منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   وحين يذوب الصقيع.. للدكتور/ ثروت عكاشة السنوسي (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=13597)

د ثروت عكاشة السنوسي 28 / 12 / 2009 38 : 08 PM

وحين يذوب الصقيع.. للدكتور/ ثروت عكاشة السنوسي
 
وحين يذوب الصقيع..!

يخرج من عيادة الطبيب القريبة من منزله.. شارد الفكر، مشتت الوَجْدِ.. وذرّات التراب الناعم تخترق أنفه في عجالةٍ، ورائحة زهر البرتقال الصابح، ودمعتان تجدان طريقاً إلى خديه.. عَزَّ عليهما من زمن طويل..

رغم الصخب والضوضاء.. تطرّق إلى أذنيه حفيف السعف الحزين.. يوم فشل في دراسته، ونقيق الضفادع، وأشجار الصمغ العالية تهتز بشدةٍ، وتبكي لموت أبيه.. وسؤال أمه التي تركها متحفزةً لزوجته، وتلك الحقول السوداء.. تمتد من عينيه إلى قدميها كخيط الظلام الحبيس.. في عيون النيام.. وزوجته.. تنتظر يوماً طفلاً من أحشائها.. تهدهده حيناً ويداعبها أحياناً... حين يعود كسيراً إليهما.. ماذا يقول..؟

البيت.. ابتعد كثيراً عن عيادة الطبيب، ولم يكن يعلم أن المسافات القريبة تستطيل هكذا.. يشعر بالاختناق، فيدعك رقبته بأصابعه، يشعر كأنه يسير عارياً في الطريق، مغطىً بأسمالٍ بالية.. يلقي بمظروف الأشعات والتحاليل بطول ذراعه.. وهو يلعنها والأطباء والأطفال ومن يريدهم، ثم يضرب الهواء بقبضته، ودموعه تغشي عينيه.. فيمسحها بطرفه ويواصل المسير..

ها هو يسير في المدينة، ويهتز بعنف من وخز الريح العاتية، والبنايات الشاهقة التي تحيطه.. صارت تتمايل عليه وتضحك في شماتة.. قد يكون الطبيب كاذباً، أو لا يدري شيئاً عن الطب، وقد تكون هذي التحاليل لشخصٍ غيره، وكل الأشعّات غير صحيحة.. لن يحتمل أبداً أن يبقى خاملاً في كل العيون.. منتقص الرجولة..

دائماً يسير والشجر لا يزال سامقاً حوله كما كان.. صامداً للريح، التي لا تلبث أن تهدأ وترحل.. لكنه لا يجد اليوم من ينتصر عليه، فيداه خاويتان بلا عروش.. يهز رأسه ليستفيق من كابوسٍ ثقيل.. يتمنى أن يطوي الزمن هذي الصفحات السود سريعاً.. كي يعبر فوقها دون تردد.. ليبقى رأسه شامخاً بين الرؤوس.. يصعد السلم في تكاسل..يدخل متجهماً.. يلقي بسلسلة مفاتيحه بجوار التلفاز، ويلقي بنفسه على أقرب كرسي..
- حمد الله ع السلامة..
لم يرد.. زاغت عيناه إلى السقف، فأسدل جفنيه، وراح بعيداً عنها.. قامت إليه تتوكأ على عصاها.. تربّت كتفه في حنو، وتسأله:
- الدكتور قال لك حاجه زعلتك يا ضناي..؟
لم يجب.. تجثو بجواره وهي ترتعد، تعاود سؤالها مراتٍ عدة... يفتح عينيه، يحملق في الوشم الساكن بين حاجبيها من زمن.. همَّ بإخبارها، لكنه تردد.. لن يخبرها بما يمس رجولته... ولا غيرها أيضاً.. إنه رجل لا يعيبه شئ.. يتنهد بحرقة.. زغدته في قدمه وقالت في غِلّ:
- قلت لك من بدري.. اجوّز عليها..
بصوتٍ باكٍ تخنقه العبرات.. يخبرها بأن زوجته سليمة، وأنه... تسارع العجوز بوضع يدها على فمه، وهي تصرخ راجيةً ابنها ألا يكمل.. ارتكنت إلى الحائط برهة.. تغمض عينيها وتذمّ شفتيها غير راضية، تتكئ لتنهض.. سارت تتخبط إلى حجرتها، وهي تغمغم بكلمات تحبسها الدموع، ثم أغلقت الباب خلفها في هدوء..

راح الظلام يُحكم قبضته على صدره، وساعات الليل الباردة تئن بداخله متدثرةً بالحزن، وقلبه المنتشي بأنشودة الربيع الحالمة مع سيّدة الحُسْن.. صار يرتجف بعنف، وأوجاع الكون تُثمل وحدته، وتتأرجح بداخله.. يقف أمام حجرته لا يستطيع الدخول إلى زوجته، فقد تسرب الأمل من بين يديه، وأودى بآمال أمه في حفيد، فكيف يجابه من عَشِقْ..؟ وكيف يخبرها بما يسقط رجولته من عينيها..؟

يذهب ويجئ في الردهة مراراً، يتجه إلى المرآة.. يرى مسخاً يسكنه الجبن.. يجتاحه الألم بشدة.. يلتفت إلى حجرة العجوز المغلقة.. يعاوده التردد.. ينفتح باب حجرته.. تخرج زوجته في أبهى صورها.. يتسمر في مكانه.. تقترب متهللة.. تحوطه بذراعيها.. يدفن وجهه بين نهديها ويبكي.. تضمه بشدة وهى تخبره بقدوم ولي العهد..
***
د/ ثروت عكاشة السنوسي

رشيد الميموني 06 / 01 / 2010 45 : 03 AM

رد: وحين يذوب الصقيع.. للدكتور/ ثروت عكاشة السنوسي
 
قصة جمعت بين إحساس باللهفة إلى الأبوة و آخر بالرجولة الناقصة .. بينما هناك من ينتظر حفيد و أخرى تحلم بجنين .. دون أن تغفل تلك المعتقدات بمسؤولية العقم .
يطبق اليأس على كل خيوط القصة لكن خيطا واحدا يفلت ليشع ومبض من الأمل مبددا كل القنوط و الإحباط .. ثم يسري الدفء ليذيب الصقيع .
تحية لك أخي الكريم د ثروت .. ممتعة قصتك .
محبتي

ناهد شما 06 / 01 / 2010 57 : 07 AM

رد: وحين يذوب الصقيع.. للدكتور/ ثروت عكاشة السنوسي
 
[gdwl]عندما يبدأ الإنسان بقراءة قصة محملة باليأس وفقدان الأمل
يشعر بإحباط وخاصة عندما تحاكي القصة حالة اجتماعية
لكن سرعان ما ينقشع هذا اليأس ببصيص من نور الأمل
هناك لحظة لا بد وأن نصل فيها لعنق الزجاجة
حتى نشعر بأننا نكاد نختنق ويأتينا الإحباط
ولكن مع عودة الأمل تعود الحياة إلى طبيعتها
مبروك قدوم ولي العهد
استمتعت كثيرً بهذه القصة الرائعة
شكراً لك دكتور ثروت
ننتظر المزيد من الإبداع [/gdwl]

دمت بخير

د ثروت عكاشة السنوسي 15 / 01 / 2010 31 : 09 PM

رد: وحين يذوب الصقيع.. للدكتور/ ثروت عكاشة السنوسي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشيد الميموني (المشاركة 55976)
قصة جمعت بين إحساس باللهفة إلى الأبوة و آخر بالرجولة الناقصة .. بينما هناك من ينتظر حفيد و أخرى تحلم بجنين .. دون أن تغفل تلك المعتقدات بمسؤولية العقم .
يطبق اليأس على كل خيوط القصة لكن خيطا واحدا يفلت ليشع ومبض من الأمل مبددا كل القنوط و الإحباط .. ثم يسري الدفء ليذيب الصقيع .
تحية لك أخي الكريم د ثروت .. ممتعة قصتك .
محبتي

أخي الحبيب/ رشيد الميموني
شاكرا لك أخي مرورك الكريم
وقراءتك لقصتي بهذا الوعي والفكر الراقي والرؤية السديدة..
متمنيا منك التواصل،
داعيا لك بالصحة والسعادة والخير
تقبل تحياتي وصداقتي
د/ ثروت عكاشة السنوسي

د ثروت عكاشة السنوسي 15 / 01 / 2010 38 : 09 PM

رد: وحين يذوب الصقيع.. للدكتور/ ثروت عكاشة السنوسي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناهد شما (المشاركة 55987)
[gdwl]عندما يبدأ الإنسان بقراءة قصة محملة باليأس وفقدان الأمل [/gdwl]
[gdwl][/gdwl]
[gdwl][/gdwl]
[gdwl]
يشعر بإحباط وخاصة عندما تحاكي القصة حالة اجتماعية
لكن سرعان ما ينقشع هذا اليأس ببصيص من نور الأمل
هناك لحظة لا بد وأن نصل فيها لعنق الزجاجة
حتى نشعر بأننا نكاد نختنق ويأتينا الإحباط
ولكن مع عودة الأمل تعود الحياة إلى طبيعتها
مبروك قدوم ولي العهد
استمتعت كثيرً بهذه القصة الرائعة
شكراً لك دكتور ثروت

ننتظر المزيد من الإبداع
[/gdwl]
دمت بخير

أختي الغالية/ ناهد شما
أبعث إليك بتحياتي العطرة
وشكرى وامتناني العميق
على مرورك الكريم يا سيدتي
وأعتبر إطراءك الرائع وتفسيرك العميق
وتعليقك الجميل على قصتي دافعا لمزيدٍ من الابداع..
أيتها العزيزة.. تقبلي صداقتي ،
مع موفور الاحترام والتقدير..
د/ ثروت عكاشة السنوسي

نصيرة تختوخ 17 / 12 / 2012 09 : 12 AM

رد: وحين يذوب الصقيع.. للدكتور/ ثروت عكاشة السنوسي
 
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]يصل الإنسان لأقصى مستويات إحباطه أحيانا لكن الحياة تعلمه الدرس نفسه عدة مرات بعد كل شدة رخاء وكل أزمة هناك أزمةأشد منها وما عليه إلا المقاومة و النظر لنصف الكأس المليء.
تحيتي لك أستاذ ثروت عكاشة وتقديري لما جاد به قلمك.[/align]
[/cell][/table1][/align]


الساعة الآن 50 : 03 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية