![]() |
بين فاصلتي رخام
[align=justify]
لكل أديب أسلوبه الذي يبين قدرته على التعامل مع اللغة، وتمكنه من تقديم الفكرة بهذا الشكل أو ذاك.. لكن هناك مسألة في غاية الخطورة تتعلق بتلاعب الأديب بالكلمات ونموها ودفعها إلى التوهج صياغة وتركيباً وتلاحماً دون أن تقدم شيئاً له علاقة قوية بفكرة ما!!.. الهدف في هذه الحالة يبرز، أو قل يكون القصد منه، عرض قدرة الكاتب على اللعب باللغة وجعلها تبهر الأبصار وتأخذ بالعقول دون أن يكون وراءها ما يفيد أو ما يؤدي إلى شيء.. ومثل هذه المشكلة يقع فيها غالباً أدباء كبار امتلكوا ناصية الكلام فكان طيعاً لهم، مما يجعلهم يؤججون فيه الشكل على حساب المضمون.. فالأديب المالك بقوة ودراية وتمكن لكل مسار الكلام، تراه يضعك أمام عبارة وجمل وألفاظ تأخذك ولا تترك لك المجال لتحكم على القيمة من وراء كل ذلك.. طبيعي أن يدخل ذلك في علم الجمال لتقديم نص متفوق الصياغة.. لكن لماذا لا يترافق كل هذا مع مضمون وفكرة وغاية؟؟.. نعرف أن اللغة وغليان التحكم بجمالها أو التمكن منه، قد يجر إلى انصراف غير قصدي نحو العبارة على حساب أي شيء آخر.. مما يعني تحول الصياغة الباهرة الفائقة الجميلة إلى هدف وغاية.. فالأديب ـ كما القارئ في هذه الحالة ـ منحاز إلى سحر اللغة وسائر في ركاب جمالها، دون أن يفطن إلى ضياع الفكرة والموضوع والغاية التي تخرج عن قصد اللغة كلغة.. نعرف أن اللغة العربية مولعة بالصورة وتوابعها ولعاً قديماً مستمراً حتى وقتنا الراهن.. والصورة المدهشة أو الفائقة التركيب تجر في كثير من الأحيان إلى صورة أخرى وهكذا.. وتطور بنية الصورة في الوقت الراهن يضعنا أمام صور مركبة من امتداد صور، فالصورة تفرع صوراً كثيرة، وكل هذا يسحب القول لمتابعة التشكيل واللون والامتداد دون انتباه لبؤرة المؤدى.. فالهم أو المهم هو الاشتغال على بناء الصورة وتلاحم المفردات في بنيتها.. وهذا درب شائك إذا بقيت اللغة رخاماً دون معنى أو غاية.. قد نعذر الشعراء في جزء من التلاعب اللغوي كونهم يبحثون عن الجمال وروعة الصياغة، لكن على ألا يكون هذا التلاعب هو الغاية والهدف، إذ هناك حاجة لأن تقول القصيدة شيئاً هاماً في نهاية المطاف، لا أن تبقى في دائرة الإبهار اللغوي وتصعيد الجماليات اللغوية، فلكل حد.. جزء يكبر أو يصغر من القصيدة فيه ما فيه من تلاعب وبناء جمالي وتصعيد لغوي يدخل في الإمكان والممكن والمستحب، لكن أن تكون القصيدة كلها مجرد لعب باللغة فهذا شيء غير مستحب وغير مؤد إلى نتيجة!!.. ويبقى جزء يسير من هذا ضروري للقصة والمسرح والرواية والخاطرة والنقد، لكن عليه أن يترافق مباشرة مع خط قصدي مرسوم يؤدي إلى نتيجة ومغزى ويقدم فكرة ومضموناً يقول ما يريد قوله.. كل هذا يرتبه الذهن المبدع بدراية أولية ثم يترك له العنان في حالة التأليف والكتابة والتداخل مع الخط الفاصل بين الغياب والحضور عند المبدع.. هذا الخط الذي لا يجدي معه الانتباه إلى هذا التخطيط المسبق والذي يفترض أن يكون حاضراً كما الإبداع دون رسم أو تخطيط أو قصد في التماهي الإبداعي، هذا التماهي الذي يخرج لنا نصاً باهراً جميلاً.. جميل أن تترافق ملكات اللغة القوية مع الفكرة الجميلة المؤثرة المفيدة.. قد تنفي مدرسة الفن للفن مثل هذا الترتيب أو العمل على قصدية الفكرة.. فهم يرون أن الفن متعة واندفاع نحو اللذة والشعور بجماليات الفن.. وهذا قد يولد موسيقى لغوية معبرة عن المشاعر والأحاسيس بلفظ همه الجمال والتعبير عن منطقة غير منظورة بلغة غير مفهومة أو غير واضحة المعنى.. ويرون أن الأمر المهم منوط بما يقدمه النص لي من جمال باهر.. لكن هذا باعتقادي يضيع جزءاً هاماً من الفن ويلغي وظيفة يفترض أن تكون موجودة ومترافقة مع وظيفة الإمتاع، وتتمثل في قول شيء يجعل الذهن يستفيد كما المشاعر والأحاسيس.. ليس من وظائف الفن أن يعرض لنا نصاً بين فاصلتي رخام ليس إلا، لأنه سيكون نصاً بارداً لا حياة فيه.. إن التواصل بين طرفي المعادلة ضروري حتى تكتمل قيمة الفن، أي فن.. [/align] |
الساعة الآن 18 : 09 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية