منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـميـزان (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=334)
-   -   نص للنقد (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=33654)

Arouba Shankan 03 / 04 / 2020 13 : 06 PM

نص للنقد
 
الإخوة النقاد والكُتاب، نصي"رفقة الأمس" أعرضه للميزان النقدي وما هي سلبياته وإيجابياته
مع التحية

http://www.nooreladab.com/vb/showthread.php?t=33632

خولة السعيد 23 / 04 / 2020 59 : 12 AM

رد: نص للنقد
 
"ينبثق الموضوع الجمالي من دينامية التفاعل بين النص والقارئ [...] إن النص بما هو صنيع المؤلف، كلية منجزة وأساس حسي، وبالتالي بنية من الأدلة تهب نفسها للوصف والإدراك؛ أما التحقق بوصفه تجسيدا، فهو استجابة جمالية متصلة بالوعي والتفاعل، ينجزها متلق قارئ قد يكتفي بالمتعة، أو متلق باحث يرنو لاستيلاد معرفة نقدية تحاور الأدب والثقافة والتاريخ، كما تحاور النص ذاته من خلال تحليل وتقويم وتذوق مجموع مكوناته اللغوية والتداولية."
" يتشكل الموضوع الجمالي في مكان تواشج القراءة والكتابة، وفي ملقى تنافذ الحضور والغياب، واشتباك الذاكرة والتوقع والانتباه، وكذا التباس إرادة السعي والابتعاد بمعاناة التشتت والانتشار." هكذا قال الدكتور أحمد فرشوخ في كتابه: " تأويل النص الروائي السرد بين الثقافة والنسق"
تدعونا عروبة إلى دراسة نصها السردي: " رفقة الأمس" وتلبية لرغبتها سأخوض التجربة الأولى على أمل انتظار من هم أهل الاختصاص حقا..
غصنا في نص شيق يوحي عنوانه أنه يتحدث عن زمن مضى، وعن رفاق عاشوا بهذا الزمن؛ إذن من خلال العنوان يمكن أن نستشعر ذكريات يحييها النص ويبعثها فيطلعنا عليها؛ وكذلك كانت بداية السرد:
الحنين هو عنوان البداية ومستهلها، الحنين الذي سكن المشاعر( تنتابني نوازع حنين...) فيظهر أن الساردة تحن إلى ماض أحبته وأحبت أحداثه وشخصياته، تقرأ النص أكثر فتجد نصا لمختلف الأمكنة والأزمنة والأحداث إضافة إلى الشخصيات ولعل أبرز ما يوصف هو حالة " الأنا" وتلك كانت صفات الساردة وهي تتحدث بضمير المتكلم بدءا من أول عبارة (تنتابني _ عايشنا _ قلوبنا _ ثقافاتنا _ غادرت _ أحزاني _ شغلني _ غادرت _ خرجت _ لم أشأ_....)، عندما أخبرتنا أول الأمر عن حنينها جعلته إلى ضمير غائب لم تطلعنا على اسمه فنتج عن ذلك تشويق للمتلقي حتى يعرف من هو هذا الغائب؟ إلى من تحن الساردة؟ ومادام الحنين هو شوق وتشبث بذكريات جميلة لها وقعها بالنفس والقلب والذاكرة فأي جمال هذا الذي جعل عروبة تعود بنا لذكريات سالفة؟
هذا ما سنحاول معرفته ونحن نعيد قراءة النص معا شاكرين عروبة على الإمتاع؛
وعلى أن نلتقي لنتابع دراسة النص دمتم في رعاية الله وحفظه

د. رجاء بنحيدا 23 / 04 / 2020 55 : 01 AM

رد: نص للنقد
 
شكرا لك الأستاذة خولة على هذه القراءة الفاعلة "الفاهمة".. وهي قراءة تدعو وتشجع على سبر أغوار النص وعمقه !
شكرا ولي عودة إن شاء الله بعد قراءة النص وتفكيك وحداته وأنساقه ..

خولة السعيد 23 / 04 / 2020 36 : 03 AM

رد: نص للنقد
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. رجاء بنحيدا (المشاركة 244709)
شكرا لك الأستاذة خولة على هذه القراءة الفاعلة "الفاهمة".. وهي قراءة تدعو وتشجع على سبر أغوار النص وعمقه !
شكرا ولي عودة إن شاء الله بعد قراءة النص وتفكيك وحداته وأنساقه ..

أشكرك الأستاذة رجاء على كلماتك وأرجو فعلا أن أكون اهلا لهذه القراءة.. فقد دعتني اختي عروبة لذلك بعد كتابتي لتأملات في يوميات رباب مع أني كنت أنتظر السبق منك لتعم الفائدةعلينا جميعا

Arouba Shankan 23 / 04 / 2020 30 : 04 PM

رد: نص للنقد
 
كل الشكر لصدى الاستجابة سيتم عرض "رفقة الامس"للتفكيك والتجزية والتشريح بانتظارك د. رجاء وبانتظارك أ.خولة مع التحية والتقدير
لكل من يرى نفسه أهلاً لقراءة نص "رفقة الأمس" أقول لامانع من النقد ووضع اليد على مواطن الضعف والقوة مع التحية وكامل مودتي

خولة السعيد 27 / 04 / 2020 31 : 09 PM

رد: نص للنقد
 
تقسم نصها عروبة إلى أجزاء سبعة؛ فهل كان هذا العدد عفويا ليصادف موضوع النص بما يحمله من دلالات أم أن عروبة اختارت الرقم 7عمدا لتهب نصها قداسة وسؤالا .... وأشياء أخرى؟
نعلم أن الرقم 7مقدس لدى شعوب كثيرة ولدى عدد من الناس الذين يرون قداسة الرقم في القرآن الكريم حيث ذكر أن الله عز وجل خلق الكون في ستة أيام ثم استوى على العرش في اليوم السابع، كما أنه تعالى خلق سبع سماوات طباقا ومثلهن أراضي، وبقصة يوسف عليه السلام نقرأ: سبع بقرات سمان وسبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات.. ونعلم أن فاتحة الكتاب الحكيم سبع آيات.. الطواف حول الكعبة سبع مرات.. رمي الجمرات سبعا.. ألوان قوس قزح سبعة .. سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.....
أكل هذا وغيره جعل أجزاء نص عروبة سبعة لتستشف عبقها منها، ثم لماذا كانت عروبة تسجل عند بداية كل جزء رقما معينا (من 1إلى6)إلا الرقم 7لم تسجله..
أكان مجرد سهو؟ أم قد يجعلنا هذا نطرح استفسارات حول النص ويشوقنا لمعرفة هذه السبعة( النهاية)..
سنحاول دراسة كل جزء من سردية عروبة على حدة على أن نجمع قراءة النص كاملا لاحقا.. لعل ذلك يثير قراءات أخرى وعودات جديدة للنص الأصل ( رفقة الأمس)
تسترجع عروبة في الجزء الأول من نصها السردي لحظة عودة رفيق الأمس/ صديق الطفولة/ الجار الذي تحمل له ذكريات لا تغيب عن الذاكرة ومحبة ارتسمت بخزانة القلب باسمة بخاطرة.. رغم انقطاع التواصل الذي كان منه اولا، فجعل الساردة ترحل بعيدا عن المكان الذي ألفته بوجود صديق الطفولة..
حاولت صاحبة النص بعد مغادرتها إلى مكان آخر تناسي الماضي ومعايشة الحاضر حيث صارت تنشغل بالعمل عن كل ما كانت تحب من أغاني ومشي بين المنحدرات الجبلية، لتمر أيام وأعوام على نفس الحال ويحدث في يوم المفاجأة بالمحال، فقد عاد الجار معيدا معه شريط الذكريات.. اختارت الساردة في أول رؤيته تشويق المتلقي لشخصية رسمتها على أنها ذكرتها برفيق الأمس على أساس أن رؤيته لها كانت من خلف وهي مسرعة بعد خروجها من العمل، وصفت طيفه.. وهذا الوصف من بداية النص يهب للسرد رونقه.. فهاهي تصف طيفه الأنيق الطلة، الوسيم المحيا... ثم تصف بعد ذلك سيارتها التي اتجهت إليها مسرعة فوجدت حرارة الشمس قد لسعتها؛ ويسترسل الوصف وتتوالى الذكريات تترى.. إنها ترى حقيبة الطيف وتشبهها بحقيبتها وحقيبة الجار أيام الدراسة، وتتذكر كيف كانت تعتني بالحفاظ على حقيبتها التي تنال اهتمام جل زملائها، فتذكر ليلى التي كانت تغار منها،... هذه الذكريات ظلت تتوالى فتنساب معها الدموع لتضطر إلى إيقاف السيارة عل الذكريات تتوقف معها أيضا..
الأيام الغاليات لا تغيب عن البال والتاريخ ظل ملازما للذاكرة ، و من جديد تتذكر .. تتذكر تعاطفه معها من خلال نثرياته الشاعرية بينما هي تعلل النفس بغد تملأه الأمنيات، لكن هذا الغد كان مريرا بقطع هذا التواصل الذي كانت نهايته أقسى ما يمكن تذكره...
بعد شريط الذكريات الطويل تعود لشقتها في الطابق الخامس بإحدى العمارات.. لكن أثر الذكرى ما يزال موجعا فقد أحست باختناق وتوقف الأنفاس.. استردت بمفاجأة أمام باب الشقة، حيث وجدت بطاقة جميلة تحمل عبارة: " سيدتي حضرت ولم أجدك" .. تتأمل البطاقة المثيرة فتتلقى مفاجأة جديدة، جار الهمس يتصل.. ذلك الذي حل بذاكرتها اليوم بعد ان كان قد وعدها بانقطاع تام ولقاء مستحيل..
لكن هذه العودة جعلت الحياة جميلة، أشعرتها بسعادة يبهج لها بيتها أيضافلم تغادرها الابتسامة.. وصارت الذكريات الآن تسرها فمانويل صار حاضرا حقا وهو نفسه ذلك الطيف الذي جعلها تسترجع ذكريات الأمس..
هاهو مانويل هنا في زيارة لها بالبيت وهي من شوقها له وللماضي اضطرت لمجالسته واستضافته ومحاورته وتبادل نظرات الشوق والإعجاب وعبارات الإطراء إلى حين رغبته في الخروج وهي رغم ما تحسه من تعب وإرهاق ودت لو أنها تستطيع إبقاءه معها مدة أطول.. خرج فتناولت الأسبيرين لتنام.....
عروبة في هذا النص وظفت مجموعة من الثنائيات( الرحيل/ العودة_ الماضي / الحاضر_ الألم من الذكريات/ الفرح ببعث الماضي حاضرا..) في النص نجد أيضا تكرارا لبعض الألفاظ ( رتيبة.. رتابة .. مسرعة...)
( يتبع)

Arouba Shankan 27 / 04 / 2020 07 : 11 PM

رد: نص للنقد
 
كل الشكر خولة قراءة النص المتأنية متابعة معك للرد والحوار فيما بعد مع التحية والتقدير
ورمضان كريم

خولة السعيد 28 / 04 / 2020 54 : 07 AM

رد: نص للنقد
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة arouba shankan (المشاركة 244833)
كل الشكر خولة قراءة النص المتأنية متابعة معك للرد والحوار فيما بعد مع التحية والتقدير
ورمضان كريم

وكل الشكر لك عروبة إذ سمحت لي بذلك..
ومع هذا أنتظر وإياك قراءة الأستاذين الفاضلين رجاء ومحمد صالح

خولة السعيد 29 / 04 / 2020 43 : 05 AM

رد: نص للنقد
 
وأرفع قلمي وتتوقف صحيفتي منتظرة باحترام وتبجيل النقد البناء حقا من الأستاذين الكريمين رجاء ومحمد صالح..
سعيدة أني افتتحت موضوع النقد..
من سادتكم ننهل
شكرا عروبة أن منحتني هذه الفرصة..
أنتظر.. الإفادة و الأخذ من معارفكم

Arouba Shankan 30 / 04 / 2020 04 : 11 PM

رد: نص للنقد
 
كل الشكر للأستاذ محمد الصالح الذي تقدم بقراءة للنص زادت من معرفتي، ووضعني على الخطوات الهامة في كتابة الرواية أعرض رأيه هنا وبكل ثقة وسرور، وبانتظار أراء آخرين لو تكرمتم مع التحية:
رفقة الأمس..(نصّ للنقد)..أوقعني في حيرة من أمري ! فُتِنتُ بنمط الوصف فيه إلى درجة أنّي حسبتني ، في بعض فقراته كنتٌ أقرأ (خاطرة) أو (شعرا رومانسيا ) ! فالنصّ يأخذ من ملامح القصّة القصيرة وجها ، ومن الرواية ملمحا ، دعني أقول (رفقة الأمس) بقليل من التوسّع في جزئياته هو (مشروع رواية)!
فالأديبة ( عروبة) تسكنها الخاطرة بكلّ زخمها ! هي عاشقة للطبيعة..عاشقة لكل ما هو جميل ! ..و(رفقة الأمس) خلفية صادقة لمخزون (عروبة) العاطفي..وأنا أتتبّع جزئيات النصّ ، وجدتني أتلمّس بوعي أو دون وعي شيئا من ماضي (عروبة) ووميضا من مستقبلها وهالة من حاضرها !
وأنا أقرأ (رفقة الأمس) استقرّ في يقيني أنّ النصّ فاجأ أديبتنا..فرض نفسه دون سابق إنذار ! تسارع الأحداث ، سرعة الانتقال من حال إلى حال..تتابع الأحداث..تداخلها..أكّد لي أنّا كانت تخشى ضياعه منها..سرعة الكتابة دليل على تدفّق الأفكار..لم تكن من قبل جاهزة !
بعد هذه المقدّمة البسيطة، أعود لأتناول (رفقة الأمس) بقليل من الإسهاب...
أوّلا :العنوان (رفقة الأمس) : لا أدري إذا كانت (عروبة) وضعت العنوان في الأخير؟ أم أنها اختارته منذ البداية؟ أو قبل الشروع في كتابة النّصّ؟
أتصوّرها وقد وضعت مجموعة لا بأس بها من العناوين ك( أنا ومانويل)..(مانويل رفيق الأمس)..وأخيرا استقرّت على (رفقة الأمس)..للكاتب الحق كل الحق أن يختار ما يشاء من العناوين..وللقارئ الحق أيضا أن يضع بدل العنوان الأصلي عنوانا يخلص إليه بعد انتهائه من قراءة النّصّ !!؟
شخصية (مانويل) حضورها في النّصّ كان طاغيا .. في مخيّلة البطلة كان حاضرا حضورا طاغيا..أما الطبيعة بمناظرها الخلاّبة ، والفنادق الفخمة ، والصّالات الجميلة ،والموسيقى، وأنواع المأكولات والمشروبات ، والاستراحات العصرية ، وألبسة البطلة الأنيقة ، وأنواع العطور ، والرّوائح الطيّبة..ووو..كلّ ذلك كان ديكورا..أو موسيقى تصويرية تضعنا في أجواء المشاهد التي قادتنا إليها الكاتبة بحرفية كبيرة! بذلك كنتُ أحبّذ لو كان العنوان (مانويل) باختصار..أو (مانويل/الظل) ؟؟

ثانيا: ثنائيات:
1 ـ نمطا السرد والوصف: استحوذ الوصف على مساحة لا بأس بها من النّص ، فكان السيمة الغالية تقريبا .. إذ لا يمكن الفصل بين النّمطين في أيّ عمل قصصي ، الأمر الذي جعل صاحبة (رفقة الأمس) توزّعه على مساحة كبيرة من إبداعها ، حيث جاء خادما ، وبشكل مدهش، للنّص..تفنّنت (عروبة) ، وهذا مجالها دون شك، في اصطحابنا رفقتها أينما ذهبت ، وحيثما اتجهت ، ، ، أشركتنا في رحلتها عبر طبيعة ساحرة ، حيث شعرنا بالراحة والاستمتاع إلى الحد الذي كانت تعيشه..فكان الوصف شفيفا دقيقا عذبا ! وتمثّل ذلك في اللوحات التي قدّمتها من خلال نصّها الأنيق..والأمثلة كثيرة وغنية ومتنوّعة..خذ مثلا قولها في الفصل الأول: (عاد ليطارحني الأمل، فتحت باب المنزل وعطر رجولته الذي راح ينسكب من البطاقة يتسلل من بين أصابعي مالئاً أرجاء الصالة..) ..ومن الفصل الثاني الفقرة الأولى: (وتبدأ شمس الصباح بالتسلل من خلف زجاج النوافذ باعثة الأمل في البشرية، تدعوهم للاستيقاظ ومعانقة الطبيعة في الحياة مايستحق العمل والجد والنشاط..)..ومن الفصل الثالث : (وتغيب وسط زحمة الشوارع، بعيداً وراء السحب المسافرة كما وسائد قطنية توحي بالمطر في فصول فوضوية الترتيب، تروي عطش الأرض، إن عاد سيكون كل شيء على مايرام، وإن بالغ في صده فهو في غياهب"الأرض المفقودة" التي يفتش عنها وأبداً لن يتحول السراب إلى واقع يتمناه! )..وفي الفصل الرابع: (كانت الطيور تستعد لهجر أوكارها، تشد انتباه نزلاء الفندق وكانت الشمس باهتة ترسل بعض من أشعتها بتوهج فاتر للغاية، سحبٌ داكٍنة، زخات متفرقة من المطر..)..وفي الفصل الخامس: (كانت أجواء خريفية بامتياز، تمتزج الموسيقى بحفيف أوراق الشجر، كلما اهتزت أغصان الأشجار تطايرت أوراقها يمنة ويسرةً، فوق صفحة الماء لتضفي المزيد من السحر والبانورامية على المكان..)..وفي الفصل السادس: (كم هو غجري ليل أيلول، التنزه فيه يثير المشاعر بفوضوية، يلقي بنسائمه الحيرة والدهشة، تتوسد أوراقه الصفراء صفحات الماء الرقيقة، فوق البحيرات والأنهار، تنجلي الأتربة عن الأسطح القرميدية، تغسلها زخات ماطرة تهيئها لغيم تشرين السارح الذي يرطب الخواطر الحزينة، يغسلها ينقي الوجدان من الحقد، والنفوس من الدنس، والصدور من الوسواس الخناس.)..وفي الفصل الأخير : (كان طريق العودة رطباً، تغسل قطرات المطر زجاج سيارتي الأمامي بكل انسيابية، وفوقي السماء رمادية داكنة، غيمة ماطرة وأخرى سابحة..) ..فالأوصاف التي أوردتها كانت غاية في الرّقة وبشاعرية بليغة ! الأمر الذي أضفى على السياقات والأنساق لمسات فنية ساحرة !
أما السرد فجاء بحسب حاجة الأحداث..رغم بساطة لغته ، كان قويا..فتتابع الأفعال الماضية خاصة (والماضي هنا له أثره البيّن) لأنّ ظروف الحكي تقتضي ذلك..فالأفعال (كان ، كنت ، جلست ، تناولت ، نظرت ، صعدت...) جاءت لتحفر الأحداث حفرا..فالذاكرة (عند عروبة) لها خصوصية وحساسية..جسد النّص ملتصق أكثر بالماضي..تعيش الكاتبة وللحظات حاضرها ولكنه يتكئ وبقوة على الماضي..تريد السفر إلى الآتي ولكنها سرعان ما تزجّ بنا في عمق الماضي !! وسأكتفي في هذا الباب بذكر أمثلة على عجالة ، حتى لا أُرهق القارئ (ابتسامة)..تقول: (كم كانت حقائبنا المدرسية تشبه تلك الحقيبة التي كان يحملها بيده ذاك الشخص طويل القامة، الذي دخل المبنى من لحظات قليلة، كانت تلقى كل إعجاب واهتمام من تلامذة مدرستنا الابتدائية..)..( آه كم أشعر بأنني أمام رجل يبحث عن أمل يحيا به عن شيء ما، عن وميضٍ يمنحه بارقة أمل بغد أفضل لكنه لن يأتي! الحياة لن تعود إلى تلك المساحات التي اغتالتها عصاباتهم، والزمان محال أن ينسى حناجر الغدر، تسأل العودة وعودتهم هي الأولى، هي القِبلة الأولى، وهي الحكاية التي على الأجيال القادمة خط آخر سطور فيها.).
2 ـ الطبيعة والأمكنة (الخلفية والموسيقى التصويرية): شكّلت الطبيعة خلفية للنصّ بامنياز ! فكان وصفها كلّما تغيّرت الأمكنة هو هو..جميل أنيق ساحر..تتبدّل الأمكنة والطبيعة واحدة ! فكانت كموسيقى تصويرية ترافق الشخوص والأحداث..الطبيعة بمناظرها..الأماكن وعبق العطور..كلّ ذلك شكّل جوّا رائعا غمرنا برومانسية رقيقة ، جعلنا نلتهم القَصَّ التهاما ! دون شعور بالملل..ومثلما أشرتُ في التوطئة ، فالكاتبة تعتبر الطبيعة جزءا منها ، أو هي جزء من الطبيعة ! فافتنان الكاتبة بجمال الطبيعة غير خفي..فالإسهاب في وصفها دليل على ذلك ، ودليل قوي ! أنسنة أركان الطبيعة واضح جلي..فالوديان والدروب والجبال والنسيم وحفيف الأوراق..الكل يتفاعل مع البطلة، يشاركها أحاسيسها..شعورها بالراحة..أو شعورها بالانقباض! حتى (صديقة مانويل النحيفة) ألصقتها بشيء من الطبيعة..ألصقتها بالثلج..فراحت تدعوها بـــ (فتاة الثلج).
ثالثا: الحوار: طغى على النّص الحوار (الدّاخلي) ، فما وجدنا شخوص الحكي تتكلّم أو تتحاور علنا..لم تكن أصواتها مسموعة ! فالصخب أُلغي على المستوى الخارجي..والصراع كان داخليا..في ذات البطلة..أرغمت الكاتبة شخوصها على (الحوار الصامت)..هي التي كانت تتكلّم..فضمير المتكلّم كان طاغيا..وكنّا نحبّذ سماع الحوارات ، والنقاشات بصوت أصحابها..لأنّ الحوار يُفصح عن مستوى المتحاوين ، الاجتماعي والثقافي والفكري، ويغنينا عن السرد أو الوصف ..لم يبدُ لنا (مانويل) صاحب أفكار جنونية ، مثلا ، أو عنادي الطبع ، أو مزاجي الميول ..عرفنا هذا من خلال البطلة..لم ندركه من خلال تصرفّاته أو نقاشاته..ويُعاب على الكاتبة هذا الجانب..فلو تركت الحرية لشخوصها في التحاور لأعطت للحكي قيمته وفائدته..فللحوار الخارجي كما الداخلي دلالاته وقيمته ، الأدبية أو الفنية أو الجمالية..
رابعا: الشخصيات: عدا شخصية البطلة ، ومانويل ، فالشبان الثلاثة وفتاة الثلج ، لم نتبيّن بوضوح دورهم في القصّ..لم يكونوا فاعلين أو متفاعلين ..هي شخصيات ثانوية طبعا ، ولكن لم نفهم سبب إقحامهم في بعض مشاهد النص..ختى أنّ الكاتبة تساءلت عن تواجدهم رفقة مانويل ؟ كانت مجرّد تخمينات وتأويلات منها..؟؟
صفوة القول: رفقة الأمس عمل قصصي لا يُستهان به إبداعيا ، أو كتجربة من قبل صاحبته ! ويبقى ككلّ البدايات، عمل فيه ما فيه من نقائص وله ما له من تميّز في بعض محطاته..غير أنّ الملفت في هذا العمل، وضوح ملامح الكاتبة وأسلوبها ولون قلمها..حققتْ من خلال (رفقة الأمس) شخصيتها ككاتبة..بمحاسنها وعيوبها..لذلك أُكبِر في الأستاذة عروبة جرأتها على عرض نصّها للقراءة والنقد ، كما أُجِلّ فيها قدرتها على خوض تجارب مختلفة في عالم الكتابة ، وأهيب بعشقها للتعلّم قصد التمكّن من أجناس الكتابة وضروب الإبداع..فالأديبة عروبة قلم مستقبلي واعد له بصمته وشخصيته المتميّزة..وما نحن سوى مجرّد قرّاء ، نصدر أحكاما انطباعية أكثر ، بعيدة عن التنظير والتقعير والأكاديمية في النقد والملاحظة..ولا أظنني أعطيت العمل حقّه من الإضاءة والتنوير..ولا أزعم أنني ناقد..فأنا مجرّد قارئ مستمتع ولكن بوعي وموضوعية..فهل أضفتُ إلى هذا العمل الجميل شيئا ؟ الحكم يبقى لصاحبته أولا ولأحبّتي في نور الأدب

خولة السعيد 02 / 05 / 2020 21 : 12 AM

رد: نص للنقد
 
هنيئا لك عروبة بهذه القراءة المميزة ودمت مبدعة دائما ومتألقة بكتاباتك

ليلى مرجان 11 / 05 / 2020 18 : 08 PM

رد: نص للنقد
 
قتباس
مشاهدة المشاركة المشاركة الأصلية كتبت بواسطة arouba shankan

كل الشكر لك ليلى أفيديني عزيزتي بأي نقد حول اي فقرة أكون سعيدة
نشطت بتعليق أ.محمد الصالح كثيراً، وضعني على الكثير من الخطوات الصائبة
استفدت فله كل الشكر ولك أيضاً
مودتي وتقديري

..وحتّى نبقي العمل في الواجهة ـ أرجو من الجميع إضافة لبنة لنؤسّس لثقافة النّقد البنّاء وحتى لا نكتفي بالقراءة فقط..شكرا لك مرّة أخرى أختي الأستاذة الأديبة عروبة على الاهتمام بكلّ ما يُقال حول عملك الرّائع !! ورمضان كريم.. (محمد الصالح الجزائري)

نزولا عند رغبة الغاليين الشاعر الكبيرمحمد الصالح والأديبة عروبة أقدم قراءتي المتواضعة وإن كنت قد اعتذرت من عروبة على لخاص لعدم تخصصي في مجال النقد وضيق وقتي.

قراءة في نص "رفقة الأمس"

من نافل القول في هذا الاستهلال؛ التركيز على الجنس الأدبي للنص؛ ومعروف أن للكتابة "قوانينها" التي يؤكدها ويعيد إنتاجها مفهوم الجنس الأدبي. وعندما قرأت نص الكاتبة عروبة وجدتها قد خرقت الأساس السلطوي الأول للكتابة (الجنس الأدبي). ف"رفقة الأمس" كبسولة أدبية معقدة؛ ملتبسة بين جنس القصة والرواية والخاطرة، وبذلك نفت صاحبة النص الجنس الأدبي النقي.
"رفقة الأمس" للأديبة عروبة هو نص اتسم بالتميز والتفنن الإبداعي في نقل الأحاسيس والمشاعر المرهفة، إذ تركت الكاتبة للقلم حرية الإبداع وللنفس أريحية التعبير في التصوير؛ فحرفها التخييلي المزخرف أبان عن ملكة وعاطفة لأديبة عاشقة للحرف والهمس، وكلما تفحصت النص كلما خالجني احساس عميق بارتباط النص بذات الأديبة، ونفسيتها المنمة عن طهر روحي وحنين لماض تليد؛ وكأنني بها اتخذت من لواعج النفس وخلجاتها مادة خام أثثت بها النص؛ وهو الشيء الذي يحقن النفس بموصل الدهشة والاستغراب خاصة وأنني أمام نص يكتنفه الغموض والإبهام.
ومما لا شك فيه أن القارئ النهم للنصوص الأدبية بات يتخبط في تعدد المقاربات النقدية والترسانات التقنية الموظفة في العملية التحليلية، وأنا هنا سأحاول سبر أغوار النص لأخوض بذلك غمار التجربة النقدية.
فإذا ما عدت إلى العنوان باعتباره بوابة رئيسية و مهادا للتعارف بين المتلقي والنص، وجدت نفسي أمام مساءلة مشروعة لاستنطاقه وتفكيك بنيته؛ لأجد أنه مكون من جملة إسمية؛ وهو على علاقة تعالق بالنص وإن ورد مبتدؤه (رفقة) بصيغة الجمع؛ في حين أن الكاتبة ركزت الاهتمام على شخصية واحدة و وحيدة من الرفاق (مانويل)؛ هي محرك النص ونبضه؛ شخصية أفردها واقع الحكي؛ لذلك كان لا بد من هذه الناحية أن يوسم النص ب"رفيق الأمس"؛ وقد يطرح هذا المبتدأ (رفيق) علامة استفهام في علاقته مع مشاعر الكاتبة التي تؤثت النص، والأصوب أن يرد العنوان محصورا في اسم "مانويل" ليتحقق الاتصال والعلاقة اللازمة اللازبة بين النص وعتبته.
فالعنوان الذي يشوبه الغموض والإبهام يكون بمثابة محفز للمتلقي يجعله يشحد اهتمامه في محاولة منه لكشف المستور أو المستكنه في النص؛ مما يبعث في النفس الشعور بالمتعة والتشويق؛ وعليه فالإثارة تستهوي القارئ النهم وتجعله يسعى وراءها كي يروي عطشه من المادة الدسمة التي بين يديه.
وهو الأمر الذي استشعرته بعد ذلك في شخصية "مانويل"؛ ذلك البطل الذي شكل جسد النص وعموده الفقري؛ فكل الأحداث دارت في فلكه، وهو الحاضر الغائب في مخيلة الأديبة وواقعها، وكيف لا وهو الجار والصديق الذي تحمل له في جعبتها الكثير من الذكريات؛ التي وإن جار الزمان عليها إلا أنها أبت أن تنصاع للنسيان، فعطرته بحنينها في براد ذاكرتها وعتقته بنبيذ الأحلام، وهو الصديق الأقرب للروح، (أخفيت رأسي المثقل بالهموم بين يدي اللتين اشتقتا لعناقه والبوح له بآلامي ومشاكلي.... كنت أسترسل والأمل يضمد جراحي أعلل نفسي بغد من الأمنيات....)، وقد يكون الحبيب العصي على النسيان (أما اليوم عاد ليطارحني الأمل، فتحت باب المنزل وعطر رجولته الذي راح ينسكب من البطاقة يتسلل من بين أصابعي مالئاً أرجاء الصالة التي كانت تحتاج إلى فتح جهاز التبريد الهوائي ليسري بالمنزل بعض من الأجواء الباردة المنعشة)، فعطر الرجولة داعب أناملها و أوقد مشاعر جياشة فرضتها عودة الحبيب الأول؛ رفيق الطفولة، عودة محققة بعدما كانت مسطورة في الفؤاد أملا مزدوجا؛ عودة ألزمت البطلة فتح جهاز التبريد الهوائي لتخفف من وقع الحدث وحمئته من لهيب موقد على شمولية ذاتها بمستويين؛ مستوى ناري مضطرم بحرارة الشوق، ومستوى نوري موقد من مشكاة الأمل الذى أصبح واقعا؛ و استعارت (الصالة)-وهي مكان استقبال أغلى الضيوف في ثراتنا العربي- كناية عن قلبها الذي أفردته لمانويل وضمخه عطر رجولته المفقود منذ آخر لقاء، كما استعارت المنزل كناية لتضعنا أمام صورة كليتها المضطرمة شوقا، المُنارة بفعل الحضور الذى أجلى وعدا ذات فراق بإسدال الظلام في آخر النفق، بعدم واستحالة اللقاء. وهذا ما جعل عروبة توظف"مانويل" كشخصية مرجعية ثابتة استمدت منها طاقتها ونور قلبها. وهو الشيء الذي يظهر جليا في قراءة ثانية معمقة لشخصية مانويل البهي الطلعة الأنيق الطلة، وبطلة النص الثابتة الصامدة أمام رياح التغيير، بطلين يتقاسمان حلم العودة إلى الأرض المفقودة؛ حيث نستشف أنهما يشكلان تماثلا لثقافتين وديانتين طبعهما السلام والتعايش وحسن الجوار وفرقهما جور العدو المتسلط الجبار.
و تتميز لغة النص بقربها الشديد من الحياة العملية فتقدم صورا مباشرة (وعدت أدراجي إلى منزلنا الذي يقع على بُعد أميال من منزلهم- صباح اليوم التالي، توجهت كما كل يوم إلى عملي، نشيطة مرتدية ملابسي التي ابتعتها يوم أمس، دخلت المكتب بنشاط وحيوية لمحها زملائي...)، ولكنها تقدم في أحيان كثيرة بالمجاز (دخلوا قلوبنا- لم تعد أمه تتوسل الزمن أن يوقف نبضها- توجهت إلى سيارتي التي لسعتها الشمس بحراراتها)، وفيها هفوات من الركاكة تحير القارئ بين قوة جمالية الوصف و تدبدب اللغة أحيانا (وفهم أنني فهمت مايريد ولن أوافقه على أفكاره المجنونة التي لن أؤمن بها، تجلدت أمامه وتماسكت لأنها عليه بالرد دفعة واحدة - صعدت إلى غرفتي التي نسيت إغلاق نافذتها التي فتحتها صباحاً- وابتعدت عن الساحل المؤدي إلى منزلنا الصيفي، مرت الأعوام لأشعر بشيء من الإنقباض، غادرت مكتبي باكراً، خرجت من المبنى لألمح طيفاً أنيق الطلة وسيم المحيا، يقترب من باب المبنى الذي خرجت منه) وهذا يسلب القارئ لذة تذوق الحرف والمتعة التي لا تحكى؛ وهو ما لا نغفره للأديبة عروبة التي عودتنا على حرف مميز.
في مقابل هذا تفاجئنا الساردة بمقاطع شاعرية ذات صور أبعد ما تكون عن المباشرة وهي تسحرنا بقولها (هبطت ستائر الليل بمخملية بانورامية ترصد سحرها العدسات الذكية بعد حفل عشاء صاخب - في واحة أيلول التي احتضنت تناقضات الطبيعة، واختزلت مواسمها العطرية التي أهدتها لزوارها ندية رطبة - طارحها زهر الخريف الغزل، وعتق شفافها بكرز الأمنيات - ويخضر الأمل في عيوننا...)
وتجدر الإشارة إلى كون عروبة في نصها هذا تسلحت بذخيرتها الوصفية، واستدعت كل الأوصاف لتعبر عن شغفها العشقي للطبيعة، وكل ما هو جميل في هذا الكون المشحون صراعا؛ ليغطي بذلك مساحة كبيرة من النص حين وصفت مانويل بصفات الأناقة والجمال، وتدرجت لتصف أشجار الياسمين والمنحدرات الجبلية وحرارة الشمس اللافحة ، وكل ما صدفها في الطبيعة من جمال جعل من النص وصفيا بامتياز؛ ليقارب بذلك الخاطرة المعبرة عن الأحاسيس والمشاعر.
أما السرد فقد اتخذ منحى آخر؛ فأديبتنا تسارعت لديها الأحداث، فأنزلتها في النص إنزالا بشكل شتت اتساق الأفكار، و قطع الخيط الناظم للحكي، وأفقده الانسجام والترابط؛ فتداخلت الأحداث بين الماضي والحاضر وانتقلت نحو استشراف المستقبل الشيء الذي يزعج القارئ ويجعله يتوه في درب الحكاية، والأجدر لو أعطت لهذه الأخيرة حقها في سرد الأحداث وتفصيلها لتنقلنا إلى عالمها؛ خصوصا وأننا نلمح نوعان ضمنيان من الحكي؛ حكي حول ثقافتين مختلفتين والعلاقة الضبابية؛ الغير معلن عنها بشكل مباشر بين الكاتبة ومانويل، وحكي حول الحناجر المذبوحة، وضياع الأرض والحلم بالعودة إليها؛ وإن على يد الأجيال القادمة، ثم حدث القرن المسمى صفقة القرن أو كما أطلقت عليه الكاتبة صفعة القدر.
و كل ما عرفناه عن الشخصيات والأحداث؛ فكان بلسان الكاتبة عن طريق توظيفها لضمير المتكلم في النص إذ كانت على دراية تامة بالأحداث، حبذا لو أن عروبة فتحت باب الحوار بين الشخصيات لتتحول من كائنات ورقية إلى شخصيات فاعلة في النص؛ لها ردود أفعالها وسماتها المميزة لها؛ سواء تعلق الأمر بما هو ثقافي، اجتماعي، أو فكري، وهو الأمر الذي غاب على أديبتنا؛ إذ جردت الشخصيات المحدودة في مانويل -العصب الحسي للقص-، ورفاقه مع فتاة الثلج –المحتشمي الظهور-؛ من الحوار ليبرز المنولوك الداخلي الصامت؛ المعبر عن الأحاسيس والمغيب للحوار الخارجي؛ الذي من خلاله تتضافر الأحداث وتنمو؛ ليستشف القارئ تركيبة الشخصيات ودورها في النص الحدث، فأديبتنا احتفظت بكل ما هو جمالي في الوصف، وغيبت وظائف وأبعاد مقومات النص والأدوار التي تضطلع بها في نسج وبناء نص حكائي إن صح القول.
أما الأمكنة فقد شكلت فيها عناصر الطبيعة (اهتزت أغضان الأشجار – قمم الجبال- كانت الاستراحات تكتظ بمحبي العطل- المنحدرات تهدر بها أصوات الشلالات والينابيع الحارة...) الجزء الأكبر في النص وهو الأمر الذي يدل على عشق الكاتبة للطبيعة وجمالها؛ إذ كانت هي الأرضية الخصبة لأفكار ها وتمثلاتها.
وعن زمن النص، فهو يتأرجح بين زمن الرواية بواسطة آلية التذكر؛ التي تعتبر بمثابة نظام لإعادة تشكيل الذاكرة الحية للكاتبة، باعتبار الزمن مفتاحا لسيل من الأحداث المتقاطعة والمتشابكة، وزمن القصة حيث دارت مجريات الأحداث بعد القطيعة الفعلية بين البطلين، في أيام معدودة بين آخر فترة من العمل مع ظهور البطل من جديد، وفترة الإجازة القصيرة التي تتالت فيها الأحداث بسرعة فائقة. و قد خدم النص بشكل قوي كل من الفعل الماضي والحاضر على حد سواء؛ باسترجاع الأول للأحداث المخزونة في الذاكرة، وضرورة الثاني لمواكبة الأحداث اليومية ليبقى زمن المستقبل نادرا.
ولن يفوتني القول بأن النص الذي بين أيدينا يكتنفه الغموض ويثير الفضول حول ما هو شخصي ومكتوب وحول إرادة الكاتبة وما أبدعته، وبين تجاربها الذاتية وانعكاساتها في عالمها الفني، وبين حدود عالمها الخاص وثخوم عالمها الإبداعي.
وسأكتفي بهذا وأستسمحكم عذرا فحالي في النقد كحال عروبة في الحكي فإن وجد أحدكم من استطالة فليقل طغى القلم فذاك من دواعي الكرم، وإن رامني خطأ فسامحوني، وإن صدر زلل فأبيحوني، ولكم مني وللأديبة عروبة أصدق عبارات الود والاحترام فتجربتها هي "نص" كما يقول "بارت" تفتقد لعناصر القصة والحكاية ولكن هذه المسحة الفنية المشبوبة محاولة جادة تستحق التقدير والقراءة، ويحق لها الاعتزاز بها والعمل على تطويرها وتقنينها؛ حتى نرى إنتاجها إن شاء الله يفرض وجوده في السوق الأدبية.

خولة السعيد 12 / 05 / 2020 56 : 08 AM

رد: نص للنقد
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ليلى مرجان (المشاركة 245417)
قتباس
مشاهدة المشاركة المشاركة الأصلية كتبت بواسطة arouba shankan

كل الشكر لك ليلى أفيديني عزيزتي بأي نقد حول اي فقرة أكون سعيدة
نشطت بتعليق أ.محمد الصالح كثيراً، وضعني على الكثير من الخطوات الصائبة
استفدت فله كل الشكر ولك أيضاً
مودتي وتقديري

..وحتّى نبقي العمل في الواجهة ـ أرجو من الجميع إضافة لبنة لنؤسّس لثقافة النّقد البنّاء وحتى لا نكتفي بالقراءة فقط..شكرا لك مرّة أخرى أختي الأستاذة الأديبة عروبة على الاهتمام بكلّ ما يُقال حول عملك الرّائع !! ورمضان كريم.. (محمد الصالح الجزائري)

نزولا عند رغبة الغاليين الشاعر الكبيرمحمد الصالح والأديبة عروبة أقدم قراءتي المتواضعة وإن كنت قد اعتذرت من عروبة على لخاص لعدم تخصصي في مجال النقد وضيق وقتي.

قراءة في نص "رفقة الأمس"

من نافل القول في هذا الاستهلال؛ التركيز على الجنس الأدبي للنص؛ ومعروف أن للكتابة "قوانينها" التي يؤكدها ويعيد إنتاجها مفهوم الجنس الأدبي. وعندما قرأت نص الكاتبة عروبة وجدتها قد خرقت الأساس السلطوي الأول للكتابة (الجنس الأدبي). ف"رفقة الأمس" كبسولة أدبية معقدة؛ ملتبسة بين جنس القصة والرواية والخاطرة، وبذلك نفت صاحبة النص الجنس الأدبي النقي.
"رفقة الأمس" للأديبة عروبة هو نص اتسم بالتميز والتفنن الإبداعي في نقل الأحاسيس والمشاعر المرهفة، إذ تركت الكاتبة للقلم حرية الإبداع وللنفس أريحية التعبير في التصوير؛ فحرفها التخييلي المزخرف أبان عن ملكة وعاطفة لأديبة عاشقة للحرف والهمس، وكلما تفحصت النص كلما خالجني احساس عميق بارتباط النص بذات الأديبة، ونفسيتها المنمة عن طهر روحي وحنين لماض تليد؛ وكأنني بها اتخذت من لواعج النفس وخلجاتها مادة خام أثثت بها النص؛ وهو الشيء الذي يحقن النفس بموصل الدهشة والاستغراب خاصة وأنني أمام نص يكتنفه الغموض والإبهام.
ومما لا شك فيه أن القارئ النهم للنصوص الأدبية بات يتخبط في تعدد المقاربات النقدية والترسانات التقنية الموظفة في العملية التحليلية، وأنا هنا سأحاول سبر أغوار النص لأخوض بذلك غمار التجربة النقدية.
فإذا ما عدت إلى العنوان باعتباره بوابة رئيسية و مهادا للتعارف بين المتلقي والنص، وجدت نفسي أمام مساءلة مشروعة لاستنطاقه وتفكيك بنيته؛ لأجد أنه مكون من جملة إسمية؛ وهو على علاقة تعالق بالنص وإن ورد مبتدؤه (رفقة) بصيغة الجمع؛ في حين أن الكاتبة ركزت الاهتمام على شخصية واحدة و وحيدة من الرفاق (مانويل)؛ هي محرك النص ونبضه؛ شخصية أفردها واقع الحكي؛ لذلك كان لا بد من هذه الناحية أن يوسم النص ب"رفيق الأمس"؛ وقد يطرح هذا المبتدأ (رفيق) علامة استفهام في علاقته مع مشاعر الكاتبة التي تؤثت النص، والأصوب أن يرد العنوان محصورا في اسم "مانويل" ليتحقق الاتصال والعلاقة اللازمة اللازبة بين النص وعتبته.
فالعنوان الذي يشوبه الغموض والإبهام يكون بمثابة محفز للمتلقي يجعله يشحد اهتمامه في محاولة منه لكشف المستور أو المستكنه في النص؛ مما يبعث في النفس الشعور بالمتعة والتشويق؛ وعليه فالإثارة تستهوي القارئ النهم وتجعله يسعى وراءها كي يروي عطشه من المادة الدسمة التي بين يديه.
وهو الأمر الذي استشعرته بعد ذلك في شخصية "مانويل"؛ ذلك البطل الذي شكل جسد النص وعموده الفقري؛ فكل الأحداث دارت في فلكه، وهو الحاضر الغائب في مخيلة الأديبة وواقعها، وكيف لا وهو الجار والصديق الذي تحمل له في جعبتها الكثير من الذكريات؛ التي وإن جار الزمان عليها إلا أنها أبت أن تنصاع للنسيان، فعطرته بحنينها في براد ذاكرتها وعتقته بنبيذ الأحلام، وهو الصديق الأقرب للروح، (أخفيت رأسي المثقل بالهموم بين يدي اللتين اشتقتا لعناقه والبوح له بآلامي ومشاكلي.... كنت أسترسل والأمل يضمد جراحي أعلل نفسي بغد من الأمنيات....)، وقد يكون الحبيب العصي على النسيان (أما اليوم عاد ليطارحني الأمل، فتحت باب المنزل وعطر رجولته الذي راح ينسكب من البطاقة يتسلل من بين أصابعي مالئاً أرجاء الصالة التي كانت تحتاج إلى فتح جهاز التبريد الهوائي ليسري بالمنزل بعض من الأجواء الباردة المنعشة)، فعطر الرجولة داعب أناملها و أوقد مشاعر جياشة فرضتها عودة الحبيب الأول؛ رفيق الطفولة، عودة محققة بعدما كانت مسطورة في الفؤاد أملا مزدوجا؛ عودة ألزمت البطلة فتح جهاز التبريد الهوائي لتخفف من وقع الحدث وحمئته من لهيب موقد على شمولية ذاتها بمستويين؛ مستوى ناري مضطرم بحرارة الشوق، ومستوى نوري موقد من مشكاة الأمل الذى أصبح واقعا؛ و استعارت (الصالة)-وهي مكان استقبال أغلى الضيوف في ثراتنا العربي- كناية عن قلبها الذي أفردته لمانويل وضمخه عطر رجولته المفقود منذ آخر لقاء، كما استعارت المنزل كناية لتضعنا أمام صورة كليتها المضطرمة شوقا، المُنارة بفعل الحضور الذى أجلى وعدا ذات فراق بإسدال الظلام في آخر النفق، بعدم واستحالة اللقاء. وهذا ما جعل عروبة توظف"مانويل" كشخصية مرجعية ثابتة استمدت منها طاقتها ونور قلبها. وهو الشيء الذي يظهر جليا في قراءة ثانية معمقة لشخصية مانويل البهي الطلعة الأنيق الطلة، وبطلة النص الثابتة الصامدة أمام رياح التغيير، بطلين يتقاسمان حلم العودة إلى الأرض المفقودة؛ حيث نستشف أنهما يشكلان تماثلا لثقافتين وديانتين طبعهما السلام والتعايش وحسن الجوار وفرقهما جور العدو المتسلط الجبار.
و تتميز لغة النص بقربها الشديد من الحياة العملية فتقدم صورا مباشرة (وعدت أدراجي إلى منزلنا الذي يقع على بُعد أميال من منزلهم- صباح اليوم التالي، توجهت كما كل يوم إلى عملي، نشيطة مرتدية ملابسي التي ابتعتها يوم أمس، دخلت المكتب بنشاط وحيوية لمحها زملائي...)، ولكنها تقدم في أحيان كثيرة بالمجاز (دخلوا قلوبنا- لم تعد أمه تتوسل الزمن أن يوقف نبضها- توجهت إلى سيارتي التي لسعتها الشمس بحراراتها)، وفيها هفوات من الركاكة تحير القارئ بين قوة جمالية الوصف و تدبدب اللغة أحيانا (وفهم أنني فهمت مايريد ولن أوافقه على أفكاره المجنونة التي لن أؤمن بها، تجلدت أمامه وتماسكت لأنها عليه بالرد دفعة واحدة - صعدت إلى غرفتي التي نسيت إغلاق نافذتها التي فتحتها صباحاً- وابتعدت عن الساحل المؤدي إلى منزلنا الصيفي، مرت الأعوام لأشعر بشيء من الإنقباض، غادرت مكتبي باكراً، خرجت من المبنى لألمح طيفاً أنيق الطلة وسيم المحيا، يقترب من باب المبنى الذي خرجت منه) وهذا يسلب القارئ لذة تذوق الحرف والمتعة التي لا تحكى؛ وهو ما لا نغفره للأديبة عروبة التي عودتنا على حرف مميز.
في مقابل هذا تفاجئنا الساردة بمقاطع شاعرية ذات صور أبعد ما تكون عن المباشرة وهي تسحرنا بقولها (هبطت ستائر الليل بمخملية بانورامية ترصد سحرها العدسات الذكية بعد حفل عشاء صاخب - في واحة أيلول التي احتضنت تناقضات الطبيعة، واختزلت مواسمها العطرية التي أهدتها لزوارها ندية رطبة - طارحها زهر الخريف الغزل، وعتق شفافها بكرز الأمنيات - ويخضر الأمل في عيوننا...)
وتجدر الإشارة إلى كون عروبة في نصها هذا تسلحت بذخيرتها الوصفية، واستدعت كل الأوصاف لتعبر عن شغفها العشقي للطبيعة، وكل ما هو جميل في هذا الكون المشحون صراعا؛ ليغطي بذلك مساحة كبيرة من النص حين وصفت مانويل بصفات الأناقة والجمال، وتدرجت لتصف أشجار الياسمين والمنحدرات الجبلية وحرارة الشمس اللافحة ، وكل ما صدفها في الطبيعة من جمال جعل من النص وصفيا بامتياز؛ ليقارب بذلك الخاطرة المعبرة عن الأحاسيس والمشاعر.
أما السرد فقد اتخذ منحى آخر؛ فأديبتنا تسارعت لديها الأحداث، فأنزلتها في النص إنزالا بشكل شتت اتساق الأفكار، و قطع الخيط الناظم للحكي، وأفقده الانسجام والترابط؛ فتداخلت الأحداث بين الماضي والحاضر وانتقلت نحو استشراف المستقبل الشيء الذي يزعج القارئ ويجعله يتوه في درب الحكاية، والأجدر لو أعطت لهذه الأخيرة حقها في سرد الأحداث وتفصيلها لتنقلنا إلى عالمها؛ خصوصا وأننا نلمح نوعان ضمنيان من الحكي؛ حكي حول ثقافتين مختلفتين والعلاقة الضبابية؛ الغير معلن عنها بشكل مباشر بين الكاتبة ومانويل، وحكي حول الحناجر المذبوحة، وضياع الأرض والحلم بالعودة إليها؛ وإن على يد الأجيال القادمة، ثم حدث القرن المسمى صفقة القرن أو كما أطلقت عليه الكاتبة صفعة القدر.
و كل ما عرفناه عن الشخصيات والأحداث؛ فكان بلسان الكاتبة عن طريق توظيفها لضمير المتكلم في النص إذ كانت على دراية تامة بالأحداث، حبذا لو أن عروبة فتحت باب الحوار بين الشخصيات لتتحول من كائنات ورقية إلى شخصيات فاعلة في النص؛ لها ردود أفعالها وسماتها المميزة لها؛ سواء تعلق الأمر بما هو ثقافي، اجتماعي، أو فكري، وهو الأمر الذي غاب على أديبتنا؛ إذ جردت الشخصيات المحدودة في مانويل -العصب الحسي للقص-، ورفاقه مع فتاة الثلج –المحتشمي الظهور-؛ من الحوار ليبرز المنولوك الداخلي الصامت؛ المعبر عن الأحاسيس والمغيب للحوار الخارجي؛ الذي من خلاله تتضافر الأحداث وتنمو؛ ليستشف القارئ تركيبة الشخصيات ودورها في النص الحدث، فأديبتنا احتفظت بكل ما هو جمالي في الوصف، وغيبت وظائف وأبعاد مقومات النص والأدوار التي تضطلع بها في نسج وبناء نص حكائي إن صح القول.
أما الأمكنة فقد شكلت فيها عناصر الطبيعة (اهتزت أغضان الأشجار – قمم الجبال- كانت الاستراحات تكتظ بمحبي العطل- المنحدرات تهدر بها أصوات الشلالات والينابيع الحارة...) الجزء الأكبر في النص وهو الأمر الذي يدل على عشق الكاتبة للطبيعة وجمالها؛ إذ كانت هي الأرضية الخصبة لأفكار ها وتمثلاتها.
وعن زمن النص، فهو يتأرجح بين زمن الرواية بواسطة آلية التذكر؛ التي تعتبر بمثابة نظام لإعادة تشكيل الذاكرة الحية للكاتبة، باعتبار الزمن مفتاحا لسيل من الأحداث المتقاطعة والمتشابكة، وزمن القصة حيث دارت مجريات الأحداث بعد القطيعة الفعلية بين البطلين، في أيام معدودة بين آخر فترة من العمل مع ظهور البطل من جديد، وفترة الإجازة القصيرة التي تتالت فيها الأحداث بسرعة فائقة. و قد خدم النص بشكل قوي كل من الفعل الماضي والحاضر على حد سواء؛ باسترجاع الأول للأحداث المخزونة في الذاكرة، وضرورة الثاني لمواكبة الأحداث اليومية ليبقى زمن المستقبل نادرا.
ولن يفوتني القول بأن النص الذي بين أيدينا يكتنفه الغموض ويثير الفضول حول ما هو شخصي ومكتوب وحول إرادة الكاتبة وما أبدعته، وبين تجاربها الذاتية وانعكاساتها في عالمها الفني، وبين حدود عالمها الخاص وثخوم عالمها الإبداعي.
وسأكتفي بهذا وأستسمحكم عذرا فحالي في النقد كحال عروبة في الحكي فإن وجد أحدكم من استطالة فليقل طغى القلم فذاك من دواعي الكرم، وإن رامني خطأ فسامحوني، وإن صدر زلل فأبيحوني، ولكم مني وللأديبة عروبة أصدق عبارات الود والاحترام فتجربتها هي "نص" كما يقول "بارت" تفتقد لعناصر القصة والحكاية ولكن هذه المسحة الفنية المشبوبة محاولة جادة تستحق التقدير والقراءة، ويحق لها الاعتزاز بها والعمل على تطويرها وتقنينها؛ حتى نرى إنتاجها إن شاء الله يفرض وجوده في السوق الأدبية.

رائعة ليلى في قراءتك للنص ... أجدت وأحسنت .. فكان لقراءة نصك حلاوة ومتعة

ليلى مرجان 12 / 05 / 2020 04 : 11 AM

رد: نص للنقد
 

شكرا خولة على تعليقك المشجع، دمت قارئة واعية


الساعة الآن 51 : 04 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية