع إلي جمهوري بانتباه هو أشبه ما يكون بصلاة . الآن ... تيقنت أني أحكمت سيطرتي على حشد يملأ القاعة طولا وعرضا. خمسون نسمة ، لا تسمع لها همسة . الآن... يمكنني العمل كما يحلو لي ، وبما يمليه علي كل ما اكتسبته من تجربة واطلاع في ميدان التربية والتعليم . الطفل ، المراهق ، الانحراف...

شملني زهو وأنل أدير ببصري من فوق نظارتي المكورتين متفرسا في الوجوه . ربما كان كلامي بلغة أجنبية عاملا في هذا السكون المعبر عن استسلام تام .
"- حسنا ، لنبدأ العمل – قلتها بفصاحة أهل السين- أنت... هناك... إلى السبورة ."
ولو أن زلزالا رج الفصل رجا ، أو أن عاصفة دمرت المكان تدميرا لكان أهون من رد ذلك "الشيء" الذي أحنى رأسه وهو يحركه رافضا . تملكني شيطان التحدي والعناد ، ورأيت أن هيبتي وسمعتي في خطر فقلت في حزم:
- ألم تسمع ؟ قف ، وتعال إلى السبورة .
لعله لم يفهم . أشرت له بأصبعي . صرخت بصوت رن في أرجاء الحجرة . أمرت أحدهم بشرح الأمر، دون جدوى :"- حسنا... سوف نرى ."
في الحقيقة ، لم أكن أعرف ما يجب فعله ، فقد تعودت أن تنفذ أوامري بحذافيرها . ويبدو أنني لم أحسب للأمر حسابه ، و... رن الجرس.
- أنت... لا تعد إلا وولي أمرك معك...مفهوم ؟
طأطأ رأسه . خيل إلي أنه سيحركه يمينا و يسارا . شققت الحشد المتدفق نحو الباب ، وأمسكت بأذنه:

- انتبه… سيكون عقابك أليما… فهمت ؟
لا شك أن شيئا ما آلمه قبل أن يحس بإبهمي وسبابتي تضغطان على شحمة أذنه، وأنه يغالب البكاء فانسل بين رفاقه واختفى ، بينما توالت الحشود وترددت نفس الخطبة :"- حذار، إياكم ، أنصتوا ، انتبهوا ..." ولكي أبدو واسع الاطلاع والمعرفة ، امتدت تعليماتي إلى التغذية :"- الحليب ، البيض ، اللحم ... هذه المادة فيها حديد ، وتلك فيها كالسيوم ، وفيتامين أ ، ب..." ولم تنته الحصة حتى كان الإعياء قد بلغ مني مبلغه . فانصرفت والطنين يصم أذني، فلم أعرج كعادتي على القهوة رغم إلحاح جاري علي بالحضور لنشاهد سويا لقاء برشلونة وريال مدريد في صراعهما الأبدي الذي تطال شرارته المقاهي المنتشرة كالأخطبوط عبر شوارع المدينة . عزفت نفسي عن مشاهد السباب والصراخ والمشادات الكلامية ، ولم أمر على منزل خطيبتي حتى أوفر علي مسامعي السؤال المتوقع: -" هيه...ماذا عن الساعات الإضافية ؟"

تاقت نفسي إلى لحظة سكون أستجمع فيها أفكاري. فقد كنت مشتت الذهن دون معرفة السبب. قد يكون وراء ذلك انهماكي المفاجئ في العمل بعد عطلة طويلة . وربما يكون انقباضي راجعا لمعاناتي من جراء فشلي في الإنتقال إلى مؤسسة قريبة من مقر سكناي ، إضافة إلى تأخر ترقيتي بعد أن نالها كل زملائي ، القدماء و الجدد .
وأنا في شرودي هذا ، لم أنتبه لجاري الغارق في متجره وسط السلع المكد سة وهو يناديني معاتبا :
- على الأقل ردوا السلام... لا نريد منكم جزاء ولا...
- عفوا ، لقد كنت ساهيا فلم...
- هكذا أنتم معشر المعلمين... كأنكم تحملون أوزار العالم فوق ظهوركم .
- ما العمل وأمثالك ممن لا يطاق تحمله ؟
أطلق قهقهته المعتادة ثم توقف ليقول جادا :
- ألم تسمع بآخر الأخبار ؟ الإنكليز يصرحون أن للفلسطينيين الحق في إقامة دولتهم .
- هل قالوا ذلك حقا ؟
- إيه والله... هؤلاء أناس شجعان وصرحاء... لله ذرهم .
- هنيئا لنا بمثل هذا الكلام ... لكن اعذرني . أنا متعب . مع السلامة .

أوصدت الباب واستلقيت على السرير. للمرة الأولى وددت لو ينقضي الليل بسرعة. هل وصل شغفي بالعمل إلى هذا الحد ؟ الليل عندي لحظات الشرود والانطلاق والانفلات من أغلال النهار وأعبائه. لكني اليوم أستدني النهار وأستعجل بزوغ الفجر. حتى النوم أبى إلا أن يجفوعيوني.
لم أصدق أن النهار طلع . فانطلقت كالمجنون . هاهي الإعدادية . التلاميذ مصطفون . يدخلون الفصل ويبدأ الدرس . في عيون الصغار توجس وحذر . لا شك أن منظر ذقني الذي نسيت أن أحلقه وعيني الشبه المغمضتين قد راعهم : -" أنت... هناك ... قم إلى السبورة ."
لم يحرك رأسه . التفت نحو أحد زملائه فقرأ في عينيه رجاء . الكل يتوسله في صمت ، وأنا كلي غليان ، أنظر من أعلى . أخالني على وشك الانقضاض عليه... على أي واحد منهم... على أي شيء . لكنه ينهض متثاقلا . تتبعه نظرات الخمسبن رأسا ... أعصابي تتراخى ، متزامنة مع تقدمه نحو السبورة . انتصاري وشيك :
- تقدم... أين ولي أمرك ؟
تابع تقدمه في تؤدة دون أن يجيب . لا يبدو منه سوى الرأس و الكتفين ... و أخيرا يقف أمامي . قامته لا تتجاوز خصري :-" خذ واكتب... علي بالاجتهاد وطاعة معلمي ."... بدأ يكتب . خطه جميل . نظرت إليه من قمة رأسه إلى أسفل قدمه ، وانتبهت للآخرين يكتمون ضحكة. لا شك أن فتحة سرواله من الخلف قد استرعت انتباههم مثلي . وأكيد أن أصابع قدمه البادية من ثقب بالحذاء المطاطي قد جلبت الأنظار. وفي لحظة ، سقط من يده الطبشور فانحنى ليلتقطه . زادت الضحكات . رفع عينيه إلي . تلاقت نظراتنا . قال لي أشياء وأشياء في صمت...تجاهلتها.
- حسنا... أهنئك على خطك وقلة أخطائك... عد إلى مكانك .
هذه أول مرة أثني فيها على تلميذ في بداية السنة لحرصي الشديد على ألا ينتابهم نوع من الغرور... ويسود الصمت . في الجو شيء مبهم لا ندري كنهه... لا أنا ولا صغاري ولا هو . أو على العكس ، كلنا يعرف بما يفكر فيه الآخر. ويظل الجميع صامتا حتى يدق الجرس ، ويختفي الصغار كالفئران ... سيطلقون العنان لتعاليقهم اللاذعة ، وسينضاف إليهم آخرون وآخرون...
ولليوم الثاني على التوالي أتجنب المقهى والبقال الذي ينتظر بشغف أن أبادره بالحديث عن فلسطين و البوسنة والعراق والشيشان . فهو مغرم باندفاعي في الحديث و بحدة كلامي ، ومعجب باطلاعي الواسع على مجريات الأمور، ويستغرب قبوعي أياما منزويا عن الخلق... متأثرا بما يجري هناك .

أقبل الليل ، ويتجدد حبي له . لا أطيق الحيطان ، فأصعد إلى السطح . تستلقي المدينة أمامي متثائبة . تخمد حركتها رويدا رويدا . أصوب نظري ناحية الجبل الجاثم فوقها . تبدو المنازل متعلقة به كأنها تخشى السقوط . وأتفحص الدور الآجورية كأني أبحث عن شيء معين ... ماذا تخبئ وراءها ؟ كأني بها تكاد تميز من الأنين والحرمان فلا أشعر إلا وأنا أهتف :

- أنت...هناك... حذار من طعنة غادرة تخترق جسدك الغض... كفاك طعنات .
هذا السحر، كل شيء فيه لذيذ... السهر ، الحلم ، الألم ، الذكريات . وهذه المدينة المنبطحة في استسلام عند سفح الجبل ، تثير الشفقة... تطوان ، بنت غرناطة ، كما يحلو لمحبيها تسميتها . هواءها سم ، وماءها دم ، والصاحب لا يكون من ثم . هكذا وصفها أحد المجذوبين في القرن ما قبل الماضي . أعصر ذاكرتي لأتذكر اسمه فلا أفلح... قيل إنه كان يذرع البلاد مقرضا الشعر، ثائرا على الوضع . ولازلت أذكر إحدى قصائده الزجلية :

سوق النسا سوق مطيار §§§§§§ يا الداخل له رد بالك
يرينك من الربح قنطار §§§§§§ ويضعنك في راس مالك

لا شك أنه اكتوى بنار إحداهن . حب ؟ انتقام ؟... النساء...خطيبتي ... الدروس الخصوصية . كم من مرة بينت لها موقفي الرافض لها ، لكنها تحثني متعللة بضيق الحال وضرورة الاستعداد للمستقبل . حسنا... سأفعل ، ومن الغد . لا أدري لم غيرت رأيي .
في الأيام التي تلت الدخول المدرسي ، أوليت اهتماما خاصا بذلك الشيء العزيز ذي الأسمال المرقعة والرأس الحليق واللكنة الجبلية . وصار من عادتي قضاء وقت طويل في توجيهه ، حتى أثناء الحصص الفارغة ، وفي الطريق . وربما سهوت ، فاستسلمت لخطواتي لأجد نفسي أخترق الزقاق بين دور القصدير ونبات الصبار الشائك ، فلا يوقظني سوى توقفه ونباح الكلاب... هناك، عند عتبة بيت الصفيح ، تقف الأخت منتظرة ، مبتسمة، ثم أنصرف . أحس أني فعلت شيئا ما . ربما كفرت عن ذنب أو حققت رغبة . لكن الأهم أن توتر نفسي قد انمحى ، وأن قلقي قد اندثر.
وجاء اليوم الذي لم أكن أتوقعه... غاب عن الدرس يوما ، ثم يومين ، فأسبوعا... وجاءني الجواب عن سؤال لم أجرؤ على طرحه... لقد رحل- كما قيل لي- مع زوج أمه وإخوته العشرة . لماذا ؟ وإلى أين ؟ ما جدوى السؤال بعد أن انتهى الحلم ؟ "انتهى كل شيء" ...هكذا واجهتني خطيبتي وهي تتفحص حذائي الملطخ بالوحل : - عد إلى الوسخ والحقارة من أمثالك . واهنأ بالحثالة بين نبات الصبار...
لم أثر ، ولم أشعر بالإهانة . بل لم أحاول شرح الأمر... سأعود إلى فصلي متفحصا الأجساد والأفدام . سأفتح
، وأندمج في النقاش حول الكرة . وأعرج قلبي على مصراعيه حتى يتسع لكل مع هب ودب ... ثم أعود إلى المقهى
على البقال فأخبره أن الدنيا لا زالت بخير... فلفلسطين حجارتها ، وللبوسنة والشيشان رجاله ، وللنفس... كرامتها.


[/align]
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLE1][/ALIGN]

رشيد الميموني 29 / 03 / 2008 28 : 03 PM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
الطريــــــــق إليها .. للقاص الأديب :يـــــــــوسف جاد الحـــــــق


جلس "وليد" في ركن من الزنزانة، ذات الأبواب الحديدية الصدئة، والجدران المتآكلة، تكاد تطبق على أنفاسه، يفكر في أحداث ذلك اليوم وكأنها وقعت منذ أجيال.
كانوا قد تركوا له قلماً وأوراقاً، كي يكتب فيها تاريخ حياته، وعلاقاته وصداقاته، والمنظمة التي ينتمي إليها، وكل ما يعرف عنها .. ! لكنه بدلاً من ذلك راح يكتب قصة تلك الأحداث، ربما تحديّاً .. ربما لأنه أحب أن يسجل ما حدث، للحقيقة أو للتاريخ، حتى لو لم يكن واثقاً من وصوله إلى حيث يبغي أن يصل.
كانت الريح تهب رخاء، وأمواج البحر تترقرق كأحلام فتاة نقية. وقرص الشمس يقترب من صفحة الماء عند الأفق، يتلاشى شيئاً فشيئاً، كما رأيناه آلاف المرات من قبل، خلف غيوم بنفسجية قاتمة، إلى أن يختفي أخيراً، فتتحول المياه إلى دكنة معتمة، وتسود الكون كآبة تغمر النفس بحزن شجي، يُشعِر المرء بالحنين إلى غامض مجهول لا يعرف كنهه، بيد أنه يود لو يعانقه .. أن يحتضنه .. أن يذهب بعيداً معه حتى أعماق الكون ..
صوت الترنزستور يردد متموجاً، علّواً وانخفاضاً أناشيد .. أخبار .. أغنيات .. أحاديث عن الصحة والحياة .. عن فضيلة الصيام .. المرأة والرشاقة .. الرياضة .. ! كرة القدم .. كأس العالم .. !
تتكاثف الظلمة. تسقط من السماء رقائق مخملية. تنبع من جوف المحيط. والنجوم القليلة التي استطاعت أن تطل من ثغرات ضيقة بين السحب لم تلبث أن انطفأت بعد قليل.
خامرنا إحساس بأننا قد غدونا ذرات ضائعة في غياهب الكون كحبيبات الرمال في صحراء مترامية الأطرف على المدى اللانهائي، أو كنقاط الماء في بحر لجي بغير شطآن.
بدأ الموج يتعالى ويصطخب، بغتة وبغير مقدمات، لكأنما استنفره أحد على حين غرة، وهدير صاخب يضيع في خضمه صوت المذياع. الريح القادمة من الشمال تلفح وجوهنا، وتزداد عنفاً في كل لحظة. نحاول اتقاءها، دونما جدوى في ذلك العراء المطلق، تحت رحمة الطبيعة الهائجة والمفاجآت القادمة من غياهب المجهول.
ساد الصمت فترة غير قصيرة. ما من أحد يتفوه بكلمة. لا يسمع سوى صوت القارب يمخر العباب وهدير الأمواج المتصارعة كما البشر فوق اليابسة. ونشيد ارتطامها وهي تتكسر على جوانب القارب.
قطع الصمت صوت كادت نبراته تضيع وسط الهدير:
_ هذه عاصفة هوجاء يا شباب ..
ردّ صوت آخر، في هدوء موحش، في صيغة تساؤل:
_ أهي العاصفة الأولى في أيامنا .. ؟
قال آخر في سخرية تتشح بحزن دفين:
_ لكنها ربما تكون الأخيرة يا صديقي ..
جاء صوت رقيق من الطرف الآخر للقارب .. إنه صوتها:
_ بل هذا فأل حسن يا رفاق .. !
وإن صمت ينم عن إعجاب ومحبة، أردفت دلال بصوت لا تعوزه الحماسة:
_ لأن هذا قد يعني أن ما سنقوم به الليلة سوف يثير عاصفة، بل إعصاراً تهتز له الدنيا بأسرها. تلك الدنيا التي نسيتنا تماماً .. ************!
ارتفع صوت رفيقنا صالح بلهجة ساخرة:
_ أتراها عاصفة استحسان أم استهجان ؟
انبرى علي، وهو من قطر عربي شقيق، كان قد انضم إلينا منذ شهور:
استحسان لدى بعضنا، وسخط لدى آخرين، والصمت لدى فريق ثالث، والسفسطة الفارغة التي لا تعني شيئاً لدى فريق رابع.. وهكذا .. تتعدد ردود الفعل تعدد الأصدقاء والأعداء..
قال نبيل، ابن السابعة عشرة:
_ لا جدوى لشيء على ما يبدو في هذه الأيام الكالحة.
جاء صوت دلال، مرة أخرى:
_ ليست ردود الفعل هي أهم ما يعنينا يا رفاق. إن الذي يعنينا هو ما سنحققه على أرض الواقع هناك .. ما ستكتبه دماؤنا من سطور فوق أرضنا.
تعالى الموج حتى أوشك أن يغمرنا في بعض اللحظات. أخذ القارب يرتفع مع الموجة الصاعدة، ثم يهبط، دفعة واحدة مع الموجة الهابطة، فحسب في كل مرة أنها الأخيرة، إلى أعماق بلا قرار.
لم يساور الخوف أحداً منا، لم يكن خافياً علينا أنها ربما تكون الرحلة الأخير، على الأرجح، لا أزعم أن أيّاً منا كان سعيداً لأنه قد يلقى حتفه خلال ساعات، فالموت، نموت ونحيا ألف مرة لكي نقوم بألف دور من أجلها. لم يكن هدفاًَ لنا، وما نحن بهواة انتحار. بل إنَّا لنود لو أما والمرء لا يموت إلا مرة واحدة، وإذ كان لا بد من ذلك، فليكن. ها هي ذي أمنيتي الأزلية تتحقق أخيراً، فأرى أرضي رأي العين .. أمشي فوقها .. يغمرني هواؤها.. بردها .. عطرها .. أسهم بما يفضي إلى تحريرها في يوم قريب أو بعيد ما برح في بطن الغيب .. لن يضيع عبثاً ما نصنع.. سننتقم من الغزاة .. نقض مضجعهم .. نثبت أنها لن تكون لهم أبداً .. أحاديث أبي في أمسيات الشتاء، في دارنا .. "حبة التين، يا بني، كانت في حجم حبة البرتقال .. ". كان يعتز بذلك، لا أدري لماذا ..
"بيادر الحصاد عند مشارف القرية، بين القرية والحقول، تفعم الجو برائحة السنابل الجافة والقش والقمح .. الأعراس التي كانت تقام فيها عند نهاية موسم الحصاد، وبداية موسم قطف البرتقال .."
صور طالما ألهبت خيالي .. هيمنت على روحي شيء واحد كنت أخشاه، أن أعيش أو أن أموت دون أن أراها.
الرفاق ملتصقون، في هذه النقطة من الكون، في وحدة فريدة مخلفين وراءهم صحارى التيه الشاسعة _ انهار الجدل والسفسطة.. يتذكرون .. يحلمون .. ربما تشابهت القصص .. ربما اختلفت الحكايا .. لكنه الحلم الواحد. حساباتهم المرصعة بالحكمة .. قواميسهم المبتكرة لا تعنينا .. قاربنا هذا هو ما نملك، نحاول أن نصنع شيئاً .. نحطم تلك النظريات العديدة الأسماء .. أمننا نحن لا يخطر ببال أحد .. يتذكرون موتنا .. ويجمعون عليه .. أحس الأمن حيث نحن الآن أكثر من أي مكان آخر حتى ونحن على ضفاف الموت .. ذا هو السلام يرفرف فوق قاربنا في سكينة سرمدية، تأتلق في ومضة البرق هذه، في هدير الرعد، في اصطخاب الموج .. سيمفونية أزلية.. لن أعود إلى ذلك العالم _ المستنقع مرة أخرى .. عالم الحساب والمحاسبة .. على الفكرة في تلافيف الدماغ .. على المعتقد في حنايا القلب .. على الكلمة .. على الخاطرة السانحة .. هذه اللحظات أيها الرفاق، هي التي تصنع تاريخاً مجيداً لشعب صغير.. لأمة عظيمة .. هي التي تحدد معنى الحضارة .. وتلغي جدران الوهم، وعناكب المبادرات والمناورات ..
لست بواعظ أحداً .. ولكن كيف لمثلي أن يفكر بغير هذه الطريقة .. ؟ ألم يقل لنا هؤلاء أن الفكر انعكاس للواقع .. واقعي بين لحظات اندماج الحياة بالموت .. ماذا يمكن أن يكون قاموسي، وقد عشت المأساة دقيقة بدقيقة .. لقد بات الألم عنصراً إضافياً في تركيب دمي .. *!
أنستني العاصفة مكاني .. أو لعلي أنا الذي نسيتها في غمار أحلامي .. صمت الرفاق أيقظني، أم صوت دلال في منتصف جملة لها تقول بفرح غامر:
نحن نقترب من الشاطئ .. انظروا .. تلك الأنوار .. إنها في انتظارنا حتى قبل أن نخلق .. *!
مددت بصري بعيداً .. عبر الظلام .. شهقات بكاء خافت .. شجن يعتصر فؤادي تنوء بحمله الأمواج .. أتراها أنوار حيفا أم أنوار قريتنا.. أيّها هو الذي يضيء باحة دارنا .. أيّها ينشر الضياء حول الزيتونة العتيقة، فوق شجرة التين .. قلبي يذوب حنيناً إليها .. وإذا لم تكن هي .. أنى لي أن أعرف الحقيقة .. ؟ وماذا يهمّ.. *؟
هي قريتي .. أرضي أيا تكون.. لست مشرداً هنا .. لست أفّاقاً بغير وطن.. ضائعاً مضيَّعاً رغم أنفي .. لسوف تنجح في اختراق جدار أمنهم المصطنع .. ربما نمتطي (أوتوبيساً) متجهاً إلى حيفا.. آه يا حيفا .. إلى يافا .. هل أراها .. أمشي في شوارعها .. *؟ أدخل منزلاً من منازلها القديمة حيث كان الأهل يقيمون قبل الرحيل ؟، يصبحون ويمسون .. تنتظر الأم عودة ابنها من المدرسة .. تعد طعام الغداء لزوجها العائد من العمل .. تسكب صحناً لجارتها
جريمةٌ ذلك في نظرهم .. سوف يستنفروا جيشهم لمنعي من ذلك.. وحتى حين يقتلوننا سوف يقول العالم المتحضر اننا إرهابيون ومعتدون ..نستحق ذلك الموت .. ويستنكرون صنيعنا، كائناً ما كان، بعصبية متئدة .. بأدب جم ..*!
يا أصدقائي .. هذا العالم لماذا ناسف على أي شيء يصيبه .. ما الذي بقي لنا فيه .. ما علينا لو يذهب عالمهم هذا إلى الجحيم..*؟
أرمقها .. عند طرف القارب، مرتكزة بكلتا يديها على حافته. أخالها عروساً في يوم زفافها .. ملاكاً قادماً من عالم آخر .. لن تلبث طويلاً .. تتم الآن _ ربما _ الدقائق الأخيرة من ربيعها السابع عشر .. وتمضي عما قليل .. كيلا تلوث براءتها حضارة عالم مزيف .. تحتضن رشاشها كذلك الطفل الذي حلمت يوماً أن تضمه إلى صدرها. لن يكون عرسها كأعراس أترابها .. عرسها يسهم في تغيير مجرى تاريخ ما .. تحلم .. ما برحت تحلم أن تهز ضمير العالم الذي طال رقاده .. تأمل أن يصحو أخيراً على صرخة دمها .. منذ الآن باتت تحمل اسماً آخر .. سمّوها ما شئتم فإنها لا تأبه للتسميات .. خيوط الدم تطرز ثوبها .. عطرها من تراب الأرض ونداها .. وشاحها .. شعرها المخضب يتناثر حول جيدها .. تستلقي في براءة ملاك .. صدرها يحتضن الثرى.. يرضع الأرض التي توحدت مع ذراتها .. شفتاها تقبلانها في ثمالة حتى الموت.
موجة عاتية تقذف بالقارب. يرتطم هذا باليابسة. الريح ما برحت تعصف .. هدير الموج يصخب عالياً. اختفت النجوم وراء السحب .. البرق يمسح الأفق .. الرعد يقصف كشلال هادر ..
نشوة اللقاء مع الأرض توشك أن تصيبنا بدوار .. تنهمر الدموع من أعيننا. نلتقي أمنا أخيراً
نغرق في حلم يختزل الكون. نبحث عن الطريق في وجوه بعضنا بعضاً ..
قالت آخر كلماتها، والبسمة المفعمة بالحزن العتيق تقطر من شفتيها. كان صوتها أنشودة فرح .. هديل حمامة إذ هي تقول:
_ ها نحن أخيراً فوق أرضنا يا رفاق.
لم يكن واجباً أن ننتظر حتى تستيقظ الملايين .. ها قد بلغنا الشاطئ يا أخوتي، في أمان لم نشعر بمثله من قبل .. في طريقنا إلى يافا .. !
_ انحنينا نقبل الأرض ساجدين ..



رشيد الميموني 30 / 03 / 2008 30 : 03 AM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
أرملة في غزة ... للقــــــــاص الأديب : مجــــــــدي السمــــــاك

[align=justify]الجسد الأسمر يرتعش والذراع ، والكف المرفوع أيضا يرتعش ، بشدة ، والسبابة التي ضغطت كبسة الجرس وأطالت ضغطها كانت تنتفض كالعصفور المبلول بماء بارد ، سمع رنات الجرس الشبيهة بزقزقة البلابل الطليقة .. وقف لحظة ينتظر أن تفتح له الباب أخته الأرملة ، هي لحظة تختلف عن كل اللحظات التي مر بها في حياته ، وشعر كأنها تمتد به إلى ملايين السنين ، والأرض تميد تحت حذائه المغطى بالغبار، لقد نسي أن يمسحه .. ها هو ذا يقف بوجه عابس ، وربما للمرة الأولى في حياته يعبس وجهه المستطيل ، وينخر الحزن عظامه ويحز في أعماق قلبه .. فمعروف عنه أنه كثير الضحك والمزاح ، أو هو كتل ملتهبة وعواصف قوية من الضحك تهب في حين وتضعف في حين آخر ، لكنها لا تنتهي .. وعادة ما يختم ضحكته بصرير أو يتبعها بصفير حاد بعد شهقة عميقة ، فيبدو كأنه يكبحها فجأة بفرامل قوية مثبتة في حنجرته توقف حبالها وتمسك بلسانه .. حتى عندما يضحك ضحكات وانية فهو يهيئ نفسه ومن حوله إلى موجات قادمة عاتية من الضحك الهادر ، كالهدوء الذي يسبق العاصفة ، ومن عادته أن يضحك بذمة وضمير ليمنح النفس حقها في الحياة ، هكذا هو إبراهيم ومن المحال لأي أحد ممن يعرفونه تخيله إلا ضاحكا أو مبتسما في الأقل .. وكان دائما يردد أنا اضحك إذن أنا موجود .. أكيد موجود .. ومن عادته أن يضحك في الأحزان ، أحزان جيرانه وأقاربه حتى أقرب الأقارب ، لا يكترث إلى من هم الحزانى ، إلى درجة أنه يضحك ويطلق العنان لفمه الواسع بالقهقهة في بيوت العزاء ، فتلتف الناس حوله في دائرة تتسع وتتسع مع زحف الدقائق ، فيغشاهم الضحك حتى ينسوا أنهم في بيت عزاء ، كأنهم يقايضون الحزن بالضحك ، ويستبدلون البلية بالابتسامات العريضات ، وقد تأخذ الابتسامات بالتحول إلى ضحكات عالية ، فيتحول العزاء إلى ما يشبه العرس أو الحفل السامر ، فيمد من يجلس بعيدا عنه رقبته ويحرك رأسه ويميل بجسده حتى يتقوّس ، كي يرى وجهه من بين الأجساد الملتفة المكومة ، وبعضهم يميل رأسه ويحركه مسلطا أذنه بفضول صوب مصدر الصوت ، عله يلتقط كلمة أو يختلس جمله تسعفه بابتسامة ، حتى من يستاء لضحكاته كان يضحك ، والغبي منهم الذي لا يفهم نكاته كان أيضا يضحك ، كل هذا يحدث بلا ميعاد أو اتفاق ، فيكون للضحك متعة أكبر ورونق أجمل ، فألذ الضحك وأمتعه إلى القلوب هو ذلك الذي يأتي بلا أي ميعاد .. وفي المشفى بحكم أنه ممرض من عشر سنين اكتسب خبرات كثيرة في الطب ، فكان يسخر وينثر النكات لهفوات الأطباء حديثي العهد بالمهنة ، فيضحك جميع الموظفين ، حتى المرضى كانوا يضحكون ، وفاقدوا الأمل منهم بالحياة كانوا أيضا يضحكون ، فكأن عزرائيل يجذبهم إلى جهة وإبراهيم يجذبهم إلى جهة أخرى . وله محاولات عديدة فاشلة في تعلم العبوس ، كثيرا ما كان يقف أمام المرآة محاولا التدرب على رسم تكشيرة صارمة على وجهه ، وذلك بتجعيد إرادي لجبينه وشده حتى يتقارب حاجباه العريضان المنفوشان وينحدران إلى الأسفل كالمظلة ، ويضغط عضلات وجهه حتى تنتفخ عروق رقبته وتنفر عضلاتها ، فتبرز حنجرته في أعلى رقبته مهتزة كسنام جمل يحث الخطوات ، لكنها لحظة لا تزيد عن ثانيتين أو ثلاث حتى يرتخي وجهه من جديد ويغرق بضحك عميق صاخب ما أسرع أن يتعالى إلى قهقهات مجلجلات .
مد يده وضغط كبسة الجرس مرة أخرى ، بات يتمنى أن لا يجد أخته في البيت ، أو تنشق الأرض وتبلعه ، فالأمر الوحيد الذي يشغل باله الآن ويزلزل كيانه هو طريقة إخبارها بموت ابنها الوحيد عبد الحميد في مجزرة ومحرقة غزة في مخيم جباليا ، مات عبد الحميد قبل ساعات قليلة ، وهو في السابعة عمره ، كل عمره ، ولدته أمه بعد سنين مريرة من العلاج المضني ، وبعدما باعت كل ما لديها من صيغة وأنفق زوجها كل ما لديه في البنك من نقود ، النقود التي جمعها عندما كان يعمل في السعودية سنوات طوال .. وهي حزينة على زوجها الذي مات بحسرته قبل شهر بالفشل الكلوي ، بعدما أحكمت إسرائيل حصارها القاتل على غزة ولم يجد الدواء وتوقفت أجهزة المشفى عن العمل لانقطاع الكهرباء ، وأخته حزينة وغارقة في حزنها على أخيها الذي مات بالجلطة منذ شهرين قبل العيد الكبير بيوم واحد ، مات لنفس الأسباب ، وإن كان موتهما من النوع النادر في غزة ، فقد ماتا وأجسادهما كاملة غير منقوصة وغير ممزقة وبلا أي ثقوب لرصاص إسرائيلي أو قذائف ، إلا أنه موت أجساد محاصرة بالمرض ومحاصرة بالحصار الخانق القاتل الملفوف حولهم بصمت من كل الجهات .. كيف سيتحدث مع أخته ؟ وكيف سيخبرها ؟ كيف .. كيف ؟!.
مد كفه للمرة الثالثة وضغط على كبسة الجرس ، فتحت أخته الباب ، ما أن رأته حتى راق وجهها الحزين وتوهجت ملامحه وانتعش في وسطه ابتسامة ..
- تفضل يا أخي .. ادخل يا إبراهيم.. أهلا وسهلا.. " وين هال غيبه"
- كيف حالك .. إن شاء الله بخير.. أيقظتك من نومك! .
- بخير .. لم أكن نائمة .. تفضل.. طالما أنت بخير فأنا بخير.
راحت مسرعة تبسط له الفراش وجلبت وسادتين ، كي يسند ظهره إلى الحائط بواحدة ويضطجع بكوعه على الأخرى ، وأخذ يحمّلق إلى وجهها ، ويتابع بعينيه الواسعتين مشيتها بثوبها الأسود الطويل الكاسي ، هو ثوب الحداد .. بالنسبة لأخته لم تكن زيارته مجرد زيارة عادية كالزيارات ، إنما كانت دفء حياة وجرعة أنس ونسمة أمل .
جلست مقابله ، نظرت إلى وجهه المكشر ، دون أن تلاحظ صفرته أو ازرقاق جفنيه ، فظنت أنه كعادته يقلد تكشيرة الفنان عادل إمام ، في مسرحية مدرسة المشاغبين ، فراحت تضحك بعمق وهي لا تريد أن تضحك ، أو حتى تبتسم ، لمّا أفرغت ما بقلبها من ضحك لعنت الشيطان عدة لعنات واستغفرت الله عدة مرات ، وأخذت تحوقل وهي تحدق بصورة زوجها المعلقة بمسمار على الحائط ، انتابها شعور داخلي بالذنب لأنها ضحكت وهي ما زالت في ثياب الحداد ..
- " الله يقطع شيطانك يا إبراهيم .. أضحكتني رغما عني ".
- " الله يلعن كل الشياطين في هذه الدنيا .. اضحكي يا أختي ..اضحكي ".
نهضت أخته بتثاقل وهي تتثاءب واضعة يدها على فمها وراحت تجهز له الشاي ، أخذت تتحدث بصوت لزج أثناء توجهها إلى المطبخ مذكرة إياه بالهدية التي وعد بها عبد الحميد لأنه حصل على درجات كاملة في الامتحانات الشهرية ، امتحانات شهر فبراير الماضي ، فنحن الآن في مطلع شهر مارس ..
- أين الحذاء الرياضي الذي وعدت به عبد الحميد ؟ وعد الحر دين عليه !
- أي حذاء ! .. آه .. نسيت .. غدا سأشتريه .
- جميع درجاته كاملة ، الله يرضى عليه لقد رفع رأسنا عاليا في السماء ، فهو اشطر طالب في المدرسة.. الحمد لله .. صار لي ابنا يروح إلى المدرسة ويأخذها الأول .. يا رب أعيش لغاية ما أراه ينهى تعليمه الجامعي .
- آه .. ما شاء الله .. بالكاد استطاع النطق ، وأوشكت عيناه أن تذرفان لولا أن مقاومته لهما كانت قوية وقاسية .
- وأنا سأجهز لك الشاي الغامق الثقيل مع النعناع الذي يحبه قلبك .
لم يكن بإمكان عقله أن ينسى الساعات الماضية ، والساعات لم تكن تنساه ، بل هو محفور بها وهي متغلغلة به ، داهمته بكل تفاصيلها .. ففيها كان وسط الأجساد البشرية الممزقة الناقصة أعضاء ، أو محروقة متفحمة ، أو مثقوبة ، وكومات من الأشلاء يفتش عن أجسادها ، ويودع الموتى الثلاجات .. كل هذا وسط الازدحام ، والعويل والنحيب والصراخ ، حتى الرجال كانوا يبكون ويصرخون ، ويعلو صراخهم ويعلو حتى يفلق الأفق ، كل شيء حوله يبكي ويصرخ : الجدران ، الأّسرة ، أجهزة التنفس ، الكراسي ، الطاولات ، جهاز الأشعة ، الحجارة عبر النافذة ، حتى السماء كانت تبكي .. لا وقت لديه لأن يمسح العرق عن جبينه ، حتى نسي أن يأكل ، نسي أنه بحاجة إلى دورة المياه ، نسي أن يصلي ، ولما ذكره زميلة بالصلاة انتهز لحظات قليلات لها ، لكنه اضطر لقطع الصلاة بعد أداء الركعة الأولى مع وصول سيارة إسعاف تحمل جثثا وأشلاء ومصابين ، وأخذ يحاول إعادة النبض إلى قلوب بعضها ، هي أجساد مرصعة بالثقوب الكثيرة ، ثقوب واسعة باتساع فوهة الفنجان ، وزميله يحاول أن يضغط عليها بيديه لإغلاقها محاولا إيقاف نزيفها المتدفق كالنافورة .. شعر للحظات بالغثيان وهده الإرهاق ، إرهاق ممزوج برائحة البنج واليود والموت ، وتعب مخلوط بالدماء الجافة والطازجة ، والملاءات البيضاء تحولت إلى حمراء وصارت تقطر بالدماء .. وسط هذا كله كان يعمل .. كان يحاول إعادة الحياة إلى أجساد لا يعرفها ، لكنه يعرف أنها تترنح بين الحياة والموت ، ويعرف أنها تفارق الدنيا ، وإن كان يأمل لبعضها – فقط يأمل – أن تعيش .. تموت الأجساد الآدمية بين يديه وكأن عزرائيل يلبد لها بين أصابعه .. تملكته رغبة عارمة بالبكاء لكن الوقت والظرف لا يسمحان ولو بدمعة واحدة .
عادت أخته تحمل أكواب الشاي على صينية بلاستيكية مدّورة ، جلست مقابله وتربعت بعد أن وضعت أمامه الكوب ، ارتشفت منه رشفة واحدة ضعيفة ، وراح لسانها يتحدث عن عبد الحميد وأعماله الصبيانية واصفة إياها بالشيطنة ، وأخبرته كيف بالأمس قفز عن طاولة المطبخ فكسر بقدمه الصحن الأبيض الصيني إلى عدة قطع .. وعبد الحميد بالنسبة لها لم يكن فقط ابنها ، إنما كان حجرة من حجرات قلبها ، ونفحة من روحها ، أو هو روحها .. اسمع يا إبراهيم ..
- لمّا تنتهي من شرب الشاي ، اجلب لي عبد الحميد من الخارج ، صار قلبي يغلي عليه ، أخشى أن يذهب إلى أطراف المخيم .. حيث الفاشيون الصهاينة يقتلون الناس بلا تمييز بين طفل وشاب أو عجوز .. فهم يقتلون أيضا النساء والأطفال الرضع .
- حاضر .. سأبحث .. سأبحث عنه .
سادت لحظة صمت طويلة .. أفسحت المجال للحظات أخرى دموية أن تقتحم عقله من جديد ، عندما كان في المشفى ، ووقع بين يديه ذراع صغير لطفل ، أخذ يدقق كي يبحث له عن جسد مناسب ، شاهد في قفا الذراع آثار حرق قديم وشامة بجانبه .. هل هي صدفة ؟ إنها ذراع عبد الحميد لا محالة! .. بعد بحث وجد بقية الجسد المحروق حتى التفحم ، لكن الرقبة والرأس بلا حروق ، واستطاع التعرف على جثة عبد الحميد .. بل هو تأكد وصار واثقا أنه هو عندما شاهد السن المكسور وشحمة الأذن الملوية .. شعر وكأن مكواة حامية لسعت قلبه ، أعفاه مدير المشفى من الاستمرار في العمل ، وطلب منه الاستراحة في البيت بعد أن استدعى بديلا عنه .
سألته أخته عن حاله ..
- لماذا وجهك اصفر؟ وجفنك ازرق وعينك حمراء !
- لا يوجد شيء.
- بالله عليك ما هو الموضوع ؟.. حلفتك بالله !
- عبد .. عبد الحميد .
- زعقت : ما به ؟
- لقد .. لقد .. إنه ..
توقف لسانه كأنه ربط بحبل .. سالت الدموع ، رجف جسده رجفا شديدا كأنه يجلس على كرسي كهربي ، وصدره يكاد أن يتفسخ وقد تهدجت منه الأنفاس ، خرج مسرعا ، لحقت به أخته تصرخ وقد نسيت أن تغطي شعر رأسها بالمنديل الأسود .. توجه إبراهيم إلى بيت عمه الشهيد وأخذ سلاحه وتوجه مسرعا كالصاروخ إلى أطراف المخيم .. كي يقاتل الفاشيين الصهاينة .. وما فتئت صرخات أخته تشق الفضاء .
[/align]

رشيد الميموني 30 / 03 / 2008 44 : 11 PM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
الطفل وزهرة الأقحوان .. للقاص الأديب : حسين خلف موســـــــى
[align=justify]

تراب الأرض ضم أروع أسطورة، سوف يتغنى بها الناس على مر العصور، فكلما تهب الريح وتعصف سوف يستعيد الناس قصة الحجر الفلسطيني بعذوبتها وعظمتها.

وقف الطفل أمام الريح، بادئ ذي بدء، قلقا محتاراً، حتى تعبت أفكاره، يتأمل الريح التي عصفت بالأزهار، وراحت تقتلعها من جذورها، فخيل إليه أن أحدا سوف يصد العاصفة، لكن أحدا لم يحرك ساكناً.

فوقف يفكر ماذا يفعل ؟

كانت زهرة الأقحوان قد رمت بنفسها على الأرض . لكنها بقيت ضاربة جذورها في أعماق التربة.فإذا هي جريحة فانحدرت نقطة دم من بعض جراحها ، غيبتها ، فروت التربة وما فيها من دمها ، فرقت لحالها الأزهار ، فانتصبت ورفعت رؤوسها ولوت أعناقها حناناً وإجلالا ، وأصبحت كل يوم ترفعها على أجنحة الحب الشفافة ، وتستحم بقطرات الندى وتعطر جراحها بأحلى أريج وأطيب طيب .

كان تراب الأرض المعطاء، من حين إلى أخر، يحدث زهرة الأقحوان عن الطفل الجميل الذي لا يوجد له مثيل على الأرض، فتتواضع زهرة الأقحوان وتسال تراب الأرض عن الطفل.

قيل لها: انه هناك يقف في أعلى قمة على الجبل يستعد لصد الريح.

وذات يوم مر ببالها خاطر حلو جميل ، فراحت تتجول على الدروب ، وتصعد الجبال تائهة شاردة تبحث عن الطفل الجميل ، حتى وصلت إلى أعلى القمم تحمل بداخلها ثورة ثائرة وهادرة ، فقابلت هناك الطفل مستغيثة به حتى إذا اقتربت منه،

قالت له : إني بحاجة إليك ، كلنا بحاجة إليك ، وإنني ابحث عنك كي اكشف لك ســر ، لا يجوز أن يسمعه احد إلا أنت .

ـــ وما هذا السر ؟ قال الطفل .

قالت زهرة الأقحوان: هناك في تلك الجبال أيدِ وأصابع متوحشة تريد تحطيمنا، كما أنها تريد قتلك وتريد لجميع الكائنات العدم والفناء.... أنت رائع كقلب الحياة ونور الصباح ... اهرب ... ابتعد ... إلا تسمع صوت الريح انه يحذرك.

صرخت زهرة الأقحوان خوفاً وراحت تركض وتلهث !!!

وقف الطفل بجرأة ... وقال بأعلى صوته: لا تخافي ولا تحزني... أنا من سوف يصد الريح ومن يقطع الأيدي والأصابع المتوحشة،

فهتفت زهرة الأقحوان بصوت يسمع صداه: انه الفارس.. انه الفارس

وبعد معركة طويلة وحادة انتصر الطفل على الأيدي والأصابع المتوحشة، وأنقذ الأزهار من خطرها، لكنه أصيب بجروح خطيرة جدا ً.

صرخ بأعلى صوته : تعالي .
زحفت نحوه فقبلها وضمها إلى صدره والدم ينحدر من كل أنحاء جسده ، ونام نومه أبدية ، فروى تراب الأرض من دمه الزكي .

حزنت زهرة الأقحوان لما أصاب الطفل، فتمزقت من شدة حزنها وهوت فوقه فتوحدا معا وأصبحا حجراً.
ومن يومها أصبح الحجر رمزا للفداء والتضحية والبطولة .

[/align]

رشيد الميموني 31 / 03 / 2008 08 : 12 AM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
رسالة من نفق مظلـــــــم : للقاص الأديب : أحمد التابعـي
[align=justify]

عزيزى/ الكاتب الفاضل
أرسل لك تلك الرسالة المُترجمة لحياة جمراء
لا أدرى لماذا أرسلها لك وأنا لن أقرأها، لكن ربما كنت أريد أن أترك ُوريقة تبقى منى
لعل أحد يقرأها ..ويجد حلا للواقفين صفا بعدى إنتظارا لدورهم المفروض عليهم للدخول فى ذلك النفق المظلم ربما ينجون من رعب الإنزلاق البطىء الخانق المرعب إلى داخله..وبذلك أكون قد فعلت شيئا فى وطن لا يجد أبناؤه فرصة لفعل شىء؛ لأن من يملكون أقدارنا فى ذلك الوطن لا يتركون لنا شيئا
حتى إرادتنا وقدرتنا على الإختيار مُغتصبة منا بعنف وتجبر




قد تسير الحياة بنا بخطوات تبدو بطيئة لكن أحيانا ماتكون مُبهجة ولذيذة خاصة فى سنوات الطفولة التى قضيتها فى أحضان أسرة متوسطة الحال، لكنها أسرة دافئة المشاعر يعشش رب تلك الأسرة على أفراخه بما أوتى من حول وقوة.ولكن تكون الكارثة الكبرى عندما يسقط رب الأسرة فى منتصف الطريق ويترك أفراخه التى لم يكتمل ريشها بعد عُرضة لرياح ماكينة حياة أُنتزع من قلبها الشرس قطرات الرحمة
لن أحدثك عن معاناة أم تناطح العمر والأيام لتجعل لأنوفنا ثغرة نتنفس منها نسمات تحيينا فى حجرة الحياة المتزاحمة.تخرجت..وجدت عملا ، أيام كانت هناك فرص عمل للمواطن
سارت الأيام!!؟؟ ولا يهم كيف سارت بمرها قبل حلوها النادر ثم تزوجت مثل كل البشر الطبيعيين ولا يهم وقتها كيف ومن تزوجت، لكن المهم أننى الآن عندى أربعة من الأولاد والبنات وبدأت الحياة تبطىء من خطواتها متثاقلة تلقينى فى وجه أعتى لحظات الضيق والألم وقلة الحيلة،أمام أفواه تريد أن تحيا وتعيش لا يهم كيف ولكن..الوالد لابد أن يوفر لهذه الإفواه على الأقل خبز وفول وعدس وأرز وقليل من الزيت!!هذه هى مشكلتى..لم أستطع توفير تلك المطالب من أين أحضر لهم تلك الأشياء كل شهر بمرتب لا يتجاوز ستمائة جنيه، أى عشرين جنيه يوميا..إنتبه سيدى مازال هناك متطلبات عديدة لم أذكرها مثل:فاتورة الكهرباء والنظافة المُجحفة وأنبوبة الغاز والعلاج(لأننا نمرض مثل كل البشر) أو الأسمال التى نريد أن أستر بها الأجساد
طرقت كل أبواب البحث عن العمل وكانت الإجابة شبه واحدة:-
(الشباب العاطل اللى بشتغل بصحة أحسن منك ميت مرة مش لاقيين له شغل يبقى أنت هنلاقى لك شغل..روح ياعم ربنا يسهل لك)
وجاء يوم لم يكن فى البيت سوى بقايا لقيمات جافة وقطعة من الجبن وسمعت الأولاد وهم يتصارعون على تلك الغنيمة..وصرخوا ينادون من ألم الجوع بعد فناء تلك اللقيمات.. وبعد أن تأهبت المعدة لتلقى العون(بابا إحنا لسةجعانيين) وتناهى إلى سمعى من بعيدصوت أمهم تحاول مواستهم ومد حبل الأمل بأننى سوف أحضر لهم طعاما


وشعرت لحظتها كأن حجرتى البالية تضيق على جسدى حتى كادت تحطم ضلوعى وأمتلأت الحجيرة بأناس آخرين ماهذا ؟...أكتاف الآخرين تقتحم عظام كتفى وأنفاسهم تكاد تخترق رئتيى بصوت فحيح ورائحة عطنة
ونظرت إلى أقدامى أريد أن أتحرك ولكن من أين سأجد مساحة الحركة،رفعت رأسى لأعلى ربما وجدت نافذة يتبعث منها قليل من الهواء شبه المنعش ، ولكن الجدران صماء والضوء شحيح يجعلك فقط ترى عذاب تواجدك مع أشباح الأكتاف التى تزاحمك فى الحجرة تنظر إليك بعيون باردة كالثلج ،صماء كالحجر منزوعة الروح..
صرخت ماذا تريدون منى لماذا تزاحمون أنفاسى؟ كيف تسلبون هوائى الذى أتنفسه؟
ولم أسمع مجيبا..وزاد التدافع وتطاحن الأكتاف ..وأصبح الهواء يدخل صدرى كأنه كرابيج إفعوانية تلهب الصدر والقلب، تصبب العرق من جسدى ..لم يجد مكانا يتساقط فيه
فظل العرق المحمل بكل همومى متشبسا بجسدىوزاد إندفاع العرق.
.ثم تهاويت من فرط ثقله.صرخت بأعلى صوتى..ولا مُغيث..
تهاويت ووأنا لا أسمع سوى صوت (طقطقة) عظام جسدى وهى تتحطم..وقرقعة بقاييا وهى تُطحن
ثم وجدتنى محمولا إلى نفق مظلم...خرجت من نفق مظلم إلى نفق مظلم
وتبدو على بعد من النفق وشوشات ضوء قادم
[/align]

رشيد الميموني 31 / 03 / 2008 21 : 12 AM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
زوجة عزيز لدي... للقاصة الأديبــــة : ميساء البشيتـــــــي

[align=justify]احتضنها بين يديه يودعها قبل سفرها ، يطلب إليها أن لا تطيل الغيبة فلم يتبق معهم من الوقت الكثير لإتمام مراسم الزفاف قبل نشوب الحرب ووعدته بعدم إطالة الغياب فهي ستذهب لإحضار بعض الأوراق المهمة وفستان الزفاف وأشياء من هذا القبيل ، احتضنها للمرة الأخيرة واحتضن شفتيها في قبلة الوداع وغابت وما هي إلا ساعات من مغادرتها حتى قامت الحرب. اختفى هو، تضاربت الأنباء ، منهم من قال انه مات في الحرب ، ومنهم من قال انه وقع في الأسر ومنهم من قال فرّ مع الفارين وتاه في بلاد الله الواسعة ، ومنهم ... ومنهم ... أما هي فقد هدتها الصدمة وهول المفاجأة ، شهور مضت قبل أن تصدق ما حدث وتفقد الأمل بعودته وبالزفاف ، شهور مضت قبل أن تطلق تلك الصرخة معلنة حالة الحداد .[/align][align=justify]
أعلنت لنفسها وصارحت قلبها ومشاعرها بأنه قد مات ولن يعود إلى هذه الحياة ، وغرقت في الحزن إلى أن انتشلها منه شاب في مقتبل العمر أحبها وعرض عليها الزواج ووافقت واقترنت به ولم تخبره عن أي شيء ، لأنه لا يأبه للماضي وما حصل قبل أن يلتقيا . كان زوجا ً رائعا ًوكان زواجهما زواجا ً ناجحا ًتمخضت عنه أسرة وأبناء وعائلة ليس لها مثيل ، كان يحبها جدا ً ، وهي أحبته وأحبت إخلاصه لها وتفانيه من أجلها ومن أجل أسرتها ووهبته قلبها وروحها وكل أسباب السعادة باستثناء تلك القُبلة فقد كانت قُبلة سيف _رحمه الله _ كما كانت تقول ولم تكن تخبره عن السبب الحقيقي ، وهو كان يحترم رغبتها والتي كان يخّمن أن هناك سببا ً قويا ً وراء رفضها .
مضت السنوات وبدأت الإشاعات تظهر بالساحة ، سيف وقع بالأسر ، أحدهم شاهده في المعتقل ، سيف لم يمت أو يفرّ ... وبعد سنوات أخرى أعلن عن أسماء المحررين من الأسر، لكنها لم تر اسمه بين الأسماء ، فتأكدت أنه مات وما كان مجرد إشاعات ليس لها أساس من الصحة .
وفي يوم طلبت منها والدتها اصطحابها إلى حفل زفاف ابن صديقتها في أضخم فندق في البلد، ولبت دعوة الوالدة خاصة وأن هذه الصديقة هي التي عرفتهم بسيف وهي التي كانت تشرف على إتمام زفافها منه .. فهو من أقاربها ، وهي التي تتكهن دائما ً بأخباره وتبثها بين فترة وفترة.
ذهبتا إلى الحفل وحضرت الصديقة(هاشة باشة)
مرحبة بهما ومسرورة جدا ً لرؤية رفقة بعد كل هذا الغياب وقامت بتعريفهما على عدد لا بأس به من العائلات التي كانت تلتقيهم في تلك العاصمة الآيلة للسقوط قبل نشوب الحرب فيها ، ولكنهم تغيروا جدا ً وظهرت عليهم معالم الثراء مما دفعها لتسأل والدتها من أين هبطت عليهم الثروة ؟ وفي أثناء تلك التساؤلات ظهرت بين المدعوين سيدة تبدو من ملامحها أنها أجنبية وتصطحب فتاتين أيضا ً فيهما من ملامحها الكثير. وظنت على الفور أنها زوجة أحد أفراد أسرة العريس . قامت الصديقة مهللة ومرحبة لتسلم عليها وتدعوها للجلوس على نفس مائدة رفقة ووالدتها اللتين قامتا بدورهما بالترحيب الشديد بها وجلس الجميع واستدارت الصديقة إلى والدة رفقة تسألها إن كانت تعرف هذه السيدة ، وأجابت الصديقة على الفور قبل أن تعرف إجابة الوالدة إنها زوجة سيف ، فلمعت عينا رفقة ونظرت بحدة إلى تلك المرأة التي أخذت منها سيف ، وبادرتها بالسؤال وكأنه من حقها ، أين سيف ؟
فأجابتها أنه قادم فقد التقى صديقه وهو يسلم عليه الآن وسيأتي في الحال ... وما هي إلا دقائق حتى ظهر أمامها رجل ٌ في غاية الأناقة والترتيب ، تفحصته جيدا ً ، هل هذا سيف ؟
تقدم سيف مرحبا بالصديقة ثم التفت إلى والدة رفقة ، تذكرها على الفور وصافحها بحرارة شديدة ونظر إلى رفقة وتساءل بقرارة نفسه هل هذه هي رفقة ؟ ماذا فعل بها الدهر ؟
ورفقة تطيل النظر إليه ، أهذه ملامح العائد من الموت ، العائد من الأسر ، من الضياع ؟ لا أرى إلا رجلا غارقا ً في النعيم ، في الثراء ، في الرخاء . أهذا سيف ؟ أهذا سيفي ، وحبي، وقُبلتي ، التي عشت في كنفها أكثر من خمسة عشر عاما ً، رفعت إليه بصرها وكأنها تراه لأول مرة وقالت له أهلا بك يا سيفي .. نظر إليها وكانت الدموع قد أغرقت عينيه وانحدرت على وجنتيه المحمرتين من هول المفاجأة ، أجابها وشفاهه ترتعش ، نعم يا رفقة أنا سيف. أيا رفقة ترفقي بنا هل تذكرين يا رفقة ؟
تابعت رفقة نظراتها الجامدة إليه وقالت : لقد تذكرت بما يكفي يا سيف ، خمسة عشر عاما ً وأنا أتذكر ، لم تغب فيها يوما ً ، كنت أحضرك كل يوم ٍ من قبرك واستذكر معك ، أما الآن فقد حان دورك في التذكر، وآن الأوان كي أنسى أنا. قاطعهما سؤال زوجته المندهشة من كل ما يجري هل تعرفها يا سيف ؟ من تكون هذه السيدة ؟ نظر سيف مليا ً قبل أن يجيب ثم استجمع قواه والتقط أنفاسه وقال : هي زوجة عزيز ٍلدي مات في الحرب.
[/align]

رشيد الميموني 31 / 03 / 2008 24 : 12 AM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
أمسية وداع ... للقاصة الأديبــــــــة : سلوى حمـــــــــــــاد


فتحت عينيها وكعادتها بقيت في الفراش في حالة استرخاء وتأمل ، شخصت في سقف الغرفة ،تجولت بنظرها في انحاء الغرفة الى ان وقعت عيناها على كتاب متكئ على رف المكتبة الصغيرة في غرفة نومها.


نهضت بسرعة متجهة الى الكتاب ، التقطته وفتحته بسرعة لتعثر على وردة جورية كانت غافية بين الصفحات منذ زمن، ياااااااااااااااه ، لقد نسيتها تماماً ، لها شهور هذه الجورية غافية بين طيات الكتاب ومازالت تحتفظ برونقها بالرغم من شحوب لونها.
عادت على عجل الى سريرها ، واندست تحت الغطاء والكتاب مازال بين يديها ، اغمضت عينيها ورحلت بافكارها الى تلك الامسية.

شعور بالحنين كان يغلفها ، حنين للطلبة ، للزملاء، لمكتبها الانيق الذي يشهد على احداث اعوام طويلة.
بالرغم من ضغط العمل وطول ساعاته كانت كلمات من حولها تهطل على تعبها كحبات المطر فتغسل كل ارهاقها الجسدي والفكري.

الكل كان مشغولاً في برنامج الحفل ، يتهادى الى سمعها من فترة لأخرى اسمها ، يتردد على لسان الطلبة والزملاء، كانت تتجول بالمكان ولسان حالها يقول وداعاً احبتي، ترنحت دمعة بين اهذابها ولكنها تماسكت واتكأت على حافة عينيها حتى لا تفسد المناسبة، انها آخر حفلة تخريج تقوم هي بالاشراف عليها.
شعور الرحيل كسا وجهها بمسحة من حزن وهي تلوح مودعة لصفحة من حياتها،
مالبث هذا الشعور ان ذاب في زحمة المناسبة ، فعليها أن تقف على منصة التخريج لتسلم الشهادات لآخر دفعة ستقوم بتخريجهم . انتزعت نفسها من حالة الحزن وركضت خلف الكواليس ، هتف أحد الخريجين :"مدام ...... نريد لمساتك الجميلة ."، وآخر يقول : " مدام....من فضلك عدلي لي الكاب على ذوقك.."، ضحكت من قلبها وقالت مازحة : "انزل قليلاً حتى استطيع فعل ذلك ايها الزرافة."
تأكدت بأن كل شيء يسير على مايرام وحسب المخطط، خرجت من خلف الكواليس لتحيي بعض الأهالي والضيوف، وجدته يرمقها من بعيد بعينين يسكنهما الاعجاب والتقدير، فحيته ببسمة خجولة ووعد من عينيها بحديث.
وما أن لاحت لها الفرصة حتى سارعت بالاقتراب منه معلنة عن وجودها بجانبه لتنتزعه من حديث جانبي كان قد بدأه مع أحد الضيوف.
تهلل وجهه فرحاً لرؤيتها عن قرب لدرجة الارتباك ، دعاها للجلوس والحديث، كان لحديثه مذاق النضوج ونكهة التفاهم ، استمعت له بشغف فانسابت كلماته كنهر بلا سد ، وامتدت يداه الى وردة جورية تزين سترته انتزعها ليضعها بين يديها مكافأة لها على انصاتها الجميل . طلب منها ان تحتفظ بها لتذكرها برجل يكن لها كل الاحترام والتقدير.

احتضنتها يداها وتعاطفت معها عيناها وشعرت بأن بتلاتها سرعان ما ذبلت وكأنها تشاركها شعور الرحيل.
فتحت عينيها و هي لا تزال ممسكة بذلك الكتاب . تنهدت ولسان حالها يقول صعبة هذه الحياة . نلتقي بأناس نحبهم ويصبح بيننا وبينهم حالة من الارتباط الوثيق .. نمارس مهام نحبها وما تلبث ان نتركها مخلفين وراءنا ذكريات كالعسل المر.







[/align]



رشيد الميموني 31 / 03 / 2008 38 : 02 AM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
الفنان .. كوميدية قصصية .. للقاص الأديب : عبده حقي

[align=justify]خفق قلبه و دارت به الأرض ب 180 درجة .. أخيرا بعد طول هذا العمرهاهو يحظى من أحد أشهر الغاليريهات بدعوة لعرض أجمل لوحاته .. أخيرا تحقق الحلم ... هذا كل ماكان يأمله وما كان ينقص سيرته الفنية إن على فقرها أو غناها لا يهم ، المهم هي ذي إذن فرصة العمر كي يرتقي درجات الشهرة أو على الأصح كي يسخر من كل من إستخف بعبقريته التشكيلية فيما قبل .
كيف له أن ينسى نظرات الإزدراء من زوجته حين كانت تداهمه في ورشة المرسم لتلقي بقائمة أغراضها على وجهه أو على الأصح على وجه لوحته متعمدة في حقيقة الأمر أن تفسد عليه خلوة إلهامه ونشوة إنغماره اللذيذ في لحظة تيه الإبداع وجذبة الفرشاة ... أما الأصدقاء !! أي أصدقاء ؟؟ ــ دائما يهمس للوحاته ــ فلافرق بين بطونهم وجماجمهم ... كل شيء في حواسهم وجوارحهم إما ترينه يمضغ أو يجرد العابرات من سراويل الجينز اللصيقة بخاصراتهن .. هذا قصارى ما ينجزون لأنفسهم وللآخرين . .. وكثيرا ما فكر في فتح باب مرسمه لهم ، غير أنه كان يحدس أن مرورهم من هناك سيكون كاجتياح التتار والماغول أو مثل الحريق الذي سيأتي على معلمة ثقافية وطنية لذلك فقد أوصد في وجوههم كل دعوة للزيارة ثم فوق كل هذا وذاك أن ما أجج حقده على الأصدقاء أنه لم يستخلص بعد ولو درهما واحدا عن لوحة إقتناها أحدهم من دون أن يفطن فناننا إلى اليوم لابالغمز ولا باللمز، أن صديقه لم يقتن اللوحة إلا إشفاقا عليه ومؤازرة معنوية له ليس إلا ....
واليوم ها فنان آخر يولد من رحم رسالة وردية نائمة في غرفة ص . ب .. وها شمس الإعتراف تلقي بأضوائها الكاشفة عليه ... لاشك أن وسائل الإعلام مرئية ومسموعة ومقروءة سوف تتدافع لهذا السبق الصحفي كما الفنانين التشكيليين العظام مثل القاسمي والصالدي والغرباوي ... وسيوقع المئات من الزوارفي دفتره الذهبي وسيملؤ جيب معطفه بكثير من الشيكات عن لوحات معروضة وشيكات أخرى مؤداة مسبقا عن لوحات لازالت أفكارا هائمة في مخياله ... وفي مساء الإفتتاح كما جرت التقاليد الثقافية في ربوع الوطن سيتناول عشاءا فاخرا وراقيا لاتحد مائدته العين في فندق ( الفردوس ) على حساب نائب برلماني أو عمدة المدينة ...
ـــــ الفنان !! الفنان !! هكذا يناديه أصدقاؤه ومعارفه وحتى أولئك النازحين الذين إستوطنوا الحارة في آخر
لحظة ..
أما النداء فلم يكن في حقيقة الأمر سوى شماتة في غالب الأحوال لذا فقد كان يتغافل النداءات .. ليقولوا ما يشاؤون ــ يقول في نفسه ــ أجل أنا فنان موتوا بغيظكم ولدي ورشة لم يحلم بها أشهركم فنا في البلد ولي بها الكثير من اللوحات الجاهزة و اللوحات الوشيكة والعشرات من اللوحات الملغاة .. أما هؤلاء الأصدقاء الأوغاد فهم لايدركون ما معنى أن يعيش بينهم فنان تشكيلي ...
يسحق عقب سيجارته .. يسوي قبعته البودليرية ويطلق على الصدر شاله الوردي الطويل المطرز ويمضي في متاهات الحارة خافضا بصره ومتلافيا المرور من أمام الدكاكين والحوانيت ونظرات الباعة وألسنتهم المسننة التي مرغت غير مامرة كبرياءه العبقري في وحل القروض والسلفات الطفيفة ...
ــــ الفنان !! الفنان !! ها..ها..ها...
دس الرسالة في جيب بلوزته البيضاء المرقطة بلمسات الأصباغ التي يسميها حوادث الشغل .. نزل إلى الورشة ، أشعل سيجارة .. دار دورة ببصره حولها .. يمج وينفث الدخان في إنتشاء وزهو فائق .. كان أمام كل لوحة يتقدم ثم يتراجع .. يقطب حاجبيه .. يزم حدقتيه ويلوي عنقه .. عشرات اللوحات هنا وهناك .. صامتة تنتظر حظها كعارضات الأزياء .. لوحات بلا أسماء وبلا عناوين ... إن أشد ما يكره هو أن يعنون لوحاته بدعوى أن عنونة اللوحة هو إغلاق لانفتاحها على جمالية اللامعنى كما أن الإسم يطوق عالمها الفاتن والمطلق وأخيرا فهو يعتبر العنوان إجابة فاشلة بشكل ضمني على الأسئلة العالقة التي قد تدور في أذهان الزوار .. لذا .. لذا فهو يترك لوحاته لفرضيات الإسقاطات النفسية ... وفي لحظة ما شرع ينتقي لوحاته الثلاثين التي سيعرضها أو بالأحرى ستودعه قريبا وإلى الأبد وسيقتنيها مدراء الأبناك والمؤسسات الخاصة وشركات التأمين ومكاتب المحاماة والمصحات النفسية والفنادق الباذخة و..و... ولقد قررأن يكتم سر الرسالة عن زوجته وأولاده ، فلوعلموا بها فلاشك أن شهيتهم ستنتفخ وأن لائحة المطالب ستطول ولامحالة أن زوجته سوف ترتبط به أيما ارتباط وسوف تلازمه في سفرته الفنية إلى العاصمة ليس من أجل مؤانسته بالهمسة الرخيمة والإبتسامة الدافئة وإنما من أجل إستخلاص الشيكات وحساب المداخيل وهو يعلم علم اليقين بطيشها وخفة يدها وعماها المالي حين تسمع برنين الدراهم في جيبه فهي لن تتوان ولو لحظة قصيرة عن إخراج الآلة الحاسبة وأمام الجمهوركان من كان ... لذا .. لذا واتقاءا واستباقا لكل هذه الكوارث المهينة فقد قرر أن يدعي أن الأمر يتعلق بمعرض جماعي تنظمه إحدى سفارات الدول العربية الخليجية بالعاصمة ...
لف لوحاته في لفائف من الجرائد القديمة .. كان كل مرة يدخل محملا بحزمات منها .. أدركت زوجته أن أمرا ما قد طرأ .. نزلت الورشة خلسة فألفته منهمكا في تلفيف آخر اللوحات ... أيقنت بما لايدع مجالا للشك أن أوان رحيلها قد حل بعد كل هذا العمر الطويل من الغطس في الأصباغ وألوان البؤس والتحليق عاليا في قوس قزح للبحث عن الشهرة الواهية ... الحمد للـــــــــــــه .. الحمد للـــــــــــه .. قالت في سرها وعلت محياها إشراقة هناءة وانفراج .. لقد آن لهذه اللوحات أن ترحل .. لكن إلى أين ؟ ومقابل كم ؟ وترى من سيكون هذا المنقذ من الأصباغ الذي سيفرج كربتها من غم تلك الشخابيط واللخابيط التي تملؤ القبو بلا طائل ... وقبل أن تقصفه بأسئلتها الرصاصية كالعادة إستبقها إلى الحديث وأخبرها أنه سيشارك في معرض جماعي بإحدى السفارات العربية بالعاصمة ..( لامفر من الكذب ... الكذب شرط من شروط الشهرة ... الكذب أقصر طريق إلى المجد !! ) هذا ما علمه الفنانون وهكذا وصل الكثيرمنهم إلى القمة فلماذا لايجرب أن يكذب هذه المرة ولو على زوجته .
قبل تاريخ إفتتاح المعرض بأيام كان جاهزا .. اللوحات ملفوفة بعناية وكل لوازمه على أهبة .. كان في قرارته يستعجل الموعد وكان كل يوم يمر يشعره كما لو أنه يبعده عن اليوم الموعود .. وبدأ يشعر بالزمن يتثاقل حتى خمن أن الزمن صديق وقح مثله مثل الأصدقاء الآخرين .. وفي صباح ما قرر أن يسافر ، فعليه أن يحل باكرا بقاعة العرض فمديرة الغاليري تعلم بقلة تجربته في تنظيم المعارض ... لذا فقد جاءته دعوة جاكلين رسالة وردية مفصلة بإجراءات مرتبة باليوم والساعة لوضع الترتيبات الفنية المتعلقة بمساقط الإنارة وتناسقها مع الأضواء الطبيعية الخارجية وعلاقة كل هذا بإطارات العرض وزوايا الرؤية ومواقع المشابك ... إلخ
كانت الناقلة رابضة على الرصيف ، وكان الحمال يلقي بالأمتعة على السطح . حين وصل الفنان ولوحاته الثلاثين على متن ( هوندا ) كان من حسن طالع حظه أن رتب الحمال اللوحات فوق الأمتعة الأولى على سطح الناقلة .. وحمد الله على حظه هذا وحظ لوحاته .
صباح ربيعي جميل .. ربما أجمل صباح في العمر .. بعض سحابات سكرية كأنها لمسات بيضاء سوريالية على قماش أزرق .. منظر أنعش وأيقظ كل الحواس الفنية ، وهناك في المدى الرمادي البعيد باتجاه العاصمة لحاف غيوم داكنة تنذر بزخات خفيفة .. عالم رائع ، ملتئم في إنصهار تلقائي ليشكل مع نشوته الجوانية لوحة طبيعية رائعة ... شعرأن لاأحد من الركاب عبئ بهذا المشهد الطبيعي الفاتن .. وحده إذن .. وحده وقدره أن يعيش نعمة الفن كل لحظة وحين وفي كل مكان حتى داخل هذه الناقلة المهترئة .
كانت العجلات من تحته كتيوس أربعة تلتهم المسافات والمنعرجات ، وكلما أوغلت الناقلة في الطريق كلما شعر بالأفق يفتح ذراعيه له وللواحاته الثلاثين على السطح . بعد لحظة توارت الشمس خلف سحابات داكنة ، ثم لاحظ على النوافذ قطرات رذاذ قليلة .. ذاعبته وسنة لذيذة .. لقد ألف أن يغفو بعد الظهيرة .. تمايل وتهويدة الناقلة يؤججان أيضا حلاوة غفوته المعسولة .. لقد إستطاب هذا الإسترخاء ، فلابأس إذن أن يحلم قليلا وهولا محالة على وشك تحقيق حلم أكبر لكنه حلم واقعي هذه المرة وفي العاصمة الرباط ...
لقد غفا واستغرق في نومه إلى حد الغطيط وضاع شخيره في هرهرة ولعلعة وصفطقات أضلع الناقلة ولم يستفق إلا على خبطة كف العون على الباب الخلفي ( باط .. باط .. باط .. لقد وصلتم )
إستفاق فجأة .. إنها العاصمة تغرق في أمطار عاصفية .. ألفى مياه الأمطار مثل خراطيم صغيرة تتدفق على جنبات الناقلة تلتها طقطقات حبات برد كثيف أتلفت صوت الراديو ولغط الركاب ونظراتهم التائهة ... كان لايسمع من حوله سوى ( الحمد لله .. مبروك الروا .. الحمد لله مبروك الروا ) وانفرجت أسارير الركاب البدو الوافدين على العاصمة لحل مشاكلهم التي إستعصى حلها في الأقاليم .. فقد كان الموسم الفلاحي على شفا كارثة جفاف آخر وعطش على عطش سابق .. أما هو فقد كان ينتشي برؤية تشكلات مطرية تجريدية تتدفق وتنزلق على زجاج النوافذ .. هو فنان وكفى .. فنان فوق كل الأحوال الجوية والأزمات الإقتصادية ووعكات البورصات .. ما شأنه بكل هذه التقلبات فأرضه لوحاته ومحراثه ريشته وبعد قليل سيجني مازرعت يداه منذ عقود ...
توقفت الناقلة وتحولت الأمطار والبرد إلى زخات خفيفة منعشة ورائقة .. كان الركاب يهرعون إلى سقوف المقاهي والمطاعم الصغيرة .. شرع الحمال ينزل اللوحات الواحدة تلو الأخرى . أوووووه !!! ياللمصيبة وياللهول !!! كانت كل اللوحات مبللة كأنها انتشلت للتو من قعر صهريج ، ومن خلل التخاريم بدت الألوان شخابيط ولخابيط .. كل الألوان تميعت واندلقت وطمست ملامحها السيول الجارفة .. كل اللوحات بارت .. الخطوط والدوائر مثل أفواه كاريكاتورية واسعة منصرفة في كركرات لاتنقطع ... تذكر نداءات الآخرين ( ألفنان .. ألفنان ) هو الزلزال نفسه يرجه في الداخل .. ماذا يستطيع الآن ؟ لقد إنهار عليه الهرم .. الصرح الذي بناه في القبو.. حتى الطبيعة على نقائها وطهرها خذلته في آخر لحظة .. ماذا يستطيع الآن ؟؟ صوت إمرأة يأتيه من بعيد ( فين اللحمة والخبز والغاز ... يألفنان ؟) صدى أصوات تطوقه من كل جانب ( ألفنان .. الفنان ) والأمطار أيضا تهتف به ( الفنان !! الفنان ) حتى هدير السيارات تحول إلى نداءات ، فجأة شعر بلكزتين في جنبه ويد سيدة تطبطب على صدره وتقول : ( إصح .. إصح من نومك قبل أن تزهق روحك الكوابيس .
دعك عينيه بقوة كانت الساعة قرب الوسادة تتكتك الساعة السابعة صباحا ، جلس على حافة السريرأرسل زفرة قوية : ( الحمد لله .. الحمد لله اللوحات لم تبللها الأمطار !!! )
[/align]


رشيد الميموني 31 / 03 / 2008 49 : 02 AM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
شرف العيــــــــلة .. للقاص الأديب : نزار ب. الزين


[align=justify]

إسمه عِزَّة و يلقبونه (عزّو) تارة و ( أبو العز) تارة أخرى

عندما بلغ المرحلة الثانوية كان خجولا و إنطوائيا ، فلقبه زملاؤه في الصف بالسلحفاة ؛ ثم حاول بصعوبة أن يندمج معهم و لكن تربيته الصارمة ، كانت تمنعه من مسايرتهم ، فمعظم ألفاظهم كانت سوقية ، و قاموس شتائمهم كان أوسع من مجلد ، و طريقة عبثهم مع بعضهم بعضا تدور كلها حول الجنس و الجنس المثلي .
كانوا يرفضون مشاركته في أحاديثهم و يأبون مشاركته بألعابهم ، كان إذا أخطأ في إجابة مدرس على سؤال ، ينفجرون ضاحكين حتى لو لم يكن في الأمر فكاهة ، و إذا حاول التقرب من أحدهم يشيح عنه بوجهه و يتجاهله ، و ظل منبوذا و في حالة صراع مع نفسه إلى أن إكتشف أنه لا بد من الإستسلام .
و رويدا رويدا بدأ يتقبل من بعضهم ما كان يرفضه من قبل ، ثم ما كاد العام الدراسي ينتصف حتى طال لسانه و تضاءل خجله !
و ذات يوم أسود ، وفي أعقاب الإنصراف خرج أبو العز مع ثلة من زملائه ، و أخذوا جميعا يتعابثون و يتشاتمون و يتضاحكون ، و فجأة وجد نفسه بين براثن والده .
*****
بادره على الفور بصفعة دوخته و ألقته أرضا ، ثم بدأ يعالجه بمظلته فوق كل موقع من جسده .
صُدِم زملاؤه
و قفوا مذهولين فاغرين أفواههم
و عندما أراد أحدهم التدخل أجابه بضربة من مظلته
فابتعدوا جميعا و قد تملكهم الأسى على زميلهم
مر أحد المدرسين ، فحاول التدخل ، فصرخ في وجهه :
- " هذا إبني و أريد أن أربيه "
- و ما الذي فعله يا أخ ، أنت تكاد تجهز عليه ؟
فصاح أبو عزة بشكل هيستيري :
- هذا ابني و أنا حر التصرف به ، أذبحه أشنقه أدفنه حيا ، أنا حر ( و ما حدا دخله ) . ثم انهال عليه ضرباً من جديد .
الفتى يصرخ و يستغيث و الناس بدؤوا بالتجمهر حوله ، و لكن أمام هياج الوالد الشديد لم يتمكنوا من فعل شيء !

*****
صاح الوالد و قد تملكه الغضب الشديد :
- إنهض يا كلب ، و إمشِ أمامي حتى الدكان ...
استطاع عزة النهوض بصعوبة ، و بدأ يتحرك ببطء فقد كان يشعر بالدوار ، و لكن والده كان يعالجه بضربة من مظلته كلما حاول التلكؤ لإلتقاط الأنفاس .
و بلغا أخيرا الدكان
أمر أجيره بالإنصراف
أغلق الدكان من الداخل
و بدأ ت من ثم دورة أخرى من التعذيب ....
كان الأجير، قد أطلق ساقيه يسابق الريح نحو دكان عم الفتى ، ثم عاد به جريا ، ثم أخذا يقرعان الباب معاً ، ثم كان لا بد من من كسره و اقتحامه ، ثم استطاعا معاً تخليص الفتى بصعوبة .
كان عزة ساعتئذ في حالة غيبوبة تامة .
- أتريد أن تقضي بقية حياتك في السجن يا أخي ؟
سأله أخوه لا ئما ، فأجابه و هو يرتعش غضبا :
- أريد أن أشرب من دمه و ليكن بعدئذ ما يكون !!
( شرف العيلة أهم من ستين ولد )
لقد شاهدته بعيني و سمعته بأذني
كان يتبادل مع رفاقه العبث البذيء الذي يؤكد وجود علاقة شاذة بينهم !
ثم أضاف بغضب شديد :
- هل ترضى لهذا الكلب أن يلوث شرف العائلة ؟
- و لكنه ذكر !
- لا فرق عندي بين ذكر و أنثى في مسائل الشرف !
صمت أبو سليم طويلا و هو يهز برأسه ، ثم اقترح و هو يربت على كتف أخيه :
- دعه لي ، و سأنتزع منه الحقيقة على طريقتي !

*****
كان أبو سليم أعزبا و لُقب أبو سليم رغم عدم وجود سليم ، فقد رفض الزواج بإصرار لا يعرف أحد سببه ..
تعاون مع سامي أجير أخيه ، حتى أوصلا عزة شبه محمول ، ثم ألقياه على أريكة في ( ليوان ) المنزل .
لم يقصر العم أبو سليم بالعناية به بداية ، فقام بتنظيف جراحه الكثيرة و استعان بحفنات من البن لقطع نزيف بعضها ، و عندما لاحظ ارتفاع حرارته ، غادر المنزل فاشترى قطعة جليد و إبريقا من عصير الليمون ، ثم عاد إلى منزله محاولا تخفيض حرارة ابن أخيه . ثم دأب على ذلك كل يوم .
*****
بعد حوالي أسبوعين بدأت بعض مظاهر العافية تبدو على عزة ، فقد أفاق من رقوده الطويل و تمكن من تحريك رأسه و لكن إحدى يديه لم يستطع تحريكها .
كان يشعر بالإمتنان لعناية عمه به ، فكانت العبارة الأولى التي نطق بها شكره لعمه ، و لكنه صدم عندما أجابه عمه بغلظة :
- كنت أخشى على أخي و ليس عليك !
فرد عزة مستاء :
- أنت تكرهني كما يكرهني أبي ، إذاً دعوني أسافر إلى أمي ...
فأجابه عمه في لهجة تهكمية :
- أمك ؟ أنت من عائلة فستق و لست من عائلة العبد الله ، ثم إن أمك ، يا حبيب أمك ، بعد أن طلقها أبوك ، تزوجت من آخر و تعيش معه في حلب ، إن قبلت إستقبالك فزوجها لن يقبل ، و خاصة إذا علم بفعلتك الشنعاء .
- فعلتي ؟ و ما الذي فعلته ؟
أجاب عمه و قد بدأت الدموع تتساقط من عينيه مرغما ، فرد عمه قائلا و قد تجهم وجهه و قطب جبينه :
- عندما تتعافى تماما ، أنا من سيسألك عما فعلت ، و أنت من سيجيبب ، و لن ترحمك دموعك !
*****
التحقيق
و بعد أسبوع آخر
بدأ أبو سليم : يستجوب إبن أخيه :
- إليك ورقة و قلما ، قبل كل شيء أكتب لي أسماء أصحابك الذين كانوا برفقتك .
فكتبَ الأسماء ...
- أيهم كان على علاقة بك ؟
- كلهم !
قالها ببراءة ، فأجابه عمه و قد ازداد تجهمه :
- كلهم يا كلب ، و تقولها بملء الفم ؟
- أجل ، كلهم زملائي في الصف و أصحابي ؟
- عزة ، لا تتلاعب معي أو تراوغ ( إن كنت العدل فأنا رباطه ) ، اعترف لي بكل شيء ، إلى أين كنتم متوجهين ، و أين اعتدتم ممارسة رذائلكم .
- عمّو ....
أقسم لك أننا كنا نلعب و لا شيء غير اللعب .
و عند رأس شارع المدرسة كنا سنفترق كالعادة ...
هنا ، نهض العم أبو سليم غاضبا ،
توجه إلى أحد الأدراج
أخرج منه صندوق من الورق المقوى
فتح الصندوق
أخرج منه مسدسا
ثم وجه كلامه إلى ابن أخيه مهددا :
- أنظر إلى هذا المسدس ، إنه محشو بالكامل ، سأفرغ رصاصاته في رأسك ، إن لم تعترف لي اعترافا كاملا .
صاح عزة بعصبية :
- أعترف بماذا ، قلت لك كما قلت لأبي من قبل ، أننا كنا نلعب و نمزح و حسب و لا شيء بيننا غير اللعب و المزاح .
إلا أن عمه عاجله برفسة أصابت يده التي لا زالت مصابة ، فصاح متألما ، ثم ما لبث أن فقد أعصابه و في أقصى حالات الهياج أخذ يشتم عمه و أباه و أبا أباه و كل ما يمت لعائلة فستق بنسب .
تقدم أبو سليم نحوه ثانية و قد استبد به الغضب يريد توجيه ضربه جديدة ، فهب عزة واقفا ثم مبتعدا عنه ثم أسرع نحو الطاولة ، و بلمح البصر اختطف المسدس ، وجهه نحو عمه و أخذ يصيح بشكل هيستيري :
-أنا من سيفرغ رصاصاته برأسك إن مسستني ثانية !
ثم إزداد صراخه و هو يقول :
* لا مزيد من الضرب ....
* لا مزيد من الإذلال ....
* لا مزيد من الظلم ....يا غجر .. يا نَوًر....
* لا مزيد من الضرب.... يا حثالة البشر ....
* يا وحوش .يا.وحوش .يا .وحوش.
و فجأة انقض عليه عمه محاولا انتزاع المسدس منه
و لكن رصاصة انطلقت خلال العراك فأصابت ساق العم
و إذا بأبي سليم ملقىً على الأرض يتلوى و يتأوه و يستغيث .
أصيب عزة بالذهول ، و العجز عن التصرف ، و لكنه أخذ يصرخ بشكل هستيري :
- دم ....دم ... دم ....دم...
يزداد صياح العم، و يزداد نزفه ...
و أبو العز ، يدور حوله ، و هو يهتف بصوت مبحوح ، و في مزيج من الهلع و الفرح ، بين ضاحكٍ و باكٍ :
- قتلت الوحش .. قتلت الوحش !
سأقتل كل الوحوش ...
سأقتل كل الوحوش .....
سأقتلهم .. سأقتلهم ...
ثم رفع المسدس عاليا ، و بدأ يطلق الرصاص في الهواء و هو بهزج :
-الله الله يا مفرج المصايب
أضرب رصاص .. خلي رصاصك صايب .....

[/align]

رشيد الميموني 31 / 03 / 2008 01 : 03 PM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
لحظة غضب .. للقاص الأديب :علاء الدين حسو


[align=justify]

اجتاح غضبه المنزل كله. صرخ، صفع، كسر، مزق، حطم...صرخ في وجه زوجته، صفع طفله الوحيد، كسر إبريق الماء الخاص به ، مزق الشهادات التي زينت جدران بيته ، كسر الصحون والكؤوس المرمية في مغسلة المطبخ، وحتى الأثاث لم يسلم. حطم مقعده المفضل ...
جلس على أنقاض الكرسي المحطم, متأملا آثار التدمير.. أشعل سيجارة ،نظر في وجه زوجه،و طفله المذهولين، المصعوقين، الخائفين، كأنهما على ظهر سفينة، وسط بحر الرعب، تواجه إعصارا ينذر بالفناء.. وكمن فاق من سكرة، سأل نفسه ماذا الذي فعله ؟ أيُّ صباح صبّح أهله..؟ رمى السيجارة وقد حرقها بشربة واحدة. نهض بهدوء ، دنا من طفله الذي التصق بأمه كالتصاق الحلزون بالأرض، ودفن رأسه خلفها، فامسك به ورفعه إلى الأعلى وقد همّ بتقبيله فأحس برطوبة فاترة تلسع رسغه، أدرك بأن طفله بال في بنطاله ، لحظتئذ ..يمكننا القول إن الغارة انتهت.. و كطفل فقد لعبته بكى .. حتى إن بكاءه طغى على بكاء طفله المذعور..ترك الطفل وارتدى طقمه البني المخصص للعطلة والأعياد ..صفق الباب وخرج...
***
إلى أين يذهب؟
سأل نفسه ، نظر إلى ساعته ماركة "سايكو 5" أرسلها له عماد المستقر في السعودية منذ عام 1983 بعد عام من سفره إلى جدة. انقطعت أخباره من وقتها ..كان يتذكره كلما نظر إلى الساعة ويتذكر أيام المعهد معه ..ويضحك أحيانا متذكرا مغامراتهما، تخرجا عام 73 ، وبعد عشرة أعوام سافر عماد ،وبقي هو في وظيفته كمحاسب ، ثم أمين صندوق لشركة الغزل والنسيج الحكومية..
الساعة الثامنة صباحا . إلى أين يتجه ؟ البارحة كان يتمنى النوم حتى الظهر واليوم ينهض قبل موعد استيقاظه بساعة وبدل أن يحدث زوجه، ويداعب طفله حوّل صباحهما إلى جهنّم حرقتهم وحرقته..ودون شعور كانت خطواته تقوده إلى مقهى (الخيزران) احد المقاهي الشهيرة حول قلعة حلب، تحضن السياح في الصباح وتلهي أهل المدنية في المساء حتى الصباح .
احس بمتعة وهو يسير نحو المقهى عبر (ساحة الملح) الشارع المؤدي للقلعة من (دوار باب الحديد) القريب من حارة النحاسين حيث يسكن ..تلك الحارة التي اشتهرت بمهن انقرضت، أو تقاعدت، أو تحولت لمهنة أخرى، مثل مبيض الأواني النحاسية، والسرّاج، ومشحّذ السكاكين، وصانع براميل الغسيل من الصاج المز يبق ..
خمسة عشرة دقيقة تكفي الوصول إلى المقهى، حفظها كل شهر، وقد اعتاد صيفا ارتياد المقهى مع بعض الأصدقاء..وهو المكان الوحيد الذي يعرفه بعد بيته، ووظيفته، وشقة صديقه فريد السرية في غرب المدينة، والتي تركها بعد زواجه.
يشربون النارجيلة ويحتسون القهوة . متأملين النساء العابرات للمقهى ، ويستمتع بمبارزة خصمه التقليدي في طاولة الزهر عبد الوهاب صاحب مخزن للخردة في جادة( الخندق) أشهر شارع في حلب لبيع الخردوات والمتصل باب الحديد.. و ينزعج عندما يُظهر النرد أرقاما صغيرة لحظة حاجته للأرقام الكبيرة فيعلّق عبد الوهاب "هذه فلسفة الحياة "..
***
كدفتر تُمزّق صفحاته وترميه كان حاله ، وأحس بان أثقاله تخف في كل خطوة كأنه عاد الشاب ابن العشرين ، يركض حول (أميرة)، الطالبة التي أحبها ولم يعرف اسمها، فأطلق عليها اسم أميرة.
كان يرى ظهرها، وهي تسرع نحو المدرسة الشرعية القريبة من القلعة . لم ير وجهها سوى مرة واحدة .رفعت الحجاب ورمقته بعد سنتين من المتابعة .لم يرها بعد ذلك، ولم يستطع البوح حتى لعماد أعز أصدقائه بأن وجهها كان يشبه وجه نجاة الصغيرة المطربة المشهورة.ولعل هذا سر عشقه لاغاني نجاة القديمة . توقف عن سماعها بعد زواجه المتأخر..
خاليا كان المقهى ، لم يرتده السياح بعد. مع أن أيلول من أجمل الشهور في حلب . حيث تخف حرارة الطقس ولم تبدأ قساوة الشتاء..جلس على أقرب طاولة، متأملا القلعة التي لم يزرها ولا مرة ، والتي أصبحت بعيدة عنه كبعد شاشة السينما عن أول مقعد في الصالة ، يفصله الشارع الملبس حديثا بالحجارة السوداء عن رصيف القلعة، وحين تلتفت نحو اليمين سترى مدخل القلعة بوضوح، وتراقب الزوار كمسقط جانبي.. تلك رؤية يحبذها فريد صديقه الآخر المغترب في المانيا، وحين يسأله فريد "الم تزر القلعة بعد؟" ..كان يجيب إجابته المشهورة "القلعة كأميرة أفضّل رؤيتها من الخارج فقط ".. ويضحك فريد الذي اعتاد كل عامين زيارة أهله" لن تدرك أهميتها إلا بعد أن تتغرب..ولكن معك حق إنها أميرة".. كانت كل شلته القديمة تعرف قصة حبه لأميرة ..ومع انه تحول إلى زير نساء بعد التوظف إلا أن أميرة كانت رمزا كبيرا له. أدرك متأخرا، بأن كل النساء اللواتي عرفهن وعاشرهن قبل زوجه، تشبهن أميرة في ناحية واحدة على الأقل. فسهام كانت تمشي مثل أميرة، وغالية كتفها ككتف أميرة..أما عزيزة التي دوخته كان أنفها مثل انف نجاة الصغيرة.وكادت امتثال تجننه لعشقها لاغاني نجاة ..إلا انه لم يقل لأحد بان أميرة تشبه نجاة...ولا احد من أصدقائه يعرف أن عيني زوجته تشبهان عيني نجاة ...
توقف قلبه عند حلقه, قبل أن يرشف من فنجان القهوة الذي قدمه النادل..تسألني لم ؟ لأنه لمح امرأة ترجّلت من سيارة مرسيدس (شبح)، وبمساعدة شاب توجهت نحو القلعة ..نعم إنها أميرة..مستحيل ألا تكون أميرة ..انه يحفظ قوامها. وهل يعرف غير قوامها وخاصة ظهرها ورقبتها والاهم مشيتها..نهض من الكرسي يراقب لوحة المرسيدس فتأكد بأنها لوحة دولة عربية . ..ومرت السيارة بسرعة فلم يميز الدولة .. وجلس ثانية ..يراقب المرأة المستندة على ظهر الشاب وسارت نحو مدخل القلعة بعد أن توقفت مستقبلة القلعة كمحراب . حين سارت نحو مدخل القلعة بدا عليها التعب ، فاختلط عليه الأمر واستبعد أن تكون أميرة ...
***
لماذا غضب؟
سأل نفسه وقد رحل الغضب عنه ، هو مشهور بروحه المرحة، والتي جذبت النساء رغم قصر طوله وصلعته، ودائرية وجه .لسانه (الصنارة)، وضحكته (الطعم) لالتقاط النساء ،وبيت فريد (السفينة) التي يبحر فيها ليكتشف عالمهن، وذلك قبل أن يتقاعد عن النساء بعد زواجه..تقاعد ..نعم تذكر انه اليوم الاول من تقاعده ..لعل هذا سبب غضبه ..صحيح انه أعلن انه ارتاح من الروتين ولكنه اكتشف انه انتهى .. لا دور له..كان كأمين صندوق ..كأب يوزع المصروف لأولاده وكان يدهشه تمسّح الموظفين به، ولعل هذه الميزة ساعدته كثيرا مع النساء. وان كان ينكر ذلك.. كان أمينا ولكنه مسايرا يقدم القروض القصيرة وأحيانا الطويلة واستطاع إدارة الصندوق ربع قرن من الزمن وجاء اليوم أخيرا.يوم التقاعد..
رشف من فنجانه الذي برد، وأشعل سيجارة مراقبا المرأة المستندة على الشاب والتي توقفت عند المدخل، راقب الشاب يصعد درجات المدخل، يبدو انه سيسأل عن ساعة الدخول، وهز رأسه محدثا نفسه " الوقفة وقفة أميرة إلا إن مشيتها..!؟ هل تعاني من الديسك ؟ ثم إنها أكثر بدانة؟ ..أربعون عاما زمن طويل"..
تعجب لغضبه، وسأل نفسه هل السبب تقاعده أم الحقيقة التي كشفها مديره..
كان على علم بأنه يمضي أيامه الأخيرة في الوظيفة ..ولكن الحوار الأخير مع مديره الجديد الشاب أشعره بالتعب والغضب وطفق يتذكر نهاية الحوار:
-كم يبلغ عمر المحروس؟
-سبعة.
-الله يعينك ،مازال صغيرا ..يبدو انك تأخرت في الزواج!
توقف عقله لما رأى المرأة ترجع مع الشاب، يبدو أن القلعة لم تفتح بعد، اخرج نظارته، مسح العدستين وارتدى النظارة محدقا بالمرأة، التي كانت تقترب منه على رصيف القلعة. لن يستطيع الجزم بأنها أميرة، فهو لم يرها ولا مرة وجها لوجه..وهجمت عليه عدة أسئلة ..كصور الفيديو كليب ..هل ستقطع الشارع ؟ هل ستدخل المقهى ؟ أيمكن أن تراه ، هل ستجلس بجانبه ، ستكشف عن وجهها وهي تحتسى الشاي .. إلا إن المفاجأة حصلت عند عودة سيارة المرسيدس وتوقفها ومن ثم اختفاء المرأة والشاب ...
باردة جدا كانت أخر قطرة من الفنجان ذكّرته بما فعله صباح اليوم وقبل أن يطلب فنجانا أخر وجد صديقه عبد الوهاب أمامه وقد بدا عليه القلق:
-توقعت أن أجدك هنا
-من أخبرك؟
-أنسيت؟ أنا خال زوجك..هيا
-إلى أين ؟
-الا تعرف باني بحاجة لمحاسب ممتاز ؟
نهض صاحبنا وتوجه نحو سيارة عبد الوهاب ركب بجانبه وقال:
-أظن باني رأيت أميرة؟
تجاهل عبد الوهاب كلام صديقه وسأله:
-ماذا فعلت اليوم؟
ابتسم صاحبنا وهمس:
- لحظة غضب..
[/align]

رشيد الميموني 31 / 03 / 2008 52 : 03 PM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
الموت والجنس .. للقاص الأديب : خيري حمدان

أسرعت في طريق العودة، وكنت أدرك جداً بأنّني قد ارتكبت خطاً فادحاً عندما غادرت المنزل. هكذا أخسر لحظاتٍ لا تعوَّ ض يا نجوى. ابتدأ شهر العسل قبل أيامٍ فقط، فلماذا تركت عشّ الزوجية وغربت عن المنزل. هل كان من الضروري الابتعاد عن المنزل؟.


أسئلة أطرحها الآن في وقتٍ غير مناسب والحشود أصبحت امامي بأعدادٍ كبيرة .. تمضي الأحداث بشكلٍ لا يمكننا السيطرة عليها، وتبدو وكأنّها تسيطر علينا بطريقتها الخاصّة.
أتوق لمعانقتك يا نجوى، ليلة البارحة قضيتها بين أحضانك، كنت أمتصّ رحيقك مع كلّ لحظة من الليل. وبكينا من فرحة اللقاء وكنّا نتساءل: هل يعقل أن تتحقّق بعض أمنياتنا في هذا الزمن الصعب؟ زمن الرصاص المسافر من قلبٍ الى صدغٍ ودماغ، زمن البحث عن هويّة في عقر الدار، زمن الاعتذار للجلاّد ومسح دموعه السخيّة!؟.
أشتاق يا نجوى ثانية لتقبيل شفتيك والبقاء معك في سرير الزوجية حتى آخر النهار، دفعت ثمن هذه الأمنية نصف حياتي من الركض والتعب والتودّد لوالدك العنيد، قبّلت يديه آلاف المرّات وكان يشمخ بأنفه الى الحاجز البعيد حيث أمكث الآن. كنت أحتار حقّاً من نظرته تلك، ولعلّي أدرك الآن بعض ما كان يدور في باله وهو ينظر عبر عينيّ الى شتات الوطن. وكأنّه يريد أن يستشف مستقبل الرجل الكامن بين جوانحي! أنا لست مشروع شهيد كما كان يطيب للكثير التشدّق بهذه العبارات! أدرك بأنّ الحياة مقدّسة كما الموت. لم يحن الوقت الذي أفكّر به بمغادرة هذه الدنيا، وكنت أدرك بأنّ الأعمار بيدِ الله ولا حاجة لاستباق الأحداث. كان الموت بعيداً عن مشاريعي، وكنت أعيش حالة من العشق لا تنتهي. الدنيا نجوى والحاجز ما يزال قائماً كالأفعى تبثّ سمومها في كلّ اتجاهٍ يا سيدّة الدنيا.
محرّك السيّارة أضحى بارداً. وكان قد مضى على الفخّ اللعين الذي وقعنا به ما يزيد عن الستّ ساعات. أخرجت مفكّرتي وأخذت أكتب بعض الكلمات المتطايرة، أفكارٌ رماديّة تلغي قدرة النهار على محاكاة القصائد ويطول الحديث الى ما بعد الصفحة الأخيرة من ألف ليلة وليلة. أغلقت المفكّرة ورأيته على وشك أن يفقد رشده. كان وجهه أصفر وعيناه شاخصة. خرجت من عربتي وسألت قائد السيّارة عن حالته، حرّك يديه مستغرباً. عندها صرخت بأعلى صوتي بأنّه يموت. فتحت باب السيّارة الخلفي وحرّكت الرجل بكلتا يدي، نظر إليّ وشبح ابتسامة ارتسمت على شفتيه :
- على مهلك يا ابني، عظامي لا تحتمل جموحك !
- كيف لي أن أساعدك يا عمّ؟ أجبت والألم يعتصر خلايا جسدي المتفجّرة.
- سكّري وضغط وغضب وقهر.
عندها أخرجته برفقٍ من تلك السيّارة ووضعته على مهلٍ في المقعد الأمامي لسيارتي .
- هذا أفضل. قال مازحاً.
- ماذا تقصد يا عمّ .. المقعد الأمامي أمّ..
قاطعني الرجل ووضع يده على كتفي وهمس.
- أنا أبو علي يا صغيري، دعك من يا عمّ هذي؟
- هل تريد بعض الحلوى .. قد يساعد في حالة هبوط السكّر في الدمّ؟
تناول الحلوى من يدي وقال:
- أنت من سكان هذه القرية.
- وكيف أدركت هذا يا أبو علي؟
- لأنّ الشوق ينهش قلبك .. المنزل على بضع خطوات ولا يمكنك الوصول الى غايتك بسهولة . ما اسمك أو ما اسمها؟
- هذان سؤالان يا أبو علي . وضحكت.
- أنت تضحك يا صغيري؟
- في مجتمعنا يلحقون اسم المرأة بالرجل يا أبو علي .. لكنّني اليوم أشعر بأنّني زوج نجوى.
- أنت شاعري يا فتى .. لا بدّ أنّها جميلة؟.
- ليس الجمال هو وحده وازعي يا أبو علي ! لقد شاهدت فتيات يذبلن في ربيع العمر دون أن يحققن أمراً في غاية البساطة. إنّه الاحتلال الداخلي والخارجي. قد يكون الجهل أكثر مرارة من الموت وحيداً على حاجز عسكريّ. أنا محظوظ للغاية .. كلّ نساء الدنيا نجوى.
عندها فتح أبو علي عينيه وكأنّه أصبح رجلاً آخر غير الذي كان يحتضر قبل ساعات وقال وقد بان الارتياح على قسمات وجهه.
- كنت قد فقدت خاتم زواجي في إحدى الترع ليس بعيداً عن القرية يا ابني. قالت فاطمة: لماذا يا أبو علي؟ ألا يكفيك حضوري ومحبّتي يا زوجي العزيز؟ أجبتها بأننّي أضعت الخاتم، هذا كلّ ما في الأمر. ومضى الزمن وتسارعت السنوات تعاتب إحداها الأخرى، وشحبت الابتسامة على وجهها. لقد تسلّل الشك الى روحها. لم أكن أرغب بالزواج من امرأة أخرى يا ابني. ولكن الخاتم إيّاه كان يعني لها الكثير. لقد اخترناه على عجل بعد أن أعلن الاحتلال حظر التجوّل. هربنا من جميع مظاهر الحياة في ذلك النهار الدامي. لكنّ خواتم الزواج كانت بالقرب الى أفئدتنا، ووصلنا الى خطّ الأمان وعُدْنا الى نهارنا وتزوّجت فاطمة رغماً عن إرادة الخليقة. سافرت الى الخليج للعمل سنواتٍ طويلة وكنت كلّ عامٍ أعود وأجدها آخذة بالغروب. أصيبت بالسكرّي وتقرّحت أطرافها، لا أدري لماذا غادرتها الرغبة بممارسة الحياة بكلّ ما فيها من جنون وحبور ومغامرات. لم يتمكّن الأحفاد من إضفاء الكثير من الفرح على أيامها. كانت غريبة الأطوار وكنت أحبّها، وذات يوم حدثت المعجزة يا عزيزي، عُرِضَتْ الأرَْض حيث الترعة للييع، وكنت أملك المال الضروري لذلك.
- اشتريت الأرض يا أبا علي؟!.
- اشتريتها وبدأت أبحث بكلّ ما أوتيت من قوّة ورغبة في إزالة غمامة ظهرت ذات يومٍ في خريف العمر. كنت املك رغبة جامحة للقضاء على الشكّ الذي وُلِدَ دون دعوة في حياة فاطمة.
- وماذا حدث يا أبا عليّ ؟.. لقد شوّقتني .. تحدّث يارجل.
- كنت أعمل في ذلك الحقل طِوالَ النهار، وأخيراً وجدت الخاتم يا ابني .. وجدته وكاد يُغْمى عليّ من شدّة الفرحة وانطلقت أركض الى فاطمة.
خيّم صمتٌ ثقيل، كنت أسمع دقّات قلبي وقلب العجوز المخلص النبيل وكان قد انقضى وقتٌ طويل ونحن نتحدّث، اختفت الأصوات والضجيج الخارجي وعمّ صوت الحياة الخافت المجرّد داخل العربة.
- كانت على فِراش الموت يا ابني. نظرت إليّ مطوّلاً وعندها، أخرجت الخاتم وكنت قد لمّعته وهمست في أذنها قائلاً: لقد وجدته يا فاطمة، بحثت عنه في كلّ مكان .. وجدته هناك حيث سقط منّي قبل عشرين عاماً وازداد الخاتم يا فاطمة لمعاناً وجمالاً .. لأنّه رمز الحبّ الذي هزّ كياننا ذات يومٍ وما يزال. عندها يا ابني شعرت بأنّ الشباب عاد الى كلّ خليّة في جسدها وللحظة، كانت ترقص فاطمة بين الغيوم ترتدي ثوباً أبيض.. أبيض، وترقص وتدور حول نفسها. لم يعد للشك مكانٌا في روحها، وانتظر الموت حتّى أنْهَتْ فاطمة رقصتها الأخيرة بين الغيوم ثمّ أسلمت الروح.



كان وجه أبو علي متألقاً وسالت دمعتان توقّفتا عند حدود ابتسامته. وكان الجندي يضرب على شبّاك سيّارتي صارخاً ( فلسطيني بليد، هل تريد أن تنام عند الحاجز؟ ألا ترى بأنّ الجميع قد رحلوا .. أغربوا عن وجهي .. يا لكم من شعبٍ غريب!).


[/align]
[/align]




رشيد الميموني 01 / 04 / 2008 52 : 02 PM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
العتمـــــــــة .. للقاص الأديب : حسن حميــــــــد

[align=justify]أعترف بأنها عذّبتني كثيراً، وأنها تركتني لأحزاني البعيدة.. ومضت!!‏
كانت قد جاءت إليّ في ظهيرة يوم أحد لأعطيها بعض الكتب، وتمشي، غير أنها جلست وأطالت جلوسها. كانت صامتة تنظرُ إليّ بتأمل واضح، وتستمع إلى حديثي بانشداه عجيب. تهزُّرأسها، فيتراجف قلبي، وذؤاباتها تحوّم فوق جبينها كأنها رفُّ عصافير، وتبتسم لأرىحدود شفتيها الرقيقتين، وبياض أسنانها المتشابكة، ما أجملها!!.‏
كنت أسمع بها، ولا أعرفها، لكن خيط لهفتي لها امتدّ منذ ذلك المساء العتيق، حين التقيتها في معرض للرسم. رمقتها، وهي تقف قبالتي مباشرة، ونظرت إليَّ، لكأنما كناعلى استعداد مشترك لتلبية نداء روح واحدة مقسومة نصفين. كانت نظرتها عميقة وبعيدة مثل غابة لا تخوم لها، ولأنني عجول في كلّ شيء، واريتُ نظري عنها بعدما أشعرتها بأنها بعثرتني، واقتربت. كان لابدّ لها من الاقتراب، فقد تلاقى بصرنا وهي تدلف من الباب واقفة على خطوتها الأولى. كنت مفتتح رؤيتها في ذلك المساء الذي غصّ بالكثيرين.
حاولتُ، وقبل أن آتي إلى المعرض أن أمنع نفسي عن الحضور، لأنني لاأحبُّ معارض الرسم في ساعات افتتاحها؛ تلك الساعات التي تكون مرهقة ومربكة وبعيدةعن الفن؛ لكن صديقي الوهيبي، صاحب المعرض، ألحَّ عليَّ، قال: أودّ أن أراك قربي، فأنا أحسُّ بأن الثياب الجديدة والأمكنة الجميلة لا تخفي ارتباك السنين الماضية . تعال أرجوك!! فوافقته، وجئت. أحسست بأن تلامع عينيه، وهو يراني داخلاً، أمرٌ يخصني وحدي. كان يريدني أن أراه وقد أحاطت به الوجوه الجميلة، والزهور، والروائح الرائعة،ودنيا الألوان. وما أن سلمتُ عليه حتى بادرني قائلاً:‏
* "أترى.. من كان يتوقع بأننا‏ سنصيرشيئاً مهمّاً"!!‏
كنت أعرفه بالتفصيل، وكان يعرفني تماماً. كنا طفلين في العاشرة نجوب شوارع دمشق في حالة من التشرد الجديرة بالبكاء الضاج. كنا نبحث عن قطع النحاس والألمنيوم وبقايا العظام وشظايا الزجاج.. من أجل بيعها بفرنكات قليلة.‏
أذكربأننا تعاركنا ذات صباح على عدة عبوات صغيرة من الألوان. كانت يدي أول من أمسكها.حسبتها عبوات (بويا) من النوع القصير، وقد عملت من قبل ماسحاً للأحذية، وعرفها هو،قال:‏
* "إنها ألوان للرسم. اتركها لي"!‏
كانت أصابعي متشبثة بها جيداً، لكن قولته الراجية المدفوعة بنظرته المنكسرة، جعلتني أعطيها له عن طيب خاطر. كنتُ أعرف أنه يرسم جيداً، فقد كان يرسم لي ولغالبية طلاب صفنا. وكان الأستاذ حمودة يمتدحه كثيراً. يقول عنه إنه شاطر، إذا لم تأخذه الفدائية سيصير رساماً كبيراً ..وهكذا كان فعلاً.‏
[ ياالله، مات الأستاذ حمودة، ولم ير الوهيبي في مثل هذا المشهد الباذخ!].‏
المهم، بعد تلك النظرة الطويلة، اقتربت سوزان! يا إلهي، طولها زينة،مثل حورة كلُّ شيء فيها مضموم إلى الأعلى. اقتربت، فتابعتها بنظراتي السائلة. جعلت من بصري سياجاً يحفُّ بها لتتقدم نحوي بالضبط. اقتربتْ، وواقفتني مواجهة. كنت أعرفها من مقالاتها في الجريدة. كانت مجنونة بالحقائق، والعمل الميداني، وكانت تعرفني من صوري المنشورة هنا وهناك، ومن الأحاديث التي تثار عن كتاباتي. وقبالتي،على خطوتها الأخيرة وقفت. مدّت يدها نحوي، فأخذت كفها في كفي، وهززتها بلطف شديد،ورمشت هي بأهذابها، لكأنها أمطرت في قلبي. ونسيتْ كفها في كفي، كفها الناعمة كمفرش العشب. وهمهمتْ، وهمهمتُ. ولم أفهم من كلامها سوى قولها :سأزورك قريباً. فرحّبتُ بها. لابدّ أن وجهي الفضّاح كشفني، فأدركت اندفاعي نحوها!! وأفلتتْ كفها، ومضت نحوالوهيبي مهنئة، وحين تركته لتتنقل أمام اللوحات، بدت لي هادئة حالمة مثل طيورالحمام!‏
وعدت إلى البيت فرحاً. كنت ممتلئاً بها، فقد رافقني طيفها طوال ذلك المساء. ظلَّ معي أياماً عديدة. صرتُ أراه قبالتي، وإلى جواري، وفي مرآتي. كان معي في كل شيء. أحسست بأنها أغلقت عليَّ نهاراتي، بل إنها، راحت تعذبني في الليل أيضاً، فهاتفتها مرات عديدة، ولم أجدها. أخبرت زملاءها في الجريدة ورجوتهم أن تتصل بي لأمر هام جداً، دون نتيجة. حاولت أن أنساها، وأن أقنع نفسي بأن ما حدث لم يكن سوى لحظات عابرة، وأن حديثها كان للمجاملة وحسب. لكنني ما استطعت. كانت معي، داخل روحي؛ امرأة تأتي بعد ألف عام من الغياب، فتوقظني على وحدتي المرعبة، والسنوات التي تكرُّ بلا حساب،ومضيت إليها. سألت عنها في الجريدة، فقالوا لي: هي تكتب للجريدة، وليست موظفة فيها،ترسل مقالاتها وتحقيقاتها بالبريد فتنشر، وهم لا يعرفونها أصلاً، وحرت في أمري.وندمت، لأنني لم آخذ رقم هاتفها، أو عنوان سكنها، وما كان لي سوى أن أنتظرها، لعلها تأتي!!‏
وجاءتني فعلاً في ظهيرة يوم أحد لتأخذ بعض كتبي، قالت لي إنها مقصرة في قراءة كتبي بعدما تكاثر الحديث عني مدحاً وقدحاً. تمنيت، وهي لا تزال واقفةأمامي، لو كان بمقدوري أن آخذها إلى صدري في مرجحة لا تنتهي. أتت غفلة، دون أن تخبرني، بعدما يئست من حضورها، وقد حسبتها خيالاً ليس إلا!!‏
[لوأخبرتني، لتقيفت لها بأحسن ما لديَّ من ثياب، ولنقعت كفي في الماء الساخن، ودلكتهمابالكريم بحثاً عن طراوة مضاعفة، ولرفعت زغب خديَّ، وشربت برميلاً من القهوة لأبني لها صحواً خاصاً بها. لا أدري لماذا علقت حياتي عليها، وأنا النفور الملول]!‏
حين جلستْ، حاولتُ أن ألغي كل شيء، رنين الهاتف، ومقابلة المراجعين، وتسجيل المواعيد.لكنها رفضت. قالت لي:‏
* "أريد أن أراك وأنت تعمل..‏أرجوك" !!‏
فعلاً، كانت محقة، فالهواتف المتقطعة، ودخول المراجعين وتسجيل الملاحظات، كل هذا منح اللقاء لطفاً وحلاوة. كنت فرحاً بها، أتأملها، وكانت تكتشفني على مهل بكل حواسها وصارحتني بأن هذا اللقاء تأخر خمس سنوات فقط، فقد عزمت أن تتعرف إليَّ منذ قرأت مقالة مكتوبة عني، كان صاحبها يشتمني. آنذاك انزعجت جداً لأنهاأحستْ بأنني مظلوم؛ وفتحت حقيبتها، وأخرجت جريدة قديمة، ونثرتها أمامي، فرأيتُ المقالة تلك، وتعليقاتها المكتوبة بالحبر الأخضر؛ كانت تدافع عني بكلماتها الصريحةالحادة دون أن تعرفني؛ فأحسست بأنها تضع اللمسة الأخيرة على امتلاكي؛ ودونما وعي مني، وصفحة الجريدة بين يديَّ ويديها، ونظري ونظرها متوحدان فوق السطور والحروف..أخذت كفيّ بين كفيها وضمّتهما إلى صدرها، وضغطت عليهما، فتلامعت عيناها حتى لكأنهما تدمعان، وسرت في وجنتيها حمرة شفيفة كحمرة الرمان. وشعرت بها تدنو مني أكثر، لربما زاغ بصري، فأنفاسها الحارقة تتلاهث قرب أنفي تماماً. وهمهمتْ وهي تنهض:‏
* "نلتقي في المساء"!!‏
ومشت، وهي تترك وراءها نثاراً من الضوء المُذاب، دون أن تلتفت أو تستدير! وعدتُ إلى عملي مدهوشاً، فقد أوقدتني المخلوقة، ومضت!!‏
[والتقيتها مساءً. كانت مثل طائر يهفو إلى عشه، وكنت كالطائش الحيران. حسبتها ستأخذني إلى مكان ما، أو أن تترك لي الخيار، لكنها لم تقترح شيئاً،فقط، حاذتني مخاصرة، وراحت تقصُّ عليَّ أخبارها المحزنة، فواسيتها. عرفت بأنهاوحيدة مثلي تماماً، وأن الأحلام بعدت، والرغائب ولت، ولم يبق لها سوى نافذة صغيرةعلى قدها، ترى الدنيا الكبيرة منها، وتغصّ.‏
مشينا في شوارع عديدة، واسعة وضيقة، والحديث يلفّنا، كنا كلما تعبنا، مررنا بحديقة،واسترحنا فيها. كان القمر كبيراً وقريباً جداً، جعل السماء صحناً واسعاً من الفضةالمشتهاة. وامتد الليل، ونحن نمضي من شارع إلى شارع، ومن مكان إلى آخر. وأشرقت الشمس دون أن نعبأ بها، ثم غابت. وعاد القمر فآنسنا قليلاً ثم غاب. كانت تحكي لي وأحكي لها، دون أن نرى أحداً من الناس في الشوارع، والحدائق، والأمكنة الأخرى، شعرت بأنني غني بها عن كل شيء. لا أريد أحداً غيرها، ولا أشتهي شيئاً بوجودها ، لكأنني عشت هذا العمر الطويل منتظراً قدومها. وصارحتني بأنها ومذ رأتني تتعذب، لكأنها كانت تبني عشاً لي في صدرها. وما أن انتهى حتى التقينا. وأن غيابها الطويل لم يكن سوى امتحان لها. أشعرتني بأنني أعرفها منذ أمد بعيد، لذلك اقترحتُ عليها أن نمضي إلى البيت، بيتي أو بيتها، لا فرق، فرفضت بشدة، ومشينا مرة أخرى. مررنا بطيور، وأزهار،وحيوانات، ومحطات لقطارات مهجورة. وحين هدّنا الجولان، جلسنا على الرصيف البارد.وما أن شرعنا بالحديث، حتى أحسسنا بأن الرصيف راح يتحرك تحتنا، وقبل أن نفعل شيئاً،سَحَبنا الرصيفُ كبساط متحرك شديد الانزلاق نحو منخفض فسيح. فتشبث أحدنا بالآخروانشدَّ إليه، لكن السرعة الشديدة طوّحتنا. فمضت سوزان في اتجاه، وأنا في اتجاه آخر؛ كان المنخفض كهفاً واسعاً، بارداً ومعتماً جداً. ناديتها بملء الصوت، فمااستجابت إليَّ. ناديت مرات ومرات ودون جدوى. وطفقت أبحث عنها في كل الأرجاء،فصادفتني دروب، وأشواك، ومنحدرات، وجرذان، ولم أجدها. لابدّ أنها كانت تناديني أيضاً فلا أسمعها، وتبحث عني فلا تجدني، وظللتُ ألوَب وأبحث عنها، ولم أعثرعليها!!‏
فجأة رأيت، وسط العتمة المديدة، فانوساً يدنو مني. وقبل أن يقترب أكثر، جفَّ حلقي، ولفتني الحيرة، وضجَّ قلبي، وثبتت عيناي، كان وقع خطا حامله يتعالى في صخب وضجيج كالخيل في ساعة الغضب. واقترب أكثر. صار بمحاذاتي تماماً. فرأيته معلقاً بيد رجل ضخم، بطنه كبيرة، على رأسه قبعة من القش ، وعلى صدره ألوان زاهية، حذاؤه ثخين ومدبب، وحزامه الجلدي رفيع جداً ينتهي بحبات خرز لامعة. وإلى جواره سوزان، ذابلةالوجه، شاحبة. ترمقني من خلف كتفه بأسى!! ولم يتوقفا. تقاويت على نفسي وصرخت بالرجل، وناديت سوزان فلم يحفلا بي. تقدمت من الرجل وتشبثت به لكنه عبرني وكأنني أتشبث بالهواء. ناديت وصرخت، وبكيت.. دونما رجاء أو أمل. ركضت وراءهما فخانتني رجْلاي، ولم ألحق بهما. ولا أدري من أين خرج إليَّ نمل كثيف لايُعد، وراح يحيط بي..لكأنني استنفره عليَّ كلما ناديت سوزان، أو صرخت بالرجل. وواصلت ركضي وراءهما،والنمل يطردني، وقد تسلق جسدي، وراح يمتصني، فأصابني بحالة من الخدر اللذيذ،ورويداً رويداً خارت قواي، وغاب صوتي، وانطفأت رؤيتي، فوقعتُ على وجهي فوق صخرةكبيرة مسننة حادة. فسال دمي، وشهقت جروحي، وعلى الرغم من ذلك، ظللتُ أفرُّ من النمل، وأزحف باتجاه الرجل الضخم وسوزان الباكية في عتمة لا أول لها ولا آخر..
[/align]

رشيد الميموني 01 / 04 / 2008 21 : 04 PM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
من لهيب الذاكرة المهاجرة
مواسمنا في عسقلان للقاص الأديب : عمر حمش
[align=justify]
تقول راويتي الطاعنة:
واعلم يا ولدي أنّ لنا في بلادنا – قبل أن يطردنا اليهود – مواسم أفرحت الكبير قبل الصغير، وأعدّت لها الملابس الزاهية من قبل أيام، واستعرض لها ما اشتهي وطاب، وأنّ أعظم شهورنا كان شهر نيسان، الذي فيه البلاد تغدو حديقة، والفضاء يعبق بأريج الأزهار، والأمواج الهادئة تتهادى مختالة على صفحة بحر عسقلان الوسيعة! وأننا يا ولدي تعودنا - قبل مجيء اليهود - أن نقسّم أسابيع نيسان الأربعة، ونصنّفها أبا عن جدّ، تصنيفا مدروسا لا يختلّ!
فالجمعة الأولى أسميناها التائهة، ذلك علامة بدء شهرنا الجميل، أمّا الثانية فالنبات، على تقدير أنّ الأرض تستكمل زينتها فيها، وتفصح الأنواع عن تلاوينها، وتبدأ مجدل عسقلان باستحلاب مكنونات البساتين، وأزهار جنبات الحواكير، المتسللة تحت أكعاب أشجار الصبار الهائلة!
أمّا الثالثة، فخصصناها يا ولدي لزيارة القبور، للترحم على الأرواح المغادرة، والتذكر لمآثرهم، واستجداء الخالق أن يعطف في شأن مخاليقه!
والرابعة الأخيرة، وهي مربط الحصان في الشهر كلّه، فكانت الحلوات، نسبة لما يجري فيها من ابتهاج، ورمزا لما يصرف فيها على صناعة وشراء الحلويّات!
وأهمّ ما في ذلك الأسبوع نصفه الأخير، من الثلاثاء إلى مساء الخميس، ففي الثلاثاء كانت المجدل تستقبل الآلاف المؤلفة من فلسطين، فتصطحبهم إلى شاطئها الجميل، المعدّة منذ أيام خيامه، والمنتشرة عليه بسطاته، لتستعرض عسقلاننا أسرارها، وتعلن في إبرة أيوب أبهى زينتها ، وتبدأ بممارسة ألعابها، فأولئك الفرسان يتسابقون، وهناك الأولاد يتأرجحون، وزمر الرجال - بهنادي الألاجا أو الشامي - يتبارون، أو يرقبون جمال الصّبايا الفتّان، وهنّ بثياب الحرير، يهزجن أحلى المواويل، ويناشدن البحر منح الشفاء مثلما منح من قبل - ببركة الله - أيوب العليل، وللعاقر كانت يا ولدي فرصة الحمل العزيز!
كلّ هذا والبحر هادئ رقراق يؤدي طقوسا متسقة مع الموسم المعتاد، ويقلّب على شاطئه ويدحرج الصّغار!
تقول راويتي الطاعنة:
ويستمر الأمر إلى المساء، فيبدأ الناس بالانتقال - وليس الرحيل - إلى تلال عسقلان التاريخية، ويبيتون ليلتهم في رمالها الذهبية، تحت أشجار الجميز العملاقة!
وفي الصباح يتدفق الخلق من جديد، على مواسم وادي النّمل الشهيرة، فيتزاحمون كما النّمل على التلال، ويبدؤون من جديد، لا شيء يعكر صفوهم، ولا مكرهة تفسد غبطتهم، وما كان جرى على البحر يجري على التلال، منذ الصباح إلى أن يقطف البحر قرص الشمس الجميل!
عندها يا ولدي يحتشدون، كأنّهم إلى ساحة وغى ذاهبون، وفي لحظات يمسون جيشا عرمرما، تقودهم فرق الدراويش المرعدة، والفرق الكشفية صاحبة الطبول الهادرة، والمدائح تنطلق إلى عنان السماء، وتسمع بين الحين والأخر أشخاصا يهدرون:
- دستور يا حسين!
ذلك موسم سيدنا الحسين يا ولدي، الذي كان - قبل مجيء اليهود - يبدأ مساء الأربعاء، يقود جحافله شيخ مجدلي، فيخرج على الناس ممتطيا فرسه، رافعا من فوق عمامته البيضاء( سنجقه ) يجاوره عشرات الفرسان، والمشايخ، ويمضي الركب العظيم، مومضا في بقايا غسق الشمس المغادرة!
وتقول وهي تهتز:
وعند خروج السنجق العالي من ضريح سيدنا الحسين، تنصفق الكاسات ، والطبل يجنّ، وزفة ( السنجق ) تحتدم من الحسين إلى المجدل!
واعلم يا ولدي أنّ موسم الحسين في بلدنا كان أعظم المواسم، لا يضاهيه ما كان يجري في فلسطين كافة من مواسم وأعياد!
أمّا الزفة فتدخل البلدة، وكلّ جوقة آتية ترفع رايتها، وتصدح بضرب صوانيها، حتى يصلوا جميعا إلى باب مسجدنا المملوكيّ، وعندها يدخل الشيخ ( بالسنجق ) ويرفعه فوق المنبر، ثمّ يبدأ الخلق بالعودة حالمين!
فيكون في الصباح يوم الخميس، وهو يوم الحلوى يا ولدي، المنتشرة بكلّ أنواعها كالقرعية الصفراء، والشيشية البيضاء، وكذلك ( الطقاطق ) الأخرى كالفزدق، والبندق، والجوز، واللوز، والقطين، والزبيب، فينتشر أهالي القرى على البسطات، يشترون لعوائلهم بالأرطال، فتكون مؤونة لشهور!
وتدمع محدثتي العجوز، وتضرب كفا هزيلة بكف:
أما أهالي المجدل يا ولدي فكانوا يبدؤون بتبادل الأطباق المحملة بحلوى الموسم، ( وطقاطقه ) وترى الناس يهنئون الناس، والنسوة يقبلن النسوة، كأنهم في أعظم يوم!
وتتنهد راويتي والدمع يجري في عينيها الرانيتين إلى البعيد، وتتمتم:
كلّ هذا قبل أن يطردنا إلى المخيمات اليهود!

[/align]

رشيد الميموني 01 / 04 / 2008 32 : 05 PM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
خالتي فطيمــــــــــة للقاصة الأديبة :غاليــــــــــة

[align=justify]هكذا كان يحلو لي أن أناديها...وسرعان ما كانت تستجيب لندائي....فتجيب على سؤالي...أو تساعدني في حل مشاكلي البيتية الصغيرة...كانت هي صاحبة البيت...تقيم بالدور الارضي...بينما اقيم أنا وممرضة بالدور العلوي....لكن علاقتي بخالتي فطيمة كانت أقوى وأوثق...لان الممرضة كانت لا تحب الثرثرة...وتؤثر العزلة....بينما كنت في حاجة الى من يحسن لغة المؤانسة....والحكي....وينسيني مرارة فراق العائلة...لذلك توطدت علاقتي بخالتي فطيمة...في بداية معرفتي بها كانت نظراتها الحادة تثير القلق في نفسي وتشعرني بعدم الارتياح...لكن سرعان ما اطمأنت نفسي اليها مع مرور الايام...عندما كشفت النقاب لي عن جوانب مرة من حياتها....حيث القسوة والمرارة غلفت أيامها....وفي ذهني وقلبي ..لم أكن افهم كيف تحسن هذه المرأة القوية...في أن تقرن بين المتناقضات....الحنان الرحمة المتدفقة...والشدة والقسوة والصرامة
لكنني كنت كل يوم أدرك سر هذا الذي يبدو تناقضا وليس بذاك
علمت فيما بعد أنها ذاقت مرارة اليتم....واضطرت منذ صغر سنها أن تعمل لتساعد اسرتها....ثم اضطرت للزواج من رجل ثري...يكبرها بسنوات...والادهى انه كان شديد القسوة قليل الرحمة...خاصة عندما أدرك ان خالتي فطيمة عقيم لاتلد.....حيث تزوج من بعدها ثلاثا....لم يفلحن في الانجاب...وبوجودهن تحولت خالتي فطيمة الى خادمة لزوجها ونسائه المحظيات....لكن سرعان ما أينع صبرها...عندما فشلن مثلها في انجاب الولد...فطلقهن من غير أسف...واقتنع بأهمية زيارة الطبيب الذي أطلعه....أنه هو العقيم...وانه عاجز عن الانجاب....في سرها لاشك أنها ضحكت بشدة....لان جزءا من كبريائها المجروح قد استعاد عافيته....امام الزوج القاسي الذي انكسر....وحتى عندما قرر زوجها تبني أولاد....لتربيتهم والاستئناس بوجودهم...حيث كانت تعايش خالتي فطيمة صور الأمومة باسمى معانيها...بحدبها عليهم وحرصهاالشديد على راحتهم....لم تفلح في ان تنال نصيبا من المحبة والاحترام من قبلهم....فسرعان ما كبروا ...وتذمروا منها لما أدركوا...انها ليست لهم بأم...وكأنهم عدوها مسؤولة عن وجودهم وحياتهم على هذا النحو....فتحولت مشاعرهم حيالها الى كراهية وبغض...
كانت في عقدها السادس....قد أضنتها الحياة بمتاعبها...لكنها كانت تبهرني بقلبها الحديدي ونشاطها الدائم...وروح المرح والدعابة التي لا تغادر ثغرها....ولانني كنت احسن مجاراتها والاستماع اليها ومشاطرتها متاعبها....كانت تستمتع بسرد قصص حياتها....وحياة بعض عائلتها...وربما اسهبت...لتنقل طرائف بعض جيرانها....وحيثما ذهبت تاخذني معها...خاصة اذا تعلق الامر بدعوة من اقاربها....ومع اني لم أكن من العائلة....فقدأشعرتني بساطتها واهتمامها اني واحدة منهم...أشاركهم يوميات حياتهم وأخوض فيما يخوضون...وربما ابديت رأيا أو نصحا يحسنون الأخذ به...ولاأنسى لحظات بعينها..صورها لاتزال مطبوعة في الذاكرة...عندما كنت أعود من عملي...في أيام الشتاء الباردة....فتناديني بصوتها القوي...غالية تعالي...لابد انك متعبة...فأدخل الى الغرفة الدافئة...فأجدها وقد أعدت لي الشاي وطبق لذيذا من السمك المشوي....فاجلس تسامرني وأسامرها...وفي قلبي تشرق صور المحبة والاعجاب نحو هذه المرأة الغريبةالتي احببتها.....كنت أستمع اليها باهتمام...وعيوني تترصد حركات عينيها وتفاصيل وجهها...لادرك أن تلك القسوة ماهي الاقناع مزيف فرضته قسوة أيامها الماضية...وان وراء نظراتها الحادة قلب ينبض بالحب والحنان والعطاء....تصورت للحظات انها.... أمي التي كنت أشتاق اليها
[/align]

رشيد الميموني 02 / 04 / 2008 12 : 02 PM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
حتى يلج الجمل .. للقاصة الأديبة : زينة عـــــــــادل


جلست ترقبها وبداخلها رغبة تستعر بألم مشتعل ..... عيناها تتوهج بإحساس

موجع ينهشها بدون هوادة ...........قلب ينزف ...........ينضح وجعا بعمر السنين

- لم أعد أحتمل أمي

_ عليك الصبر والتحمل

_ عشرون عاما

_ خمسون عاما

_ وجع ينقضّ ويمزقني .....

يضع اللوم علي في كل شيء حتى لو أخبرتك أن ما حصل في العراق كان بسببي

فقلة حيلتي بالدعاء أدت لسقوطها

كل يوم يزداد جنونه تارة يضربني وتارة يغدقني بالسباب حتى آذاني

_ تحمــّلي وتجــــمــّلي بالصبر

_ الموت أهون

_ عليكِ العودة إليه

_ آآآآآآآآآآآآآآآ آآآآآآآآآآآآآه


_عودي فإنك ستخلقين عندي مشكلة بيني وبين أبيك ، وسيضع اللوم علي ّ بأن تربيتي قد أفسدتك

نظرت إلى أمها بحنان وبأعماقها أمنية مذبوحة ، وربتت على يدها بابتسامة مخضبة بالأسى

_ ستعودين يا بنتي قبل علمهما بخروجك

حملت حقيبتها ............ قبلتها في رأسها .... ومشت نحو الباب

_ستعودين .... متى ؟ ..الآن .... ؟؟؟؟؟ أجيبيني

_نعم سأعود حين يلج الجمل سمّ الخياط ... وأغلقت الباب من خلفها بهدوء



رشيد الميموني 03 / 04 / 2008 42 : 03 PM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
النعش .. للقاص الأديب :سعيد محمد الجندوبــــي

[align=justify]
استفاقت حوريّة وأنفاسها تكاد تنحبس من هول الكابوس المرعب الّذي أقضّ مضجعها. كان جسمها يرتعش ويتصبّب عرقا.. لم يعاودها النوم، فمكثت في فراشها منتظرة انبلاج الصبح حتّى تُفضي بكابوسها إلى أمّها. هكذا تعوّدت منذ الصّبا.. رأت فيما يرى النّائم مجموعة من النّاس تحمل نعشا، وسط مكان قفر، وفجأة ثارت زوبعة تحمل رمالا حمراء كلون الدّم، تبعها تساقط رذاذ أحمر، سرعان ما لطّخ ملابس وعمائم الرّجال من حمَلة النّعش، في حين لم تلمس قطرة واحدة كفن الميّت المسجّى وسطهم. توقّف الرّجال، ووضعوا النّعش أرضا، ثمّ تحلّقوا حوله، فيما يشبه الدائرة، من دون أن ينبسوا بكلمة واحدة.. وما هي إلاّ دقائق معدودات حتّى هبّ الميّت واقفا. فقام أحد الرجال، وكان أكبرهم سنّا، وقد أضاءت وجهه لحية طويلة بيضاء، ففكّ رباط الكفن، وقفل راجعا إلى مكانه ليجلس من جديد.. تساقط الكفن أرضا، فإذا بها فتاة في مقتبل العمر، ارتدت فستانا أبيض طويلا كفساتين العرائس والأميرات، في حين انساب شعرها الأسود الطويل المتموّج على كتفيها وعلى جزء من وجهها النّاصع البياض.. لم تكن ملامح الفتاة قاطعة الوضوح.. استعاذت الأمّ من الشيطان وتشهّدت ثمّ قالت لابنتها وهي تُرَبِّت على يدها المرتعشة: "فأل خير إن شاء الله.. هذا عرس.. ربّما عرسك أنت يا حوريّة.. فالأحلام تُؤوّل بالخلاف.."
***
المكان: مقبرة تكاد تكون مهجورة على مقربة من قرية صغيرة من القرى الجبليّة بشمال غرب تونس.

الزمان: شتاء سنة 1972.

انتهت مراسم الدّفن، وتفرّق الجمع الصّغير بعد أداء واجب العزاء لعائلة الميّت، في حين انشغل القرّاء في تقاسم أجرتهم بعد أن قاموا بمهمّتهم بإتقان المحترفين. وضعوا النّعش الفارغ على ظهر الشاحنة الصّغيرة، وانطلقوا عبر طريق ترابي وعر، تتخلّله برك وأوحال شتاء الشمال القاسي. تنفّس السّائق الصعداء حينما وطئت عجلات شاحنته إسفلت الطريق الرابط بين "عين دراهم" و"فرنانة"*.. حمد الله على ابتعاده عن المسالك الترابيّة بأوحالها وحفرها، بدون عوائق ولا مكدّرات. قطع السّائق الصّمت متذمّرا:
-الله يهديهم! لماذا لم يدفنوه في مقبرة البلدة.. هناك في "فرنانة".. متحمّلين كلّ هذه المشقّة؟
-لقد كانت تلك رغبته، رحمة الله عليه.. أراد أن يُوارى الثرى تحت سدرة "سيدي يحي" العتيقة، على مقربة من أهله.. جلّ أولاد "منَوِّرْ" يرقدون هناك..
-الله يرحمهم .. أجمعين.. خيّم الصمت من جديد.. وحدها "البيجو 403"، استرسلت في الشخير.. كانت الطريق في تلك المناطق الجبليّة صعبة المراس؛ فقد كانت كثيرة المنحدرات والمرتفعات، ملتوية، تعانق بلولبيّة صارمة الجبل، وتتلاعب بسالكها رفعا وخفضا إلى حدّ الغثيان. تكاد تلك الطريق الجبليّة تكون مغطّاة بسقف أخضر كثيف مما يغدق به شجر الصنوبر والفرنان من أغصان؛ وهذا ما يُكسبها صيفا رونقا وظلالا، وشتاءًا رهبة وانعدام أمان. كلّ من يعرف تلك الطريق يتجنّب سلوكها بعد مغيب الشمس، لا سيّما خلال فصل الشّتاء حيث تُغرق بعض منحدراتها السّيول، وتنهال من بعض مرتفعاتها الصّخور؛ وقد تخترقها من حين لآخر الذّئاب والثعالب والخنازير.. سكّان تلك المناطق المحاذية للطريق، هم أكثر من يخشاها؛ إذْ هم أخبر النّاس بخفاياها.. فكثيرا ما تناقلت الألسن، عبر الأجيال، أخبار ما يجري فيها ليلا من حين لآخر، والّذي لا تفسير له عندهم إلاّ بما اكتنف بعض مقاطعها من غموض ووحشة.. فالطريق تسكنها الأرواح.. أرواح من أكلتهم عبر السنين.
-ما أوحش هذه الطريق! قالها أحد القرّاء بعد أن تنهّد مردّدا الشهادتين. أجابه الثاني، وكأنّه خشي أن يزعج مثل هذا الكلام الأرواح والعفاريت، فتخرج من سباتها:
-اسكت يا هذا! اترك الرّجل يقود السيّارة.. لا تُربكه! ضحك السّائق وشفتاه تمسكان بالسيجارة فترتعش بينهما وسط سحابة كثيفة من الدّخان الأبيض.. كان أصغرهم سنّا..
-دعه يحكي يا عمّ "رابح".. همزهُ الأوّل في إشارة استفزازيّة:
-بَيّكْ "رابح" معروف عنه الخوف.. إنّه يخشى حتّى من ظلّه!

***
خرج من القرية المعلّقة في الجبل منذ الصباح. كان متأكّدا من ملاقاة أحد معارفه من ذوي الشاحنات أو السيّارات، وهم في طريقهم إلى "فرنانة".. فالسّوق يُنصَبُ فيها بداية من بعد عصر السبت، لتشتدّ حركة البيع والشراء فيه طيلة يوم الأحد.. ولذلك سُمّيت البلدة أيضا بسوق الأحد. لا يذكر "أبَيّْ صالح" أنّه تخلّف مرّة واحدة عن السّوق، ولو فعل لمات جوعا.. فهو كغيره من سكان تلك المناطق الغضّة فلاّح إسما.. هو لا يملك أرضا في ما عدا ربع الهكتار الذي أقام عليه "حوشه"، فوفر له كلّ العناية، زارعا في جزء منه خضروات من بصل وجزر وبطاطس وغير ذلك، وفي الجزء الآخر ورق التّبغ لاستهلاكه الشخصي، وإن إلتجأ في أحيان كثيرة إلى بيع المحصول الضئيل. كانت له بقرة، وبعض خرفان وماعز ودواجن أيضا.. يرتاد سوق "فرنانة" مرّة في الأسبوع، لبيع ما جادت به دجاجاته من بيض، وفرخ أو زوج من الفراخ وبعض الخضروات.. ويعود وقد ملأ جرابه بالسّكّر والشّاي وقليل من الزيت والخميرة.. وهديّة لازمة لزوجته "حبيبة": قطعة قماش، مشط أو كيس من الحلوى. ها هو الآن يصل إلى الطريق المعبّدة. توقّف قليلا، مسترجعا أنفاسه. أشعل سيجارة، ثمّ واصل السير، مبتعدا عن المنعرج ليقف بعد ذلك في مكان يمكنه منه رؤية السيّارات القادمة من جهة "عين دراهم". رفع رأسه إلى السّماء، فوجدها ملبّدة بالغيوم المنذرة بعاصفة وشيكة.. لم يزعجه ذلك.. وما الّذي سيزعج شيخا في السبعين من العمر عاش أهوال حربين عالميّتين. خلال "قيرّة** 14" كما كان يسمّي الحرب الكبرى، أخطأه الموت فأسره الألمان. تنقّل عبر المحتشدات، وفي الثلوج وعلى جثث الموتى. لقد عاشر الموت لسنوات عدّة، لم يعد بعدها يخشى شيئا من أشياء الحياة.. أحسّ بقطرات باردة تبلّل وجهه ويديه. رفع رأسه من جديد متأمّلا السماء وقد استحالت رماديّتها إلى سواد مزمجر، تخترقه بين الفينة والأخرى أضواء برقيّة بعيدة. مشى خطوات نحو شجرة فرنان كبيرة، وارفة أغصانها.. لا يبدو على وجهه المشرب بالحُمرة والّذي اخترقته تجاعيد العمر لتتلاشى داخل لحية بيضاء، أثر لقلق ما.. فمآسيه الماضية، والتي تشيب من هولها الولدان، وكذلك إيمانه الرّاسخ والبسيط أكسباه قوقعة صلبة، تنكسر عليها كلّ المشاعر واضطرابات النّفس.. بعد عودته من محتشدات الأسر الألمانيّة، تزوّج من ابنة عمّته "حبيبة"، وانخرط في حياة قرويّة رتيبة رتابة الفصول، لا ينغّصها من حين لآخر، إلاّ جفاف، أو جراد، أو مجاعة، أو وباء.. حياة رتيبة أنجبت له خلالها زوجته ولدين وبنتا. اشتدّ المطر.. تكوّنت بعض السيول الصغيرة حاملة معها عبر الإسفلت الرمادي ترابا أحمر اللّون.. في حين امتزجت رشقات المطر بزمجرة الرّعد لتشكّل سنفونيّة غاضبة، استشفّ "ابيّْ صالح" من خلالها شخير محرّك شاحنة لا يزال المنعرج يخفيها.. نجله أحمد، أعدمه الفرنسيّون في أحد سجونهم بالجزائر، بعيد مغادرة الألمان بانهزامهم؛ والثاني، يوسف، جرفه النّزوح إلى العاصمة بعد الإستقلال، ليستقرّ فيها ويتزوّج وينجب.. "الأوّل أكلته فرنسا، والثاني أكلته تونس" هكذا كان يذكر ولديه.. أمّا ابنته، فلقد استقرّت مع زوجها في سهل "الريابنة"، حيث منازل أخوالها. أخيرا أطلّت الشاحنة الصغيرة بأنفها المتآكل، الذي بات يتنازعه الصدأ والأوحال.. كانت هذه الميكانيكا العجوز تتسلّق الطريق الجبليّة بعناء وتُؤدة. خرج "ابيّْ صالح" من مكمنه تحت الشّجرة، وأخذ يلوّح بكلتَي يداه، صارخا بأعلى صوته:
-"آهاي.. آهاي.." عرفه السّائق، بعد أن تبيّن بصعوبة ملامحه، فتوّقف على جانب الطريق. بعد التّسليم والسّؤال عن الأحوال، اتّخذ مكانه الى الخلف، بجانب النّعش الفارغ.. قال له أحد القرّاء بلؤم:
-"أُحرسْ لنا الميّت، حذاري من أن يفرّ!" ابتسم "ابّيْ صالح" قائلا: -"توكّلْ على الله.. لا مفرَّ له تحت هذه الأمطار! وانطلقت الشّاحنة من جديد. "ابيّْ صالح" ذو القلب الصخريّ، كصخور الجبال التي نبت بين أحضانها، فضّل التّمدّد داخل الصندوق الخشبي على أن تتبلّل ملابسه الصّوفيّة الخشنة.. "سوف أُغادره حين تكفّ الأمطار عن النّزول.."

***
غادرت حوريّة قرية "العراقيب"*، وهي واحدة من عشرات القرى الجبليّة المحاذية لطريق "عين دراهم"، بعد أن ودّعت أهلها وصاحباتها. كان عليها العودة إلى العاصمة بعد أسبوع إجازة تعلّلت للحصول عليه بمرض والدتها.. قبلت مشغّلتها الأمر على مضض.. حوريّة تعمل بالعاصمة، كالعديد من فتيات هذه الجهة الّتي توالت عليها النكبات: فمن نكبة البايات، إلى نكبة الإستعمار، انتهاءا بنكبة الإستقلال. تعمل حوريّة عند عائلة بسيطة، تكاد تكون ضعيفة الحال.. ربّ البيت يعمل بمصنع، وتعمل زوجته كخادمة عند بعض الأجانب المتعاقدين.. اضطرّت قساوة الحياة الجديدة بالعاصمة هذه العائلة لإستجلاب فتاة من الريف، تعتني بالأطفال وتقوم بشؤون المنزل، مقابل مبلغ شهري زهيد، يرسل إلى أهلها في القرية، وأكلها ولباسها وسكنها مع تلك العائلة في ما يشبه التقاسم العادل للفقر. ربّة البيت رقيقة، طيّبة القلب، تعامل خادمتها كواحدة من أفراد العائلة.. تحنو عليها، لأنّها تذكّرها بنفسها.. بحياتها. لذلك لم تكن حوريّة متذمّرة من وضعها، كغيرها من زميلاتها في البؤس، فلِلْهمّ درجات! أسرعت في المشي، بعد أن نظرت إلى السماء وقد بدأت ترعد وتبرق من بعيد. مرّت نصف ساعة، وهي على حالها، واقفة على جانب من الطريق، وقد وضعت بجانبها حقيبتها البنّية الصّغيرة، وكيسا فيه دقيق وبيض بلدي ورقع من الخبز.. هديّة من والدتها إلى مشغّلة ابنتها.. اشتدّ قلق حوريّة حينما اسودّت السماء فجأة وبدأت في سكب غضبها الطوفاني، فانزوت، جارّة أمتعتها قرب عين تغطّيها الأغصان. انتظرت قلقة، وعيناها لا تفارقان الطريق، على أهبة للإقتراب منه إذا ما ظهرت في الأفق سيّارة أجرة أو باص.. تبدو أحلام حوريّة بسيطة، كبساطة حياتها وحياة كلّ البنات في هذا الرّيف الجبلي المنقطع عن حضارة المدن والعواصم.. تولد الواحدة منهنّ فتتلقّاها لامبالاة تفوق بقليل تلك التي تستقبل الذكور، فتنمو وتكبر، إذا ما تركت لها أمراض الصّغار القاتلة هناك، الفرصة في الحياة.. وربّما ترتاد الكتّاب لبعض الوقت، ولكن أشغال البيت من كنس وغسيل وجلب للماء من العين ورعي للشيّاه سرعان ما تفتكّها، لتنفرد بها.. وتلك طبيعة الأشياء، التي يبدو وأنّ عجلة الزّمان توقّفت فيه عن الدّوران في تلك المجتمعات المنسيّة.. طفولة حوريّة ككلّ طفولة، وإن قست فهي لا تخلو من اللّهو واللّعب، ومن المغامرات السّعيدة أو التّعيسة، وكذلك من هدايا العيد ومن العقوبات المنزليّة.. كلّ أولئك وسط بساطة قرويّة ساذجة.. فقد ينسى الطفل منهم خرفانه، لينغمس في اللّعب البريء، واللّهو مع أقرانه، جريا وراء الفراشات أو ترصّدا لأعشاش الطّيور، قصد الظفر ببيضها.. لينتهي به المطاف عند عقوبة أبويّة صارمة. هكذا نمت حوريّة، وهاهي الآن تعيش وسط مدينة إسمنتيّة لا فراشات فيها ولا طيور.. والخرفان تظهر فيها أيّاما معدودات، كلُعَب عيد!
***
توقّفت الشّاحنة الصغيرة عندما أبصر سائقها حوريّة. أومأ لها بالصّعود.. اقشعرّ جسمها وكادت ترتدّ إلى الخلف عند رؤيتها للنّعش، ولكنّ السّائق انطلق من جديد، فلا وقت للتّردّد والمطر ينزل مدرارا. انزوت حوريّة، وقد تملّكها الرّعب، محاولة الابتعاد ما قدرت من الصندوق الخشبي الموحش. تذكّرت كابوسها. كتمت صرخة كادت تنفلت من أعمق أعماقها. تذكّرت أيضا نصائح أمّها، فتمتمت مردّدة كلّ ما حفظته من قرآن: المعوّذتين والفاتحة.. فالمعوّذتين، فالفاتحة..
***
أحسّ "ابّيْ صالح" بابتعاد الرّعد وقد تقطّعت زمجرته وباتت رشقات المطر فوق غطاء النّعش خفيفة، فقرّر الخروج من مخبئه.
***
كان المنعرج شديد الالتواء حينما ألقت حوريّة بنفسها من على ظهر الشّاحنة.. تلاشت صيحتها وقد كتمتها زمجرة أخيرة للرّعد وهو يبتعد، وكذلك أغصان الفرنان الكثيفة.. تدحرج جسمها النّاعم الغضّ، كقضيب الخيزران، فلم يوقف حركته اللولبيّة إلاّ صخرة كبيرة كانت على جانب من الطريق.. توارت السيّارة خلف المنعرج، واختفى شخيرها شيئا فشيئا.. ها هي حوريّة ملقاة على الأرض وقد استقرّت عيناها في السماء الرمادية الدّاكنة.. توقّف كلّ شيء حولها، وعمّ سكون غريب.. وحدها قطرة من الدّمع، شقّت طريقها فوق خدّها لتمتزج بقطرات من المطر، ليتشكّل جدول رقيق، يرسم طريقه بين زغب الوجه العذري، ويمرّ تحت الأذن، فيخترق شعرها الأسود الطويل المتموّج على كتفيها وعلى جزء من وجهها النّاصع البياض، فيتناثر قطرة.. قطرة، على الإسفلت، وقد استحال لونه الآن إلى حمرة قانية.
[/align]

رشيد الميموني 27 / 08 / 2008 52 : 09 PM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
لا إجابــــــــــة .. للقاص الأديب : عمربا وزيـــــــــــر



لا إجابة!
ذهب إلى المطبخ ليعد لنفسه قدحاً من الشاي…إن يده ما زالت ترتعش ،وهو يشعل موقد الغاز…!
جلس ليشرب الشاي ،رشفة واحدة ،رشفة أخرى..حتى الشاي لاطعم له! ترك الفنجان وقام لينظر في المرآة ….ماهذا ! لماذا يحدق هكذا ؟ هل هذه علامات الجنون بدأت تظهر عليه؟! ويبدأ بدفن همومه بالتخدير بمضغ تلك الأوراق الشيطانية!
الساعة الثامنة صباحاً،وهو يستعد لأداء امتحان شهادة الثانوية العامة….يمتطي الريح ليصل قاعة الإمتحان،وبين أربعة جدران ...يشرد بصره للنافذة المغطاة بستائر بيضاء ،والباب الخشبي القديم يوشك أن يسقط وعليه تلك المسامير الصدئة...في قاعة الإمتحان كانت الوجوه مضطربة ..والقلوب كذا.يُسمَع صوت صرير الباب...يدير وجهه نحو الباب فإذا بها أوراق الإمتحان ويحمل رأسه القلق بين راحتيه...يستلم ورقة الإمتحان..يتمعن في الورقة..يشرد ذهنه قليلاً،يرتعش القلم وتحمر عيناه ويقرأ السؤال:"متى قامت انتفاضة الأقصى الفلسطينية؟" شعر بفورة دفء في أعماقه،أخذت تندفع صعوداً مثل فيض ملأ عينيه حتى تلاشت الغرفة في غمرة من الألوان والأشكال المتموجة وسط هذه الضبابية_إنها دماء القومية_لأن من عرف...هومن يكون، فقد عرف الحياة.يدير صاحبنا وجهه للخلف ليرى...؟! الطلاب قد ناموا على أدراجهم بعد أن أغلقوا آذانهم عن صرخات الضمير ويئسوا من التنبيش في جميع كتبهم المصغرة عن لا شيء.إنها همسة في زمن الصمت...وبوح في دنيا الكتمان،ولانهرب من الواقع ظلت أوراقهم بيضاء وليست هناك إجابة؟!



رشيد الميموني 27 / 08 / 2008 57 : 09 PM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
الغــــــــروب : للأديب القاص فيصل الزوايــــــــــــــــــدي


أَنا مَن هَدَّه الشوقُ إليَّ ، و أَخَذَه الـهمُّ بعيدًا بعيدًا عَني .. و أَلزَمَني زَمَني ما لا أُطيق ..
فَلَيْتَ أَنسى .. وكيفَ أنسى وذا فَحيحُ ذِكرى أَطلَقَت سُـمومَها فـي دِمائي فَلا تُـجدي مَعَها الأمصالُ و إِنْ جَرَّبتُها ..و ذا هُم أَحِبَّةٌ صَدَقوا ولَكِن رَحَلوا ، بِالـمَوتِ اعتَذَروا ، و ما تُـجدي ، عِنْدَ الرحيلِ ، الـمعاذيرُ..أُفيقُ و تُفيقُ مَعي الذكرى موجِعَةً كالقَهرِ أَو كَالـمَوتِ نَفسِهِ ، أَحسِرُ عَنـي لِـحافًا بَسيطًا كانَ ليُطرُدَ البردَ و الـخوفَ عنّي .. أسيرُ نَـحوَ الـمِرآةِ فلا أرى إلا وَجهَهُ بِفَيْضِ ابتِسامَتِهِ الغامِرَةِ و الشيبِ الذي جَلَّلَهُ وَقارًا .. كانت الشعراتُ البيضاءُ بَيارِقَ الرحيلِ يَومَ اِلتَمَعَت فـي رأسِهِ تُؤذِنُ بِوَداعٍ مَـحتومٍ .. أجابَنا لا أَدري جادًّا أَمْ عابِثًا يَوْمَ سَأَلْناهُ عَن ذَلِكَ اللونِ الـجديدِ : هِيَ الشمسُ لا تَـمَلُّ شُروقًا و غُروبًا .. كَم أَشرَقَت و كَم غَرُبَت .. أَنْتَزِعُني مِن أَمامِ الـمِرآةِ فَقَد وَمَضَ بَريقٌ فـي عَينيَّ .. أَسيرُ وَجِلا إلـى الـمغسَلِ فأَغسِلُ وَجهي عَجٍلا ، مُتَجَنِّبًا النظَرَ إلى الـمِرآةِ الـمُواجِهَةِ خِشيَةَ أَنْ أَجِدَهُ قبالتي لَكِن يَدي تَـجَمَّدَت على مِقبَضِ الـحَنَفِيَّةِ ، فَقَد كانَت يَدُهُ الـمَعروقَةُ هِيَ التي تُـحكِمُ إِغلاقَ الـمِقبَضَ بِـحِرصِهِ الشديدِ على الـماءِ ، أَقتَلِعُني بِعُنفٍ و أَتَـحَرَّكُ مُتَعَثِّرًا أو مُتَبَعثِرًا.. أُغادِرُ الـمَكانَ و أُسرِعُ إلى غُرفَتـي و لَكن يَبدو أَنَّني قَد تُـهتُ إِذْ وَجدتُني فِي غُرفَتِهِ هُوَ .. كانَت رائِحته الـمُمَيَّزَةُ ما تَزالُ عَطِرَةً في الـمَكانِ .. هذا مَضجَعُهُ و تِلكَ ثِيابُهُ وذاكَ مَكتَبُهُ .. ما زالَ دفتَرُهُ مَفتوحًا على الطاولةِ ،كما تركَهُ في تلك الليلةِ فَقَد كانَ يُسَجِّلُ كل يوم أحداثَ يَومِهِ.. ترددت في مسامعي شَكواه الدَّائمَةَ مِن الزمَنِ .. ما لـي مِنْ عَدُوٍّ غيره .. قالَ هذا لـي يومًا وقد كان يُرَدِّدُهُ دَوْمًا .. أَقرَأُ فـي الصفحةِ الـمفتوحةِ أَمامي :" إِنَّـما تقتُلُنا الـحَسرَةُ .. وما جَدوى أَنْ تُسجِّلَ هزيـمَتَكَ ؟" لا أَجرُؤُ على قولِ أي كلامٍ .. تَـمامًا مِثلَ ذلكَ اليومِ .. إِذَا يَهوي الأحبَّةُ إلى الترابِ فَما كَلامٌ يُسلّيني .. أُحاوِلُ الهربَ مِنَ الـحسرَةِ خِشيَةَ أَنْ يَـمضي الوقتُ ، لا أَبـحَثُ عَن ساعَةٍ و لا أحاولُ البَحثَ عَنها فانأ اعلم أنني لن أجد واحدة .. قَد كانَ يَكرَهُ الساعاتِ بُغضًا ، يَكرَهُ حَرَكَتها لا تَتَوَقَّفُ ولا تستَريحُ و لا تَعودُ مَرَّةً .. يَكرَهُ اِستِنـزافَها الـمريرَ لِلعُمرِ .. تَزيدُ لِيَنقُصَ ، هَكذا تَقولُ الأحجِيَةُ .. هل اِعتَقَدْتَ يَومًا أَنْ تَكونَ حَياتُكَ أُحجِيَةً ساذجَةً يَرويها الصبيانُ بِتَفَاخُرٍ ؟؟؟
أُحاوِلُ الفكاكَ مِن هذه الـمتاهةِ فَأُغادِرُ الـمكانَ نَـحوَ آخر .. إِذَا كانَ الزمانُ يَأْبـى الثبات فالأماكِنُ تَأبـى الـحَرَكَةَ .. أَسيرُ نَـحوَ غرفةِ نَومي مـرةً أخرى و أَنا أَتَوقَّعُ أَن أَجِدَها فـي مَكانِـها ، لا أَدري كَيفَ وَجدتُ نفسي في غُرفَةِ الـجلوسِ أُجيلُ البَصَرَ في أَشيائِها الـمُبَعثَرَةِ كأَحاسيسي ،الـمُشوَّشَةِ كَأََفكاري .. على صَدرِ الـحائطِ لَوحةٌ كبيرةٌ مَارَسَ الزمنُ نزواتِهِ العجيبةَ على إِطارِها الـمُذَهَّبِ فَأَحالَهُ باهِتًا .. كانتِ اللوحةُ صورةَ الفَقيدِ .. الـجاذبيةُ عنيفةٌ اِقتادَتْنـي إلـى تَأَمُّلِها بِشَغَفٍ كأنـي لا أَعرِفُ صاحبَها ..
أَقِفُ أمامَ صورَتِهِ و لَكِنّـي أَنظُرُ إليه بِإِشفاقٍ وَ حَسرَةٍ كَأَنـي أَعرِفُهُ .. أَتَأَمَّلُ عَيْنَيْهِ العَميقَتَيْنِ بِتِلكَ النظرَةِ الغائِمَةِ ... أَنظُر في الصورَةِ طَويلا و أَرحَلُ بَعيدًا بَعيدًا عَنّـي، إذ أَنسى العالـمَ مِن حَولـي و أَنسى كثيرًا مـما ظَنَنْتُ أَنـي لا أَنساه ..و لكننـي أعودُ بَغتَةً لأُفيقَ فَإذا بـالصورةِ لَـم تَكُن إلا صورَتـي أَنـا ..

رشيد الميموني 27 / 08 / 2008 01 : 10 PM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
أذلته ليلة العيــــــــــــــد : للأديب القاص يمن الوريـــــــــــــدات

بدأت الطرقات تتعرض لهجوم كاسح من بهارات كعك العيد ومعموله ، أنفك وأنفي وأنوفهم لا تستطيع الصّمود أمام هذا الهجوم ، الدّكاكين عرضت السّميد والتمر والعجوة المطحونة وحبة الطيب وما يرافقها من جوقة البهارات الأخرى ، وبدأتَ تسمع عزف السدور الّتي تخرج من بيت أمّ فلان إلى بيت فلانة ، وبدأت استعارات قوالب الكعك تسجّل أرقامًا قياسيّة ؛ فأمّ أحمد عندها عشرون قالبًا بكلّ الأشكال والألوان ، وإذا أردت واحدًا منها عليك الإسراع في تقديم طلبك ، وفي حفلات صنع الكعك تحلو الأحاديث بين نساء الحيّ ، أحاديث الطّبخ والنّفخ والكعك والمعمول وطرق إنضاجها ، والاستعداد للعيد ، وشرح لآلية شراء الملابس وأشهر محلاتها في السّوق ، وتشكيلة كلّ محلّ ،ولا يفوت أمّ المحروس أن تلمّح لأم فلان برغبتها في أن تكون ابنتها كنّة لها. أطفال الحيّ يذرعون الطرقات والزقاق من وإلى المسجد ليصلّوا بعض ركعات التراويح وسط نهر وزجر الرجال لهم ، لكنهم سرعان ما يعودون ،فمرة في المسجد وأخرى يتحلّقون حول أمهاتهم يتلمّظون ، ويفركون أيديهم شوقًا ، لعلّهم يفوزون بحبّة كعك استوت للتوّ ، وثالثة تجدهم يغنّون أغنية العيد الخالدة : (( بكره العيد وبنعيد وبنذبح بقرة ............ )) ويتجمهرون في مسارحهم الخالدة يشير كلّ منهم إلى اللعبة الّتي سيشتريها صباح يوم العيد ، ويتفنّن بعضهم في وصف تفصيليّ لملابس العيد الجديدة ، ويتماسك آخرون تاركين للملابس التحدّث عن نفسها يوم يرتدونها،ويقصّون ما سيقومون به في اليوم الأول ؛فهذا سيزور قبر جدّه أو جدته ، ثم يصلّي صلاة العيد ويكبّر حيث يحلو لهم أن يطلقوا العنان لحناجرهم ، ويتحدّثون عن زيارة الأقارب والجيران ، وعن ركوب المراجيح الخشبيّة ، وكيف سيحتالون على صاحب المراجيح ، وعن إصرارهم على حصولهم على الشوط الحامي ، ويتباهى كلّ منهم في حساب مبلغ العيديّة الّتي سيحصل عليها .
وسط هذه الأجواء الكرنفاليّة ؛ بأضوائها وألوانها وأفراحها وروائحها يعود عمران من عمله في المدينة الّتي تبعد عن مكان إقامته 200 كيلو مترًا ، بعد أن حصل على راتبه الشّهريّ ، ومكافأة إضافية بمناسبة العيد ، يعود يحملها في جيب قميصه قريبًا من قلبه النابض بحبّ أبنائه وأهله وأهل حيّه ، تُداعب أنفه روائح الطبيخ الصادرة من غرف عمليات إعداد طعام الإفطار ، يدخل وسط الترحيب والتهليل من صغاره وكباره ، وابتسامات ولا أروع من أمّ عياله وحبيبة قلبه ، ويدعو بعد التراويح لاجتماع عائليّ طارئ لمناقشة ميزانية العيد ، عيديّات الأرحام كذا ... وعيديّات الأولاد ... ويخصّص الحصّة الكبرى لملابس العيد ، وتصرّهنّ زوجته في طرف إشارها، إلى ليلة اليوم التّالي حيث رحلة التّسوق المتعبة المفرحة ، وتصحب فيها كلّ الفرقة ، ليشعروا بالبهجة ، فالأسواق مزيّنة ومنارة بالأضواء من كلّ لون ولون ، ورائحة الكعك والحلويات تهاجم شوارعها ، وغناء الباعة المتجوّلين يطرب ، فهذا ينادي على ألعابه ويدقّ الطبل ليجذب المشترين ، وذاك يبتدع الموّال تلو الموّال، وسط هذه الأجواء المبهجة تدخل زوجة عمران السوق وتدخل الكثير من المحلات ، يعجبها شيء ولا يروق لها أشياء ، كلّ هذا وسط صريخ وإصرار وأخذ وردّ بينها وبين ( كورس الفرقة ) فهذا لا يعجبه ( الموديل ) وتلك لا يروق لها اللون ، وأخرى لا تريد نفس فستان ابنة الجيران ، وهذا قصير وذاك واسع ، وألسنة أصحاب المحلات تزيّن الملابس وتطري عليها وتكيل لها المديح ، وتقسم أنّ هذا السعر لم يكن من قبل ، لكنّ الرأي الفصل للأولاد غالبًا ، فهم الّذين سيلبسون ، وتسلّم أمرها لأولادها وتمضي في رحلتها، وتعرج خلالها على بائع الحلويات فهي رحلة ربع سنويّة ، يدخل الكل ويلتهمون نصف سدر من الكنافة النابلسيّة الّتي يتقاطر قطرها ، وتعلو رائحتها فوق كلّ شيء على عجل ، فالمشوار طويل ، وتعاود الكرّة على الأسواق ، وها هي العقد بدأت تفكّ ، محل كبير وجد معظم أولادها وبناتها ضالتهم فيه باستثناء صغيرها صعب المزاج الّذي لا يعجبه العجب ولا الصّيام في رجب على حدّ تعبير أمّه ، فانفرجت أساريرها فمعاناتها إلى زوال ، وفرحة أبنائها ترقص في وجوههم ، لباس وقياس وتبديل ووضع في الأكياس ومفاصلة وأخذ وردّ واتّفاق على السعر ، وتحميل كل ابن لملابسه ، اكتملت فرحتها وبدا هذا على محيّاها عندما رأت كل واحد من فلذات كبدها يحمل ملابسه وهو في غاية الفرح ، أحست بالعيد وفرحته قائلة : العيد فعلا للصغار ، لكنّي أفرح معهم وبهم ، ومدّت يدها إلى كتفها لتنهي يومها الحافل بدفع ما استحقّ عليها ، نظرت يمينًا وشمالا ، أين الحقيبة ؟ كانت معي منذ قليل ، التفتت إلى أبنائها ، سألتهم واحدًا واحدًا ، أوقفتهم وأجلستهم ، أدارتهم يمينًا وشمالاً ، لا حقيبة في الأرجاء ، في الأرجاء ذهول وسكون وحيرة وقلق أطفال وصبية ، وقبلها بلحظات شيطان وابن حرام سرق الفرحة من قلبها ووجهها ، أطرقت قليلاً تأمّلت ، تخيّلت أولادها دون ملابس العيد ، نظرت إلى يدها ، لمعت الفرحة في وجهها من جديد بلمعان إسوارة الذهب الّتي تزيّن معصمها ، أجلست أبناءها ، فكّرت ركضت أسرعت ، وفي لحظات كانت في محلّ الصياغة تبيع الإسوارة ، عادت بالمال ممسوكًا ذليلاً بين يديها ، تمسكه وهو صاغر مطيع لها ، لن تسمح له بسرقة فرحة أبنائها ، وأكملت رسم الفرحة على وجوههم بكلّ ألوان العيد ، كانت أكبر من كلّ شيء ، أكملت عيدهم وعيدها ، وأذلّته .

رشيد الميموني 27 / 08 / 2008 10 : 10 PM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
قهوة بالمـــــــــــــــــــلح : للقاصة الأديبة نجاة دينــــــــــــــــــــار


قهوة بالملح!!

كانت ملفته للانتباه.. ‏كثير من الشبان كانوا يلاحقونها، كان شابا عاديا ولم يكن ملفتا للانتباه في نهاية الحفلة تقدم إليها ودعاهل إلى فنجان قهوة..فوجئت هي بالطلب.. ‏ولكن أدبها فرض عليها قبول الدعوة..جلسا في مقهى للقهوة..كان مضطربا جدا ولم يستطع الحديث..هي بدورها شعرت بعدم الارتياح وكانت على وشك الاستئذان.


وفجأة أشار للجرسون قائلاً: ‏رجاءا.. ‏أريد بعض الملح لقهوتي، الجميع نظر إليه باستغراب .
وأحمر وجهه خجلاً ومع هذا وضع الملح في قهوته وشربها.
سألته بفضول: ‏لماذا هذه العادة ؟؟ ‏تقصد الملح على القهوة.
رد عليها قائلا: ‏عندما كنت فتى صغيرا، كنت أعيش بالقرب من البحر، كنت أحب البحر وأشعر بملوحته، تماما مثل القهوة المالحة.. الآن كل مرة اشرب القهوة المالحه أتذكر طفولتي، بلدتي، واشتاق لأبوي اللذين يعيشان هناك الآن.
‏حينما قال ذلك ملأت عيناه الدموع.. ‏تأثر كثيرا، كان ذلك شعوره الحقيقي من صميم قلبه، الرجل الذي يستطيع البوح بشوقه لوطنه لابد أن يكون رجلا محبا له مهتما به، يشعر بالمسئولية تجاهه وتجاه أسرته.
ثم بدأت هي بالحديث عن طفولتها وأهلها وكان حديثا ممتعا، داوما على اللقاء، واكتشفت أنه الرجل الذي تنطبق عليه المواصفات التي تريدها، كان ذكيا، طيب القلب، حنوناً، ‏كان رجلا نادراً.. وكانت تشتاق إلى رؤيته، والشكر طبعا لقهوته المالحة.
تزوجا وعاشا حياة رائعة، وكانت كلما صنعت له قهوة وضعت فيها ملحا لأنها كانت تدرك أنه يحبها هكذا.. ‏مالحة.
‏بعد أربعين عاما توفاه الله، وترك لها رساله هذا نصها:
‏عزيزتي، أرجوك سامحيني، سامحيني على كذبة حياتي، كانت الكذبة الوحيدة التي كذبتها عليك, ‏القهوة المالحة.
‏أتذكرين أول لقاء بيننا؟ كنت مضطربا وقتها وأردت طلب سكر لقهوتي ولكن نتيجة لاضطرابي طلبت ملحا.. ‏وخجلت من العدول عن كلامي فاستمررت، لم أكن أتوقع أن هذا سيكون بداية ارتباطنا سويا، ‏أردت اخبارك بالحقيقة بعد هذه الحادثة.. ولكني خفت أن أطلعك عليها!! ‏فقررت ألا أكذب عليك أبدا مرة اخرى.
الآن أنا أموت,, ‏لذلك لست خائفا من إطلاعك على الحقيقة، أنا لا أحب القهوة المالحة!! ‏ياله من طعم غريب..‏لكني شربت القهوة المالحة طوال حياتي معك ولم أشعر بالأسف على شربي لها لأن وجودي معك يطغى على أي شيء.
لو ان لي حياة أخرى أعيشها لعشتها معك حتى لو اضطررت لشرب القهوة المالحة مراراً وتكراراً.
‏دموعها أغرقت الرسالة، وحين سئلت ذات يوم ‏ما طعم القهوة المالحة؟
أجابت: ‏أنها حلوة، وأجمل ما شربت في حياتي.

رشيد الميموني 28 / 08 / 2008 33 : 12 PM

رد: كتاب نور الأدب للقصة القصيرة
 
الدرجــــــــــــــــــــــات : للقاص الأديــــــب نبيل عـــــــــــــــــــــــودة



- " ليرحمنا الله جميعا، خسارتك يا رافع .. وحياة والدك انزلني قرب الدرج.. آه هنا .. يلعن الموت وايامه، ما تشوف الا الخير يا ابني . كم ادفع لك ؟.. الحمدلله على كل شيء. تفضل يا ابني ,, يرحم الله امواتك . ما عاد قد ما مضى ، اين كنا واين اصبحنا ؟ المرض يهد الحيل .. انها مشيئته ، يختار من يشاء .. ولا نطلب الا رحمته . لماذا الباب يستعصي على الفتح ؟ .. آه ، ما عاد في اليد حيل ، يخلف غليك ويسلم ايديك .. وان شاء الله ما تشوف يوم اسود . هالبلاد من يوم ما تشرد اهلها ما عاد فيها خير .. أيوة .. راح الشباب وما عاد في البدن حيل .. ارحمنا يا رب .. ارحمنا وخلصنا .. وارفق بحالنا "
نزلت من سيارة الاجرة ووقفت تتأمل الدرج الممتد امامها الى الاعلى ، بشيء من الحيرة والاسى .
كانت شمس آب تشوي شيا . أمسكت بدرابزين الدرج والتفتت حولها تبحث عن مساعدة . كيف ستعلو كل هذه الدرجات لوحدها ؟!.. قالت لنفسها " ما في اليد حيلة " .. بحثت عن نسمة هواء تلطف بها عن نفسها من هذة الشمس الملتهبة . فتحت فمها واخذت نفسا عميقا حاولت به ان تبرد عن جسدها الممتلئة طياته بالعرق المتفصد الحار .. وبشيء من الاستسلام لامر مفروغ منه ، صممت على الصعود تاركة امرها لمن في يده الحل والربط..

الدرجة الاولى

على مهلك يا محروسة .. اطلعي درجة درجة .. صحتك على قدها .. كل شيء ولا تعب القلب .. ها .. خذي نفس ولطلعي .. عبئي صدرك بالهواء .. على راحتك .. من يوم ما شفناهم ما شفنا الراحة. انتبهي انتبهي .. تنفسي بعمق .. بعمق شديد . العجلة من الشيطان ، الله يلعنك يا عزرائيل ، ما بتتعب لا من طلوع دراج ولا من نزول دراج . طالع خفيف ونازل مليان . نازل فاضي وطالع حامل . لا هم لك الا الطيبين . خذ عنا اولاد السوء .. يا ربي ابعده عنا .. انت الغفور الرحيم .. انت الجبار المتمكن .. اشملنا بمحبتك ورحمتك يا عالما بالاسرار .هبنا من لدنك قوة . خذ اولاد الحرام .. ذهب الخير يوم جاءوا . خذي نفسك وعلى مهلك .. ايوه ..

الدرجة الثانية

الطبيب قال لك نزلي وزنك .. وانت يا محروسة بطنك فابركة .. ماكينة شغالة ليل نهار . يقبر الطب واللي اخترعوه .. هل نعيش بالحرمان حتى نرضي الطب والاطباء ؟ حتى لذة الاكل يستكثرونها علينا بعد ان فقدنا لذة الشباب . أيام زمان عاشوا فوق الميت سنة، وما عرفوا مرضا .. كانوا يطحنون الصخر ولا يشكون من الم الاضراس. لا يعرفون اوجاع المعدة ولا عسر الهضم . احترعوا الدواء ومرمروا اجسامنا وحياتنا به . حياة والدك كان ينطح جرة عسل وعمره ما قال شبعت .. ولا قال أخ .
عسل ايام زمان كان عسلا .. واليوم يا حسرة صار سكرا !!
من يوم ما شفناهم راح الخير .. الدنيا ما عاد فيها خير .. دوسي على عزرائيل .. ها..

الدرجة الثالثة

( مرمر زماني يا زماني مرمر )
عزرائيل مرمر ايامنا .. جاء بركابهم وقعد .. يصول ويجول دون وجل من حساب . هل صارت رقابنا رهن اشارته ؟
آه يا ام رافع يا مسكينة .. ماذا اقول لك ؟!
جئنا للتعزية .. حياة زفت . الموت دابك نهش بالبشر . شباب مثل ليرات الذهب يخطفها عزرائيل في غمضة عين . ماذا ستقولين لامه المسكينة ؟.. اعتمدي على الله يا ام رافع ..يا نحس ابعد عنا .. تفو على عزرائيل .. تفو عليه اعمى البصر والبصيرة .. هناك من هم احق بالموت والحرق . مرمروا ايامنا ولاد الحرام .
مصيبتك لا تحتمل يا ام رافع ... يا عاقلة، يا خدومة ، يا كريمة . تفو على عزرائيل .. الف تفو عليه وعلى ايامه .
على مهلك .. خذي نفسك .. ونفسا آخر اكثر عمقا يا محروسة . املأي صدرك بالهواء . . وعلى راحتك ..
اصعدي ، ايوه .. الله معك ..

الدرجة الرابعة

مات الخاير وترك اطفالا مثل العيدان الخضراء . القلب قتله .. قاتل الله الامراض .. عرض وطول ووجه مدور مثل القمر .. كل ام كانت تطمع بعريس مثله لابنتها .لا ينفع اللطم يا ام رافع .. اولاده صغار وبحاجة اليك .. دنيا لا تخضع الا للقوي .. وبعدنا عم نقول مشيئة الله ؟ هل مشيئته حقا تيتم اولاده وهم اطفال بحاجة الى رعايته ؟ ترميل زوجته وهي صبية بحاجة الى صدر يحميها ؟ ونقول الموت حق ؟ طز في هيك حق . حياة لا تسوى .. آه يا صدري .. قال مشيئة الله ؟ يلعن الدرج واللي يحبوه .يقطع النفس ويوجع القلب . . والواحد ما عاد فيه مروة .. يا ساتر .. كله من الاكل اللي يخترعوه .. خيار على شجر .. وبندورة على شجر ، كثير وقليل الخير ، لا يقوي جسما ولا يمنع مرضا .. ولا يقاوم موتا .. والهم والغم دافق ..

الدرجة الخامسة

وقفت برهة تلتقط انفاسها .. وصدرها يعلو ويهبط ارهاقا ، وعرقها يسح مالئا طيات لحمها المتثاقلة .
أخذت انفاسا سريعة متلاحقة، محركة الهواء امام وجهها بيدها .
تأملت ما تبقى من درجات امامها ، وهزت رأسها برثاء وعجز وحيرة ، وعلى محياها ارتسمت خطوط عابسة . ارتاح صدرها قليلا وهدأ تنفسها .. تأملت ما تبقى من درجات بحيرة . شدت قبضتها على الدرابزين حتى لا تفقد توازنها ويحدت ما يخيفها .. ليت احدا يعينها .. حتى هذه الامنية تستعصي بلحظة الشدة .. اخذت امرها بيدها . وصعدت .

الدرجة السادسة

الدرج طويل يا محروسة . ابنك قال لك " ارتاحي يا يما ما بيعتب عليك احد " . الطبيب امرك بالراحة ... ولكن الواجب مقدس وله حرمته .. جيل اليوم لا يعرف الواجب الا من خلال مصالحه .. النقود اكلت الاخلاق . كثيرة وما لها قيمة ..أيام الليرة العسملي كانت الليرة تنطح بقرة ، وليرة اليوم ما بتكفي ركبة حمار ... غيروا شكلها مرات . قطعوها ووصلوها وغيروا اسمها .. يرحمها الله .. ما عدت اميز بين الاوراق . كلها بلا قيمة . هي احق بالموت من شباب اليوم . لن يأسف عليها احد .. والأخلاق صارت زي الليرة .. تقلصت مع تقلصها .. قال ما بيعتب غليك أحد ؟ انت حر .. المواساة في الموت يا ابني ولا الاشتراك بالافراح . الله يساعدك يا ام رافع .. زوجك تركك صغيرة .. قتلوه الانكليز .. جاء النحس بركابهم .. خرجوا وما خرج .. عدوى لا فكاك منها .. وابنك يقتله عزرائيل النحس ، ولا يشفق على شبابه ، دنيا مقلوبة .
شعرت ببعض الارهاق فتمهلت تلتقط بعض الهواء .

الدرجة السابعة

بلغت نصف الدرج ولم تسمع لا حس ولا نس .. اهذه دار ميت ؟ !
ما الحكاية ؟ ولماذا هذا الصمت ؟!
نظرت الى الدرجات المتبقية امامها بألم وحيرة وقالت لنفسها : " يسكنون في العلالي من أجل وجع القلب "

الدرجة الثامنة

لا ترهقي نفسك يا محروسة .. حافظي على اعصابك .. وعلى مهلك .. حتى الباب مغلق ؟ ما الحكاية يا عالم ؟ ! ولا تبدو حركة في الساحة ..؟ ربما بكرت في القدوم ؟ .. ولكن انت مثل امه .. ارضعته مع ابنتك الكبرى .. ولولا ذلك لتزوجها .. الدنيا اسرار ، لا يعلم بالغيب الا صاحب الغيب نفسه . حتى قدماك تصبحان ثقيلتين . ارطال اللحم تضغطهما تحتها . قال خففي وزنك قال .. على آخر العمر ، دنيا ما بتسوى ، ركض وشقا والكل واصل للجورة .. صار الناس يترحموا على زمان الترللي بعد ما ذاقوا الامرين من حكام اليوم .كانت الدنيا بخير .. فانقلبت . رحمتك يا عالما بالغيب .. ها ...

الدرجة التاسعة

ها.. ركض وشقا والكل واصل للجورة..ما بيدوم غير عزرائيل ووجع القلب ونجار التوابيت . لماذا هذا الصمت والميت شاب ، تمزق اللوعة عليه القلوب ؟!
يا غراب البين .. ها .. هاه .. اف من هذا الحم وقلة الهواء .. ارتاحي لا تسرعي للموت برجليك . خذي نفسك وعلى مهلك .. تمسكي بالدرابزين .. اصعدي على راحتك .. لا احد وراك بعصى .. سوى عزرائيل ، لا احد وراك .. سنتين لم تزوري ام رافع .. منذ انتقلت لهذه الانحاء .، كادت تنقطع معرفة وجيرة عشرين سنة .عمر يمضي بغمضة عين . امس كان الاولاد يرضعون مع بعض .. دنيا !!

الدرجة العاشرة

( جينا الدار نسأل ع الحبايب )
( لقينا الدار بتبكي ع اللي غايب )
ارتاح من شرهم ، قلوبهم مثل الحجر .. ضرب الخناجر ولا حكم النذل . لولا انه الموت لقلت زاح الهم عن اكتافه . من يوم ما شفناهم والشباب يموتون بسبب وبلا سبب . حتى الامراض كثرت . شيء نعرفه وشيء لا نعرفه . جابوا الامراض عشان يشغلوا الاطباء .. رحمتك يا رب .. رحمتك وقوتك .
هانت .. بقي درجتين وتصبحين في الدار .. لا ترهقي روحك بالبكاء ، مع ان المرحوم بمقام ابنك .اللوعة في الصدر تنشف الريق وتغم البال . احترسي .. قلبك مهزوز ووراك عيلة .. بنتين مثل زرين قرنفل .. والعرسان كثار .. الله يبعث منهم من يشاء ومتى يشاء . نصيبهم بيده .. يرحم من يشاء ويهب من يشاء . ترحم بنا وابعد عنا النحس يا رب . تفو على عزرائيل .. درجتين لا غير ..

الدرجة الحادية عشرة

البيت هادئ كأنه مسكون .. الفأر بدأ يلعب بعبك .. ما هذه الحكاية ؟! انت في حلم ام في علم ..؟ لا حس ولا نس ؟ لا صوت ولا صراخ ..؟ لا بكاء ولا لطم ..؟ والميت مثل ليرة الذهب ..وام رافع ست من ناح ولطم ؟ فكيف والفقيد فلذة كبدها ؟؟
ولكن يا للعجب .. لا سمع ولا حركة ؟!
توكلي . . خذي نفسك .. والله معك ..

الدرجة الثانية عشرة

بقيت درجة والانفاس تقطعت .. خذي نفسك يا محروسة .. الخبر وراء الباب المغلق. عبئي صدرك وعلى مهلك .. عبئي صدرك هواء، أثمن شيء ببلاش .. اياك من المغلاة بقدرتك .. انا مثل اختك يا ام رافع .. ورافع ابني .. رضع حليبي يوم رماك المرض .. عمر يركض ويتركنا نلهث .. الحياة تهجرنا وتتركنا خرائب .. يا حسرة على ايام زمان .. وأكل زمان .. ما ذهب من عمر لا يعود .. حتى الارض خطفوها اولاد الحرام .. يا غراب البين .. يا غراب الشؤم .. تفو على عزرائيل .. يحرمنا من الفرح في آخر عمرنا .. كمان عزرائيل مع القوي .. تفو على عزرائيل ..

الدرجة الثالثة عشرة

الثالثة عشرة .. والأخيرة ،الحمد لله .. عدتهم بالتمام والكمال . رقم منحوس . من يوم آدم وهذا الرقم منحوس .. ما له نصيب .. لو نقصوها درجة..؟ او زادوها درجة ..؟ جئت اشاطرك حزنك يا ام رافع . آه من لوعتي .. كيف القاها وماذا اقول لها ؟.. كيف اطيب خاطرها بهذه المصيبة ؟ تحلي بالصبر .. هل عاد فينا صبر حتى نتحلى به ؟! طرقت الباب وهي تلهث منهكة مقطوعة الانفاس من التعب والحر واللوعة وصعود الدرج ...
أطلت بعد برهة فتاة صغيرة ، وقفت قبالتها صامتة تتأملها ، هل هي ابنة المرحوم ؟ اين قلبك يا عزرائيل ؟ نظرت للفتاة الصامتة والتي لا يبدو عليها امر خاص ..كأن الميت ليس والدها ؟ نظرت من الباب المفتوح الى الساحة امام البيت .. فلم ترى ما يشد نظرها او يشير الى وجود ميت . ما الخبر ؟!.. لا يبدو كبيت ميت ؟!
استولت عليها الحيرة وثار قلقها مما هي فيه .. او يكون الميت قد عاد الى الحياة ؟! سألت الفتاة وكأنها تسأل نفسها :
- بيت ام رافع يا عيوني ؟
ثقتها تقول ان هذا هو البيت ، لا يمكن ان تصعد كل هذه الدرجات هكذا لوجه الله .. ولكن الفتاة رغم صغر سنها .. الا انها ، كما يبدو ، فهمت المراد .. فها هي تتحمس وتطل نحو البيت على الجهة الاخرى من الشارع ، وتقول مشيرة اليه بيدها :
- الدرج المقابل يا خالتي !!


الساعة الآن 34 : 04 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية