منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   متفرقات (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=555)
-   -   همسات دمشقية (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=31423)

محمد توفيق الصواف 16 / 05 / 2017 09 : 12 AM

همسات دمشقية
 
همسات دمشقية

الهمسة (1)..
[align=justify]بعد بضع أَنَّاتٍ ودمعتين، سيُغلِقُ هذا القلبُ بابه ويُسْدِلُ ستائرَ وجعه اليومي، كي يُخلِدَ لفرحٍ عميق وُعِد به، منذ أن استقرَّت، على الجودي، سفينةُ نوح (عليه السلام).. صحيحٌ أنَّه فرحٌ مقصوصُ الجناحين أبكم، لكنه فرحٌ فريدٌ رائع.. وروعتُه من كونه يتدفَّقُ، بسرعة اللهفة المشحونة بالشوق واللوعة، صوراً تنبض كلٌّ منها بلحظة حياة لمُحبٍّ قضى حزناً، أو هاجرَ خوفاً وأملاً، أو صارَ رقماً مجهولاً في قائمة الضياع السورية الطويلة...
وكلَّ ليلةٍ، يتدَفَّقُ الفرح نقياً، في هذا القلب، حَالَمَا يبدأ أصحاب تلك الصور بمغادرة حضورهم الساكن على ورقها، ويهرعون كائناتٍ مشتاقة ًإلى عناق حياتهم الماضية التي تركوها مُكرهِين..
يهرعون طائرِين على جناحَي رغبتهم الجامحة إلى الخلاص من الإحساس بتلك اللوعة التي ذاقوها مُجَرَّحَةً بكلِّ مُدَى الأخوة العربية والإسلامية والانسانية..
يهرعون مشتاقين إلى وسائدهم التي مازالوا مُتأكِّدين بأنَّها، حتى أثناء غيابهم عنها، ظلَّت تفوح وطناً بطعم الحب، يُدعى (سوريا)..
[/align]

محمد الصالح الجزائري 17 / 05 / 2017 22 : 01 AM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]الله الله الله ! الحرف الذي أعشقه..ما أروع هذه الهمسة وما أبلغها ! حمدا لله على عودتك أخي الأكبر الدكتور توفيق..أنتظر بقية الهمس..محبتي وشوقي..[/align]

Arouba Shankan 17 / 05 / 2017 28 : 01 AM

رد: همسات دمشقية
 
وتتفوق على همس كل خاطر، نغمٌ شجيٌّ، سطورٌ حزينة، وحكاياتُ حبٌ طويلة
بانتظار دمشقيات الهمس، والياسمينُ أوج ريحانه
تحيتي

د. رجاء بنحيدا 17 / 05 / 2017 22 : 10 AM

رد: همسات دمشقية
 
رائع ... ومختلف هذا التدفق النقي الصادق .. لهمسات يلفها عبير وطن ويميزها قلم متمكن .. مبدع .. مع احترامي وتقديري

رياض محمد سليم حلايقه 17 / 05 / 2017 37 : 12 PM

رد: همسات دمشقية
 
بوح شفيف وراق
دمت مبدعا سيي

محمد توفيق الصواف 17 / 05 / 2017 25 : 06 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]الله الله يا أخي محمد يا صالح.. كم اشتقت أنا أيضاً لعَبَقِ كلماتك وحلاوتها ذات النكهة الودودة الخاصة..
عوداً حميداً ورجعة ميمونة إلى هذا الموقع الرائع بأعضائه وسيدته، بأجوائه وما يُنشَر فيه من إبداعات..[/align]
دمت أخاً..

محمد توفيق الصواف 17 / 05 / 2017 34 : 06 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]المبدعة الرائعة عروبة..
سأهمس في أذنك همسة خاصة جداً:
(إن كان في همساتي الدمشقية ما يبدو جمالاً مختلفاً، فهو نتاجُ محاولتي لتقليدك في صياغة الجمال إبداعاً..)..
أنا لا أمزح ولا أُبالغ.. فأنا معجبٌ بما تكتبين حقاً، وأتأثرُ به.. صَدِّقي أولا تُصدِّقي..
لكن أرجوك أبقي هذه الحقيقة بيني وبينك، حتى لا ينفضح أمري.. اتفقنا؟ (ابتسامة)..
دمتِ تلك المبدعة الرائعة..[/align]

محمد توفيق الصواف 17 / 05 / 2017 39 : 06 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]الأخت الغالية د. رجاء..
اشتقتُ لكلماتك الطيبة، ولهذا التعبير الصادق الشفيف عن رأيكِ بما أكتب.. التعبير المنسوج بحروف من وُدٍّ ولطف..
الحمد لله أن بدأ شمل أسرة نور الأدب يلتئم من جديد..
تحياتي ومحبتي وتقديري لشخصك الكريم إنسانةً ومبدعة..[/align]

محمد توفيق الصواف 17 / 05 / 2017 40 : 06 PM

رد: همسات دمشقية
 
شكراً لمرورك أخي الأستاذ رياض، وللطيف تعليقك على مادتي..
مع محبتي وتقديري..

محمد توفيق الصواف 17 / 05 / 2017 23 : 07 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]الهمسة (2)..
أهيمُ في صبوة عشق دمشقية تمتدُّ، في البال المشتعل بحرائق القلق والخوف، حَارَةً طينيةً قديمة تغفو وادعةً على ذراع طفلةٍ أبدية اسمها (دمشق)..
حارَةٌ... وأيُّ حارَة تلك التي ما زلتُ أهيمُ عشقاً بها.. إنَّها ذاكرةُ انتمائي الدمشقية التي مازال يسري في جدرانها الرطبة حنينُ التراب إلى التراب؛ ومازالت تفوح، من أطراف حدائقها المُخبَّأة وراء الجدران العالية لبيوتها، روائح كثيرة تأبى أن تُمحى من الذاكرة:
أولاها، رائحة أبي وهو يخطُرُ، في باحة الدار، مُتألِّقاً بنخوته وكَرَمِه، وبدفء ذلك الحبِّ الخاص الذي يتسعُ للجميع، الحبُّ الذي امتاز به الإنسان السوري على مرِّ الدهور..
وثانيتُها، رائحة أمي التي امتزجَت فيها، على نحو غريب رائع، روائح خبزها التنُّوري وقهوتها المُطيَّبةِ بالحبِّ وغسيلها المعطَّر بالحنان..
وثالثتُها، روائح المكان الدمشقي المُمَيَّزَة التي يستحيلُ أن تُغادر أيَّ ذاكرةٍ دخلَتْها.. إنها روائح زهر النارنج والكبَّاد والياسمين البلدي والورد الجوري، ممتزجةً ومُعَتَّقةً معاً، في وطنٍ اسمه سوريا، يرتسمُ ابتسامة حبٍّ صادقة اعتاد أبناؤه أن يُطوِّقوا بها كلَّ مَن دقَّ بابهم ضيفاً أو لاجئاً أو خائفاً أو طالبَ حاجة..
ولسبب ما، مازال غامضاً، اتهمَ العالم الماديُّ القاسي كلَّ هذه الروائح بالإرهاب، خصوصاً بعدما تأكَّد له أنَّ كلَّ مكوناتها طبيعية..
ولسبب ما، ما يزال غامضاً أيضاً، اتخذ قراره الظالم بإحراق مُوَلِّدات كل تلك الروائح بنار الكراهية والحقد والفتن..
فهل ثمة من يأتي ليُصحِّحَ مسار النظر الخاطئ هذا، ويؤكد لهذا العالَم المادي الأبله أنَّه حين يُحرِق بلدَ تلك الروائح الرائعة، فإنَّه يُحرق ذاكرة العطر الأسمى والأقدم لإنسانية الإنسان وحبِّه لأخيه الإنسان؟![/align]

رشيد الميموني 17 / 05 / 2017 18 : 10 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]لم أستغرب أن تأتي همساتك أخي محمد توفيق بكل هذا الوهج ..
مزيج من الحب الأبوي ونكهة الوطن ، يجعل من همساتك تتسرب إلى قلوبنا بدون استئذان ..
كلمات عفوية نابضة بالمحبة ..
وحرف تلقائي متوهج عاطفة وحنينا .
فعلا .. جعلتنا نعيش سورية وزرعت فينا حبها .
محبتي لك .[/align]

محمد الصالح الجزائري 19 / 05 / 2017 27 : 01 AM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]بدأت الهمسات تشتدّ.. تحاذي الصرخات إلا قليلا ! آلمتني عميقا همستك هذه ، أخي الغالي الدكتور توفيق..استمر حتى نتبيّن أصواتنا الخافتة..شكرا لك..[/align]

عزة عامر 19 / 05 / 2017 19 : 03 PM

رد: همسات دمشقية
 
همسات اشتقت إليها ..كم تبدو فيها رائحة الوطن فواحة .. وطن فاخر كالعود والعنبر .. حمدا لله على سلامتك أستاذنا الجليل / محمد توفيق الصواف ..

هدى نورالدين الخطيب 20 / 05 / 2017 22 : 10 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]بانسجام يلامس الانصهار أتابع شدوك الدمشقي / الشامي ..
بكثير من المحبة ورائحة التراب الشامي الأروع تختال في خاطري، معطرة برحيق الحنين وياسمين الأمنيات .. دموع الورد الجوري ندى على صفحات مخملية ..
تربة سطّرت فجر التاريخ لمولد المجتمعات االبشرية الإنسانية لأقدم مدينة ومدنية عرفها التاريخ ..
سار على أرضها كل الأنبياء الرسل ..
شآم المجد والتاريخ...

أديبنا الغالي أستاذ توفيق ..
رائع ما خطّ قلمك.. ومعك نتابع ..
تفضل بقبول فائق آيات تقديري واحترامي[/align]

محمد توفيق الصواف 22 / 05 / 2017 09 : 01 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]شكراً لك أخي الغالي رشيد، ولجميل تعليقك ولطفه.. وأعتذر عن التأخير بالرد..[/align]

محمد توفيق الصواف 22 / 05 / 2017 14 : 01 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]أخي الحبيب محمد الصالح..
شكراً لتنبيهك لي، بهذه العبارة اللطيفة، إلى اشتداد صوت همساتي، على الرغم من محاولاتي الكثيرة لمنعها من التَّحَوُّل إلى صرخات.. أنتَ دائماً تصل إلى جوهر النص وتُجلِّي خوافيه.. بارك الله بجهودك..
مع محبتي..[/align]

محمد توفيق الصواف 22 / 05 / 2017 18 : 01 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]أهلاً بالمبدعة الغالية عزة.. أين كنتِ؟
عوداً حميداً، وشكراً لمرورك وتعليقك اللطيف..
مع محبتي..[/align]

محمد توفيق الصواف 22 / 05 / 2017 25 : 01 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]الغالية الأستاذة هدى..
شكراً لهذا التعليق الذي تَفَوَّقَ بجمالِ صياغته على نصي المتواضع..
هي همساتٌ تركتُها تخرج بحلَّتها العفوية التي وُلِدَت بها في خاطري، وأرجو أن أُتابعها ما استطعت..
شكراً لمروركِ وتعليقكِ اللطيف..
مع محبتي وتقديري..[/align]

محمد توفيق الصواف 22 / 05 / 2017 05 : 02 PM

رد: همسات دمشقية
 
الهمسة (3)..

[align=justify]المسافة بين رغبتي وحلمي ألفُ ليلة ودمعة..، كلُّ ليلة بألف حكاية ممَّا تَعُدُّون.. في كلِّ حكايةٍ وجوهٌ أليفة نُحِبُّها.. وجوهُ نُحادثُ أصحابها ويحادثوننا، حتى بعد أن ابتعدوا عنا وغابوا..، نبكي وإياهم من فرحٍ تارةً ومن الحزن والألم تارات..
إيهِ أيها الشوقُ رفقاً بقلبي، فما عاد يحتملُ نبضَك القويَّ في سويدائه الهرِمَة.. فحنانيكَ، ورفقاً ثانيةً بمَن أدمنَ، بعد فراق الأحبة، الحديثَ يومياً مع حجارة الأرصفة التي يسير عليها بين بيته وعمله..
في كلِّ صباح، تُذكِّرُني أرصفةُ الوطن الثاكل بمن غابوا وأنقلُ إليها آخر ما وَصَلَني من أخبارهم.. فتُؤكِّد لي أنَّ شوقها لهم قد شقَّقَ اسمنتَ حجارتها، وأُؤكِّد لها أن شوقي إليهم مزَّق قلبي وفَتَّت كبدي.. تسألني مُنرفِزَةً، لماذا رحلوا وتركوك في صقيع وحدتك معي، فأجيبُها، بعد طول صمت: ربَّما ليُعلِّموني أن أشتاق إليهم، ولِيُفهِموني كيف يكون الحبُّ في أعلى درجاته.. أو.. رُبَّما لِيُنجِب الوطن غدَه الأحلى من رحمِ أشواقي وأشواقكِ إليهم..[/align]

محمد الصالح الجزائري 22 / 05 / 2017 05 : 08 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]..وتغيّر لون المداد..تغيّر همس الحرف..بلغ الحزن مداه ! حزينة جدا همستك الثالثة ، أخي الغالي الدكتور توفيق ،لغة القلب أقوى هذه المرة..ويستمر الهمس الموجع الغائر..شكرا لك..محبتي واحترامي..[/align]

محمد توفيق الصواف 23 / 05 / 2017 56 : 06 AM

رد: همسات دمشقية
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الصالح الجزائري (المشاركة 225815)
[align=justify]..وتغيّر لون المداد..تغيّر همس الحرف..بلغ الحزن مداه ! حزينة جدا همستك الثالثة ، أخي الغالي الدكتور توفيق ،لغة القلب أقوى هذه المرة..ويستمر الهمس الموجع الغائر..شكرا لك..محبتي واحترامي..[/align]

[align=justify]أخي الحبيب محمد الصالح..
هذا الحزن صار نبضَ القلب، ولكن مع ذلك لم يبلغ التعبير عنه مداه بعد، فثمة همسٌ أشدُّ حزناً... وأنا آسف لإيلام من يقرأ همساتي هذه، لكن لا حيلة لي في عدم القدرة على تلوينها بأيٍّ من ألوان الفرح، ولو على سبيل الرياء والنفاق.. فأرجو المعذرة..
مع محبتي..[/align]

محمد توفيق الصواف 23 / 05 / 2017 05 : 07 AM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]الهمسة (4)
ذات مساء سوري مُثقَلٍ برائحة الأسى، جلستُ إلى شرفة رغائبي، آملاً أن أرى ذكرى جميلةً مَضَتْ أغفو على ساعدها مُستذكِراً سعادةً غابرة، أو أرى حلماً جميلاً يتحقَّق في غيبٍ قريبٍ مُقبِل، فلم أرَ إلَّا عملاقاً بطول التاريخ البشري، اضطرَتْه طعناتُ الغدر إلى الانطواء على نفسه.. رفعتُ رأسه لأعرفَ من يكون، فإذا به شعبي، قد اتحدَ الألم في نظراته بالغضب..
على غير إرادة مني، انفلتَتْ (لماذا) كبيرة من فمي، وانطلَقَت تجوبُ أرجاء العالم صيحةً مُوجَعَةً مُتوتِّرَةً بكثير من الاستياء، آملةً أن تلقى أُذناً صاغية أو ضميراً ما زالت به من الحياة باقية..
لكن.. كم كانت دهشتي كبيرة، حين رأيتُ صيحتي تتقاذفها سخريةُ "أخٍ" عربي من هنا ولامبالاة "أخٍ" عربي من هناك..
ثم تدوسها بلاهة "أخٍ" مسلم أُوهِمَ أنَّه خرج ليُحارب "الإرهاب" فلم يَقتل سوى الأبرياء من أتباع دينه، وقام عدوُّه "المسلم" الواقف على الطرف الآخر من الخندق بقتل كلِّ المسلمين الذين صوَّرَهم له جهلُه كفرةً ومارقين..
وبين ساخرٍ وشامتٍ، من "أخوتنا العرب والمسلمين"، وبين لامبالٍ ومُكَفِّرٍ ومُحاربٍ للإرهاب، نَبَتَ نَبْتٌ شيطانيٌّ آخر أشدَّ إثماً ولؤماً، ذاك هو "الأخ" الذي غَطَّى شهوته بعباءة الرغبة في العمل الصالح، وجاء إلى خيام لاجئينا لشراء أعراض بناتهم الصغيرات بلقيماتٍ تُنقذُ باقي أسرهِنَّ من الموت جوعاً..
وبالإضافة لهؤلاء جميعاً، لم يعدم أبناء شعبي، والحقُّ يُقال، مَن لفَّ فضلاته بورقة زاهية الألوان، كَتَبَ عليها (صَدَقَة)، ثمَّ دَلَّاها لهم من علياء تكَبُّرهِ مربوطةً بحبل من المَنِّ والأذى غليظ...
أبعدَ هذا، ثمةَ من يمكن أن يلومَ السوريين إنْ كفروا بـ "الأُخُوَّتين العربية والإسلامية" المُعاصرَتَين؟![/align]

عزة عامر 24 / 05 / 2017 29 : 12 PM

رد: همسات دمشقية
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد توفيق الصواف (المشاركة 225808)
[align=justify]أهلاً بالمبدعة الغالية عزة.. أين كنتِ؟
عوداً حميداً، وشكراً لمرورك وتعليقك اللطيف..
مع محبتي..[/align]

بل شكرا لك أيها الأب الكريم .. وأنا متواجدة إن شاء لله ، لكنها الدراسة ، والإمتحانات هي من جعلتني أغيب قليلا ، شكرا لك مرة ثانية لإهتمامك آدامك الله لنا بخير .

عزة عامر 24 / 05 / 2017 44 : 12 PM

رد: همسات دمشقية
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد توفيق الصواف (المشاركة 225810)
الهمسة (3)..

[align=justify]المسافة بين رغبتي وحلمي ألفُ ليلة ودمعة..، كلُّ ليلة بألف حكاية ممَّا تَعُدُّون.. في كلِّ حكايةٍ وجوهٌ أليفة نُحِبُّها.. وجوهُ نُحادثُ أصحابها ويحادثوننا، حتى بعد أن ابتعدوا عنا وغابوا..، نبكي وإياهم من فرحٍ تارةً ومن الحزن والألم تارات..
إيهِ أيها الشوقُ رفقاً بقلبي، فما عاد يحتملُ نبضَك القويَّ في سويدائه الهرِمَة.. فحنانيكَ، ورفقاً ثانيةً بمَن أدمنَ، بعد فراق الأحبة، الحديثَ يومياً مع حجارة الأرصفة التي يسير عليها بين بيته وعمله..
في كلِّ صباح، تُذكِّرُني أرصفةُ الوطن الثاكل بمن غابوا وأنقلُ إليها آخر ما وَصَلَني من أخبارهم.. فتُؤكِّد لي أنَّ شوقها لهم قد شقَّقَ اسمنتَ حجارتها، وأُؤكِّد لها أن شوقي إليهم مزَّق قلبي وفَتَّت كبدي.. تسألني مُنرفِزَةً، لماذا رحلوا وتركوك في صقيع وحدتك معي، فأجيبُها، بعد طول صمت: ربَّما ليُعلِّموني أن أشتاق إليهم، ولِيُفهِموني كيف يكون الحبُّ في أعلى درجاته.. أو.. رُبَّما لِيُنجِب الوطن غدَه الأحلى من رحمِ أشواقي وأشواقكِ إليهم..[/align]

وما زلت أتابع همساتك .. لكنها اليوم صيحات قلب وتنهيدات بطعم الحنين والألم .. وصدقت هذا هو الحب في أعلى درجاته ..أن تشتاق بصمت .. وتتنفس الحنين شهيقا وزفيرا ..أن يبكيهم قلبك ، ولكن بصمت .. أن يخرج وجهك للناس إبتسامة يحتارون ساعات في تصنيفها وتمضي عنهم أنت وحنينك في معزل.. هذا هو الوفاء .. كتبت ، فأبدعت ، فحركت في الروح آلامي ، فشكرا لك ..وأسفا لأحزانك.

عزة عامر 24 / 05 / 2017 03 : 01 PM

رد: همسات دمشقية
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد توفيق الصواف (المشاركة 225828)
[align=justify]الهمسة (4)
ذات مساء سوري مُثقَلٍ برائحة الأسى، جلستُ إلى شرفة رغائبي، آملاً أن أرى ذكرى جميلةً مَضَتْ أغفو على ساعدها مُستذكِراً سعادةً غابرة، أو أرى حلماً جميلاً يتحقَّق في غيبٍ قريبٍ مُقبِل، فلم أرَ إلَّا عملاقاً بطول التاريخ البشري، اضطرَتْه طعناتُ الغدر إلى الانطواء على نفسه.. رفعتُ رأسه لأعرفَ من يكون، فإذا به شعبي، قد اتحدَ الألم في نظراته بالغضب..
على غير إرادة مني، انفلتَتْ (لماذا) كبيرة من فمي، وانطلَقَت تجوبُ أرجاء العالم صيحةً مُوجَعَةً مُتوتِّرَةً بكثير من الاستياء، آملةً أن تلقى أُذناً صاغية أو ضميراً ما زالت به من الحياة باقية..
لكن.. كم كانت دهشتي كبيرة، حين رأيتُ صيحتي تتقاذفها سخريةُ "أخٍ" عربي من هنا ولامبالاة "أخٍ" عربي من هناك..
ثم تدوسها بلاهة "أخٍ" مسلم أُوهِمَ أنَّه خرج ليُحارب "الإرهاب" فلم يَقتل سوى الأبرياء من أتباع دينه، وقام عدوُّه "المسلم" الواقف على الطرف الآخر من الخندق بقتل كلِّ المسلمين الذين صوَّرَهم له جهلُه كفرةً ومارقين..
وبين ساخرٍ وشامتٍ، من "أخوتنا العرب والمسلمين"، وبين لامبالٍ ومُكَفِّرٍ ومُحاربٍ للإرهاب، نَبَتَ نَبْتٌ شيطانيٌّ آخر أشدَّ إثماً ولؤماً، ذاك هو "الأخ" الذي غَطَّى شهوته بعباءة الرغبة في العمل الصالح، وجاء إلى خيام لاجئينا لشراء أعراض بناتهم الصغيرات بلقيماتٍ تُنقذُ باقي أسرهِنَّ من الموت جوعاً..
وبالإضافة لهؤلاء جميعاً، لم يعدم أبناء شعبي، والحقُّ يُقال، مَن لفَّ فضلاته بورقة زاهية الألوان، كَتَبَ عليها (صَدَقَة)، ثمَّ دَلَّاها لهم من علياء تكَبُّرهِ مربوطةً بحبل من المَنِّ والأذى غليظ...
أبعدَ هذا، ثمةَ من يمكن أن يلومَ السوريين إنْ كفروا بـ "الأُخُوَّتين العربية والإسلامية" المُعاصرَتَين؟![/align]

مابين الأسف ، والإعتذار تتردد عيناي في لحظة إلتقاط الصورة .. فيخلد الصمت والأسى في صدري .. وأتسأل من وجع ظني هل هذا هو عمل السوء بجهالة !! ؟؟

محمد توفيق الصواف 24 / 05 / 2017 19 : 02 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]الابنة الغالية عزة..
شكراً لتعليقاتكِ المُعبِّرة التي تشي بعمق تفاعلك مع مضمون هذه الهمسات التي ما هي في الحقيقة إلا نفثات قلب محروق من شدة الألم والحزن، على وطنٍ وشعب وأمة..
أتمنى لكِ النجاح في امتحاناتك والعودة إلى نشاطك في المنتدى، كسابق عهدك..
مع محبتي وتقديري ودعائي لك بالنجاح..[/align]

محمد توفيق الصواف 24 / 05 / 2017 23 : 02 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]الهمسة (5)
في ظلمة ليلٍ ثقيل، شَهِدَ غفلةَ أمَّةٍ خَدَّرَها أعداؤها بخليط من بارقِ المكر ورهبةِ الظلم، اجتمع كلُّ أبالسة العصر، وحفروا وادياً عميقاً ظَنُّوه يتسع لكلِّ قيمِ العروبة والإسلام وأخلاقهما ومبادئهما النقيَّة.. وإلى هذا الوادي، دفعوا العرب والمسلمين، ليُلقوا في غَيَاباته، طَوْعاً أو كَرْهاً، كلَّ ما يربطهم بتلك القيم والأخلاق والمبادئ، مُضافاً إليها كلَّ ما ورثوه من آبائهم وأجدادهم من أمجاد وذكريات ومآثر..
على شفير ذلك الوادي الرهيب، كانت تنتصبُ سنديانةٌ عُمرُها التاريخ اسمها (شآم)، أمرَتْ جذورَها التي غَطَّت قعر ذلك الوادي بامتصاص كل ما يُلقيه المُكرَهُون فيه بلا استثناء، ثم تسليمه لجذورها الأعمق في باطن الأرض كي تحفظه حيّاً..
لم يكتشفِ الأبالسةُ ما فعلَتْه (شآم) إلّا ليلةَ قرروا الاحتفالَ بردمِ واديهم، إيذاناً باكتمال مشروعهم.. ولشدةِ غيظهم مِن فِعلَتِها، أبقوا النار مُشتعلَةً فيها حتى صارت ساقُها وأغصانها وأوراقها رماداً أَلقَوه في الوادي قبل ردمه، ورحلوا..
بعد رحيلهم، تحرَّك ما اكْتَنَزَتْه جذور (شآمُ) العميقة من قيمٍ وذكريات ومبادئ، لتندفعَ من تلك الجذور حياةً جديدة، شَقَّتْ تربةَ الجريمة السوداء، وانبثقت منها بداياتٍ لأشجار فتيَّةٍ سرعان ما امتلأت بأغصانٍ كثيرة اكتسَت بأوراق صغيرة خضراء حلوة، راحت تضحك وتمرح بصخب، مُعلنةً ميلاد فجر إنساني جديد مُعَطَّر بكلِّ نقيٍّ وَأَدُوه من قيمِ العروبة والإسلام..[/align]

عزة عامر 24 / 05 / 2017 12 : 03 PM

رد: همسات دمشقية
 
شكرا لك أستاذي الكريم ..وهمسة خامسة يعتريها شيء من أمل .

محمد الصالح الجزائري 24 / 05 / 2017 44 : 11 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]علينا أن نقرأ الهمسات مجتمعة لا فرادى متفرّقات (كأبناء أمتنا )..سأتابعها باهتمام.. ولي عودة إن شاء الله...شكرا لك عميدنا الراقي الأستاذ توفيق..[/align]

محمد توفيق الصواف 25 / 05 / 2017 37 : 09 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]شكراً لمتابعتكَ أخي الحبيب محمد الصالح..
وأنا لن أملَّ انتظار عودتك.. ليس فقط ليقيني بأنَّها لن تطول، بل لأنَّني، وهذا سرٌّ بيني وبينك، مستمتعٌ مسرورٌ بكتابة هذه الهمسات كثيراً.. لا أدري السبب الحقيقي لسروري، وإن كنتُ أُرَجِّحُ أنَّه الحوار مع حبيبتي دمشق وشعوري بالقرب الشديد منها.. وأنتَ، كشاعر، لاشكَّ تعلمُ كم يُسَرُّ الحبيب بحوار حبيبه والحديث عنه..
محبتي الدائمة لك وتقديري..[/align]

محمد توفيق الصواف 25 / 05 / 2017 41 : 09 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]الهمسة (6)
في الطريق التي صَحِبَتْنِي بها إلى ذاكرتها ذات السبعة آلاف ربيعاً، أتعبَ طولُ المسير هَرَمي، فأسندْتُ ظهري إلى جدار مسجدها الأموي لأرتاح، فإذا به يُسندُ ظهره إليها طالباً الراحة بدوره.. أمَّا هي، فمع أنَّها أكبرنا سِنّاً، بَقِيَتْ واقفةً تنتظر انتهاء استراحتنا، ولا أثرَ للتعب على وجهها..!
حين استأنفنا المسير، سألتُها عن المسافة الباقية، فأجابتني:
- أربعُ خطواتٍ فقط: عقلٌ حكيم، وقلبٌ سليمٌ مُحِبّ، ولسان صادقٌ، وكلمة طيبة..
أمسكتُ رأسي بيدي، وانتابني يأسٌ شديدٌ، وبكيتُ قهراً، فقد تراءى لي أنَّ المسافة، حسب كلامها، ما زالت طويلة..
فأشفقَتْ عليّ، ومسحَتْ دموعي بقطعةٍ من لطيف تاريخها، ثم طَمْأَنَتْنِي قائلة:
- هَوِّنْ عليك يا شيخ.. أمَّا ترى أنَّنا أصبحنا على أعتاب الفجر؟
التفتُّ إلى حيث أشارت، فرأيتُه قد صار في يُمناها وليداً في غاية الروعة.. قَبَّلَتْ جبينَه بحبِّ، ثم همسَتْ في أذنه بضع كلمات، ثم أَطْلَقَتُه ليبدأ مهمتَه فوراً، برفعِ آخر حُجُبِ الليل وأكثفها..
رَفَّتْ على شفتيَّ ابتسامة استبشار، فابتسمَتْ لي وقالت، غامزةً بعبَثٍ لا يُناسب عمرَها:
- أَلَمْ أَقُلْ لك؟![/align]

Arouba Shankan 25 / 05 / 2017 40 : 10 PM

رد: همسات دمشقية
 
ذات صباحٍ على بلاد الشام كانت مفتوحةٌ آفاقَهُ على الحُرية، والتآخي وإلإنسانية، عبروا
أطياف الوحوش، اغتالوا الشمس قبل ابتسامِها بِحقْبةْ، مضوا، وأرخ التاريخُ
آثار جحافِلهم، ومازالت بلادُ الشامِ مفتوحةٌ على التأخي.

سرت مشاعرُ الحُزن في القلوب د. محمد توفيق الصواف
تحيتي وتقديري لمشاعرك

محمد الصالح الجزائري 26 / 05 / 2017 10 : 02 AM

رد: همسات دمشقية
 
[frame="10 98"][frame="1 10"]
همسات دمشقية

الهمسة (1)..

بعد بضع أَنَّاتٍ ودمعتين، سيُغلِقُ هذا القلبُ بابه ويُسْدِلُ ستائرَ وجعه اليومي، كي يُخلِدَ لفرحٍ عميق وُعِد به، منذ أن استقرَّت، على الجودي،سفينةُ نوح (عليه السلام).. صحيحٌ أنَّه فرحٌ مقصوصُ الجناحين أبكم، لكنه فرحٌ فريدٌ رائع.. وروعتُه من كونه يتدفَّقُ، بسرعة اللهفة المشحونة بالشوق واللوعة، صوراً تنبض كلٌّ منها بلحظة حياة لمُحبٍّ قضى حزناً، أو هاجرَ خوفاً وأملاً، أو صارَ رقماً مجهولاً في قائمة الضياع السورية الطويلة...
وكلَّ ليلةٍ، يتدَفَّقُ الفرح نقياً، في هذا القلب، حَالَمَا يبدأ أصحاب تلك الصور بمغادرة حضورهم الساكن على ورقها، ويهرعون كائناتٍ مشتاقة ًإلى عناق حياتهم الماضية التي تركوها مُكرهِين..
يهرعون طائرِين على جناحَي رغبتهم الجامحة إلى الخلاص من الإحساس بتلك اللوعة التي ذاقوها مُجَرَّحَةً بكلِّ مُدَى الأخوة العربية والإسلامية والانسانية..
يهرعون مشتاقين إلى وسائدهم التي مازالوا مُتأكِّدين بأنَّها، حتى أثناء غيابهم عنها، ظلَّت تفوح وطناً بطعم الحب، يُدعى (سوريا)..

الهمسة (2)
..
أهيمُ في صبوة عشق دمشقية تمتدُّ، في البال المشتعل بحرائق القلق والخوف،حَارَةً طينيةً قديمة تغفو وادعةً على ذراع طفلةٍ أبدية اسمها (دمشق)..
حارَةٌ... وأيُّ حارَة تلك التي ما زلتُ أهيمُ عشقاً بها.. إنَّها ذاكرةُ انتمائي الدمشقية التي مازال يسري في جدرانها الرطبة حنينُ التراب إلى التراب؛ ومازالت تفوح، من أطراف حدائقها المُخبَّأة وراء الجدران العالية لبيوتها، روائح كثيرة تأبى أن تُمحى من الذاكرة:
أولاها، رائحة أبي وهو يخطُرُ، في باحة الدار، مُتألِّقاً بنخوته وكَرَمِه،وبدفء ذلك الحبِّ الخاص الذي يتسعُ للجميع، الحبُّ الذي امتاز به الإنسان السوري على مرِّ الدهور..
وثانيتُها، رائحة أمي التي امتزجَت فيها، على نحو غريب رائع، روائح خبزها التنُّوري وقهوتها المُطيَّبةِ بالحبِّ وغسيلها المعطَّر بالحنان..
وثالثتُها، روائح المكان الدمشقي المُمَيَّزَة التي يستحيلُ أن تُغادر أيَّ ذاكرةٍ دخلَتْها.. إنها روائح زهر النارنج والكبَّاد والياسمين البلدي والورد الجوري، ممتزجةً ومُعَتَّقةً معاً، في وطنٍ اسمه سوريا، يرتسمُ ابتسامة حبٍّ صادقة اعتاد أبناؤه أن يُطوِّقوا بها كلَّ مَن دقَّ بابه مضيفاً أو لاجئاً أو خائفاً أو طالبَ حاجة..
ولسبب ما، مازال غامضاً، اتهمَ العالم الماديُّ القاسي كلَّ هذه الروائح بالإرهاب، خصوصاً بعدما تأكَّد له أنَّ كلَّ مكوناتها طبيعية..
ولسبب ما، ما يزال غامضاً أيضاً، اتخذ قراره الظالم بإحراق مُوَلِّدات كل تلك الروائح بنار الكراهية والحقد والفتن..
فهل ثمة من يأتي ليُصحِّحَ مسار النظر الخاطئ هذا، ويؤكد لهذا العالَم المادي الأبله أنَّه حين يُحرِق بلدَ تلك الروائح الرائعة، فإنَّه يُحرق ذاكرة العطر الأسمى والأقدم لإنسانية الإنسان وحبِّه لأخيه الإنسان؟!

الهمسة (3)..

المسافة بين رغبتي وحلمي ألفُ ليلة ودمعة..، كلُّ ليلة بألف حكاية ممَّا تَعُدُّون.. في كلِّ حكايةٍ وجوهٌ أليفة نُحِبُّها.. وجوهُ نُحادثُ أصحابها ويحادثوننا، حتى بعد أن ابتعدوا عنا وغابوا..، نبكي وإياهم من فرحٍ تارةً ومن الحزن والألم تارات..
إيهِ أيها الشوقُ رفقاً بقلبي، فما عاد يحتملُ نبضَك القويَّ في سويدائه الهرِمَة.. فحنانيكَ، ورفقاً ثانيةً بمَن أدمنَ، بعد فراق الأحبة، الحديثَ يومياً مع حجارة الأرصفة التي يسير عليها بين بيته وعمله..
في كلِّ صباح، تُذكِّرُني أرصفةُ الوطن الثاكل بمن غابوا وأنقلُ إليها آخرما وَصَلَني من أخبارهم.. فتُؤكِّد لي أنَّ شوقها لهم قد شقَّقَ اسمنتَ حجارتها، وأُؤكِّد لها أن شوقي إليهم مزَّق قلبي وفَتَّت كبدي.. تسألني مُنرفِزَةً، لماذا رحلوا وتركوك في صقيع وحدتك معي، فأجيبُها، بعد طول صمت: ربَّما ليُعلِّموني أن أشتاق إليهم، ولِيُفهِموني كيف يكون الحبُّ في أعلى درجاته.. أو.. رُبَّما لِيُنجِب الوطن غدَه الأحلى من رحمِ أشواقي وأشواقكِ إليهم..

الهمسة (4)..
ذات مساء سوري مُثقَلٍ برائحة الأسى، جلستُ إلى شرفة رغائبي، آملاً أن أرى ذكرى جميلةً مَضَتْ أغفو على ساعدها مُستذكِراً سعادةً غابرة، أو أرى حلماً جميلاً يتحقَّق في غيبٍ قريبٍ مُقبِل، فلم أرَ إلَّا عملاقاً بطول التاريخ البشري، اضطرَتْه طعناتُ الغدر إلى الانطواء على نفسه.. رفعتُ رأسه لأعرفَمن يكون، فإذا به شعبي، قد اتحدَ الألم في نظراته بالغضب..
على غير إرادة مني، انفلتَتْ (لماذا) كبيرة من فمي، وانطلَقَت تجوبُ أرجاءالعالم صيحةً مُوجَعَةً مُتوتِّرَةً بكثير من الاستياء، آملةً أن تلقى أُذناً صاغية أو ضميراً ما زالت به من الحياة باقية..
لكن.. كم كانت دهشتي كبيرة، حين رأيتُ صيحتي تتقاذفها سخريةُ "أخٍ" عربي من هنا ولامبالاة "أخٍ" عربي من هناك..
ثم تدوسها بلاهة "أخٍ" مسلم أُوهِمَ أنَّه خرج ليُحارب "الإرهاب" فلم يَقتل سوى الأبرياء من أتباع دينه، وقام عدوُّه "المسلم" الواقف على الطرف الآخرمن الخندق بقتل كلِّ المسلمين الذين صوَّرَهم له جهلُه كفرةً ومارقين..
وبين ساخرٍ وشامتٍ، من "أخوتنا العرب والمسلمين"، وبين لامبالٍ ومُكَفِّرٍ ومُحاربٍ للإرهاب، نَبَتَ نَبْتٌ شيطانيٌّ آخر أشدَّ إثماً ولؤماً، ذاك هو "الأخ" الذي غَطَّى شهوته بعباءة الرغبة في العمل الصالح، وجاء إلى خيام لاجئينا لشراء أعراض بناتهم الصغيرات بلقيماتٍ تُنقذُ باقي أسرهِنَّ من الموت جوعاً..
وبالإضافة لهؤلاء جميعاً، لم يعدم أبناء شعبي، والحقُّ يُقال، مَن لفَّ فضلاته بورقة زاهية الألوان، كَتَبَ عليها (صَدَقَة)، ثمَّ دَلَّاها لهم من علياء تكَبُّرهِ مربوطةً بحبل من المَنِّ والأذى غليظ...
أبعدَ هذا، ثمةَ من يمكن أن يلومَ السوريين إنْ كفروا بـ "الأُخُوَّتين العربية والإسلامية" المُعاصرَتَين؟!

الهمسة (5)..
في ظلمة ليلٍ ثقيل، شَهِدَ غفلةَ أمَّةٍ خَدَّرَها أعداؤها بخليط من بارقِ المكر ورهبةِ الظلم، اجتمع كلُّ أبالسة العصر، وحفروا وادياً عميقاً ظَنُّوه يتسع لكلِّ قيمِ العروبة والإسلام وأخلاقهما ومبادئهما النقيَّة.. وإلى هذا الوادي، دفعوا العرب والمسلمين، ليُلقوا في غَيَاباته، طَوْعاً أوكَرْهاً، كلَّ ما يربطهم بتلك القيم والأخلاق والمبادئ، مُضافاً إليها كلَّ ما ورثوه من آبائهم وأجدادهم من أمجاد وذكريات ومآثر..
على شفير ذلك الوادي الرهيب، كانت تنتصبُ سنديانةٌ عُمرُها التاريخ اسمها(شآم)، أمرَتْ جذورَها التي غَطَّت قعر ذلك الوادي بامتصاص كل ما يُلقيه المُكرَهُون فيه بلا استثناء، ثم تسليمه لجذورها الأعمق في باطن الأرض كي تحفظه حيّاً..
لم يكتشفِ الأبالسةُ ما فعلَتْه (شآم) إلّا ليلةَ قرروا الاحتفالَ بردمِ واديهم، إيذاناً باكتمال مشروعهم.. ولشدةِ غيظهم مِن فِعلَتِها، أبقوا النار مُشتعلَةً فيها حتى صارت ساقُها وأغصانها وأوراقها رماداً أَلقَوه في الوادي قبل ردمه، ورحلوا..
بعد رحيلهم، تحرَّك ما اكْتَنَزَتْه جذور (شآمُ) العميقة من قيمٍ وذكريات ومبادئ، لتندفعَ من تلك الجذور حياةً جديدة، شَقَّتْ تربةَ الجريمة السوداء، وانبثقت منها بداياتٍ لأشجار فتيَّةٍ سرعان ما امتلأت بأغصانٍ كثيرة اكتسَت بأوراق صغيرة خضراء حلوة، راحت تضحك وتمرح بصخب، مُعلنةً ميلاد فجر إنساني جديد مُعَطَّر بكلِّ نقيٍّ وَأَدُوه من قيمِ العروبة والإسلام..

الهمسة (6)..
في الطريق التي صَحِبَتْنِي بها إلى ذاكرتها ذات السبعة آلاف ربيعاً، أتعبَ طولُ المسير هَرَمي، فأسندْتُ ظهري إلى جدار مسجدها الأموي لأرتاح، فإذابه يُسندُ ظهره إليها طالباً الراحة بدوره.. أمَّا هي، فمع أنَّها أكبرنا سِنّاً، بَقِيَتْ واقفةً تنتظر انتهاء استراحتنا، ولا أثرَ للتعب على وجهها..!
حين استأنفنا المسير، سألتُها عن المسافة الباقية، فأجابتني:
-
أربعُ خطواتٍ فقط: عقلٌ حكيم، وقلبٌ سليمٌ مُحِبّ، ولسان صادقٌ، وكلمة طيبة..
أمسكتُ رأسي بيدي، وانتابني يأسٌ شديدٌ، وبكيتُ قهراً، فقد تراءى لي أنَّ المسافة، حسب كلامها، ما زالت طويلة..
فأشفقَتْ عليّ، ومسحَتْ دموعي بقطعةٍ من لطيف تاريخها، ثم طَمْأَنَتْنِي قائلة:
-
هَوِّنْ عليك يا شيخ.. أمَا ترى أنَّنا أصبحنا على أعتاب الفجر؟التفتُّ إلى حيث أشارت، فرأيتُه قد صار في يُمناها وليداً في غاية الروعة.. قَبَّلَتْ جبينَه بحبِّ، ثم همسَتْ في أذنه بضع كلمات، ثم أَطْلَقَتُه ليبدأ مهمتَه فوراً، برفعِ آخر حُجُبِ الليل وأكثفها..
رَفَّتْ على شفتيَّ ابتسامة استبشار، فابتسمَتْ لي وقالت، غامزةً بعبَثٍ لا يُناسب عمرَها:
-
أَلَمْ أَقُلْ لك؟!
[/frame][/frame]

محمد الصالح الجزائري 26 / 05 / 2017 19 : 02 AM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]جمعتها للذين فاتتهم قراءة أصدق وأحرّ الهمسات ! فالحزن نكتبه..بينما الفرح نعيش لحظاته وقد لا نستطيع تدوينه! أو هكذا أعتقد..شكرا مرة أخرى لعميدنا الرائع الأستاذ توفيق..[/align]

محمد توفيق الصواف 27 / 05 / 2017 44 : 05 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]الهمسة (7)
خرجتُ إلى ظاهرها، أُريدُ استقبال رمضان هذا العام، وفي النفس أشواقٌ وأحزان.. فإذا بها سبقَتْني مُلْتَفَّةً بعباءةٍ من دعوات أبنائها وبناتها، تفوح كلماتُها محبةً انتشر عطرُها في كلِّ أرجاء المكان..
يا الله كم بَدَتْ لي جميلةً في ذلك الموقف.. حتَّى أنَّني لشدة انبهاري بجمالها نسيتُ لِمَ خَرَجْت، لولا أنْ أعادت لي وعيي هامسةً بودّ:
- كُفَّ عن النظر إليَّ هكذا، واملأ عينيك من روعته، فها قد أتى..
نظرتُ إلى حيث أشارت، فرأيتُه يُسرعُ نحوها، فاتحاً ذراعيه لعناقها.. وفي لحظة فريدة، التقى المكانُ الأقدمُ بالزمان الأطهر في عناقٍ يقطر صُوَراً من ماض شامخ تمتزج بصُوَرٍ أخرى مازالت تتشكَّل بُشرى في رحم غدٍ قريب قادم..
لم يطلْ العناق، فقد بدا رمضان مُتَعَجِّلاً الوصولَ إلى أسواقها العريقة ليشتري بكلِّ ما أُوتيَ، من زكاةٍ وصدقات، طعاماً يُشبِع فقراءها وكساءً يستر عريهم ويُفرِحُ قلوبَهم..
لكنْ... وعلى غير عادته، عادَ السنةَ من مدنها وأحيائها سريعاً.. جلس على أرضها حزيناً مُثقَلاً بما اشتراه.. أسند ظهره إلى بابها العتيق وبكى..
اقتربتُ منه مُشفِقاً وسألتُه عمَّا يُبكيه، فأخبرني أنَّه يبكي عجزَه عن تلبية طلب السوريين، هذه السنة، بعدما رَدُّوا ما اشتراه لهم من طعام وألبسة، على الرغم من حاجتهم الماسَّةِ لها، لأنَّهم لم يجدوا في معظمها أثراً لمحبة مَن أعطوه ثمنها وإسلامهم، كما لم يَشمُّوا رائحةً لإنسانيةٍ تفوح منها.. [/align]

محمد الصالح الجزائري 27 / 05 / 2017 46 : 08 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]أتابع صامتا..تقبّل الله منا ومتكم الصيام والقيام وصالح الأعمال..[/align]

محمد توفيق الصواف 28 / 05 / 2017 02 : 07 PM

رد: همسات دمشقية
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة arouba shankan (المشاركة 225881)
ذات صباحٍ على بلاد الشام كانت مفتوحةٌ آفاقَهُ على الحُرية، والتآخي وإلإنسانية، عبروا
أطياف الوحوش، اغتالوا الشمس قبل ابتسامِها بِحقْبةْ، مضوا، وأرخ التاريخُ
آثار جحافِلهم، ومازالت بلادُ الشامِ مفتوحةٌ على التأخي.

سرت مشاعرُ الحُزن في القلوب د. محمد توفيق الصواف
تحيتي وتقديري لمشاعرك

المُبدعة عروبة..
شكراً لهذه اللفتة الشاعرية اللطيفة كالعادة..
كلما قرأتُ تعليقاً لكِ أحسستُ أن كلماتي وصلت إلى متلقيها على النحو الذي أحبّ..
فشكراً مرة أخرى لمتابعتكِ وتفاعلكِ، ودمتِ بخير..

محمد توفيق الصواف 28 / 05 / 2017 06 : 07 PM

رد: همسات دمشقية
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الصالح الجزائري (المشاركة 225939)
[align=justify]أتابع صامتا..تقبّل الله منا ومتكم الصيام والقيام وصالح الأعمال..[/align]

أخي الحبيب محمد الصالح..
بارك الله بجهدك في جَمْعِ هذه الهمسات، وباركَ الله في متابعتك لها مُعَلِّقاً وصامتاً..
وبمناسبة رمضان المبارك، كل عام وأنتَ بخير، وتقبَّل الله طاعتك..

محمد توفيق الصواف 29 / 05 / 2017 03 : 08 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]الهمسة (8)
خرجَت بليلٍ، لتجمعَ بضعة أعواد يابسة تُشعلُها لتطهوَ على نارها ما يُسكتُ صراخَ الجوع المُنْبَعِثِ من بطونِ صغارها..
وكما تفعلُ الساحراتُ، في الخرافات القديمة، راحتْ تُمسك كلَّ عودٍ على حِدَة، وتتلو عليه أدعيةً لا يُلْهَمُها إلَّا اللاجئون السوريون، آملةً أن تَحْدُثَ معجزةٌ تجعل حزمةَ الأعشاب التي ستطهوها للجائعين مُشبِعَة..
وبعد أن اطْمَأَنَّتْ إلى أنَّ دعاءها بلغَ السماء، أشعلت الأعوادَ تحت قِدْرِ ماء كبيرة، فانبعثَتْ من اشتعالها غيمةُ عطرٍ بالغة التأثير، اجتذبَت جَوْعَى المخيم، فهرعوا إليها يتساءلون: ماذا تُوقدين؟
فأشارت إلى الأعواد خائفة.. فلَمَّا رَأَوها تَتَشَكَّلُ طيراً من نار له وجهُ سوريا الأصيلِ وروعتها العريقة، تراجعوا أيضاً خائفين..
فلما رأوا نارَ الطيرِ تخبو رويداً رويداً حتى صار الطيرُ رماداً، حزنوا.. لكنَّ حزنَهم سرعان ما تَحَوَّلَ دهشةً، حين رأوا ذاك الطيرَ نفسه ينهض، من رماده، حيّاً قويّاً مُعافى من جديد..
سألوه عن سرِّه، فأخبرهم أنَّ اسمَه (الفينيق)، وأنَّه طائرُ سوريا الأسطوري، ورجاهم الَّا يخافوا ولا يحزنوا، مهما اشتَدَّتْ صروفُ الدهرِ عليهم، لأنَّ فيهم سِرَّه، كما يُؤكِّدُ تاريخهم الذي يروي أنَّهم في كلِّ مرةٍ تُحيلُهم المأساةُ رماداً، إذا بهم، من رمادهم، ينهضون شباباً قائداً، من جديد، وَسَادَةَ دنيا ودين.. [/align]

رشيد الميموني 30 / 05 / 2017 44 : 08 PM

رد: همسات دمشقية
 
[align=justify]همساتك ترسم في خيالاتنا أجمل شكل لسورية وهي تنهض رغم جراحاتها وتنفض عنها كل الآلام لتنسج أعذب الأحلام ..
أحس بنبضك يكتب نيابة عنك أخي محمد .. في كل حرف نبرة صدق ..
تحية محبة لك [/align]


الساعة الآن 56 : 11 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية