منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   المتسول (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=1102)

ميساء البشيتي 17 / 01 / 2008 54 : 12 PM

المتسول
 
المتسول

داهمني الوقت وأنا أتسوق لبعض الحاجيات .. أوشكت الشمس على المغيب .. لملمت حاجياتي وانطلقت نحو سيارتي التي كنت أصفها في شارع شبه خالٍ من المارة أو السيارات ..
فتحت باب السيارة والنافذة المجاورة لي وألقيت كل ما كان في يدي من أكياس إلى الكرسي الخلفي والتفت للقيادة .
ما أن رفعت ناظري حتى فوجئت به .. رجل مسن يحمل صندوقاً خشبياً فارغاً يرفعه فوق رأسه ويتمتم ببعض الكلمات .. مظهره كان مخيفاً للغاية .. ارتعدت مفاصلي لرؤيته وخيل لي أنه سيهوي بهذا الصندوق على رأسي ويأخذ مني مفتاح السيارة كما كان يتناهى دائماً إلى مسامعي عن حوادث من هذا القبيل فما كان مني إلا أن أغلقت النافذة والأبواب وانطلقت بسرعة الصاروخ من أمامه وأنا انظر إليه بالمرآة وقد أنزل صندوقه الخشبي من فوق رأسه ووضعه جانباً وما زال يتمتم .
لم تهدأ أعصابي حتى تجاوزت أول أشارة مرور وعندها سمعت آذان المغرب فأسرعت كي لا أتأخر عن موعد الصلاة .
صورته لم تغب من بالي .. ماذا كان يريد ؟
هل كان ينوي قتلي أم فقط سرقتي ؟
مظهره الرث الكئيب لا يوحي بذلك .. لكن هذه التحذيرات التي تملأ البلد عن حوادث السرقة والقتل المنتشرة منذ فترة قريبة ما هو مصدرها ؟ لا يمكن أن تكون مجرد إشاعات .
لكنه رجل مسن .. فقير الحال .. لا يقوى على المشي فكيف سيضربني بهذا الصندوق ؟
إذاً لماذا يرفعه عالياً إن لم يكن قصده الإجرام ؟
وصلت بيتي وأنا لم أصل لأي إجابة عن كل تلك الأسئلة والتساؤلات .. رآني الجميع مكدرة تماماً .. سألني زوجي عن السبب فقصصت عليه الحكاية .. هدأ من روعي وقال إن تصرفي صحيح وحوادث السرقة والقتل منتشرة بكثرة هذه الأيام ولا أحد يمكنه أن يضمن نوايا أحد حتى لو كان رجلاً مسناً .
مع هذا ظل ضميري يؤنبني وبقيت الحكاية تلازمني كل الوقت فصرت أجوب ذلك الشارع والشوارع المحيطة به .. أذهب إليهم في ساعات متفرقة وحتى في بعض ساعات المساء .. كنت أرغب برؤيته.. كنت أريد التأكد من أنه مجرد متسول وليس قاتل أو سارق أو مجرم
ولكن عبث .
لقد أصبح هاجسي وبت أفكر فيه كثيراً وأفكر كيف يتركه أولاده لقمة سائغة للتشرد والتسول ؟
ربما ليس لديه أولاد ..لكن أليس له أقارب ؟
ربما ليس له أقارب .. أهل .. جيران .. لكن أليس له دولة ينتمي إليها ؟
أليس هو مواطن منتمي لدولة يرفع علمها ويردد شعارها ( بلادي أولا ) بمناسبة ودون مناسبة ؟ ألا يدلي هذا المتسول بصوته في الانتخابات التشريعية والبلدية ؟
ألا يمسك على طرف الدبكة في عيد الاستقلال ؟ و كل هذا مقابل ماذا .. مقابل صندوق خشبي مهشم ويد ممدودة تدعو (حسنة لله )؟
حاصرتني الأسئلة وتأنيب الضمير وفظاعة ما قمت به تجاه هذا المتسول العجوز .. واستمريت على هذا الحال المضطرب شهور عدة حتى هلَّ علي شهر الخير والبركة شهر رمضان الفضيل فأخذت في ليلة القدر أدعو الله وألح عليه بالدعاء أن ألتقي هذا المتسول الذي أشغل فكري منذ مدة ليست بالبسيطة .. وظهرت لي صورته فشعرت بفظاعة ما عملت وتأنيب الضمير وأخذت أجهش في البكاء حتى اجتمعت عليَّ أسرتي وعرفوا أنها المشكلة ذاتها التي تؤرقني وتأثروا جداً لحالتي وبدأنا جميعاً بالدعاء لهذا المتسول الذي لا أعرفه ودعوت ربي أن أعثر عليه ونمت ليلتي ودموعي لا تفارقني .
بعد يوم أو أكثر لا أذكر بالضبط ذهبت إلى ذلك الشارع في طريقي إلى مكتب البريد .. هناك وجدته يجلس على درجات مكتب البريد يضع صندوقه الخشبي أسفل منه ويتمتم .. كما رأيته أول مرة .
هل فرحت في لقاءه ؟
لا أعلم .. ربما طرت من فرحتي ..
ركضت إليه كأنني عثرت على ضآلتي المنشودة .. ناولته قطعة من النقود .. أخذها وشكرني .. ودعا لي .. كنت أنظر إليه بفرحة كبيرة وقد ارتسمت الابتسامة العريضة على وجهي .. لكن هو لم يعرفني .. لم يذكرني .. أنا فقط من أذكره ولا يفارق خيالي أبداً ..
لم أشأ أن أكلمه بأي شيء أو أستفسر منه عن أي شيء فأنا قد عرفت مكانه .. وسأراه في كل يوم .
عدت في اليوم التالي متفائلة جداً لأخوض معه وأسأله عما أرق فكري ... لكني لم أجده ..
وفي اليوم الذي تلاه واليوم الذي بعده .. ولكني لم أجده .. بعد ذلك اليوم لم ألتقِة أبداً.
سافرت وقطعت من السنوات وهو لا يغيب عن بالي لا هو ولا سؤال واحد فقط من الأسئلة التي كانت تدور في ذهني .. سؤال واحد يقض مضجعي .. أليس هو مواطن منتمي لدولة مسؤولة عنه .. إذاً لماذا لا يملك سوى صندوقه المهشم ويده الممدودة تدعو ( حسنة لله )؟

رشيد الميموني 17 / 01 / 2008 07 : 02 PM

رد: المتسول
 
إنها النفس البشرية .. تفاوتت طبيعتها منذ بداية القصة .
كانت نفسا أمارة بالسوء حين ظنت بمتسول فقير كل تلك الظنون .
ثم صارت نفسا لوامة ، مع تأنيب الضمير والإحساس بالذنب .
و أخيرا استقرت على طبيعتها ، أي نفسا مطمئنة .. ليهدأ القلب ويطيب الخاطر .
إنها النفس البشرية كما قلت .. مهما طغا عليها سوء تصرف أو تسرع في الحكم ، فإنها سرعان ما تعود إلى ما جبلت عليه من طيبة ونقاء .
حياك الله أختي ودمت مبدعة

ميساء البشيتي 17 / 01 / 2008 46 : 04 PM

رد: المتسول
 
[marq]

اخي رشيد

ارأيت ماذا فعلت قي نفسي وكم عذبتني

انا الحمد لله شفته مرة لكن بعدها ما شفته

شكرا اخي رشيد على مرورك البهي

ودمت بالف خير اخي

[/marq]

هشام البرجاوي 01 / 03 / 2008 39 : 10 PM

رد: المتسول
 
الأستاذة ميساء:
كانت القسوة شعارك في بداية قصة يوجهها الانتماء الإنساني، ما الباعث على القسوة؟ إنه الخوف من حكايا الناس المعتادة، و هو مبرر لا يضاهى.
من الشك المبرر إلى اليقين، نلمس فيك سيدتي سمة الانسان الفاضل.
لك تحياتي.

ميساء البشيتي 02 / 03 / 2008 18 : 06 PM

رد: المتسول
 
الاستاذ الكريم هشام البرجاوي

نعم هو من الشك المبرر الى اليقين

اهتدت اخيرا الى ضالتها المنشودة

احيانا بالرغم من كل الخوف يبقى شيء

داخلنا يطرد الخوف ويعزز الامل بان هناك

اناس يستحقون الرحمة والعطف وليس الخوف

شكرا لك اخي على مرورك الجميل وكلماتك الرقيقة

ودمت بكل الخير والسعادة

مجدي السماك 21 / 03 / 2008 46 : 07 PM

رد: المتسول
 
اختي ميساء تحياتي
قصة متدفقة بمشاعر انسانية جياشة ونبيلة ..نعم من حقه على الدولة ادنى مقومات الحياة ومن حقه العيش بكرامة ..ولكن دولنا فحدثي ولا حرج ..قصتك رائعة .
دمت بخير

ميساء البشيتي 22 / 03 / 2008 21 : 06 PM

رد: المتسول
 
[frame="12 98"]
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مجدي السماك (المشاركة 11323)
اختي ميساء تحياتي

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مجدي السماك (المشاركة 11323)
قصة متدفقة بمشاعر انسانية جياشة ونبيلة ..نعم من حقه على الدولة ادنى مقومات الحياة ومن حقه العيش بكرامة ..ولكن دولنا فحدثي ولا حرج ..قصتك رائعة .
دمت بخير



أهلا بك أخي مجدي ومنور المنتدى

نعم دولنا هي من تسعى جاهدة لتحويلنا

إلى حشود من المتسولين لا حد لها

شكرا ً لك مجدي وتظل بخير
[/frame]

محمد سعيد عدنان أبوشعر 18 / 04 / 2012 02 : 10 PM

رد: المتسول
 
طارت بي قصتك إلى قسم القصة القصيرة زائراً لها للمرة الأولى
أستاذتي الفاضلة، أحببتها جداً
أحببتها لواقعيتها اليومية، وصدق تخبط المشاعر فيها الذي يؤرجحنا بين المبادرة في الإحسان والإحجام عنه
أحببتها لعفويتها، وبساطتها، محتفظةً بالحبكة والسبك القوي
أحببتها لخفتها، وقلة شخصياتها، وتفوقها رغم ذلك على الكثير من القصص الحوارية
أحببتها لأنها قصة قصيرة، بقلم لا نشبع منه إبداعاً

ميساء البشيتي 18 / 04 / 2012 25 : 11 PM

رد: المتسول
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد سعيد عدنان أبوشعر (المشاركة 143795)
طارت بي قصتك إلى قسم القصة القصيرة زائراً لها للمرة الأولى
أستاذتي الفاضلة، أحببتها جداً
أحببتها لواقعيتها اليومية، وصدق تخبط المشاعر فيها الذي يؤرجحنا بين المبادرة في الإحسان والإحجام عنه
أحببتها لعفويتها، وبساطتها، محتفظةً بالحبكة والسبك القوي
أحببتها لخفتها، وقلة شخصياتها، وتفوقها رغم ذلك على الكثير من القصص الحوارية
أحببتها لأنها قصة قصيرة، بقلم لا نشبع منه إبداعاً

الله الله يا سعيد
وبدأت تتجول في قسم القصة
ما شاء الله عليك ابني الغالي
في الحقيقة سعيد أنا لا أكتب القصة ولكن لي بعض محاولات متواضعة فيها
هذه القصة حصلت معي وأثرت فيّ جداً لذلك كتبتها وقد مضى زمن طويل
حتى أنني أعدت ترتيبها لأنها كانت مهجورة يا سعيد وأنت من نفض عنها الغبار
وأظهرها للسطح .. لا أزال يا سعيد أقف عند نفس السؤال ولكن للآن لا إجابة
والبركة فيكم يا سعيد .. البركة في الشباب .. شكراً ابني لقد أدخلت البهجة إلى قلبي
ربي يسعدك أكثر ويجعل أيامك كلها سعادة ونجاح وفرح .. ودمت يا غالي .

نزار ب. الزين 19 / 04 / 2012 14 : 02 AM

رد: المتسول
 
أختي الفاضلة ميساء
قصتك هذه تعبر عن مشاعرك الإنسانية الراقية
و لكن لا تلومي نفسك كثيرا
أو تلومي الحكومات
فهناك من اتخذ من التسول مهنة
و قد سمعنا عن متسولين أغنياء
و هنا في أمريكا يقفون عند الاشارات الضوئية
و قد حمل كل منهم لافتة بخط اليد "بدون منزل و جائع"
و قد اتضح أن أكثرهم يشترون بما جمعوه من تسولهم
مخدرات أو مشروبات كحولية
أطلت عليك يا أختاه فاعذريني
فطالما أرقني هذا الموضوع
أكرر تهنئتك بحسك الإنساني و اسلوبك المشوق
دمت مبدعة
نزار


الساعة الآن 45 : 03 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية