منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   دروس للمبتدئين في .. الحب (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=11942)

خيري حمدان 14 / 08 / 2009 23 : 09 PM

دروس للمبتدئين في .. الحب
 
كان قد حلق شعره، جاءت التسريحة قصيرة للغاية وبرزت أذناه بشكلٍ مضحك أيضًا، نظر إلى المرآة مطوّلاً، كان وجهه عابساً، وكأنّه قد خرج للتوّ من المقبرة! غسل وجهه ووضع عطره المفضّل، لكن الكميّة التي وضعها على رقبته وخلف أذنيه كانت أكثر من اللازم، لذا كانت رائحة العطر تفوح منه على بعد كبير، ما تسبّب بالزكام والعطس لبعض الذين كانوا يشكون من حساسية مفرطة. ما المناسبة التي كانت تستدعي من كمال كلّ هذا التحضير والتجميل والاهتمام. إنّه اللقاء الأوّل الذي سيجمعه مع خطيبة المستقبل! رآها في أحد المحال التجارية ابتسم لها وطلب لقاء عائلتها، لم ترد عليه في تلك اللحظة، كانت خجلة .. واعتبر الصمت علامة رضا! لهذا حسم أمره وقرر زيارة والديها، كان كمال يشعر بقلبه يقفز أمامه .. إنّها الفتاة التي ستدخل الفرح إلى عالمه. شعر ببعض الحرج حين شاهد حما المستقبل يضع طرف يده على أنفه ليتفادى العطر النافذ والذي كان يحاصر الخلايا العصبية للحاضرين في تلك اللحظة.

- العمّ أبو سمير .. يشرّفني أن أكون ضيفك، وهذه فرصة للتعارف.
- وأين أهلك .. والدك ووالدتك؟
- أحببت أن تتعرف عليّ كما أنا قبل أن أدعو والديّ لزيارة رسمية وإذا سمحت لي بمقابلة سعاد والتحدّث إليها. قد لا أروق لها .. عندها لا ضرورة لإحراج والديّ!
- على أيّة حال سأكون والداً عصريّاً، يمكنك محادثة ابنتي سعاد وأنت محقّ بالرغم من أنّ البعض قد يعتبر طرحك وقاحة أكثر من اللازم!
- سعاد؟ صاح أبو سمير وترك الغرفة دون أن ينطق بكلمة أخرى.
حضرت سعاد بعد قليل، كانت وجنتاها محمرّة من الخجل، وكانت تضع منديلاً يغطّي الجزء الأكبر من رأسها، وضعت القهوة على الطاولة وقالت بحياء:
- أهلاً.
- أهلاً بك يا سعاد! أنا كمال.
- لماذا لم تترك بعض العطر في الزجاجة للزيارة القادمة؟ لم تملك نفسها، عطست مرتين متتاليتين.
- أعتذر أنت محقّة يا سعاد.
سرقت نظرة إلى أذنيه البارزتين وابتسمت، شعر كمال بأنّ الدنيا انفتحت وليتها انغلقت فوقه. تقوقع، سعل هو الآخر، نظر إلى أخمص قدميه. كان يرغب بالبكاء لكنّه تنهّد بعمق. لم يكن يتوقّع هذه الرهبة في حضور الفتاة التي بشّ لها قلبه. احمرّ خجلاً وهو الذي كان يعتبر نفسه شجاعا في التعامل مع المرأة، يا له من ساذج!
- سعاد .. ربّما عليّ أن أذهب؟
- ولمَ العجلة يا كمال؟
- أنا .. أنا آسف. (أنا عاشق، ملوّع، محرج، أحببتك من النظرة الأولى، أتمنّى قربك، أتمنّى غضبك إذا كان هذا يضمن قبولك لي، كوني سيدة منزلي وسلطانة روحي، كوني جزءاً من نهاري وليلي، كوني أمّ أطفالي؟) طبعاً لم ينطق بحرف من كلّ هذا. فقط اعتذر وقال تلك الجملة الساذجة "أنا آسف".

ابتسمت سعاد مشجّعة وأدركت بحدسها بأنّها تقف أمام شاب حسّاس وعميق وشجّاع، لأنّه تجرّأ أن يحضر ليعرض نفسه للنقد من قبلها وقبل أهلها، هذا جميل .. هذا تصرّف واعد!
- جاكومو .. عطرٌ يدلّ على شخصية وحضور قويّ يا كمال.
- أكره الروائح الحلوة. هناك الكثير من العطور الرائعة. جاكومو ليس بالعطر الشهير ولكنّه مميّز وأنا أفضّله، وأعدك في المرّة القادمة أن أضع كميّة أقلّ من الآن.
- ومن قال بأنّه ستكون هناك مرّة قادمة؟
نظر إلى عينيها بجرأة وهمس قائلاً:
- قلبي يا سعاد! قلبي الذي يتمزّق الآن يحدّثني بأنّ هناك مرّة ثانية وثالثة ورابعة. أعدك بأن أقصّر أذنيّ إذا كان هذا سيجعلك توافقين!
شعرت سعاد بحرجٍ شديد من الصراحة التي انتابت كمال. شعرت بأنّه صادق، وقالت:
- لديّ الكثير من السلبيات يا كمال!
- بالرغم من أنّ اسمي كمال إلا أنّ الكمال لله يا سعاد. أنا أشخر في الليل بشكلٍ مزعج ورائحة قدميّ تقتل وأمضي في غسلهما وفركهما نصف ساعة على الأقل!
- وهل ستسير أمامي ببضعة أمتار واضعاً يديك خلف ظهرك؟
- بل أسير إلى جانبك لأحميك من الهواء العابر. كما أخشى أن يغازلك أحدهم وأنا أسير أمامك كالثور الأعمى، وقد تعجبين به! كلّ هذا قد يحصل خلفي .. أنا لست غبيّاً لهذا الحدّ.
ضحكت سعاد، شعرت بأنّه عدا عن كلّ شيء كان رقيقاً وصريحاً وطريفاً.
- ومن قال بأنّني قادرة على إنجاب خمسة أطفال؟
قالت سعاد عابسة
- أريد أن أكون أنا الطفل الوحيد في حياتك يا سعاد!
- وتاريخ زفافنا من كلّ عام .. نكد وطبخ وغسل أواني ..
- بل قصيدة .. أعدك أن أكتب لك قصيدة بتاريخ زفافنا وأخرى بتاريخ ميلادك، وسأسمّي ديوان الشعر ((سعاد)).
- أتحبّني حقيقة يا كمال؟
- لا أدري .. أفضّل أن أكون معجباً بك الآن .. لندع الأيام تثبت إذا ما كنت أحبّك؟ وأنتِ هل تحبّينني؟
- بل معجبة .. الوقت ما يزال مبكّراً للوقوع بالحبّ. دعِ الأيام تثبت إذا كنّا قادرين على الحبّ والحفاظ على هذه المشاعر أطول وقتٍ ممكن، وإلا أصبحنا كآبائنا وأمّهاتنا، يتحدّثون عند الضرورة ويتناولون الطعام بصمت، وغالباً ما يدير أحدهم ظهره للآخر عند النوم! أهلاً بك في عالمي يا كمال!
- أهلاً بك في عالمي يا سعاد!

امال حسين 15 / 08 / 2009 32 : 09 AM

رد: دروس للمبتدئين في .. الحب
 
أه جميل هذا اللقاء بصدق المشاعر ينطق بالاعجاب الظاهر المحلى بالحب البرئ

درسك متقن ورائع


شكراً استاذى وكل التقدير والاحترام

خيري حمدان 16 / 08 / 2009 56 : 08 PM

رد: دروس للمبتدئين في .. الحب
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة امال حسين (المشاركة 43749)
أه جميل هذا اللقاء بصدق المشاعر ينطق بالاعجاب الظاهر المحلى بالحب البرئ

درسك متقن ورائع


شكراً استاذى وكل التقدير والاحترام

العزيزة آمال حسين
الحياة مشوار طويل من التجارب بعضها مؤلم ولكنه ضروري!
شكرا لحضورك وإطراءك على نصّي وتقبّلي محبتي وتمنياتي لك بالنجاح في مشوار الحياة والإبداع المتواصل

رشيد الميموني 20 / 08 / 2009 00 : 02 PM

رد: دروس للمبتدئين في .. الحب
 
أخي خيري ..
الدروس ضرورية للمبتدئين في كل شيء .. وحين يتعلق الأمر بالحب ، فإن هذه الدروس تكون حيوية ..
الجميل في قصصك أخي هو تلك العفوية التي ترافق النص حتى آخره ، فلا تكلف ولا إقحام للأشياء .. مما يجعلني أعايش النص و أحداثه بكل متعة .. و قد أعطيت هنا مثالا على ذلك ووجدت كيف أن الحب يبدأ بذرة لينمو إذا وجد التربة الخصبة ..
حياك الله أخي و أدام إبداعك ..
بكل الحب ..
على الهامش : فنجان القهوة صار أكثر إلحاحا من ذي قبل ..ربما أبدأ ارتشافه برفقتك على الأثير .

هلا عكاري 20 / 08 / 2009 49 : 06 PM

رد: دروس للمبتدئين في .. الحب
 
اعجبتني القصة كثيرا ، كنت ابتسم طوال فترة قراءتها وما بعدها.. وسأعود لقراءتها مرارا
انها تذكر بالزمن الجميل ، والامل وعذوبة الاعجاب والحلم..
سلمت وسلم ابداعك واتشوق لقراءة المزيد
تحياتي وتقديري

هلا

خيري حمدان 23 / 08 / 2009 47 : 12 PM

رد: دروس للمبتدئين في .. الحب
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هلا عكاري (المشاركة 44208)
اعجبتني القصة كثيرا ، كنت ابتسم طوال فترة قراءتها وما بعدها.. وسأعود لقراءتها مرارا
انها تذكر بالزمن الجميل ، والامل وعذوبة الاعجاب والحلم..
سلمت وسلم ابداعك واتشوق لقراءة المزيد
تحياتي وتقديري

هلا

الأديبة العزيزة هلا عكاري
أشكرك على كلماتك وحضورك الدافئ
ربّما يطون الإبداع والنصوص الأدبية الطريق لتجميل الحياة والاقتراب نحو الحقيقة
معا على طريق الإبداع عزيزتي هلا

محبتي

نصيرة تختوخ 09 / 05 / 2010 30 : 07 PM

رد: دروس للمبتدئين في .. الحب
 
قصة تحمل براءة و عفوية طفولية وكأنها من زمن بعيد مختف
تحياتي لك أستاذ خيري

خيري حمدان 11 / 05 / 2010 33 : 02 PM

رد: دروس للمبتدئين في .. الحب
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشيد الميموني (المشاركة 44188)
أخي خيري ..
الدروس ضرورية للمبتدئين في كل شيء .. وحين يتعلق الأمر بالحب ، فإن هذه الدروس تكون حيوية ..
الجميل في قصصك أخي هو تلك العفوية التي ترافق النص حتى آخره ، فلا تكلف ولا إقحام للأشياء .. مما يجعلني أعايش النص و أحداثه بكل متعة .. و قد أعطيت هنا مثالا على ذلك ووجدت كيف أن الحب يبدأ بذرة لينمو إذا وجد التربة الخصبة ..
حياك الله أخي و أدام إبداعك ..
بكل الحب ..
على الهامش : فنجان القهوة صار أكثر إلحاحا من ذي قبل ..ربما أبدأ ارتشافه برفقتك على الأثير .

الحب لا ينتهي ويكبر بعد زرعه كالبذرة تماما. ما أجمل هذا التشبيه. وكم أعتذر عن الردّ في الوقت المناسب، يبدو بأنني نسيت هذا النص حقا
شكرا لحضورك وتألقك
لك مني كل المودة

خيري حمدان 11 / 05 / 2010 35 : 02 PM

رد: دروس للمبتدئين في .. الحب
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هلا عكاري (المشاركة 44208)
اعجبتني القصة كثيرا ، كنت ابتسم طوال فترة قراءتها وما بعدها.. وسأعود لقراءتها مرارا
انها تذكر بالزمن الجميل ، والامل وعذوبة الاعجاب والحلم..
سلمت وسلم ابداعك واتشوق لقراءة المزيد
تحياتي وتقديري

هلا

الأديبة هلا عكاري
باقة من الورد لقراءتك واعتذارا عن تاخري في الرد
هناك محاولة لاضفاء روح النكتة والدعابة في هذا النص.
قد يبدو شكله مضحكا ولكن الحب زينه وجعله أكثر وسامة
شكرا لرقتك
مودتي

خيري حمدان 11 / 05 / 2010 38 : 02 PM

رد: دروس للمبتدئين في .. الحب
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نصيرة تختوخ (المشاركة 71730)
قصة تحمل براءة و عفوية طفولية وكأنها من زمن بعيد مختف
تحياتي لك أستاذ خيري

الحب يجعل الإنسان بريئا ومعطاءً وجميلا في وجه الآخر
شكرا لحضورك سيدة نصيرة تختوخ
باقة من الورد لتألقك الدائم بيننا
مودتي


الساعة الآن 41 : 01 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية