منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الخاطـرة (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=30)
-   -   في صباح العيد (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=17019)

عبد الله راتب نفاخ 09 / 09 / 2010 01 : 11 PM

في صباح العيد
 
في صباح العيد

( أعرف أنهم ماتوا ، لكنني
لم أشعر إلا أنهم غابوا، و
الحبيب الغائب لا يتغير في
القلب مهما تراخت الأيام )
مصطفى صادق الرافعي
و جاء عيد جديد
و لا عيد يكون كأخيه الذي سبقه ، بل يأتينا و قد تبدلت في قلوبنا و حيواتنا أشياء كثيرة ، ذهبت أشياء و ولدت أشياء ، لكن مهما تغير فينا أو تغيرنا ، فإننا نبقى نمخر عباب هذا البحر الزاخر الذي كتب علينا أن نعبر لججه على غير هدى ......... هذا البحر الذي نسميه العمر .
يبدأ صباح العيد باكراً ، بتكبيرات معطرة بالحماسة تصدح بها المآذن ، و أنا مذ كنت صغيراً لم يجذبني في الدنيا شيء مثل صوتين ، صوت الأذكار التي ترفع من المآذن قبيل أذان الفجر ، فتغرقني في جو من الجلالة و تجليات الروح ، و أسبح بها في عوالم ملائكية راكباً زورق لحظات الليل الأخيرة ، و ما زلت إلى اليوم أسأل : أكنت بها أرتد إلى العالم الذي أتيت منه ،و كانت ما تزال بي بقية من ذكراه لأني حديث العهد به يومها .
و صوت تكبيرات العيد من مآذن حينا ، التي كانت ترافق أشعة شمس الصباح المخترقة نوافذ منزلنا القديم ، المذكرة بأن هذا اليوم ليس كأي يوم ، فهو يوم عيد .
أما اليوم ، فأجدني لا أرى لصلاة العيد معنى إلا إن أديتها في مسجد الحنابلة ذي الألف سنة ، أقدم بناء عرفته الصالحية ، و أجمل مساجدها على الإطلاق .
و بعد الفراغ من الصلاة أصعد مع الصاعدين في الطريق الجبلي الموصل إلى مقابر الصالحية القديمة ، التي لم يشتهر شيء في الصالحية شهرتها ، و لست أدري إلى اليوم لمَ كان أبناء هذه المنطقة يكثرون من بنائها ، أترى لصلة بينهم و بين الموت ؟؟ ... أم لهاجس به كان يحلق في رؤوسهم دوماً فيجذبهم إليه ؟؟
و مقبرة عائلتي أقربمن غيرها من المقابر و أقل ارتفاعاً ، و لذلك هي الأكثر ازدحاماً بمن سلكوا جسر العبور بين الدنيا و الآخرة ، فلا شك أن حاملي الميت مهما كانوا يحبونه فهم يستحبون التخلص من عبء حمله و الصعود به في طرقات قاسيون الشاقة بدفنه في أقرب المقابر إليهم .
و هناك في المقبرة أخلو إلى نفسي ، و إلى ذكرياتي مع سكانها ، أولئك الذين كنا نزورهم في بيوتهم ، فبتنا نزورهم هنا ، لكن ...... دون أن نراهم .
المقبرة هذه التي أطل منها على دمشق كلها ، فيمتزج الماضي بالحاضر في صورة واحدة أمام عينيَّ ، و رائحة الموت بمنظر الحياة ، و ذكرى الأحباب الراحلين بأزمات الواقع الخانق ، و الأحياء الذين بتنا نفقد بينهم الحب .
هناك ... في قبر واحد ... أبي و عميو جدي ، عالم لغوي و قاض كبير و مالك أراض ... !! ثلاثة لم يجمع بينهم إلا أنهم أقرباء ، و في قبر بجانبه جدتي و جدة والدي و عم آخر لي
رحمك الله يا أبا العلاء ، يا من تجاوزت بإنسانيتك حدودزمنك إلى كل زمان و كل أرض :
كم من لحد قد صار لحداً مراراً
ضاحك من تزاحم الأضداد
رحمهم الله .... عاشوا حياتهم في ظروف غير ظروفنا ، و أوساط غير أوساطنا ، ثم رحلوا عنا إلى المجهول الكبير ، فما عدنا نعرف من أمرهم شيئاً ، سوى أنهم كانوا في هذه الدنيا ، عاشوا بها أياماً ، ثم غابوا تحت هذا التراب .
و هناك ..... أحس بصلة تربطني بعالم من في تلك القبور ، و أرى أرواح أحبابي الذين غابوا تتجلى لي قي فضاء واسع و هم يلوحون لي في سلام ، بل كثيراً ما شعرت بقشعريرة غريبة تسري فيَّ ، كأن روحاً من أرواحهم ردت عليَّ سلامي ، أو لمستني .
آه منك أيها الموت ..... ألا تستطيع أن تخلي سنة من حصيلة جديدة ، من رفاق جدد تقتادهم إلى ما وراء الشفق الأزرق ، إلى العالم الذي لا نعرف عنه أكثر مما نقرأ في الكتب المقدسة ، تحرمنا منهم ، و تجعلنا نضيف إلى قائمة القبور التي نزورها قبوراً جديدة .
أفلا يحق لقلوبنا أن تعيش الفرح ، أن تتلمسه ، و هل كتب علينا أن نظل نتجرع كأس المرارة تجرعاً ، و أن نبقى ندور في دوامة آلامنا و أحزاننا إلى ما لا نهاية .
غادرنا بين العيدين أحباب جدد ، هوت أعمارهم كأوراق الخريف ، و تبددت أيامهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف .
فلئن كان عمرنا نهباً بين وداع و فراق ، و تذكر و تحسر ، و ذكرى و دمعة ، فمتى تسكن أرواحنا ؟؟ و متى نحس بطمأنينة السلام ؟؟ و متى نغمض أعيننا دون خوف من الآتي ، و متى يجيء عيد نثق أنه سيعود على كل من نحب و هم بيننا ؟؟
ألم بالقبر أغليه و ألثمه
و حولي الساخران الغيب و الأبد
أحبتي كلما غامت طيوفهم
هتفت لا تبعدوا عني و قد بعدوا

بدوي الجبل

زاهية بنت البحر 10 / 09 / 2010 15 : 12 AM

رد: في صباح العيد
 
[frame="13 80"]
الله الله، تبارك الرحمن
نص بديع دخل وجداني دون استئذان
فنبت الدمع في مقلَتَيَّ شجنا. وددتُ الاسترسال بهذا الموضوع الحميمي لكنني حقيقة خفت في ليلة العيد من نفض الغبارعن أحزاني بذكرى من رحلوا عن الدنيا وظلوا في القلب نبضا، وفي الفكر ذكرى. أستاذ عبد الله لي مع القبور حكايات إن شاء الله سيكون لي وقفة أتنسم بها عبير ماضٍ تولى بمن كانوا لنا سكنى المحبة والخير والعطاء. كل عام وأنت ومن تحب بخيرياابن أستاذنا الجليل أحمد راتب النفاخ رحمه الله وأحسن إليه.
:nic92:
أختك
زاهية بنت البحر
[/frame]

نصيرة تختوخ 10 / 09 / 2010 47 : 08 PM

رد: في صباح العيد
 
عيد سعيد أستاذ عبد الله، رحم الله والدك و من فقدت من أحبتك .
نصوصك تحمل الكثير من الحنين والمشاعر الإنسانية لذا فإنها تلامس قلب من يقرأها و تدغدغ ذكرياته.
تحياتي

رأفت العزي 11 / 09 / 2010 20 : 01 AM

رد: في صباح العيد
 
استاذي الفاضل الأديب الرائع عبدلله راتب
مساؤك الزهر والورد
بالفعل انه نص جميل رائع يدخل القلب والوجدان كما تفضلت أديبتنا زاهية وسبقتني الى القول
ربما نفس الأحاسيس والمشاعر المشتركة التي تجمعنا ناتجة عن ثقافة مشتركة وتربية انبثقت
عن العادات والقاليد الجميلة في حياتنا .. ولكن الجشع أحيانا أو الحاجة تحرم الذاكرة من رؤية
الأمكنة التي اعتادتنا أو تعودناها وتقطع علينا التأملات ..!
ربما صرنا أكثر راحة ولكننا بالتأكيد أقل سعادة نترحم على تلك الأيام التي عاشت فيها تلك الأرواح
العزيزة في كل عيد تزداد أثقالنا وتدفعنا نحو التصوف أو الشفافية اللتان جعلتاك تكتب بهذه الرقة
شكرا لك ورحم الله أعزاءك وكل عام وانتم بخير

ميساء البشيتي 12 / 09 / 2010 09 : 06 PM

رد: في صباح العيد
 
العيد وما أدراك ما العيد يا عبدالله

مواجع كثيرة تتفتح بالعيد

لكن مع كل هذا أقول لك لا بأس فالعيد أيضا ً للذكرى

شكرا لك وكل عام وأنت وجميع أحبتك بألف خير

عبد الله راتب نفاخ 15 / 09 / 2010 46 : 12 PM

رد: في صباح العيد
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زاهية بنت البحر (المشاركة 87483)
[frame="13 80"]
الله الله، تبارك الرحمن
نص بديع دخل وجداني دون استئذان
فنبت الدمع في مقلَتَيَّ شجنا. وددتُ الاسترسال بهذا الموضوع الحميمي لكنني حقيقة خفت في ليلة العيد من نفض الغبارعن أحزاني بذكرى من رحلوا عن الدنيا وظلوا في القلب نبضا، وفي الفكر ذكرى. أستاذ عبد الله لي مع القبور حكايات إن شاء الله سيكون لي وقفة أتنسم بها عبير ماضٍ تولى بمن كانوا لنا سكنى المحبة والخير والعطاء. كل عام وأنت ومن تحب بخيرياابن أستاذنا الجليل أحمد راتب النفاخ رحمه الله وأحسن إليه.
:nic92:
أختك
زاهية بنت البحر
[/frame]

أستاذتي الكبيرة القديرة
بارك الله بكم
يؤسفني أني قد أثرت كوامن أحزانكم ليلة العيد
و أنتظر أن أقرأ ما وعدتم به
لكم كل التحيات

عبد الله راتب نفاخ 15 / 09 / 2010 48 : 12 PM

رد: في صباح العيد
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نصيرة تختوخ (المشاركة 87561)
عيد سعيد أستاذ عبد الله، رحم الله والدك و من فقدت من أحبتك .
نصوصك تحمل الكثير من الحنين والمشاعر الإنسانية لذا فإنها تلامس قلب من يقرأها و تدغدغ ذكرياته.
تحياتي

بارك الله بكم أستاذتي
و بتعليقكم الذي أفخر به
لكم السلام و التحايا

عادل سلطاني 15 / 09 / 2010 06 : 01 PM

رد: في صباح العيد
 
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
ويبقى العيد عيدا أخي الحبيب " عبدالله راتب نفاخ" وتبقى أيضا غابة الحزن في داخلنا هكذا الحياة أيها السيد الفاضل
تحياتي لقلمك وقلبك أيها الإنسان


الساعة الآن 04 : 11 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية