![]() |
الملف الشهري الثاني / شعراء المنفى و المهجر / أخبار و تحقيقات و استطلاعات ...
[frame="15 98"]
بسم الله الرحمن الرحيم الملف الثاني شعراء المنفى و المهجر أخبار و تحقيقات و استطلاعات سنعرض خلال هذا الشهر ملف شعراء المنفى والمهجر كيف تم نفيهم ؟ و لماذا تم نفيهم ؟ و متى سيعودون إلى أو طانهم ؟ شعراء هاجروا .. لماذا ؟ هل الهجرة حل ؟ أسئلة جديرة بالمناقشة ولنا شعراء كثيرون في العالم العربي . سنطرق باب الاستطلاعات و التحقيقات و الأخبار و سنجد بحول الله الكثير و الكثير في أوراق هذا الملف.. فقط شاركونا بما لديكم من معلومات و أسرار . الملف مفتوح للجميع... |
رد: الملف الشهري الثاني / شعراء المنفى و المهجر / أخبار و تحقيقات و استطلاعات ...
[frame="15 98"]
حول تجربة الأدباء والشعراء في المهجر الكندي التاريخ: الأثنين 13 أبريل 2009 الموضوع: مقالات ودراسات جاكلين سلام/ تورنتو [BIMG]http://www.jozoor.net/main/images/pics/jackleen-Salam-2.jpg[/BIMG] المهجر الكندي شاسع ويزداد كثافة عبر الهجرات المتتابعة من شتى بقاع الأرض ويتابع اليوم دورته في أقلام الكتاب الجدد المقمين في كندا حيث الوجود العربي هنا ليس إلا رقعة صغيرة وسط هذا الموج أو الموزاييك الذي يشكّله أبناء هذا البلد الملوّن، في متن الثقافة وهامشها. لتناول تجربة الأدباء والشعراء العرب في كندا، طبيعة أسئلتهم واهتماماتهم وأحوالهم لابد أن أ تطرق إلى حقيقة أن الأدب الكندي في أولى صفحاته حررته أقلام مهجرية وإن كانت انكليزية بريطانية أو أوربية الأصل. ومنهم الشاعرة سوزانا مودي التي كتبت يومياتها وقصائدها في منفاها مع زوجها وأسرتها حيث ذاقت شظف العيش وقسوة الحنين وطعم الاغتراب. ويبدو أن هناك أكثر من كتاب ودراسة عملت على إظهار تيمة الهجرة من خلال القصة والشعر والمقال. في هذا البحث أكتفي باستعراض لمحات عن طبيعة الحياة والإشكالات التي تواجه الكتاب من خلال متابعتي وقراءاتي التي لاتدعي الإلمام بكل مايجول في هذا العالم من تناقضات وأحلام وأوهام وخاصة أن المنطقة الكندية شاسعة جغرافياً والكتّاب مبعثرون في هذه الأصقاع ويجتمعون في الغالب عبر الانترنيت وأحياناً الهاتف ونادراً ما تتيح لهم الصدف أو المناسبات فرصة اللقاء. البحث ليس قراءة نقدية أدبية، ولايتطرق بشكل موسع إلى تجربة الكتابة في مقاطعة كيبيك. جوانب من المهجر الكندي ما بين البحث عن الذات وتحقيق الحلم يمضي المهجري عموماً سنواته الأولى عسيرة ومتعبة، وليس الكاتب استثناء بل أنه يعاني التمزق مضاعفاً إذ يجد نفسه مجرداً من أهم مقومات وجوده وهي اللغة. يجد نفسه أعزل منسلخاً من جذوره، ويسعى جاهداً للتجذر من جديد في مكان ولغة جديدة إلى جانب البحث عن مصدر عيش يحقق له الحد الأدنى من متطلبات الاستقرار. وفي الدرجة الأخرى يجد نفسه منسلخاً عن شبكة العلاقات الإجتماعية والثقافية التي بناها طوال مسيرته في البلاد. ولأن الفردية والاستهلاكية غالبة على حيثيات هذا العالم، ولأن الشاعر بطبعه يميل إلى الفردية والعزلة، لذلك يغدو الاندماج حلماً خائفا ومكللاً بالعقبات التي قد تذلل مع مرور الوقت إن سعى الفرد إلى العمل بصبر على تجاوزها. أما بخصوص العمل الذي يقوم به الشعراء المهجريون في البدايات ضريبة للبحث عن استقرار، فنجد أن الغالبية تشتغل في قطاعات خدماتية متواضعة إن لم نقل مجحفة وبأدنى الأجور. كثيرون يعملون في مخازن البيع والشراء، في محطات البنزين ليلاً أو نهاراً، في حراسة مكان ما، في شق الطرقات، في أي عمل يدوي يستطيع أن يقوم به أي فرد لم يحمل بين يديه كتاباً في يوم من الأيام. اتصل بي أحد الأصدقاء الشعراء مرة يقول: لقد تسلخ الجلد عن يدي وأنا أشتغل حمالاً، صدقي إنني تقدمت للحصول على عمل تنظيفات وجمع قمامة في محطات المترو، ولم أتلق رداً. في ظل هذه الحالات ماذا يمكن للشاعر أن يكتب وهو يعرف أن بلاده التي أتى منها غنية وخيراتها الكثيرة محتكرة ومحصورة بفئات قليلة. يوجعه أنه منفصل عن ذاته وبيته، حريته مرّة ومدفوعة الثمن مسبقاً. المؤهل الأكاديمي هناك بعض الكتاب الذين يحضرون مسلحين بمستوى متقدم من اللغة وتتأتى لهم ظروف استقرار عائلية متواضعة فينصرفون عدة سنوات للتحصيل العلمي والدراسة الأكاديمية ويأخذهم الدرب سنوات كي يستطيعوا أن يدخلوا سلك التعليم أو يعملوا في مهن "محترمة" ويكون ذلك على حساب كتابتهم الإبداعية التي تتوقف أو تؤجل لفترات. ولكن تبقى كتاباتهم الشعرية غالباً باللغة الأم أذكر منهم الشاعرة إيمان مرسال، مي التلمساني، والدكتور جان عصفور...وهناك من يترك جانباً تحصيله العلمي السابق وينصرف كلياً إلى الكتابة والشعر مستسلماً لنداء روحه وجنونها. وهناك من يولي اهتماما خاصا للترجمة وإصدار كتبه بعد سنوات التقاعد من العمل الوظيفي ومنهم الدكتور في الصيدلة، بهجت عباس. وهناك من يعمل في البحث والمقالة منهم توما شماني، وسيّار الجميل، صلاح علاّم... الكتابة بلغة البلد الجديد حين يكون الكاتب قادماً من بلد منفتح على تدريس اللغات الأخرى غير العربية وحين تكون الهجرة في سن مبكرة تكون مسألة الاندماج وتحقيق الذات في العمل والكتابة ضريبتها أخف فيستطيع الكاتب أن ينشر ويكتب بلغة المكان الجديد وقد يحقق نجاحاً وهنا أذكر الكاتب الروائي اللبناني راوي حاج المقيم في مونتريال، والذي رشحت روايته الأولى "لعبة دونيرو" المكتوبة بالانكليزية لحيازة أهم الجوائز الكندية وذلك فتح له الباب واسعاً للمشاركة في القراءات التي يحضرها كبار كتاب كندا. وهنا أذكر نقاشاً في إحدى اجتماعاتنا مع رابطة" بن كندا" بأنه تم العمل على تغيير تعريف الأدب الكندي "الوطني" المقتصر على الكتابة بإحدى اللغتين الرسميتين للدولة وهما الفرنسية والإنكليزية، ليصار إلى شموله على الأدب الذي يكتبه المهاجرون وأبناء اللغة الأصلية. الكتابة باللغة الأمّ أغلب الشعراء تبقى أقلامهم وأرواحهم مشدودة نحو اللغة الأولى فيكتبون بها ويصدرون كتبهم في البلاد العربية اختياراً أو بدون خيار، فالكتابة بلغة أخرى وخاصة في سنوات العمر المتقدمة ليست بالأمنية السهلة التحقيق كما أنها ليست مستحيلة وهنا أذكر عدداً لابأس به: عيسى الياسري، سعد جاسم، مروان حسن، سعد جاسم، هشام فهمي، مي التلمساني، ايمان مرسال، جاكلين سلام، محمد النصّار، كريم شعلان، محمد النبهان، بهجت عباس، بديعة كشغري، عبد الغني بنكروم، معتز رشدي، صلاح محسن، جمال القريوتي، خالد سليمان، جان عصفور، عيسى بلاطة...الخ البعض يحقق حضوره وتواصله من خلال ترجمة بعض نصوصهم للمشاركة في الأمسيات والمهرجانات الشعرية التي تستقطب الأدب الأثني وتشجعه وتبقى في كل الحالات إشكالية البحث عن ناشر كندي محفوفة بالمتاعب والعوائق، فأغلب دور النشر كما معروف في العالم تبحث عن الاسم المعروف بالدرجة الأولى. كما أن هناك ظاهرة رائجة هذه الأيام في العالم الغربي وكندا وهي سهولة نشر وترويج أي كتاب يتناول موضوع الإسلام والرقابة في الشرق. هناك شواهد عديدة عن كتب صادرة لكتاب من الشرق الأقصى هنا مثل "ايران/افغانستان/باكستان والهند.." لكنني لا أذكر كاتباً أو كاتبة عربية في كندا تناولوا هذا الجانب في كتاب مطبوع، رغم تناوله في بعض المقالات والدراسات. وهناك بعض يكتبون وينشرون بالفرنسية، ولكن ليس واقع الثقافة العربية في كيبك موضع هذا البحث. المثقف الضحية بعض حالات الضياع أو الضحية أيضا نجدها بين عدد من الشباب المثقفين العرب الذين يكتبون باقتصاد شديد، كما لو أن كتابتهم معالجة لهذه الأنا المحتضرة التي فقدت اتزانها قبل الهجرة وبعدها. بعضهم انصرف كلياً إلى الشارع ليفرغ كبته واحتياجاته فغرق في السكر والمتاهات السفلية من المجتمع، ليعيش من جديد الظاهرة "الهبية" فكان انفصامه أشد وتوازن روحه وقلمه شبه مستحيل. وهذه ظاهرة قد توجد في بلاد العالم وعلى مر العصور، وليس المهاجر العربي استثناء. التطفل تحت خانة الشعر قد تكون حاجة البحث عن دور، ونداء الخروج من شرنقة الوحدة، إلى جانب الشعور الوطني والقومي العربي أو ماشابه، هي التي تدفع بعض الجماعات إلى تشكيل هيئات اجتماعية يديرها مثقفون يقيمون أمسيات شعرية دورية تلقى خلالها الأشعار الشعبية والزجلية. وهناك حاجة اجتماعية انسانية بالتأكيد للتواجد والحضور بصورهم على صفحات الصحف المهجرية. وفي كل ساحة هناك مساحة للجادين والحقيقيين. وهناك طفرات تنتمي إلى الخاطرة ومادون، وتسمى تجاوزاً شعراً. هذه المناسبات تكون فرصة للتعارف وخلق أجواء من الصداقات العائلية أو الفردية. ويصدف أن يشارك فيها بعض الذين يكتبون جيداً. وتصادفنا هنا إشكالية المتلقي من أصل عربي والذي لم يطور قراءاته وذائقته ومعرفته. الكاتب والفنان المسرحي في حالة الكتابة والإخراج المسرحي تكون العوائق أكبر أمام المبدع، إذ أن أدواته مختلفة ويحتاج إلى التواصل مع المتلقي ويحتاج إلى اللغة الأخرى، إلى مكان وحضور، عداك عن المنافسة الشديدة في هذا المجال واستفحال ظاهرة الاستهلاكية على عروض المسرح. أذكر بعض المسرحيين العرب هنا في كندا: عادل عباس، ندى حمصي، محمد الجوراني، رضا ذياب، وعواد علي، وليد عبد الله، مجدي بو مطر بعضهم انصرف إلى الدراسة الأكاديمية المسرحية وتمكن من تقديم مسرحية تيمية وبعضهم تابع دراسته التخصصية في معاهد كندية مرموقة وبقي أسير غربته ورغباته غير المحققة، والبعض بقي يعمل في محلات البقالة والمطاعم وماشابه، وحمل مسرحه في رأسه وانكساراته في القلب. الفنان العربي في كندا رغم أن لغة الريشة ولغة الموسيقى عالمية إلا أن صعوبات الانخراط في الجو العام الفني الكندي ليس خالياً من صعوبات وتحديات. هناك مسألة الوقت وكلفة المواد وإشكالية تقديم المنتج إلى المتاحف والغاليري والمعارض المنتشرة في كندا على مدار العام. حدثتني الفنانة العراقية الكردية ازهار شمدين عن بعض جوانب تجربتها وقالت: حين بدأت البحث عن غاليري لعرض لوحاتي في البدايةن قالوا لي أكثر من مرة أن ألواني ساطعة وحارة ولم تعتدها عيون المتلقي الكندي الذي سيحتاج إلى نظارات شمسية كي ينظر إلى اللوحة. لكنها بعد ثلاثين عاماً من العمل استطاعت أن تجد سوقاً وتشارك في معارض مهمة بالاضافة إلى اشتغالها بتدريس مادة الألوان في إحد معاهد الفنون. وهناك من الفنانين في حقول متفرقة والذين يشاركون في عروض أثنية وكندية أذكر منهم: فراس البصري، إشراق سهر، شوان زيوار، يحيى الجياشي، زينب عبد الله، والنحات هيثم حسن وسهيل الهنداوي، هادي ياسين، عزّام فوق العادة... وآخرون. وهناك نجاح وقبول على صعيد الموسيقى العربية وحسن تقبلها من قبل الكنديين، وأذكر تجربة الدكتور جورج صاوه الذي يدرس هذه المادة في جامعات تورنتو ويشارك في المهرجانات والنساطات الفنية ويحظى بالإعجاب. وهناك تجربة الفنان الموسيقي مؤيد حسين الذي شكل فرقة موسيقية يشارك من خلالها في المناسبات الجاليوية والكندية. أما فرق الرقص الشرقي فهي كثيرة رائجة وتحوز على إعجاب الجمهور الكندي وهناك دروس خصوصة لتعليم الرقص، ولا تستغرب ان وجدت ان القائمين عليها-ليسوا عرباً أصلاً، وبعض الراقصات أجنبيات أيضا. المثقف في هجرة معاكسة إلى البلد الأم نتيجة لكل ما سبق من ظروف واسئلة تعترض يوميات الفنان والمبدع المهاجر حديثاً أو التمرس في المنفى، فقد ضاق الحال ببعضهم وقرروا بعد سجال طويل مع الذات والواقع العودة إلى البلاد التي قدموا منها، حاملين حنينهم وخيباتهم وتجربة المنفى والأمل في تحقيق الذات في البلد الأم. اذكر منهم الشاعر أحمد عبد الحسين، الذي عاد إلى العراق وتفرغ للعمل في إحدى صحفها. وهناك الكاتب الصحافي إبراهيم الحريري الذي عاد إلى العراق أيضا وبعد عقود من رحلة طويلة مع المنفى امتدت من العراق الى مصر، لبنان ثم إلى كندا، العراق. وأيضاً الشاعر محمد جابر النبهان الذي عاد إلى الكويت للعمل في المجال الثقافي حاملاً وأولاده جنسية كندية وهو الذي ينتمي إلى فئة "البدون" هوية. أما المسرحي العراقي كريم جثير فكانت عودته مأساة أخرى تضاف إلى تجاربه التي لا تخلو من المرارة، فبعد فترة قصيرة من عودته كتب وأخرج مسرحية ونجح في عرضها في العراق، ثم توفي في ظروف ملتبسة وفي أوج شبابه. وتبعه هجرة معاكسة للكاتب الصحفي ابراهيم الحريري الذي غادر كندا، "ليناضل" في العراق من جديد، وهناك أصدر كتاباً بعنوان" القيامة" وهو عبارة عن مختارات من كتاباته القصصية والدرامية، وقصص الأطفال. الصحافة المحلية العربية المهجرية مزدهرة بعددها، بائسة بمضمونها. نصف صفحاتها للاعلانات ولأسعار المكدوس والبقلاوة والسمن العربي، وكل منتجات الشرق السعيد من حجاب وأطعمة حلال، فول مدمس وملوخية. إلى جانب إعلانات لأصحاب المهن كتصليح السيارات، المحاماة فيما يتعلق بقضايا الزواج والطلاق ومشاكل الأسرة والهجرة، بيع العقارات، وكل مايحتاج المهجري من خدمات باللغة العربية. أغلب هذه الصحف تكون مصدر عيش لاصحابها لاأكثر. وإلى جانب القص واللصق من الصحافة العربية والعالمية، تجد بعض الأقلام التي تكتب رأياً أو موضوعاً اجتماعياً. ولاأثر لمجلة أدبية متخصصة. الرغبات موجودة لدى أفراد مهتمين لكن الدعم المالي ليس متوفراً. الايجابية في هذه الصحف، انها تعطي مساحة للقارئ المثقف والغيور على الثقافة. انها فرصة لظهور أسماء جديدة لم يكن لها أن تنشر حرفاً لو بقيت في الشرق العربي. وهناك بالطبع كتّاب مقالة وبحوث جادون ولهم تاريخ في الكتابة والنشر. المواقع الالكترونية المهجرية يعتبر الانترنيت أحد الحلول البديعة للتواصل ما بين الشرق والغرب و نافذة لإيصال كلمة الكاتب المهجري إلى الآخر أينما كان. فإلى جانب المواقع الشخصية وحديثا "المدونات" هناك مواقع جماعية يقوم بتحريرها شعراء مقيمون في كندا. أذكر تجربة موقع "الذبابة" الذي يشرف على تحريره الشاعر المغربي المقيم في مونتريال هشامم فهمي، وهو مخصص بشكل عام للحداثة وقصيدة النثر وكتابات عربية سواء من دول الداخل أو الخارج. فيما يعد موقع "جذور للأدب المهجري" هو الموقع الأول والوحيد الذي يعد موسوعة ينشر فيها الإبداع المهجري العربي فقط إلى جانب الترجمات القادمة من هنا أو هناك ويشرف على تحريره جاكلين سلام وفادي سعد. إلى جوار المواقع الشخصية، والمدونات وظاهرة ال"فيس بوك" وغيرها من وسائل الاتصال السريع. هذه نبذة موجزة عن أحوال الشعراء والكتاب العرب المقمين في كندا. البحث عن الهوية الفردية والحضور اجتماعيا واقتصاديا وثقافياً لن يتحقق في القريب المنظور، وبالتأكيد لم يكن محققاً في تاريح المهجريين الأوائل. وتبقى الهوة شاسعة بين ماحققه المهجريون الأوائل من تجديد وإضافة إلى الثقافة العربية والعالمية، وبين حال الكتابة الحديثة وتواضعها أمام منجز الأسلاف. ونعتذر إن غابت سهواً بعض الأسماء بحكم الشتات وصعوبة التواصل ليس أكثر. --- نشر في صحيفة الغاوون، نيسان 2009 http://alghaoon.com --- جاكلين سلام: كاتبة سورية مقيمة في تورنتو كندا www.jackleensalam.com bread_rose2@yahoo.com أتى هذا المقال من مؤسسة جذور الثقافية http://www.jozoor.net/main/ عنوان الرابط لهذا المقال هو: http://www.jozoor.net/main//modules....ticle&sid=1323 |
رد: الملف الشهري الثاني / شعراء المنفى و المهجر / أخبار و تحقيقات و استطلاعات ...
[frame="15 98"]
أزمة المثقف العربي ( 06 ) كتبها كريم الجزائري ، في 8 نوفمبر 2008 الساعة: 00:48 ص المثقف العربي بين تعسف الأنظمة العربية وازدواجية الغرب: بقلم / كريم الجزائري [BIMG]http://www.maktoobblog.com/wp_userfiles/t/a/tassust18/profile/tassust18.jpg[/BIMG] كثيرا ما يراهن المثقف العربي وهو يواجه السلطة المستبدة والمعادية للديمقراطية على الغرب كحليف يمكن أن يمد له يد العون في صراعه من اجل تحصيل الحقوق المدنية والسياسية، وكفزاعة لترهيب الأنظمة المستبدة، ولكن الغرب الذي يوجد في قاع الفكر العربي كما يقول العروي، لا ينظر إلى الديمقراطية في البلدان العربية بنفس النظرة التي ينظر بها لنفس الموضوع / القيمة في بلدانه الأصلية، فالديمقراطية التي يمكن أن توصل إسلاميين للسلطة، بما يمثلونه من معارضة تاريخية للغرب ولمناراته العلمية والمعرفية، هي ديمقراطية مشوهة في نظر الغرب يجب محاربتها بدعم الأنظمة التسلطية للوقوف في وجه التيارات السياسية التي لا تخدم مصالح هذا الغرب، وبالتالي فإن الديمقراطية بالنسبة للغرب هي سوق تمكنه من اختيار من يصل للحكم، والأكثر خدمة للغرب وولاء، هو الأكثر ديمقراطية. [BIMG]http://2.bp.blogspot.com/_pMAHclnCUmQ/SRTb-_AQkOI/AAAAAAAAAMM/i3mEveea3NY/s1600/4444444.jpg[/BIMG] إذن، فالمثقفين العرب وخصوصا الفئات المستنيرة التي آمنت بقيم الغرب العقلانية والداعية للعدالة والمساواة والتنوير وراهنت عليه، تقع بين المطرقة والسندان، مطرقة الغرب المتنكر لقيمه حين تتعارض مع مصالحه السياسية والاقتصادية واستراتيجياته المستقبلية، وسندان الأنظمة الحاكمة التي لا ” تعتبر هذه الفئة من المثقفين أعداءها فقط, لأنهم يتبنون قضية الديمقراطية, بل أيضا لأنهم يرفضون كل مواقفها وخياراتها وسياساتها الإقليمية والدولية التي تستجيب في معظمها لمصالح الغرب “([1])، ومن هنا فإن المثقفين العرب وخصوصا المشبعين بقيم الثقافة الغربية والمدافعين عن الحداثة كنموذج غربي المنشأ قابل للتوطين محليا، يجدون أنفسهم في وضعية لا يحسدون عليها، على عكس المثقفين الإسلاميين الذين حسموا اختياراتهم اتجاه الغرب منذ البداية والذين يعادونه بشكل حاد وراديكالي ولا يرون فيه سوى جانبه السلبي، ولا يرونه له مزية غير تقدمه التكنولوجي الذي لا يعارضون استيراده مجردا من مرجعياته الثقافية؛ بالإضافة إلى تصالح التيار الإسلامي غير المتشدد مع السلطة وانخراطه في المشروع السياسي للدولة الوطنية وللنظم الحاكمة، التي وظفته ( أي التيار الإسلامي السلفي غير الراديكالي ) في فترات كثيرة لكسر شوكة التيارات الأخرى المعارضة وخصوصا التيار القومي واليساري الذي كان ولفترة معينة (الستينات والسبعينات ) قويا وقادرا على فضح انحرافات السلطة والتنديد بإخفاقاتها المتكررة، لهذا نجد أن المثقف الإسلامي له موقف ثابت من الغرب وهو موقف الرفض وبالتالي عدم الحاجة ( النظرية على الأقل ) لحماية هذا الغرب والاستجارة به من ظلم وتعسف السلطة الحاكمة، فقد ” انخرط المثقف الإسلامي السلفي في المشروع السياسي القومي منذ انتصار الناصرية في مصر وحرب التحرير في الجزائر، كما انخرط في استعادة السيادة الوطنية المستلبة من القوى الاستعمارية، إلا أنه، وعلى المستوى الفكري تقوقع وانكمش، وأظهر عدم القدرة على مجارات التطورات العلمية والفكرية والثقافية، وهكذا ظل يعيش – كما هو نموذجه التاريخي – حالة تبريرية للسلطة مع عدم رضاه عنها “([2])، وبالتالي كان خيار هذا المثقف محسوما كما أسلفت الذكر اتجاه الغرب الذي ظل يعادي أنواره وحداثته، في نفس الوقت الذي ظل حريصا على توظيف بعض منجزاته التكنولوجية لإيصال تأثيره للناس أو لتسويق رؤيته الماضوية / السلفية المنفصلة عن هموم المجتمع الحقيقية، وأسئلته الجوهرية التي يبحث لها عن إجابة لا يملكها سوى المثقف الذي يحسن الإنصات لنبض المجتمع في حركيته التاريخية. أما المثقف العلماني، والمرتبط فكريا بالغرب وانجازاته الحضارية والفكرية، فقد ظل رهين أوهامه هو الآخر: وهم الغرب المستنير منبع العدالة والحرية والديمقراطية، وواقع الغرب الاستعماري والمعارض الشرس لمصالح الأمة، والذي لا يرى في هؤلاء المثقفين سوى مشروع وكلاء ينفذون مشاريعه واستراتجياته في ديارنا، ” لقد وجدت هذه الفئة من المثقفين المدافعين عن الديمقراطية نفسها في موقف حرج، فهم يتبنون الديمقراطية ويدافعون عنها باعتبارها المدخل الأساسي لمعالجة مجمل الإشكاليات التي تعانى منها الجماعة ولكنهم لا يقبلون في الوقت نفسه وصاية الغرب على مواقفهم ورؤيتهم واقتناعاتهم المتعلقة بقضايا يرونها جوهرية في مقابل ما قد يقدمه لهم الغرب من حماية عبر مؤسساته ومنظماته “([3])، ومن هنا فهذه الفئة من المثقفين التي تنتظر من الغرب أن يمد لها يد العون في نشر قيمه الحضارية ومنجزاته المعرفية التي آمنت بها، تجد نفسها عالقة بين متطلبات المصلحة الوطنية والقضايا الجوهرية للأمة من جهة، واستبداد الأنظمة الحاكمة وتفريطها في تحمل مسؤولياتها اتجاه تطلعات أفراد الجماعة في التقدم والرقي والدفاع عن القضايا المصيرية التي هي محل اتفاق شبه كلي بين مختلف الشعوب العربية، من جهة ثانية، وشروط الغرب المجحفة وبراغماتيته التي لا ترى سوى مصالحه من جهة ثالثة. هذه الحالة المعقدة والمحرجة التي وجد المثقف العربي العلماني والتنويري نفسه في ظلها تدفعه لتقديم تنازلات عدة سواء للسلطة أم للغرب، أم تدفعه للتنازل عن كونه قيما على مصير الأمة وحاملا لهمومها وتطلعاتها؛ وأي تنازل من هذا النوع هو بكل تأكيد إفراغ لجوهر المثقف من محتواه. ومن هنا فإن حالة الوعي الشقي التي يجد المثقف العربي التنويري نفسه في ظلها تدفعه للتذبذب في اختياراته، وتدفع فئة من هؤلاء المثقفين للحسم باختيار الغرب، ليس كظهير وسند لهؤلاء المثقفين في مواجهتهم ضد السلطة المستبدة، ولكن كفضاء جغرافي وحضاري يمكنهم من النظر بحرية اكبر في قضايا أمتهم من جهة، وفي علاقتهم بالغرب وعلاقة الغرب بالعالم العربي من جهة ثانية، عن طريق الهجرة أو المنفى التي يراها بعض من هؤلاء المثقفين كحل يمكنهم من الاستفادة من مناخ الحرية، الذي هو عنصر أساسي بالنسبة للمثقف، هذه الحرية التي هي ضرورة للإبداع والتفكير بعيدا عن تلك الضغوطات القاهرة التي تفرضها الأنظمة العربية على المثقفين في أوطانهم، فمثقف عربي مهاجر مثل الطاهر بن جلون يرى ” أن المكان الوحيد الذي يسمح للأدباء والمثقفين العرب بالتعبير عن رأيهم بكل حرية هو المنفى، ويقصد به تدقيقا أوروبا وأمريكا الشمالية، ويخص مدينتي باريس ولندن بالذات، لما رآه من كثرة هجرة المثقفين إلى العواصم الأوروبية والاستقرار بها بشكل نهائي والتدريس في جامعاتها، والعمل على إصدار مجلات وجرائد متميزة تعتبر من أحسن وأجود الإصدارات العربي شكلا ومضمونا، خاصة منذ اندلاع الحرب الأهلية في لبنان موطن الحرية والديمقراطية قبل 1975″([4])، كما أن مثقفا مهاجرا آخر كحليم بركات يرى أن تواجد المثقف العربي في المهجر / المنفى يساعده على تكوين نظرة نقدية بالغة الأهمية اتجاه الثقافة العربية واتجاه الغرب أيضا: ” ربّما نتمكّن بفعل تواجدنا كمثقفين عرب في الغرب أن نرى الأمور من زاوية خاصّة. وستكتسب رؤيتنا أهمية بالغة إذا ما تكلمنا من موقع الصراع الثقافي داخل الثقافة العربية وضدّ الثقافة الغربية المهيمنة “([5]). ولكن ألا تعتبر مثل هذه الدعوات للهجرة الجماعية نحو الفردوس الديمقراطي الغربي، تبخيسا واحتقارا للمثقف العربي الذي فضل البقاء في وطنه رغم قسوة الظروف، وظل ينتج ويعطي ويصوغ مشاريعه الفكرية بحس نضالي نادر، ثم في المقابل ما قيمة العطاء الفكري المنتج في ظل مناخ الحرية الذي قدمه مثقفو المنفى للثقافة العربية يتساءل المفكر والناقد عبد الرزاق عيد، ويضيف بلغة جازمة ” بأن مثقفي المنفى لم يقدموا شيئا لصالح الشعوب العربية، بل تحولوا إلى أبواق لبعض الأنظمة العربية “([6]). إن هجرة المثقف العربي للغرب كما دعا إليها الطاهر بن جلون وكما بررها مثقفون آخرون متواجدون بالغرب، هي هجرة من اجل الحرية التي تعتبر بالنسبة لإبداع المثقف كالهواء والماء لا استغناء عنها، هذه الحرية المفتقدة في البلدان العربية التي تعمل أنظمتها جميعا على ضمان البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، سواء تلك التي تبنت الديمقراطية الشعبية أو تلك التي اختارت نهج الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية، أم تلاك الأنظمة الملكية، ” فلقد اتفقت كلها على قمع المعارضة السياسية بالدرجة الأولى ثم التصدي للمثقفين والكتاب عموما إذا خاضوا في المسائل الممنوعة، فعليهم الاكتفاء بالشعر العاطفي المحلق في الفضاء، أو بالروايات الاجتماعية حول ظاهرتي الزواج والطلاق، والمسرحيات التهريجية وما إلى ذلك من الأدب الترفيهي الذي لا يقلق أحدا “([7])، فالهجرة في النهاية لم تكن اختيارات أو مجرد بحث عن مغانم مادية للمثقف العربي، إنما هي بالأساس بحث عن المناخ المناسب الذي يساعده على التفكير والتعبير عن راءه بحرية اكبر مما هي موجودة عليه في الوطن الأم، رغم أن الحرية بمعناها المطلق تظل مجرد حلم سواء في الغرب أو في ديار العرب. ولكن حين نعود لسؤال مركزي طرحه عبد الرزاق عيد: مالذي قدمه مثقفو المنفى للشعوب العربية؟. بعبارة أخرى هل سمحت ظروف المنفى والحرية النسبية التي وجدها المثقف العربي في الغرب، هل سمحت له بإنتاج خطابات فكرية قادرة على استبطان المشكلات الحضارية للأمة والتعبير عنها من جهة، ونقد تلك النظرة السلبية التي يرسمها الغرب عنا من جهة أخرى؟ [BIMG]http://2.bp.blogspot.com/_pMAHclnCUmQ/SRTd5irZTdI/AAAAAAAAAMk/vyUtPVO733U/s1600/11111111.gif[/BIMG] - هشام شرابي: لقد فتح هشام شرابي هذا المثقف الفلسطيني وأستاذ التاريخ الأوروبي الحديث بجامعة جورج تاون الأمريكية ” الباب لمفاهيم كثيرة أن تدخل السجال: النظام الأبوي، النقد الحضاري، تحرير المرأة (كقضية سياسية تعني المجتمع برمته)، الحركات الاجتماعية الذهنية واللغة. وكل ذلك في إطار تاريخي فلسفي اجتماعي ومفند في هذه المفاهيم المضامين الثقافية والحضارية والاجتماعية”([8])، ومشروعه الفكري الموسوم بالنقد الحضاري لقي ترحيبا أكاديميا بالغ الحفاوة في العالم العربي لما يوفره من ثراء معرفي، وما يوظفه من وسائل منهجية لمقاربة أسباب تخلف المجتمع العربي، فدون أن يتخلى عن انتمائه العربي والتزامه بقضايا أمته، ذهب هشام شرابي في مشروعه الفكري إلى نواة العائلة والنسيج الاجتماعي لتفكيك طبيعة النظام الأبوي الذي يرد إليه أسباب تخلف المجتمع العربي، هذا التخلف الذي لا يتم تجاوزه حسب شرابي سوى بتحرير المرأة وتفتيت النظام الأبوي وتغييره ” والوسيلة إلى تحقيق ذلك: 1 – النقد الحضاري، 2 – الحركات الاجتماعية، 3 – تفعيل دينامية العمل المشترك أو ما اسماه شبكات التواصل بين المثقفين والإعلاميين خاصة.”([9]). فالوسائل المنهجية التي يقترحها هشام شرابي لمقاربة إشكالية تخلف المجتمع العربي واضحة وتتميز بفعالية جعلتها تحضا بالترحيب الذي تستحقه في الحياة الفكرية العربية المعاصرة. - ادوارد سعيد: هذا المثقف والأكاديمي الفلسطيني أيضا الذي حمل ” بين جنبات روحه هم قضية فلسطين ومشكلاتها وتعقيداتها, فكان يؤلف الكتب, ويكتب الأعمدة والمقالات في الصحف, ويلقي المحاضرات ويعقد الندوات في سبيل إظهار عدالة وإنسانية هذه القضية، ومدى حضورها الصحيح واللائق في الإعلام الغربي “([10])، والذي عمل من خلال مشروعه الفكري على الدفاع عن قضايا العرب وفلسطين وتبيان زيف النظرة الإعلامية الغربية اتجاه العرب، وكذا زيف ادعاءات الاستشراف حول العرب والإسلام وعالم الشرق بصفة عامة، فقد كان كتابه الاستشراف الذي صدر سنة 1978 واحدا من أكثر الكتب أهمية حول هذا الموضوع فاداورد سعيد يجزم ” أن الاستشراف صناعة أوروبية واختراع أوروبي تبناه الأوروبيون، خاصة الفرنسيون والبريطانيون منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر”([11]) بغية صناعة عالم الشرق كما هو في مخيلتهم لا كما هو في الواقع، وبالتالي الصقوا به من السلبيات الكثير ووصفوه بالاستبداد والظلامية وغيرها من النعوت الايكزوتيكية التي يبحث عنها الغرب في أسطورة ” سحر الشرق “؛ سعيد بين زيف تلك الادعاءات بمنهجية ورصانة علمية هدمت بشكل لا رجعة فيه أسس ومرجعيات الاستشراف التقليدي. - محمد أركون: وهو مفكر جزائري، وأستاذ الفكر الإسلامي بجامعة السوربون، يعتبر مشروعه الفكري الموسوم بالإسلاميات التطبيقية محاولة متفردة لدراسة التاريخ الإسلامي بما يحمله من تراث ومرجعيات دينية واجتماعية، واحدا من أهم المشاريع الفكرية التي قيض لمثقف عربي القيام بها في النصف الثاني من القرن العشرين. ولكن مالذي قدمه أركون كمثقف عربي مهاجر وحاصل على الجنسية الفرنسية للفكر العربي، وللمجتمعات العربية بصفة عامة، يمكن الاستشهاد هنا على أهمية مشروع أركون الفكري وضرورته الراهنة والمستقبلية بما قاله مترجم كتبه للعربية المفكر السوري هاشم صالح: ” كثيرا ما طرح علي هذا السؤال: لماذا كل هذا الإلحاح على أركون؟ ألا تعتقد بأنك تبالغ في أهميته؟، وما هو الشيء الذي قدمه للفكر العربي الإسلامي؟. [BIMG]http://4.bp.blogspot.com/_pMAHclnCUmQ/SRTeZbuo2yI/AAAAAAAAAMs/gYzkp3Pibak/s1600/2222222.jpg[/BIMG] وهذه العلاقة التي تربط المثقف العربي بالغرب، والتي هي علاقة ” انبهار فكري” بالنسبة للمثقفين العرب الذي ظلوا في أوطانهم، وعلاقة تمثل واعي وعميق للثقافة الغربية بالنسبة للمثقفين العرب في الغرب، تشكل بالإضافة إلى ما سبق ذكره مظهرا من مظاهر علاقة العرب والمثقف العربي على وجه الخصوص بالغرب، وخصوصا من الناحية الفكرية والحضارية، التي تتجلى كمرجع فكري بالنسبة للمثقف العربي يصعب إن لم يكن مستحيلا الفكاك منه أو تجاوزه بالبحث عن مرجعيات فكرية بديلة سواء في التراث العربي الإسلامي أو من خلال البحث عن مرجعيات فكرية بعيدة عن تأثيرات الفكر الأوروبي ومركزيته. من خلال ما سبق نؤكد على نقطة جوهرية تختصر العلاقة المتشنجة التي تربط المثقف العربي بالغرب، وهي ضرورة الفصل بين الغرب كمرجع فكري ممتد من عصر الأنوار الأوروبي إلى الوقت الحاضر، والغرب السياسي كقوة استعمارية وامبريالية استعمرت العالم العربي ونهبت ثرواته، وما تزال تعمل من خلال سياساتها الراهنة على الوقوف في وجه المصالح العربية وتعطيل آليات التقدم والمحاولات التي بذلت منذ بداية النهضة للعربية إلى الوقت الحاضر من اجل بلوغ التقدم والنمو المنشود، الذي هو حجر الزاوية في كل تلك المشاريع الفكرية التي نادى بها المثقف العربي خلال القرنين المنصرمين، وأيضا هو ( أي التقدم والنهوض ) المبرر الذي استولت باسمه الأنظمة الحاكمة في العالم العربي على السلطة. خلاصة: لم تكن تلك الدعوات التي أطلقها مثقفون عرب لتجسير الفجوة بين المثقف والسلطة([13]) لتجد صداها الايجابي، سواء من طرف السلطة، أو من طرف بعض المثقفين الذين ظلوا يراهنون على ثورة ثقافية ينعتق بموجبها المثقف من اسر وهيمنة وتسلط السلطة([14])، فقد ظلت العلاقة كما هي متشنجة وغير سوية في ظل تحول الأنظمة العربية التي استولت على الحكم عقب استقلال أغلبية الدول العربية بعد الحرب العالمية الثانية، إلى أنظمة تسلطية قمعية ترى في المثقف مجرد مشوش على سياستها، وتاريخ الدولة العربية القصير يعطينا أمثلة كثيرة وذات دلالة على تعرض المثقفين العرب لكل أنواع التضييق والضغوطات التي تصل في بعض الأحيان بالإضافة للسجن والنفي إلى حد التصفية الجسدية، قمع المثقفين العرب من طرف أنظمة الحكم كان موازيا لقمع المعارضة السياسية، فالمثقف مجبر في كثير من الأحيان على الصمت أمام تعدد المعوقات التي تقف في طريق ممارسته لوظيفته في المجتمع، ونضاله من اجل تحصيل الحقوق المدنية والديمقراطية والعدالة والمساواة، التي هي شروط موضوعية ضرورية لأجل استئناف مشروع النهضة المجهضة، ضل في حدوده الدنيا دون أن يحقق طموحاته ومطالبه إلا بطريقة جزئية جدا اضطرت فيها بعض الأنظمة العربية لتقديم تنازلات تحت تأثير ضغط الشارع وضغط القوى والحركات الاجتماعية التي ظل تأثيرها هي الأخرى محدودا وسطحيا، ولم تستطع القيام بواجباتها في تحييد السلطة عن التدخل السافر والكلي والمهيمن في تسيير شؤون المجتمع بشكل يلغي أي دور ممكن ومحتمل للمجتمع الأهلي / المدني في تسيير شؤون المجتمع بنفسه وإبقاء دور السلطة / الدولة منحصر في إطار مهمتها السياسية وفي إطار المهام المخولة لها ” دستوريا “. ففي وقت ” أصبحت المهمّة الأساسية للدولة بنضج التجارب الإنسانية هي أن توفّر للمجتمع الشروط الأساسية للنموّ الحضاري، من أمن داخلي وخارجي، وتنظيم إداري، وتخطيط مستقبلي، وتيسير لسبل الريادة في التفكير والتدبير والإنجاز”([15])، ظلت الدولة العربية – بسبب أنظمتها الاستبدادية- مصرة على دولنة المجتمع، ومحاربة أي دور ممكن ومحتمل للمجتمع المدني في تسيير شؤونه بنفسه في زمننا العربي هذا الذي وصفه عبد الرحمان منيف ذات يوم بأنه زمن القمع. [1] - صالح السنوسي، المثقف العربي.. مطرقة السلطة وسندان الغرب http://www.aljazeera.net/NR/exeres/8...149BF69DCC.htm [2] - أحمد موصللي و لؤي صافي، جذور أزمة المثقف في الوطن العربي، دار الفكر/ دار الفكر المعاصر، دمشق / بيروت، 2002، ص 54 - صالح السنوسي، نفس المرجع.[3] - محمد ساري، محنة الكتابة، منشورات البرزخ، الجزائر، 2007، ص 8.[4] - حليم بركات، مرجع سابق.[5] - عبد الرزاق عيد، حول الثقافة العربية اليوم، مجلة الحرية،17/11/1986، عن محمد ساري، مرجع سابق، ص 8/9 [6] - محمد ساري، مرجع سابق، ص 13.[7] [8] - سليمان بختي، خيّب الموت إذ أعطى الحياة وأبناءها كل شيء. http://www.alnahdah.org/doc30034.htm - نفس المرجع.[9] - أيمن طلال يوسف، مرجع سابق[10] - نفس المرجع[11] [12] - هاشم صالح، محمد أركون ومشروعه، جريدة الشرق الأوسط، العدد 8949، الجمعة 29 ربيع الأول 1424 هـ 30 مايو 2003. [13] - أنظر، سعد الدين إبراهيم، تجسير الفجوة بين المفكرين وصناع القرار في العالم العربي، مجلة المستقبل العربي، العدد 64، بيروت، جوان، 1984 انظر أيضا، احمد كمال أبو المجد، المثقفون والسلطة، مجلة الهلال، مصر، اكتوبر.1986 [14] - راجع، الطيب تيزيني، على طريق الوضوح المنهجي، حيث يستعمل الرمزية ليصف هذه الفجوة بين انطونيوس ( السلطة ) وكاسيوس ( المثقف)، الذي سينتفض في الأخير دفاعا عن استقلاليته، راجع أيضا، غالي شكري، ديكتاتورية التخلف العربي: مقدمة في تأصيل سوسيولوجيا المعرفة، دار الطليعة ، بيروت، 1986. - عبد المجيد النجار، مرجع سابق[15] [frame="15 98"] منقول من [/frame] |
رد: الملف الشهري الثاني / شعراء المنفى و المهجر / أخبار و تحقيقات و استطلاعات ...
[frame="15 98"]
مقدمة في المنفى والمهجر * "المنفى يسلبنا نقاط الارتكاز التي تساعدنا في عمل الخطط، وفي اختيار أهدافنا، وتنظيم أفعالنا. كل واحد وهو في بلده يقيم علاقات مع أسلافه، مثلا مع الكتّاب إن كان كاتبا، ومع الرسّامين إن كان رساما وهكذا. وهذه إما علاقات إعجاب وإما تضاد على السواء. إن دافعنا هو رغبة مساواتهم واللحاق بهم في شيء ما، من أجل أن نضم أسماءنا للأسماء المحترمة في قريتنا أو بلدنا. أما هنا في الخارج، فلا يبقى شيء من هذا القبيل، لأننا نُبذْنا من التاريخ الذي هو دائما تاريخ مساحة خاصة على الخارطة، وعلينا مواجهة ما أسماه أحد كتاب المنفى ب"خفة الوجود التي لا تطاق". تشيسواف ميووش "البحث عن وطن" (Szukanie ojczyzny, Znak, Kraków: 179) * "هذا البلد الجميل الفاتن الذي كان يرسل دائما، كتابه وفنانيه إلى المنفى" جيمس جويس، (الدبليّون) * "وأيّا كان المنفى، فإنه، على الأقل خلال فترة معينة، وهذه الفترة قد تطول، مكان قاس وموحش. ليس لأنه كذلك في الأصل أو الواقع، وإنما لأنه مكان غريب، ولأن الوافد الجديد، المنفي، غير قادر على التكيف معه، خاصة وأنه يعتبر إقامته فيه مؤقتة، كما يعتبره المواطنون الآخرون، مواطنو البلد، زائدا وثقيلا، وأيضا سؤالا...لا يكلفون أنفسهم تقصي الإجابة عنه، من خلال التفكير المستقل أو الحوار، ولذلك يظل المنفي غير مفهوم، وبالتالي لا مبرر لوجوده أو لاستمراره، ولأنه موجود فهو ضد رغباتهم وفوق طاقة احتمالهم، ولذلك فإنهم يلغون وجوده من خلال مقاطعته أو تجاهل هذا الوجود..." عبد الرحمن منيف(الكاتب والمنفى، دار الفكر الجديد، بيروت 1992: 86-87) * " وأنا المسيح يجر في المنفى صليبه" بدر شاكر السياب، قصيدة "غريب على الخليج"(1953) يقترن مفهوم المنفى بالعربية بالعقوبة وبالخروج عنوة من مكان اعتاد عليه الإنسان إلى مكان آخر. وردت كلمة المنفى في القرآن مرة واحدة لا غير،: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم"(سورة"المائدة": الآية 33) فالنفي هنا هو جزاء فعل مقترف لا يتفق والإرادة الإلهية، أو أنه فعل يتعلق بالفساد الأخلاقي والاجتماعي. ويساوي القرآن بين كلمتي الخروج عنوة والقتل: "ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم مافعلوه إلا قليل منهم"(النساء: 66)؛ وفي سورة البقرة(الآية: 246)، جاء: "وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا". ويُروى عن الرسول محمد قوله: "الخروج من الوطن عقوبة"(1) واستخدم العرب والمسلمون الأوائل كلمة هجرة، بمعنى المغادرة أو ترك المكان الأصلي إلى مكان آخر، لا كعقوبة، وإنما لأسباب عديدة أخرى، منها الجهاد في سبيل الله، والبحث عن مكان أفضل للعيش. وحينما أرادوا استعمال الهجرة بمعنى المنفى فإنهم قرنوها بكلمات مثل الخروج عنوة أو ظلما. وبهذه المعاني وردت كلمة هجرة في القرآن(32) مرة وفي (19) سورة (2) واستعمل العرب كلمات أخرى للدلالة على المنفى كعقوبة، منها الإبعاد، والطرد، والترحيل. واستخدمت كلمة تهجير لأغراض سياسية وقومية ودينية واقتصادية. كأن يُراد بها تغيير الطبيعة الديموغرافية لمنطقة من المناطق كما حدث، مثلا، للأكراد في تركيا وإيران والعراق، وللأرمن في تركيا وللفلسطينيين، ولليهود أثناء الحرب العالمية الثانية. وفي العصر الحديث وردت كلمة نفي في بعض الأدبيات الإسلامية بمعنى"نفي الشخصية" أي"إلغاؤها كهوية وكوجود انساني وحضاري. وهذا يعني أحد أمرين: هما تجاهل طرف قوي لطرف آخر أضعف منه والعمل على تفكيكه، أوالسعي لدمجه به بشتى الوسائل، وهنا يبرز الغرب كقوة غالبة تسعى"لنفي الإسلام كحضارة وكشريعة"(3) ووردت كلمة نفي الذات بمعنى الفناء بالذات الإلهية في أدبيات المتصوفة المسلمين. واقترنت كلمة منفى بأخرى أشد قسوة منها وهي السبي التي تجاوزت حدود الطرد إلى التنكيل بالفرد أو الجماعة كعقاب مبالغ فيه. ويشار في هذا المجال إلى حالتين تاريخيتين هما: ما تعرض له الشيعة من سبي على أيدي الأمويين، خصوصا سبي الحسين بن علي وعائلته وأنصاره وبعض مشايعيه، وحالة السبي البابلي لليهود. وهذا التصور والشعور بالحيف نجده أكثر تداولا وممارسة في أوساط الشيعة دون سواهم من المسلمين. فالشيعة يعتبرون أنفسهم مضطهدين ومسبيين على طول التاريخ الإسلامي. حتى أنهم يحيون كل عام ذكرى السبي الحسيني في شهر محرم.(4) وتشير قواميس اللغة الانكليزية إلى أن كلمة منفى تعني الإكراه والطرد لأسباب معظمها سياسية. "المنفى حالة من الوجود المفروض للعيش بعيدا عن وطنك، خصوصا لأسباب سياسية"(5) على أننا نجد توسعا في تحديد المنفى ووصف أسبابه وحالاته في قاموس آخر. فالمنفى هو أولا- الطرد من البلد الأصلي بواسطة قرار رسمي. ثانيا- حقيقة أو حالة من الترحيل للعيش في المنفى. ثالثا- شخص معاقب من قبل بلده الأصلي. رابعا- انفصال متواصل عن بلد أو بيت ما، تفرضه ظروف معينة:كالمنفى زمن الحرب.خامسا- كل شخص فصل عن بلده أو بيته طوعيا أو بالقوة لظروف ما. سادسا- المنفى، كالسبي البالبلي لليهود. سابعا- طرد أو ترحيل شخص من بلده، أو بيته، مثلا نفيه من عائلته بسبب تعارضه معها. (6) وهذه التحديدات والتوصيفات لمعنى المنفى لا تبتعد كثيرا عما اعتاد على سماعه الذهن العربي. لكننا نلاحظ بأن قاموس المترادفات يضيف كلمات أخرى تؤدي نفس معنى النفي. ومنها: النفي أو الإبعاد(banish)، والترحيل(deport)، والنفي- التغرب((expatriate، والإبعاد– الانتقاص(relegate)، والفصل-العزل(sequester).(7) إذا كانت المفردات الثلاثة الأولى تبدو واضحة المغزى وقريبة من معنى المنفى، فإن المفردتين أو المصطلحين الأخيرين يمتازان بنغمة جديدة. فالانتقاص(relegate) تعني تنزيل مرتبة شخص أو جماعة أو أقلية إلى مرتبة أدنى، أي التعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية. وهذا ماحدا بنا لأن نفضل استعمال كلمة الانتقاص لا التنزيل. أما الفصل- العزل(sequester) فتعني عزل فرد أو جماعة عن محيطها، أو أن يختار أحدهما العيش في عزلة. وهذان المصطلحان أكثر قربا، باعتقادنا، من حالة المنفى الداخلي لا الخارجي. فقد يتعرض لها المنفي خارج وطنه وهو يعيش في المجتمع الجديد. في بحث مبكر عن طبيعة المنفى يرى الباحث المجري الأصل(بول تابوري) بأن المنفي هو "شخص مكره على المغادرة أو البقاء خارج بلده الأصلي تحسبا أو تخوفا من الاضطهاد لأسباب عرقية، دينية، قومية أو لاعتقاد سياسي، وهو الشخص الذي يعتبر منفاه مؤقتا(حتى لو كان في الوطر الأخير من حياته) مؤملا أن يعود إلى موطنه حينما تسنح الظروف- لكنه غير قادر أو غير راغب مادامت العوامل التي جعلت منه منفيا قائمة"(8) والمنفى بهذا المعنى ينتفي حال زوال دواعيه أو أسبابه. فشعور الإنسان بأنه منفي أو فلنقلْ بأنه مُكره على البقاء بعيدا عن وطنه أمر ملازم لكل حالة منفى. فالمنفي قد يتحول إلى مجرد مهاجر يعيش في بلد آخر، بعد زوال أسباب المنفى. وكل إنسان يعيش خارج بلاده بموافقة حكومته قد يتحول إلى منفي بمجرد أن يرفض العودة ويتحول إلى معارض سياسي أو إلى ساخط على المؤسستين الاجتماعية والدينية، بعبارة أخرى، إن طبيعة المهاجر أو المنفي تتحول حسب العلاقة بالوطن الأم وبالنظام السياسي فيها. كانت هذه الحالة تنطبق على الشاعر البولندي(تشيسواف ميووش 1911-2005) الذي رفض العودة إلى بلاده أوائل الخمسينيات من القرن العشرينن بعد أن كان ملحقا ثقافيا لبلاده في واشزطن أولا، وبعدها في باريس. كما وتنطبق هذه الحالة أيضا، ولو بصورة أقل حدة ووضوحا، على الكاتب البولندي(فيتولد غومبروفيتش 1904-1969) الذي لم يستطع العودة لبلاده، بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية. ثمة شعراء وكتاب عرب وأجانب مروا بنفس الحالة. فالشاعر العراقي(بلند الحيدري 1926-1996) مثلا، قد تحول أواخر الثمانينيات إلى معارض في كتاباته لنظام بلاده، إلى أن مات في المنفى، والكاتب الصومالي(نور الدين فارح(1945- ) هو الآخر اضطر للعيش في المنفى في لندن، بسبب كتاباته المناوئة للدكتاتورية، والكاتب الروائي السعودي الأصل(عبد الرحمن منيف1933-2004) اختار العيش في باريس أول الأمر ومن ثم في دمشق كمنفى اختياري حتى الموت.وهذا الاختيار من حالة إلى أخرى خاضع إلى ما يحدث من تحولات نفسية وفكرية وسياسية في مواقف الفرد نفسه. وتبقى قضية عودة المنفي أو عدم عودته إلى وطنه قضية خاضعة لللأخذ والرد. ولا يمكن للباحث أن يفصل فيها نهائيا، خاصة إذا كان تغرب الكاتب أو الإنسان هو بدافع الاحتجاج ضد مجتمعه ومؤسساته القائمة. ومثل هذه الحالة سبق وأن اشار إليها الكاتب (مالكولم برادبري- Malcolm Bradbury’s) في بحثه "تقاليد المنفى في الأدب الأمريكي)، قائلا: إن من ترك وطنه متغربا، إنما "بدافع الرغبة في اتخاذ سبيل الانعزال، وشجب الأمة لأسباب ثقافية أو مادية أو بسبب جهلها، كدلالة على الاحتجاج"(9) هذا الفهم والتصور للمنفى ينطبق، مثلا، على الكاتبين جيمس جويس وبيكيت. لقد جرى الربط ما بين المنفي واللاجيء، خصوصا في الأدبيات المبكرة عن المنفى. فاللاجيء، في أغلب الحالات شخص مطرود من وطنه لسبب أو لآخر، ويحدث أن يلجأ الفرد إلى بلاد أخرى بمحض إرادته. فللاجيء(emigr) يعتبر نفسه بطلا مأساويا قد شُرّد من وطنه. وهو الزهرة المكسورة التي غرستْ في أرض غريبة على حد تعبير الكاتب المجري(جورج ميكيس- George Mikes)(10) إن المعاناة والإكراه اللذين يتعرض لهما المنفي أو اللاجيء دفع أغلب الباحثين والمفكرين للتعامل مع أدب المنفى على أنه "تاريخ معاناة" (11) بالدرجة الأولى. كما وأنه "حزن مستديم ومرض لا شفاء له، وهو صدع قائم بين كائن ما وموطنه الأصلي، بين النفس وبيتها الحقيقي. إن الحزن الجوهري لهذا الانكسار لا رجعة فيه" كما يعتقد أدوارد سعيد(12) وإلى ما يُشبه هذا الفهم، يذهب المفكر ليشك كوواكوفسكي قائلا: "يمكن أن يُرى المنفى على أنه كسوء حظ أو كتحدٍ وهذا يكفي لكي يصبح مدعاة للقنوط والحزن أو مصدرا لتشجيع مؤلم"(13) وهذان التصوران للمنفى لا يبتعدان كثيرا عن مصادرهما في الأدبيات الكلاسيكية العربية وحتى اليونانية، حول الغربة والحنين للوطن وتصور الغريب لحالته معلقة بين واقعين: قديم وجديد. فالعيش في الغربة مهما كانت دوافعه هو موضوع يشغل الإنسان منذ زمن بعيد(14) يقول (أبيقراط): "يُداوى العليل بحشائش أرضه"(15) وقال بعض العرب: "الغربة كُرْبة، والكربة ذلة، والذلة قِلة"(16) وقال أعرابي: الغريب كالغرس الذي زايل أرضه، وفقد شربه، فهو ذاو ٍ لا يُثمر وذابل لا ينضر (17) والشعر العربي الكلاسيكي، منذ امريء القيس، حافل بمثل هذه الأوصاف لحالة الغريب والغربة(والمنفي غريب). غير أن حالة الموات لا تنطبق بالضرورة على جميع المغتربين، لأن المنفى قد يعوق الكاتب عن الكتابة فيوقفه، وقد يساعده على اكتشاف آفاق جديدة على الصعيدين الفني والفكري، ويضاعف من جهده الإبداعي والفكري. ثمة تساؤلات قد تطرح من قبيل: إذا كان المنفى كالحا إلى هذا الحد، فلماذا يترك الناس أوطانهم؟ وهل يمكن أن يبقى الكاتب أو المثقف في وطنه رغم وجود نظام لا يتفق معه؟ نود التعامل مع السؤال الثاني أولا لنعود بعده إلى السؤال الأول. نعم يستطيع الكاتب أو المثقف وحتى السياسي أن يبقى في وطنه في حالة وجود نظام دستوري يحترم الرأي والرأي الآخر، أو على الأقل نظام لا يضطهد أو يطارد معارضيه من ذوي الرأي الآخر. لكن الكاتب لدى بقائه، قد يعرض نفسه للخطر، في حالة وجود نظام استبدادي، شمولي شياسي أو ديني. فمثلا، لا يمكننا أن نتخيل بقاء الكتاب اليهود في ألمانيا الهتلرية، ولا بقاء الكتاب المعارضين في الفترة الستالينية، ولا بقاء المعارضين العراقيين في الحقبة الصدامية، لأن مثل هذا القرار سيعرض صاحبه إلى الخطر أو الصمت أو الاستسلام. وعلى هذا الأساس سنجد جوابا للسؤال الأول. فالمنفي هو الشخص الذي ينفى علنا من قبل سلطة ما، أو أنه يختار المنفى تخلصا من اضطهاد محتمل أو احتجاج على وضع قائم في بلاده. وهو كذلك ذلك الشخص الموجود خارج وطنه ولا يمكنه العودة إليه. المنفى ابتعاد اضطراري عن الوطن الأصلي يقف وراءه مضايقة أو إكراه أو تهديد، سواء بالموت أو بالامتناع عن الكتابة المناوئة. للمنفى، في الحقيقة، وجهان: الأول قبل المغادرة- في الداخل، والثاني يتشكل بعد مغادرة المنفي لوطنه. وأكثر الشعراء والكتاب معاناة هم أولئك الذين يفضلون البقاء في بلدانهم، وإذا ما اضطروا لمغادرتها، فسيبقون مغتربين في البلد الجديد. وثمة حالة من المنفى قد شخصها الباحث بول تابوري(Paul Tabori) تكاد تنطبق على مجموعة كبيرة من المغتربين العرب، يقول تابوري: "من المحتمل تماما أن المنفيين الذين يبقون مغتربين هم أولئك الممانعون للإندماج، هم بالضبط أولئك الذين يشعرون أنفسهم بالاغتراب وهم في أوطانهم الأصلية ومن ولدوا رافضين، الكافين عن المشاركة في أي معنى فعلي، وهم أناس بطريقة ما قد اسَفَزّوا منفاهم الخاص"(18) إن أغلب المنفيين من البلدان العربية هم أناس منغمسون في نشاطات(نظريا أوعمليا) تعبر عن آراء مخالفة لما هو سائد. إن قضية المغترب تتعقد حينما يصل إلى أرض – بلاد تنعدم فيها العلاقات الاجتماعية أو أن تختلف مناخيا عن المناخ في البلد الأم، أو تكون العلاقات الاجتماعية باردة ومشوبة بالانغلاق، كما هو الحال في الدول الاسكندنافية. إنه لقاء الجنوبي الذي يقضي معظم وقته خارج بيته بالشمالي الذي يفضل قضاءه بين البيت والعمل، وضمن علاقات وأجواء محدودة تماما. في مثل هذه الحالة تصير حياة المنفي عذابا متواصلا لا يطاق، ونوعا من التجربة السجنية الممضّة على حد تعبير الباحثين ِ غرينبرغ.(19) على أن جوهر حالة المغتربين عموما، هو أنهم يمثلون حدا معينا من حدود الاختلاف والتنوع، الرفض والقبول، فالمغترب من بلدان مختلفة ثقافيا وحضاريا عن بلدان اللجوء، لهو كائن من طينة أخرى. وعلى هذا الأساس فالمنفى لا حدود سايكولوجية له. صنف الباحث(مارتن تيكر- Martin Tucker) في مقدمته لكتاب أدب المنفى في القرن العشرين، الكتاب المنفيين على سبعة أصناف، استنادا إلى أسباب نفيهم أو اغترابهم. وهم وفقا لذلك، كتاب سياسيون غادروا بلدانهم مكرهين أو تخلصا من الملاحقة والاضطهاد، كما حدث في الدول الشيوعية سابقا، والدول الديكتاتورية، وأثناء الحكم الهتلري، وزمن المكارثية في أمريكا، إلخ. وكتاب اضطروا إلى ترك أوطانهم لأسباب دينية، كما حصل مع الكتاب اليهود زمن النازية، حيث تشكلت ظاهرة جديدة هي الهولوكاوست ( (Holocaust. وكتاب اضطروا للمغادرة لأسباب ثقافية، كما فعل بعض الكتاب الأمريكان بعد الحرب العالمية الأولى، أو كما فعل كتاب المستعمرات(Colonial victims). ثمة كتاب أخرون غادروا لأسباب شخصية –اجتماعية، وهم بمعنى آخر أولئك الكتاب الذين اختاروا الانعزال عن جماعاتهم وروابطهم الاجتماعية. وكتاب غادروا بلدانهم بحثا عن حرية جنسية أوسع. وأغلبهم لم يتعرض للعقوبة أو الترحيل أو الملاحقة بسبب سلوكهم الجنسي المغاير.(20) والصنف السابع الذي يمثله الكتاب الذين غادروا لأسباب تتعلق بالتهرب من تطبيق القانون(Legal and Criminal) ، مثلا، بسبب الضريبة أو المال، أو الفرار من مقاضاة جنائية ومن بين هؤلاء الكتاب يمكن الإشارة إلى (ألبريج كليفر- Elbridge cleaver)، و (ل. فرديناناند سيلين- (Louis- Ferdinand Cline. (21) إن التصنيفات المذكورة التي قام بها(M. Tucker) لا تغير من طبيعة المنفى. لكنها قد تخدم الباحث في دراسة الكتّاب وفقا لدواعي نفيهم. هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى، فالباحث المذكور قد خلط بين المنفي الحقيقي(الذي نحن بصدده) واللاجيء والمهاجر. هذا الخلط يثير لبسا لا يمكن تجنبه، بحيث يسمح الاعتقاد بأن مصطلح المنفى (exile) قد أخرج من معناه القاموسي والواقعي، فصار أقل دقة وأكثر فضفاضية.(22) ولا نعتقد أن من يغادر وطنه لأسباب اقتصادية أو تهربا من دفع الضرائب هو منفي. إن هذه التقسيمات لا تنطبق جميعها على المنفيين من البلدان العربية، لأن نفيهم أو مغادرتهم الاضطرارية حدثت لأسباب أغلبها سياسية أو دينية أو اجتماعية، وفي المحصلة النهائية هم نوع من البحث عن الحرية. فالمنفي، كما أسلفنا، هو الذي يغادر وطنه مكرها ولا يستطيع العودة إليه. تبقى قضية مهمة باعتقادنا، تتعلق بكتاب المستعمرات الذين اختاروا الهجرة إلى كبريات المدن الأوروبية. هذا الأمر حصل لكثير من كتاب إفريقيا السوداء وشمال إفريقيا ولبنان والهند، وبعض كتاب أمريكا اللاتينية وسواها. لقد تعرض أغلبهم إلى تحطيم شخصيتهم الثقافية وهويتهم القومية. كان قسم منهم لا يحسن الكتابة إلا بلغة المستعمر. إنه منفى داخل منفى. في رسالة وجهها الشاعر والكاتب الجزائري (مالك حداد) إلى الشاعر الفرنسي (أراغون) قال فيها:"... ستقول: إن مالكا هذا يستخدم كلمات فرنسية. وما أهمية ذلك؟ إن كلمة الجزائر يمكن أن تقال بالصينية. بلى، يا أراغون !... تلك هي مأساة اللغة، لو كنتُ أعرف الغناء لتكلمت العربية".(23) فاللغة هنا هي رمز الهوية القومية لا غير، فالكاتب يكتب باللغة الفرنسية وهي لغة عالمية، لكنها بالنسبة له تبقى لغة المستَعمر. لقد وصف(فرانز فانون) هؤلاء الكتاب بأنهم "ضحايا مستعمرية تضارب بها القوى الامبريالية".(24) إن مالك حداد، وكاتب ياسين، ومحمد ديب، ورشيد ميموني، وليلى صبار والطاهر بن جلون، وياسمينة خضرا، وأمين معلوف، وجمال الدين بن الشيخ، وآسيا جبار، وسوينكا وحتى سلمان رشدي وآخرين، يمثلون هذا الصنف من الكتاب"الضحايا". ومهما كانت الحجج والذرائع التي يُقدّمون أنفسَهم بها أو يُقدَّمون من قبل أطراف أخرى، فإنهم نموذج لطور من أطوارحركة التحرر ضد الاستعمار، ونتاج، لما أسماه أدوارد سعيد، ب" الحقبة القومية المعادية للإستعمار" التي ولدت لونا "من ألوان الاتكال المتبادل بين طرفي النزاع..." واعتبر سعيد ذلك "واحدة من مشكلات الحركات القومية ونتائجها". المشكلة الثانية التي يطرحها أدوارد سعيد، والتي تعنينا هنا أكثر، هي "أن الآفاق الثقافية للقومية محدودة على نحو قاتل بتاريخ يتشارك فيه المستعمِر والمستَعمر، هو التاريخ الذي تتبناه الحركة القومية ذاتها. فالإمبريالية، في نهاية المطاف، مغامرة تعاونية، يساهم فيها السيد والعبد معا، وتنموان في كنفها، ولو كان نموهما متفاوتا"(25) يعتبرالاستعمار(إضافة إلى وجود أنظمة سياسية واجتماعية ودينية، مستبدة أو شاملة) مسؤولا عن منفى وهجرة العديد من الشعراء والكتاب والمثقفين من البلدان العربية. كما وأنه بسبب إغراءات من قبيل الانفتاح الحضاري، والتلاقح الفكري والثقافي، وبحثا عن حرية أكبر، والموقف المناهض للتزمت والتطرف الديني والقومي أو خوفا من القتل اختار قسم من المثقفين العيش في المنفى. إلا أنه بمجرد العيش في بلد مختلف، يحدث غالبا، ما يسميه الباحث موللر(H.B.Moeller)، ب "المنفى المضاعف"(Double exile)، أي أنْ يعيش المنفي داخل منفى آخر، يتمثل بابتعاد الكاتب عن قرائه ومحيطه، وعن التعبير بلغته القومية. كما حصل للكتاب الألمان، والإسبان والسلافيين في أمريكا اللاتينية.(26) إن المنفيين، رغم عددهم الكبير، لا يشكلون غالبية المغتربين في عصرنا الراهن. لأن أغلب المغتربين يتشكل من اللاجئين والمشردين والمهاجرين. وهذا الواقع دفع بعض المغتربين إلى اقتراح تسميات أخرى لتحديد طبيعة المغتربين، بحجة أنه ليس كل مغترب هو في وضع كاتب كسولجنتسين، من حيث الظروف القاهرة التي سببت نفيَه من روسيا. (27) ويبدو لنا، بأن هذه الدعوة بعيدة عن واقع حال الكتاب في المنفى، وما يعانونه ويشعرون به، وأنها تبقى أقرب ما تكون إلى حالة الأفراد الذين انصهروا في المجتمعات الجديدة أو الذين لا يشعرون بالتفرقة والتمييز بحقهم، أو أن أبواب العودة إلى أوطانهم مفتوحة أمامهم، منه إلى حالة المنفيين واللاجئين الحقيقيين. ومثل هذه الاقتراحات لا تتناسب على أية حال مع حالة المثقفين العرب في المنفى. إن الشاعر والناقد والأكاديمي(بارانتشاك) باقتراحه المذكور يكون قد خلط بين الكاتب الذي يعاني من منفيين: منفى سببه البعد الاضطراري عن وطنه، ومنفى ثان ناجم عن معاناة المنفى ذاته، وبين حالة المغتربين الآخرين الذين يمكنهم العودة متى شاؤوا، أو بين من سماهم الشاعر العراقي(سعدي يوسف) في قصيدته "منفيون" بالمستفيدين من المنفى المتاجرين به. كتب: "أجمل ما في فكرة المنفى أنْ يُصبح المنفيّ سلطانا "يُنَظم" العملةَ والسائحات ِ ويُلْبس الثورةَ قفطانا"(28) يسخر الشاعر بهذا المقطع بوضوح، من المنفيين –المعارضين لأنظمة بلدانهم السياسية الذين يتحولون في الخارج إلى مجرد تجار أو ما يُشبه السواح العاديين، مبتعدين بالقدر نفسه عن المباديء والأهداف التي ناضلوا من أجلها. لقد وصف الناقد المصري(غالي شكري) حاله في منفاه الاضطراري في باريس، على الوجه التالي: " إذا لن نَعُدّ أنفسَنَا، نحن المقيمين في الغرب، مجرد امتداد متواضع للداخل، فلا معنى لوجودنا. وإذا لم نُرَتبْ حالنا على أساس العودة القريبة إلى الوطن الصغير أو الكبير(الوطن العربي)، فلا معنى لوجودنا"، ويضيف شكري قائلا: "المنفى في رأيي هو الغرب فقط، فالحياة في بيروت أو دمشق أو بغداد أو الكويت أو الجزائر أو المغرب أو بنغازي ليست غربة".(29) وبنفس الاتجاه والروحية يتحدث الشاعر الفلسطيني المقيم في إسرائيل(سميح القاسم).(30) صحيح أن الكاتب العربي حينما يعيش منفيا في بلد عربي يكون منفاه، أخفّ وطأةً فيما لو عاش في الغرب. ولكن طالما أن هذا الكاتب يشعر أنه منفي ولا يمكنه العودة إلى وطنه، فإن المنفى يبقى جرحا نازفا، ويبقى الإحساس بوطأته قاتما وقاسيا، ويصبح المنفي مزيجا من التناقضات ومعادلة متأرجحة بين الحلم بالعودة والبقاء في الخارج. إن الأنظمة والجهات التي سببتْ في منفى أعداد كبيرة من الكتاب والمثقفين من البلدان العربية كانت وتزال تسعى جاهدة لتشويه قضية المنفيين، بتصويرهم على أنهم عبارة عن مجموعات مغامرة أو مترفة، قد "باعتْ نفسها للأجنبي". وعلى هذا الأساس فكل مواطن يعيش خارج وطنه دون موافقة حكومته متهم مع سبق الإصرار بسوء نواياه وأن ولاءه للوطن أمر مشكوك فيه. حتى أن هذه الأنظمة ممثلة بمؤسساتها الثقافية والرسمية قد تمكنت من تمرير هذه الأفكار المناهضة للمنفيين والمغتربين، إلى أذهان شرائح واسعة من المجتمع، بحيث أخذت الناس تتوجس وتخاف من عودة المغتربين إلى بلدانهم. إن الصنف الذي سخر منه سعدي يوسف هو أحد أوجه متناقضات المنفى ومأساته. حيث يتحول بعض المنفيين إلى تجار كلمات ومنافقين أو متعاونين مع بعض الأنظمة المستبدة، أو أنظمة الدول التي آوتهم! ولعل هذه الحالة تنطبق اليوم على الدول النامية أكثر من سواها. قبل أن نصل إلى صياغة استنتاجاتنا حول المنفى، نرى من الضروري أن نقابل بين رأيين متناقضين بشأن المنفى. الأول يمثله الكاتب البولندي ستيفان ثيمرسون (Stefan Themerson)، والثاني تُمثله الباحثة يوليا كريستيفا( Julia Kristeva). يعتقد ثيمرسون أن الكاتب لا يمكن أن يكون في المنفى، وما المنفى إلا وهم. فالكاتب أينما حل فهو في وطنه. وبسبب هذا الموقف"الكوسموبوليتي" رفض ثيمرسون أوائل الخمسينات الاشتراك في مؤتمر نادي القلم-PEN CLUB لمناقشة أوضاع الكتاب المهاجرين والبحث عن سبل لمساعدتهم. ووجه رسالة كرد ٍ على الدعوة الموجهة له، نقتطف منها قوله: إن "الكاتب لم يكن وليس هو في منفى، لأنه يحمل في داخله مملكته الخاصة أو جمهوريته أو مدينته، أو ملجأه، أو أي شيء يحمله في داخله. في الوقت ذاته فكل كاتب هو دائما وأبدا في المنفى، لأنه ملفوظ من المملكة أو الجمهورية أو المدينة أو أي شيء يُطرد منه...".(31) كتبت هذه الرسالة في العام 1951، وفي منتصف الثمانينات قال ثيمرسون في مكان آخر معلقا على كلمة هجرة، إن كلمة المهجر تقرفه. ويرى أن العديد من الكتاب يعيشون خارج أوطانهم ولم يقولوا عنهم إنهم كتاب مهاجرون.(32) كان ثيمرسون ينطلق من فكرة كوسموبوليتية للعالم، اعتقد بمقتضاها، أنه "الوريث الثقافي لكل العالم"(33)، ومن هذا المنطلق القاضي بعائدية العالم للجميع، هاجم ثيمرسون الاتجاهات الشوفينية الضيقة. ولقد اعتبرت الباحثة البولندية(Ewa M. Stachniak) أن هذه الأفكار تؤكد على القيم الإنسانية أكثر من سواها، قائلة: "إن فلسفة المنفى الإيجابية لها ادعاء صادق بالشرعية كمحاولة للإسهام بعملية تجسير الفوارق الثقافية بدون التعرض للتنوع الثقافي"(34) إن افكار ثيمرسون قريبة إلى حد ما من آراء سبق وأن طرحها الكاتب والناقد المهجري اللبناني(ميخائيل نعيمة). فقد دعا إلى محاربة ضيق الأفق القومي، وإلى محو الحدود بين أبناء البشر جميعا. كتب في العام 1921 قائلا: "أنا شطر الإنسانية الساكت... ولذلك لا وطن لي، ولو كان لي وطن لتبرأتُ منه لأن العالم في نظري هو واحد لا يتجزأ. وإذا كان لابد من وطن فهذا العالم الذي لا يتجزأ هو وطني".(35) إن آراء ثيمرسون ونعيمة الطوباوية الداعية إلى عالم بلا حدود، حيث لا يعود هناك مبرر لوجود منفى أو مهجر، بقيت حبرا على ورق، في عصر تتزايد فيه أعداد المنفيين والمهاجرين واللاجئين، في ظل اشتداد النزعات القومية والعرقية والعنصرية والدينية المتزمتة. لا ندري، كيف سيسمي ثيمرسون نفسه لو نفته سلطة غاشمة؟ وكيف سيشعر لو لم يكن آريا أو ألمانيا أصيلا في ظل الحكم الهتلري؟ ثم كيف سيسمي أعداد اللاجئين والمشردين في القرن الماضي وهذا القرن؟ لقد مات ثيمرسون في لندن التي منحت الملاذ الآمن حتى لبعض الإرهابيين وأعداء الحرية، ومات ميخائيل نعيمة في لبنان، بعد أن عاد إليه من مهجره الإمريكي. إن مأساة المنفى لا تكمن باعتقادنا، في معاناة المنفيين واللاجئين فقط ، وإنما في خلفية ظاهرة المنفى أساسا، فحينما نقول: إن الكتاب والمثقفين من البلدان العربية يشكلون اليوم ظاهرة منفى، هذا يعني أن ثمة شيئا غير طبيعي حدث ويحدث. وهذا يعني أن الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية والدينية لا تسير في أجواء من التسامح، ولا تخضع لمبدأ احترام الرأي والرأي الآخر الذي يفترض وجود نقيضين أو أكثر في الحياة لكي تتطور، بغض النظر عن وجهة التطور هذه. ولهذا نعتقد، أن زعم الباحثة كريستيفا، بأن المنفى "بحد ذاته شكل من أشكال الإنشقاق، مادام منهمكا في اجتثاث شخص ما من عائلته، بلده أو لغته، وأكثر من ذلك، إنه فعل تجديفي يقطع كل الروابط،، وهو بالنسبة للدين ليس أكثر من انتماء لجماعة حقيقية أو رمزية قد تكون مبهمة أو لاتكون، لكنها دائما تؤلف صلة، تماثلا وفهما. المنفى يقطع كل الروابط بضمنها تلك التي تربطه بالاعتقاد بأن الشيء المسمى حياة له معنى مكفول عن طريق الأب الميت. وعليه إذا وجد هذا المعنى في حالة المنفى فلن يجد له بالرغم من ذلك تجسيدا، وهو متولد بلا انقطاع، ومحطم في تشكيلات جغرافية وكلامية".(36) هذا الفهم للمنفى كحالة تمرد وقطيعة مع الماضي(تبدو مفروضة) وكمعاناة، يسمح لنا بالنظر إلى المنفيين على أنهم يشكلون حالة خاصة لها أبعادها النفسية والاجتماعية والدينية والسياسية والوجودية والإنسانية متكررة الحدوث في تاريخ البشرية. إنها حالة تمثل الطرف الآخر من الواقع البشري، بوجهه الأكثر معاناة ومأساوية. وهي شاهد حي على سوء التفاهم بين الناس، وبينهم وبين السلطة من جهة، ودليل على سيادة التفكير والممارسة أحادي الجانب. إن مساهمة هؤلاء الكتاب والمثقفين في ثقافات الشعوب الأخرى واضحة، ولا تحتاج إلى أدلة. لقد دخل مصطلح "أدب المنفى"(exileliteratur) إلى تاريخ الأدب العالمي لأول مرة أثناء الحكم النازي لألمانيا حيث اضطرت مجموعات من الكتاب الألمان للعيش في المنفى.(37) وتمت فيما بعد متابعة أعمالهم ونشاطاتهم ودراستها ضمن ظرفها وشروطها التاريخية. بينما لم يدرس تاريخ الأدب العربي الحديث ولا نقده، بدقة ومنهجية، نتاج الشعراء والكتاب العرب في الخارج على أنه أدب منفى، بل تعامل معه، في الغالب، على أنه أدب مغتربين ومهجريين. ولهذا السبب جرى الخلط بين المنفي واللاجيء والمهاجر أو المقيم في الخارج بحكم وظيفته وعمله. وسنرى أن التصريحات والتعليقات التي ظهرت في السنوات الثلاثين الأخيرة على ألسنة بعض الإعلاميين والنقاد أو الكتاب العرب، لم تدرس هي الأخرى ظاهرة أدب المنفى بوضوح وجدية وإنصاف، رغم استعمال مصطلح المنفى. إذن فأدب المنفى على الصعيد العربي لم يجد من يدرسه بعمق ويُنَظر له أو يُعّرف به بشمولية وبطريقة علمية.(38) يمكن النظر إلى المنفى عبر تصنيفه إلى نوعين رئيسيين: منفى داخلي، وآخر خارجي. المنفى الداخلي يتم عموما بطريقتين تقودان في النهاية إلى ولادة نوعين أيضا هما: أن ينفى شخص ما من مدينته أو مكانه الأصلي إلى مكان آخر أبعد داخل الوطن نفسه عقابا له من جهة وإبعادا له عن ممارسة التأثير في محيطه من جانب آخر. ويحدث أن ينقل الموظف أو العامل إلى مكان ناء بحجة أن الدولة تحتاجه هناك. ومثل هذه الممارسة كانت تحدث، بكثرة في البلدان العربية، ومنها العراق، وفي أماكن أخرى من العالم، كما حدث في الفترة الستالينية حيث نفي الكثيرون إلى سيبيريا أو إلى جمهوريات الإتحاد السوفيتي النائية سابقا، كما حصل للكاتب سولجنتسين وسواه. وتاريخ العراق الحديث حافل بمثل هذه الأسماء شعراء وكتابا ومثقفين وعسكريين، التي أشرنا إلى نماذج منها في جزء آخر من بحثنا. النوع الثاني من المنفى الداخلي، هو أن يعزل أو ينفي الفرد نفسه عن محيطه بحيث يعيش عزلة طوعية، كما يحدث للرهبان والمتصوفة وبعض الكتاب والفنانين. ثمة نوع آخر يمكن أن نلحقه بالنوعين السالفين، وهو العزل وفقا لما يسمى ب"الإقامة الجبرية". أي أن يعاقب الفرد بعدم مغادرته منزله. وهذا كثيرا ما حدث ويحدث في ظل غالبية الأنظمة العربية، حتى وصل الأمر حد التصفية الجسدية للكتاب والمثقفين المعارضين. أما المنفى الخارجي، فهو باعتقادنا، على نوعين رئيسيين هما: منفى ذو طبيعة مباشرة، يتم من قبل جهة رسمية أو شبه رسمية، بحق مواطن غير مرغوب فيه بسبب نشاطاته الثقافية أوالسياسية، لأسباب مختلفة. كأن تكون سياسية أو فكرية أو دينية أو اجتماعية أو أخلاقية. ومنفى اختياري طوعي. كأن يقوم به مواطن أو مجموعة مواطنين هربا من وقوع ما هو أسوأ: كالملاحقة والاضطهاد، أو تخلصا من صراعات أثنية وقومية أو دينية وطائفية/ مثلا تحت تهديد جماعة متزمتة دينيا أو عرقيا. وعلى هذا الأساس فالنفي عمل يتضمن العقوبة، والانتقام لا الرحمة، الإذلال والإكراه لا الاحترام، التقاطع مع المنفي والتضاد لا التفاهم والانسجام أو احترام الآخر مهما كانت مواقفه وطبيعته. إن المنفى يتم حينما تسود ممارسة تنتمي لطرف ذي طابع استبدادي أو آراء أحادية الجانب، أو حينما تفرض تقاليد وعادات جماعة ذات طابع شوفيني أو طائفي أو استعلائي في بيئة ما. المنفى إشارة بليغة على انعدام لغة التخاطب والحوار. المنفى يشترط عدم امكانية العودة، وإذا ما توفر شرط العودة فإن أحد أسباب المنفى ستكون لاغية، وحينئذ يتحول المنفي بمحض إرادته إلى مهاجر(منفي سابقا). المنفي والمهاجر يشتركان في خصائص منها الغربة والحنين للوطن الأصلي، والقلق من الواقع الجديد(القديم) في الغربة، ومواجهة مشاكل متماثلة على صعيد الغربة. غير أن قسما من المهاجرين لا توجد لديهم مشاكل في زيارة ذويهم في بلدانهم الأصلية، وهم عموما، أقل تعرضا للملاحقة والاغتيال من قبل سلطات بلدانهم الأصلية، وكأنهم قد اختاروا العيش الدائم في بلدان المهجر على الأرجح. على أن قسما آخر منهم يهابون العودة إلى بلدانهم الأصلية لا تخوفا من السلطة وإنما من الفوضى والاحتراب الداخلي، كما هو الحال مثلا بالنسبة للمنفيين والمهاجرين العراقيين والأفغان. إن المنفي يشعر بقلق دائم متعدد الأوجه، وبخوف مستديم، وهو على العموم لا يبني حياته الجديدة على أساس دائمي. إن في الهجرة مرونة واختيارا لا يتضمنه المنفى، ووراءها أسبابا لا تتضمن بالضرورة الإكراه. وهذه النقطة تقودنا إلى مسألة مهمة للغاية، وهي حرية الاختيار. يبدأ المنفى عندما يترك المرء وطنه. لا أهمية للطريقة التي يغادر بها. هل أنها ستتم (أو تمت فعلا) عبر شاحنة أو على ظهر حيوان أو مشيا على الأقدام. هل تتم عن طريق التخفي، كما فعل بدر شاكر السياب، حينما تزيا بزي بدوي مخترقا شط العرب عبر الحدود الإيرانية، أو كما فعل (أبو قيس) و(مروان) و(أسعد) أبطال رواية "رجال في الشمس"( 1963) لغسان كنفاني، حينما هربوا من مخيمات اللاجئين إلى الكويت، داخل خزان شاحنة، وماتوا داخلها اختناقا! إن المنفي قد يواجه نفس المصير لعدم خنوعه وطاعته العمياء، لعدم مهادنته، لرفضه وتمرده. وهذا ما يجعل منه شخصا متخلفا ذا طبيعة غامضة ومتناقضة أحيانا. إن مسألة الرفض والتمرد تبدو لنا ملازمة لحالة المنفي. المنفي الحقيقي رافض لشيء ما، لفكر ما، لنمط حياتي ما، لسياسة ما أو قل لنظام سياسي ما، لمجتمع ما، لمؤسسة دينية ما أو للأسباب المذكورة مجتمعة. وسواء جرى التعبير عن هذا الرفض عن طريق الكتابة، أو اللوحة، أو السلوك فهو رفض وموقف قد يتوج بالتمرد وحينئذ فعلى الفرد المعني أن يتحمل عواقب فعلته أو قراره. يخامر المنفي شعور بعدم الاستقرار عادة، وبالحيف والملاحقة المزدوجتين: من أسباب نفيه الأصلية، ومن محيطه الجديد، شعور بأن الحرية التي يوفرها المنفى له ناقصة، ومشوهة، أو أنها مشروطة بتنازلات معينة. ثمة شعور عارم بفقدان الجذور والتاريخ والهوية وحرارة الواقع. وهذا الشعور المتواصل بالقلق يجعل المنفي متوفزا ومعارضا لكل ما من شأنه خدش أو مسخ هذا الإحساس والاستهانة به. خطاب الكاتب المنفي إذن لا يوجه إلى تعرية مشاكل وطنه الأصلي وأسباب منفاه، وإنما للدفاع عن الوجه الآخر الإيجابي في ثقافته الأم، وفي الدفاع عن وجوده في الوطن الجديد. تنخلق أمام المنفي معادلة جديدة صعبة ومعقدة، هي أساسا من ثمار المنفى ولامفر من خوضها، ولا توجد ضمانات أكيدة بالتغلب عليها. المنفى يشمل عادة البالغين لا الأطفال، وإن شمل الأطفال فإنما لمعاقبة الكبار، أو كنتيجة لحالة النفي والتشرد التي يتعرض لها الكبار. يبقى البالغ عادة، أقوى ارتباطا وتعلقا بجذوره الأولى، على الأقل في مراحل المنفى الأولى. هذا التعلق حتى وإن كان بجذور وهمية إلا أنه يبقى أحد لوازم وبواعث المنفى. تراني وبحكم التجربة الذاتية، أزعم بأن المنفي أو اللاجيء أو حتى المهاجر كلما تقدم به العمر أصبح أكثر حنينا وتعلقا بوطنه الأصلي، تعلقا بماض وبمحيط، ربما يكون أكثر اسودادا من واقع المنفى نفسه. أمامنا مثلا، مصير الكاتب الروسي(سولجنتسين- A. Solzenicyn) الذي قرر العودة إلى وطنه بعد سنوات قضاها في منفاه في الغرب. والكاتب والمفكر الروسي(ألكسندر زينوفييف- Aleksander Zinowiew – 1922-2006) الذي ترك الاتحاد السوفيتي في العام 1978، بحيث جرد على إثرها من المواطنة. لكنه قرر، في نهاية المطاف، العودة إلى بلاده في 1999 نهائيا. في حوار طويل مع سولجنتسين بعنوان"المنفي يعود"، قال الكاتب: "كانت الخسارة والألم في داخلي، الانفصال عن الوطن، عن أماكنه وناسه، وعن التفاعل معهم".(39) لكن سولجنتسين لا يمكنه أن يكون مقياسا أو أنموذجا لجميع المنفيين، لأنه قد عزل نفسه وهو في منفاه في الولايات المتحدة الأميركية. سوى أن قرار عودته لم يعد أمرا غريبا في أوساط المنفيين. يتعاظم هذا الشعور أو يقل حسب درجة ارتباط المنفي بوطنه وبذكرياته وبمقدار توقه إلى مواصلة التفاعل مع محيطه وقرائه ومواطنيه من جهة، وبدرجة التمييز التي يعيشها المنفي في البلد الجديد من جهة أخرى، إضافة إلى عامل مهم وخطير متمثلا بالتحول الحياتي والفكري الذي قد يطرأ على المنفي، كما حصل في حالة الكاتب زينوفييف مثلا. وتبقى التحولات الجارية في بلده الأصلي ذات تأثير ما على أي قرار يتعلق بالعودة. وعليه فالمعضلة التي يواجهها المغترب هي "هل يعود أو لا يعود؟" وقبل رحيله من وطنه" هل يغادر أو لا؟"، التي يطرحها الناقد والباحث البولندي (بالتزان- Edward Balcerzan) لا تنطبق تماما على المنفي أو اللاجيء، لأنه لا خيار أمامهما سوى البقاء في المنفى، طالما بقيت أسباب المنفى قائمة. المنفي الحقيقي لا خيار له سوى مواجهة مصيره. لقد أشار (بالتزان) بصواب إلى أن قضية الهجرة والنفي "تشكل في قريتنا العالمية- في القرن العشرين واقعا قانونيا، اقتصاديا، أخلاقيا واجتماعيا للدول التي تنهال عليها الجماعات المهاجرة"(40) المنفى ذو طرفين: أولهما غائر في الوطن الأصلي، وثانيهما في الخارج، وهذان الطرفان يحفران في جسد وروح وعقل المنفي، مشكلين هرم المنفى. المنفى يبدأ من الداخل، سواء أكان ذلك من داخل الوطن الأم أم داخل الذات الإنسانية. ولو أنني أميل إلى الزعم بأن المنفى يبدأ أولا من داخل الفرد. لكنه يتسع ويتضخم خارج الحدود فيصبح حالة متكاملة وظاهرة وجودية على الصعيد الشخصي، واجتماعية وحتى باثولوجية على الصعيد الاجتماعي، وسياسية وإنسانية واقتصادية على الصعيد الدولي، لا يمكن حلها إلا بالعودة. وحتى إذا عاد المنفي أو المغترب، فهل سيشعر أنه في وطنه حقا، أم أنه غريب في وطن لم يبق منه سوى ذكريات، اختلق المنفي بعضا منها ومنحها طابعا ملحميا، بأن أضاف إليها أحداثا ومفارقات وبطولات وبهارات وما شابه ذلك. إن أمثلة كثيرة أمامنا من الذين قرروا العودة وسرعان ما عادوا مرة أخرى من حيث جاؤوا. كتب البياتي في إحدى قصائده" "لا تقتربْ ممنوع فهذه الأرض إذا أحببتَ فيها حكم القانون عليك بالجنون"(41) الأرض هنا رغم التعميم بغرض التمويه، هي العراق، والقانون هنا هو النظام السياسي والاجتماعي فيه. إن من بين أخطر ما في المنفى هو أن يتحول إلى شعور عام يلازم الكاتب سواء عاد إلى وطنه أم لم يعدْ. وإذا بالموتى يملأون الطرقات. هذه التعاسة الجماعية – حالة المنفيين، يصفها البياتي بدقة في قصيدته"إلى رافائيل ألبرتي". حيث يتقابل منفيان: البرتي الإسباني، والبياتي العراقي والرابط فيما بينهما هو أجداد البياتي الإسبان. منفى مقابل منفى، منفى الإسباني ومنفى العربي. منفى البرتي الحقيقي أثناء حكم فرانكو، ومنفى البياتي المضاعف: منفاه الواقعي، ومنفاه الحضاري. "وقفنا تحت عمود النور، رأينا: نار الشعراء الإسبان المنفيين الموتى: لوركا – ماشادو ورأينا: العربي القادم من "توليدو" جدي السابع في معطفه الجلي يساق إلى الموت أو المنفى ناديتك: البرتي! فأجاب: الشعر وآخر طفل في المنفى يبكي الوطن الأم ويبكي مدريد. قلتُ: سلاما للبحر الأبيض قلتُ: سلاما للغابات لكن المنفيين الموتى كانوا، في كل مكان، بالمرصاد..."(42) نلاحظ أن الشاعر يقابل بين الموت والمنفى. لم يعد البياتي منفيا، في الواقع/ منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي/، غير أن هاجس المنفى يلاحقه حتى حينما أقام في إسبانيا على نفقة الحكومة العراقية. المنفى يبدأ حينما يشعر الفرد أن لا طاقة له على المصالحة مع ما هو قائم، مألوف وسائد/ مع الجو الاجتماعي أو السياسي والفكري أو الديني/. إن النتيجة متوقعة في ظل الأنظمة المستبدة. فأما السجن والملاحقة، أو المقاطعة والمحاصرة والعزل، وأما النفي أو الاستسلام. غالبا ما يرفض هؤلاء(المغايرون-المناهضون-الرافضون-المتمردون) مغادرة أوطانهم. كما حدث ويحدث في معظم الدول المستبدة، أو حتى في بعض الدول الليبرالية(كما حدث في الولايات المتحدة الأميركية زمن المكارثية مثلا أو في فترة الحرب الفيتنامية)، وعادة ما يتعرض الرافضون للمغادرة إلى أنواع شتى من العسف والإضطهاد.(43) إن أعدادا لا نعرف حجمها ومعاناتها قد رفضت مغادرة "الإتحاد السوفيتي" سابقا، خاصة زمن الحقبة الستالينية، ورفضت مغادرة الصين، خاصة زمن الثورة الثقافية، وفي فترة نشاط حركة التضامن في بولندا، وزمن شاه إيران والحقبة اللاحقة، وزمن السادات في مصر، وزمن الديكتاتورية في العراق منذ 1968حتى 2003، وفي أماكن أخرى عديدة في العالم. لأن مغادرة الوطن خيار صعب. ثمة أعداد ليست قليلة ماتت في طريقها قبل أن تصل الحدود في جنوب العراق وشماله، طمعا بالنجاة من القمع. كما وأن أعدادا أخرى تموت بين الفترة والأخرى قبل دخول الحدود الدولية لبلد ما، والأمثلة لا تحصى. إن المنفى يتحول، بمرور الوقت، إلى نير لا ينفك يستعبد المنفي والغريب عموما. هذه الحالة لمسناها في أوساط المثقفين العراقيين الذين يشعرون أنهم ضحايا ظلم داخلي وآخر خارجي. حتى أن شعورهم قد ازداد بالمرارة، بعد سقوط النظام في 2003 ، لأن إمكانية العودة مازالت محفوفة بالمخاطر، ناهيك عن عدم استعداد المجتمع العراقي لتقبل الأعداد الكبيرة من المنفيين والمغتربين. ثمة علاقة سادوماسوخية تنشأ بين المنفى والمنفي، كما هي الحال بين الجلاد وضحيته. الأول يمتص الثاني ويستعبده حد الانتقاص والتشويه، والثاني يتأفف منه ويتبرم أو يضجر ويتألم وقد يصل إلى حد رفض المنفى ذاته. لكن هذا الرفض، في الغالب، لا يشكل قطيعة تامة. القطيعة تعني أن على المنفي أن يغادر منفاه، أي يعود من حيث أتى، كما حصل بالنسبة لعدد محدود من العراقيين مثلا، بينما نجد أن غالبية المصريين الذين اضطروا لمغادرة مصر أثناء حكم السادات قد عادوا إليها بعد رحيله. ربما يواجه المنفي قرارا بالمغادرة من منفاه الأول إلى ثان وثالث، وهذا الأمر لا يغير من طبيعة المنفى، ونعتقد أنه سيساهم في جعل المنفى أكثر مرارة. إلى أين الرحيل بعد منفاي الأول؟ سؤال يخالج أعدادا من المنفيين غير المسرورين من المنفى. عموما يتقبل المنفي مرارة منفاه. غالبا ما يولد المنفى شعورا، داخل المنفي بوجود منفى جديد يكبر مع الأيام، خاصة عندما يزداد سوء الفهم بين المنفي والواقع الجديد. ولهذا فالمنفي يبقى يعاني في منفاه. وقد سبق وأن صور هذه المعاناة الشاعر بدر شاكر السياب مبكرا في قصيدته "غريب على الخليج"(1953)، رغم قصر فترة منفاه، قائلا: "وأنا المسيح يجر في المنفى صليبه"(44) وهكذا يبقى المنفى صليبا، وأغلب المنفيين يعيشون بهذه الصورة، أو ينتابهم شعور مماثل. الهوامش: 1 المحاسن والمساويء: 301، نقلا عن محمد بن سهل البغدادي، الحنين إلى الأوطان، تحقيق جليل العطية، عالم الكتب، بيروت 1987: 39 2 وردت في خمسة مواضع بمعنى ترك المكان مع الإكراه بسبب الفتن، و(14)مرة بمعنى ترك مكان ما إلى آخر بغرض الجهاد في سبيل الله. قارن محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار إحياء التراث العربي، بيروت(ب. ت): 717 و730-731. 3 علي الشامي، آيديولوجية المغلوبين أو موقف المسلمين من غلبة الغرب، مجلة الفكر العربي، ع(42) حزيران 1986، بيروت: 211 4 أنظر، هاتف جنابي، مسرح البحث العربي وتجارب المسرح الطليعي الأوروبي، أطروحة دكتوراه، جامعة وارسو 1983: 31-36 5 Collins Cobrild English Language Dictionary, Collins London And Glasgow, The University of Birmingham Reprinted 1988, p. 492 6 See Random House Unagridged Dictionary, second edition, New York 1987, p. 678 7 See Modern Guide Language Dictionary, Collins London and Glasgow, The University of Birmingham Reprinted 1988, p. 492 8 Paul Tabori, The Anatomy of Exile a sematic and Historical Study, Harrap London1972, p. 27 9 See Jefferson Faye, Cultural/Familial Estrangement: self exile and self- destruction in Jay Mclnerney’s novels: in The Literature of Emigration and Exile, edited by James Witlark and Wendell Aycock, Texas Tech University Press 1992, p. 115 10 George Mikes, How to be an Alien/Wingate, London 1946/ from Paul Tabori, The anatomy of Exile, Ibid, p. 397-398 11 See Latin America and Literature of Exile, edited by Hans-Bernhard Moeller, Heidelberg1983, p. 11-12 12 Edward W. Said, The mind of winter reflections on life in exile, Harper’s Magazine, sept. 1984, New York, p. 49, وقارن الترجمة العربية لنفس النص، مجلة الكرمل، العدد 12/1984: 9-27 13 Leszek Kolakowski, In praise of exile, Times Literary Supplement, October 11, 1985, New York, p. 1133 14 أنظر، محمد بن سهل الكرخي البغدادي، الحنين إلى الأوطان، مصدر سابق: 9-12 15 المصدر السابق: 40 16 أنظر الجاحظ، "رسالة الحنين إلى الأوطان": رسائل الجاحظ، ج2، تحقيق وشرح عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة 1965: 390، وانظر كذلك، أبو حيان التوحيدي، الغريب، في: الإشارات الإلهية، تحقيق: د. وداد القاضي، بيروت 1974: 80-83 17 المصدر السابق: 387، وقارن، محمد بن سهل الكرخي البغدادي، مصدر سابق: 65 18 Paul tabori, Ibid, p. 399 19See Leon and Rebeca Grinberg, Psychoanalytic perspectives on migration and exile, translated from Spanish by Nancy Festinger, Yale University Press, New Haven 1989, p. 160 20 ثمة أمثلة عديدة على ذلك، نذكر منهم على سبيل المثال، لورنس العرب(T.E. Lawrence) الذي قضى في العربية السعودية الفترة مابين(1910-1918)، والظاهر أنه قد تعلق بالشيخ(أحمد الداهوم) حتى أنه قد أهداه قصيدة في كتابه" أعمدة الحكمة السبع"، واصفا إياه بالحبيب. ونفس الشيء حدث للكاتب فورستر(E. M. Forster) الذي عاش في الهند حيث وقع في حب سيد روس مسود(Syed Ross Massod)، ومن السحاقيات المعروفات، نذكر الكاتبة جيرترود شتاين(Gertrude Stein 1874-1946) التي غادرت أمريكا في(1903) لهذا السبب وعاشت في باريس فترة طويلة مع حبيبتها. 21See, Literary Exile in the Twentieth Century, Ibid, p. vii-xix. Stanisław Barańczak napisał o tym: “W ِAngielszczyznie termin ”exile” jest używany poniekąd odruchowo, tak jakby stracił swój pierwotny sens: wyrzucenia kogoś bez jego zgody poza granice kraju”, i oznaczał ogólnie wszelkie sytuacje „zamieszkania pisarza poza granicami ojczyzny”, w: Między Polską a światem- kultura emigracyjna po 1939 roku, pod redakcją Marty Fik, Wydawnictwo Krąg, Warszawa 1992: 11 22 See Martin Tucker, Ibid, p. xviii 23 أنظر، مالك حداد، الشقاء في خطر، ترجمة ملك عبد العزيز وسليمان العيسى، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1962: 38-39 24 See Martin Tucker, Ibid, p. xviii 25 قارن، أدوارد سعيد، ييتس ومقاومة الاستعمار، مجلة "الكرمل" ع (30)، قبرص 1988: 13-14، وقارن النص الانكليزي أيضا: Edward Said, Nationalism, Colonialism and Literature, Minneapolis: University of Minnesota Press, 1990 26 See Latin America and The Literature of Exile, Ibid, p. 13-14 27 في بحث قدمه الشاعر والناقد البولندي ستانيسواف بارانتشاك(S. Barańczak)، اقترح إبدال كلمة مهاجر ب"البولندي الذي يعيش في الخارج"، على أساس أن التواجد في الخارج لا يلغي الهوية القومية والثقافية للمهاجر، أنظر بحثه المنشور في:(Między Polską a światem, pod redakcją Marty Fik, Wydawnictwo HRĄG, Warszawa, 1992, p. 20) 28 ديوان سعدي يوسف، ج2، دار العودة، بيروت 1988: 113 29 أنظرْ غالي شكري، مرآة المنفى أسئلة في ثقافة النفط والحرب، دار رياض الريس للكتب والنشر، لندن 1989: 39 30 يقول سميح القاسم: " أنا واثق أنه لو كنتُ في أي مكان، في دمشق أو بغداد أو الرباط، لخامرني شعور بأنني أتجول عبر الشوارع كما لو كنتُ قد ولدتُ فيها وعشتُ منذ قرون"، قارن، Victims of a Map- M. Darwisch, Samih al-Qasim, Adonis, translated by Abdullah al-Udri, Al Saqi Books, London, p. 51 31 See Nick Wadley, Klara Kopcinska: pisarz nigdy i nigdzie nie jest na wygnaniu. Stefan Themerson, w: Między Polską a światem, Ibid, p. 243-244 32 See Ibid, p. 241 and see Mały Słownik Pisarzy na obczyźnie 1939-1980, Interpress, Warszawa 1982, p. 333-324 33 لقد حاول ثيمرسون بعد وصوله إلى باريس في العام 1938 أن يكتب بالفرنسية، وبعد انتقاله إلى لندن في 1942 أخذ يكتب بالإنكليزية ليثبت فلسفته على صعيد الواقع العملي. 34 Ewa M. Stachniak, The Positive philosophy of exile in contemporary literature: Stefan Themerson and his fiction (Doctoral Dissertation, MC GILL University, Canada 1988): Dissertation Abstracts International, V 50/1/1989, p. 137 A Indiana University. 35 أنظر خليل ذياب أبو جهجة، رؤية ميخائيل نعيمة إلى ثلاثية الوطنية والقومية والإنسانية، مجلة الفكر العربي، ع (61) بيروت، تموز/أيلول 1990: 225، 221، وانظر، ميخائيل نعيمة، مذكرات الأرقش، المجموعة الكاملة، المجلد الرابع: 260-266 36See A new Type of intellectual: The Dissident in The Kristeva Reader, edited by T. Moi, New York: Columbia University Press 1986 37 يقسم هؤلاء الكتاب والمثقفون منفيين ولاجئين على ثلاثة أصناف حسب ظروف نفيهم: منفى لأسباب عنصرية- دينية كما حصل للكتاب اليهود، ومنفى لأسباب انسانية عبرت عنه مجموعة من الكتاب من خلال مقاومتهم للتطرف القومي وللممارسات الفاشية، مما أدى إلى عيشهم في المنفى، ومنفى لأسباب أيديولوجية ويشمل الكتاب الشيوعيين واليساريين عموما من الذي تصدوا للفاشية وتحملوا عواقب مواقفهم المناهضة للسلطات الهتلرية. أنظر بهذا الصدد: Herman Pongs, Lexikon der Weltliteratur A-Z, F. English A Dictionary of Literary Terms and Literary Theory, third edition, J. A. Cuddon, Cambridge 1991, p. 316 38 من خلال اهتمامنا، عبر ثلاثين سنة، بمتابعة ودراسة أدب المنفى والإغتراب العربي، مرت بنا عناوين ودراسات وظفت كلمة المنفى سواء بسطحية أو بعمق كما سنرى، لابد من الإشارة إليها. أنظر على سبيل المثال: شوقي خميس، المنفى والملكوت في شعر البياتي، دار العودة، بيروت 1971(ترد مفردة المنفى في هذا الكتاب عدة مرات بدون تحديد طبيعتها ومدلولها)؛ وثمة كتاب آخر يتطرق للمنفى بشكل عابر هو، مأساة الإنسان المعاصر في شعر البياتي، تأليف مجموعة مؤلفين، القاهرة 1966؛ وقدم الإعلامي المصري خالد سالم في جامعة مدريد-أوتونوما، أطروحة دكتوراه بعنوان" دراسة تحليلية مقارنة لشعر المنفى عند عبد الوهاب البياتي ورافائيل ألبرتي"، جامعة مدريد 1994، وهي الدراسة الوحيدة، حسب علمنا التي خصص فيها الباحث فصلين لدراسة مفهوم المنفى لدى الشاعرين المذكورين؛ وأصدر الناقد محمود شريح كتابا ممتعا عن الشاعر والناقد الراحل توفيق صايغ بعنوان "سيرة شاعر ومنفى، دار الريس، لندن 1989، وهو كتاب عن حياة وشعر توفيق صايغ ولا شيء فيه عن المنفى سوى ما توحي به حياة الشاعر ذاته، فتوفيق صايغ قد درس في أمريكا، بعدها دُعي للتدريس في إحدى جامعاتها، ولم يكنْ منفيا، غير أنه كان يعاني من وطأة الغربة دون شك؛ وصدر للناقد غالي شكري كتاب بعنوان"مرآة المنفى"، دار الريس، لندن 1989، وهو عبارة عن حوارات أجريت مع الناقد على مدى سنوات ونشرت في الصحافة العربية، تطرق الناقد في أحدها لموضوع المنفى، محاولا إضفاء مسحة من التأمل على الحوار. وصدر للروائي والناقد الراحل عبد الرحمن منيف كتاب مهم بعنوان"الكاتب والمنفى"، بيروت 1992، وهو يضم مجموعة حوارات مع الكاتب، وبعض مداخلاته التي تناول في بعضها المنفى بصورة أعمق مما لمسناه في العناوين المذكورة آنفا. ومن الكتب ذات الطبيعة المنهجية الأكاديمية، نذكر كتاب"قصيدة المنفى دراسة في شعر رواد الإحياء"، دار المعارف، القاهرة 1991، لمؤلفه مدحت الجيار. حاول المؤلف أن يرصد في بحثه ظاهرة المنفى في شعر ثلاثة شعراء مصريين هم الطهطاوي والبارودي وشوقي. وقد مر ذكرهما في الجزء الأول من هذا البحث الموسوم ب "تشكل ظاهرة أدب المنفى عربيا" والذي سيصدر في مجلة "صدى المهجر" قريبا، وهو جزء من دراسة كتب معظمها في جامعة انديانا الأمريكية مطلع التسعينات من القرن المنصرم، وستصدرمن قبل جامعة وارسو قريبا. كما ونوهنا سابقا إلى الجهود التوثيقية القيمة الأخيرة للشاعر والكاتب لطفي حداد في متابعة نتاج أدب المغتربين العرب.؛ وأخيرا لابد من التنويه بالكتاب الممتع للكاتب أحمد النعمان بعنوان "غائب طعمة فرمان أدب المنفى والحنين إلى الوطن"، دار المدى، دمشق 1996. وعذرا لمن لم أصلهم وبالتالي لم أشر لهم. 39 See David Remnick, The Exile Returns, The New Yorker, Feb. 14, 1994, p. 69 40 See Edward Balcerzan, Ojczyna wobec obczyzny, (w) : Między Polską a Światem, Ibid, p. 22 41 Abdul Wahhab Al-Bayati, Love, Death and Exile, translated by Bassam Frengieh, Georgetown University Press, Washington, D.C, 1990, p. 58 42 Ibid, p.160-166 43 See Paul Tabori, Ibid, p. 263, and Ellen Schrecker, The Age of Mc Carthyism a brief with Documents, st. Martin’s Press, Boston-New York, 1994, p. 76-86, and see Krzysztof Michalek, Dziedzictwo przeszłość wyzwania. Historia Stanów Zjednoczonych Ameryki po 1955 r., Warszawa 1995/maszynopis/ rozdział IV, p. 151-152 44 بدر شاكر السياب، الأعمال الشعرية الكاملة، مصدر سابق: 321 *هذا البحث يشكل جزء من دراسة طويلة عن الأدب العربي في المنفى الشعر العراقي نموذجا الذي صدرت أجزاء منها، وهي جزء من كتاب للمؤلف. وقد سبق وأن نشرت هذه الدراسة، قبل تنقيحها مؤخرا، في مجلة" المدى" العدد(13) لسنة 1996، ولايجوز استنساخها بدون الإشارة إلى مؤلفها والمصدر. المصدر [/frame] |
الساعة الآن 29 : 02 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية