![]() |
علبة الكبريت
كانت زوجته ذات مزاج حادّ للغاية، لا يُعْجِبُها العجب ولا الصيام في رجب! عندما قدّم لها قبل يومين هديّة بمناسبة الابتسامة التي رسمتها على تقاطيع وجهها، قالت بأنّها تفضّل الحلوى بالبندق. وكان هو على ثقة تامّة بأنّها تكره حتّى رائحة البندق. صمت الرجل الخجول وفضّل النوم ساعات قبل أن يذهب للعمل بعد ظهر ذلك اليوم. أجبرته على الإستيقاظ من النوم بعد نصف ساعة وصاحت بأنّ الذبابة قد تسلّطت عليها وأخذت تلاحقها من زاوية الى أخرى. قال على مضض: أين الذبابة؟ فأجابت بأنّها رحلت حين أدركت بأنّ رجل البيت قد استيقظ. لبس ملابسه وطلب منها فنجان قهوة. قالت بدلال: حاضر يا حبيبي. ومضت تعمل القهوة، أراد أن يشعل سيجارته فلم يجد عود ثقاب أو قدّاحة. طلب منها إحداهما فقالت بأنّ القدّاحة لا تعمل والثقاب قد نفذ. اعتذر عن شرب القهوة معها. كان من المستحيل عليه أن يشرب القهوة دون سيجارة، مضى على عجل يشتري علبة كِبْريت. قابل صديقه في المقهى القريب وجلس وإيّاه لشرب القهوة، أشعل له صديقه السيجارة فسأله قائلاً: - الى أين أنت ذاهب؟ - الى الميناء أبحث عن عمل. - لكنّه يبعد عن المدينة ما يقارب أل 500 كيلومتر. - وما المانع .. هل ترغب بالحضور معي الى هناك. العمل أكيد يا صديقي، لقد اتّصلوا بي هاتفيّاً - ولِمَ لا .. لكنّي لم أخطر زوجتي بذلك. على أيّة حال، هي فرصة لتغيير الجوّ والحصول على بعض المال. ولا أظنّها تعارض. صَعِدَ الى الحافلة، أدرك بأنّ للهواء مذاق جميل خاصّة حين يكون مجبولاً مع الإحساس بالحريّة المفقودة على علاّقة السنين. مضت الحافلة تقطع المسافة بهدوء، نام في الكرسيّ المُريح، وبعد ساعات من السفر الطويل سمع صوت الرنّة المألوفة، كانت زوجته على الطرف الآخر للحريّة. قرأ على الشاشة الصغيرة (حسّونتي) وهو اللقب الذي كان ينادي به زوجته المدلّلة، فتح شبّاك الحافلة وقذف بجهاز الهاتف المحمول الى البعيد. طار طيفها الغاضب، وسرعان ما نام مجدّداً. حلم بها تصرخ بكلّ عنفوانها وصوتها المدوّي "لماذا قذفت بي من شبّاك الحافلة يا خائن". حمد الله كثيراً حين استيقظ من النوم ووجد نفسه وحيداً دونها. كانت الدنيا تغنّي وكانت الحياة تناديه مبشّرة هبط من الحافلة وسمع صوت البواخر تصفر في الأفق القريب. - يا له من صوتٍ جميل! بدأ العمل على الفور على متن الباخرة. أعجب به القبطان فقد كان مخلصاً في عمله، عرض عليه العمل على ظهر الباخرة وكان اسمها (الدانوب الأزرق). وافق على الفور وسرعان ما غادرت الباخرة الميناء تبحث عن مرافئ أخرى. بقي صاحبنا يسافر من بلدٍ الى آخر. مضت سنون طويلة وهو على ذلك الحال. وفي يومٍ ما ظهر على شاشة هاتفه المحمول رقمٌ مجهول، فأجاب على الفور وقال - آلو .. من هناك؟ - هل نسيتني يا زوجي الحبيب؟ كيف هان لكَ أن تهجرني طِوال هذه السنين. ألم تخبرني بأنّك ذاهبٌ لشراء علبة كِبريت؟ - نعم يا حسّونتي .. كانت المحلاّت مغلقة في تلك اللحظة، فقررت البحث عن علبة كبريتٍ في الجزء الآخر من الدنيا. - وهل وجدت ضالّتك يا عزيزي؟ - بالطبع يا عزيزتي، فأنا رجل عنيد ومثابر. وجدت حسّونتي التي كنت أبحث عنها أيضاً. |
رد: علبة الكبريت
نشرت يوم أمس "غنى كاظم وحزنت الهانم" الذي يتحدث عن غياب الرومانسية والعاطفية بعد الزواج عند الرجال وهاأنت تأتي بحسونة بالغت في الدلال ليتضح أن الإفراط في العناية أيضا ينفر ؛ جميلة هي هذه المفارقة وجميل تعبيرك.
تحياتي |
رد: علبة الكبريت
هل هو القدر الذي يغيرمسار حياة الإنسان ؟ .. لا شك في ذلك .. قص رائع وهو يهيم بنا في متاهات هذه الحياة .. في بعض الأحيان تكون أشياء بسيطة حاسمة في تغيير ذاك المسار خاصة إذا كان هناك ما يعكر الصفو.. رائحة الدانوب لها نكهة خاصة في هذا السرد الجميل .. أليس كذلك يا أخي خيري ؟ .. ربما مروره بعدة دول أـوربية ومنها بلغاريا ، يحكي مراحل من حياة .
رائعة قصتك أخي .. دمت مبدعا |
رد: علبة الكبريت
[frame="15 98"]
بسم الله الرحمن الرحيم أستاذي الفاضل خيري حمدان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شكر الله لك القصة هي في حد ذاتها موعظة , وكما قال الأستاذ حسن إن سبب تلك المشاكل الذنوب حين تتراكم على القلب ...يتعكر صفو الحياة و تصير الأشياء الجميلة قبيحة * الله المستعان* . سدد الله خطاكم وكتبكم عنده من سعداء الدارين إنه جواد كريم . [/frame] |
رد: علبة الكبريت
رائعة :sm4: استاذي الغالي خيري حمدان قصة في منتهى الروعة وذكرتني بقصة سمعتها عما قريب إمراة في الثمانين من عمرها طلبت الطلاق من زوجها عندما علمت أنها ستجمع معه في الآخرة .:sm124: لا تستمر الحياة بهذه الطريقة ولو في آخر يوم سيفر المظلوم وينشد الحرية شكرا لك استاذي ودمت في حفظ الله ورعايته . :sm113: |
رد: علبة الكبريت
[frame="1 98"]
الأديبة نصيرة تختوخ الدلال الزائد قاتل لأنّ الحياة الزوجية علاقة طويلة وتحتاج الى التفاهم والعطاء والتسامح، وإذا كان حبيبك عسل فلا تلتهمه بالكامل. شكراً لحضورك وفاعليّتك في المنبر [/frame] |
رد: علبة الكبريت
العزيز رشيد حسن
صحيح بأنّ القدر يلعب أحياناً أدواراً غير متوقّعة ولكنّها جميعاً ذات تاريخ ولا تأتي اعتباطاً. القصّة لها بعض العلاقة بالواقع. صديق لي وهو ممثّل ذهب يشتري كبريت وكانت البقّالة مغلقة فذهب الى وسط المدينة حيث حان وقت التدريبات على المسرحية وفي المساء كان يشارك في العرض المسرحي، بعد ذلك ذهب لحفلة عيد ميلاد أحد زملائه حيث تأخّر الوقت به فقضى ليلته عند زميله وفي اليوم التالي كان عليه الذهاب الى المسرح مجدّداً حيث التدريبات والعرض المسرحي المسائي. ذلك المساء دعائهم المخرج الى سهرة في إحدى المطاعم للإحتفال بنجاح المسرحية وذهب بعد ذلك للسهر عند المخرج حيث قضى ليلته هناك. في اليوم الثالث عاد الى البيت وأخبر زوجته التي تصغره بثلاثين عاماً بأنّ البقالة كانت مغلقة. هي كانت تعشقه ولا يمكنها الاستغناء عنه، وكانت تفهم حساسيته ورغبته بالاستقلال أحياناً. اتّصلت بالمسرح فأخبروها بأنّ بيتر متواجد ويقوم بالتدريبات المطلوبة، وفي اليوم التالي اتّصلت ألكسندرا بالمسرح مجدّداً فأخبروها بأنّه يقوم بعرضه المسائي. كان يكره الهواتف الجوّالة وكانت هي مشغولة في تلك الأثناء بترتيب المنزل والطبخ والاهتمام بطفليهما. كما ترى فإنّ القصّة التي ألهمتني علبة الكبريت تُعْطي للمرأة حقّها. لكنّ إرادة الكاتب والخيال الشرقي الذي تملّكني قلب الصورة رأساً على عقب. فعذراً يا معشر السيّدات. دمت بخير أخي رشيد |
رد: علبة الكبريت
[frame="1 98"]
الفاضلة وفاء النجّار أشعر براحة كبيرة حين أقرأ دعواتك ونحن الذين إرتضينا حمل الرسالة على هذه الدنيا الفانية. الذنوب تثل الضمير وطلب الغفران والرحمة نعمة وهبها الخالق للإنسان، ومهما طلبنا الغفران من الله سبحانه وتعالى فإنّنا نبقى مقصّرون أبداً أشكرك على التذكير بفضائل الإسلام والأدعية التي تطمئن القلوب. دمت بخير [/frame] |
رد: علبة الكبريت
[frame="1 98"]
الأديبة المبدعة العزيزة ميساء لا بدّ من وجود تناغم وتفاهم ما بين الطرفين وإلا أصبح مشوار العمر جحيماً. ربّما يكون الهرب أحياناً ضرورياً، وكما أشرت في ردّي للأخ رشيد فإنّ القصّة في الأساس تشير الى روعة المرأة وفاتني ذكر الدانوب الأزرق والذي كان سمثّل إبّان الحكم الحديدي الاشتراكي رمز الحريّة. فالدانوب الأزرق كان يُطْلَقْ على القطار الدولي، والذي كانت تقفل أبوابه لحظات بعد انطلاقه الى العالم الخارجي. الحياة عبارة عن رحلة طويلة فيها ما يسرّ وفيها ما يثقل على الروح التي تأبى الّا التسامي نحو فضاءات الحرّيّة. شكراً لحضورك وتواصلك مع هذا القصّ ودمت بخير [/frame] |
رد: علبة الكبريت
يطلق معظم الرجال على الزواج بأنه القفص الذهبي ، اي سجن ولكنه من ذهب، ويعتبر الرجل نفسه حراً طليقاً حتى تأتي من تكبل حريته وتسجنه وهي الزوجة ، انا ارى ان الزواج ليس قيد يخنقنا ، وعلى كلا الطرفين زوج كان ام زوجة ان يعطي الطرف الأخر مساحة من الحرية والخصوصية حتى لا تصبح الحياة كالحياة العسكرية ، بطلة القصة خنقت زوجها ففر في اول فرصة سنحت له ليبحث عن افاق جديدة ، ليستعيد ولو جزء من حريته التى كبتلها هذه الزوجة الدلوعة حد التلف. فكانت علبة الكبريت بمثابة تذكرة سفر الى افاق جديدة. واهمس لكل زوجة: اتقِ شر الحليم اذا غضب ، عندما يحب الرجل زوجته يغفر لها هفواتها ولكن عندما يطفح كيل الهفوات يغتنم اول فرصة ليدير ظهره لها ، فلا تخنقي حريته وامنحيه مساحة من الحرية يمارس فيها ما يحب ، لا تحاولي ان تسلطي عليه فضولك وتهلكيه بالأسئلة فهذا يشعره بأنك لا تثقي به، دعيه يسكن اليك ويفتح قلبه لك ويفكر معك بصوت عال. وهمسة للزوج: الدلال الزائد ليس دليل على الحب، فلا تفرط في تدليل زوجتك ، واظهر حبك لها بطرق اخرى، احترم خصوصيتها لتحترم خصوصيتك ، وامنحها الثقة وافرد لها مساحة كافية من وقتك حتى تترك لك مساحة لحريتك. قصة جميلة توصل رسالة مهمة لكل الأزواج. مبدع كعادتك خيري، كل التقدير والإعجاب، سلوى حماد |
رد: علبة الكبريت
[frame="3 98"]
العزيزة سلوى العلاقة الزوجية مقدّسة وضرورية وأحياناً يبقى التنافر بين الطرفين مستمرّاً إذا لم يتمكنوا من إيجاد اللغة المشتركة الواحدة. العلاقة لا تعني الامتلاك، ولكن المحبّة والتفاهم وأحياناً التنازل حتى تتحقّق السعادة. لقد كتبت ما يشبه تكملة لهذه القصّة وأفضت بالتوضيح والتحليل. أشكرك على هذا المجهود دمت سعيدة. [/frame] |
الساعة الآن 24 : 02 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية