منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   هل يجدي الندم . قصة قصيرة - نزار ب. الزين (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=17071)

نزار ب. الزين 14 / 09 / 2010 36 : 03 AM

هل يجدي الندم . قصة قصيرة - نزار ب. الزين
 

هل يجدي الندم
قصة قصيرة
نزار ب. الزين*
*****

إعتاد سامي بك منذ قدومه إلى مصيف (جل الغزال) أن يتوجه عصر كل يوم إلى مقهى ( الغابة المسحورة ) مشيا على الأقدام ، يتبعه عن بعد سائقه بسيارته الأمريكية الفارهة ، يمكث هناك ساعة أو بضع ساعة ، يتناول خلالها كوبا أو كوبين من عصير (جلاب*) ، ثم يقفل عائدا بسيارته إلى الدارة التي استأجرها لقضاء الصيف .
لفت سامي بك أنظار أصحاب المقهى أولا، ثم أهل الضيعة جميعا ، بكثرة أسئلته ، فما أن يقترب منه طفل أو طفلة أو شاب أو شابة ، حتى يناديه أو يناديها ثم يبادر إلى السؤال : << من فضلك ...ما هو اسمك ، و ما اسم والديك ، و ما اسم عائلتهما ، و ما اسم جدتك و اسم جدك ؟؟ >> و لكن أحدا لم يجرؤ على استفساره عن هدفه من وراء طرح كل هذه الأسئلة !
ربما هي هواية التعرف على الأسماء ، قال البعض ،
ربما هو فضول عجوز يريد التسلية ؛ قال آخرون ،
أما القلة من خمنوا ، أنه ربما يبحث عن شخص ما ؛ و لكن لِمَ لا يسأل مباشرة ؟ و لِمَ هذا الغموض ؟؟!
و في الدارة ، كان ينهض مبكرا ، فيجلس على الشرفة المطلة على وادي الصنوبر ، يرصد الغيمات الصغيرات القادمات من البحر و هي تتراقص مع نسمات الصباح العليلة على أنغام تغاريد العصافير و الترغل و العندليب ؛ و لا يلبث سائقه الذي هو في الوقت ذاته خادمه و طباخه و سكرتيره ، أن يقدم له القهوة بالحليب .
" سرح بعيدا في الماضي البعيد ، أيام الصبا ، يوم أحبها و أحبته ، يوم شعرا أنهما ملكا الدنيا بكل جمالاتها ، يوم تصورا أنهما ارتبطا بوثاق الهوى ، كعروة وثقى لن تفصمها قوة مهما بلغت .. و لكن وا أسفاه فصمتها الهزة الأولى !.. فقد اعترض والداه على زواجه منها و هدداه بحرمانه من الميراث .. و يا أسفاه فقد رضخ لهما .. هكذا بكل ضعف و خساسة "
غالبته بضع قطرات من الدمع ، ثم نادى حازم :
<< هل قرع بابنا أحد يا حازم ؟ >>
سؤال يتكرر كل بضع دقائق ، اعتاد عليه حازم و اعتاد أن يجيبه : << أي طارق سأجلبه إليك – سيدي - في الحال >>
فقد اعتاد أهل قرية جل الغزال ، أن يرسلوا أبناءهم أو بناتهم ، إلى بيوت المصطافين ، لبيع ما ينتجونه من ألبان و فواكه و خضار طازجة أو من خبز الصاج و مناقيش الزعتر .
فما أن يتقدم أحدهم أو إحداهن منه حتى يبادره أو يبادرها بالسؤال : << من فضلك ... ما هو اسمك ، و ما اسم والديك ، و ما اسم عائلتهما ، و ما اسم جدتك لأمك و جدتك لأبيك و ما اسم جدك لأمك و جدك لأبيك ؟؟! >>
*****
و ذات يوم لفتت نظره فتاة في العاشرة ،
أحضرها إليه حازم بعد أن اشترى منها حاجته من اللبن الحليب الطازج ..
تأملها سامي بك مليا قبل أن يسألها :
- ما اسمك يا صبية ؟
فأجابته كتلميذه تلقي درسها :
= أنا فؤادة بنت رعد رحمةَ الله ، يا بك ، و أمي اسمها سليمة .. يا بك
<< فؤادة ؟!
و لكن لم الاستغراب ؟ تلك هي عادة هذه العائلة !!! يسمون سليم و سليمة ، بديع و بديعة ، فؤاد و فؤادة ، نبيل و نبيلة ، أظن أنني اقتربت ؟!! >> همست ذاته إلى ذاته و هو يتأمل الفتاة من جديد ، ثم أضاف يحدث نفسه : << الشبه عجيب ، نسخة طبق الأصل >>
ثم همس للفتاة قائلا :
- و جدَّتك اسمها سعاد و شقيق جدتك اسمه سعيد و أبو جدتك اسمه أمين و أم جدتك اسمها نجوى ، أليس كذلك ؟
تجيبه و قد عقدت الدهشة لسانها :
= كيف عرفت اسم جدتي و أهلها يا بك ؟ هل تعرفهم ؟ هل تعرفنا ؟
يبتسم سامي بك ، و يتابع سؤالها دون أن يتمكن من إخفاء فرحته :
- و ماهي أحوال جدتك سعاد ، يا صبية ؟
= جدتي مقعدة ، أما جدي فمات السنة الماضية و خالي سعيد أخو جدتي مات قبله بسنتين .
ثم تضيف فؤادة متلهفة :
= أنت تعرفنا يا بك ، إذاً تفضل لزيارتنا ، يا بك ! بيتنا لا يبعد كثيرا يا بك !
إنه قرب النبع ، رمية حجر يا بك !
يبتسم لها ثانية ثم يجيبها بود و حنان :
- دعي والدتك تحضر لي اللبن الحليب غدا يا فؤادة !
*****
تدخل فؤادة تتبعها والدتها بخطوات مترددة خجلة ، يقبل الصغيرة و يستقبل أمها بترحاب كبير ، يتأملها مليا << صورة طبق الأصل عن أمها هي الأخرى >>
= لم أتشرف بمعرفتك يا بك ...
تسأله مرتبكة ، ثم تضيف :
= كيف أنك تعرف أهلي يا بك ؟
والدتي متلهفة بدورها لتعرف مَنْ - جنابك - يا بك !..
يبتسم سامي بك ، ثم يجيبها بهدوء و ود و حب :
- لوالدتك أمانة في عنقي يا سليمة ...
طلبتك من أجل سداد ذلك الدَين ..
إنه دَيْن عمره خمسون سنة ..
و اهمسي في أذنها :
<< سامحي من أساء إليك ، فقد أنهكه عذاب الضمير ! >>
ثم ناولها حقيبة مكتبية و هو يوصيها راجيا :
- لا تُفتح هذه الحقيبة إلا بيد سعاد بنت أمين البيَّاع ..رجاءً !
*****
تناولت العجوز الحقيبة ..
ثم ...
فتحتها ..
ثم ....
نظرت إلى محتوياتها مليا ...
فتجمدت عيناها ...
و تجمدت كذلك عيون أفراد العائلة الذين أنهكهم الفقر ...
و عيون الجيران الذين شاع بينهم الخبر فتكأكؤوا داخل المنزل و خارجه .. و قد فغرت أفواههم جميعاً..
"جاء الفرج ، ضمَنَّا جامعة الصبي .."
قالت سليمة ذلك ، و قد جحظت عيناها و كادتا تخرجان من مآقيهما ..
فقد كانت الحقيبة ملأى بالنقود ...
دولارات ، كلها من فئة العشرين ...
ثروة هبطت من السماء ..
و لكن ....
و لكن العجوز أغلقتها بعناية ...
صمتت طويلا ...
سرحت طويلا ...
غالبت دموعها طويلا...
ثم ......
قالت لابنتها بشفتين مرتعشتين ، أمام ذهول الجميع :
- أعيديها إليه و قولي له :
<< السنوات الضائعة لا تعوضها أموال قارون ... >>
ثم أضافت في سرها :
<< لا سامحك الله يا سامي ، لا في الدنيا و لا في الآخرة ! >>
*****
------------------------------------------------
* عصير جلاب : عصير خلطة ( كوكتيل ) من الفواكه يضاف إليها الصنوبر
------------------------------------------------
*نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
الموقع : www.FreeArabi.com

زاهية بنت البحر 14 / 09 / 2010 13 : 06 AM

رد: هل يجدي الندم . قصة قصيرة - نزار ب. الزين
 
الله أكبر
""لاسامحك الله ياسامي لافي الددنيا ولافي الآخرة""
دعوة قلب مجروح ، هزتني ، زلزلت أعماقي
جاءه العقاب في الدنيا قبل الآخرة، كيف سيكمل حياته ؟
كيف سيواجه نفسه، ويرى صورته في المرآة كل يوم؟
حرق قلبها بالهجر، ربما كان قد تركها في محنة ليجدها أمامه قبل لقاء ربه!!
فليذهب بماله إلى الجحيم، ولات ساعة مندم، وهي لها رب تكفلها وتستعد للقائه بما تحمل من زاد آخرة.
أستاذنا الكبير أديب الشعب د. نزار ، حفظك الله ورعاك وأدام عليك نعمة الفكر العميق
بما تقدمه لنا من قصص من قلب الحدث، فاتعظوا ياناس.
أختك
زاهية بنت البحر

نزار ب. الزين 19 / 09 / 2010 14 : 02 AM

رد: هل يجدي الندم . قصة قصيرة - نزار ب. الزين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زاهية بنت البحر (المشاركة 87927)
الله أكبر
""لاسامحك الله ياسامي لافي الددنيا ولافي الآخرة""
دعوة قلب مجروح ، هزتني ، زلزلت أعماقي
جاءه العقاب في الدنيا قبل الآخرة، كيف سيكمل حياته ؟
كيف سيواجه نفسه، ويرى صورته في المرآة كل يوم؟
حرق قلبها بالهجر، ربما كان قد تركها في محنة ليجدها أمامه قبل لقاء ربه!!
فليذهب بماله إلى الجحيم، ولات ساعة مندم، وهي لها رب تكفلها وتستعد للقائه بما تحمل من زاد آخرة.
أستاذنا الكبير أديب الشعب د. نزار ، حفظك الله ورعاك وأدام عليك نعمة الفكر العميق
بما تقدمه لنا من قصص من قلب الحدث، فاتعظوا ياناس.
أختك
زاهية بنت البحر

*****
أختي الفاضلة مريم "بنت البحر"
عذاب الضمير لا يقل عن آلام الجسد
إنه يحرق بلا نار
و هذا السامي ظن أن بعض المال سيريح ضميره
و لكن هيهات
***
أختي الكريمة
تفاعلك مع النص أثراه
أما ثناؤك فقد غمرني بدفئه
فلك الشكر و الود ، بلا حد
نزار

نعيم الأسيوطي 19 / 09 / 2010 59 : 09 PM

رد: هل يجدي الندم . قصة قصيرة - نزار ب. الزين
 
المبدع الكبير / نزار بن الزين
تحية حب وتقدير
كلما قرأت لشخصكم الراقي تعلمت من إبداعكم الكثير .. فحضرتك تجيد بحرفية كبيره طبع الجملة السردية في قلب المتلقي فيفكر ويتأثر ويتفاعل .. كما انك من الكتاب القلائل في الوطن الذين يجيدون كتابة الشخصية المحورية في القصة وعلاقتها بالمكان وتصاعد الحدث ببساطة شديدة.. وهنا يا سيدي تفاعلت مع إبداعك ولغتك الراقية..
يثبت النص وأتمنى أن تتولي الإدارة الموقرة بتنشيط الرابط على الأعضاء
مودتي وتقديري

نزار ب. الزين 20 / 09 / 2010 14 : 05 AM

رد: هل يجدي الندم . قصة قصيرة - نزار ب. الزين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نعيم الأسيوطي (المشاركة 88640)
المبدع الكبير / نزار بن الزين
تحية حب وتقدير
كلما قرأت لشخصكم الراقي تعلمت من إبداعكم الكثير .. فحضرتك تجيد بحرفية كبيره طبع الجملة السردية في قلب المتلقي فيفكر ويتأثر ويتفاعل .. كما انك من الكتاب القلائل في الوطن الذين يجيدون كتابة الشخصية المحورية في القصة وعلاقتها بالمكان وتصاعد الحدث ببساطة شديدة.. وهنا يا سيدي تفاعلت مع إبداعك ولغتك الراقية..
يثبت النص وأتمنى أن تتولي الإدارة الموقرة بتنشيط الرابط على الأعضاء
مودتي وتقديري

**********
أخي المكرم نعيم
عباراتك الوضَّاءة أنارت نصي و أدفأني
أما ثناؤك الرقيق فهو إكليل غار توج هامتي
فلك الشكر و الود ، بلا حد
نزار

نعيم الأسيوطي 08 / 10 / 2010 50 : 09 PM

رد: هل يجدي الندم . قصة قصيرة - نزار ب. الزين
 
شكرا على تواجدكم الكريم

نزار ب. الزين 22 / 10 / 2010 10 : 05 AM

رد: هل يجدي الندم . قصة قصيرة - نزار ب. الزين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نعيم الأسيوطي (المشاركة 90754)
شكرا على تواجدكم الكريم

******
أنت من يستحق الشكر لمتابعاتك المتواصلة مع كل الزملاء
نزار


الساعة الآن 09 : 03 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية