![]() |
الحب في زمن كوفيد19
كانت تسير بخطواتها الوئيدة الثقيلة... تبدو على غير عاداتها فلطالما كان يناديها الأصحاب ومن عرفها : "لبنى السريعة"..
مابالها اليوم على هذي الحال تسير؟ ومابالها اليوم وقد أثقل مشيها التفكير؟ أتخطط لشيء أم في خفاء لأمر تنوي التدبير؟! عادة حتى وهي تسير بسرعة تتحدث إلى نفسها وترد عليها نفسها، تخاطب أفكارها، فيجيبها فكرها.. ماذا حدث؟! تمر فجأة بجانب بيت لم تزره إلا مرة واحدة هذا إن تذكرت أنه هو البيت فعلا.. فقد كانت زيارتها الوحيدة له منذ سنين وهي عادة لا تتذكر المكان الذي تزوره مرة واحدة إلا إذا كان فيه ما يثير.. وقفت أمامه وكأنها تقف على طلل.. تتذكر تلك اللحظة التي دخلت فيها هذا البيت مع صديقتها وهما يخطوان نحو الباب ويسألان أهنا بيت...؟ نعم هو ذاك البيت. تطرق صديقتها الباب، تفتح امرأة بلباسها الأبيض وقد أبانت ملامح وجهها الأسمر أنها تجاوزت الخمسين.. أكيد هي أم... - السلام عليكم يا خالة عظم الله أجركم نحن صديقتا... أهي موجودة؟ _ نعم؛ فاطمة موجودة.. تفضلا وثبت الله اجركما وتقدم الفتاة بأسى رهيب فقد فقدت الأب الحبيب.. تجلس معهما قليلا، ثم تدوس ريم قدم زينب معلنة انها تنوي الرحيل وتهمس لها: علينا ان نذهب قد قمنا بالواجب.. توافقها زينب فيغادران المكان.. تخرجان يغلق الباب خلفهما ويخطوان سريعا ولسان زينب لا يكف عن الكلام كالعادة وريم مستمتعة بحديث صديقتها كما ألفت.. نعم هو الباب نفسه الذي تقف أمامه ريم الآن وهي وحدها تتأمل الذكريات.. تمنت لو كان بإمكانها أن تسأل عن فاطمة أو "تفاطم" كما كانت تسميها بأوراقها التي كانت تخطها في كل يوم أو مع كل حدث جديد.. فكثيرا ما كانت ريم ترأف لحال تفاطم وتدافع عنها رغم ما كانت تحتفظ به من استغراب ومن علامات تعجب لما كان يحصل معها.. الآن تذكرت لحظة خروجها مع زينب من بيت تفاطم وهي تسترسل في الكلام.. قالت زينب: مسكينة فاطمة لا ترى والدها إلا مرة كل ستة أشهر.. فهو يعمل بفرنسا، وعمله يفرض عليه ألا يلتقي بأهله إلا شهرا في السنة يقسمه إلا مرتين.. _ مستحيل هذا..! ولم لم يأخذ أهله معه؟ _ ربما لا إمكانية له. _ لا إمكانية؟! أمر لا يقبله العقل.. أمنذ سنين وهم على هذه الحال؟ _ منذ وعت فاطمة.. تقول إن والدها فضل أن يعيش أبناؤه في وطنهم الأم ويتربون تربية الإسلام... تقاطعها ريم: تربية الإسلام.. وهل الوطن هو الذي سيربي.. والأب أليس وطنا أيضا حرم أفراد أهله من أن يستقروا معه؟! اليس هو من سيربيهم هنا أم هناك ويعين الأم على تربيتهم بأي مكان عاشوا فيه؟.... على العموم صمتي أفضل من كلامي رحم الله ذلك الإنسان.. اذكروا امواتكم بخير..اللهم ألهم الصبر لفاطمة المسكينة وأهلها... _ آمين.. لم تكن ريم تنادي فاطمة باسم تفاطم إلا عندما تكلمها بأوراقها.. ولا أحد يعرف ماذا كانت تسجل عنها في تلك الأوراق.. لقد كانت في كل ليلة عوض ان تهتم بحفظ دروسها ومراجعتها.. تدخل الغرفة التي عليها أن تقبع فيها والامتحانات على مشارفها تدق الباب.. وكأنها غير مبالية.. بالنهار غناء وقراءة شعر.. وفي الليل الكتابة عن تفاطم أو عن أي وقع آخر شكل أثرا في قلب ريم.. وقد كانت تفاطم تشغل ريم اكثر لأنها كانت كالولهان تكاد تجن من حب أستاذ لها بالثانوية.. درس ريم قبلها فأحبته كأي حب عفيف طاهر يجمع بين تلميذ وأستاذه.. خاصة إذا كان كالأستاذ عادل... تفاطم لم تحبه حب التلميذ لمعلمه وكانت تتنافس في حبه مع كل صغيرة جميلة هفا قلبها له وهو لا يبالي ولا يريد إظهار ملاحظاته لذلك حتى مل بعد أن أرهق من تصرفات تفاطم التي كانت تحاول ان تجذبه إليها بشتى الوسائل والطرائق.. لم تكن تهتم باللغة العربية كمادة مدرسة.. فصارت لا تهتم إلا بها.. بل وأصبحت تحاول نظم شعر تتغزل فيه بالعدل والعدالة والمعلم والتعليم وبالقهوة والسكر وبعادل الذي يقبل قراءة نصوصها على أنها إبداعية سيبدي رأيه فيها بصفته أستاذا.. لكن تفاطم لم تخل كتاباتها وأوراقها من اسمه .. لا تكف عن ذكره كلما مر بجانبها وجد اسمه على لسانها، كلما قلبت صفحة من كتاب أو دفتر كان اسمه موجودا.. كيف سيعمل هذا الأستاذ المسكين في جو كهذا؟ والكل يتهامس عن حب تفاطم للأستاذ عادل.. لقد ضجر من هذا الكهرباء الذي صار يصعقه كل مرة فكلما اصبحت تقترب منه صدها وحاول تجنبها في لطف إلى أن فقد أعصابه مرة وذهب عند أستاذة اخرى تعرف تفاطم فقال لها: من فضلك قولي لفاطمة أن تقلع عن سمائي؟ قولي لفاطمة انها صبية يجب ان تتفوق في دراستها لتحقق ذاتها.. قولي لها ان تنجح بالباكالوريا سريعا فأرتاح وترتاح.. يا سيدتي أخبريها أني إنسان متزوج ولي طفلين فلتقلع عن سمائي ولتحلق بفضاء آخر... تتذكر ريم تلك الأحداث وكأنها تجري أمامها الآن .. تود لو تطرق هذا الباب لتسأل عن تفاطم عن حالها.. أتزوجت؟ ألها أبناء؟ أتحب زوجها؟ أم أنها ماتزال حبيسة حب الأستاذ عادل؟ لعلها نسته وتذكر تلك الأحداث كأفعال صبيانية من مراهقة... تغادر ريم وقفتها أمام الباب وتستمر ذكرياتها وهي بنفس الآن تتساءل كيف وجدت نفسها أمام هذه الباب.. الأنها تحس بذاتها اليوم صورة من تفاطم؟! لا فالوضع مختلف تماما لا يمكن ان تكون صورة لها.. كانت تفاطم تكبر ريم سنا وتكبرها بالمستوى الدراسي أيضا.. ريم درست عند الأستاذ عادل اولا وفي السنة الموالية كانت صديقتها زينب تدرس عنده ومعها تفاطم ولعل هذه الأخيرة لاحظت معاملة الأستاذ عادل اللطيفة مع ريم ونظرته لها التي لا يمكن أن تخلوها مرافقة ابتسامة تبرز ملامح الطهر والنقاء.. لذلك قررت تفاطم أن تجعل من ريم صديقة مقربة مادامت تعرف الحبيب عادل قبلها.. مرت تلك السنة بأجوائها ونجحت تفاطم في الالتحاق بالجامعة لتأتي مع بداية الموسم الدراسي تجرها اللهفة والشوق للقاء الحبيب.. متعللة بانها ستقدم له هدية بمناسبة نجاحها والتحاقها بالجامعة واختيار شعبة تجعلها لاتنساه وتقربها منه.. قدمت تفاطم بعد أن التقت بريم تطلب منها أن تدلها على القاعة التي يتواجد فيها الحبيب.. لا تستطيع ريم الا تدلها فقد كانت تحس في نظراتها بذلك الحزن الذي سببه الحب المستحيل.. فكانت ترأف لحالها وتدافع عنها أمام كل من أراد أن يقذفها بسوء مبينة لهم ان الحرمان من الاب هو الذي جعلها تميل إلى إنسان في عمر والدها يملك طيبة الأب ولطفه ورحمته وعطفه .... دلت ريم تفاطم على مكان تواجد الأستاذ ولم تشأ أن تدخل معها القاعة كي لا تعكر صفو اللقاء لكن الاستاذ عادل ما إن رأى تفاطم حتى قفز كالكنغر من مكانه ليرى ريم عن بعد فيناديها كمتخبط في البحر يستنجد.. (يتبع) |
رد: الحب في زمن كوفيد19
تحفل حياة المدرسين بحكايات مشابهة فتهفو إليهم قلوب الصغار ما بين إعجاب وانجذاب وحب .
هناك من يحب كتعويض عن حنان مفتقد أو اهتمام منعدم . نص زاخر بالمشاعر . زادته تلك القفلات إلى الماضي رونقا . أحييك خولة على هذا النفس السردي وأنتظر المزيد مما في جعبتك من ذكريات (ابتسامة) محبتي |
رد: الحب في زمن كوفيد19
اقتباس:
شكرا على تشجيعاتك المتواصلة ومازالت الجرة ممتلئة والسرد متواصلا |
رد: الحب في زمن كوفيد19
ما إن لمح الأستاذ عادل ريم من زجاج نافذة القاعة حتى خرج مهرولا يناديها أن تعالي، وطبعا ريم ستذهب لأستاذها استجابة له وكذلك لأنها لم تسلم عليه بعد مع بداية هذا الموسم، خاصة وأنها لن تدرس عنده هذه السنة أيضا وهي التي تمنت ان يكون هو أستاذها في آخر سنة بالثانوية كما كان في أول سنةلها بها... لكن لم يشإ القدر إلا أن يكون أستاذها مرة واحدة..
وقفت بباب القسم حيث كان واقفا ينتظر قدومها بعد أن ناداها.. قدمت إليه بابتسامتها المعهودة ، سلمت عليه.. ربت على كتفها ودخلا القاعة إلا من تفاطم الواقفة المتأملة لريم المحظوظة بذراع الأستاذ وقد أحاطتها ليدخلا معا القاعة.. وأخيرا استطاع ان يكلم تفاطم: _مرحبا..كيف الحال؟ كيف وجدت الجامعة؟ اسمك منى أليس كذلك؟ أسئلة لفها في سرعة وكأنه يقول: هيا أجيبي بسرعة وشكرا على الزيارة..لكن تفاطم أحست بالأمر ومع ذلك لم تبالي فشوقها له أفقدها كل حس بالكرامة وعزة النفس لكنها صارت تمقت ريم .. ريم تلك الوديعة التي لم تنو يوما الإساءة لها ولا سمحت لأحد أن يسيء إلى حبها رغم أنها كانت تراه غريبا وتتعجب له.. حاولت تفاطم أن تحافظ على ابتسامتها المزيفة أمامهما وأسرعت ريم تصحح للأستاذ خطأه المفتعل في الاسم حتى لا تربكها أكثر: _أستاذ إنها فاطمة.. فاطمة التي كانت تدرس مع زينب صديقتي في قسم واحد.. _ آه مع زينب .. وأين زينب الآن؟ ماذا تفعل الآن؟ حاولت ريم ان تتمهل في الإجابة كي تتكلم تفاطم.. وكان ذلك.. لكنها قبل ان ترد على سؤاله وجهت له لوما على تناسيه لاسمها: _نسيت اسمي سريعا كان المنى لو انك ذكرته. وترقرقت دمعة بالعين أخفتها سريعا ثم واصلت حديثها: _على كل زينب بالجامعة أيضا أستاذ بشعبة الدراسات الإسلامية _ إذن سيكون اللقاء بينكما شبه منعدم .. بلغي لها سلامي ريم _ مبلغ سلامك أستاذ.. شكرا لك.. حسنا أستاذ اسمح لي بالانصراف الآن.. أود ان أعود للبيت فالدراسة لم تبتدئ بعد.. _إذن اذهبا.. إلى اللقاء.. يا إلهي ما هذا أتحاول ريم أن تتخلص من الموقف الذي وقفته بينهما ويحاول هو أن يتخلص من تفاطم عن طريق ريم؟! تستدرك تفاطم متلعثمة: _ قدمت فقط من أجل إهدائك ما أرجو أن ينال إعجابك ومصحفا ليحفظك.. وأشكرك على ما أسديته لنا طوال الموسم الدراسي.. قد تكون ريم خجلى في هذه الحالة فهي رغم حبها لجل أساتذتها إلا أنها لم تقدم لأحدهم يوما قلما.. يرد الأستاذ عادل بلطف هذه المرة ولعله أحس بقسوته اللاشعورية معها شاكرا لها صنيعها ويدعو لها بالتوفيق والسعادة.. ومر زمن بعد ذلك لم تر فيه ريم تفاطم ولكن عصفورة ما اخبرتها انها جاءت لزيارة الأستاذ عادل أكثر من مرة تجده حينا فيتعلل بالعمل وأنه لا يستطيع أن يأخذ من وقت الحصة.. ولا تجده في أحايين كثيرة ومع ذلك تحس ببعض الفرح لأنها داست أرضا يدوسها واستنشقت هواء يشمه.. بعد نجاح ريم أيضا والتحاقها كذلك بالجامعة التقت بتفاطم مرتين فقط رغم أنهما ينتميان لنفس الشعبة.. فكأن تفاطم كانت تتجنب تلك التي لم تتركها تقضي لحظة ممتعة مع حبيبها.. لم تتركها تنظر إليه بقلب المحب ولكنها نظرت إليهما معا بقلب غل وحقد للأسف.. فكانت تريد تجنبها لتجنب قساوة تلك اللحظة الأليمة.. ومع ذلك كانت ريم دائما تدعو لها أن يعود قلبها لرشده فتعيش واقعا أفضل.. وكانت أحيانا تخبرها بعض العصفورات أو صديقتها زينب بما جد عن حالها من كآبة وأنها لا تستطيع نسيان ذلك السيد رغم مرور ثلاث سنوات فقد تقدم لخطبتها فلان وعلان ورفضت .. ذاك صائغ ذهب وذا مهندس وذاك وذاك وذاك.. ولكنها لم تفقد الأمل فيمن لم يلمح لها يوما بما يزرع الأمل... هكذا وانقطعت أخبار تفاطم ولم تعد ريم تسمع عنها شيئا خاصة وأن زينب التي كان بإمكانها أن تحصل على آخر الأنباء قد تزوجت واستقرت بمدينة بعيدة فقطعت عنها تفاطم كل أخبارها.. ما الذي ذكرك بتفاطم ياريم في هذه اللحظة بالذات؟! ريم لم تنس تفاطم بل تذكرها بين الفينة والأخرى وتدعو لها أن تكون بخير وكلما مرت بالحي الذي فيه بيتها استرجعت تلك اللحظة التي ادركت فيها ريم سبب الحال التي سارت عليه هذه الفتاة ... ريم ياريم أين عصافيرك الآن لتذكر لك الخبر العاجل؟! فتضيع ريم هذه المرة في ذكريات أخرى ولكن هذه الذكرى تخصها الآن: تذكرين ريم أيام الطفولة وأنت لم تقطفي بعد زهرة عمرك السادسة.. كنت تجلسين بآخر الصف.. فقد كانت المعلمة دائما تحب أن تجلس بجانبك في نهاية الحصة وهي امام مرآى دفاتركم وكان يروقك ذلك إلا أنك شعرت بالغيظ مرة وقد قدم تلميذ جديد الفصل فأقاموا واحدا من مكانه في أول الصف ليجلس هو كالأمير.. واحتقنت ريم أليس كذلك وحاولت ان تثيري شغبا في القسم بتمثيلك دور " غراندايزر" .. حتى تأتي إليك المعلمة فتوبخك وتعلنين سبب انقلابك وثورتك لكن المعلمة لم تفعل وكانت تضحك لما تقومين به وجاءت لتقبلك.. كم أنت .... يا ريم منذ صغرك؟!! |
رد: الحب في زمن كوفيد19
قصة ممتعة . بارك الله فيك أستاذة خولة
كثيرا ما فكرت في كتابة رواية لكني متردد |
رد: الحب في زمن كوفيد19
يفرحني اني امْتِعُكُم فعلا
|
رد: الحب في زمن كوفيد19
سردك ممتع ياخولة، لاتبخلي علينا بحكايا ريم وجودي
تحيتي وتقديري |
رد: الحب في زمن كوفيد19
اقتباس:
|
رد: الحب في زمن كوفيد19
راقني قصك يا خولة فيه جاذبية وعفوية في التعبير
واصلي لنستمتع |
رد: الحب في زمن كوفيد19
أنصحك يوسف لا تتردد أطلق العنان لقلمك ستجده طائعا.
وستلقى إن شاء الله التشجيع المحفز وأنا في انتظار حرفك |
رد: الحب في زمن كوفيد19
اقتباس:
كتبت إضافة أخرى للنص وعوض أن أسجلها محوتها(ابتسامة) ربما كتاباتي أيضا ألفت أن تكون بلا نهاية.. لكن مادامت هنا على نور الادب ومع نور الأحباب ستستمر بالتأكيد.. شكرا ليلى.. دمت بكل خير |
رد: الحب في زمن كوفيد19
فجأة .. يحدث لريم وكأنها لم تكن تتذكر شيئا.. هي الآن بمنزلها وزوجها يمسك بحاكوم التلفاز يقلب من هذه القناة إلى الأخرى.. ويمسك باليد الأخرى هاتفه يقلب صفحات الفايسبوك..وغيره مما يسمح به الهاتف الصغير الكبير فيناديها لتتوقف عن سرد ذكرياتها وتذهب إليه بعد ان أفزعها وأيقظها من عالمها الآخر:
_ عرفت آخر الأخبار؟ وريم تظل صامتة تنتظر هذا الخبر الأخير فهي تعرف أنها حتى لو لم تسأله: وما آخر الأخبار ؟ فإنه سيعلن الخبر الأخير وسيبدي رأيه فيه الذي سيعيده عشرات المرات إن لم نقل مئات أو أكثر، ويتابع الزوج كلامه: _ ستتوقف الدراسة بدءا من الاثنين، هذا ما وجدته في أخبار هسبريس وفي... وفي... وفي... _ لعلها إشاعات _ لا.. ليست كذلك اسمعي ما تقول الجريدة الرسمية وسأرسل لك بلاغا... _ يكفي أنك تتحدث، لا داعي للإرسال.. ويبدأ في سرد البلاغ لكنها تمل منه بسرعة تريد النقطة الأساس ولا حاجة لضياع الوقت بما لايفيد، فتسأل مقاطعة، كأنها بطريقة أخرى تقول: كفى، لا حاجة لمواصلة القراءة.. _ طيب،.. هل صدر هذا القرار لظهور ضحايا جدد استبدتهم كورونا..؟ _ لا.. الحال على ما هو عليه، ولكن فرنسا أصدرت أمس بلاغا كهذا.. وبما أننا أتباعها يجب أن نصدر البلاغ نفسه.. تغضب ريم ويشتد حنقها، لتكلم زوجها بحدة، نحن لسنا أتباعا لأحد إنما هي مصلحة الشعب ومصلحة الوطن، هي حياة أمة يا هذا... تتركه دون أن تعير استماعا لما ظلت شفتاه تتحركان به همسا أوكلاما أو حتى عويلا و صراخا وكأنها ليست بعالمه.. مع أنها صارت الآن تفكر في العالم أجمع.. وما آلت إليه بلادها؟ هل يمكن أن ينتشر هذا الوباء أكثر؟ أيستطيع امتصاص الأرواح في كل بقاع الأرض؟ يارب رحمتك.. ستتوقف الدراسة؟ والعمل؟ وكأن صلاح الدين الغماري على القناة الثانية المغربية يجيبها وهو يقدم نشرة الأخبار.. سيتم التدريس عن بعد.. وهذه الأيام ليست عطلة وإنما ستتواصل الدراسة وتستمر لكن عن بعد... _ تضحكها العبارة رغم ما أحسته من ألم؛ التدريس عن بعد؟!! إذن سيستمر هذا القبوع في البيت إلى أجل غير مسمى.. والتدريس عن بعد ما هو إلا وسيلة لإفحام بعض الأفواه.. وتشغيل أساتذة لا ينسون تلامذتهم.. والذين يدرسون في القرى البعيدة؟ بأعالي الجبال؟ في الصحاري؟... والذين هم في الأقسام الابتدائية الأولى.... سيدرسون بالوحي؟! ماهذا يامن سن هذا؟ كيف سيطبق التدريس عن بعد بعدل على كل أبناء الوطن..؟ على كل الأستاذ الذي يعتبر نفسه أبا لا يحب إلا أن يرى أبناءه وقد نجحوا بحياتهم.. وترجعها هذه الفكرة إلى أستاذها عادل لقد قال مرة: كل الناس يتسابقون حتى يكونوا أحسن من بعضهم البعض.. وكل واحد يريد أن يكون أفضل من الآخر إلا الوالدين والمعلم.. فالوالدان دائما يحبان رؤية الأبناء وقد حققوا نجاحا بحياتهم ويعيشون عيشا كريما راقيا فاضلا ...أحسن مما عاشه الآباء، والمعلم يحب أن يرى أبناءه التلاميذ متفوقين ناجحين ويأمل لقاءهم بعد الكبر وقد وصلوا لتحقيق مبتغياتهم فيفخر بهم قائلا "هذا ابني".. وإذن فإن المعلم يوجب على نفسه أية محاولة يمكن أن تساعده ليفتخر بابنه التلميذ دوما.. وعادت ريم إلى ماكانت تقوم به من أشغال شاقة في بيتها وعقلها لا ينفك عن التفكير في أحداث قديمة وجديدة.. ليرن هاتفها معلنا وصول رسالة (ميسانجرية) جديدة.. فمن المرسل؟ |
رد: الحب في زمن كوفيد19
لم تكن هذه الرسالة إلا من الصديق الجديد الذي صارت ريم تألف الحديث والتواصل معه، كانت منشغلة بعض الشيء بإعداد العشاء، ولكنها مع ذلك تسرق أجزاء من الثواني للرد على كل رسالة من رسائله، ومادام يشاركها نفس المهنة فقد كان كل حديثهما الليلة عن هذا المستجد؟ ما العمل؟ ما مصير المتعلمين الصغار؟ .... تناقشا في الأمر وقتا ثم أقفلت هاتفها وأكملت ريم ما كانت تقوم به من إعداد للعشاء، وأكمل هو حديثه مع خاله إذ كان ضيفا عنده بعد أن أحس بالملل والوحدة صباحا، فاستقل سيارته وراح يجوب بها الشوارع ، حتى وجد نفسه قد غادر مدينته والطريق تأخذه لمدينة أخرى في صباح هذا اليوم، وما عليه بعد أن أرسل له المدير رسالة تحض على ضرورة لقاء رسمه للغد حتى يتفق كل الأساتذة على ما يحصل إلا أن يعود أدراجه من حيث جاء، لكنه ارتأى ألا يعود ليلا وإنما سيستيقظ باكرا ويذهب، وهذا فعلا ما أخبر به ريم قبل نهاية حديثهما، وهذا حقا ما كان.
في مساء الغد أرسل لها يخبرها بما تم من اتفاق بين الأساتذة والمدير حول متم الموسم الدراسي للمدة التي فرض فيها الحجر الصحي، والمكوث بالمنازل حفاظا على سلامة الحياة.. ترىיִ كيف تعرفت ريم على هذا الصديق الذي صارت تحدثه يوميا أكثر مما تحدث نفسها..؟ ولم فضلت حديثه معها على حديثها مع نفسها؟ لابد أن ريم قد وجدت في التواصل مع هذا الشخص شيئا كانت تبحث عنه في حديثها الدائم مع نفسها... هما لم يلتقيا قط، لكن الفايسبوك كان موطن اللقاء؛ حيث ولجت مؤخرا صفحة فايسبوكية تهتم بالقراءة والكتاب وتشجع على ذلك، كانت في كل مرة تتصفح هذه المجموعة الجديدة فتمر مرور الكرام على المنشورات التي لا تروقها، وتضغط على رموز الإعجاب كلما أحبت نصا أو كلمات ما، وقد تعلق أحيانا، أما علي فهو أحد أعضاء الصفحة وهو من بين الأشخاص أيضا الذين كانت أحيانا تمر على كتاباتهم دون أن تضع تعليقا أو علامة إعجاب خاصة فيما يتعلق بما يسميه شعرا أو قصيدة النثر؛ ليس لأنها لا تحب الشعر، بل لأنها كهذه التي تسرد لكم القصة؛ تعشق الشعر بالوجدان وماهي بشاعرة حتى تصدر عليه أحكاما، لكن تذوقها لجمالية النص هو ما يمكنها من أن تعجب به أم لا، وكانت بإحساس لا تدري مصدره ترى أن علي هذا مغرورا، لا تذكر إن كانت قد علقت على نص له قبل ذاك الذي كتبه شوقا لابنه توفيق المهاجر إلى بلاد غريبة من أجل متابعة الدراسة، لم تجد في النص شاعرية تهز أوتار الوجدان، ولكن الشعور بالكلمات كان مؤثرا، فأن يعبر أب عن شوقه لابنه بكل هذا الحب والألم أمر يهز المشاعر قبل الإيقاع، مما جعلها تسرع بالضغط على رمز القلب معبرة عن حبها للنص ، وبكتابة تعليق تعبر به عن إعجابها وبأنه ذكرها بقصيدة للشاعر نزار قباني قائلة: " يا سيدي رائعة كلماتك، جعلتني أتذكر لحظة حصولي على شهادة الباك، وكنت أحب أن أتابع دراستي بجامعة في مدينة أخرى، ولكن أبي قال لي: لن أتمكن من فراقك.. ولن أقبل أن تبتعدي بشبر واحد عن هذه المدينة، حيثما أكون أحبك معي.. ووجدت في كلماتك سيدي نزار قباني وهو يرسل قصيدته" إلى الأمير الدمشقي توفيق قباني " إذ يقول: مكسرة كجفون أبيك هي الكلمات.. ومقصوصة، كجناح أبيك، هي المفردات.. آسفة أستاذ إن كان الموضوع مختلفا ولكن الأب يبدو واحدا" حينها وبسرعة تلقت ردا منه يشكرها على تعليقها البهي: " سعيد بهذا التعليق منك ريم، سرتني كلماتك؛ هو فعلا الأب واحد، ولا أخفيك ألمي لفراق ابني الذي لم أتمكن من رؤيته منذ مدة، فعلاقتي به تفوق علاقة الأب بابنه" أعجبها رده حينها، وبدون أن تحس وجدت نفسها ترد على كلماته كلها بعد ذلك، ويعلق هو بإعجاب على ردها عليه. كانت تجد متعة في التعليق على كلماته واستقبال رده بعد ذلك، والأعضاء الآخرون هم من يرسمون رموز الإعجاب بكلماتهم، وأحيانا يشاركونهم التعليقات بنفس الخانة، فلا تمل ريم من الرد على كل منهم... استأنست ريم بهذه الصفحة، وصارت تجدها مصدر بهجة بعدما تنهي عملها بتلك المدرسة الخصوصية التي تنهك قواها اليوم كله وتستنزف منها الجهد والقوة.. وفي مرة، انتبهت إلى أن اسم علي حامد موجود بخانة الرسائل، يبدو أنه بعث لها واحدة، لكنها انشغلت بأشياء أخرى فغاب عنها أن تقرأ الرسالة الواردة... |
رد: الحب في زمن كوفيد19
نفس طويل في السرد وتشويق في الحكي، وكأنني أما شاشة أتفرج على أحد المسلسلات؛ التي تقطع لذة الفرجة عمدا في لقطة مهمة؛ لتترك المتفرج مسائلا المخرج عن فكرته وطريقة إخراجه لأحداث القصة في الحلقة الموالية.
خولة أمتعتيني وذكرتيني بأيام الفراغ، أنتظر نص الرسالة وما يترتب عنها من أثر في نفس ريم مع باقي الأحداث. |
رد: الحب في زمن كوفيد19
اقتباس:
متابعة ممتعة |
رد: الحب في زمن كوفيد19
أسجل مروري وسأعود ..
تحيتي إلى حين العودة .. |
رد: الحب في زمن كوفيد19
اقتباس:
|
رد: الحب في زمن كوفيد19
نسيت ريم أمر الرسالة وكانت مع فتحها للفايسبوك لا تتذكرها أبدا، تتصفح ما تريد، تكتب ما شاءت أن تشارك به، وتضع كالعادة رموزا للإعجاب وبعض التعليقات، ولم تنتبه إلى أن علي يكاد يكون تواجده نادرا جدا في المشاركات خلال هذه الأيام، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بكلمات لها هي، وبقي الحال على ما هو عليه مدة تتجاوز خمسة عشر يوما حتى كتبت ريم ما يلي:
" لقد حاولت كتابة قصيدة جزل ؛ يسعدني أن أتلقى آراءكم حول كلماتها: وْقْفْتْ مقابلاكْ بْعْقْلي حايْر نْسْأْلْكْ شْحالْ مْخْبّْعْ مْنْ سْرايرْ؟ شحال فْعْماقْكْ مْنْ كْنُوزْ وْ جْوَاهْر؟ شحال وقف بحالي قبالك بكل همو وسرارو حكالك وشكون يجمع بداخلو بحالك؟ عْلَا داكْشِّي موجك هَاجْ ! علا داكشي عْلا ومَاجْ مْزِييُّنِين ثورتك كِيف التّاجْ عليك الهم زايد كْثْرْ وْاللّي ما حْسّْ بيكْ وْ قَالْ: انت كثير متكبر متجبّرْ راه يا الحبيب هو اللي خْسْرْ خْسْرْ راحة ما يْلْقاها عندكْ إلا اللّي يْتْأْمّْلْ جزرك ومدّكْ لْحْدّْ دْيالْكْ؟ ماعرفتْ حدّكْ ! يا سْعْداتي واناواقفَه قْدّامْكْ ! خُوذْني يا بْحْرْ.. خوذني لْعْنْدْكْ حْمْلْنِي عْلى بساطْ امواجْكْ هاجْر بيا خْليني نْغُوص فْعْماقْكْ ونْطْهّْرْ روحي فيك خلّيني وادّيني يا بحر وْمْعاكْ خليني هكذا كان ما اعتبرته ريم نصا شبيها بالزجل، ومع ذلك تلقت رموز إعجاب كثيرة، وبعض التعليقات: " نص جميل _ إبداع رائع _ إحساس جميل وتعبير أجمل...." ، وغير ذلك من الكلمات والعبارات وهي ترد بفرحة على كل التعليقات، لتلاحظ فجأة تعليق " علي حامد" : "ما أجمل هذه الكلمات ريم ! إحساس مرهف وأحرف متوهجة بعشق الطبيعة.. أبدعت ريم في حديثك مع البحر ذلك الأفق الواسع الذي يجرنا إلى عالم آخر ويريح أنفسنا" هنا تذكرت ريم تلك الرسالة، ولذلك كان ردها على تعليقه سريعا: "شكرا أستاذ علي". وعادت لفتح صندوق الرسائل الذي غالبا مالا تعيره اهتماما، فانتبهت لوجود مجموعة من الرسائل التي لم تقرأها، من بينها رسالة علي حامد؛ بضغطة زر.. ها هي تقرأ الرسالة: " مرحبا ريم؛ أيتها العزيزة المحترمة، أرى أنه من واجبي أن أوجه لك رسالة شكر خاص بك.. تعبيرا عن فرحتي بتجاوبك مع ما أكتبه من نصوص.. فشكرا لك" سرتها رسالته، فأن يكتب لها محبوب جماهير صفحة: " اعشق كتابا.. اكتب حرفا.. ضع بصمتك" دون غيره من الأعضاء فهذا يعني أنها حقا تركت بصمتها.. فكيف سترد عليه..؟ طبعا يجب أن ترد؛ احتراما لهذا الشخص الذي يظهر أنه قدر قيمة كتاباتها، ورآها أهلا لهذا الشكر.... وبدأت تضغط على الأزرار لترسم الحروف فتشكل الكلمات التي سترد بها على علي: " سيدي أنت الأحق بالشكر، وقد أسعدتني رسالتك... أعتذر لك عن تأخري في الرد عنك؛ فلم أنتبه إلى رسالتك إلا الآن." وما إن ضغطت على زر الإرسال حتى انتبهت إلى أنه يكتب لها رسالة، فكأنه كان ينتظر تلك الرسالة وقد قرأها سريعا، وهاهو يستعد للرد على رسالتها الآن.. |
رد: الحب في زمن كوفيد19
سرد باذخ ومشوق . ونفس طويل لا يملكه إلا من كانت ملكته اللغوية بهذا المستوى الرفيع .
أهنئك خولة على ما تنثرينه هنا وهناك من درر . دمت بمودة تليق بك |
رد: الحب في زمن كوفيد19
اقتباس:
متابعة شيقة |
رد: الحب في زمن كوفيد19
"أسعدني ردك على الرسالة رغم تأخره سيدتي ريم " كان هذا جواب علي في الحين، لم تعرف بماذا يمكن هي أن تقابل هذا الرد لتتلقى منه مباشرة كلمات أخرى:
" العزيزة ريم؛ تعجبني كتاباتك وقد راقني جدا نصك الزجلي الأخير، لذلك إن سمحت أرجو أن تقبلي أن نتواصل هنا بين الفينة والأخرى؛ متأكد أننا سنتبادل معلومات كثيرة وخبرات ومعارف " لم ترد ريم حينها على رسالته، فكأنها تفاجأت من هذه الكلمات التي جاءتها على حين غرة.. لم تكن لتنتظر مثلها يوما، أهي تلك المدرسة البسيطة التي تعمل في مؤسسة خصوصية تلقن لأطفال صغار بعض الدروس الأولية ينتظر منها أحد أن تبادله المعلومات؟ وأي المعارف أو الخبرات يمكن أن تفيده بها هي؟ ظن أنها لم تقرأ الرسالة بعد فهي تعتمد طاقية الإخفاء .. وإذن فعلِي سيظل بانتظار رد ريم على رسالته الأخيرة.. وهي ستأخذ برهة للتفكير فيما يمكن أن يكون من رد. لباقته في الكلام قد أعجبتها، لكن أيكون صادقا أم أن هدفه من هذه الرسالة خفي كظهورها بالفايسبوك؟ أغلقت حسابها الفايسبوكي وعادت لأسرتها.. هي الآن تستعد للخروج من بيت أهل زوجها بعد أن كانت في ضيافتهم للغذاء، عادت وزوجها للبيت.. وانشغلت في بعض الترتيبات. ملت الجلوس بهذا البيت فهي لا تعتبر التلفاز مؤنسا، ولكن زوجها يطالبها دائما بأن تجلس جواره لمشاهدة فيلم مصري أو مغربي أو حتى برامج خاصة بالإجرام كمداولة أو وقائع أو مسرح الجريمة بعد تحميلها من " النت" يستمتع ويضحك كثيرا لمثل هذه البرامج بينما هذه السيدة لا يحس بها أحد غيري، وكأنها أنا عند مصادفتي لمثل هذه البرامج، لا أراني إلا والدموع شلال من عيني وفرائصي ترتعد، وأسناني تصطك، وإن حدث ووضعت رأسي على الوسادة كي أنام لا تغمض عيناي إلا بعد توسل ودعاء رب الأنام.. ثم بعد أول إغفاءة أصرخ باكية وأستيقظ.. كذلك أنت ريم؛ أليس صحيحا؟ ألم أقل لك ألا أحد سيحس بك غيري؟ ريم فلتصبري على جنون هذا الرجل الذي يضحك عند رؤية القتال والدماء، ويفرح إن حدث مشكل أو خصام.. هو هكذا فقط أمام شاشة التلفاز، لا تخشي إنه إنسان طيب مع ذلك.. وها هو اليوم يعدك بأن يجنبك مشاهدة مثل هذه البرامج، وألا يخبرك بما يسمعه أو يقرأه من كوارث غير طبعية.. تريدين قراءة كتاب ريم؟ تطمحين بأن تحصلي على دواوين شعرية فتستمتعين بقراءتها كاملة...؟ حسنا ريم.. ذاك زوجك فلتطلبي منه أنت ذلك.. ودون أن تسأله، تحاول في بعض وقت فراغها أن تأخذ كتابا أو أي شيء يقرأ، وما إن يراها حتى يتهمها بأنها تفضل الكتب عليه، وأنها تتعمد عدم مجالسته؛ وأنها تكره أن تكون بجانبه، وأنها... وأنها... وأنها.... فتبكي خلسة وحينا أمامه تبرق دمعة، تقبل ما بيديها من أوراق أو كتاب وتخفيها خشية منه عليها.. احمدي الله ريم أنك قرأت بعض روايات نجيب محفوظ ومسرحيات توفيق الحكيم وشيئا من كتابات Guy de Maupassant وأنت ما تزالين ريما وفراشة وحمامة... ببيت والديك (يتبع) |
رد: الحب في زمن كوفيد19
================================================== =====
صاحبنا زوج ريم دائم الانشغال بهاتفه الخلوي بين يديه ( ميسانجر؛ واتساب؛ فايسبوك؛....) وبنفس الوقت حاكوم التلفاز باليد التي لا تمسك الهاتف؛ تتبادل اليمنى مع اليسرى الأدوار، بل وأحيانا قد يضيف أمامه آلة ثالثة هي الحاسوب، أي نوع من الأعين لديه، حتى تكون أمامه كل هذه الأشعة المؤذية ولا تؤذي عينيه ولا تثقل المخ والبصلة السيسائية...؟ ومع ذلك فلسانه لا ينفك عن اللغو وكثرة الكلام.. وإن حدث فأردت أن تكلمه في موضوع ما كانت تلك الطامة الكبرى التي لن تتخلص منها بسهولة... وبصوت مرتفع أيضا يعلو حتى ترتج له الجدران وتصرخ منه الآذان... أما "ريم" فلأن مشاهدة الأفلام يوميا تزعجها وتجعلها أكثر عصبية تحاول أن ترضيه فتجلس بجانبه أمام تلك الآلة الجامدة على الحائط والتي لا تصمت مع ذلك إلا إذا صمت صاحبها بنوم أو غياب عن البيت، ريم تحاول إرضاءه وبنفس الوقت إرضاء ذاتها ورغباتها، في أن تنغمس بكتاب ، لكن زوجها يثور غاضبا: _ أستظل الرواية بين يديك طيلة الليل؟ _ لم أحملها إلا قبل ربع ساعة وربما أقل؛ .... لم أقرأ إلا ثلاثا وعشرين صفحة _ وهل تريدين قراءتها كاملة بهذه الليلة؟ _ لم لا؟ .. دعني من فضلك بعض الوقت فقط.. ولو أني تمنيت لو أستطيع إكمالها الآن حقا ثم يرد مستهزئا: _ أكمليها وخذي أخرى بعدها.. فترد باسمة: يا ليتني أستطيع ذلك.. ويزداد الأمر بالنسبة إليه سوءا، فينتزع من بين يديها الرواية بقوة وعنف، ثم بدموع حبيسة في عينيها، تطلب منه أن يعيد لها الرواية لا لتقرأها لكن لتضعها هي في مكانها خوفا من أن يصب عليها غضبه فترمى هنا أو هناك إن لم تصبح أوراقها مرمية بالقمامة بعد تمزيقها.. يرمي بالرواية الضحية لها، فتقبلها كأنها تبوس مصحفا.. ،وتتجنبه حينها. ينتج شيء من النزاع، تفضل الصمت كعادتها، وترى أن النوم أو على الأقل إغماض عينيها سيجعلها تتخلص من رؤيته وسماع صوته ولو لحين، لكنه لا يسكت... ويرجوها أن تسامحها، ثم يخبرها أنه فقط كان يريدها أن تجالسه وتتابع معه الفيلم الذي حمله من اليوتيوب ليشاهداه معا.. يتوسل إليها لتقوم.. وأخيرا تفعل بنفس غير راضية، وقلب حزين... تجلس معه ثم تقول: _ ألم نشاهد هذا الفيلم في السنة الماضية عندما كنا في "....." وبالإمارة شاهدناه ليلا وكنت قد أعددت المقرونة للعشاء؟ _ لا أذكر ثم تسرد له أحداث الفيلم ونهايته.. فيقول: _ إن كنت لا تريدينه غيرته. ويضع فيلما آخر، تبدأ بمشاهدته، يسألها إن سبق وتابعاه معا، فتقول: لا. لكنها بمجرد ما تشاهد بعض لقطاته الأولى حتى يجدها تقول له: هذا ما سيحصل وهذا ما سيقع وهذا ما سيكون... _ أرأيته وحدك من قبل؟ _ لا.. _ ولكنك تعرفين أحداثه _ كل قصص هذه الأفلام متشابهة.. ألفت هذه الأحداث. _ ولكن القصة جميلة والموضوع جميل.. المصريون لديهم جرأة في مناقشة مواضيع لا نتناولها نحن المغاربة مثلا.. جرأة سياسية، ومناقشة طابوهات مختلفة.. ومع ذلك أراك كأنك كاتبة السيناريو أو المخرج.. _ ممكن.. أرجو فقط أن تخفض من صوت التلفاز الآن، فالوقت غير مناسب لهذا التلوث الضجيجي المزعج. |
رد: الحب في زمن كوفيد19
روتين هذه الحياة، وهذا النمط الممل بالحياة الزوجية التي وجدت ريم نفسها بها فجأة، جعلها تحاول دائما البحث عن السعادة فلا تجدها، وبذلك فهي تصطنعها وتمثلها على نفسها وعلى زوجها، وتحاول أيضا إقناع كل من يعرفها بأنها دائما بخير في عشها؛ لا..هي لم تعتبره عشا ؛ لو كان عشا لاستطاعت أن تخرج منه ثم تعود إليه وهي من ترغب في العودة طائرة محلقة بسعادة، ولكنه قفص سجنت بين جدرانه، وإن كان القفص له قضبان يمكن من خلالها أن ترى من خارجها ويراك ، فإن الجدران تمنعها من ذلك..
بهذه الليلة أيضا؛ عليها أن تجلس بجانب زوجها بعد تناول العشاء، لكنها طبعا لن تتمكن كما أيام سبقت منذ زواجهما من أن تحمل رواية بين يديها إلا إذا خطفت غفلة منه، لم يكن بالبيت، أو هي لم تكن بالبيت... ولذلك صارت هي أيضا تحمل بين يديها ذلك الهاتف الذي ما أحبت ألفته من قبل لعلها الآن تجد فيه مؤنسا، هكذا يوما عن يوما، أصبحت تواظب هي الأخرى على الفايسبوك ، وصارت من أعضاء مجموعة من صفحاته ، وعضوة في مجموعات بالواتساب " هذه تهتم بالفن، وأخرى بالشعر، وثالثة تخص النساء، ورابعة للطرائف والنوادر ، وأخرى للكتابة والكتاب، وسادسة وسابعة...... الغريب أن ريم حين أصبحت تجلس بجانب زوجها وهي تحمل الهاتف لم يكن يغار من الهاتف كما يغار من الكتاب، أ لأنه يعرف أنها لا تبالي بالهاتف بينما هي شغوفة بالورق؟ لكنها أصبحت أيضا لا تكاد تبعد الهاتف عنها.. ريم يا ريم هكذا ظللت من صفحة لصفحة بوسائل التواصل الاجتماعية هذه حتى وجدت نفسك اليوم بجانب زوجك أمام التلفاز وكلاكما بين يديه هاتفه وأنت تخبرينه بأن شخصا من أعضاء صفحة فايسبوكية تنتسبين إليها قد أرسل إليك طلب صداقة... تجلسين بجوار زوجك الذي لم يحرك ساكنا، ها هو منشغل بهاتفه وتلفازه كالعادة؛ ومع ذلك ما زلت تتابعين كلامك: _ اسمه علي حامد، لديه ابن يدرس الصيدلة بروسيا.. أتحدث إليه الآن على الخاص.. يريد أن يتعرف علي... فجأة تصمت ريم مادام زوجها لم تسمع منه ردا على ما قالت له، وتنشغل بمواصلة الحديث مع علي بعد أن أخبرته بأنها موافقة على صداقته ومحادثته على الخاص في الليلة الماضية، لتفتح عينيها صباحا على رسالة منه كتب عليها: سيدتي؛ يسرني هذا التواصل الجميل، الذي قبلت به ، لقد أسعدتني حقا ..أشكرك وما دمت تحبين البحر فاقبلي مني هذه الصورة هدية مني إليك ومعها باقة ورد عربون شكر وفرح بهذا التواصل... يا للابتسامة التي ارتسمت على شفتيك ريم وأنت تهمسين بكلمات علي وتتأملين البحر كأنك واقفة أمامه حقا ممسكة بباقة الورد.. والآن أنت تجلسين بجانب زوجك، تفتحين الميسانجر الذي لم تعتادي فتحه من قبل، فتجدين رسالة من علي يسألك أن تعرفيه بنفسك؛ فتخبري زوجك بالأمر، ولا يهتم، ثم بعد حين يسألك أعرفته بنفسك وتردين : نعم فعلت، بعد أن كتبت له: _ يا سيدي؛ أنا سيدة متزوجة منذ ما يقرب تسع سنوات وعمري يدنو من الخامسة والثلاثين، وأنا كذلك أم إبراهيم... أعمل كمدرسة في مؤسسة خصوصية، ألقن كل مرة مادة حسب الطلب (ههههه) وحسب المؤسسة التي أشتغل فيها لأني في كل مرة أهرب من ذل وإهانة أصحاب المؤسسة أو المسؤولين لمؤسسة أخرى (ههههه) هل من سؤال آخر؟ وأنت سيدي من تكون؟ ثم تغلقين الفايس دون أن تنتظري ردا من علي حامد.. |
رد: الحب في زمن كوفيد19
لازلت أتابع بشغف هذا الحرف المدرار
شكرا لك عزيزتي خولة |
رد: الحب في زمن كوفيد19
اقتباس:
تجعلينني أجتهد أكثر.. آمل أن أكون عند حسن الظن بكل حين |
رد: الحب في زمن كوفيد19
وأصبح النهار مشرقا، استيقظت ريم، وأيقظت صغيرها ابراهيم الذي كان نائما بجانبها، بعد أن هيأت الفطور وأعدت حالها للذهاب إلى العمل، حيث يكاد صغيرها لا يفارقها فقد سجلته بداية هذا الموسم كعادتها في المؤسسة التي تعمل بها مدرسة ..
هاهما قد وصلا الآن، قامت هي بواجب الحصص الصباحية الأولى، وحان وقت الاستراحة، ليس دورها اليوم في حراسة التلاميذ بالساحة، ولذلك فهي تفضل البقاء داخل القاعة، تأخذ كتابا لتستمتع به وهي تتلذذ بقطع شوكولاتة أو النقل.. وتفتح النت قبل دق الجرس معلنا نهاية فترة الاستراحة، فتتلقى رسالة حامد: _ "أنا يا ريم مدرس أيضا ولكني أشتغل منذ سنوات في التعليم العمومي أدرس مادة التربية الاسلامية بالسلك الثانوي.. وكما علمت من قصيدتي السابقة لدي ابن واحد هو توفيق يدرس بروسيا ؛ يحب أن تكون له صيدليته الخاصة مستقبلا، وابنة وحيدة هي مدللة أبيها؛ كانت تحب أن تتابع دراستها أيضا بعيدا عني لكني لم أتحمل ذلك فمنعتها، الآن هي تدرس بكلية العلوم سنة أولى شعبة الرياضيات أما عن هواياتي فأنا شغوف بكل ما هو فن أدبي عربي.." كان علي ينتظر ردا من ريم حين كتب لها الجواب عن سؤالها ظنا منه أنها ستواصل الحديث، لكنها لم تفعل، أغلق الميسانجر ثم فتحه عله يجد جوابا، ولم يجد، فأعاد إغلاقه وفجرا عندما استيقظ فتحه وتركه مفتوحا آملا أن يسمع دبدباته معلنة وصول رسالتها، وقد عاد لينام ريثما يحين وقت خروجه للعمل ثم استفاق ولم يتحقق الأمل، حتى قرأت هي رسالته وقت استراحتها وإذا بها تكتب له: _ تشرفنا سيدي _ انتظرت ردك على الرسالة أمس، كنت أظن أنك ستنتظرين جواب سؤالك؛ مع أني لم أتأخر في الرد. _ آسفة أستاذي الكريم، ولكني لا آلف وسائل التواصل الحديثة هذه؛ فمثلما أفتحها سريعا أغلقها سريعا أيضا... وبإمكانك أن تكتب أية رسالة شئت؛ أو تترك أي سؤال ، فأجيبك أنا كلما فتحت... _ ريم.. أنا أحب أن نتواصل بالوقت نفسه، حتى يكون التواصل فعالا، وقد أسألك مثلا عن شيء أكون في حاجة إلى جوابه بنفس اللحظة.. _ حاضر سيدي؛ لكنك ستسمح لي الآن بالمغادرة، لدي حصة.. ومن جديد، تجعل ريم كلمتها آخر ما تراه، وتغلق الميسانجر، تضع الهاتف جانبا فوق المكتب بوضعيته الصامته كعادتها وهي تغوص في حب صغارها، تلقنهم ما أملته عليها المناهج الدراسية، وتسمح للوقت بأن يمنحها فرصة للابتعاد عن هذه المناهج إلى تلقي دروس أخرى لا يُمل منها.. فتشعر بانقضاء الوقت سريعا. صحيح أن الأجر الذي تكسبه في نهاية الشهر وتتأخر الإدارة، فلا تمنحه لها إلا عند نهاية الأسبوع الأول من الشهر الموالي لا يكفيها لكثير من مستلزمات الحياة، خاصة وأنها تعتبر أن والديها لهم حق من تلك الماهية البسيطة التي فرضت على نفسها أن تضع لهما قدرا معينا منها كل شهر ما دامت تحصل عليها، لكنها تنسى كل ضغوطات الحياة، وكل قساوة تعيشها وهي مع هؤلاء الأبرياء الصغار الذين ما تزال أعينهم المتوهجة تعرف معنى الحب الحقيقي..، الذين ما يزال من حقهم أن يرددوا : " تمتع بالطفولة.. تمتع بالحياة.. فموعد الرجولة.. يأتي قبل الأوان " حتى إذا ما خرجت من القسم، وابتعدت عن المتمتعين بطفولتهم صارت كتلك الوردة الحمراء التي تنكمش كلما حل الليل.. |
رد: الحب في زمن كوفيد19
أتابع بصمت حتى النهاية ..
|
رد: الحب في زمن كوفيد19
اقتباس:
|
رد: الحب في زمن كوفيد19
اقتباس:
ومجموعة لا بأس بها من طفايات الحريق ، واسعافات اولية للإحتياط (ابتسامة ) |
رد: الحب في زمن كوفيد19
اقتباس:
يالله اشرعي في العمل |
رد: الحب في زمن كوفيد19
اقتباس:
|
رد: الحب في زمن كوفيد19
هي الآن ببيتها، تلعب مع صغيرها، وتغني معه بأعلى صوتهما فيضحك، وتضحك أيضا، يرددان معا وهما يرقصان على إيقاع الكلمات وموسيقاها التي يستشعرانها بحب:
Sur le pont d’Avignon On y danse .. on y danse Sur le pont d’Avignon On y danse tous en rond وقبل أن يتابعا معا الغناء والرقص، ويصلا معا إلى أحب لقطة يمثلانها وهما يرددان: Les belles dames font comme ca Et puis encore comme ca Les beaux messieurs font comme ca Et puis encore comme ca…. سيدخل الزوج، ودون أي كلام أو سلام سيسأل إن جهز الطعام، وستجيبه أن ليس بعد، فقد انشغلت بأمور أخرى، ومع ذلك فلم يتبق إلا وقت قليل ويجهز ؛لكنها مع ذلك تقول له: _ على الأقل سلم أولا.. إن لم يكن علي فعلى الصغير.. وتبادر هي بالسلام فتمنحه قبلة، ويعتذر هو متعللا بأن الجوع أنساه حتى نفسه؛ يقبل جبينها: _ حتى لا تقلقي؛ أهبك قبلتك المفضلة.. على الجبين كالعروس على هودجها دائما.. تبتسم وباستغراب ترد وفي حركة مستمرة بالمطبخ: _ حتى لا أقلق؟ تهبني؟ ... يا سيدي رغما عنك تقبيلي.. _ المهم أريد أن آكل الآن.. _ ساعدني إذن.. _ أنا لم آت من العمل إلا الآن، ثم إني مرهق جدا. _ وأنا أيضا جئت من العمل مباشرة إلى هنا، انظر حتى ملابسي لم أبدلها بعد.. لكن هو كعادته، يبدل ثيابه، ودون أن يغسل يديه أو ينظف حاله، يجلس بانتظار المائدة.. الطفل ينظر بتأمل إلى كل ما دار بين أمه وأبيه، إلى ملامحهما معا أثناء الحديث، إلى رد فعل كل منهما، ..وهو يمسك سيارته الصغيرة الآلية، وبعد أن جلس والده، طلب منه أن يلعب معه قليلا، لكنه رد عليه بلا مبالاة ودون حتى أن ينظر إليه، فهو مشغول بالتلفاز ينتقل من قناة إلى أخرى كأنه سيختار كتابا لقراءته ويقلب عدد صفحاته ويستطلع بعض كلمات نهاية الكتاب ووسطه... _ متعب، العب وحدك.. ألا تكفيك ألعابك؟ تسمع الأم ذلك؛ فتزداد حنقا على هذا الرجل، أ حتى مع ابنه لا يعرف كيف يتعامل، يا إلهي كيف يمكن أن يكون هذا أستاذا أمام من يجب تأهيلهم لمستقبل مشرق؟.. تنادي ابنها: _ ابراهيم؛ حبيبي؛ اغسل يديك وتعال.. ستساعدني لتضع بعض الصحون على المائدة.. هيا بسرعة. ويغسل الصغير يديه، و يأتي إلى أمه، تنحني هي على ركبتيها، تقبله وتضمه إليها، ثم تمسك ذراعيه وتقول بصوت شبه منخفض: _ أبوك كعادته سيتغذى وينام، و أنا وأنت سنصلي معا ثم نلعب، ونغني ونقرأ قصة ما رأيك؟ يعانق أمه ويهز رأسه موافقا.. وبصوت أعلى تقول بعد أن وقفت لإكمال مهمتها بالمطبخ: _ هيا يا عزيزي؛ خذ الخبز بسرعة إلى المائدة.. _ عبد الرحيييييم (منادية زوجها) ، ارحمنا واغسل يديك لتأكل.. وجبة الغذاء مر وقتها .. عبد الرحيم بغرفة النوم وقد غط في نوم عميق، ابراهيم لم ينتظر كي يلعب مع أمه .. بل نام وهو يجلس أمامها على السجاد أثناء صلاتها، أنهت فريضتها، وحملت صغيرها إلى سريره ثم اتكأت بجانبه ممسكة هاتفها، وتفتح ريم صفحتها الفايسبوكية؛ تجد ردا من علي حامد على الميسانجر: _ لك ذلك؛ كان الله في عونك. لا ترد، تنتقل إلى الصفحة التي كانت سببا لتواصلها مع علي، تقرأ بعض التدوينات والكتابات، تعجبها كلمات وعبارات وأخرى لا تسترعي اهتمامها.. تكتب بعض التعليقات، فتخطر ببالها كلمات تريد أن تشارك بها: " مجرد بسمة.. مجرد همسة.. كلمة حب صادقة، قد تحمل في طياتها للآخر سعادة أبدية، فلتبتسم" " غن للبحر.. غن للحياة.. غن لنفسك التواقة ناشدا أملا ؛ راجيا خيرا؛ مستقبلا مفاجآت جديدة سعيدة تزكو بها الروح" كلماتها هذه كانت بالنسبة لعلي إعلانا على أنها حاضرة ويمكن أن يتم التواصل بينهما، لكنه قبل ذلك رسم بعض الكلمات المزخرفة والملونة بإتقان كتعليق على كلماتها التي أدخلت عليه الفرحة كما يزعم: "_ ريم.. مجرد قراءة كلماتك هذه تجعلنا نبتسم ونقف أمام البحر مجددا ونغني مستقبلين إشراقات صباحات جديدة" وعلى الميسانجر: _ مرحبا ريم _ أهلا علي _ كيف حالك؟ كيف قضيت يومك بالعمل؟ ترد عليه متفاجئة مستغربة، ألم يكن هو كذلك بالعمل؟ ألم يأت هو أيضا متعبا ويريد أن ينام؟... ياااااه! منذ متى لم يسألها عبد الرحيم عن حالها.. ؟ منذ متى لم ينتبه إلى ما إذا كانت متعبة إلا إن شكت هي نفسها بعد صبر لم ينتبه إليه... ثم تنبه نفسها إلى أنها أحيانا هي لا تسمح له بذلك إذ تتجاهل كثرة لغوه، مع أنه لا ينس أن يسأل عن آخر الأخبار والمستجدات كأنه صحفي نشيط يستعد لنقل نشرة الأخبار، وفعلا هو كذلك فلا يغيب عن أهله حركة علم بها وقعت في بيته أو في بيت أهل زوجه.. انسي الأمر ريم الآن ، لعلك تجدين راحة هنا، و تابعي حديثك مع السيد علي. _ بخير.. الحمد لله؛ شكرا لك.. وأنت؛ كيف قضيت يومك؟ (يتبع) |
رد: الحب في زمن كوفيد19
مرورا خفيفا وسأعود أشوف حكاية ريم وعلي أخبرتها إيه ..
|
رد: الحب في زمن كوفيد19
_ أنا بخير... قضيت يومي ممتعا مع تلامذتي.. لا أحس بالوقت أبدا وأنا معهم بالقسم..
_ أنا أيضا كذلك حين أكون بالقسم.. أحيانا أجد أن الوقت مر سريعا وكأن شيئا ما يتعمد أن يجعله ضيقا وقصيرا بينما حين نشعر بالملل في ركن آخر نجد الوقت يمتد ويطول وكأن الزمان توقف لحظات ولحظات.. _ ولم ستشعر ريم بالملل؟ _ من الضروري أن يشعر المرء أحيانا بالملل أو باليأس.. برغبة في البكاء.. أو في أن يظل وحيدا لفترة.. _ ولكني لا أحب ريم على هذه الحال.. لم أعهدك هكذا ريم.. _ كيف يا سيدي؟ _ أتخيلك فتاة حيوية يملأها النشاط.. _ أنا كذلك ربما حين أكون مرتاحة أستاذ علي _ انت كذلك يجب ان تظلي دائما كفراشة تحط على الزهور.. _ أضحكتني أستاذ علي.. شكرا لك _ ما دمت ضحكت فستسمحين لي أن تكوني فراشتي أو على الأقل فراشة كلماتي.. _ هيهيهيهي.. مصمم على إضحاكي.. وكيف ذلك سيد علي.. أحط على الكلمات فأمتصها وتغيب أحرفها هيهيهيهي؟!! _ لا بل تزيديها جمالا وبهاء ورونقا وأنت تحطين عليها بألوانك الزاهية ومرحك وجناحيك الملونتين مرحا وفرحا.. _ ههههه .. إن كان كذلك فسأحط على كلماتك.. _ وأنا؟! _ انت ماذا؟ _ تكونين ريمي وظبيتي؟! _ تذكرني أستاذ علي بالمسلسل الكرتوني الجميل " ريمي" .. عرفته؟ _ نعم، تابعته مع ابنتي.. _ إذن فأنا ابنتك ريمي .. _ وظبيتي؟ _وظبيتك أيضا.. بشرط.. _ ما هو؟ _ أن تزيد كلماتك جمالا حقا وتزهو نصوصك...... . _ طبعا ستزيد بهاء وقد احتللتها ريمي |
رد: الحب في زمن كوفيد19
تتوقف ريم بعد ذلك عن مواصلة الحديث، تظل تلعب بهاتفها.. تقلبه من صفحة فايسبوكية إلى واتساب في ملل، وتقرر أخيرا أن تر بعض الصور بالهاتف لتؤرخ الذكريات.. فهاهي مع إبراهيم في حديقة ألعاب، وها هي مع زوجها بالبيضاء وهما يجلسان بالمقهى.. تذكر أنها بهذه الصورة قد أقنعها بالجلوس على كرسي من الكراسي الموضوعة بالرصيف، مع أنها تكره ذلك، متعللا بأنه لا يعرف البيضاء كثيرا وأنهما قد يتوهان في الطريق إن ظل يبحث لها عن مقهى به فضاء يمنع فيه التدخين، وهو لا يستطيع الآن أن يتابع يومه دون أن يتناول قهوته.. pressé ..
يأخذ جريدة من الداخل.. يحاول أن يملأ الشبكة.. تحتسي هي العصير الذي طلبه له في ثلاث رشفات سريعة.. وتترك له شيئا منه كي يتذوقه أيضا وإلا أسمعها مالا يسمع من لوم .. تطلب منه أن يسرع لينهضا من هذا المكان.. تكاد تختنق ، لكنه يطلب منها أن تصبر قليلا.. تلهي نفسها بمحاولة مساعدته على ملء الشبكة لكنها لا تتحمل فتطلب منه أن يسمح لها بالقيام لتقوم بجولة خفيفة قريبة ريثما ينهي، ويسمح لها، تغيب ربع ساعة ثم تتصل به: _ أأنهيت؟ _ ليس بعد؛ أقرأ الجريدة.. بعد حين تعود إليه، يعتدل في جلسته ويطلب منها أن تأخذ له صورة، فتفعل ثم يطلب منها أن تجلس بجانبه فيقول لأحد المارين، بعد أن يعطيه هاتفه: _ من فضلك، خذ لنا صورة.. ستضغط فقط هنا.. ويأخذ الرجل صورة فيسأله عبد الرحيم أن يأخذ ثانية وثالثة حتى يختار أحسن الصور، ثم يشكره ويغادر الرجل.. تقف ريم متأهبة للذهاب... _ هيا نذهب _ انتظري.. ألا تريدين رؤية الصور _ في الطريق.. ليس هنا لقد اختنقت.. أووف اختنقت.. ثم تصيح غضبا؛ ماهذا العجب الذي يدخنه هؤلاء وتسعل بقوة فتترك المكان ويبحث عبد الرحيم بعد ذلك عنها، لا يجدها.. ثم يتصل بها ويتم اللقاء ومن بعده عتاب متبادل.. يستفيق إبراهيم: _ ماما .. مساء النور؛ لم تنامي؟ _ لا .. أنتظرك حبيبي حتى نقوم بما اتفقنا عليه معا _ استيفظ بابا.. _ هو لا يستيقظ الآن يا قطي.. مازال في الوقت متسع كي يستفيق لهذه الحياة.. أعيدي ما قلته ريم؟! يبدو أن العدوى قد أصابتك.. فراشتي.. ريمي.. ظبيتي.. وتضيفين أنت قطي.. !!! |
رد: الحب في زمن كوفيد19
قضت ريم يومها هذا بين استرجاع شيء من ذكرياتها، وبين الأشغال الشاقة في البيت، _فهي حين لا تجد من يعينها ولو بالكلام الطيب تعتبر أن رص مخدات الفراش شغل شاق، أن غسل صحنين وكأسين وملعقتين شغل شاق، أن تحضير وجبة أكل واحدة شغل شاق.._ وبين الحديث مع علي عبر رسائل الميسانجر..
فهيم وشهم هذا السيد، يتحدث بلباقة، يستأذن بالذهاب ، بل إنه أيضا لا ينس وقت الصلاة، فها أذان المغرب قد حان حينه بمدينة الداخلة وهي بفاس لم تصلي المغرب رغم أن وقته قد مر عليه نصف ساعة أو أكثر، لكن علي يقول: _ أستسمحك للحظات، سأصلي وأعود.. إن لم يكن لديك شيء مهم فانتظريني.. تفاجأت ريم لذلك وسرت به أيضا: _ آه حسنا، لك ذلك، طبعا الصلاة أولا.. تقبل الله،سأصلي أيضا _ تقبل الله منا جميعا _ آمين.. يعود علي بعد الصلاة وتعود هي، فيطول الحديث بينهما، يطلب منها أن تبعث له صورة ليتمكن من التعرف عليها لكثر، ريم رفضت ذلك .. _ لا يمكن أن أبعث لك صورتي،أمازح أنت؟ _ بل جاد أنا... _ حسنا أنا لا أبعث صوري لغريب ولكن بإمكانك أن تراني عبر الصور التي أضعها بالفايسبوك أحيانا.. _ وهل أنا غريب يا ريمي؟.. الفايسبوك أغرب مني، أنا وأنت صرنا صديقين.. _ آسفة سيدي، مع ذلك لن أرسلها، إن أردت رؤيتي فأمامك الفايسبوك.. _ بالفايسبوك صور كثيرة، أغلبها أجد فيها أكثر من شخص.. _ إذن ابحث عني بينهم _ وكيف لي أن أميزك من بين من أنت معهم؟ _ إن لم تستطع ذلك فعلى الأقل ستكون قد رأيتني ولم تعرفني _ وإن عرفتك؟! تسكت ريم وتغلق حسابها من جديد.. حل الليل، قد نام إبراهيم، وهي عليها أن تجلس من جديد بجانب زوجها لمتابعة فيلم، ترى بعض لقطاته كالعادة وتروي نهايتين أو ثلاثة على الأكثر محتمل حصولها.. ثم تتابع أكثر فتركد لزوجها نهاية واحدة ، وكدائما يسألها مازحا عند نهاية الفيلم، أأنت كاتب السيناريو أم المخرج أم أنك عرافة؟ وتسكت أيضا لأن هذه الأسئلة قد ترددت عليها كثيرا كنه كلما شاهدا فيلما وكثيرا ما كانت تجيبه بأنها تستطيع معرفة النهاية من خلال بداية الفيلم، وكم تفرح ريم وتشعر بأنها يجب أن تكتسب قدرة أقوى وأكبر إن خيب الفيلم توقعاتها أو إن نجحت في توقعاتها ولكن قبل نهاية الفيلم بقليل.. شعرت ريم برغبة في النوم الساعة تجاوزت المنتصف ليلا، لكن عبد الرحيم يهل مساؤه في هذه اللحظة،ذهبت لغرفتها وتركته أمام التلفاز وقد علا صوته، وهي تتأفف على أصوات القنوات المزعجة ليلا... |
رد: الحب في زمن كوفيد19
فجأة وزوجها منشغل بالآلتين _ التلفاز والهاتف_ طار النوم من عينيها، أخذت هي الأخرى هاتفها بين يديها، شغلت النت.. فتحت الفايسبوك لتكتب على صفحتها المفضلة حيث الأصدقاء الجدد :
كم هو الليل كئيب وأنا وحدي.. أتأمل عينيك المغمضتين صغيري ثم أقول، بل وحدك أنت معي. ،تريد أن تغلق الفايس لتجرب حظها مع النوم لكنها تنتبه لرسالة واردة من علي حامد، تفتحها فإذا فيها صورة ورود وأزهار، وصورة بحر ثم عبارة: أرجو لك ريمي ليلة سعيدة وتصبحين بخير.. لم ترد ريم على الرسالة واكتفت بابتسامة ارتسمت على شفتيها.. وضعت هاتفها جانبا على المنضدة المجاورة، ثم حاولت أن تخلد للنوم، وقد اعتادت أن تتلو بعض السور القصيرة والآيات الكريمة وتردد بعض الأدعية، ثم تغيب مع أفكارها وخيالاتها إلى أن يغيبها النوم، وكذلك كان. في الصباح استيقظت تعد إبراهيم للذهاب إلى المدرسة .. ناولته فطوره ، بينما عبد الرحيم يفطر واقفا وهو يرتدي ملابسه، فمه مشغول بمضغ الطعام والكلام: _ كارثة بالصين حصلت.. _ اللهم لطفك.. أهكذا تستهل الصباح؟! _ لم أرد إزعاجك بالموضوع ليلا كي لا تقولي إني سبب كوابيسك _ حسنا فلتزعجني إذن على نغمات زقزقات العصافير.. _ الناس يموتون هناك جماعات جماعات وأنت هنا تريدين الاستمتاع بالصباح وتغريدات الطيور.. - يا ربي لطفك.. _ وباء انتشر بالصين مؤخرا خاصة في ووهان.. اسمه كورونا.. ظهر منذ شهر دجنبر لكن حدته زادت في هذا الشهر.. إنه قاتل، يميت الناس فيسقطون أرضا كالذباب.. _ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. يخرج بعد أن يسلم على ابنه وزوجه وهو ما يزال يمضغ الطعام والكلام، تطلب من إبراهيم أن يسرع عل والده يأخذه معه بطريقه.. لكن عبد الرحيم يدعي بأنه تأخر وبألا وقت لديه.. أنت لا تعملين هذا الصباح، ليس لديك ما يشغلك فقط ستقفين به بضع دقائق لانتظار النقل المدرسي. خرج، أخذت صغيرها وهو سعيد يمسك بيد أمه اليمنى ويضمها إليه ثم يقبلها، لم يكن ليفعل ذلك مع أبيه، فهو إن أخذه لينتظرا معا النقل المدرسي، يذهب به إلى الدكان المجاور يشتري له حلوى أو بسكويت، ثم يطلب من صاحب المحل أن ينتبه له ريثما يأتي النقل، أما أمه فلا تشتري له شيئا، ولكنهما يتهامسان،يقرآن آية قرآنية تخطر ببال أحدهما، ثم يرددان بعض أناشيد الأطفال أو قصائد الصغار: أرسم ماما، أرسم بابا بالألوان بالألوان أرسم علمي فوق القمم أنا فنان، أنا فنان.. ×××××××××× يأتي النقل بعد لحظات، يركب إبراهيم سيارته بعد تبادل القبلات والعناق مع أمه،ثم من خلف نافذة السيارة وهي قد أخذت تسير إلى حيث تقاد، يلوح إبراهيم بيديه ويرسل قبلاته لأمه، وهي تبادله الفعل نفسه إلى أن تغيب السيارة عن عينيها، تعود ريم إلى البيت، تغسل الأواني وتستعد لترتيب البيت، تشغل المذياع، صوت الحسين العمراني من صباح بلادي جميل كجمال الصباح ومشرق كعادته يبعث الأنس من أصداء الراديو،وتجده حيويا ونشيطا حتى بالمساء في برنامج" كولي نكولك" ( قل لي . . أقل لك)... بعد قليل سيبدأ برنامج اللقاء المفتوح... كثرت أصواته الجديدة، حتى إنها لم تعد تعرف أيا منها، وأصبحت تجد البرنامج مملا بعض الشيء، حسنا ستستمع لأول تقديم ثم للأغنية الأولى، وقد تشغل شيئا من هاتفها عبر ما حملته من اليوتيوب، الأغنية الأولى من التراث " عيساوة" برئاسة عبد العالي المرابط.. أوه كم تحب ريم عيساوة، رغم أنها لا تحب من يمازحها فيقول لها إنه تراث مكناسي الأصل وأنتم أهل فاس وغيركم تقتبسونه من الهادي بن عيسى، فريم ترى أنه تراث مغربي وحسب وإن كانت جذوره من مكناس فالفاسيون قد برعوا في آدائه..، على نغمات عيساوية كانت ترقص بفرح وكأنها في حضرة " اجدبة". لتنتهي الأغنية ويعود صوت المذيعة، ستقدم الوجبات والوصفات وطرائق الديكور واللباس... والتعامل مع الأبناء، ريم لا تحب أن تسمع لذلك، شغلت هاتفها، وفتحت الفايسبوك، لتجد الكثيرين قد وضعوا بصمات الإعجاب على كلمتها ليلا، وبعضهم قد علق بتعليق ما، ومنهم ذاك الذي صار لا يهمل لها نقطة إن وضعتها بالصفحة، فرد عليها: سكون الليل والوحدة قد يرسمان علينا وجوما ، ومع ذلك لليل جماله، وللوحدة أنسها وحفظ الله صغيرك .. لن تكوني أبدا وحيدة مادام معك. تتذكر مادار بينهما من حوار ليلة أمس، وكيف أنها وجدت رسالة تصبحين على خير ولم ترد، ومع ذلك هاهي رسالة أخرى واردة منه أيضا، لابد أنها صباح الخير مع الورود والبحر، أم لعله سيسألها من جديد عن صورة لها؟! افتح يا سمسم صفحة الرسائل.. نعم؛ كما كان متوقعا.. ورود جميلة وبحر يبدو كأن جبالا تحيط به وأمواجه تحاول أن ترتقي لقمة الجبال، وعبارة الصباح هذا اليوم: صباح الخير قديستي ريمي. |
رد: الحب في زمن كوفيد19
أصبحت ريم كلما رأت رسالة واردة من علي تستقبلها بابتسام، وتزيد ابتسامتها اتساعا وهي تقرأ كلماته..، ردت عليه:
_صباح الخير وشكرا على الورود ومنظر البحر الرائع، شعرت وكأني أمامه حقا.. _ سعيد بذلك .. مع أنك رفضت أن تلبي طلبي أمس _ أي طلب؟ _الصورة _ قلت لك تستطيع إيجادها ضمن ألبوم الصور الموجود بالفايسبوك _ في الحقيقة؛ بحثت.. ولم أجد إلا صورة واحدة فيها مجموعة من الأشخاص.. _ هيهيهيهي.. اعرفني من بينهم إذن.. _ أحس أني عرفتك _ تحس؟ _ وشيء بداخلي يقول: أنا متأكد، فقد عرفتك من رائحة الورد والبحر هيهيهيهي.. كيف؟ _ الكل بدا ضاحكا بالصورة لكن ابتسامتك هي ما أثارني، ونظرة عينيك الجميلة.. _ كل هذا؟! _ وأكثر _ وإن لم أكن أنا؟! _ سأصاب بإحباط تام، ولكني سأقاوم وأفتش عن ظبيتي من جديد.. _ تهت بين الظباء إذن؟ _ ولو أني على يقين أني لم أته، ولكن... أنت التي رفضت أن ترسلي لي صورتك، حسنا أكدي لي يقيني الآن.. ألست ترتدين ثوبا رماديا... _ واااو _ عرفتك.. أليس كذلك؟ _ بل يا سيدي أرتدي فستانا ورديا _ لا يمكن.. متأكد من أنك أنت _ حسنا..لعلك أستاذ تتحدث عن صورة غير التي أحسبك تتحدث عنها..إن كانت أمامك الصورة فابعثها لي وأرى.. _ وهذه فكرة.. أنت تتوسطين الجماعة وتلبسين الرمادي، أسعديني وقولي نعم _ أكذب عليك وأقول نعم .. هيهيهيهي فأنا لا ألبس الرمادي إلا نادرا جدا .. يرسل علي الصورة لريم، وتتفاجأ إذ هي حقا التي عرفها فقد كانت تحسبه يتحدث عن صورة أخرى، وهذه شاركها إياها قبل أيام زميل بالدراسة، ولذلك ربما كانت أول ما يظهر لعلي، لكن كيف عرفها من بين كل زميلاتها بالصورة؟! تفاجأت، تساءلت، ولم تستطع الرد عليه حينها من اندهاشها خاصة وأنه يدعي ألا صورة رأى غير هذه، وأن شيئا بداخله يجعله متيقنا من أن ريمه هي من توسطت أصدقاءها بابتسامتها التي لم يبق له إلا أن يتغنى بها.. توقفت للحظة عن متابعة الحديث معه، بينما أتمت أشغالها الشاقة، ووضعت طاجين الغذاء يطهى على نار هادئة..ثم عادت لتخبره أنها هي فوجدت منه علامات استفهام، وتساؤلا عن سبب تأخرها بالرد، ألأنها هي أم لأنها لم ترد إحباطه فتقول إنها ليست هي.. طبعا ريم لم تعتد الكذب وحتى لو فكرت في الأمر هذه المرة فلن تفلح، كتبت له: _ نعم أنا هي، وأعتذر عن تأخري، فأنا مشعولة بعض الشيء سأتركك الآن. إلى اللقاء. تغلق الفايس وصفحة الرسائل بسرعة قبل أن يتم كتابة ما يبدو أنه يكتبه. وتعود لأشغالها وأغنياتها.... لكنها لم تعر الأغنية بالا لأنها وجدت صوتها يردد: Et moi je suis tombé en esclavage De ce sourire de ce visage |
رد: الحب في زمن كوفيد19
بعد عودتها من العمل مساء، وقد ذهبت لزيارة أمها قبل رجوعها إلى البيت، قررت ألا تفتح الفايس ولا غيره من وسائل التواصل الاجتماعي، أرادت أن تجلس مع زوجها وصغيرها، فقط، تمنت لو أن عبد الرحيم وضع عنه الآلتين وانتبه لوجودها، لا يحب أن يراها منشغلة عنه بينما هو ينشغل عنها، تمنت لو أنه يسألها إن كان علي مازال يتواصل معها، مادامت تحدثت له عنه من قبل، لكنه لم يفعل، يتحدث لها عن الأفلام والسينما، وعن هذا المغني الشاب وذاك ممن لا تذكر أسماءهم، وتلك الفنانة الجميلة، والممثلة المتمردة، ثم ينتقل إلى الحديث عن رونالدو و حجي والزاكي ومحمد صلاح والريال، وبيار ميونيخ ووووووو.... قناة been sport تسكت وهو لا يدرك صمتا، بينما هي تجلس أمامه صورة خرساء صماء، تحاول أن تغير الموضوع بعد حين فيغيره لدقيقة ونصف ثم يعود للحديث عن صديقة رونالدو وأبنائه ووو... وأخيرا تسمعه بأذنين يحبسان الكلام في مدخل بابهما، حيث قد دخلت ريم في حوار مع نفسها، بدأت تكلم نفسها في صمت، تتخيل أشياء وتعيش لحظات جميلة بعيدة عن واقعها الذي لم تكن تتوقع أن يكون لها حياة.
هل يكفي الحب بقول : " أنا أحبك" ؟ هل يكفي الحب بقول: " لو كان لي مال لاشتريت لك كذا وكذا وكذا مما تحبين"؟ هل يكفي الحب بأن تقول لها في كل مرة: " ألست أنا صاحب فكرة الخروج وتناول الغذاء بالمطعم، أو... أو ...أو وقد أديت أنا ثمن تلك الوجبة"؟ إن كان هذا حبا عندك فليتك ما أحببت، صحيح أنها لم تحبك، لكنها حاولت ذلك مرارا، بل أحيانا كانت تقنع نفسها بأنها قد صارت تحبك، لكنك فجأة تقترب منها وأنت تتصبب عرقا والرائحة تنفرها منك فتجعلها تلعن الحب والزواج، وتغضب أنت من نفورها، وتحاول هي بطريقة ما أن تبين لك سبب ذلك، وعلى هذا المشهد أن يتكرر مرارا فلا مرة تمكنت من أن تتلقن الدرس، وتطلب منك بمساء ما أن تظل معها بالبيت، تخبرك أنها تحتاج وجودك معها، لكنك في كل مساء عليك أن تحدد موعدا مع أحد أصدقائك الذين تجاوزوا عدد أيام الأسبوع وربما عدد أيام الشهر,, يا ريم اصبري أكثر وتحملي، بإمكانك أن تذهبي لزيارة أمك مع أنه لا يسمح لك بالمبيت هناك، إلا انه يقبل أن ترتاحي مع والدتك وأهلك لساعتين أو ثلاث أو أكثر بقليل ـ مدة مكوثه بالمقهى ـ تمر الليلة، ونهار الغد وأنت يا ريم لم تشغلي النت، وعندما أحببت هذا المساء استخدامه وجدت السيد عبد الرحيم قد استغل ما تبقى لك من صبيب النت باستعمال الويفي لمشاهدة مباراة، ضربت كفا صامتة بأخرى وكتمتها في نفسك، الاشتراك مع شركة الاتصالات شهري، واليوم هو الخامس والعشرين من فبراير، وحظ ريم أن يدرجنا هذا الشهر في سنة كبيسة ولن يقبل فراقنا إلا بعد إتمام تسع وعشرين يوما.. وهكذا ستطول مدة انتظارها لفتح خطوط الشبكة العنكبوتية.. ترى هل أرسل لها علي عبارات تصبحين على خير وصباح الخير مع الورود وصور البحر أو شموخ الجبال؟ أم أنه لاحظ غيابها عن الفايسبوك فلم يبال بالرسائل؟ ... أسئلة ظلت تراودها بخصوصه، ثم سريعا قالت: _ وما شأنه هو .. وما دخله في أن أكون أو لا أكون؟، هكذا بعصبية داخلية ردت على نفسها، قضت أيامها التالية متناسية السيد علي، مهتمة بإبراهيم فقط.. ++++++++++++++++++++++++++++++++++++ الواحدة بعد منتصف الليل 1 مارس 2020 ، وأخيرا ستشغل ريم النت، وسترى إن كان لديها أية رسالة واردة من علي حامد أو من غيره؛ تفتح الميسانجر ، فإذا بها تجد من علي: ليلة سعيدة إضافة إلى الصور المرفقة المعهودة، ثم بعد ذلك في صباح الغد على الساعة السادسة إلا خمس دقائق: صباح النور مع الصور أيضا، وبنفس اليوم الرابعة مساء: _ أرك غائبة، أرجو أن تكوني بخير.. أريد فقط أن أطمئن عليك ريم. وانتهت رسائله، لم تجبه في هذه اللحظة، بدت عليها علامات النوم، إبراهيم أحب الليلة أن ينام بجانبها، تنظر إليه، تتأمله، تتفحصه، ثم تسدل عليها اللحاف وتضم صغيرها إليها بكل قوة، يمد يديه الصغيرتين أيضا يعانقها، تقبله تهمس إليه بكلمات، تتلو ما اعتادته من آيات وتنام.. ++++++++++++++++++++++ عند استيقاظها صباحا وبعد صلاتها، أخذت هاتفها لتبعث رسالة لعلي، فكتبت: _ عليك أستاذي من الله سلام، أشكرك على رسائلك، و أعتذر سيدي إن كنت تأخرت بالرد عليها... شكرا مجددا، أنا بخير الحمد لله و أرجو أن تكون كذلك بخير. ما إن ترسل له هذه الكلمات حتى تغلق الميسانجر استعدادا للذهاب إلى العمل. |
رد: الحب في زمن كوفيد19
ظل التواصل هكذا بهذا الشكل لأيام معدودات، وحياتها مع زوجها لا تزيد إلا مللا، لكن ريم قررت منذ البداية أن تنجح في الحفاظ على البيت الذي صارت ملكة فيه.. ومع هذا التواصل المتكرر الذي لم يعد يوميا فقط وإنما صار يتم كلما سمح الوقت بذلك صباحا ومساء وأحيانا ليلا أيضا، غاب علي عن الفايسبوك وافتقدت ريم وروده التي يبعثها كل صباح وكل مساء وكل ليلة، افتقدت بحر كلماته وشموخ عباراته، فكانت هذه المرة هي من تسأل عنه، وكانت هذه هي أول مرة تبادر فيها ببعث الرسالة أولا:
_سلام عليك، أعتذر عن إزعاجك.. فقط لاحظت غيابك ووددت السؤال عنك.. أرجو أن تكون بخير.. انتظرت ريم ردا منه، ولكنه لم يفعل، تناست الأمر رغم أنها لم تنسه، ففي كل مرة تفتح الفايسيوك لترى إن ظهر السيد علي أو تفتح الميسانجر لترى إن كانت قد توصلت برسالة منه.. يتغيب عن الرد مدة طويلة تتجاوز ساعات وساعات، ربما أوشكت من اكتمال أربع وعشرين ساعة، أحستها من أطول فترات الانتظار يعد ذلك الغياب المفاجئ له، لتقرأ رسالته الوارة: _ وعليك السلام ورحمة الله تعالى وبركاته ريم.. أهلا بك.. عذرا، كنت منشغلا فقط ولدي بعض المشاكل التي جعلتني أفكر في الابتعاد عن هذا العالم الأزرق.. تثيرها عبارته الأخيرة ثم ترد: آسفة إذن عن إزعاجك، وإن كنت تريد أن ترتاح من مشاكلك قليلا وتفضفض فمرحبا وأرجو ألا تعتبر الأمر فضولا. _ شكرا ريم، ولكنها مشاكلي لا أحب أن أحكيها لأحد. أحست ريم بأنها قد أهانت نفسها برسالتها له، وما استطاعت أن تجد له ردا سوى كلمة " آسفة" أقفلت خط النت بعدها، وعادت في ملل إلى ما كانت تقوم به من أعمال البيت، ثم نادت ابنها إلى الصالة وقد حملت الكثير من اللعب لتلعب معه ، فيركبان المكعبات، ويلعبان بدمى الحيوانات وهما يرددان أسماءها باللغتين العربية والفرنسية، ويغنيان معا.. لعلها تنسى إهانتها لنفسها، مساء أعلن هاتفها عن ورود رسالة من ميسانجر، فتحت؛ إنه هو مجددا، ماذا يريد هذا المغرور؟ هذا الذي من رؤيته بالصورة التي يضعها على متصفحه، يبدو مغرورا، مراوغا، .... لكن كلماته جعلتها تنسى أنها قد أهانت أو اذلت نفسها، فها أول مايكتب هو اعتذار: أعتذر إن بدوت قاسيا ولكن لدي بعض المشاكل الشخصية التي لا أحب أن أزعج بها أحدا غيري.. صدقيني ريمي، بفضلك أنا هنا، فبعض الضغوطات التي أعيشها جعلتني أفكر في الابتعاد عن كل ما يسمى شبكات التواصال الاجتماعي.. ولكن قبولك صداقتي أعاد لي بعض الأمل والفرح والسرور.. لذلك أحببت أن تكوني أنثى حرفي ونحلتي وظبيتي... ولأجل ذلك أطلب منك ألا تناديني بسيد أو أستاذ ما دمنا صديقين.. _ وأنا أكرر لك اعتذاري وأسفي سيدي، أما عن هذه اللفظة الأخيرة فلا أتمكن من التحدث معك بدونها، فلفظتا أستاذ أو سيد هما رمز الاحترام.. _ مناداتي باسمي مجردا لا يمنع من احترامي أما اللفظتين فهما مجرد رسميات.. تحدثا كثيرا وهو يحاول إقناعها بألا تقول له سيد علي، أو أستاذ علي، وأخيرا قال لها: _فقط نادني باسمي مجردا من أي صفة أو رمز أو...أو ... لتكتمل صداقتنا وأكون لك أستاذا وصديقا ووو وسي السيد إن شئت.. حاولت ريم أن تقنع نفسها برأيه،ولكن عبارته الأخيرة كانت مفاجئة، وجعلتها تتساءل ماذا يمكن أن يكون قاصدا بها؟! لعلها عبارة فقط خرجت ضمن الكلمات للإقناع وإثارة روح مرحة ... |
الساعة الآن 41 : 07 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية