منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   قصة.. { سليم ... والطائر المُتكلّم } بقلم محمد حليمة (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=17398)

محمد حليمة 08 / 10 / 2010 48 : 05 PM

قصة.. { سليم ... والطائر المُتكلّم } بقلم محمد حليمة
 
[align=justify]
[align=justify]
[align=justify]
سليم ... و الطـَّـائـِـرُ الـمُــتـكـَــلـّم

إنها الآن الساعة السابعة والنصف صباحا ، تهيأّ سليم للذهاب إلى عمله كموظف
في شركة الكهرباء ، ولم يغب عن ذهنه الواجب اليومي قبل خروجه الى العمل،
فشرع في إطعام عصفوره المدلل ( طاهر ) . خاطبه سليم وهو ينثر له الطعام على
أرضية قفصه : اليوم قد أتأخر قليلا يا طاهر لجلب بعض الحاجيات ؛ فلا تقلق ...
فردّ العصفور طاهر : رافقتك السلامة يا سليم ، وانتبه لخطواتك .
خرج من بيته في تمام الساعة السابعة وخمس وثلاثين دقيقة ، وكان الوقت اللازم للوصول الى عمله عشرين دقيقة ، أي أنه كان يصل الى مكان عمله قبل خمس
دقائق من الموعد المحدد للدوام الرسمي ، وصل سليم عند الساعة السابعة وخمس وخمسين دقيقة . ولا تعجب.. فقد كان هذا دأبه طوال سنين عمله العشر.
رفع سماعة الهاتف ليطلب قهوة الصباح ... يا للأسف.. فكعادته موظف البوفيه لما يأت بعد ، فغمغم سليم قائلاً : حسبي الله ونعم الوكيل ، كما هي العادة؛ فلن
أتناول قهوتي حتى الساعة التاسعة إلا ربعاً . بدأ بإنجاز ما عليه من عمل ؛ من أضابير مكوّمة على الطاولة تخصّ المواطنين . لحظة ... فهذه الأضابير ليست خاصته ، فقد كان سليم ينجز كلّ ما عليه من عمل قبل انتهاء الدوام الرسمي ،أي قبل الساعة الثانية بعد الظهر، بسرعة وأمانة لا تضاها ، بل كان يبقى ـ إن لزم الأمر ـ الى ما بعد ذلك الوقت. أما الأضابير والمعاملات التي كانت مكوّمة فوق
طاولته فقصتها ... أنه كان يشارك سليما غرفة عمله ثلاثة موظفين ، ولكل منهم عمله ومعاملاته الخاصة به ، لكنّ الموظفين الثلاثة كانوا يغادرون المديرية قبل
انتهاء الدوام الرسمي، بساعتين أو ثلاث وأحيانا خمس ساعات ، لأعذار يجتهدون بنبشها من تحت أظافرهم . و( بحسب الموانة ) والزّمالة كانوا يكلون ما عليهم
من أعمال وواجبات على (صديقهم ) وزميلهم الطيب سليم ،الذي لم يكن يرفض لهم طلباً .. ولمَ لا إذا كان ذلك في صالح العمل وسيره على وتيرة متناسقة ورتيبة
تنفع المواطنين .(كما يقول سليم) وكم هي المجاملات والكلمات المزخرفة بأكاذيب مبطّـنة ،التي
كانت تنهال على سليم كلما أراد أن يغادر زميل له العمل ، تاركاً وراءه كومة من المعاملات غير المنجزة . إني لأعجب من هذا الرجل كيف يصدق أكاذيبهم وكلماتهم المعسولة ويقبل أن ينجز أعمالاً ليست واجبة عليه ، أوَلا تصله التمتمات و الغمغمات التي تدور بين زملائه داخل الغرفة وخارجها ؛ يقولون : مسكين سليم .. كيف نستغله إلى حدّ أن نأرجح أرجلنا من فوق كتفيه ،وهو راض يقول الحمد لله ....
وهذه ثرثارة أخرى تهمس : لم يبق إلا أن أطلب منه إرضاع ابنتي الصغيرة...
فيردّ عليها آخر ويقول : طبيعي أن يكون معكم بهذه السلاسة والطيبة ، كيف لا وهو مختل عقلياً ، ألم تصلكم أخباره مع عصفوره الذي يدعوه ( طاهر )
ــ نعم ، نعم.. يقولون أنه يكلم هذا الطائر ، وأن الطائر يكلمه ، أما رأيت يا خالد عندما قال لك : (( عصفوري طاهر ، يقرؤك السلام يا خالد .... )) فقال المدعو
خالد : إني لأستغرب قبول سعاد الاقتران به ... واحسرتاه على عقلك الرّاجح يا سعاد.
قال خبيث من بينهم : مهما يكن فمن غير الجائز إبقاؤه بيننا ، إنه يشكـّـل خطرا علينا وعلى حياتنا ، لو زادت حالته سوءاً ... أرى أنه يجب إبلاغ المدير ووضعه
في صورة ما يجري .
فضحك أحدهم وقال : الظاهر أنك غارق في العسل .. فالمدير يعلم عن هذا المعتوه كل شيء ، وتابع هذا الأخير بعد أن خفض صوته : ولكنّ مديرنا يدّخره للأيام
السود، أو كما يقولون ..( لأيام العـوزة ) عندما تأتي لجنة الرقابة والتفتيش ،
فيلصق بظهره المخالفات ، والتواقيع التي تمت تحت الطاولة ، والعقود التي أبرمت في الغرف المظلمة . دقّت الساعة الثانية بعد الظهر ، وضع سليم قلمه على طاولته ، وهـمّ بالخروج ،لولا أن استوقفه جرس الهاتف ... أهلا حبيبتي سعاد ..... لا تقلقي سأكون في بيت أهلك اليوم مساء .. قولي لزوجة عمّي أن تحضر لي الطعام الذي أحبه. جنّ الليل ... وبعد أن فرغوا من الطعام ، طلب سليم إعداد
الشاي ، ثمّ انفرد بخطيبته ، باح لها ما يشكو من غمزات ولمزات زملائه ، التي يقويها أكثر ظنهم بأنه لا يعلم بها ، وكيف أنهم يعتبرونه مجنونا ، وأن الطائر(طاهر) لا وجود له ، فهو من نتاج عقله المختل . وكعادتها سعاد ؛ واسته
وأسلت عن نفسه ، ثم أملت عليه ما يجب عليه فعله ....
في اليوم التالي رنّ جرس المنزل ، فتح سليم الباب بابتهاج ، والبسمة لا تفارق ثغره وهو يقود زملائه الثلاثة في العمل،الى غرفة الاستقبال، فقد لـبّـوا دعوة سليم على الغداء ظهر أمس، ترامى الى سمع الزملاء قول سليم ( وهم أيضا
فرحون بك يا طاهر ...) فعلت وجوه زملائه بسمة هازئة ، وهم يقولون بمكر :عصفورك المدلل فرح بقدومنا، لذلك هو يرمي علينا السلام، أليس كذلك .... فأومأ
سليم برأسه بالإيجاب . رنّ الجرس ثانية ، وإذ بسعاد تدخل بقوامها الممشوق ، فجعلت الأيدي تتسابق للسلام عليها ، ولم لا فهي المعروفة لديهم ، فقد كانت شريكتهم في العمل قبل أن تـقـدّم استقالتها منذ سنتين لأسباب مجهولة ، وكانت
تحتلّ مكانة عالية جدا عند زملائها جميعا ، فهي على حدّ قولهم؛ العقل الرّاجح ،والقلب الكبير الواعي ، وصاحبة الأخلاق الزجاجية الشفافة . الآن .. جَهـُزَ الطعام
، ودعا سليم الضيوف للجلوس حول المائدة ، ففاجأ الزملاء الثلاثة صوت سعاد الرّخيم وكأنه يردّ على أحد ما.. ( لا يا طاهر .. فأنا لست بجائعة...) وقف الثلاثة في مكانهم واجمين ، تنهشهم الدهشة ، وكأن الطائر ( طاهر ) بالَ على رؤوسهم . فقالت سعاد بصوت يشي بالثقة الزائدة، مع إيحاء بالتوبيخ :
ــ إن كنتم تستغربون من محاكاتي للطائر ، فالأحرى أن أستغرب أنا من استغرابكم، نعم.. أنا وهذا الطائر نتجاذب أطراف الحديث، كما يفعل سليم ، وليس سليم
بالمجنون أو المختل كما تقولون ، بل هو ذو قلب مؤمن طاهر نقي شفيف محب، مواظب على عمله بجد وإخلاص ، ومن كان قلبه كذلك شفّ قلبه لكلّ قلب بادله
نفس الصفاء والإيمان والنقاء ، ولا أنقى ولا أطهر من قلوب الطيور ، ولا أشفّ من سجيتها . إني أقسم لكم بالله .. أنكم ستسمعون (طاهر) يكلمكم وستكلمونه ، فقط لو خَلـُصَتْ قلوبكم من الشوائب الدنيوية العالقة ، ولو أذهبتم ما عليها من الكره والحسد والرّان .

محمد حليمة
[/align]
[/align]
[/align]

عادل سلطاني 08 / 10 / 2010 07 : 10 PM

رد: قصة.. { سليم ... والطائر المُتكلّم } بقلم محمد حليمة
 
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
جميلة فلذتك الرائعة " سليم والطائر المتكلم" أيها المبدع الفاضل " محمد حليمة" وهي تعكس واقعا سيئا يبصم مجتمعاتنا للأسف الشديد ولا يخلو مجتمع إنساني في العموم من ظاهرة الحسد أعاذنا الله وإياكم منه فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله فلذتك هذه جيدة السرد رائعة الحبكة يتسلل من كواها الرقيقة تحكم متمكن في إيصال الرسالة للمتلقي ..جميلة هذه الفلذة الرسالية النبيلة التي تعكس معدنك الراقي النبيل الذي تضاءل في زمننا القاسي شكرا على كشف عورة الواقع المزري ..
تحياتي أيها القلب الأخضر

أسماء بوستة 09 / 10 / 2010 17 : 02 AM

رد: قصة.. { سليم ... والطائر المُتكلّم } بقلم محمد حليمة
 
جميل ما قرأتُ أخي محمد
بأسلوب سلس وخيال خصب تناولت إحدى أعقد مشاكلنا الإجتماعية
للأسف في زمننا أصبح الطيب ،الخلوق، نقي السريرة ،معتوها وساذجا
أعاننا الله على تحمل هكذا مجمتعات و أناس..
تحياتي لك

محمد حليمة 09 / 10 / 2010 44 : 02 AM

رد: قصة.. { سليم ... والطائر المُتكلّم } بقلم محمد حليمة
 
سلام عليك أخي وشاعري الكبير عادل ... أيها النحاة العاتري
البارع ، الذي ينحت الكلمات المبعثرة ، فيخلق منها شعرا رائعا ، ونثرا
يفوح منه شذى الشعر .
سيدي لكم أسعدني مرورك المعطار دائما ، وزادني عزما وثقة ، تحليلك المتفهم
العميق ، لهذه المأساة الاجتماعية ، المنتشرة فينا كالوباء
ألقاك بخير أيها الجوهر اليتيم

محمد حليمة 09 / 10 / 2010 11 : 05 PM

رد: قصة.. { سليم ... والطائر المُتكلّم } بقلم محمد حليمة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أسماء بوستة (المشاركة 90785)
جميل ما قرأتُ أخي محمد

بأسلوب سلس وخيال خصب تناولت إحدى أعقد مشاكلنا الإجتماعية
للأسف في زمننا أصبح الطيب ،الخلوق، نقي السريرة ،معتوها وساذجا
أعاننا الله على تحمل هكذا مجمتعات و أناس..

تحياتي لك

أستاذتي الغالية.. السيدة أسماء ..
أسعدني مرورك الكريم ، وقراءتك المتفحصة لمنحوتتي المتواضعة،
فقد لمست ببراعةٍ؛ أحد مرامي هذه القصة ، وكنت أتمنى ( تمني الحالم ) لو كان الواقع على غير هذه الحال ، لأقف على منبر غير هذا المقال .
أستاذتي لقد نسجت من ياسمينك طوقا ، سأضعه حول عنق ما قرأت في صفحتي، وعنقي. وإنه لشرف لي .. أن تصحو كلماتي الناعسة ، على صباحات سيدة الضياء. وترشفَ من قهوة تحليلاتها الــ ( سكر زيادة )

حسن ابراهيم سمعون 09 / 10 / 2010 04 : 08 PM

رد: قصة.. { سليم ... والطائر المُتكلّم } بقلم محمد حليمة
 
جميلة فكرة هذه القصة , وانسحابها على الكثير من أنواع البشر (الموظفين ) وطالما يوجد من أمثال سليم فنحن بخير .
سلمت يداك يا محمد
حسن ابراهيم سمعون / سوريا /

محمد حليمة 10 / 10 / 2010 05 : 03 AM

رد: قصة.. { سليم ... والطائر المُتكلّم } بقلم محمد حليمة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسن ابراهيم سمعون (المشاركة 90875)
جميلة فكرة هذه القصة , وانسحابها على الكثير من أنواع البشر (الموظفين ) وطالما يوجد من أمثال سليم فنحن بخير .
سلمت يداك يا محمد
حسن ابراهيم سمعون / سوريا /

أسعد الله صباحاتك ومساءاتك .. أستاذنا الكبير وشاعرنا المتجدد،
حسن ابراهيم سمعون ... أرجو أن تكون قصتي قد نالت إعجابا حقيقيا من قبلكم،
ويكفيني أنكم اقتطعتم مساحة من وقتكم لقراءتها.
أستاذي.. أمدّك الله بالصحة و أغناك منها ، حتى تبقى لنا ، ولعائلتكم الكريمة ،
سندا ـ بعد الله ـ وذخرا ، وعطاء لا ينضب بحره ، ومدرسة سنظل جالسين على مقاعدها ، متعلمين ومستزيدين ، ونهمين لما تجود به من مكنونات ندر منبعها ،
وشهادتي هذه ؛ لو كان ( أهل الجرح والتعديل ) ـ السالفون ـ موجودين .. لكانوا
أثنوا على صحتها ، والْيأتوا إليّ لأعطيهم ـ ما يحتاجون إليه لتصحيح هذه الشهادة ـ أصحَّ الأسانيد . فلن أنسى فضلك عليّ ـ أبا ابراهيم ـ ما حييت .
لك دعواتي

ميساء البشيتي 12 / 10 / 2010 54 : 04 PM

رد: قصة.. { سليم ... والطائر المُتكلّم } بقلم محمد حليمة
 
اخي الكريم محمد حليمة

مساء الخيرات أخي

قصتك جميلة ..الطيبة وما أدراك ما الطيبة

نحن في مجتمعات لا ترحم الطيب فإما أن تستغله أبشع استغلال

أو تجعله عرضة للتندرات والطرائف ..

شكرا لك اخي ودمت مبدعا ً

محمد حليمة 12 / 10 / 2010 29 : 09 PM

رد: قصة.. { سليم ... والطائر المُتكلّم } بقلم محمد حليمة
 
أسعد الله مساءك أختي الفاضلة ميساء .....

ألف شكرا على مرورك الكريم ، وقراءتك للقصة ، التي حاولت أن ألطف

ولو قليلا من قساوتها ، ولكن قساوة البشر أقوى مني ، ويكفينا قول الرحمن جلّ حلاله

(( وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون )) .

مرة أخرى أيتها المتتعة والفاضلة.. يشرفني أن تحين منك التفاتة كريمة متفحصة لما أكتب،

وهذا يشكل بالنسبة لي بشارة خير ... دامت صباحاتك كلها ياسمينا ، وفي المساء تنعمي بشذاه .





الساعة الآن 12 : 08 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية