منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   كلمات (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=246)
-   -   تحت سماء أضيق (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=12093)

طلعت سقيرق 21 / 08 / 2009 07 : 02 PM

تحت سماء أضيق
 
[align=justify]
لا أدري لماذا استوقفتني " الأنشودة الرومية " للشاعر الإيطالي يا نيس ريتسوس في ديوانه الذي يحمل الاسم نفسه وترجمه بشار عباس وصدر عن اتحاد الكتاب العرب في العام 1989 .. خاصة مطلعها حيث :" تلك الأشجار لا ترتاح تحت سماء أضيق / تلك الحجارة لا ترتاح تحت الخطوات الغريبة / تلك الوجوه لا ترتاح إلا في الشمس / تلك القلوب لا ترتاح إلا للحق ".. ثم " قاس كالصمت هو ذاك المكان / يهصر بصدره حجارته الملتهبة /يعصر في الضوء شجيرات الزيتون اليتيمة والكروم / يصر على أسنانه : ليس ثمة ماء ..فقط ضوء / الطريق يضيع في الضوء وظل السور من حديد ".. ثم انظر إلى قوله :" أيديهم ملتصقة بالبنادق / صارت البنادق قطعة من أيديهم / وأيديهم قطعة من أرواحهم / الغضب على شفاههم / وعميقا .. عميقا في عيونهم يحملون اللوعة / كنجم في بحيرة ملح "..
الأنشودة في ثلاثة مقاطع من أروع وأعذب الشعر ، حتى كأن الشاعر يانيس ريتسوس يعطيك خلاصة الشعر دفعة واحدة ، بل صفاء وزهوة الشعر .. لذلك ليس هناك غرابة في أن تكون تلك القصيدة التي كتبها ريتسوس بين عامي 1947-1949 خلال فترة الحرب الأهلية من أكثر القصائد شعبية في اليونان والتي تأتي عندهم بعد النشيد الوطني – حسب المترجم - فالشاعر في نزوع لا يتوقف إلى الصعود نحو الأعلى وكأنه يعمل على تقطير الكلمات .. وإذا كانت القصيدة قد ازدادت شهرة وذيوعا بعد تلحينها وغنائها ..فإن الأهمية تبقى لما أعطاه الشاعر من وجد حقيقي وحب حقيقي للحالة الشعرية ككل .. والغريب أن يكتبها يانيس ريتسوس في امتداد هذه المرحلة الزمنية الطويلة مبعدا إياها عن حالة الدفقة الواحدة لتكون بنت حدث مستمر طويل تتراكض أفعاله كما تتراكض أوزان هذه القصيدة أو لنقل نبضاتها ما دمنا أمام شعر مترجم يأخذك رغم أنه آت من لغة أخرى يقول الكثيرون إنها تفقد الشعر الكثير من أهميته .. فالترجمة لا تبقي على البريق الحقيقي للقصيدة حيث تفقد الكثير من الجمال الذي يلحظ في اللغة الأم ..
هنا طبعا تلفتنا جمالية الترجمة وجمالية القصيدة وابتعادها عن صور شديدة الخصوصية بما يكسبها ضرورة الالتصاق بصدر اللغة الأم .. الشاعر ريتسوس معروف في اليونان بشكل واسع جدا ، وهو من أهم الشعراء هناك ، ولم يبن شعره على جمال باهت بل أسرع أو سارع لتبني كنه الجمال كي يتواصل مع جمهوره في بلده وكي يصل إلى كل اللغات التي يترجم إليها بسلاسة ورشاقة ورقة تبعد الحواجز التي تصنعها اللغة أحيانا في التركيب الشعري .. ولست أريد هنا الميل للقول بأن الشاعرية الكبيرة تصنع ذلك حتى لا نظلم الكثيرين .. فقد يغوص الشعر في جماليات لغته الأم بشكل يقف أمامه المترجم مرتبكا حائرا .. حيث يشعر بأن الصورة قمة في الروعة لكنها إن انتقلت أو تحركت إلى لغة أخرى فستفقد الكثير من الجماليات التي تسكبها عليها اللغة الأم .. وهذا بطبيعة الحال شأن الشعر في كل زمان ومكان .. هناك أبيات كثيرة في اللغة العربية تذهلك ، لكن انقلها إلى أي لغة فتكاد لا تفهم ماذا يريد الشاعر أن يقول .. ولو عدنا إلى شعرنا العربي القديم لوجدنا الكثير من ذلك .. وهو ما ينطبق على شعر الحالة في بنية التفعيلة إذ من الصعب أن تنقل الجمال كما هو .. ويبقى الأمر متروكا لكل قصيدة على حدة ..
[/align]


الساعة الآن 43 : 05 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية