![]() |
القصة القصيرة (( في بيتي وطن مسروق )) تأليف فاطمة يوسف عبد الرحيم
في بيتي وطن مسروق
حلّق عامر ابن التاسعة فرحا لأن المنزل الحلم أصبح حقيقة ،وأحبّ حديقته ،فهذاعشق للأرض موروث ولأنها أبسط أحلام المواطنة ، أن يبني بيتا جميلا من الحجر الصخري على أرض وطنه فوق الرابية التي تحيطها بساتين الفاكهة . وجاء يوم ضربت قوات الاحتلال حصارا حول المنزل، دبّ الذعر في قلوب أفراد الأسرة الصغيرة ،ما السبب ؟ طُلب منهم مغادرته على الفور،جادلتهم أم عامر لم ؟: البناء غير قانوني ، أم عامر : لدينا أوراق ثبوتية جزء منها مع زوجي الذي يعمل في الخليج والجزء الآخر مع أخيه الذي هاجر إلى أميركا، لكن الأرض لنا والبيت لنا ، أرسل زوجي أموالا و أشرفت على البناء . دخلوا البيت وأعجبهم وتشاوروا في النهاية توصلوا إلى قرار ،هو الجلاء عن المنزل أو هدمه فوق رؤوسهم، كأنه صاعقة نزلت على قلوبهم، بكت أم عامر والأولاد ، لكن الدموع لم تحرك ساكنا، تركوا البيت وحملوا الضروري من المستلزمات الحياتية إذ قد يتغير القرار حين تحضر الأوراق التي تثبت ملكية الأرض واختاروا منطقة في سفح الرابية وهناك نصبوا خيمة تعصف بها الأنواء وضُربت الأسلاك الشائكة حوله. دبّ الحنين في قلب عامر للمنزل فتسلل إليه عند الغروب واختبأ بعيدا عن الأسلاك الشائكة وأخذ يمتع ناظريه ببيته الجميل وحديقته الرائعة ،تمنى أن يكون عصفورا يغرد فوق أغصان حديقته، هذا المنزل حلم أبيه الذي تجرّع لأجله مرارة الحرص والغربة . ظلّ يراقب البيت عن بعد ،الحسرات تعصر قلبه، لاحظ يوما في البيت حركة غير عادية ،و تيقن بوجود سكان فيه من اليهود المهاجرين ،اغتاظ كثيرا ولم يدر ما يفعل، تمنّى أن يكون ماردا جبّارا يخلص الوطن من هذه العصبة الغاشمة التي تقتل وتسلب كل جميل للحياة على هذه الأرض ، ولم يشأ أن يخبر والدته فتزداد قهرا ،عندما تسأله أمه عن سبب غيابه يخبرها أنه يلعب مع أصدقائه. ومرة لاحظ وجود طفلة أصغر منه سنا في حديقة المنزل ، لمّا رأته خافت وعادت إلى الداخل وابتعد إلى أعلى التلة المجاورة لا يحرك ساكنا ، في اليوم التالي لم تهرب ، مع الأيام كان كل منهما يأمن للآخر ، يتحاوران بلغة الطفولة البريئة وتفصل بينهما الأسلا ك الشائكة، وكان إذا أطل أحد من أهلها يختبئ. عامر: من أين جئتم ؟ سارة: من العراق ، هناك حرب ، وهذا بيتنا . عامر: كلا ، هذا بيتنا والأرض لجدي، لكن أبي وعمّي تنازعا على ملكية أرض الزيتون . سارة: لا ، هذا بيتنا ،الثلاجة والتلفاز،المقاعد والأسرة لنا وخزانتي وملابس لعبتي، وأطباقي وعلبة الحلوى. عامر: بل هذا بيتنا،وكلّ ما فيه لنا ، في غرفة الجلوس كوفية أبي وسيف جدّي بحكايا الجهاد يصول، وثوب جدتي معلّق بالعرْق الفلاحي الملكيّ مطروز، وعلى النافذة قصيص زعتر وريحان، وفي الحديقة شجرة برتقال من أرض يافا ،وفي العليّة حجر رحى جدتي بالخيرات كان يدور، وفي الدرج نايّ أبي باللحن الحزين ينوح،وحكايات جدتي على الوسادة تحكي، وصدى تراتيل آياتي في الأثير تمور،وفي الحديقة فرن تعبق منه رائحة المسخن وخبز الطابون ،ومحراث جدي في القبو يغني موال الأرض في سطور وهذا البلبل يغرد على سياجي ، وحصاني الخشبي الذي صنعه أبي بخنجره يحنو لي . وحبيب القلب في الغربة محزون.. ثرثرات الطفولة قاربت بينهما ، وكثيرا ما أحضرت له الحلوى ، كانت الضحكات البريئة تزغرد في الآفاق، وظل عنده أمل بالعودة إليه، وقررفي نفسه لو عاد إلي بيته ستبقى سارة صديقة . في الصيف اشتدّ الحر، وهامت حشرات الأرض و تسلل عقرب إلى قدم سارة لتلدغها ويعلو الصراخ المؤلم ، واحتار ماذا يفعل من أجلها والشيك يفصل بينهما،أشارلها أن تمد قدمها من تحت الشيك ليبعد عنها العقرب، لكنّ صوتها وصل إلى والدها ، فأطلّ من نافذته وصوّب بندقيته إلى صدرعامر، ونزفت الدماء، وغاصت كفّها بدمائه ، وأغرقته بدمعها ، فهم والد سارة بعد فوات الأوان أن الصبي لم يكن متسببا في الأذى أنما أراد حمايتها من لدغة العقرب ، وتمزق قلب الأم عند سماع إطلاق الرصاص وأسرعت نحو البيت ، قال والد سارة و بدم بارد : احمليه ، أنا آسف لم أقصد قتله ، حملته إلى الخيمة والدماء تنزف وهمس وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة : في بيتي وطن مسروق ، قولي لأبي وعمي الذين تاها في غربتهما ،أن لا يتنازعا على سيادة الأرض فالبيت لنا وبالحبّ يعود . |
رد: القصة القصيرة (( في بيتي وطن مسروق )) تأليف فاطمة يوسف عبد الرحيم
رائع ما قرأته أختي الكريمة فاطمة ..
هي هكذا عقلية المحتل .. يغتصب و يسرق و يقتل ثم لا يأبه إلى الأرواق التي أزهقها . هناك أيضا أمر جاءت به القصة و منه يمكن أخذ العبرة .. و أقصد النزاع بين ابناء الجلدة الواحدة مما يخدم المحتل الغاصب . تحيتي لك أختي .. دام إبداعك . |
رد: القصة القصيرة (( في بيتي وطن مسروق )) تأليف فاطمة يوسف عبد الرحيم
الأديب المبدع الأستاذ رشيد الميموني
تحية وبعد أشكر لك قراءتك العميقة للنص ، وكشفك لما يحمله النص من نداءات للعودة إلى وحدة الصف الوطني ، وأن العدو لم يغتصب الأرض بل أثار الفتن وادّعى ملكية التراث الثقافي الفلسطيني ، فأين نحن مما يحدث ، أتشرف بزيارتك وبصداقتك يا أخ رشيد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...فاطمة |
الساعة الآن 03 : 06 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية