منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   القصة القصيرة جداً (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=66)
-   -   ((النظرة)).. قصة للكاتب و الأديب الراحل يوسف أدريس (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=13066)

عبدالله الخطيب 02 / 11 / 2009 20 : 12 AM

((النظرة)).. قصة للكاتب و الأديب الراحل يوسف أدريس
 
النظرة
بقلم الأديب: يوسف أدريس



كان غريبا أن تسأل طفلة صغيرة مثلها إنسانا كبيرا مثلي لا تعرفه في بساطة وبراءة أن يعدل من وضع ما تحمله، وكان ما تحمله معقدا حقا ففوق رأسها تستقر «صينية بطاطس بالفرن»، وفوق هذه الصينية الصغيرة يستوي حوض واسع من الصاج مفروش بالفطائر المخبوزة، وكان الحوض قد انزلق رغم قبضتها الدقيقة التي استماتت عليه حتي أصبح ما تحمله كله مهددا بالسقوط.


ولم تطل دهشتي وأنا أحدق في الطفلة الصغيرة الحيري، وأسرعت لإنقاذ الحمل، وتلمست سبلا كثيرة وأنا أسوي الصينية فيميل الحوض، وأعدل من وضع الصاج فتميل الصينية. ثم أضبطهما معا فيميل رأسها هي. ولكنني نجحت أخيراً في تثبيت الحمل، وزيادة في الاطمئنان نصحتها أن تعود إلي الفرن وكان قريبا، حيث تترك الصاج وتعود فتأخذه.


ولست أدري ما دار في رأسها، فما كنت أري لها رأسا وقد حجبه الحمل. كل ما حدث أنها انتظرت قليلا لتتأكد من قبضتها ثم مضت وهي تغمغم بكلام كثير، لم تلتقط أذناي منه غير كلمة (ستي)..


ولم أحول عيني عنها وهي تخترق الشارع العريض المزدحم بالسيارات، ولا عن ثوبها الواسع المهلهل الذي يشبه قطعة القماش التي ينظف بها الفرن، أو حتي عن رجليها اللتين كانتا تطلان من ذيله الممزق كمسمارين رفيعين.


وراقبتها في عجب وهي تنشب قدميها العاريتين كمخالب الكتكوت في الأرض، وتهتز وهي تتحرك، ثم تنظر هنا وهناك بالفتحات الصغيرة الداكنة السوداء في وجهها، وتخطو خطوات ثابتة قليلة، وقد تتمايل بعض الشيء ولكنها سرعان ما تستأنف المضي.


راقبتها طويلا حتي امتصتني كل دقيقة من حركاتها، فقد كنت أتوقع في كل ثانية أن تحدث الكارثة.


وأخيراً استطاعت الخادمة الطفلة أن تخترق الشارع المزدحم في بطء كحكمة الكبار.


واستأنفت سيرها علي الجانب الآخر، وقبل أن تختفي شاهدتها تتوقف ولا تتحرك.


وكادت عربة تدهمني وأنا أسرع لإنقاذها. وحين وصلت كان كل شيء علي ما يرام والحوض والصينية في أتم اعتدال، أما هي فكانت واقفة في ثبات تتفرج، ووجهها المنكمش الأسمر يتابع كرة من المطاط يتقاذفها أطفال في مثل حجمها وأكبر منها، وهم يهللون ويصرخون ويضحكون.


ولم تلحظني، ولم تتوقف كثيرا، فمن جديد راحت مخالبها الدقيقة تمضي بها. وقبل أن تنحرف استدارت علي مهل واستدار الحمل معها، وألقت علي الكرة والأطفال نظرة طويلة ثم ابتلعتها الحارة.

د. ناصر شافعي 02 / 11 / 2009 18 : 03 AM

رد: "النظرة".. قصة للكاتب و الأديب الراحل يوسف أدريس
 
رائع رائع رائع .. ما قدمت أخي العزيز عبدالله الخطيب :
نعم إنه الأديب الرائع .. يوسف إدريس ( ملك القصة القصيرة الواقعية ) .. الذي رشح لجائزة نوبل في الأدب عدة مرات ( قبل وفاته )
.. ولكنه الحظ و النصيب .. !!
أمتعتنا أخي الكريم بهذه اللوحة الفنية الأدبية ..بالنصوص المتميزة نعلو و نرتفع بقيمة منتدانا القدير و نعلي من شأنه وقدره .
وهذا يدل بكل تأكيد على ذوقك الأدبي الرفيع .. تحياتي لشخصكم البديع .

د. ناصر شافعي


Arouba Shankan 02 / 11 / 2009 37 : 03 PM

رد: ((النظرة)).. قصة للكاتب و الأديب الراحل يوسف أدريس
 
يا لروائع الأديب الراحل يوسف ادريس
أمتعتنا ،تشكر

ميساء البشيتي 02 / 11 / 2009 58 : 03 PM

رد: ((النظرة)).. قصة للكاتب و الأديب الراحل يوسف أدريس
 
اخي العزيز عبدالله

تغيب كثيرا هذه الأيام ولكنك تأتينا بعد كل غياب

بما بشغلنا عن معاتبتك .. هل هي حيلة ذكية أم صدفة ؟

قصة رائعة ربما قرأتها أكثر من مرة ولا أمل من قرائتها

الف شكر أخي وبارك الله فيك وسدد خطاك

:7_2_207::7_2_207::7_2_207:

مرفت شكري 02 / 11 / 2009 29 : 08 PM

رد: ((النظرة)).. قصة للكاتب و الأديب الراحل يوسف أدريس
 
قصة رائعة .. تخيلت إنني أشاهد أحداثها أمام عيني .. سلمت يداك


الساعة الآن 47 : 03 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية