منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   ( صور .. باللون الأحمر ) ’’ المجموعة الاولى ’’ الى ’’ المجموعة الحادية عشر ’’ (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=9579)

سليم عوض علاونة 18 / 03 / 2009 58 : 06 PM

( صور .. باللون الأحمر ) ’’ المجموعة الاولى ’’ الى ’’ المجموعة الحادية عشر ’’
 
[frame="2 98"]
[align=center][table1="width:95%;background-color:orange;"][cell="filter:;"][align=center]
(( صور ... باللون الأحمر ))
بقلم / سليم عوض علاونه
غــزة الصمود
+++++++++++++++
تنويه لا بد منه : إن جميع ما ورد وما سيرد في هذه الصور من شخوص وأحداث .. هي وقائع حقيقية وأحداث صادقة حدثت إبان العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة الصمود ، وليس للكاتب أي فضل على الأحداث سوى الصياغة الأدبية .
++++++++++++++++++++++++++++++++
( الصورة الأولى )
مع كل قذيفة مدفع .. مع كل قنبلة طائرة تقصف .. مع كل هدير قذيفة طراد بحري .. كانت الطفلة الرضيعة تصرخ بصوت غريب .. تبكي بأنين عجيب .. تذرف الدموع الغزيرة .. لم تجد الأم وسيلة إلا واستعملتها من أجل تهدئة الطفلة الرضيعة ..دون جدوى .. أخيراً لم تجد بداً من أن تلقمها ثديها الذي نضب لبنه وجفت دماءه .. هدأت الطفلة قليلاً .. حاولت ( مص الثدي ) بكل ما تبقى بها من قوة .. لم يجد الأمر نفعاً .. عادت للصراخ .. للأنين .. للبكاء .. قذفت بالثدي بعيداً.. ألقمتها الأم الثدي الآخر .. فلعل وعسى .. تقبلته الطفلة الرضيعة على مضض .. وفي اللحظة التي كانت تحاول ارتشاف الثدي ..كانت قذيفة المدفع تسبقها بصوتها المزمجر .. فتقصف المنزل على الرؤوس بدون سابق إنذار .. فتطاير الحجر .. والبشر .. والأشياء .
سارعت فرق الإنقاذ والدفاع المدني والطواقم الطبية والجيران للنجدة .. عملوا على رفع الأنقاض المتراكمة فوق الجميع .. لم يعثروا على أحد .. أي أحد .. لقد تطايرت الأشلاء في كل الأرجاء ... حاولوا جمع الأشلاء فلم يستطيعوا أن يجدوا شيئاً وكأن كل شيء قد تلاشى .. تبخر ..
أخيراً .. صدر صراخ ونداء عن بعض المسعفين عن بعد .. يستنجد بالآخرين .. يطلب المساعدة بالحضور السريع من الجميع لأنه عثر على شيء ما .. ركض الجميع نحوه .. حاولوا رفع الأحجار والأشياء المتراكمة في المكان .. تمكنوا أخيراً من الوصول إلى الهدف .. طفلة رضيعة .. هدأت تماماً عن الحركة .. عن البكاء .. دماء و دموع تغطي الوجه بالكامل .. وفي الفم ثمة ثدي .. ثدي .. بدون جسد ؟؟!!
+++++++++++++++++++++++
( الصورة الثانية )
كان يوما عصيباً بالنسبة له .. طوال اليوم وهو يعمل على إنقاذ عائلته من تحت الركام الرهيب المخيف .. استطاع مع فرق الإنقاذ أن يخرج الأموات من تحت الركام .. وثمة بعض المصابين كانوا في حالة يرثى لها .. إصابات قاتلة .. هرولوا بالجرحى للمستشفى .. مستشفى المدينة .. وجد نفسه وسط الأشلاء .. الموتى الجرحى .. قام بالمساعدة .. حاول مساعدة الجميع .. فالطواقم الطبية في المستشفى لا تستطيع القيام بواجبها لكل هذا الحشد من المصابين .. الجرحى .. ومعظمهم يحتاجون لعمليات سريعة .. عاجلة .. حمل هذا .. ساعد ذاك .. لم يدخر شيئاً من جهده .. عمل كل ما في طاقته .. أحس بالتعب العظيم .. بالإرهاق الشديد .. كاد أن يقع على الأرض عدة مرات مغشياً عليه .. خاصة لما شاهده من إصابات تصيب النفس والروح بالقشعريرة الغريبة .. ورائحة الموت من حوله في كل مكان تزكم الأنوف .. سمع صوت الأذان من المسجد القريب يدوي في الفضاء ... هرول نحو المسجد لأداء فريضة الصلاة .. شعر بالطمأنينة .. والهدوء داخل المسجد .. نوى الصلاة .. جماعة .. ركع .. ثم سجد ..
في لحظات السجود بخشوع .. كان المسجد يسجد فوق المصلين .. الساجدين .. إثر قصف قنبلة ذات وزن الطن ألقتها طائرة هوجاء في لحظة جنون أحمق ..
+++++++++++++++++++++++++
( الصورة الثالثة )
قرر الفرار من منطقة الجنوب ..حيث القصف والموت والدمار .. كان يسكن في أقصى الجنوب من القطاع .. قرر أن يفر بنفسه بعد أن هدمت طائرة بقذيفتها المخيفة منزله على رؤوس أسرته بالكامل .. لم يبق سواه .. كان خارج المنزل لحظة قصفه .. قرر اللجوء إلى منطقة أكثر أماناً ؟؟!! .. توجه إلى غزة المدينة .. حيث خطيبته .. ابنة عمه .. التي تعلق قلبه بها وتعلق قلبها به سنين طويلة ، ومنزل عائلتها وسط المدينة .. أحس بأن هناك الكثير من الأمان .. الهروب من الموت ..
استقبله أهل خطيبته بالترحاب .. أوسعوا له مكانا .. واسوه لمصابه الجلل بفقدان أسرته بالكامل .. قاموا بتهنئته بالسلامة .. أعدت خطيبته العشاء .. في اللحظة التي كانت تقدم له الطعام .. كانت القذيفة القاتلة تطغي على كل الأصوات .. وتهدم كل الأشياء .. وتحطم كل الأحلام .. تطايرت الأشلاء في كل مكان .. وبعضها تحت الركام الرهيب ..
فرق الإنقاذ والدفاع المدني عملت كل جهدها من أجل إنقاذ سكان المنزل دون جدوى .. فلقد تناثرت الأشلاء في كل مكان .. عملوا على جمعها من كل مكان .. صرخ أحد المنقذين في الجموع .. صارخاً : تعالوا جميعا .. انظروا .. ؟؟!! فهنا ثمة شيء غريب .. قلبين من قلوب البشر .. يتعانقان ؟؟!!
++++++++++++++++++++++++++



( الصورة الرابعة )
في الحيّ الذي أسكنه سقط عدد من الشهداء .. ثمة خمسة من الشهداء .. من خمس عائلات متجاورة .. بعد صلاة الفرض والسنة في مسجد الحي .. استعد الجميع للصلاة على الشهداء الخمسة .. قام بعض الشباب بإحضار نعش وتقدموا به ناحية المحراب حيث الإمام ينتظر .. وضعوا النعش في المقدمة .. استعد الإمام والمصلين للصلاة .. هتف الإمام بصوت متحشرج .. : أحضروا باقي الشهداء لنصلي عليهم جميعاً ... همس أحد المصلين في أذن الشيخ : سيدي .. هذا الذي في النعش الوحيد ... هو كل ما تبقى من الكل ؟؟؟!!

++++++++++++++++++
( الصورة الخامسة )

لأنها طفلة مطيعة .. طيبة .. مؤدبة .. استمعت لحديث الأم وقامت بتنفيذه فورا بحذافيره .. أفهمتها الأم بأن لا تجزع من صوت القصف .. ففعلت .. نصحتها بعدم البكاء أو النواح عندما تسمع زمجرة الطائرات المعربدة في الجو .. فانصاعت للأمر .. أخيراً أرشدتها إلى الملاذ من كل الأخطار .. والملجأ من كل النوائب .. ناولتها المصحف الكريم .. وطلبت منها أن تقرأ بعض السور والآيات .. نفذت الطفلة الأمر بروح عالية .. وراحت تمسك الكتاب الكريم بكلتا يديها .. تقرأ بصوت ملائكي رائع .. ما تستطيع قراءته .. كان صوتها يرتفع شيئاً فشيئاً .. تتلو .. تجود .. تقرأ .. حتى أصبح صوتها مدوياً كالرعد الملائكي ..
طغى على المكان صوت معربد كالرعد الشيطاني .. قذيفة دبابة حمقاء كانت تخترق الأسماع .. وتخترق الجدران .. فتطغى على كل الأصوات .. فتطايرت الأشياء والأشلاء .. في كل الأرجاء.
ثمة يدين بدون جسد .. أخرجوها من تحت الركام .. ولكن اليدين كانتا تطبقان بقوة وبشدة على كتاب الله ؟؟!!
+++++++++++++++++++++
( الصورة السادسة )
وقف على شرفة منزله ليستمع إلى المذياع الصغير .. يضعه على أذنه ليلتقط بعض الأخبار من هذه المحطة أو تلك .. وقف حوله أبناءه وبناته يسألونه عن الأخبار التي يستمع إليها ... كان يستمع إلى المذياع ثم يشرح لهم ..
قذيفة مباشرة من طائرة حمقاء مجنونة رصدته وقد استولى الشك عليها .. إصابة مباشرة أدت إلى استشهاده ... وإصابة بعض أبنائه وبناته ..
قمنا بالصلاة عليه في المسجد .. ومرافقته حتى المقبرة للقيام بواجب الدفن .. تم وضعه داخل اللحد .. واستعد الجميع لإهالة التراب عليه .. وما كادوا يفعلون حتى كان بعض الشباب والرجال يهرولون من بعيد صارخين في الجميع : انتظروا .. انتظروا قليلاً .. توقف الجميع عن إهالة التراب .. وصل القادمون نحو المكان .. هتف بهم شاب : ماذا هناك . لماذا تصرخون ؟؟.. رد عليه بعض القادمين : انتظروا قليلاً فثمة أحد أبناء الشهيد المصابين قد لحق بأبيه ؟؟؟ وعلينا أن نضعه في نفس القبر ؟؟!!
[/align][/cell][/table1][/align]

[/frame]

خيري حمدان 18 / 03 / 2009 21 : 09 PM

رد: ( صور .. باللون الأحمر )
 
الأديب سليم عوض علاونة
هذه ليست مداخلة عادية، فانا لا أملك الكثير من الكلام ولكني أملك القدرة على قراءة الفاتحة وما تيسر من القرآن الكريم على أرواح هؤلاء الشهداء.
واتساءل .. واتساءل .. واتساءل: لماذا هذا الحقد المتأصل؟ ولماذا هذا الدمار غير المسبوق؟ هذه إنسانية مشبوهة ومكلومة!
لقد مزقتني هذه الحكايا، ولعل التاريخ يسجّل معاناتك يا غزة
محبتي أخي المبدع

نصيرة تختوخ 18 / 03 / 2009 55 : 10 PM

رد: ( صور .. باللون الأحمر )
 
صور باللون الأحمر و بصوت صرخات الموت و الدمار و الخراب..
داس الظلم الإنسانية وارتفع جبروت الشر ولم يجد من يوقفه في حينه..لم يجد إلا ضحايا يسرق منهم أياما باسمة و يترك لهم صورا بلون الدم..
تقديري لك و لكلماتك المعبرة و رحمة الله على شهداء غزة.

ميساء البشيتي 19 / 03 / 2009 28 : 12 AM

رد: ( صور .. باللون الأحمر )
 
أخي العزيز واستاذي القدير سليم عوض علاونة

أرحب بك اخي سليم في بيتك نور الأدب ..هذا الصرح الأدبي الشامخ

الذي يزدهر باقلامكم الزاهية .

هذه القصص الدامية عاشتها غزة وربما عاشت أصعب منها

نشعر بغصة كبيرة عند القراءة لكننا نشعر بغصة أكبر لأننا قصرنا في حق غزة

أخي ابو باهر

ان شاء الله سترى هذه القصص النور وستفضح وحشية العدوان الصهيوني

وتفضح مدنيته وحضارته وتقدمه وتكشف للعالم أن هجمات المغول بوحشيتها

كانت ألف باء في ابجدية هذا العدو

أشكرك أخي أبو باهر واتمنى لك ايام حافلة بالنجاح والسعادة .

خيري حمدان 19 / 03 / 2009 46 : 12 AM

رد: ( صور .. باللون الأحمر )
 
الإخوة الإعزاء في منبر نور الأدب
أرجو البدء بالعمل على ترجمة هذا العمل لفضح العمليات الإجرامية التي قام بها الاحتلال وبكل اللغات الممكنة. أنا شخصيا سأعمل على ترجمتها للغة البلغارية وسأقرأ بعض المقاطع في المحافل الأدبية في صوفيا لاحقا.
محبتي

رشيد الميموني 19 / 03 / 2009 12 : 03 AM

رد: ( صور .. باللون الأحمر )
 
أحييك أخي الكريم سليم وأعبر عن مدى تأثري لما حدث ، وقد وصفته لنا بكل أمانة ..
وأضم صوتي إلى صوت أخي خيري في ما يخص الترجمة ..
وقد بدأت محاولتي المتواضعة بترجمة المقال إلى اللغة الفرنسية ..
دمتم جميع بكل الحب و المودة ..
ورحم الله شهداءنا الأبرار .

هدى نورالدين الخطيب 19 / 03 / 2009 53 : 04 AM

رد: ( صور .. باللون الأحمر )
 
[align=justify]
القاص والأديب الأستاذ سليم عوض علاونة
الحيفاوي الغزاوي الفلسطيني الأصيل
للمرة الثانية أهلا وسهلاً ومرحبا بك بين أهلك وذويك
عمل وطني ممتاز كلمات الشكر عليه قليلة
شرقت بالدموع.. والغصة مرة..
مؤلم وموجع لكنه ضروري وترجمة هذه الصور أيضاً ضرورة
لم يعان شعب ما عاناه الشعب الفلسطيني ولكن..
سيدفع الصهاينة بإذن الله ثمن كل قطرة دم بريئة سالت غالياً جداً
أشكر الأستاذ خيري أن دعا للترجمة والأستاذ رشيد أن بدأ بالفعل ترجمة هذه الصور إلى الفرنسية
إن شاء الله حين أنتهي من ترجمة وتوثيق المجازر منذ بداية القرن العشرين إلى الإنكليزية أقوم بترجمة هذه الصور
أتمنى أن يستمر قلمك بهذا العطاء وتمنحنا المزيد من صور غزة الإباء والصمود
قمت بالتقييم وثبتّ النص
وتفضل بقبول أعمق آيات تقديري واحترامي
[/align]

سليم عوض علاونة 20 / 03 / 2009 43 : 12 AM

رد: ( صور .. باللون الأحمر )
 
الأخوة والأخوات الكرام في موقع نور الأدب الزاهر ..
كل التحية والاحترام والتقدير أقدمها للجميع لهذه الاحتفالية الرائعة التي أعتز بها كل الإعتزاز وأفخر كل الفخر.
وكل الشكر لاهتمامكم ورعايتكم العظمية لأعمالي الأدبية المتواضعة .. وإفساح المجال لنشرها على موقعكم الكريم .
أرجو أن أكون عند حسن ظنكم جميعاً .. وأرجو أن نتواصل جميعاً في تأدية رسالتنا السامية من أجل رفعة شأن الأدب .. في شتى مجالاته وفروعه .
أرجو أن التقيكم على خير ومودة .. اقبلوا كل احترامي وتقديري ..
أخوكم
سليم عوض علاونه

سليم عوض علاونة 25 / 03 / 2009 49 : 05 AM

( صور ... باللون الأحمر ) ’’ المجموعة الثانية ’’
 
[align=center][table1="width:95%;background-color:orange;border:8px double darkred;"][cell="filter:;"][align=center]
( صور .. باللون الأحمر )
" المجموعة الثانية "
بقلم / سليم عوض علاونه
غـــــــــزة الصمــــــــود
+++++++++++++++++

" المجموعة الثانية "
=========

( الصورة الأولى )

ذهبنا لتعزيته باستشهاد ثلاثة من أبنائه .. لم ندر كيف نواسيه .. أو نخفف عنه لفقدانهم بالجملة .. استحضرنا كل عبارات التعزية المتعارف عليها .. استعرضنا كل جمل المواساة للتخفيف من المصاب الجلل .
وقفنا في الطابور الطويل الذي اصطف به الرجال .. الشباب ..الأطفال .. والشيوخ .. الجميع جاءوا ليقدموا واجب العزاء لوالد الشهداء وعائلتهم وذويهم .
بعد وقت طويل وصلنا حيث يقف الأب بشموخ وكبرياء وأنفة وعزة . عندما قمت بمصافحته وعناقه .. لم يسعفني لساني بأية عبارة أو كلمة مما جهزته لمواساة الرجل .. هالني أمر الرجل المفاجئ .. انخرط بالبكاء والأنين فجأة .. لم يلبث أن أسعفني لساني ببعض الكلمات أخيراً .. نطقت بها فكانت كلمات وحروف متداخلة مبتورة .. همهم الرجل .. زمجر .. بصوت متحشرج خاطبني من بين الدموع الغزيرة ..
- لا .. لا يا بني .. لا تظن بأني أبكي أبنائي الشهداء .. مطلقاً .. الأمر ليس كذلك .. ولكني أبكي لأن أبنائي الثلاثة الباقين .. هؤلاء الذين يقفون إلى جانبي الآن .. لم يلحقوا بأشقائهم الشهداء .
+++++++++++++++

( الصورة الثانية )

قمنا بتأدية واجب دفن مجموعة من الشهداء من أبناء الحيّ .. في مقبرة الحي الكبيرة .. وقفنا إلى جانب إمام المسجد وخطيبه نقرأ الفاتحة على أرواح الشهداء ..
ما كدنا ننهي الأمر ونبتعد عن المقبرة بعض الشيء .. حتى كان الزلزال المخيف يضرب المكان بعنف ورهبة .. قنبلة حمقاء تزن طن ألقتها على المكان طائرة حمقاء مجنونة .. .
بعد أن انقشع الغبار .. الدخان .. وتطايرت الأشياء .. أحجار القبور .. والأشلاء . هرولنا عائدين من جديد نحو المقبرة .. راعنا أن قبور الشهداء الذين قمنا بدفنهم قبل قليل .. وقبور الشهداء الآخرين الذين سبقوهم قد تناثرت في كل مكان .. وتطايرت أشلاء الشهداء متناثرة هنا وهناك في كل الأرجاء ..
رحنا نعمل بهمة ونشاط لجمع الأشلاء المتناثرة في المكان الفسيح .. لم يكن بنا حاجة لحفر القبور من جديد ..فثمة حفرة واسعة عميقة خلفتها القنبلة الرعناء .. وضعنا بها الأشلاء التي تمكنا من العثور عليها ..أشلاء الشهداء التي اختلط بعضها ببعض .. قمنا بردم الحفرة بعد أن غطينا الأشلاء بقطع كبيرة متباينة من الأخشاب .. الألواح .. الأحجار .. وما تمكنا على عجل من الحصول عليه من أشياء أخرى .
ووقفنا إلى جانب الإمام نقرأ الفاتحة على أرواح الشهداء من جديد ..
ما إن ابتعدنا قليلاً عن المكان .. حتى كان القصف العاصف من الطائرات الهوجاء يقصف المقبرة .. القبور .. الشهداء .. مرة أخرى من جديد ... تطايرت القبور وأشلاء الشهداء مرة أخرى .. تناثرت في كل مكان ... هتف الشيخ الإمام بصوت متحشرج :
- أولياء الله يستشهدون أكثر من مرة ؟؟!!
+++++++++++++++++++

( الصورة الثالثة )

كان يحلو لي دائماً مرافقة جارنا العجوز .. أتعلم منه الحكمة .. المعاني السامية .. الأخلاق الفاضلة ..
كنا لحظتها نعود من المسجد بعد صلاة الجماعة .. عندما كان يحدثني عن الصبر .. مفاهيمه .. معانيه .. وأهميته في وقت الشدة .. خاصة في مثل هذا الوقت الذي نمر به منذ أيام وأيام ..
ارتفع الصراخ المدوي المجلجل في شتى الأرجاء وسائر الأركان .. دوى في المكان صوت كقصف الرعد أو أشد هديراً .. يصم الآذان .. وتطاير كل شيء من حولنا .
ارتفع الدخان والغبار ليملآ الجو رهبة .. ومن خلال الظلام الرهيب للدخان الكثيف والغبار المتطاير والأشياء المتناثرة .. وبصعوبة استطعنا أن نحدد مكان القصف .. كان منزل جارنا العجوز .. هرولنا إلى المكان لاستطلاع الأمر .. ومحاولة المساعدة في الإنقاذ والإسعاف ... كان العجوز هو الأسرع إلى المكان .
بعد لحظات كان يعود .. اقترب مني شبح العجوز يحمل بين يديه شيئاً لم أتبينه إلا بصعوبة بالغة .. مد كلتا يديه نحوي .. رأيت الدموع في عينيه لأول مرة .. بينما كان يقدم لي الأشياء التي يحملها .. يبكي بحرقة .. يئن بألم .. هتف من بين الدموع بصوت متحشرج :
- سيدي .. انظر .. لقد ماتت الحمائم .. لقد قتلوها .. هدموا البيت وقتلوها .. يبدو أنها لم تغادر المنزل ، لقد آثرت البقاء لتموت فيه كما عاشت فيه ؟! .. خذ يا سيدي .. خذ هذه الحمائم الصغيرة ، لا تخش شيئاً .. فهي ميتة .. مقتولة .. مقتولة
سيدي .. " لماذا يقتلون الحمائم ؟؟!! " .
++++++++++++++++++

( الصورة الرابعة )

زوجة الدكتور روسية الأصل لعلها من روسيا البيضاء .. أو بلاروسيا . أو من الإتحاد السوفيتي سابقا .. تزوجها أثناء دراسته الجامعية هناك .. حصل على شهادة الدكتوراه وهي كذلك .. عادا إلى أرض الوطن .. عملا سوية طوال أكثر من عشر سنوات .. أنجبا فيها من الذكور ثلاثة .. ومن الإناث مثل ذلك .. كانا مثالاً للألفة والمحبة ومثلاً للحياة الزوجية .
اشتد القصف .. القتل والتدمير .. انتشر الموت في كل مكان نتيجة للقصف الهمجي من الجو والبر والبحر .. سمح لكل الأجانب بمغادرة غزة الملتهبة بالموت .. طلب منها زوجها الطبيب أن تغادر غزة برفقة الأطفال ليبعدها والأطفال عن خطر الموت المحدق بالجميع .. خاصة وأن له رسالة إنسانية كطبيب تحتم عليه البقاء في غزة .
رفضت المرأة المغادرة .. قررت أن تبقى إلى جوار زوجها وأولادها .. اعتبرت بأن غزة هي بلدها ... هي وطنها .. وصرحت له بأن مجرد التفكير بالمغادرة يعتبر خيانة .. خيانة عظمى .. وهي طبيبة مثله .. والواجب يحتم عليها ضرورة البقاء إلى جانب زوجها لعلاج الجرحى والمصابين.
أنهي نوبة العمل الشاق في مستشفى المدينة .. توجه لمنزله لأخذ قسط من الراحة .. وليحل محل زوجته في رعاية الأطفال في المنزل .. سمع القصف المدوي الصاخب يجلجل في المكان .. هيئ له أنه يعاني كابوساً مخيفا .. حلما مزعجا .. أخذ يعدو ناحية المنزل .. وجده أثراً بعد عين .. رجال الإسعاف والدفاع المدني يحاولون إخراج الجثث من المنزل المتهدم راح يعدو هنا وهناك كالمجنون .. ينادي زوجته .. أطفاله .. استطاعت فرق الإنقاذ بعد جهد جهيد .. إخراج جثث الأطفال .. كانوا قد فارقوا الحياة جميعاً .. حاول لهم الدكتور شيئاً فلم يستطع .. أخرجوا جثة المرأة الروسية ... زوجة الدكتور كان بها بقايا حياة .. بقايا دقات قلب سارع الدكتور لعمل الإسعافات الأولية .. وضع فمه على فمها ليدخل بعض الهواء إلى رئتيها في محاولة لإعادتها للحياة فيما يتعارف عليه بـ " قبلة الحياة " .. أخذ يكرر العملية عدة مرات بسرعة .. وبسرعة أكبر كانت قذيفة جديدة من طائرة تعصف بالمكان وتقتل كل المتواجدين وتجعل " قبلة الحياة " بين الزوجين الطبيبين .. قبلة أبدية ..
+++++++++++++++

( الصورة الخامسة )

قرر أن يقوم بمحاولة إنقاذ المحتويات في " المحددة " التي يملكها قبل أن يطالها القصف كما طال العديد من " ورش الحدادة" المجاورة .. والتي طالها القصف والتدمير كما طال العديد من المنازل والمؤسسات والمقار .
استنجد بشباب الحيّ من الجيران لمساعدته في المهمة .. سارعت مجموعة منهم بالتطوع للمساعدة ..من بينهم كان أحد الجيران من الشباب اليافعين ، والذي لم يمض على زواجه سوى بضعة أسابيع .. غادر المنزل بعد أن طلب من عروسه أن تجهز طعام الغداء ريثما يعود بعد نصف ساعة أو ساعة على أكثر تقدير ..
صعد العريس الشاب إلى السيارة برفقة أصدقائه من الشباب الذين تحمسوا لمساعدة جارهم صاحب " ورشة الحدادة " .. قاد صاحب الورشة سيارته " نصف نقل " مغادراً الحيّ متوجهاً إلى مكان ورشته في وسط المدينة .
وصل الركب إلى الورشة .. قاموا بنقل بعض موجودات الورشة من أجهزة لحام .. عدد وآلات .. مواسير مختلفة .. قاموا بنقلها من داخل الورشة إلى السيارة .. عملوا بجد واجتهاد وبقوة الشباب حتى تم لهم الأمر بسرعة .. صعد الجميع إلى السيارة التي انطلقت بهم مغادرة المكان .
بعد أن سارت السيارة في الطريق بعض الشيء ..شعر السائق ( صاحب الورشة ) بأن حمولته الثقيلة قد مالت بعض الشيء إلى أحد جوانب السيارة .. فتمايلت .. وكاد أن يفقد السيطرة على المقود .. وكادت أن تقع على الأرض أو لعلها كذلك .. توقف عن السير .. طلب من الشباب الترجل من السيارة لمساعدته في إعادة المحتويات إلى السيارة بشكل سليم .. ترجل الشباب .. وراحوا يعملون بهمة ونشاط وبسرعة .. وانهمكوا في تأدية المهمة .
فجأة أحاطت بهم حمم الجحيم من كل جانب .. فأحالت المكان إلى نار جهنم .. فقد أحرقت السيارة قذيفة الطائرة الغاشمة.. وقتلت جميع الشباب .
بعد لحظات قليلة .. كانت المصادر الإسرائيلية تعلن عن رصد مجموعة من رجال المقاومة وهم يستعدون لإطلاق صواريخ جديدة من طراز حديث ومتطور على المدن المحيطة بقطاع غزة ؟؟؟!!! .
وما زالت العروس تعد الطعام في انتظار عريسها الذي تأخر عن الحضور في موعده ؟؟!!
+++++++++++++++++++++++

( الصورة السادسة )

رأيته يبكي بكاءً مراً أليماً .. كمن أصابته نوائب الزمن مجتمعة .. رحت أطيب خاطره وأهدئ من روعه وأخفف تشنجه .. عملت على تحقيق ذلك بكل الوسائل .. حتى تم لي ذلك وبشكل نسبي ..
أخبرني بأن صديقه العزيز قد استشهد قبل ساعة فقط .. واسيته بالمصاب الجلل .. عرفت سبب بكائه المر .. سارع بتوضيح الأمر .. اخبرني أن الأمر ليس كما فهمت .. فهو لا يبكي صديقه الشهيد .. بل يبكي لأنه سبقه إلى الشهادة ؟؟!! .. ولأنه كان من المقرر أن يكون هو الشهيد لا صديقه .. وأن ينال شرف الشهادة .. فهو قد تعود ؛ ومنذ بدء العدوان على غزة .. وتغلغل بعض قوات العدو إلى أطراف المدينة .. تعود أن يقوم بقنص جنديين من جنود العدو في كل يوم ، وعلى مدار الوقت .. ولكنه اليوم أصيب بوعكة صحية طارئة منعته من متابعة العمل .
في اليوم التالي .. كان يعود لمزاولة مهمته في قنص جنود العدو كالعادة .. أتم المهمة بعد ساعات .. فلقد تمكن من قنص جنديين .. وهي الوجبة اليومية المقررة له .. لكنه لم ينسحب من المكان.. قرر أن يعوض ما فاته بالأمس من صيد ..
قنص الجندي الثالث ... ابتسم ابتسامة عريضة .. ولما كان يحاول قنص الجندي الرابع .. كانت طائرة استكشاف لعينة قد اكتشفت مكانه .. فتقذفه بقنبلة من العيار الثقيل .. فتردي به شهيداً ليلحق بصديقه .. في نفس اللحظة التي كانت رصاصته تنطلق من بندقيته .. فتصيب الجندي الرابع إصابة قاتلة .
[/align]
[/cell][/table1][/align]

ميساء البشيتي 25 / 03 / 2009 33 : 03 PM

رد: ( صور ... باللون الأحمر ) " المجموعة الثانية "
 
استاذي الكريم سليم علاونة

مزيد من القصص الحية باللون الأحمر .. بلون الدم ورائحة الدم

قصص لم تجف دماؤها ولم يغادرها الموت بالرغم من انتهاء الحرب على غزة

ما زالت الموت ساكنا ً في هذه الصور ولن يغادرها حتى تغادر هذه الوحشية

الهمجية غزة إلى غير رجعة .. لن تجف هذه الدماء قبل أن نثأر لغزة وأهل غزة

ستبقى هذه الصور حية في ضمير كل إنسان حتى تكون ضميره الحي الذي لا ينام

ولن يسكت بعد اليوم على هذه المجازر والإبادات الجماعية التي حصلت في غزة

هذه الصور ستبقى بيرقا ً يشاهده كل العالم كدليل لا يقبل الشك في وحشية هذا العدوان

الف شكر استاذي سليم وبارك الله في جهودك الخيرة

سليم عوض علاونة 25 / 03 / 2009 53 : 03 PM

رد: ( صور ... باللون الأحمر ) " المجموعة الثانية "
 
الأخت الفاضلة .. الأستاذة الأديبة / ميساء البشيتي حفظها الله ورعاها
كل الشكر وكل التقدير والإحترام لكلماتكم الأخوية الصادقة المعبرة .. النابعة من القلب والوجدان ..
والتي تدل على مدي الذوق الرفيع والأدب الجم .. والأخوة الصادقة بكل معانيها .
أشعر بالفخر عندما تتوج كل أعمالي الأدبية المتواضعة بتاج توقيعكم الكريم عليها .. فأعتبره شهادة واعتزاز لي بشكل كبير .
ارجو ان اكون عند حسن ظنك دائماً .. بدوري أفعل المستحيل من أجل ذلك .
كل التحية وكل الاحترام والتقدير لأخت فاضلة وأديبة مرموقة .
على أمل اللقاء المتجدد
أخوكم
سليم عوض علاونه

سليم عوض علاونة 27 / 03 / 2009 13 : 06 PM

( صور .. باللون الأحمر ) المجموعة الثالثة
 
[align=center][table1="width:95%;background-color:orange;"][cell="filter:;"][align=center]
( صور .. باللون الأحمر ) " المجموعة الثالثة "

( الصورة الأولى )

كان هذا اليوم هو أسعد يوم في حياته على الإطلاق .. ففي هذا اليوم سوف تتحقق بعضاً من أمانيه وأحلام يقظته .. اليوم ستضع زوجته مولودها الأول .. ففي الصباح الباكر .. كان قد أوصلها بنفسه للمستشفى لوضع المولودة ..
كان يترقب اللحظات .. يعد الساعات .. الدقائق والثواني .. ليرى ابنته المولودة .. البكر .. ليكحل عينيه بمرآها .. أعد لها كل ما تحتاجه .. جهز لها السرير .. الألعاب .. الملابس .. وكل ما يلزم لمثل هذه الأمور .
هذه أمنية .. أما الأخرى .. فكانت مناسبة تخرجه من الدورة التي التحق بها .. والتي سيقام لها حفل عظيم للخريجين من أقرانه .. توزع عليهم فيها الشهادات ... الرتب ... والأوسمة .
كانت هذه الأمنية هي الأمنية الأخرى التي كان يحلم بها طويلاً .. ينتظر اللحظة التي يضع فيها الشهادة بيده .. ويضع النجوم البراقة اللامعة على كتفه .
في خضم الاستعداد للاحتفال المهيب .. برقت السماء بوميض غريب .. عربدت الأجواء عربدة مخيفة .. فما كان من الأرض إلا أن ردت عليها بصخب جهنم .. ونيران الجحيم .
تناثرت الجثث .. الأشلاء .. الدماء .. في كل الأرجاء .. لم يدر ما الذي حدث ؟؟!! لم يستوعب الأمر .. كان يحلم بالأشياء .. بتحقيق الأماني .. فإذا بها تتلاشى تماماً كما تلاشت الجثث والأشلاء المتناثرة .. ومع صوت الانفجارات الرهيبة المتتالية على المكان .. وفي كل مكان .. كانت آلام المخاض تتوالى على الزوجة بشكل عنيف ..
وسط الجثث المتفحمة المتراصة .. والأشلاء الآدمية المتناثرة .. كانت تدور بعينيها هنا وهناك .. تتحرك في كل الأرجاء .. تحمل بين يديها الطفلة الوليدة .. تتشاركان الصراخ والبكاء ..
أخيراً ... وجدت جثته بين الجثث المتراصة في ردهات المستشفى الكبير .. وسط ضجيج وصراخ القوم من حولها في كل ناحية .. اقتربت منه .. كفت عن الصراخ ... نظرت نحوه بعيون مرهقة .. وجدته جثة هامدة بلا حراك .. محترقة .. هتفت به بصوت متحشرج تخنقه العبرات المتحجرة في المآقي :
- ها هي .. الطفلة .. الوليدة... أسميناها .. أمل ..
فتح عينيه بصعوبة .. طيف ابتسامة على محياه المحترق .. مد يده ببطء ناحية الطفلة الوليدة .. أمسك بيدها .. قبض عليها بما تبقى به من قوة .. ابتسم ابتسامة عريضة .. أغمض عينيه .. شبح ابتسامة ما زال يغطي الوجه ... وما زالت اليد المحترقة تقبض بقوة على اليد الرقيقة .
+++++++++++++++++++++++


( الصورة الثانية )

طفل هو بكل المقاييس ... طفل غض بريء .. له أحلام كبار .. كأحلام الرجال ..بل لعلها أكبر بكثير ..
كان يحلم بأن يرى قريته .. التي طالما حدثه عنها والده .. يحلم بأن يرى زيتون كرمهم الكبير الواقع في أطراف القرية والممتد حتى حدود القرية المجاورة ... كان يحلم بأن يرى بيارتهم الكبيرة .. التي كان والده يزهو بها ويفتخر ويتولى أمر الزراعة فيها والإشراف عليها والعناية بها بنفسه . كان يحلم بأن يرى الأشجار .. الأطيار .. الأنهار .. الأزهار .. كان يحلم بأن يرى كل شيء في الوجود .
كان يحلم بأن يرى نفسه شاباً يافعاً .. رجلاً قوياً.. يحمل الشهادة العليا في الطب .. يخدم وطنه .. أهله .. طبيب ماهر .. ذائع الصيت .. طبيب متخصص في علاج العيون .. كان يحلم أن يرى نفسه بالزيّ الأبيض المميز للأطباء .. النظارة المميزة .. الشخصية المميزة .. كل ما هو مميز
قذيفة حمقاء غادرة تحط على المنزل .. تحطمه تماماً .. وتحطم الأحلام الطفولية البريئة .. تفقأ عينيه ؟؟!! ..تقتل أحلامه العريضة .. تئد براءته ..
تحدث لمن حوله وهو على سرير المرض بروح عالية .. بنفسية رائعة .. راح يسرد لمن حوله أحلامه التي لا تنتهي .. أحلام القرية .. البيارة .. الأشجار .. الأطيار .. الأنهار .. الأزهار .. راح يؤكد للجميع بأنه يراها .. ليس حلماً .. بل واقعاً.. فهي مرسومة ... محفورة .. منحوتة .. في أرجاء نفسه وقلبه ..
مد يده ناحية عينيه اللتين كانتا مغطاتين القطن والأقمشة ... راح يسأل بإلحاح غريب :
-لماذا هم فعلوا ذلك ؟؟؟!! لماذا هم فعلوا ذلك ؟؟؟؟!!!
+++++++++++++++++++++++

( الصورة الثالثة )

المهمة صعبة .. الأحداث تتسارع .. النداءات تتوالى .. وعليه أن يلبي كل نداء ، وأن يكون في ميدان الحدث بدون تأخير ، ليقوم بمهمة نقل المصابين .. المرضى .. الشهداء .. تكرر النداء بإلحاح غريب ، كان أثناءه يقوم بالمهمة .. مهمة نقل بعض المصابين للمستشفى .. أوصل الجرحى للمستشفى .. قاد سيارة الإسعاف بسرعة ليلبي النداء المتكرر المتلاحق من جديد ..
وصل إلى المكان .. أصابته الدهشة .. الغرابة .. إنه منزل شقيقه .. شقيقه الذي يسكن هنا مع زوجته وأطفاله .. ترجل من السيارة بسرعة .. تناسى أمر ما كان بينه وبين شقيقه من قطيعة .. حيث أن الخصام كان قد دب بينهما منذ سنوات طويلة .. تناسى الأمر برمته .. فالأمر أقوى من أن يدع مثل تلك الأمور لتظهر على السطح .
اندفع يساعد المسعفين والمنقذين بإخراج الجثث من بين الركام .. أخرجوا جثث الأطفال المتفحمة .. ثم جثة الأم .. وأخيراً .. جثة شقيقه ..
ما كادوا يصلون إلى جثة شقيقه .. حتى كان القصف المزمجر المعربد يغطي المكان من جديد .. أصيب السائق وكل المتواجدين بإصابات خطيرة .. واستشهد بعضهم ..
نقلوا السائق إلى إحدى سيارات الإسعاف .. ووضعوه بها .. في اللحظات التالية تماماً .. كانوا يأتون بالمصابين الآخرين .. يضعونهم إلى جانب بعضهم البعض ..
فتح السائق عينيه ببطء .. اصطدم بصره بشقيقه المسجى إلى جانبه .. تلاقت نظرات الأشقاء .. ظهرت الابتسامات على الوجوه المحترقة .. الملطخة بالدماء ..
في نفس الوقت ... في نفس اللحظة .. كان كل منهما يمد يده المحترقة المشوهة .. المضرجة بالدماء .. ناحية شقيقه الآخر .. يصافحه ... يضغط على يده بقوة وحرارة .. ولم يتفوه أحد منهما بحرف .
+++++++++++++++++

( الصورة الرابعة )

سيارة الدفاع المدني تصل إلى المكان .. كل شيء يحترق .. المنزل مدمر تماماً .. أصبح ركاماً وحطاماً .. أصوات متنافرة تملأ المكان ضجيجاً.. سيارات الإسعاف .. سيارات الدفاع المدني .. الصراخ المدوي بالتكبير والتهليل من الجميع وهم يتدافعون نحو الركام . هرع إلى المكان .. أخذ يساعد الجميع بالإغاثة .. وبعد جهد جهيد .. ووقت طويل استطاعوا الوصول إلى مكان الشهداء بين الأنقاض .. ساعدهم في حمل الجثة الأولى ووضعوها في سيارة الإسعاف .. ثم الجثة الثانية .. الثالثة .. الرابعة .. الخامسة.. السادسة ..
لم يتبق أحد .. لم يجدوا أحداً آخر .. أمروا سيارات الإسعاف بالتحرك نحو المستشفى .. فلقد أدى الجميع المهمة وعليهم أن ينتقلوا إلى مكان آخر لنفس الأمر ... نفس المهمة .
صرخ سائق سيارة الدفاع المدني بحدة وبصوت مجلجل :
-انتظروا .. انتظروا ... لقد تبقى تحت الأنقاض جثة أخرى .
توقف الجميع .. عادوا إلى المكان .. نظروا ناحية الرجل بتعجب وغرابة .. سأله أحدهم بدهشة:
-وكيف عرفت ذلك ؟؟
صرخ سائق السيارة بصوت متحشرج يختنق بالبكاء :
-لأن هذا المنزل ... هو منزلي ..
+++++++++++++++++++++

( الصورة الخامسة )

أخذ يتلوى من شدة الألم .. مغص كلوي حاد أصابه فجأة كالعادة.. قرر أن يقود سيارته الخاصة ليذهب إلى المستشفى .. حاولت زوجته ومعها الأطفال أن تثنيه عن عزمه .. اقترحوا الاستعانة بسيارة من سيارات الإسعاف ... رفض ذلك لأنه يعلم الدور العظيم الذي تقوم به سيارات الإسعاف في ظل هذه الظروف العصيبة التي يمر بها الجميع .. اقترحوا مرافقته في الذهاب للمستشفى في سيارته الخاصة .. رفض ذلك بشدة .. وأفهمهم أن في تواجدهم معه في السيارة خطورة عظيمة عليهم .. فالخطر يحدق بأية سيارة تتواجد على الطريق .. فهي تكون معرضة بالتأكيد للقصف .. وهو لا يريد أن يعرضهم للخطر .. ألح عليهم بضرورة بقائهم في المنزل .. حيث الأمان التام .
وافقت الزوجة ووافق الأبناء والأطفال على قبول الأمر على مضض .. قاد سيارته الخاصة إلى المستشفى وحيداً .. وهو يقاسي ويعاني الآلام المبرحة.
عالجه الأطباء في المستشفى بما تيسر من إمكانيات .. ثم عاد إلى المنزل وقد خفت حدة الآلام بعض الشيء .. حتى وصل .
استولت عليه بعض الأفكار في البداية بأنه قد ضل الطريق .. ولكن تلك الأفكار تلاشت تماماً ... عندما وصل إلى المكان .. المنزل المتهدم تماماً .. بينما الطواقم المختلفة تقوم بإخراج الشهداء والأشلاء من تحت الركام .. وأكوام الأنقاض .. عرف بأن المنزل هو منزله فعلاً .. وبأنه لم يضل الطريق .. عرف ذلك عندما تمتم طفل شبه متفحم :
-أبي .. هل وصلت ؟؟ .. هل شفيت ؟؟ .. الحمد لله على سلامتك يا أبي .
+++++++++++++++++++++++++

( الصورة السادسة )

" انتظريني يا طفلتي الحبيبة قليلاً ... فسوف أعود إليك ثانية .. سأحضر لك الحلوى .. والأشياء الأخرى التي تحبينها .. فقط .. عليك أن تنتظريني قليلاً... "
قالت ذلك وهو تودع طفلتها الوحيدة .. بعد أن رفضت مصاحبة الأم إلى المنزل .. وتمسكت بالبقاء في منزل جدها وجدتها .. غادرتها لسويعات قليلة .. كي تذهب إلى منزلها .. بيت الزوجية .. لتعد الطعام لوجبة الإفطار .. حيث اقترب موعد آذان المغرب وكانت قد نوت وزوجها الصيام نافلة لوجه الله تعالى .
وصلت المنزل .. توجهت فوراً إلى المطبخ لإعداد وجبة الإفطار بعد يوم الصيام ... يوم طويل حافل بالأحداث الجسام التي يمر بها الوطن .. لم يكن زوجها قد حضر من الخارج بعد .. اقترب موعد آذان المغرب .. كانت قد أنهت إعداد الطعام أو أشرفت على ذلك .. سمعت صوت بوق السيارة في الخارج ... كان زوجها قد وصل بالفعل إلى المنزل برفقة شقيقه ... وابن شقيقه .. وابن عمه .. وبعض أقاربه .. توجه الجميع للوضوء استعداداً لصلاة المغرب جماعة .. فبعد لحظات قليلة سوف ينطلق صوت المؤذن ..
جهزت المائدة بشكل تام .. انطلق صوت المؤذن عالياً كالرعد المدوي .. ثمة رعد أسود مدوٍ بجنون.. صاحب الصوت الملائكي .. تزلزلت الأرض .. تناثر الطعام.. تناثرت الجدران.. وتناثرت الجثث والأشلاء ..
عمل الجميع كل جهدهم على إخراج الجثث من تحت الركام .. من تحت الأنقاض .. فهذه جثة شهيد .. وهذه أخرى .. وأخرى ... وأخرى .. وأخرى .. و..
عندما كانوا يخرجون جثتها من تحت الأنقاض .. كانت ما تزال تهمس بصوت متحشرج :
" انتظريني يا طفلتي الحبيبة قليلاً ... فسوف أعود إليك ثانية .. سأحضر لك الحلوى .. والأشياء الأخرى التي تحبينها .. فقط .. عليك أن تنتظريني قليلاً ... "
[/align][/cell][/table1][/align]

رشيد الميموني 27 / 03 / 2009 42 : 07 PM

رد: ( صور .. باللون الأحمر )
 
أخي الكريم سليم عوض ..
أعود إلى هذه الصفحة المشرقة فقط لأعلن عن انتهائي من ترجمة "صور باللون الأحمر" - 1
وهذا هو رابطها :http://nooreladab.com/vb/showthread....2547#post32547
أرجو أن تنال إعجابك و رضا الجميع .
مع مودتي

سليم عوض علاونة 27 / 03 / 2009 58 : 07 PM

رد: ( صور .. باللون الأحمر )
 
الأخ الفاضل الأستاذ الأديب / رشيد الميموني حفظه الله ورعاه
أسعد الله أوقاتكم بكل خير
لك مني جزيل الشكر .. وبالغ التقدير .. وعظيم الاحترام ..
لقد سعدت جداً وتشرفت بالتعرف إليك أستاذي الفاضل ..
وأنا ممتن لكم عظيم الامتنا لاهتمامكم الزائد بعملي الأدبي المتواضع ( صور .. باللون الأحمر )
وتكلفكم مشقة العناء بالقيام بترجمة المجموعة الأولى مشكوراً ..
وهذا جهد - وأيم الحق - يستحق كل الثناء والتقدير ..
ليس مني شخصياً فحسب ..
بل من جميع شخوص وأبطال وشهداء المحلمة البطولية التي نحاول أن نحييها سوية في نفوس وضمائر العالم الحر .. وأصحاب الفكر النزيه في شتى أصقاع الأرض ..
إن جهودكم الجبارة - وجهود الأخوة الأدباء والكتاب الآخرين - في هذا المضمار .. لتستحق كل الثناء والتقدير .. والعرفان بالجميل تجاه أمة مغلوبة على أمرها .. ووطن صابر .. وشعب مكافح ..
إن لسيادتكم عندي المكانة الأخوية المميزة والصادقة .. وإنني أحترم شخصكم الكريم كل الاحترام .. وأكن لكم كل التقدير والثقة ..
جهودكم هذه - في ميزان حسناتكم - بإذن الله تعالى ..
ولنا لقاءات أخرى قادمة متجددة بإذن الله ..
معاً وسوياً على الدرب الطويل الشاق الشائك ..
أخوكم المحب
سليم عوض علاونه

شريف سمحان 28 / 03 / 2009 24 : 09 AM

رد: ( صور .. باللون الأحمر ) المجموعة الثالثة
 
الأخ الكاتب الفاضل سليم علاونة

تصاوير مؤلمة .. لكنك استطعت أن تجعل جماليات النص يطغى على الألم.
نعم : ما حدث في غزة هاشم أكبر من محيط الاستيعاب.

أتمنى أن أقرأ لك المزيد.

دمت بود
شريف سمحان

رشيد الميموني 28 / 03 / 2009 10 : 11 AM

رد: ( صور ... باللون الأحمر ) " المجموعة الثانية "
 
لازلت مشدودا إلى هذه الصوررغم فظاعتها .. لكن متعتها تكمن في حبكتها و سلاسة أسلوبها الرصين .. وكأني أمام قصيدة شعرية تنتهي دائما بلازمة .. وهي لازمة رهيبة صرت متعودا ، قبل أن أقرأها ، على سماع دوي طائرة مجنونة تقترب لتلقي بحممها على كل شيء فتدمر وتقتل البشروالحجر .
صور كفيلة بفضح كل ماجرى وكل ما يجري لإخفائه .. لكن .. لم يعد هناك ما يخبأ .. وظهرجيدا هذا الجيش الذي لا يقهر .. وهذه "الديموقراطية" الوحيدة كواحة وسط "صحراء من الدكتاتوريات" .. وغيرها من الأوصاف التي أعمت بصائر العالم عن الحقيقة ..
حياك الله أخي سليم وأدام عليك إبداعك الهادف ..
ودمت بكل الحب .

سليم عوض علاونة 28 / 03 / 2009 35 : 01 PM

رد: ( صور .. باللون الأحمر ) المجموعة الثالثة
 
الأخ الفاضل الأستاذ / شريف أبو سمحان
كل التحية والشكر والتقدير لمروركم الكريم على عملي الأدبي المتواضع ..
سعيد بالتعرف عليكم في موقعنا الحبيب ( نور الأدب ) وسعيد أن التقي بحلو كلماتكم الأخوية الصادقة ..
إن الشكر كل الشكر لأبطال وشخوص ( صور ... باللون الأحمر ) الحقيقيين الذين ضحوا بدمائهم رخيصة من أجل الوطن .. وحرية الوطن ..
ولا فضل لي - ككاتب - على هذه الأعمال سوى الصياغة الأدبية فحسب .. والفضل كل الفضل لعمالقة التضحية والفداء من شهداء .. مصابين وجرحي .. أرامل وثكالى .. الذين أمدوني بالمادة الخصبة لعملي الأدبي المتواضع .
ولنا لقاءات قادمة بإذن الله .
كل الشكر والتقدير والاحترام
أخوكم
سليم عوض علاونه

سليم عوض علاونة 28 / 03 / 2009 46 : 01 PM

رد: ( صور ... باللون الأحمر ) " المجموعة الثانية "
 
الأخ الفاضل الأستاذ الأديب / رشيد الميموني حفظه الله
لا يسعني سوى التقدم بجزيل الشكر ووافر الامتنان لسيادتكم لمروركم الدائم على أعمالي الأدبية المتواضعة.
ولاهتمامك الزائد بهذه الأعمال الأدبية التي لم تعد ملكاً لي بأي حال من الأحوال .. بل هي لشخوصها وأبطالها الحقيقيين الذين سطروا أروع آيات البطولة والفداء بدمائهم الزكية الطاهرة على ثرى الوطن الغالي .
بدوري .. لم يكن لي أي فضل على تلك الصور سوى في الصياغة الأدبية فحسب .. فهي وقائع وحقيقية بكل المقاييس .. أبطالها وشخوصها .. منهم من كان يحيا بيننا واستشهد .. ومنهم من ما زال يعيش بيننا مصاباً .. جريحاً ..
لقد أسعدني جداً تكرمكم بالقيام بترجمة هذه الأعمال إلى اللغة الفرنسية ... وهذه بادرة أخوية طيبة صادقة .. تنم عن الوفاء والالتزام الأدبي المطلق .. ولن أوفيكم حقكم بالشكر والتقدير حتى لو استعملت كل المصطلحات الأدبية المعبرة وبكل لغات العالم عن الشكر والامتنان والتقدير .
بدوري مرة اخرى .. فأنا أضع جميع هذه الأعمال - السابقة والحالية والقادمة - تحت تصرف الأخوة الأدباء والكتاب والنقاد والقراء والمهتمين .. للتصرف بها بالترجمة والنشر بأي يكفية يرتأونها مناسبة .. وهذا تفويض مني بذلك للجميع بلا استثناء ..

اقبلوا تحياتي وشكري وامتناني وتقديري لشخصكم الكريم .
أخوكم المحب
سليم عوض علاونه

ميساء البشيتي 29 / 03 / 2009 12 : 04 PM

رد: ( صور .. باللون الأحمر ) المجموعة الثالثة
 
أخي الكريم واستاذي الفاضل

سليم عوض علاونة

في كل مرة اقرا فيها هذه الصور يقشعر بدني وكأنني أراها ولا أقول أقرأها للمرة الأولى

ما زالت دماؤها لم تجف ورائحة الموت تنبعث من كل صوب

ورائحة عجزنا أيضا ً ما زالت تنبعث

كيف نغفر ونسامح وننسى ونلهو عن هذه المجازر

كيف لم تشقع لنا هذه القصص الرهيبة من مواجهة جبنا وعجزنا ولو لمرة واحدة

يبدو أننا نحن من فقئت عينه وبصيرته وذاكرته

كان الله في عون غزة على ما ألم بها وعلى ما اختزنته في الذاكرة

الف شكري استاذي سليم وبارك الله فيك وجزاك كل الخير .

سليم عوض علاونة 29 / 03 / 2009 19 : 11 PM

( صور .. باللون الأحمر ) ’’ المجموعة الرابعة ’’
 
[align=center][table1="width:95%;background-color:orange;"][cell="filter:;"][align=center]
(( صور .. باللون ألحمر ))
بقلم / سليم عوض علاونه
_________________
" المجموعة الرابعة "
( الصورة الأولى )
رفضت المرأة المسنة أن تغادر المنزل .. حاول الأبناء والأحفاد ثنيها عن ذلك دون جدوى .. راحوا يشرحون لها الأمر .. فإن المنزل معرض للقصف في كل لحظة .. وهم بصدد الانتقال إلى مكان آخر آمن .. ولكن المرأة المسنة رفضت مجرد الاستماع للحديث .
اقترح بعضهم أن يحملوا المرأة عنوة ..وإجبارها على مرافقتهم ومغادرة المكان .. فلما بدأوا بتطبيق ذلك على أرض الواقع .. كانت المرأة المسنة تصرخ وتولول بشدة .. وتتماسك بجدران المنزل وأبوابه .
فكر الأبناء والأحفاد في كل الحلول الممكنة لثني المرأة عن عزما فلم يستطيعوا شيئاً .. أكدت لهم بأن الموت حق .. وأنه ( يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) وأن لا مفر من أمر الله .
سمعوا أزيز الطائرات المخيف التي تحوم في المكان .. لم يكن هناك متسع من الوقت للتأخير أكثر .. هرول الجميع إلى الخارج .. وحاول بعضهم سحبها بقوة إلى الخارج لمرافقتهم دون جدوى.
فرشت " سجادة الصلاة " وبدأت بالصلاة .. بخشوع .
ركبوا في السيارة جميعاً .. قاد الأب السيارة مبتعداً عن المكان بأقصى سرعة ممكنه للنجاة من القصف المؤكد والمحتم .
طائرات الاستكشاف ما زالت تحلق في السماء بكثافة .. ترافقها الطائرات الأخرى من كل الأشكال والألوان .
بعد لحظات قليلة .. فعلاً .. كانت الطائرات تصب جام غضبها بقذائفها المتباينة المتتالية .. والتي أصابت هدفها بكل دقة .
كل من في السيارة احترق .. تفحم .. وما زالت المرأة العجوز تصلي .
+++++++++++++++
( الصورة الثانية )
فتاة رائعة هي .. رائعة الجمال .. الأخلاق .. الدين .. العلم والثقافة ..
تقدم لها " العرسان " الكثيرين .. فرفضت الزواج أو مجرد الارتباط قبل أن تتم تعلميها الجامعي .. فكان لها ما أرادت .
بعيد حصولها على الشهادة الجامعية العليا .. تقدم لخطبتها أحد الأطباء .. والذي كان يحاضر لها لبعض المواد العلمية الجامعية .. والذي أعجب بقوة شخصيتها .. ودماثة طبعها.. وحسن خلقها .. وتمسكها بأهداب الدين .
تمت " الخطوبة " في حفل عقد قران شهده الجميع .. وكان حفلاً مميزاً.. على أن يتم الزواج بعد أشهر قليلة .
وقد كان .. ليس أمر الزواج بالطبع ..ولكن الحرب المجنونة .. الغادرة .. المستعرة التي شنها العدو بحمق وجنون ..
أصاب الدمار كل الأمكنة .. كل شيء .. وأصاب الموت كل البشر .. وكل ما هو ينبض بالحياة ..
قام الجميع بزيارتها وهي ترقد في السرير الأبيض .. رددت بصوت تخنقه العبرات المتحجرة في المآقي :
-لست أدري ... هل سيقبل بي خطيبي الدكتور زوجة أم لا ؟؟ ..خاصة وأنني قد فقدت قدمي اليسرى.. ويدي اليمنى ؟؟؟ .
اقترب أحدهم منها .. تمتم بصوت متحشرج :
-لقد جئنا من طرف الدكتور .. من أجل هذا الأمر بالذات .. إنه في الحجرة الأخرى المجاورة لحجرتك هذه ..
إنه أرسلنا إليك .. لكي نسألك نفس السؤال ... هل تقبلين به زوجاً أم لا ؟؟؟ .. خاصة وأنه قد فقد كلتا قدميه ... وكلتا يديه ؟؟؟!!!!
+++++++++++++++++++++++++
( الصورة الثالثة )
بعد أن احتل جنود العدو المنزل وأقاموا فيه لبعض الوقت .. قاموا بنسفه على رؤوس من به من سكان آمنين ..
صرخ العجوز بصوت مدوٍ تخنقه العبرات وهو يخرج من بين الركام .. بعد أن عاد لمنزله المهدم .. والذي أصبح حطاماً .. وبعد أن أخرجت الجثث المتفحمة من تحت الركام .. صرخ العجوز :
-الله اكبر ... الله أكبر
رغم أن الجميع كانوا يصرخون بنفس العبارة .. إلا أن صراخ العجوز كان يغطي على كل الأصوات الهادرة..
التف القوم من حوله .. راحوا يرددون النداء بصوت مجلجل كالرعد :
-الله أكبر ... الله أكبر
اقترب منه أحد الجيران مواسياً :
-عوضك الله في منزلك ... عوضك الله خيراً .
صرخ العجوز بحدة :
-أنا لا أبكي لضياع البيت .. مطلقاً .
هتف آخر يحاول أن يهون الأمر على صاحب المنزل :
-لتحتسب زوجتك وأبناءك شهداء في الجنة .
هدر العجوز بحدة :
-أنا لا أبكي الشهداء .. فهم في رحاب الله .. في جنات الله ..
ردد ثالث :
-إذاً .. علام الصراخ والنحيب ؟؟!!
رفع العجوز بيديه نحو السماء .. وهو يصرخ هادراً مزمجراً :
-انظروا .. انظروا جميعا ..انظروا كيف لطخوا المصحف الشريف بالقاذورات .. كيف دنسوه بالأوساخ .. بالبراز .. هذا هو ما حرقني ... ما قتلني ... الله اكبر .. الله أكبر .
تردد التهليل والتكبير في جنبات الأرض مرافقاً للتكبير والتهليل المدوي .. الآتي من كل مكان .. من كل مآذن المدينة والمدن الأخرى .. فراحت تردده السماوات العلى .. بخشوع .
++++++++++++++++++
( الصورة الرابعة )
تكرر النداء بطلب النجدة والإسعاف لعدة مرات متتالية من الجيران المحيطين بالمنزل الذي تم استهدافه بالقصف المدمر .. لم تستطع سيارات الإسعاف الوصول إلى المكان .. لأن القصف المتوالي المعربد يطال المنطقة بالكامل .. ولأن المنزل يقع في مكان ناءٍ .
تكرر النداء لسائق الإسعاف بضرورة التوجه إلى ذلك المنزل الذي أصيب إصابة مباشرة بصاروخ طائرة " الأباتشي" اللعينة .
حاول سائق السيارة الوصول إلى المكان بشتى الطرق والوسائل دون جدوى .. فقوات العدو المدججة بالسلاح والآليات تحاصر المنطقة بالكامل .. وتمنع الدخول بشكل مطلق .. والقصف المتوالي ينزل بحمم جهنم على المكان .
بعد جهد جهيد ووقت طويل ... استطاع الوصول بسيارته إلى المكان .. وبصعوبة بالغة .. ومخاطرة جسيمة .
ترجل السائق من السيارة برفقة مساعده .. والطبيب المرافق .. إطلاق القذائف ما زال يحيط بهم من كل جانب .. وأخيراً وصلوا إلى المنزل الذي تم قصفه .. والذي ما زال يتصاعد منه الدخان .. (و) الغبار ..
دخلوا المنزل بصعوبة بالغة .. وصلوا الشقة التي أصيبت إصابة مباشرة بصاروخ الطائرة ... قبل أن يدخلوها .. ثمة امرأة مسنة كانت تجلس بين الأنقاض .. وسط رائحة الموت .. الدمار .. وأكوام الأشلاء ؟؟!!.
هتفت بهم بصوت واهٍ متحشرج وعيون متقدة كالجمر :
-لماذا تأخرتم في الحضور حتى الآن يا أبنائي ؟؟ .. على كل حال .. فأنا قمت بالمهمة ؟؟!!
مدت المرأة المسنة يدها ناحية أكوام الأشلاء المتراصة ... تمتمت :
-خذوا يا أبنائي .. هذا الرأس هو رأس ولدي أحمد .. وهذه يده .. وهذه قدمه .. فهذا كل ما تبقى منه .. فأنا أعرف معالم جسده جيداً .. .. فأنا أمه ..
وتلك أشلاء ولدي محمود .. فأنا أعرف كل أجزاء جسمه .. وهذه أشلاء ولدي ... وهذه أشلاء ولدي ... وهذه ..
كان السائق ومرافقه والطبيب يقفون مشدوهين .. بينما كانت المرأة المسنة تقوم بتسليمهم أكوام الأشلاء .. وتعدد أسماء أصحابها من الأبناء .
.. ما إن انتهت من عملية تسليم الأشلاء حتى هتفت بهم :
-وهذه التي هناك ... هي ابنتي الوحيدة .. لقد أصابتها الحروق الشديدة .. لقد سترها الله في الدنيا .. وسيسترها في الآخرة بإذنه تعالى.. فهي لم تتقطع إلى أشلاء .. لقد بقيت كما هي .. جثة .. متكاملة .. ولكنها .. محترقة .. متفحمة .
حمل الرجال الأشلاء .. والجثة المتفحمة .. ولم يلبث صوت المرأة المسنة أن طاردهم بوهن شديد ..وصت واهْ مختنق ..
-انتظروا .. انتظروا قليلاً .. فهناك ثمة أشلاء لم تتسلموها بعد .. فهذه قدمي .. وهذه يدي .. المبتورتين ؟؟؟!!!
++++++++++
( الصورة الخامسة )
لم تتناول الأسرة أي رغيف من الخبز الطازج طوال أسبوعين أو ما يزيد .. كانوا يتناولون فتات الخبز الجاف .. ذلك إذا تيسر لهم وجوده أصلاً .. كانوا يتناولون وجبة متواضعة فقط في اليوم .. فالمخابز قد توقفت عن العمل لنفاذ ما لديها من دقيق .. وعدم وجود البترول .. الكهرباء .. الغاز ..
استغل الأب فرصة الهدنة المزعومة لمدة ساعات قليلة .. قامت الزوجة بتجهيز بعض الدقيق .. على أن يقوم الزوج بنقله بسيارته الخاصة إلى المخبز البدائي الذي قام بصنعه صديق له في منزله .. والذي يستعمل له الكرتون والحطب والورق والأشياء الأخرى ..
ألح الأطفال بمرافقة الأب .. وكذلك الزوجة .. خاصة وأنهم خلال الأسبوعين المنصرمين لم يخرجوا من المنزل على الإطلاق .. لم يروا النور ... فأذعن الأب لمطلبهم بعد إلحاح شديد .
وصل الجميع حيث منزل الصديق .. وتم الحصول على الخبز الطازج ، سعد الأب والأطفال بذلك .. فهم اليوم سيحصلون على أول وجبة من الخبز الطازج منذ مدة طويلة .
وضعوا أرغفة الخبز بوعاء كبير فوق ظهر السيارة .. بعد أو وزع عليهم الأب رغيفاً من الخبز لكل طفل .. فأطبقوا على أرغفتهم بنهم شديد واستعدوا لقضم بعض الشيء منها .
صاروخ رهيب لطائرة حمقاء قصفت السيارة بجنون .. فأحرقتها تماماً ..
يؤكد جميع الذين قاموا بالإسعاف والنجدة .. بأن الأب الذي كان يقود السيارة قد تفحم تماماً وهو ما زال يمسك بقوة بمقود السيارة .. بينما انصهر جسد الأم في بوتقة متفحمة تحوي جثتها وجثث الأطفال الذين كانت تطوقهم بقوة .. محاولة إبعاد الخطر عنهم ؟؟!! ويؤكدون بأن الأرغفة ما زالت كاملة .. متفحمة بين أيدي الأطفال .. قريباً من أفواههم ؟؟!!
المصادر الإسرائيلية .. وبعد لحظات .. كانت تعلن عن قصف مجموعة من رجال المقاومة .. رصدتهم طائرة الاستطلاع .. وهم يستعملون الأطفال كدروع بشرية ؟؟؟!!... وهم يستقلون سيارة تحمل عدداً كبيراً من الألغام ؟؟!!
+++++++++++++++++++



( الصورة السادسة )
كانا على طرفي نقيض .. حقاً بأنهما شقيقان .. ولكن كان لكل منهما خط سير مختلف تماماً .. فكانا على عدم وفاق مستمر .. وفي حالة خصام دائم.
انحرف أحدهما عن جادة السبيل .. بعد أن استولى عليه الشيطان .. فأمات ضميره ..وانصاع للشيطان ومغرياته .. يأتمر بأمره .. فاختار الدنيا ومغرياتها وآثامها الشيطانية .. وكان إسقاطه وبشكل شنيع في مهاوي الخيانة وأوحال العمالة .
أما الآخر .. فكان على النقيض من ذلك تماماً .. شاب اختار الآخرة على الدنيا .. وطلب الشهادة والاستشهاد في سبيل الله .. والوطن ..
استمر الخصام بينهما واشتد .. مما اضطر الشاب المناضل لردع شقيقه عدة مرات .. فلما وجد أن لا فائدة منه .. ترك له منزل العائلة كلياً .. وقرر أن يستأجر منزلاً آخر بعيداً عنه .
أحس الأول بأن الظروف العصيبة التي يمر بها الجميع هي فرصته الحقيقية للانتقام من شقيقه .. وأن الفرصة قد حانت له لرد الصاع صاعين ؟؟!! .
أكد البعض بأن المنزل قصف بالجو من طائرة حمقاء .. بينما أكد البعض بأن القصف كان من دبابة مجنونة .. والبعض أقسم بأنه كان من البحر من طراد غادر .. .. والآخرون .. أقسموا بأن القصف كان من كل ذلك .. ومن كل مكان ..
شعر الفاسق الخائن بالسعادة ؟؟!! .. قهقه كشياطين جهنم ..قرر أن يمتع ناظريه بمشهد منزل شقيقه المحترق ؟؟!! .. قرر أن يكحل عينيه بمشهد جسد شقيقه المتفحم ؟؟!! .. هرول ناحية منزل شقيقه .. مع من هرول والذين كانوا يتسابقون للإنقاذ والنجدة والإسعاف والمساعدة .. ولكن أي من هذا أو ذاك لم يكن هدفاً للشيطان بالطبع .
راح يراقب الجميع وهم يخرجون الجثث المحترقة من تحت الأنقاض والركام .. قهقه عالياً عندما رأى جثة زوجة شقيقه .. ودوت ضحكاته المجلجلة كشياطين جهنم عندما رأى جثة شقيقه .
لم يلبث الشيطان أن كف عن الضحك الشيطاني المجلجل .. عندما أخرجوا جثة أخرى .. بهت .. جحظ .. صرخ كالمجنون :
-من ؟؟!! .. جثة أبي ؟؟!! .. أوه .. وجثة من تلك أيضاً ؟؟!! .. جثة أمي ؟؟!! .. وجثة من هذه ؟؟؟!! .. أوه .. إنها جثة زوجتي .. وجثث من تلك ؟؟!! ... إنها جثث أولادي جميعاً .... ماذا أتى بكم إلى هنا الآن ؟؟!! في هذا الوقت بالذات ؟؟!! لماذا أتيتم الآن ... لماذا ؟؟؟؟!!!
[/align][/cell][/table1][/align]

سليم عوض علاونة 03 / 04 / 2009 45 : 07 PM

رد: ( صور .. باللون الأحمر ) المجموعة الثالثة
 
الأخت العزيزة .. الأستاذة الفاضلة / ميساء البشيتي حفظها الله ورعاها
لتعذريني على عدم الرد السريع على تعليقكم الكريم .. ولن أجد الأسباب أو الأعذار..
ولكن صدقيني أختاه .. بأنني أسعد بكل كلمة .. بكل حرف .. من كلماتكم الحروفة والمضيئة .. والتي لا .. ولن أستطيع مجاراتها ... فقلمكم الرشيق .. وفكركم المعطاء .. أعظم من أن أستطيع محاولة مجاراتها على الإطلاق .
إن ما أقوم به من أعمال أدبية متواضعة .. لا ترقى بأي حال من الأحوال لمستوى ما تجود به قريحتكم رائعة العطاء ..
لا يسعني سوى التقدم لشخصكم الكريم وجنابكم الموقر بكل آيات التقدير والوفاء والاحترام .. لمواقفكم الأخوية الرائعة على طول الدرب وعرضه .. وعلى مؤازرتكم ومساندتكم لي في هذا المشوار .. وهذا الدرب الشائك ..
أرجو أن تكون أعمالي الأدبية الأخرى قد نالت أعجابك ولو بالنزر اليسير ..
ثمة ملاحظة .. هل تفضلين اختي الفاضلة باستمرار ارسال ( صور باللون الأحمر ) " المجموعة الخامسة " أم ارسل لسيادتكم الصورة الأولى من ( صور .. باللون الوردي ) .. علماً بأنني ألاحظ عدم الإقبال في موقعكم الكريم على صور باللون الأحمر والذي وصل إلى حد ودرجة عدم مشاركة أحد في المجموعة الرابعة ..
أرجو المعذرة لهذه الملاحظة .. واكون سعيد جداً برأيكم ومشورتكم .
كل التحية والتقدير والوفاء
أخوكم
سليم عوض علاونه

ميساء البشيتي 03 / 04 / 2009 43 : 08 PM

رد: ( صور .. باللون الأحمر ) المجموعة الثالثة
 
اخي واستاذي القدير سليم عوض

الله يسعد اوقاتك بكل الخير

لاحظت أنك تكتب سليم علاونة .. سليم عيشان ..أنا شخصيا ً ما بعرف

الأسم الذي ترغب بالتعامل به لذلك أخبرني حتى نعدله لك بالحال

أقصد ابعث لي الأسم مثل ما بتحب يكون .

بالنسبة للنشر فأنا أرسلت لك على بريدك الألكتروني رسالة حتى أعرض

لك مجموعة من أعمالك الرائعة والمميزة التي لدي الرغبة بنشرها بالأضافة إلى صور باللون الأحمر

اتمنى لك كل السعادة ,,كل انجاح .. كل التوفيق استاذي الرائع والقدير والفاضل

سليم عوض علاونة

ميساء البشيتي 03 / 04 / 2009 46 : 09 PM

رد: ( صور .. باللون الأحمر ) " المجموعة الرابعة"
 
استاذي القدير وأخي العزيز سليم علاونة

تاخرت بالرد ولكني لم أتأخر بالمرور والقراءة

وهل استطيع ؟؟

هذه الحرب الهمجية على غزة طالت كل شيء .. حتى خلافاتنا الصغيرة

التي كنا نتسلى بها أيام الحصار ..طالتها .. فتتها ..لم تبق لنا شيء

كالنار حين تلتهم الحصيد تأكل الأخضر واليابس

الحرب لم تبق إلا الموت والدمار ولكن ..

لم يكن انتصار غزة في حينها بحجم اليوم فبعد كل هذا الدمار والموت الذي خلفته

الحرب الهمجية على غزة فها هي غزة تصافح الحياة من جديد وتعانق النجاح

وتذر الفشل في عيون بني صهيون

الف شكر أخي واستاذي الأديب والقاص البارع سليم علاونة

والله يعطيك الصحة والعافية .

سليم عوض علاونة 04 / 04 / 2009 01 : 12 AM

( صور .. باللون الأحمر ) ’’ المجموعة الخامسة ’’
 
[align=center][table1="width:95%;background-color:orange;"][cell="filter:;"][align=center]
( صور ... باللون الأحمر )
( المجموعة الخامسة )
بقلم / سليم عوض علاونه
++++++++++++++++++
( الصورة الأولى )
يتضور الأطفال جوعاً .. يتلوون ألماً .. يرتعشون خوفاً .. لقد حرموا طعم الأمن والحياة خلال أيام طوال .. فالخوف يحيط بهم من كل جانب .. الدمار يحيط بهم من كل صوب .. الجوع يلتهمهم بأنيابه المتوحشة .. والموت يتربص بهم في كل لحظة .
لقد استشهد الأب في بداية الأحداث .. في بداية العدوان الغاشم المفاجئ على الوطن قبل أيام قلائل .. وترك وراءه زوجة مثقلة بالأمراض والهموم .. وبيت مثقل بالأطفال .
نفد ما لديهم من مخزون متواضع من طعام وغذاء .. وبدأوا يقتاتون بفتات الخبز الجاف .. وبقايا أطعمة قاربت على التعفن .. أو لعلها كذلك .
قررت الأم أن تخرج للحصول على " ربطة خبز " .. لسد رمق الأطفال .. وذلك بعد نفاد مخزون الدقيق من جميع المخابز والمحال .. وانقطاع التيار الكهرباء عن كل أنحاء المدينة .. والمدن الأخرى المجاورة .. وعدم وجود الغاز أو أيٍ من مشتقات البترول في الأسواق .
أمرت الأطفال بعدم الخروج من المنزل على الإطلاق .. خشيت تعرضهم للموت المفاجئ في الخارج .. فالموت يحصد الأرواح بلا هوادة أو تمييز .
" نصف ربطة " .. " نصف ربطة " من الخبز.. هي كل ما استطاعت الحصول عليه .. وذلك بعد لأيٍ شديد .. وبعد أن طافت على العديد من المخابز الخاوية .. وبعد أن وقفت في الطابور الطويل أمام أبواب أحد المخابز لساعات طوال من أجل الحصول عليها .
قبضت على " نصف الربطة " من الخبز بيد من حديد .. ضمتها لصدرها بحنان بالغ .. راحت تتشمم رائحة الخبز الطازج الذي حرمت منه طويلاً .. ظهرت على وجهها ابتسامة شاحبة لأول مرة .. فها هي تتصور نفسها وقد وصلت المنزل .. ها هم الأطفال الجياع يتهافتون عليها .. ها هي تناول كلاً منهم رغيفاً كاملاً ؟؟!! .. رغيفاً طازجاً .. ساخناً .
الانفجارات المتتالية تقصف المكان من كل ناحية .. تفر المرأة من مكان إلى آخر .. من زقاق إلى آخر .. وهي ما زالت تطبق بقوة على " ربطة الخبز " .. " نصف الربطة " .. تحاول الوصول إلى المنزل .. حيث الأمان .. وحيث الأطفال الجياع في انتظارها .
تصل بعد جهد وعناء شديدين .. تنادي على الأطفال بمجرد وصولها أطراف الحيّ .. يتردد صوتها في جنبات الأرض .. حتى يصل عنان السماء .. قوياً .. مدوياً .. ولكن قوته ودويه يتلاشيان إلى جانب الغضب الهادر للصوت المزمجر .. فيبتلع صوتها .. تماماً .. كما ابتلع منازل الحيّ .
تندفع بقوة عجيبة .. وسرعة غريبة .. نحو المنزل .. حيث الأطفال بانتظارها .. وبانتظار الخبز الطازج .
تقف مشدوهة .. الجميع من حولها يتنادون .. يتصايحون . أصوات متنافرة تتمازج لتشكل سيمفونية غريبة نشاز .. صراخ .. نداء ..استغاثة .. تهليل .. تكبير ..أبواق سيارات الإسعاف .. سيارات الدفاع المدني ..
يبدأ الجميع بإخراج جثث الأطفال من تحت الأنقاض ... من تحت الركام .. تندفع الأم نحو الجثث المحترقة .. المتفحمة .. تضع على صدر جثة كل طفل رغيفاً من الخبز .. تصرخ بصوت مجلجل .. يدوي في أنحاء الأرض ... تردده السماء بقوة :
-ها أنا قد عدت يا أطفالي ... حقاً أنني تأخرت كثيراً .. ولكن ذلك كان من أجل الحصول على " ربطة الخبز " .. " نصف الربطة " .. ولكنني عدت .. ها أنا قد حضرت .. هذا رغيف لك ... وهذا رغيف لك .. وهذا ... هيا انهضوا يا أطفالي .. انهضوا لتتناولوا الخبز الساخن ؟؟!!!
++++++++++++++++
( الصورة الثانية )
هدنة مزعومة لساعات محدودة .. كان خلالها الجميع يسارعون بمحاولة الحصول على بعض الاحتياجات الضرورية اللازمة .. من بعض الغذاء .. شيء من الماء .. قليلاً من الدواء .. ولكن كل هذا كان يتم بحذر .. بحذر شديد ..
اصطحب الأب زوجته وأطفاله الصغار لزيارة شقيقه لبعض الوقت في زيارة خاطفة وسريعة .. يطمئن عليه ويطمئنه ..
استقبلهم شقيقه وزوجته وأطفالهما بالترحاب رغم الشحوب الشديد الذي كان يبدو على محيا الجميع .. بسبب الأحداث الجسام التي مر بها الجميع ... وما زالوا .
جلس الشقيقان وزوجتيهما يتجاذبون أطراف الحديث والذي كان محوره تلك الأحداث المؤسفة من قتل وبطش .. تنكيل وتشريد .. قصف وتدمير .. والذي يقوم به العدو المتغطرس من البر .. البحر .. والجو .. منذ عدة أيام متتالية .
صخب الأطفال ولهوهم من حولهم يشوش عليهم الحديث .. ويعكر عليهم صفو اللقاء السريع .. فما كان من المضيف إلا أن طلب من جميع الأطفال اللهو بعيداً عنهم .. واقترح عليهم الذهاب إلى الحجرة المجاورة .. أو إلى سطح المنزل .. وليصطحبوا معهم ألعابهم المختلفة .. فاختار الأطفال السطح ليكملوا لهوهم ولعبهم هناك .
صوت مزمجر هادر قطع حديث الأخوين وزوجيتهما بعد وقت قصير .. قصف معربد مزمجر يأتي من ناحية السماء .. من الجو .. القصف قريب .. بل هو قريب جداً .. اندفع الجميع نحو السطح .. ليستطلعوا الأمر هناك .. حيث الأطفال يلهون .. يلعبون .
وصدق حدسهم بالفعل ... فلقد وجدوا الأطفال جثثاً هامدة مقطعة الأوصال ... مبعثرة الأشلاء .. وسط بركة كبيرة من الدماء ... ومن حولهم الألعاب المختلفة التي كانوا يلهون بها ..
ثمة " منظار " بيد جثة أحد الأطفال ... مجرد " منظار " .. من تلك المناظير البلاستيكية التي يلهو بها الأطفال في العادة ؟؟؟!!! .
++++++++++++
( الصورة الثالثة )
تكدس العشرات .. المئات .. رجال .. نساء ... أطفال ... شيوخ ... عجائز.. تكدسوا في حجرات المبنى الكبير .. بعد أن قصفت منازلهم بعنجهية من قبل طائرات العدو ... ومدفعيته ... وأسطوله البحري .. فاستشهد منهم من استشهد .. ونجا من نجا .. ولجأ من نجا إلى هذا المبنى الضخم .. وقد اعتقدوا بأنهم في أمان .. أمان مطلق .. لأن العلم يرفرف على البناء ... علم الأمم المتحدة الأزرق المميز ؟؟!! .
فالبناء عبارة عن مدرسة .. مدرسة من مدارس وكالة هيئة الأمم المتحدة .. وهو يتمتع بالحصانة .. الحصانة المطلقة ؟؟!! .. ولا تجرؤ قوات العدو أن تهاجمه على الإطلاق .. أو أن تفكر في قصفه .. أو مجرد الاقتراب منه ؟؟!! .
كل أسرة .. أو أسرتين .. أو أكثر في بعض الأحيان .. اختارت حجرة كبيرة ( غرفة صف ) من حجرات المدرسة الكبيرة .. اتخذته سكناً مؤقتا .. بعد أن تقطعت بهم السبل من أجل الحصول على سكن .. أو أي مسكن يأويهم .
بعض الأطفال يلهون في ساحة المدرسة .. يلعبون .. بعض النسوة يقمن بالطبخ .. بالغسيل .. وبعض الرجال يثرثرون .. ويتجاذبون أطراف الحديث ..
ثمة قصف مزمجر .. عربد في المكان .. أحال المكان إلى جهنم .. إلى جحيم .. القنابل الحارقة .. أصابت العديد من الأطفال ... النساء .. الرجال .. الشيوخ والعجائز .. سقطوا على الأرض مضرجين بدمائهم ... تناثرت الأشلاء لتملأ المكان .
فر الناجون من المكان .. هربوا من المدرسة ... فروا إلى الخارج .. إلى الشوارع .. الأزقة .. يصرخون .. يستغيثون.. يولولون .. يستنجدون ..
وسرعان ما كانت النجدة تأتيهم ... على شكل قنابل من كل لون .. تقذفهم بحمم الموت بكل شكل .. من كل مكان .. من الأرض .. من السماء ... ... من البحر ..
ركض الجميع في كل اتجاه بلا هدف .. وعلى غير هدىً .. يفرون من الموت ... فيلاقيهم .. يهربون من الجحيم .. فيترصدهم .. تتساقط الجثث على الأرض ... تتناثر الأشلاء في كل مكان ...
قذيفة تضرب المبنى من جديد .. تصيب أعلاه .. تسقط الحجارة والأتربة على الفارين من الجحيم .. الهاربين من الموت .. ثمة شيء يسقط تحت أرجلهم ... قطعة قماش زرقاء اللون ...؟؟!! ( علم الأمم المتحدة ) .. شبه محترقة ... تلطخت بالدم .. وسقطت في الوحل والطين .
++++++++++++++++++++++++
( الصورة الرابعة )
القصف المدوي المتوالي أحال المكان إلى جهنم .. إلى جحيم .. قصف من كل نوع ... وبكل الأشكال .. ولم يلبث أن هدأ بعد ساعات وساعات طوال من قذف حممه المجنونة الحمقاء .
المكان ناءٍ بعض الشيء .. يقع في أطراف المدينة .. في منطقة زراعية .. تنفس السكان الصعداء قليلاً .. بعد أن هدأت حدة القصف .. ولكن الأمر لم يدم طويلاً ..
فسرعان ما كانت أصوات الآليات العسكرية تئز بشكل متصل .. وتزمجر بصوت مرعب .. وتصخب بشكل يثير القشعريرة في الأبدان .
طوقت المكان من كل ناحية .. من كل جانب ... ارتفعت مكبرات الصوت لجنود الاحتلال تطالب المتواجدين .. ومن نجا من القصف أن يغادروا المكان فوراً .. أن يسيروا حفاة .. شبه عراة .. وأن يرفعوا أيديهم فوق رؤوسهم .. وأن لا يلتفتوا إلى الوراء .. وأن .. وأن .. رزمة ضخمة من الأوامر .
لم يسع السكان سوى الانصياع للأوامر .. وتنفيذها .. ساروا في طابور طويل .. يضم الرجال والأطفال .. النساء والشيوخ .. بينما كانت الطلقات النارية من الأسلحة الأتوماتيكية الرشاشة للعدو تلاحقهم بقسوة .. وتحثهم على السير .
ما كادوا يسيرون بعض الشيء حتى عاد فحيح الأصوات الكريهة لجنود العدو عبر مكبرات الصوت .. تطلب إليهم التوقف .. فتوقفوا .. طلبت منهم الدخول إلى مكان قريب .. فتكدسوا فيه .. وتوالت الأوامر المتلاحقة ..
ساعات طوال والجميع مكدسين في المكان الضيق .. أحسوا بالجوع .. بالعطش .. بالبرد .. رغم أنهم يعرفون جيداً بأن لا شيء من متطلبات الحياة في متناول اليد .
تلوى الأطفال من الألم لشعورهم بالظمأ .. الظمأ الشديد .. تبرع أحد الشباب بإنقاذ الموقف .. فهو يعرف المكان جيداً .. ويعرف بأن هناك " ماتور مياه " قريب من المكان ... فخرج من المكان .. وتوجه ناحية " ماتور المياه " لكي يعمل على تشغيله ليروي ظمأ الجميع .
ما كاد يصل ناحية " الماتور " ويحاول أن يعمل على تشغيله ... حتى كانت قذيفة مباشرة تسقط عليه فتحيله إلى كتلة لحمية مهلهلة .. خرج من المكان أحد أقارب الشهيد لمحاولة الإنقاذ .. وإحضار جثة الشهيد .. والعمل على تشغيل " الماتور " ليروي ظمأ العطشى ..
ما كاد يحاول أن يفعل .. حتى كانت قذيفة مدوية تلقي به إلى جانب الشهيد الأول .. حاول البعض الوصول إلى مكان الشهيدين ..فانهالت عليهم الطلقات النارية من كل جانب .
تلوى الأطفال .. الرجال .. النساء .. الشيوخ من العطش .. من الظمأ ..
بعد ساعات .. استطاعت سيارة الإسعاف الوصول إلى المكان .. نقلت جثة الشهيدين .. ولم تستطع شيئاً بالنسبة للمحاصرين العطشى .. ولم يجرؤ أحد من المحاصرين على الاقتراب من " الماتور " لتشغيله .
بعد لحظات قليلة .. فتح الجميع أفواه الدهشة ... فلقد بدأ " ماتور المياه " بالعمل .. وانسابت المياه لتروي ظمأ العطشى ..
أقسم البعض بأنهم رأوا شبحين بالملابس البيضاء يقومان بتشغيل " الماتور " ... تمتم رجل فاضل من بين المحاصرين :
-إنها أرواح الشهداء .
++++++++++++++++
( الصورة الخامسة )
وقفت المرأتان في المقبرة ... مقبرة المدينة الواسعة الكبيرة ... الأولى وقفت ساهمة واجمة إلى جانب قبر ... تتمتم ببعض السور القرآنية .. وبعض الأدعية .. تربت على القبر بحنو ورقة .. تسوي بعض الرمال المتهدلة حول القبر وتعيد وضعها من جديد فوقه ..
الثانية ... كانت قلقة .. تبكي بحرقة ... تتحرك هنا وهناك ... تقف بين عدة قبور ... لعلها أربعة .. تتنقل بينها بسرعة غريبة .. تضع على هذا القبر بعض الورود .. وترش على ذاك شيئاً من الماء .. وعلى آخر بعض الأحجار .. وعلى الرابع بعض سعف النخيل ..
لعلها لحظات طويلة تلك التي سبقت رغبتهن بالحديث لبعضهن البعض ... بدأته الأولى بالحديث :
- عليك بالصبر يا أختاه ... وبالدعاء الدائم والترحم ... ولا داعي للقلق والبكاء بهذا الشكل .
توقفت الثانية عن البكاء والحركة لبعض الوقت ... اقتربت من الأولى بعيون متقدة كالجمر :
-أي صبر هذا بعد أن فقدت زوجي وثلاثة من أطفالي ؟؟!!... ألا ترين هذه القبور الأربعة ؟؟.. إنها قبور زوجي وأولادي .. أطفالي .. لقد قصفوا منزلنا بوحشية .. ولست أدري هل من حسن حظي أو من سوء حظي أني لم أكن معهم في المنزل عند القصف ...
-رحمهم الله .. وأدخلهم فسيح جناته .. وألهمك الصبر .. فعليك بالصبر يا عزيزتي ..
-إنك تقولين ذلك .. لأنك لا تشعرين بمدي مصابي .. لا تشعرين بمدى ما أكابده .. فأنت تتماسكين هكذا لأنك لم تفقدي سوى عزيز واحد عليك .. في هذا القبر الوحيد الذي تقفين إلى جواره .
-حقاً أختاه ... حقاً بأنه قبر واحد .. ولكنه يحوي كل ما استطعنا الحصول عليه من أشلاء ... محترقة ... متفحمة ... لخمسة عشر فرداً ... هم أفراد عائلتي بالكامل ؟؟؟!!!
++++++++++++++++++
( الصورة السادسة )
المرأة المسنة تقيم في البيت المتواضع وحيدة .. المنزل في منطقة شبه نائية .. يقع بالقرب من الحدود الوهمية ... ولدها الوحيد اختفى منذ بداية قصف المدينة والمدن الأخرى .. تشوشت أفكارها واضطربت .. شغل بالها فراق ابنها الوحيد وغيابه عنها في مثل هذا الظرف العصيب .. وهي في أمس الحاجة لمن يساعدها في محنتها .. لمن يخفف عنها شيئاً من الخوف والوحدة ... لمن يؤنس وحشتها .. فلجأت إلى الله .. وإلى الصلاة والدعاء .
قذيفة رعناء أصابت المنزل المتواضع فأحدثت به الخراب والدمار .. أصابتها بعض الشظايا في شتى أنحاء جسدها ... انهمرت الدماء من شتى أنحاء الجسد الواهن بغزارة .. صرخت ... استنجدت .. ولكن لم يسمع أحد صراخها ولم يستجيب أحد لندائها ولم يهب أحد لنجدتها .
توجهت إلى الله بكليتها بالدعاء .. وقد أحست بأن منيتها قد أزفت .. وأن النهاية لا محالة قادمة بعد لحظات .. لم تلبث السكينة والهدوء أن عادتا إليها بعد وقت قصير .. فراحت تحاول تضميد جراحها العديدة لمنع تسرب الدماء المنهمرة بغزارة منها ..
عاودت الدعاء .. وطلب النجدة .. وشعرت بأن الله قد استجاب لدعائها .. ويبدو بأن أحداً ما قد هب لمساعدتها ونجدتها .. فزغردت نفسها .. فلقد سمعت صوت جلبة وضوضاء في الخارج ... وأصوات أقدام تقترب منها .
انتصب الشاب أمامها بالزيّ العسكري .. تناهى إلى مسامعها صوته :
-أنا هنا .. أنا هنا لمساعدتك .. لا تخافي .. سأنقذك ... سأفعل المستحيل من أجل إنقاذك .
أحست بنوع من السعادة رغم الجراح العديدة ... نظرت إلى الشاب ... دققت النظر .. شهقت :
-من ؟؟!! .. ولدي !!.. ولدي الوحيد .. الحمد لله أنك حضرت في الوقت المناسب .. ولكن ؟؟!! .. ما هذه الملابس العسكرية التي ترتديها ؟؟!! .. وهل يرتدي رجال المقاومة الزيّ الرسمي في مثل هذه الظروف العصيبة ؟؟!!
أتاها صوته وكأنه يأتي من وراء القبور .. أو من أعماق الجب :
-إنها ليست ملابس رجال المقاومة يا أمي ... إنني .. إنني .. إنني أعمل مع .. مع ..
-أوه .. هكذا الأمر إذن .. لقد فهمت ..
-على كل حال .. سأطلب لك النجدة الآن يا أمي ... لا تنزعجي .. سوف أحضر لك سيارة إسعاف ... بل طائرة خاصة لتنقلك إلى الداخل لعلاجك .. لإنقاذ حياتك ..
-- يا لك من نذل .. خائن .. ساقط .. ليت هذا البطن لم يحملك ... ليت هذا الثدي لم يرضعك ... لست ولدي .. لست ولدي ... أنا لا أعرفك .. مطلقاً ... فقبل لحظات كنت أموت ... أموت لمرة واحدة ... أما الآن .. فأنا أموت ألف مرة ... اذهب عليك اللعنة .. عليك غضبي .. وغضب الله .. والملائكة أجمعين .. في الدنيا وفي الآخرة ..

[/align][/cell][/table1][/align]

سليم عوض علاونة 04 / 04 / 2009 22 : 12 AM

رد: ( صور .. باللون الأحمر ) " المجموعة الرابعة"
 
... ومن تشجيعكم الدائم الدؤوب .. استمد الاستمرار بالعطاء المتواضع لأعمالي الأدبية ..
فأين كلماتي المتواضعة هذه من أعمالكم الأدبية الراقية أستاذتي الفاضلة .. والتي أعتزبها وافخر .. واسعد دائماً بالمرور عليها .. ليس المرور عليها فحسب .. بل قرائتها مرة وأخرى وأخرى .. وأخرى ..
إن ما جاد به قلمي المتواضع من أعمال أدبية ( صور .. باللون الأحمر ) ما هي سوى نبضات صادقة .. مشاعر حقيقة .. انعكاس صادق لواقع مر أليم كابدناه هنا ..
فكل الشخوص والأبطال في هذه الصور .. هم أبطال حقيقيون .. شخوص حقيقية .. ضحت بأرواحها .. بدمائها .. بأنفسها من اجل أن نعيش.. نحيا .. ويحيا الوطن الحبيب .
ككاتب .. ليس لي من فضل - كما قلت سابقاً - ليس لي اي فضل على الإطلاق على هذه الصور الملونة باللون الأحمر .. سوى في الصياغة الأدبية فحسب .. وكل ما أرجوه .. ان أكون قد وفقت - ولو بالنزر اليسير من التوفيق - في إبراز الصورة الحقيقية لواقع عشناه .. وتجربة مريرة .. وكابوس أحمق ..
سعيد جداً بمتابعتك - استاذتي الفاضلة - لهذه الأعمال - المتواضعة أدبياً - العظيمة بشخوصها وابطالها وواقعها .. والتي صورت صورة ملحمة شعب صامد .. أعزل .. مغلوب على أمره .. ولكنه انتصر بكل المقاييس ..بحول الله تعالى .
كل التحية والاحترام والتقدير والوفاء
أخوكم
سليم عوض علاونه

سليم عوض علاونة 04 / 04 / 2009 34 : 12 AM

رد: ( صور .. باللون الأحمر ) المجموعة الثالثة
 
أختي الفاضلة .. أستاذتي الكريمة ... ميساء البشيتي حفظها الله ورعاها
أشكر لكم تكرمكم الدءوب بمتابعة أدبياتي المتواضعة والتعليق الكريم عليها بكلمات أخوية صادقة تثلج صدري .. أفخر بها وأسعد أيما فخر وأيما سعادة ..
بالنسبة لاسمي أستاذتي الكريم فهو : سليم عوض عيشان ( علاونه )
وعلى سبيل الاختصار .. وعلى موقعكم الكريم ..ولأن بعض الأخوة الأفاضل اعترضوا على الاسم الطويل بهذا الشكل .. فلقد اختصرته ليصبح على موقعكم الكريم : سليم عوض علاونه ..
بالنسبة لفكرة سيادتكم حول بعض أعمالي الأدبية والتكرم بنشرها على موقعكم الكريم .. فإن هذا يسعدني جداً ويشرفني .. فإن لدي العديد من الأعمال الأدبية في مجال القصة القصيرة - الرواية - المسرحية .. ويسعدني جداً أن أرسل لموقعكم الكريم ما يروق لسيادتكم نشره .. وهذا مدعاة فخر واعتزاز بالنسبة لي .
أشكر لكم اهتمامكم الزائد .. ومتابعتكم الكريمة .. وشعوركم الأخوي الصادق
كل التحية والاحترام والتقدير لشخصكم الكريم .. ولموقعنا الحبيب ( نور الأدب ) ولجميع القائمن عليه
أخوكم
سليم عوض علاونه

بوران شما 04 / 04 / 2009 58 : 12 AM

رد: ( صور .. باللون الأحمر ) ’’ المجموعة الرابعة ’’
 
الأخ العزيز الأستاذ سليم علاونة

تقديري واحترامي لشخصكم الكريم على صياغة هذه الصور الرائعة وهو الصورة الحقيقية للواقع الذي عاشه شعبنا الفلسطيني الصامد في غزة الصامدة . وهي قصص بطولية رائعة سمعنا بها حقيقة أثناء الحرب الهمجية البشعة على غزة العزة .

شكرا لك مرة أخرى مع فائق المودة .

سليم عوض علاونة 04 / 04 / 2009 31 : 08 AM

رد: ( صور .. باللون الأحمر ) ’’ المجموعة الاولى ’’ الى ’’ المجموعة الخامسة ’’
 
الأستاذة الفاضلة .. الأخت الكريمة / ميساء البشيتي حفظها الله
واشكر لسيادتكم تكرمكم الدائم على المتابعة والاهتمام بأعمالي الأدبية المتواضعة ..
كذلك أثني على روعة كتابتكم الأدبية المميزة وتعليقاتكم الأخوية الصادقة .
وهذه الصور .. الحمراء بلون الدم .. ما هي سوى نتاج طبيعي لواقع مر كابدناه وعشناه على مدار أكثر من شهر من المعاناة .. وما زلنا .
هذه الصور التي عشناها سويةً .. نحن وانتم .. فأنتم ايضاً شاركتمونا المحنة بكل أبعادها وكل وقائعها ..
كل الشكر والتحية والتقدير لقلمكم المبدع .. وفكركم المعطاء .
أخوكم
سليم عوض علاونه

سليم عوض علاونة 05 / 04 / 2009 04 : 12 AM

( صور .. باللون الأحمر ) ’’ المجموعة السادسة ’’
 
[align=center][table1="width:95%;background-color:orange;"][cell="filter:;"][align=center]
(( صور ... باللون الأحمر ))
( المجموعة السادسة )
بقلم / سليم عوض علاونه
غــــزة الصمــــود
++++++++++++++
( الصورة الأولى )
كانت تقاسى آلام المخاض وحيدة .. سوى من أطفالها الصغار من حولها .. والذين لا يستطيعون بأي حال من الأحوال تقديم أي نوع من العون أو المساعدة لها .. المكان ناءٍ .. القصف الوحشي المتوالي يزلزل المنزل .. الأطفال ينكمشون حولها .. العيون جاحظة .. القلوب واجفة .. والأم تقاسي آلام المخاض المبرحة .. تتلوى بصمت .. تكظم الآهات والعبرات .. فلا أحد يستطيع الوصول إليها وإليهم .. فالمكان ناءٍ .. والقصف يحيط بهم من كل الأرجاء .. وكل الأنحاء .
القصف الهمجي يهدأ رويداً رويداً .. سوى من أزيز متواصل لزخات متلاحقة من الأسلحة الرشاشة .. لغط غريب يقترب تدريجياً .. أصوات أقدام تدق الأرض بعنجهية .. تقترب منهم .. الطلقات الرشاشة تطغى على المكان .. يفزع الأطفال الجزعين .. ينكمشون أكثر .. يحاولون الاحتماء بالأم التي تقاسى آلام المخاض ..
ثلة من جنود العدو تقتحم المكان عنوة .. بصخب وحشي .. بدفعات متوالية من رشاشاتهم القاتلة .. تقع أبصارهم على الأم وأطفالها .. يتوقفون عن إطلاق الرصاص بعد تلقيهم إشارة من يد الضابط ..
يسألها الضابط بعنجهية وبلكنة غريبة عن الأطفال .. تخبره وهي ترتجف بأنهم أطفالها .. يبتسم ابتسامة شيطانية .. يدفع الأطفال بقوة وعنجهية بعيداً عن الأم ... يبدأ بإطلاق الرصاص عليهم .. يبدأ بالكبير .. يطلق عليه رصاصة .. تصاحب تماماً ( طلقة ) المخاض عند المرأة .. طلقة ثانية على الطفل الثاني .. ( طلقة ) ثانية من صراع الأم مع المخاض .. طلقة ثالثة .. رابعة .. خامسة .. يقع الأطفال على الأرض مضرجين بدمائهم .. يصرخ الطفل الوليد صرخة الحياة وهو يرى النور .. يتنبه الجنود للأمر ؟؟ فثمة طفل جديد .. طفل وليد .. يأخذون بالتحرك نحو الأم وطفلها الوليد .. تحمل المولود بين يديها .. ما زال يقطر دماً .. ما زالت الأم تنزف دماً .. ما زال الأطفال ينزفون الدماء بغزارة ..
تتراجع الأم إلى الخلف .. يلاحقونها .. تتراجع .. يلاحقونها .. تصطدم بإناء بلاستيكي ضخم .. يطلق نحوها أحد الجنود برصاصة ... ينقلب الإناء على الأرض .. يسيل منه البترول الذي كانت تحتفظ به الأسرة لوقت الشدة .. يشتعل البترول .. يشتعل المكان .. أصوات الإنفجارات تتوالى .. وأصوات الجنود تتعالى ..
مصادر العدو أعلنت بعد ساعات بأن خمسة جنود قد قتلوا بنيران صديقة ؟؟!!
الأم .. ما زالت ترقد في السرير الأبيض في مستشفى المدينة .. وهي تعاني من حروق شديدة في شتى أنحاء جسدها .. بينما رائحة البترول ما زالت تعبق من شتى أنحاء جسدها لتنتشر بالمكان .. وهي ما زالت تحتضن بقوة .. جسد طفل وليد .. محترق .. متفحم .
++++++++++++++++++
( الصورة الثانية )
اتصلت القيادة بالطراد العسكري الذي كان يجوب الشاطئ جيئة وذهاباً .. القيادة أخبرت قائد الطراد بأن أجهزة الرصد لديها .. وصور الأقمار الصناعية .. وطائرات الاستطلاع والتجسس قد رصدت قارباً مشبوهاً على شاطئ البحر ؟؟ .. ويحتمل أن يكون به بعض رجال المقاومة .. بل من المؤكد ذلك .. وعليه أن يقصفه فوراً ..
اقترب قائد الطراد من المكان .. من الشاطئ .. حيث أشارت القيادة بوجود القارب .. لم يجد شيئاً .. اقترب أكثر .. فأكثر .. بحث في كل الأماكن على الشاطئ .. أخيراً .. اكتشف وجود قارب بالفعل .. اتصل بالقيادة يعلمهم بالأمر.. أخبرهم بأن القارب الذي تم رصده .. ما هو سوى قارب صغير جداً من ورق .. مجرد لعبة يلهو بها طفل صغير على الشاطئ .. جاءه الرد سريعاً من القيادة : " اضرب القارب قذيفة .. واضرب الطفل عشر قذائف " ؟؟!! .
+++++++++++++++++
( الصورة الثالثة )
غادر الجميع المنزل .. فالمنطقة أصبحت معرضة للقصف بشكل مكثف .. لم يبق فيه سواها .. تركوها مكرهين .. فهي لا تستطيع الفرار .. أو الهروب من المكان .. ولا حتى السير على الأقدام .. فهي امرأة مسنة .. مريضة .. مقعدة .. مشلولة .. بدينة بشكل غريب .
أحد جنود العدو اقتحم المكان مزمجراً معربداً ... اصطدم بصره بالمرأة البدينة المقعدة .. اقترب منها هادراً صاخباً يسألها عن سبب وجودها في المكان وعن سكان البيت .. أصابتها الرجفة .. الاضطراب .. الارتعاش .. بصوت متحشرج أجابته بأنهم خرجوا جميعاً .. هربوا من المكان .. زمجر معربداً يسألها لماذا لم تلحق بهم .. لماذا لم تذهب معهم ؟؟ .. أخبرته بأنها مريضة ... مقعدة ... مشلولة ..
ابتسم ابتسامة شيطانية عريضة .. اقترب منها مطمئناً.. أخبرها بأنه إنسان ..إنسان ..وله أم ..عجوز مثلها .. وأعلمها بأنه سيعالجها الآن ؟؟!!.. سيعطيها الدواء الشافي فوراً .. وكاشفها الأمر بأن علاجها يحتاج لدواء كثير .. وهو لا يحمل مثل كل ذلك العلاج .. استدعى بقية رفاقه من جنود العدو .. همس في أذنهم بكلمات .. ابتسم الجميع ابتسامات صفراء شيطانية .. واشترك الجميع في تقديم الدواء لها .
عند حضور سيارة الإسعاف للمكان فيما بعد .. عاين الطبيب المرافق الأمر .. وأكد وجود أكثر من مائتي ثقب .. في جسد المرأة المسنة المشلولة .
++++++++++++++
( الصورة الرابعة )
قائد طائرة " الهليوكبتر " العسكرية اتصل بالقيادة .. أعملهم بأن طفلاً صغيراً قذف بحجر نحو الطائرة !! .. طلب من القيادة إعلامه عن التعليمات التي يتوجب عليه القيام بها .. كان الرد من القيادة سريعاً ..بل سريعاً جداً .. " عليك بإطلاق رصاصات المدفع الرشاش على الطفل وقتله فوراً " ؟؟ ..
قائد الطائرة يعاود الاتصال بالقيادة .. يعلمهم بأن الطفل الذي شكل الخطر على الطائرة بقذف الحجر نحوها .. قد فر ناحية مجموعة من الأطفال يلهون في أحد الأزقة واندس بينهم .. طلب من القيادة التعليمات الجديدة الواجب عليه القيام بها ... جاءه الرد سريعاً .. إياك أن تفعل شيئاً .. لا تطلق النار من مدفعك الرشاش على الطفل .. عليك بالانسحاب من المكان فوراً .
بعد ثوانٍ قليلة .. كانت طائرة مقاتلة من طراز أف 16 تطلق على الأطفال قنبلة فسفورية من ذوات الوزن الثقيل ؟؟ .
++++++++++++++
( الصورة الخامسة )
أعطي الإشارة المتفق عليها للطائرة لقصف المنزل الثالث من ناحية الشمال من مفترق الطرق .. في الحيّ الكبير .. قذفت الطائرة بحممها على المكان الذي أشار إليه ..
أخذ يعدو ناحية المكان ليرى نتيجة القصف المدمر .. وصل المكان ...وقف مشدوها ... أصابته الدهشة .. صعق .. تمتم وكأنه يهمس لنفسه :
" لقد قلت لهم أن يقصفوا المنزل الثالث من ناحية الشمال ... وليس من ناحية اليمين ... يبدو أن الطيار قد أخطأ تحديد الاتجاهات .. ولكنه بخطئه هذا قصف منزلي بدل أن يقصف منزل رجل المقاومة الذي وشيت به ؟؟ .. "
لم يلبث همسه أن ارتفع شيئاً فشيئاً .. أخذ يركض في كل اتجاه كالمجنون .. وهو يصرخ ويكرر العبارة .. إلى أن وصلت إلى مسامع الجميع .
تجمع القوم من حوله .. بعد أن سمعوا ما تفوه به من أمر خطير .. فتأكد لهم الأمر بشكل جدي وواضح ..بعد أن كان مجرد شك سابق بالشاب .. تحلقوا حوله .. من كل ناحية .. قرروا أن يفتكوا به .. جزاءً وفاقاً لما اقترف من إثم ومن آثام سابقة .
ما إن هموا بالهجوم عليه وهم يهدرون .. حتى كان صوتاً هادراً مزمجراً يطغى على كل الأصوات .. قصف مدوٍ صاخب .. أحال المكان إلى جحيم ..
أحضروا النعوش التي تحوي الجثث المحترقة إلى المسجد للصلاة عليها قبل دفنها .. عندما وصل النعش الذي يحوي جثة الشاب .. هتف الإمام صاخباً :
- أخرجوه من هنا .. أخرجوه بسرعة ... فمثل هذا الكلب لا يصلى عليه في المساجد .. ولا يدفن في مقابر المسلمين .
++++++++++++++
( الصورة السادسة )
اجتاز الحدود برفقة مجموعة من أصدقائه الجنود.. تمنطق بسلاحه الشخصي .. تمترس بالدبابة الضخمة.. أحكم الخوذة على رأسه .. ارتدى الدرع الواقي من الرصاص .. ورغم ذلك كله كان يرتجف ويرتعش ..
أطلق قائد الدبابة القذيفة الأولى نحو منازل سكان الحيّ الآمنين .. القذيفة الثانية نحو السكان أنفسهم .. الثالثة نحو مسجد الحيّ .. الرابعة نحو المدرسة .. الخامسة نحو مزرعة الدواجن .. السادسة نحو أشجار الزيتون .. السابعة كانت صاخبة أكثر من كل سابقاتها .. مدوية كالرعد المجلجل .. زلزلت المكان .. .. طوحت بالدبابة في الهواء .. تناثرت جثث الجنود من حولها ..
نظر ناحية جثث وأشلاء أصدقائه من الجنود .. لاحظ أن الدماء تنساب من وجهه وجسده بغزارة .. ارتجف .. اضطرب .. جزع .. سارع إلى الهاتف النقال .. مر بأصابعه المرتجفة على الأرقام .. هتف بصوت متحشرج واهٍ من بين الدموع والدماء ..
-ماما ... أرجوكي ... أدركيني بسرعة .. فأنا بحاجة وبشكل سريع .. إلى قطعة "بامبرز " ؟؟!!! .
[/align][/cell][/table1][/align]

بوران شما 05 / 04 / 2009 58 : 12 AM

رد: ( صور .. باللون احمر ) " المجموعة السادسة "
 
الأستاذ سليم عوض علاونة

إنها المجموعة السادسة من الصور باللون الأحمر , تدمي القلب والنفس ,
ورغم كل هذه الصورالمؤلمة , بقيت غزة العزة صامدة أبية .
شكرا لك أستاذ سليم وسلمت يداك

سليم عوض علاونة 05 / 04 / 2009 58 : 12 PM

رد: ( صور .. باللون احمر ) " المجموعة السادسة "
 
الأخت الفاضلة الستأاذة / بوران شما حفظها الله
سعيد جداً بمروركم الكريم على أعمالي الأدبية المتواضعة ..
أشكركم من اعماق قلبي لكلماتكم الأخوية النابعة من القلب والوجدان ..
إن الشكر كل الشكر .. لله تعالى أولاً .. ومن ثم لأبطال وشخوص هذه الملحمة البطولية .. الذين قدموا ارواحهم رخيصة فداءً للوطن .
بدوري ككاتب .. فلا فضل لي على الإطرق في هذه الصورة التي هي باللون الأحمر سوى مجرد الصياغة الأدبية .. فالفضل كل الفضل لأبطال وشخوص الملحمة الذين سطروا بدمائهم أروع آيات البطولة والفداء .. وما قلمي المتواضع سوى صدى ورد فعل لأعماله البطولية الرائعة .
أرجو ان اكون عند حسن ظنكم أستاذتي الفاضلة وحسن ظن الجميع ..
كل الشكر والتقدير والاحترام
أخوكم
سليم عوض علاونه

خيري حمدان 05 / 04 / 2009 13 : 02 PM

رد: ( صور .. باللون احمر ) " المجموعة السادسة "
 
الأستاذ سليم عوض علاونة
يصعب علي قراءة هذا الكمذ الكبير من المآسي والجرائم التي يندى لها الجبين
أترك لنفسي الانغلاق على ذاتي لاجترار آلام شعبي، ما تدونه شديد الأهمية لتاريخ الأنسانية المعاصر، ويصلح لخامة من الأفلام التصويرية والتوثيقية عامة، وكذلك نجد الحياة تنبثق من الموت، وهذا منتهى التفاؤل في هذا الزمن السيء
محبتي أيها المبدع

سليم عوض علاونة 05 / 04 / 2009 36 : 04 PM

رد: ( صور .. باللون احمر ) " المجموعة السادسة "
 
أستاذي الفاضل / خيري حمدان حفظه الله ورعاه
أسعد أكثر كلما التقيت بحروفكم وكلماتكم المضيئة .. التي تمدني بشحنة عالية من الثقة والاعتزاز ..
أشعر بأن لعملي الأدبي المتواضع قيمة فنية وأدبية بمجرد توقيعكم الكريم عليها بمروركم الأخوي الصادق .. وتعليقاتكم الحبيبة .
إنني أحاول وبقدر الإمكان رسم صورة أدبية .. لأحداث واقعية .. أبطالها وشخوصها كانوا يعيشون بيننا ذات يوم .. واستشهدوا .. وبعضهم ما زال يحيا بيننا ..( الشهيد الحيّ ) .. بعد أن رسموا لنا الخطوات القادمة على طريق الحرية ..
أشكر لكم تكرمكم بإفساح المجال لهذه الصور بأن ترى النور بتوقيعكم الكريم على موقعكم العظيم ( نور الأدب ) ليصل صوت الشهداء .. الجرحي .. المصابين .. اليتامى .. الثكالى .. إلى مسامع كل شرفاء العالم وأحراره .
كل التحية والتقدير والاحترام ..
وإلى لقاء متجدد..
أخوكم المحب
سليم عوض علاونه

رشيد الميموني 06 / 04 / 2009 23 : 03 PM

رد: ( صور .. باللون الأحمر ) ’’ المجموعة السادسة ’’
 
نقل صادق ووفي لأحداث كان يمكن أن تمر دون إثارة الاهتمام كما يراد لها عبر كثير وسائل الإعلام وهي تقدم ما يجري دون التعمق في المأساة و إبراز جانبها الإنساني ..
أعطيت أخي العزيز للصور حقها في الظهور دون ألة للتصوير .. لكن ألة الكتابة كانت أبلغ من تلك التي تعطينا فقط صور جامدة رغم ما تنطق به من آلام ..
بارك الله فيك ودام تألقك .

سليم عوض علاونة 06 / 04 / 2009 49 : 06 PM

رد: ( صور .. باللون الأحمر ) ’’ المجموعة السادسة ’’
 
أخي الفاضل .. الأستاذ الأديب / رشيد الميموني حفظه الله ورعاه
أسعد الله أوقاتكم بكل خير
سعدت جداً بمروركم الأخوي على عملي الأدبي المتواضع ..
حقاً بأنها صور .. صور قلمية .. تصور الواقع الأليم .. والصور الدامية باللون الأحمر .. لحقبة سوداء عاشها أبناء الوطن .. وستظل وصمة عار في جبين العدو المتغطرس ..
قلم يروي السيرة العظيمة .. الملحمة البطولية .. لكفاح شعب أعزل .. سوى من الإيمان بالله .. وما يحمله من بندقية .. ومن قلم ..
هي صور من واقعنا .. ليس لكاتبها من فضل سوى بالصياغة الأدبية .. وسوى تصويرها بالقلم .. لأنه لا يجيد التصوير بالكاميرا ..
آمل أن أكون عند حسن ظنكم وظن الجميع ..
ولنا لقاءات أدبية قادمة بإذن الله .
أخوكم
سليم عوض علاونه

ميساء البشيتي 07 / 04 / 2009 20 : 01 AM

رد: ( صور .. باللون الأحمر ) ’’ المجموعة السادسة ’’
 
اخي واستاذي الفاضل سليم عوض

ويستمر تدفق الدم شلالات من صورك الحية

وأشعر أن السماء ما زالت ملبدة بغيوم الحرب البشعة على غزة

ربما لأن غزة ما زالت تعاني من تبعات الحرب وأثارها السيئة

لا أحب لهذه القصص على مأساويتها أن تنتهي حتى يبقى الجرح ينزف

ربما يستيقظ العالم ذات صباح على نزيفه

الف شكر استاذي الفاضل سليم عوض

وبانتظارك دوما من قلب غزة هاشم

الله يعطيك الف عافية ودمت بكل السعادة والهناء

سليم عوض علاونة 10 / 04 / 2009 10 : 02 AM

رد: ( صور .. باللون الأحمر ) ’’ المجموعة السادسة ’’
 
الأستاذة الفاضلة .. الأديبة المبدعة .. ميساء البشيتي حفظها الله ورعاها
أسعد الله أوقتكم بكل خير ..
سامح الله هذا النت اللعين .. صدقينب يا اختاه بأنني أرسلت بالرد على التعليق .. في حينه .. ولكن يبدو أن النت اللعين ( أكله ) .. ولست ادري لماذا يفعل بي النت مثل هذه الأمور ؟؟
على كل حال أشكرك من صميم قلبي ومن أعماق نفسي ..
وأنت تعليمن كم أنا أقدر مواقفك الأخوية الصادقة .. وكم أهفو لعطر كلماتكم الأدبية الصادقة .. والأخوية العظيمة ..
كل الشكر وكل التحية وكل التقدير والوفاء
أخوكم
سليم عوض علاونه

سليم عوض علاونة 10 / 04 / 2009 24 : 02 AM

( صور ... باللون الأحمر ) ’’ المجموعة السابعة ’’
 
[align=center][table1="width:95%;background-color:orange;"][cell="filter:;"][align=center]
( صور ... باللون الأحمر )
بقلم / سليم عوض علاونه
" المجموعة السابعة "
+++++++++++++++++++++
( الصورة الأولى )
بين القبور تجري هنا وهناك .. تصرخ .. تولول .. تبكي .. تئن.. في يدها تحمل وعاء الشاي .. تدور بين القبور دورات سريعة متعاقبة يصاحبها صوت الصراخ والنداء المتكرر .. لم تلبث أن تقف عند أحد القبور .. تهدأ قليلاً عن الحركة .. وعن الصراخ .. تـتأمل القبر بتمهل .. تتمتم بكلمات هامسة رقيقة .. فيها نشيج البكاء .. ونبرة الألم والحزن ..
-هيا ابنتي .. هيا طفلتي .. انهضي .. قومي .. اخرجي من القبر .. فها أنا قد أتيت لك بما تطلبين .. أحضرت لك ما تريدين .. ها هو " إبريق" الشاي .. هيا انهضي .. هيا .. لتشربي الشاي ..
كان القصف قد اشتد بشكل جنوني .. يطال كل الأماكن .. كل الأشياء .. كل الأحياء .. تلوت الطفلة من الخوف .. لجأت إلى صدر أمها عله يحميها من شبح الموت الذي يدور في كل مكان .. ضمتها الأم إلى صدرها بحنان وحب .. علها تحميها .. جف حلق الفتاة .. طلبت من الأم كوباً من الشاي .. علها تطفئ الظمأ وشيئاً جفاف الحلق .. أخبرتها الأم بأن الشاي قد نفد منذ زمن بعيد .. والغاز .. والبترول .. فكيف تستطيع أن تلبي مطلبها ..؟؟!! .. كررت الطفلة الطلب عدة مرات وهي تبكي بألم ومرارة .. تأوهت الأم .. تحركت من مكانها لتبحث عن إناء الشاي علها تجد به شيئاً .. وجدت به بعضاً من الشاي ... مجرد بقايا البقايا .. مدت أصبعها في الإناء .. أخرجت منه تلك البقايا .. وضعتها على فم طفلتها علها تهدأ .. زاد صراخ وبكاء الطفلة .. راحت تطلب الشاي من جديد بإلحاح غريب ..
قصف مدمر أصاب المنزل .. جعله ركاماً .. حطاماً .. أصيبت الأم ببعض الإصابات .. أخرجوها من بين الركام والأنقاض .. ولم يلبثوا أن أخرجوا الطفلة .. كانت إصاباتها بليغة قاتلة .. ألقت الأم بنفسها إلى جانب طفلتها .. فتحت الطفلة عيناها المغرورقتين بالدموع والدم .. هتفت بالأم :
-أمي .. أرجوكِ .. أريد كوباً من الشاي ؟؟؟!!
بين القبور تجري هنا وهناك .. تصرخ .. تولول .. تبكي .. تئن.. في يدها تحمل وعاء الشاي .. تدور بين القبور دورات سريعة متعاقبة يصاحبها صوت الصراخ والنداء المتكرر .. لم تلبث أن تقف عند أحد القبور .. تهدأ قليلاً عن الحركة .. وعن الصراخ..تـتأمل القبر بتمهل .. تتمتم بكلمات هامسة رقيقة .. فيها نشيج البكاء .. ونبرة الألم والحزن ..
-هيا ابنتي .. هيا طفلتي .. أنهضي .. قومي .. اخرجي من القبر .. فها أنا قد أتيت لك بما تطلبين .. بما تريدين .. ها هو " إبريق" الشاي .. هيا انهضي .. هيا .. لتشربي الشاي ..
+++++++++++++++++++++++
( الصورة الثانية )
كالليث .. وقف يحمل سلاحه المضاد للدروع .. تهيأ لاستعماله .. ظهر الهدف أمامه .. لم يكن الهدف بالشيء العادي .. هو كان قد سمع عنه .. قرأ عنه .. رآه على شاشة التلفاز .. لم يكن يعلم بأنه في مثل هذه الضخامة .. بمثل هذا الشكل المخيف .. كأنه حيوان خرافي من عصور ما قبل التاريخ قد بعث من جديد .. طود مخيف .. جبل شاهق .. برج متنقل .. أصابه شيئاً من الخوف .. أصابته الرجفة .. شعر بالوهن يدب في أوصاله .. تساءل في سره وقد جف حلقه .. " وماذا عسى أن تفعل هذه القذيفة الصغيرة التي يحملها .. مع هذا الجبل المتحرك ؟؟؟ " .. أحس بثقل في جسده .. خدر في يديه .. سقط السلاح القاذف عن كتفه على الأرض .. اقترب الهدف .. زاد الخوف .. زادت الرعشة .. لجأ إلى الله بكليته .. إلى الدعاء .. استنجد بالله ..
لم يخذله الله ... ولا جند الله ... أحس بسلاح القاذف الصاروخي يرتفع عن الأرض .. يثبت على كتفه بقوه .. صوت روحاني يهتف به .." اضرب .. اضرب ولا تخف .. فالله معك " ..
استجمع قواه .. أطبق بقوه على السلاح .. ضغط الزناد بيد من حديد .. صرخ بقوة وحماسة : " الله أكبر .. الله أكبر " .. تهاوى البرج الشاهق .. تحطم الجبل .. تناثرت أجزاء الدبابة في كل مكان ..
++++++++++++++
( الصورة الثالثة )
همست الأم لزوجها : .. الطفل يأخذ مصروفه مزدوجاً .. منك ومني .. أتراه أصبح مبذراً إلى مثل هذا الحد ؟؟ ..
استدعى الأب طفله .. سأله عن الأمر .. وعن حقيقة ما أسرت به الأم له .. تلعثم الطفل قليلاً .. هتف بصوت متحشرج : .." نعم هو كذلك يا أبي " .. سأله الأب عن سبب الزيادة التي طرأت عليه في مصاريفه بهذا الشكل .. أجاب الطفل : .. أنا لا أصرفه يا أبي مطلقاً .. بل أنا أدخره .. " عجب الأب من الأمر .. سأل الطفل عما ينوي أن يفعله بالمصروف الذي يدخره .. أجاب الطفل بقوة وإصرار .. " أريد أن اشتري به " صاروخ " ؟؟؟!! عجب الأب للمرة المليون .. هتف : صاروخ ؟؟!! .. ولماذا يا طفلي العزيز ؟؟ .. أجاب الطفل بقوة وحماسة : لكي أقتل به الأعداء الذين قتلوا أخي الطفل " بيان " في الأسبوع الماضي بصاروخ كبير ...؟؟!!
++++++++++++++
( الصورة الرابعة )
القصف الأهوج طال جميع المنازل .. والسكان الآمنين .. ومجموعة من الأطفال الذين كانوا يجلسون في أحد الأزقة وصلهم القصف أيضاً .. أصاب منهم من أصاب .. قتل منهم من قتل ..
اندفعت سيارات الإسعاف .. وسيارات الدفاع المدني .. لإنقاذ المصابين والجرحى .. وإخلاء الشهداء ..
أحد المسعفين اقترب من المكان .. اقترب من شاب مصاب .. الإصابة كانت خطيرة .. ورغم ذلك كان الشاب يتمتم بالشهادة .. والحمد لله .. وهو يحاول الاستناد على يديه للنهوض .. حمله المسعف إلى سيارة الإسعاف .. التي انطلقت بسرعة نحو مستشفى المدينة .
أدخل الشاب المصاب إلى غرفة العمليات الجراحية ... دخل عدد من الأطباء إلى المكان لإجراء العملية الجراحية العاجلة للشاب .. كشفوا عن جسده .. وقفوا واجمين مشدوهين .
في نفس تلك اللحظة .. كانت تدخل إلى باحة المستشفى سيارة إسعاف أخرى .. يهرع رجال الإسعاف لإدخال المصابين والجرحى إلى الداخل .. يدخل شاب آخر إلى غرفة العمليات وهو يحمل أشياء مغطاة بين يديه .. يتقدم نحو الأطباء الذين وقفوا واجمين .. يهتف بصوت متحشرج تخنقه العبرات المتحجرة :
-انتظروا لحظة أيها الأطباء .. انتظروا لحظة .. أعرف بأنكم قد توقفتم عن إجراء العملية الجراحية العاجلة للشاب المصاب .. حسناً.. لتبدأوا بالعمل الآن .. فوراً .. فها أنا قد أحضرت لكم النصف الآخر ... النصف السفلي للشاب ؟؟؟!!!
+++++++++++++++
( الصورة الخامسة )
مركز القيادة يتصل بقائد طائرة " الأباتشي " .. يبلغه عن وجود سرب من الطائرات المعادية ؟؟!! .. يطلب إليه سرعة التوجه إلى المكان .. وتحديد الأهداف .
يتوجه قائد الطائرة إلى المكان الذي أشارت إليه القيادة .. يبحث في سماء المكان .. في كل الأنحاء .. يقع بصره على الهدف .. يتصل بغرفة القيادة .. يعلمهم أن الهدف عبارة عن مجموعة من " الطائرات الورقية " التي يلهو بها الأطفال .. يسأل عن كيفية التصرف بالأمر ..
تطلب منه القيادة مغادرة المكان والانسحاب فوراً .. توصيه بعدم المساس بالطائرات الورقية .. ولا المساس بالأطفال ..
بعد لحظات .. سرب من الطائرات الحربية المقاتلة تحيل الأرض والسماء إلى جحيم .
++++++++++++
( الصورة السادسة )
اقتحم جنود الاحتلال المكان .. بعد أن صبوا جام غضبهم عليه .. وبعد أن قصفوا كل الأماكن ..
دخل الجنود إلى الحي النائي .. المتهدم .. عاثوا فيه فساداً .. راحوا يقصفون قمم مآذن المساجد .. الطوابق العليا من الأبراج .. المحلات التجارية .. والمنازل .
" سوبرماركت " كبير ضخم تعرض للعبتهم القذرة.. قذفوا أبوابه بأسلحتهم المختلفة .. فتهاوت إلى الأرض ... دخل الجنود إلى المكان .. عاثوا فيه فساداً .. سرقوا محتوياته .. سرقوا النقود المتواجدة .. وما لبثوا أن اندفعوا نحو رفوف " البامبرز " ؟؟!! سلبوها بالكامل .
بعض الجنود في الخارج كانوا قد تأخروا قليلاً عن الدخول للمحل التجاري الكبير .. هالهم أمر الجنود الذين سبقوهم واستحوذوا على ما فيه .. رأى الجنود ما استحوذ عليه أصدقاءهم .. اندفعوا نحوهم .. حاولوا تخليص ما بأيديهم .. على وجه الخصوص .. وبالتحديد .. أكياس " البامبرز " .. فهم بحاجة ماسة لها !!.
استمات الطرفان في الاستحواذ عليها .. هؤلاء يحاولون تخليصها من بين أيدي أصدقائهم .. وأولئك .. يستميتون بالدفاع عنها .. ويتمسكون بها بقوة ...
تتطور الأمور بشكل سريع من التلاسن .. إلى التماسك بالأيدي .. ثم ...
بعد لحظات .. المصادر الإسرائيلية الرسمية تعلن عن مقتل خمسة جنود .. بنيران صديقة ؟؟!!
[/align]
[/cell][/table1][/align]

ميساء البشيتي 11 / 04 / 2009 00 : 02 PM

رد: ( صور ... باللون الأحمر ) ’’ المجموعة السابعة ’’
 
استاذي الكريم سليم عوض

الله يعطيك العافية على هذا النفس القصصي الجميل

كنت لهم بالمرصاد .. لم يفلتوا من بين يديك

كم اتمنى لو يقرأ هذه القصص جنود العدو المتغطرس

كم ارغب لو يعرفون كيف نراهم ؟ كيف ننظر إليهم ؟؟ لتمنوا الموت

إن كانوا بشرا ً ويأبهون لنظرة البشر لهم .. لكنهم وحوش بأثواب آدمية

يرى العالم آدميتهم ونحن نقبع في ظل وحشيتهم .

الف شكر أخي واستاذي سليم وبارك الله فيك وفي جهودك الخيرة

سليم عوض علاونة 11 / 04 / 2009 33 : 11 PM

( صور ... باللون الأحمر ) " المجموعة الثامنة "
 
[align=center][table1="width:95%;background-color:orange;"][cell="filter:;"][align=center]
السادة / موقع نور الأدب الكرام
اسعد الله اوقاتكم بكل خير
أرجو أن أرسل لسيادتكم
" المجموعة الثامنة "
من العمل الأدبي ..
( صور ... باللون الأحمر )
للتكرم بنشرها في موقعكم الكريم
واحة الأدب - القصة القصيرة - .
شاكراً لسيادتكم تكرمكم الدائم بنشر أعمالي الأدبية
في مجال القصة القصيرة ..
ولسيادتكم جزيل الشكر وفائق التقدير
أخوكم المحب
سليم عوض علاونه
+++++++++++++++++++


" المجموعة الثامنة "
( الصورة الأولى )
في اليوم الدراسي الأول بعد حرب التدمير الشامل والإبادة الجماعية التي قام بها العدو ، وفي مدرسة البنات الابتدائية ؛ دخلت المعلمة الفصل الدراسي ، ألقت بالتحية على طالبات الفصل ، قامت بفتح " سجل الدوام " الخاص بالطالبات لتسجيل الحضور والغياب .
نظرت نحو الطالبات برهة ، لم تلبث أن أثبتت في السجل الرقم 21 أسفل خانة " عدد الحضور " ، ثم أثبتت الرقم 22 أسفل خانة " عدد الشهداء " .
++++++++++++++++++++++++++++++++++
( الصورة الثانية )
اتصل بي صديقي الذي يسكن في الشمال ، وذلك حال توقف القصف الوحشي ، أخبرني بأن منزل صديق مشترك لنا قد قصف ، وأن صديقنا يسكن خيمة في نفس المكان حيث كان بيته .
أسرعت ناحية منزل صديقي ، حملت معي بعض الأشياء لتقديمها للأطفال والذين سيكونون بأمس الحاجة إليها في مثل هذه الظروف العصيبة .
وصلت إلى الحيّ الذي يقطن فيه صديقي ، هيئ لي بأني قد أخطأت الهدف ، رحت أبحث بناظريّ هنا وهناك بين غابة الخيام علني أهتدي .
المكان بالكامل أحيل إلى ركام ، حطام . صوت صديقي يناديني عن بعد ، توجهت ناحية مصدر الصوت ، وجدته أخيراً .
هالني الأمر، كان صديقي يجلس تحت خيمة متداعية فوق كومة الأحجار والحاجيات المتناثرة والتي كانت بمثابة بيت قبل عدة ساعات ، لم أدرِِ ماذا يجب عليّ أن أفعل أو أن أقول ، آثرت الصمت ، صافحته بحرارة .. عانقته ، قدمت له ما أحمل ، قلت هامساً بصوت متحشرج :
- هذه من أجل الأطفال .
صمت طويلاً ، أحجم عن تناول الأشياء ، أمسكني بيدي ، قادني ناحية أطراف الحيّ ، تمتم بصوت متحشرج :
- من الأفضل أن تقدم هذه الأشياء لهم بنفسك
بعد لحظات ، كنت أقدم الأشياء التي كنت أحملها للأطفال ، أضعها إلى جانبهم ، لا لشيء ، إلا لأنهم كانوا نيام .. نيام في حفر صغيرة متقاربة !!.
++++++++++++++++++++++++++++++
( الصورة الثالثة )
صرخ الجندي بنزق وعصبية وهو يشهر السلاح الأتوماتيكي في وجه العجوز الذي احتجزه مع باقي أسرته كرهائن ودروعٍ بشرية :
- انظر .. إنهم هناك ، ألا تراهم ؟! ، إنهم يتحركون ، يعدون ، يتنقلون ، وأنا أطلق النيران عليهم بكثافة منذ أكثر من ساعة ، فلا يصابون ، ولا يقتلون ؟! .
نظر العجوز جهة المكان الذي أشار إليه الجندي ، لم يرَ أحداً ، تمتم العجوز بوجل وخوف :
- أنا لا أرَى أحداً على الإطلاق .
لكزه الجندي بخاصرته بقوة وعنف بمقدمة سلاحه ، صخب .. , زمجر .. وهدر :
- انظر هناك ، ها هم يتنقلون بخفة كالأشباح ، إنهم يرتدون الملابس البيضاء الناصعة .
ركز العجوز بصره بشكل جيد ناحية المكان الذي أشار إليه الجندي ، رآهم بملابسهم البيضاء الناصعة ، يتنقلون بخفة ورشاقة من مكان إلى آخر ، لا يؤثر فيهم الرصاص المنهمر عليهم كالمطر والذي كان يطلقه الجندي .
هتف العجوز وشبح ابتسامة غريبة على محياه :
- حقاً ، لقد رأيتهم ، هم ليسوا أشباحا ، بل هي أرواح ، أرواح الشهداء .
زمجر الجندي بغلظة ، هدر بحمق ، أرغي وأزبد بجنون ، صوب فوهة سلاحه نحو العجوز ، إلى وجهه ، إلى صدره ، أطلق زخات من الرصاص ، سقط العجوز على الأرض مضرجاً بالدماء .
في اللحظة التالية مباشرة ، كان الجندي يفر من المكان مذعوراً وهو يطلق الرصاص بغزارة نحو شبح العجوز الذي كان يرتدي الملابس البيضاء الناصعة ، والذي كان يطارده دون أن يؤثر فيه الرصاص ؟؟!!.
+++++++++++++++
( الصورة الرابعة )
رأيتها تبكي بمرارة وحرقة ، امرأة شابة هي ، بدوري جزمت بأنها لم تتعد الثلاثين من عمرها على أكثر تقدير ، تقدمت منها أقدم لها العزاء ، اعتقدت أنها قد فقدت طفلها إبان القصف الجنوني في الليلة الماضية ، أخبرتني من بين الدموع والآهات بأنه ليس طفلا ، تداركت الأمر ، اعتقدت جازماً أنها طفلة ، أخبرتني بأنها ليست طفلة ! ، قالت بأن الأمر ليس كذلك ، ليس كما أعتقد ، أخبرتني بأن من فقدته لم يكن طفلاً ولا طفلة ، بل هم خمسة أطفال !! ، عجبت للأمر ، إذ لا يبدو على المرأة بأنها قد أنجبت مثل هذا العدد من الأطفال ؟! ، فهي صغيرة السن على إنجاب مثل هذا العدد فيما يبدو .
تابعت المرأة من بين الدموع :
- لم يتبق لي سوى هذا الطفل الرضيع الذي تراه على ذراعي .
أتبعت :
- وثلاثة أطفال ذكور ؟!.
أتبعت :
- وثلاث من الإناث ؟!
أتبعت :
- وبالأمس ، أكدت لي الطبيبة في المستوصف ، بأنني حامل بـ " توأم" ؟؟!! .
+++++++++++++++++++++++
( الصورة الخامسة )
كانت الانفجارات متتالية ، مخيفة ، رهيبة ،.. من بين الأنقاض ، ومن تحت الركام أخرجوا الجثث ،أكثر من خمسة عشر جثة، شخص واحد فقط خرج من بين الأنقاض والركام حياً ، مصاباً بالجروح والحروق ، وقف شاهداً على الجريمة ، شاهداً على المحرقة ، المجزرة ، بل شاهداً على عصر الخزي والقهر ، هتف من بين الدماء والجراح بينما كان رجال الإنقاذ يحملونه بين أيديهم ليضعوه في سيارة الإسعاف:
- على كل حال ، لقد بقي نصف الأسرة ، فلقد قمنا بتقسيم الأسرة إلى قسمين ، ويبدو أن نصيب هذا القسم هو الشهادة ، أما القسم الآخر فهو موجود هناك ، في أطراف الحيّ ، بعيداً عن القصف ، في منزل أخي الأكبر .
نظر الجميع نحو المكان الذي أشار إليه الشاب ، وفي نفس الوقت ، وفي نفس المكان كانت مجموعات من رجال الإسعاف ورجال الدفاع المدني تندفع بسرعة ، تناهي إلى مسامع الشاب صوت أحدهم :
- يبدو بأن القصف الأهوج قد طال المنزل الآخر ، فأتى على كل السكان .
++++++++++++++
( الصورة السادسة )
الموت من حولي في كل مكان ، القتل والدمار صورة قاتمة تطغى على كل الأمكنة ، الخوف القاتل يسيطر على الجميع ، وعلى حواسي ونفسي ، أمور غريبة وعجيبة تثير القشعريرة في النفوس .
لم يكن كل ما يخيفني بالطبع هو نفسي ، ذاتي ، بل كنت أخشى حدوث المكروه لأسرتي ، لعائلتي ، لأبنائي ، لجيراني ، لأهل بلدي ، وأهل وطني .
الموت يحصد الأرواح في كل مكان فجأة ، وبلا مقدمات ، الجميع يشعرون أنهم مستهدفون بالقتل ، وكل المنازل والأماكن معرضة للتدمير بالقصف ، وفي أي لحظة ، فالقذائف لا ترحم ، والصاروخ لا يفرق ، والقنابل لا تنذر ، والطائرات لا تميز.
سرت مقولة بين الجميع فيها شيء من الدعابة والفكاهة رغم قتامة الأمور ، وحلكة النهار . تقول المقولة والتي انتشرت بين الجميع : " بأنك إذا سمعت القصف ، فأنت حيّ ، لأنك ما زلت تسمع ؟! ، أما إذا لم تسمع القصف ، فأنت ميت ؟! " .
عدد الشهداء في تزايد مستمر ، الجرحى .. والمنازل التي يتم قصفها بلا هوادة . وجنون القصف يزداد ضراوة ، من البر .. البحر ..و الجو .
في تلك الليلة ، كان القصف عنيفاً للغاية ، هادراً مزمجراً معربداً ، يغطي المكان وكل الأمكنة .
معظم سكان المدينة الكبيرة سمعوا القصف المعربد المدوي المخيف . بالنسبة لي .. فأنا لم أسمعه مطلقاً ؟؟!! .

[/align][/cell][/table1][/align]


الساعة الآن 24 : 12 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية