منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   قصة قصيرة (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=377)
-   -   إلا أنت-لبنى ياسين (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=12049)

لبنى ياسين 19 / 08 / 2009 34 : 07 PM

إلا أنت-لبنى ياسين
 
إلا أنت....
لبنى ياسين

أبحثُ عن نفسي فأجدُ عينيك، أنظرُ إلى وجهي في المرآة فتقابلني ملامحك، أهربُ إلى شوارع المنفى الذي يحمل اسم الوطن ولا يحملُ دفء تفاصيله، لأضيع بين أجساد لا أعرفها تماماً، فأجدُ ملامحك تعتلي تلك الأجساد، أي سلطان ٍ تملكه عليّ حتى تحاصر جهاتي الأربع وتحبسني بين كفيك، أيها الغائب الذي ما غاب ساعة، لماذا لم تأخذ معكَ ملامحكَ حين ودعتني؟ ولماذا تركتَ عينيكَ في جعبتي؟ وكيف ختمتَ على قلبي فلم يعدْ يفتحُ بابه لزائرٍ غيرك؟!.
هربتُ منك إلى غرفةٍ سميتها مجازاً "مرسمي"، وكدتُ أصفها بأنها قبرٌ لي فوق زاوية مجهولة من الأرض، لولا أنْ منعني كبريائي منْ عرض يأسي على واجهةٍ باذخةٍ تراها أنت تماماً، وتقسم سراً بينكَ وبين قلبك بأنكَ ما رأيتَ شيئاً يذكر، صلبتُ اللوحة على الحامل الخشبي -الذي أهديتني إياه بمناسبة تخرجي خلسةً عن الأعين كمنْ يداري عاراً- وبدأتُ أشجّ وجه البياض بالريشة والألوان، وعندما حملتُ اللون العاجي رأيتُ وجهك يرتسم فوقه مشاكساً إياي كما كان يفعل دائماً.
على وجه لوحة عذراء وجدتني أجزئك، وأخفي بعض تفاصيلك خلف منحنيات وخطوط وألوان للوحةٍ لم تكتملْ أنوثة تفاصيلها كما ينبغي .
في مكان ٍ ما من اللوحة خبأتكَ جيداً، في زاويةٍ ما منها ثمة قلب يرتجف، حيث صلبتُ مشاعري على لوحة وصلبتني هي داخل قلب، وما زلت حتى اليوم لا أدري هل كنت أدفنك أم أدفنُ نفسي في تفاصيلها.
في مكانٍ ما على اللوحة حاولت أن أجعله محفوفاً بالخطر..بالمنحدرات..بالعويل والأعاصير خبأتُ عينيكَ وأخفيتُ صوتك جيداً، لكنهم تمادوا في الولوج رغم الخطر، واكتشفوا تفاصيلك وعرفوا سر حضورك..كيف حدث ذلك..لا أدري!
ثمــّة عيون لا تجيد إخفاء سر، ثمــّة خطوط تواري خلفها ألف قصة وقصة، وفي فن المواربة تقف أنتَ والحقيقة..أحدكما حتما سينكشف.
ثمــّة صوت في داخلي ينعجن بدمي..بشوقي..بدموعي..بشغفي وحزني وصمتي وجبني، صوت يهمسُ في أذني قائلا ً:"فلتبق أيقونة وجدٍ علـّـقتها على نحر لوحة..لا يراها سواي".
شيءٌ آخر يدفعني للجنون، للصراخ ملء رئتي عالياً باسمك ولتنهدم الدنيا فوق رأسي..فلم أعد أبالي.
لماذا على الحب أن يأتي في صورة خطيئة مقدسة؟
لماذا عليه أن يخلعَ ثوبَ الفرح ويرتدي حزناً أبدياً؟
تراك تشعرُ بالأعاصير التي تمزق صمتي؟
ماذا عليَّ لو تركتكَ تخرجُ هكذا من جوفي وتعتلي جبينَ القمر، وادعيتُ أنني في لحظةٍ ما خانتني سريرتي، فلم أركَ تختلسُ خطواتكَ خارجاً مني، وأخبرتهمْ بأنهُ ما كان لي من سلطان ٍ عليك.
ماذا عليَّ لو مشيتُ حافيةَ القدمين عارية الملامح على رمال ِ أحلامي، تراني أرتكبُ خطيئةً توازي خطيئةَ حواء يوم أن خلقت للمرة الأولى على الأرض؟.
ماذا عليَّ لو تركتكَ كالشمس تصافحُ وجوه كل الناس، من أعرف ومن لا أعرف..هل سينعتونني بالجنون؟
تراني أنعتقُ منك إن أنت خرجت مني؟
تراك تنعتقُ مني؟
من منا أكثر شوقاً إلى الإنعتاق؟! إلى صدر الحقيقة العاري؟ إلى وجهٍ خرج تـّواً من البحر لا يعرفُ فن المواربة؟.
وهل الحقيقة عارٌ علينا أن نمارسَ وأدها خفية داخل حدود صدورنا ونندفن معها؟.
يا إلهي....
أكاد أجزم أنَّ قلبي ُخلِــقَ من نسيج ٍ شفاف ليس بوسعه أنْ يخفي ما يختبئ في داخله؛ وأنت لا تختبئ؛ بل تجاهر الكون بوجودك كما قمر في ليلة مظلمة. حيث تصلبني على حافة حلم ٍلمْ أحْـيَـه تماماً فأغفو على صدر خيبة لأمنية لم تتحققْ كما ينبغي؛ أمنية ما زالت تتبرعم في صدري خلسة عن ضوء الشمس وعتمة المسافات وقصائد القمر عندما يرتجل نفسه.
أما زال في العمر متسع لقبس يريد أن يشتعل في ضلوع الحياة؟
أما زال فيه متسع لخيبة ..أو لابتسامة لم تكتمل؟!
أمزجُ الألوان بدموعي ...أرسمها بريشةٍ تشكلت أوبارها من نزق البعد والأسئلة التي لم تجدْ لها إجابات تهدئ من روعها.
أعيد تشكيل ملامحك، وأعطي عينيك - بانحناءة شبه صادقة من ريشتي- شذراً من نظرة حب أردتك أن تراني بها، فتأبى إلا أنْ تبيح نفسها إلى أخرى تخبرني بأنني قد لا أعني لك شيئاً، وربما -أقول ربما- أعني لك كل شيء, لكنك كما أنت..تكابر نفسك، وتدثر الحقيقة بثوب التجاهل.
أرسمُ كلمة انتظرتها طويلا ً لتعبر مسافات الوجع وهضاب الخوف التي تفصل بين قلبك وشفتيك، أرسمها حلماً مستحيلا ً.. ولوناً لا سبيلَ لأن أعيد تكوينه، ومسافات من الانتظار لم أتمكن يوماً من عبورها.
على حواف الخيبة المسجاة في تضاريس تلك اللوحة اليتيمة مثل حبي لك، أرسم عصفوراً مذعوراً، ووردة سقط أريجها في غفلة منها، وأضيع أنا فلا أجد لي مكاناً يضم ذهولي في لوحة ادعيت بيني وبين ذاكرتي أنني من مارس غواية رسم تفاصيلها سراً، ولم أكن صادقة تماماً.
تتورم الخيبات في ضلوعي ويتسع مداها حتى تكتسح بقية جسد عرته الحقيقة حتى عن عظامه.
أي شيءٍ يستطيع أن يواري سوءة الخيبة؟!!.
أي شيءٍ بإمكانه أن يغطي عورة جرح؟!!.
أي شيءٍ بإمكانه أن يقي قلبي من الانهيار نحو حافة الضياع..أو حافة الموت؟!.
وكأنني أسير به على حبل رفيع فوق هاوية لا قرار لها، وليس لدي سوى احتمالين السقوط أو السقوط، فبأي الاتجاهين أسقط؟! ولمن أدين بشرف سقوطي الأخير قبل الموت؟!.
ما زلتَ- رغم كل مقاومتي- تستلمُ دفة قيادة قلبي نحو الهاوية، نحو جحيم ٍ لا يطاق، وما زلت أكبحُ فرامل نفسي بقوة، ولا أعرف حتى متى بإمكاني أن أمارس السقوط نحو الأعلى.
يا لليل يمتزج شفقه الأخير بالأول، وبدايته بآخره، وحزنه بفرحه، وحضوره بغيابه.
ألهذا لم يعد للحضور معنى ولا للغياب؟!
أنهيتُ احتضار لوحتي على قدر مسافات الفقد المزروعة في قلبي، وبلون انتكاسات الشوق والحنين، ووقعتها بدمعة باذخة ما زالت تعاني مخاض الهطول، وبتاريخ سقوطي الأول والأخير في متاهات البعد، وصلبتها على حائط يعاني نتوءات الوجع... فوق شرخ الأماني تماماً صلبتها، على مرمى قدر لا أعرف إلى أين يمضي بخطى جراحي، وتركتها عارية في مواجهة أعاصير الحقيقة وزوابع الشك، الغريب أن كل من مر بها وألقى ظلال عينيه على مساحاتها ظنَّ أنها تحمل ملامحه...إلا أنت.


--
لبنى ياسين

كاتبة وصحفية سورية
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو فخري في جمعية الكاتبات المصريات

رشيد الميموني 19 / 08 / 2009 06 : 08 PM

رد: إلا أنت-لبنى ياسين
 
على حواف الخيبة المسجاة في تضاريس تلك اللوحة اليتيمة مثل حبي لك، أرسم عصفوراً مذعوراً، ووردة سقط أريجها في غفلة منها، وأضيع أنا فلا أجد لي مكاناً يضم ذهولي في لوحة ادعيت بيني وبين ذاكرتي أنني من مارس غواية رسم تفاصيلها سراً، ولم أكن صادقة تماماً.

وجدت نفسي حائرا أمام هذا النص الباذخ بالتعابير الدسمة إلى حد التخمة .. ماذا أقتبس .. وماذا أقتطف و الروضة الغناء ملأى بكل أنواع الورود و الزهور اليانعة ..
وقفت أعايش رسم هذه اللوحة الساحرة كلمة كلمة بل حرفا حرفا .. واستطعت جس نبضها يتعالى تارة و يخفت تارة ..
هي قصة لوحة إذن .. جاءت على شكل خاطرة .. لوحة تناثرت أوانها على إيقاع بوح جميل ينساب بكل عفوية و يسري في النفس بعذوبة متناهية ..وجاء الحب فيها موشى بكل ألوان الطيف الزاهية .. رغم ما شاب نهاية القصة . الخاطرة من ألم و أسى ..
أنهيتُ احتضار لوحتي على قدر مسافات الفقد المزروعة في قلبي، وبلون انتكاسات الشوق والحنين، ووقعتها بدمعة باذخة ما زالت تعاني مخاض الهطول، وبتاريخ سقوطي الأول والأخير في متاهات البعد، وصلبتها على حائط يعاني نتوءات الوجع... فوق شرخ الأماني تماماً صلبتها، على مرمى قدر لا أعرف إلى أين يمضي بخطى جراحي، وتركتها عارية في مواجهة أعاصير الحقيقة وزوابع الشك، الغريب أن كل من مر بها وألقى ظلال عينيه على مساحاتها ظنَّ أنها تحمل ملامحه...إلا أنت.

أختي المبدعة لبنى .. مرحبا بك في نور الأدب و إذا كان لا بد من كلمة أقولها لك فسوف أقتصر على ما يلي :
إذا كانت إطلالتك الأولى بكل هذا البهاء ، فإني أمني النفس بنصوص كلها متعة و ألق تثري منتدى القصص وتزين أرجاءه بكل ما هو عذب و بهي ..
في انتظار المزيد من تحفك .. تقبلي مني كل عبارات الود و التقدير االجديرين بشخصيتك الإبداعية المتميزة ..

لبنى ياسين 21 / 08 / 2009 00 : 12 AM

رد: إلا أنت-لبنى ياسين
 
الأخ الفاضل رشيد الميموني:
يسرني تواجدك هنا.
شكرا لكلماتك الطيبة
وأرجو أن تنال اعجابك بقية النصوص التي سأنشرها
كل المودة
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشيد الميموني (المشاركة 44131)
على حواف الخيبة المسجاة في تضاريس تلك اللوحة اليتيمة مثل حبي لك، أرسم عصفوراً مذعوراً، ووردة سقط أريجها في غفلة منها، وأضيع أنا فلا أجد لي مكاناً يضم ذهولي في لوحة ادعيت بيني وبين ذاكرتي أنني من مارس غواية رسم تفاصيلها سراً، ولم أكن صادقة تماماً.

وجدت نفسي حائرا أمام هذا النص الباذخ بالتعابير الدسمة إلى حد التخمة .. ماذا أقتبس .. وماذا أقتطف و الروضة الغناء ملأى بكل أنواع الورود و الزهور اليانعة ..
وقفت أعايش رسم هذه اللوحة الساحرة كلمة كلمة بل حرفا حرفا .. واستطعت جس نبضها يتعالى تارة و يخفت تارة ..
هي قصة لوحة إذن .. جاءت على شكل خاطرة .. لوحة تناثرت أوانها على إيقاع بوح جميل ينساب بكل عفوية و يسري في النفس بعذوبة متناهية ..وجاء الحب فيها موشى بكل ألوان الطيف الزاهية .. رغم ما شاب نهاية القصة . الخاطرة من ألم و أسى ..
أنهيتُ احتضار لوحتي على قدر مسافات الفقد المزروعة في قلبي، وبلون انتكاسات الشوق والحنين، ووقعتها بدمعة باذخة ما زالت تعاني مخاض الهطول، وبتاريخ سقوطي الأول والأخير في متاهات البعد، وصلبتها على حائط يعاني نتوءات الوجع... فوق شرخ الأماني تماماً صلبتها، على مرمى قدر لا أعرف إلى أين يمضي بخطى جراحي، وتركتها عارية في مواجهة أعاصير الحقيقة وزوابع الشك، الغريب أن كل من مر بها وألقى ظلال عينيه على مساحاتها ظنَّ أنها تحمل ملامحه...إلا أنت.

أختي المبدعة لبنى .. مرحبا بك في نور الأدب و إذا كان لا بد من كلمة أقولها لك فسوف أقتصر على ما يلي :
إذا كانت إطلالتك الأولى بكل هذا البهاء ، فإني أمني النفس بنصوص كلها متعة و ألق تثري منتدى القصص وتزين أرجاءه بكل ما هو عذب و بهي ..
في انتظار المزيد من تحفك .. تقبلي مني كل عبارات الود و التقدير االجديرين بشخصيتك الإبداعية المتميزة ..


عبداللطيف أحمد فؤاد 06 / 10 / 2009 21 : 01 PM

رد: إلا أنت-لبنى ياسين
 
الحبيب ده انسان ولا جان ولا ايه الحكاية توهت

جمال سبع 06 / 10 / 2009 35 : 01 PM

رد: إلا أنت-لبنى ياسين
 
اليوم أدركت أنني سيدتي عندما أترجرج بين مدك و جزرك أتنفس أكثر و أصيح أكثر و أصمت أكثر ... صمتي سيدتي ينتهي عندما رسمتي الحرف كأنه سجادة صينية يعشقه كل متلمس و كل زائر ... سيدتي تغيب عني الكلمات و يغيب لون المطر لكي أكتب لك أكثر...
فقط سأقول رائعة جدا...
جدا ....
جدا ....
جدا .

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لبنى ياسين (المشاركة 44127)
إلا أنت....
لبنى ياسين

أبحثُ عن نفسي فأجدُ عينيك، أنظرُ إلى وجهي في المرآة فتقابلني ملامحك، أهربُ إلى شوارع المنفى الذي يحمل اسم الوطن ولا يحملُ دفء تفاصيله، لأضيع بين أجساد لا أعرفها تماماً، فأجدُ ملامحك تعتلي تلك الأجساد، أي سلطان ٍ تملكه عليّ حتى تحاصر جهاتي الأربع وتحبسني بين كفيك، أيها الغائب الذي ما غاب ساعة، لماذا لم تأخذ معكَ ملامحكَ حين ودعتني؟ ولماذا تركتَ عينيكَ في جعبتي؟ وكيف ختمتَ على قلبي فلم يعدْ يفتحُ بابه لزائرٍ غيرك؟!.
هربتُ منك إلى غرفةٍ سميتها مجازاً "مرسمي"، وكدتُ أصفها بأنها قبرٌ لي فوق زاوية مجهولة من الأرض، لولا أنْ منعني كبريائي منْ عرض يأسي على واجهةٍ باذخةٍ تراها أنت تماماً، وتقسم سراً بينكَ وبين قلبك بأنكَ ما رأيتَ شيئاً يذكر، صلبتُ اللوحة على الحامل الخشبي -الذي أهديتني إياه بمناسبة تخرجي خلسةً عن الأعين كمنْ يداري عاراً- وبدأتُ أشجّ وجه البياض بالريشة والألوان، وعندما حملتُ اللون العاجي رأيتُ وجهك يرتسم فوقه مشاكساً إياي كما كان يفعل دائماً.
على وجه لوحة عذراء وجدتني أجزئك، وأخفي بعض تفاصيلك خلف منحنيات وخطوط وألوان للوحةٍ لم تكتملْ أنوثة تفاصيلها كما ينبغي .
في مكان ٍ ما من اللوحة خبأتكَ جيداً، في زاويةٍ ما منها ثمة قلب يرتجف، حيث صلبتُ مشاعري على لوحة وصلبتني هي داخل قلب، وما زلت حتى اليوم لا أدري هل كنت أدفنك أم أدفنُ نفسي في تفاصيلها.
في مكانٍ ما على اللوحة حاولت أن أجعله محفوفاً بالخطر..بالمنحدرات..بالعويل والأعاصير خبأتُ عينيكَ وأخفيتُ صوتك جيداً، لكنهم تمادوا في الولوج رغم الخطر، واكتشفوا تفاصيلك وعرفوا سر حضورك..كيف حدث ذلك..لا أدري!
ثمــّة عيون لا تجيد إخفاء سر، ثمــّة خطوط تواري خلفها ألف قصة وقصة، وفي فن المواربة تقف أنتَ والحقيقة..أحدكما حتما سينكشف.
ثمــّة صوت في داخلي ينعجن بدمي..بشوقي..بدموعي..بشغفي وحزني وصمتي وجبني، صوت يهمسُ في أذني قائلا ً:"فلتبق أيقونة وجدٍ علـّـقتها على نحر لوحة..لا يراها سواي".
شيءٌ آخر يدفعني للجنون، للصراخ ملء رئتي عالياً باسمك ولتنهدم الدنيا فوق رأسي..فلم أعد أبالي.
لماذا على الحب أن يأتي في صورة خطيئة مقدسة؟
لماذا عليه أن يخلعَ ثوبَ الفرح ويرتدي حزناً أبدياً؟
تراك تشعرُ بالأعاصير التي تمزق صمتي؟
ماذا عليَّ لو تركتكَ تخرجُ هكذا من جوفي وتعتلي جبينَ القمر، وادعيتُ أنني في لحظةٍ ما خانتني سريرتي، فلم أركَ تختلسُ خطواتكَ خارجاً مني، وأخبرتهمْ بأنهُ ما كان لي من سلطان ٍ عليك.
ماذا عليَّ لو مشيتُ حافيةَ القدمين عارية الملامح على رمال ِ أحلامي، تراني أرتكبُ خطيئةً توازي خطيئةَ حواء يوم أن خلقت للمرة الأولى على الأرض؟.
ماذا عليَّ لو تركتكَ كالشمس تصافحُ وجوه كل الناس، من أعرف ومن لا أعرف..هل سينعتونني بالجنون؟
تراني أنعتقُ منك إن أنت خرجت مني؟
تراك تنعتقُ مني؟
من منا أكثر شوقاً إلى الإنعتاق؟! إلى صدر الحقيقة العاري؟ إلى وجهٍ خرج تـّواً من البحر لا يعرفُ فن المواربة؟.
وهل الحقيقة عارٌ علينا أن نمارسَ وأدها خفية داخل حدود صدورنا ونندفن معها؟.
يا إلهي....
أكاد أجزم أنَّ قلبي ُخلِــقَ من نسيج ٍ شفاف ليس بوسعه أنْ يخفي ما يختبئ في داخله؛ وأنت لا تختبئ؛ بل تجاهر الكون بوجودك كما قمر في ليلة مظلمة. حيث تصلبني على حافة حلم ٍلمْ أحْـيَـه تماماً فأغفو على صدر خيبة لأمنية لم تتحققْ كما ينبغي؛ أمنية ما زالت تتبرعم في صدري خلسة عن ضوء الشمس وعتمة المسافات وقصائد القمر عندما يرتجل نفسه.
أما زال في العمر متسع لقبس يريد أن يشتعل في ضلوع الحياة؟
أما زال فيه متسع لخيبة ..أو لابتسامة لم تكتمل؟!
أمزجُ الألوان بدموعي ...أرسمها بريشةٍ تشكلت أوبارها من نزق البعد والأسئلة التي لم تجدْ لها إجابات تهدئ من روعها.
أعيد تشكيل ملامحك، وأعطي عينيك - بانحناءة شبه صادقة من ريشتي- شذراً من نظرة حب أردتك أن تراني بها، فتأبى إلا أنْ تبيح نفسها إلى أخرى تخبرني بأنني قد لا أعني لك شيئاً، وربما -أقول ربما- أعني لك كل شيء, لكنك كما أنت..تكابر نفسك، وتدثر الحقيقة بثوب التجاهل.
أرسمُ كلمة انتظرتها طويلا ً لتعبر مسافات الوجع وهضاب الخوف التي تفصل بين قلبك وشفتيك، أرسمها حلماً مستحيلا ً.. ولوناً لا سبيلَ لأن أعيد تكوينه، ومسافات من الانتظار لم أتمكن يوماً من عبورها.
على حواف الخيبة المسجاة في تضاريس تلك اللوحة اليتيمة مثل حبي لك، أرسم عصفوراً مذعوراً، ووردة سقط أريجها في غفلة منها، وأضيع أنا فلا أجد لي مكاناً يضم ذهولي في لوحة ادعيت بيني وبين ذاكرتي أنني من مارس غواية رسم تفاصيلها سراً، ولم أكن صادقة تماماً.
تتورم الخيبات في ضلوعي ويتسع مداها حتى تكتسح بقية جسد عرته الحقيقة حتى عن عظامه.
أي شيءٍ يستطيع أن يواري سوءة الخيبة؟!!.
أي شيءٍ بإمكانه أن يغطي عورة جرح؟!!.
أي شيءٍ بإمكانه أن يقي قلبي من الانهيار نحو حافة الضياع..أو حافة الموت؟!.
وكأنني أسير به على حبل رفيع فوق هاوية لا قرار لها، وليس لدي سوى احتمالين السقوط أو السقوط، فبأي الاتجاهين أسقط؟! ولمن أدين بشرف سقوطي الأخير قبل الموت؟!.
ما زلتَ- رغم كل مقاومتي- تستلمُ دفة قيادة قلبي نحو الهاوية، نحو جحيم ٍ لا يطاق، وما زلت أكبحُ فرامل نفسي بقوة، ولا أعرف حتى متى بإمكاني أن أمارس السقوط نحو الأعلى.
يا لليل يمتزج شفقه الأخير بالأول، وبدايته بآخره، وحزنه بفرحه، وحضوره بغيابه.
ألهذا لم يعد للحضور معنى ولا للغياب؟!
أنهيتُ احتضار لوحتي على قدر مسافات الفقد المزروعة في قلبي، وبلون انتكاسات الشوق والحنين، ووقعتها بدمعة باذخة ما زالت تعاني مخاض الهطول، وبتاريخ سقوطي الأول والأخير في متاهات البعد، وصلبتها على حائط يعاني نتوءات الوجع... فوق شرخ الأماني تماماً صلبتها، على مرمى قدر لا أعرف إلى أين يمضي بخطى جراحي، وتركتها عارية في مواجهة أعاصير الحقيقة وزوابع الشك، الغريب أن كل من مر بها وألقى ظلال عينيه على مساحاتها ظنَّ أنها تحمل ملامحه...إلا أنت.


--
لبنى ياسين

كاتبة وصحفية سورية
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو فخري في جمعية الكاتبات المصريات


زياد صيدم 07 / 10 / 2009 57 : 10 PM

رد: إلا أنت-لبنى ياسين
 
** الاديبة الراقية لبنى..........

هو الحب الذى لا ينازعه حب اخر لانه فى الحنايا والضلوع... قديكون وطنا ماديا او معنويا الا انه الوطن الذى ننشده واليه تنوء الاعناق والوجد وتتوحد به واليه خفقات القلوب...

تحايا بعبق الرياحين............

عبد الحافظ بخيت متولى 09 / 10 / 2009 47 : 02 PM

رد: إلا أنت-لبنى ياسين
 
إلا أنت وقلق الأسئلة
قراءة فى قصة لبنى ياسين
اتصور ان القاص حين يشرع فى كتابة قصته له أن يبلور العنوان أولا او ان ينهى القصة التى تفرز عنوانها , وهذه القصة وضعت العنوان أولا ثم جاء متن النص مضيئا لهذا العنوان ومن ثم نحن امام عنوان مترع بالمراوغة "إلا انت" وحين نصافح هذه العنوان لأول وهلة يترك فينا عد تساؤلات حول ال" انت" اهو الوطن ؟ اهو الحبيب؟ أهوالغائب؟ بيد ان إلا التى تسبق ال" انت" تبلور العنوان فى إحالة واحدة هى هو ذلك الذى تبحث عنه القاصة والتى تقبل التنازل عن أى شئ إلا هو وحين نمتد الى متن القصة نجده كاشفا لهذا العنوان فبطلة القصة تخرج مكمون النفس وأهات الروح حول هذا المحبوب الغائب الحاضر والذى يفجر فى أنيان مشاعرها كل الوجد والهمس مما جعل القصة تسير فى مسارب عدة منها الهمس والصراخ والتصريح والتلميح بلوعة القلب وهذا الحب الذى دفع البطلة الى قلق الاسئلة حول
هل من حقنا ان نكتم هذا الحب أم نخفيه؟لماذا على الحب أن يأتي في صورة خطيئة مقدسة؟
لماذا عليه أن يخلعَ ثوبَ الفرح ويرتدي حزناً أبدياً؟
تراك تشعرُ بالأعاصير التي تمزق صمتي؟
والجميل فى هذه القصة ان القاصة تركت ساردها الضمنى يوازن بين حالة البطلة وبين اللوحة الفنية كمعادل موضوعى ونفسى بين ما تشعر به وما تراه فتتحول القصة أيضا إلى لوحة فنية تموج بكل تعاريج البوح والفن القصصى المعتمد على نهكة جميلة للسرد ولغة شاعرية مفعمة بطزاجة الحس وقلق وجودى يجعل النص كونيا من خلال قلق السؤال الكاشف عن حالة التوتر لحظة البوح الشفيفماذا عليَّ لو تركتكَ كالشمس تصافحُ وجوه كل الناس، من أعرف ومن لا أعرف..هل سينعتونني بالجنون؟
تراني أنعتقُ منك إن أنت خرجت مني؟
تراك تنعتقُ مني؟
من منا أكثر شوقاً إلى الإنعتاق؟! إلى صدر الحقيقة العاري؟ إلى وجهٍ خرج تـّواً من البحر لا يعرفُ فن المواربة؟.
وهل الحقيقة عارٌ علينا أن نمارسَ وأدها خفية داخل حدود صدورنا ونندفن معها؟

هنا يبدو التساؤل كاشف لا عن حالة البطلة فقط بل عن كل الحالات الكونية المشابهة لان الحب مفرون بالالم والنجوى الكاشفة عن عذابات العشاق واستطاعت القاصة ان تجسد كل هذا فى بوتقة نصها
بيد انها استخدمت ضمير المتلكم فى قصتها وهو ضمي محفوف بالمخاطر ويدفع ذهن المتلقى الى عدم الفصل بين البطل والمؤلف مما يجعله يعتقد ان المؤلف هو البطل مالم يكن القاص واعيا لهذا ماهرا فى ابراز خطرط الطول والعرض بينهما ولقد نجحت القاصة الى حد ما بيد ان تزاحم الاسئلة فى القصة جعلها اقرب الى التطابق بين المولف والقاص ويجعلنا نظن ان صوت القاص زاحم كثيرا صوت السارد الضمنى فى فرض الاسئلة عليها والتى قلنا انها اسئلة كاشفة لحد البوح الروحى لكننا نتصور ان التخفف منها يجعل النص اقرب الى العفوية
ويبقى ان نقول ان القاصة جميلة قاردة على خلق ابداع ذى نكهة خاصة يصل الى عمق الفكرى وبساطة التركيب مما يجعل هذا النص متفردا وتحية عطرة لك سيدتى على هذا الابداع الراقى

لبنى ياسين 10 / 10 / 2009 59 : 09 AM

رد: إلا أنت-لبنى ياسين
 
الفاضل عبد اللطيف:
هو ما تراه..سيدي الكريم.
كل المودة


اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبداللطيف أحمد فؤاد (المشاركة 47022)
الحبيب ده انسان ولا جان ولا ايه الحكاية توهت


لبنى ياسين 10 / 10 / 2009 09 : 10 AM

رد: إلا أنت-لبنى ياسين
 
الاستاذ الفاضل جمال سبع:
كل الشكر لهذا التفاعل الجميل.
كن بخير
مودتي


اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال سبع (المشاركة 47027)
اليوم أدركت أنني سيدتي عندما أترجرج بين مدك و جزرك أتنفس أكثر و أصيح أكثر و أصمت أكثر ... صمتي سيدتي ينتهي عندما رسمتي الحرف كأنه سجادة صينية يعشقه كل متلمس و كل زائر ... سيدتي تغيب عني الكلمات و يغيب لون المطر لكي أكتب لك أكثر...
فقط سأقول رائعة جدا...
جدا ....
جدا ....
جدا .


نصيرة تختوخ 04 / 12 / 2009 11 : 01 AM

رد: إلا أنت-لبنى ياسين
 
نثر بالغ الجمال, كثافة أحاسيس و تعابير متميزة تلامس إحساس القارئ.
استمتعت بقراءة ماأبدعت أ.لبنى
تحيتي


الساعة الآن 15 : 01 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية