![]() |
قصة : عودة من تحت التراب
[frame="15 10"]
قصة : عودة من تحت التراب [align=justify] مستشفى و حزن السقوط تجسد كجريح جديد .. دم و أصوات تستجمع أرواح صعدت في زغاريد و صيحات الله أكبر .. سيارة إسعاف تدخل .. سيارة إسعاف تغادر .. في الصباح .. في المساء .. في زمن الولادة القيصرية .. فتح بضم الفاء بطني الفلسطيني بمقص الغصة القديمة .. غيبوبة و ذاكرتي عادت بالخطى إلى الوراء .. ترجلت من شهر إلى شهر آخر .. من مدينة إلى أخرى .. من شارع إلى آخر .. من عمارة إلى أخرى .. من منزل إلى آخر .. من سرير المستشفى إلى سريري المذهب .. المرصع بصور الحيرة و المسجد الأقصى . كنت قد اشتريته هدية لزوجتي .. قطنه لم يكن مستوردا .. هكذا أخبرني بائع المحل .. تفاجئ مما كتب على بطاقة هويتي " مواطن درجة ثانية " .. تعودت على هذه الأعين المذهولة كلما قدمت أوراقي الخاصة . في عملي مع أحد الخواص .. في الميترو .. في المستشفيات.. على شرفات البحر أرقب مدينتي .. في الحلم .. في أخبار الساعات المتأخرة من الليل .. في ساحات اللعب .. في المقاهي التي تقبل النيل في احتشام – عفوا هل أنت مواطن من الدرجة الثانية ؟ - سؤال بالعسل الأسود نقع .. إجابتي كانت بريئة " و أين تكمن المشكلة ؟ " الغربة خدرت خطواتي بين نعومة الفراش ..حلمي بالعودة سال مع اجتياح العاصفة .. لكنني أنسى و أتناسى . طفل حمل جهاز جواله صعقني بآخر كلامه قائلا : " متى ستلبس وطن بعلم الأم ؟ .. متى ستترك لنا حبات الأكسجين نتنفسها من غير زحام ؟" .. شربت بداية الكلمات .. سمعي لم تحطمه شدة الحروف .. كان ملقنا منذ أن حرم من سماع صوت " البيارة " و خرير المياه في الجداول . لساني تلعثم .. التف حول عروقه .. حيرة الجواب أفزعته .. منذ أن أبعدت من وطني لم أتلق رسالة جارحة .. لم أدن بتهمة الغربة الإجبارية. كان الجميع يحتضنوني بورق الأخوة .. ربما يقول رجل أتعبه البحث عن عمل " أف .. حاصرونا حتى في لقمة العيش " .. حدثني رجل توسد الأرض و التحف السماء، عن أطفاله الذين تشتتوا في الأمصار بحثا عن لقمة العيش ، قلت " ربما أكون تسببت في غربتهم " .. أنا هنا و هم هناك .. غربتي هنا .. و غربتهم هناك .. أتنفس هواء وطنهم .. و يتنفس هواء وطني مغتصب ليس له عنوان .. ليس له وطن .. ليس له تاريخ .. ليس له بداية . جواز سفري اليابس كغصن الزيتون ظهر من بين الأوراق .. شهادة ميلاد منطوية .. تصريح بالاغتراب .. صورة أحمد يسين .. سألت زوجتي الأجنبية عن وطني ، وهل بإمكاني اختراق الحدود ؟ أجابت بنفي الأمل ..سقطت سلسلتها الذهبية على بلاط الأرض .. صورة القدس المتشبثة بحلقها لفت حول نفسها .. دارت لتستقر في ركن البيت الأيمن .. غريب أن تستقر في الركن الأيمن . حاولت أن أخرج إلى الشوارع المكتظة .. تسارعت خطواتي بين الخطوات الراكضة .. دخنت كل السجائر الغريبة .. نظرت إلى النهر المتسرب بين الحلم و الحقيقة .. مقاهي و أصوات تضحك .. شعور لامس الخطيئة.. تعرى ليكشف جسدي الطيب .. لا أمل .. لا مفر . صحيفة الصباح كان لي عبر طياتها خبر و عنوان .. مفر من اشتعال الذاكرة في ألم .. بلسم من جراح تعفنت بمرور الدقائق و الساعات . قررنا فتح المعابر للمرور - كان تصريح مسؤول لرجل غير معترف به مثلي .. لم يعترف بي لأنني من غصن المواجع بترت .. المواجع ليس لها مكان في وطن الرقص و الغناء .. كرة القدم و لعبة الهوكي .. تنس المضرب و "القولف ". قررت العودة .. كسر جليد الخوف .. تحطيم صنم العيش كمواطن من الدرجة الثانية .. صعب أن تهزم سريرك المذهب .. سيارتك من ماركة " تيوتا " .. عملك و مشاريعك المستقبلية . بعت كل شيء أملك و اشتريت وطني .. حريتي من استعمار أحلام اليقظة .. حبي للعيش دقيقة واحدة تحت سماء وطني .. ألاحق فراشات بساتين الزيتون .. أمرغ وجهي في ماء السواقي .. أقبل قبر أمي و أبي و جدي . نحو الحدود توجهت ، تاركا زوجتي في حمى الله .. الله كان معي .. الطريق كان طويل .. كتبت على صفحات العيون عبارة " لن أعود " .. الشوارع الجميلة لم تعد تبهرني .. الهدوء الخانق تحول في لحظة تحرر إلى ابتسامة .. إلى فرح .. الركام اليابس في حلقي تسلل تحت الأتربة .. حفرت خندقا بمسافات القمر و الشمس .. توقفت بين الهواء و الهواء .. ماء و غرق بالأقدام سال في احتشام .. الجنود من خلفك و من أمامك ، فبأي مشنقة للموت ستكون ؟ .. دود الأرض أضاء وحشتي .. فتحة من الخلف و من الأمام .. قنبلة انتظرت جسدي في استشهاد .. الغراب من الغربة تكلم مع الجثث المتناثرة .. بقايا رصاص و قنابل .. صخور باللهيب انصهرت .. موطن للألم و آخر للبكاء .. غزة لامست كفي الذي سال منه الدماء .. غزة استقبلتني بحب وجهها الجميل .. ببقايا من حطام المنازل .. بقنبلة و أشلاء طفل متطايرة .. بصمت العالم و فرح الشهداء . المذيع ينشر الخبر مع انسكاب فنجان القهوة .. تم تدمير المعبر الأرضي الأخير .. كنت هناك .. كنت هنا .. بين حبات التراب أقبل الأرض و عشق السماء . قطعة الخبز سقطت .. الحليب أضحى باردا .. باردا .[/align] الاهداء : الى كل شهداء القضية بين غصة الاغتراب و أمل الرجوع جمال سبع في 07/05/2010 [/frame] |
رد: قصة : عودة من تحت التراب
الأستاذ المحترم جمال
جميل ما سطرت يمينك ...قص قوى ومتماسك بابداع وتمكن ولكن أخى ليست الغربة خارجنا فقط فالغربة نحن داخلها وهى داخلنا ...أى اننا وهى قالب واحد للمغترب فى وطنه فالمكان والزمان والحاجيات بماركاتها الأجنبية تجعله لا يستطع أن يتخلى عن غربته إلا مع تخليه عن روحه أستاذى رسمك للاغتراب حتى حد الموت يعتقد أنه رجل من الدرجة الثانية ...موفق جدا حتى لحظة موته داخل النفق مؤثرة جدا للغاية كل تقديرى واحترامى لك |
رد: قصة : عودة من تحت التراب
[align=justify]أختي الكريمة امال..
في داخلنا اغتراب ، و في جلدنا الخارجي اغتراب .. لم نشرب حليب الغربة .. لم نتنفس هواءه الخانق .. أرغمونا على ذلك .. حق العودة بأيدينا ،و غربة الشوارع ستغيب مع رحيل غيمة الخيبات المتكررة . شكرا أختاه على مرورك الدافئ بين تمتمات " عودة من تحت التراب "[/align] |
رد: قصة : عودة من تحت التراب
الأديب العزيز جمال سبع
بوح قادم من القلب آلام إنسان يتحسس الاخر ويعرف بأن الرصاص حين ينطلق في منطقة ما في فلسطين المحتلة ليصيب طفل أو رجل أو امرأة أو شيخ، لا شك بأن المواطن العربي الشريف يستشعر هذا الألم ويعود الشهيد من تحت التراب ليقصّ حكايته ويصرخ ويقاتل مجددا من أجل الخلاص والتحرير. نص جميل وتوارد أفكار متسلسل يسعدني أن أمرّ من هنا وأعانق هذا النص مودتي |
رد: قصة : عودة من تحت التراب
اقتباس:
أخي خيري حاولت أن أتقمس شخصية هذا الشهيد .. كيف كان ينعم بالفراش الوتير .. كيف كان يتلذذ بتخمة الحياة .. لكنه عاد ليسقط دمه فوق حبات التراب . سعدت كثيرا بمرورك أخي الأديب الرائع .. كلنا فداء بالقلم لقضية أمتنا الراسخة " فلسطين و قدسنا الأشم " .[/align] |
رد: قصة : عودة من تحت التراب
اخي العزيز جمال
مساء الخيرات قرأتها أكثر من مرة جمال وفي كل مرة أجدها أجمل وأجد كلمات معبرة أكثر أحيي فيك هذا الإحساس الصادق والجميل وربنا يبارك فيك وفي مدادك الرائع ننتظر المزيد أخي المبدع جمال |
رد: قصة : عودة من تحت التراب
اقتباس:
نكتب عندما نتقمس شخصية أخواننا في حيرة الأفق .. في أمل الرجوع .. ربما الشهادة .. ربما تقبيل ملح الأرض .. الأرض جميلة بتمائل أغصان الزيتون. أختاه سعدت كثيرا لأن عملي المتواضع وجد بين حلمك حلم آخر .[/align] |
رد: قصة : عودة من تحت التراب
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي المدهش جمال ها أنت تنقلني إلى مشهدية الغربة المرة .. تلك الغربة التي نعيشها على مستوى الزمن الشعوري .. على مستوى الأمنيات الفقيدة .. على مستوى أشلاء الوطن العمر أو العمر الوطن أيها الحبيب لقد أمسى هذا الهاجس حرقة وألما .. نار الغربة هناك .. ونار الغربة هنا .. وبينهما توزع القلب .. وتمزقت الروح ...آه صاحبي من غربتنا الغثائية تلك الغربة المقيتة .. تلك الغربة اللعنة ... أين غربتنا الأحبابية الوارثة ونحن أحباب رسولنا صلى الله عليه وسلم .. أينك أيها الجيل الأحبابي الوارث يامستشرف الغربة الحلم .. يامرسي الغربتين الغاليتين غربتنا الأولى " غربة العز والمجد للرسالة الخاتمة في عهد النبوة " وغربة الأصحاب الراشدة .. أينك ياوارث النبوة وغربتها " جاء الدين غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء ... لقد أثرت الجرح وأي جرح وغزة تنزف والقدس ينزف والعمر ينزف ... دمت ياصاحبي مبدعا ..كاسرا الصمت والمسكوت عنه ... دمر صمتنا الملعون الممجوج المقيت .. فجر ..فجر ..حتى يأتي النصر وتفتح أبواب العودة .. ولن ننسى من غصب ودمر فالثأر الثأر .. عائدون .. عائدون ... تقبل أيها الفاضل تحيات أخيك |
رد: قصة : عودة من تحت التراب
اقتباس:
هي مآسينا مهما زارنا الفرح للحظات ثم غاب .. هي همومنا امتزجت بحرقة الكتابة .. هي الأمانة يا أخي .. نكتب عن الغربة .. نكتب عن أمل العودة .. نكتب عن غزة .. نكتب عن فلسطين .. عن التهجير الاجباري .. عن المعابر .. عن الشهداء .. عن الدماء . أخي كلنا في نفس السفينة مهما شردتنا الأوطان .. كلنا نحمل وجع واحد .. صيحة واحدة .. لسان واحد .. عربي الأنين . دمت أخي رائع كما عهدت مدادك الجميل .[/align] |
رد: قصة : عودة من تحت التراب
الأستاذ جمال , تحية من سوريا لكم ,
أخي جمال ( واسمح لي بكلمة أخي ) , طالما يوجد في هذا الوطن الكبير العظيم أمثالكم , ثق سيخضرُّ جواز سفرك , ويفوح منه عطر الليمون , وتكون القيامة حقا ً من تحت التراب , وتتلاشى الغربة والاغتراب ( ولنا بالجزائر أسوة حسنة ) أخي جمال أرجو منك أن تقرأني بــ / عشية الميلاد في غزة / و / مرآة اليوسف أفندي / و / خمسينية المطوقة / ليكتمل ردي وتعليقي المتواضع , على عودتكم من تحت التراب إن شاء الله حسن ابراهيم سمعون / سوريا |
الساعة الآن 54 : 05 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية