![]() |
لماذا رحلت عني يا أبي؟
لماذا رحلت عني يا أبي؟ .. . (حالو يا حالو.. رمضان كريم يا حالو.. حل الكيس وادينا بقشيش يا نروح ما نجيش.. يا حالو) - كل الأولاد معهم نقود، ويشترون ما يريدون إلا أنا؛ أعطني نقودًا لأشتري قطعة حلوى يا أمي. مصمصتْ أمي شفتيها في حزنٍ، وأقسمتْ أنها لا تملك من حطام الدنيا شيئًا.. (لماذا رحلتَ عني يا أبي؟) قلتها في نفسي بينما كنت واقفًا على باب البيت أتأمل الشارع وقد أضاءه نور الفانوس الكبير الذي صنعه (رمضان أبو شديد) لولده عنتر (المفعوص الذي لم يخرج من البيضة بعد) ففرح به وراح يقفز في الشارع مردِّدًا: (حالو يا حالو.. رمضان كريم يا حالو)، ودعا أقرانه ليتفرجوا عليه قبل أن تتم مراسم تعليقه بحبلٍ بلاستيكي متين امتدَّ من شرفة قلبه/شرفة بيتنا إلى شرفة البيت المقابل، ولقد حاولتْ أمي – كعادتها – أن تُطَيِّبَ خاطري وتقنعني أن الفانوس ليس خاصًا بأحدنا دون الآخر، لكنَّ (رمضان أبو شديد) كان محدَّدًا في كلامه عندما سأل (عنتر) بعد الانتهاء من تعليقه: ما رأيك في الفانوس الذي عملته لك يا (عنتر)؟ - إنه كبير ونوره زاهٍ.. إنه أكبر من كل الفوانيس في شارعنا يا أبي.. ثم أردف بالغناء: (حالو يا حالو.. رمضان كريم يا حالو.. حل الكيس وادينا بقشيش.. يا حالو) فأعطاه أبوه قطعة نقدية كبيرة خطفها وطار بها إلى الشارع، وسرعان ما أنفقها وعاد يقفز في فرح ملقيًا بنفسه في حضن أبيه ومعاودًا الغناء ليعاود أبوه حلَّ كيسه.. كانت يدُ عنتر مثقوبة لا تحتفظ بالنقود ومع ذلك فقد كانت لا تخلو من مدد أبيه الذي كان كريمًا معه كرمًا لا يعادله سوى بخله معي ومع أمي.. نعم كان (رمضان أبو شديد) حريصًا ألا تتسرب بعضُ القطع النقدية إلى يد أمي حتى لا تفرَّ إلى يدي.. فبقيتْ يدي جرداء كشجرة لا تصلها المياه، وعيني كإشارة مرور ثلاثية الألوان.. الأحمر من كثرة البكاء حزنًا على حظ صاحبها، والأخضر تطلُّعا إلى النقود العابرة من جيب (رمضان أبو شديد) إلى يد ولده (عنتر)، والأصفر في انتظار فرجٍ لا يجيء!! - أعطني لأشترى قطعة حلوى مثل الأطفال يا عمي. - وهل ترى نفسك ما تزال طفلا؟ إن أمثالك يعولون أُسَرَهَم.. قالها وعيناه تنظران لأمي نظراتٍ ذات معنى، فانزوتْ أمي في ركن قصي محاولة إخفاء دموع انحدرتْ - رغمًا عنها - على خديها، بينما يمَّمتُ أنا وجهي شطر غرفتي.. هل قلتُ غرفةً؟ نعم هي غرفة ولكنها شديدة الظلام لا تدخلها الشمس، ولا يعرف الهواء طريقًا إليها، وهي - قبل أن تكون غرفتي - مخزنٌ يحوي كلَّ مخلفات البيت، وفي زاوية صغيرة منها تقبع في خزي فرشتي الصغيرة وفوقها وسادة خشنة تخصصتْ في ابتلاع دموع لا تبخل بها عيناي كلما أسندتُ عليها رأسي.. (لماذا رحلتَ عني يا أبي؟) سألتُه والدموعُ تنهمرُ من عيني؛ فبللتْ دموعُه أناملي التي تقبض على صورته. |
رد: لماذا رحلت عني يا أبي؟
أخي الحبيب / مختار عوض
تحية حب وتقدير استمتعت بنصك رغن أنني اشفقت على البطل ( اليتم ) .. أخي الكريم / مختار عوض .. لا تحرمنا من تواجدك المثمر وتعقيباتك الرائعة على أخوتك بنور الأدب .. أمام هذا الجمال الحرفي يشرفني تثبيت العمل ودعوة كل الأحبة بنور الأدب للقراءة والتعقيب .. مودتي وتقديري |
رد: لماذا رحلت عني يا أبي؟
[read] حتى لو كان العم حنوناً إلا أن الأب حنيته تطغى على أولاده فهو كل شيء في حياتنا اللهم أمدّ بعمر جميع الآباء والامهات استمتعت بقراءة القصة وحزنت لما في سطورها من الم دمت أستاذ مختار معوض وننتظر المزيد من الإبداع دمت بخير[/read] |
رد: لماذا رحلت عني يا أبي؟
اقتباس:
أدعو الله أن يوفقني في أن أكون عند حسن ظنكم بي دائما، وثق أنني يشرفني أن أكون بالقرب من جميع نصوص الزملاء في كافة قاعات الإبداع هنا.. فقط ربما لا تساعدني ظروف خاصة في الأيام القليلة القادمة، بعدها ستملون مني.. هههه محبتي وتقديري وامتناني لتثبيت نصي المتواضع.. |
رد: لماذا رحلت عني يا أبي؟
اقتباس:
ناهد شما وشكرا لقراءتك الواعية.. وأحمد الله أن لقي النص إعجابك.. مودتي وتقديري. |
رد: لماذا رحلت عني يا أبي؟
استمتعت بالحكاية ،لاحنان في العالم يوازي حنان الأبوين
|
رد: لماذا رحلت عني يا أبي؟
تتجلى إنسانية الكاتب بصدق و شفافية كثيفة في هذا القص الواقعي و الأنساني الموجز فمن خلال الكلمات تتلمس إنسانية القاص، و إحساس الكاتب بمعاناة اليتيم، الذي قد يكون قد لامسها عن قرب. أحسنت و أبدعت أستاذ مختار عوض. دمت بكل الأبداع و التقدير و الأنسانية |
رد: لماذا رحلت عني يا أبي؟
أستاذ مختار نقلت لنا أحاسيس اليتيم المهمش بكل تجلياتها فأحسنت التعبير و الوصف.
نتمنى أن ينتبه كل الراشدون أن الطفل يظل طفلا يحتاج للالتفاتة حنونة كان يتيما أو مريضا أو حتى في أحسن حال. لك تحيتي و تقديري |
رد: لماذا رحلت عني يا أبي؟
اقتباس:
تقبلي التحية والتقدير اللائقين.. مودتي |
رد: لماذا رحلت عني يا أبي؟
اقتباس:
عبد الله الخطيب كم كنت كريما في تقييمك لنصي حين تحدثت عن البعد الإنساني، وبصدق أعترف لك أنها الصفة الأهم لدي.. أنها الـ تأتي قبل الشاعر والقاص والأديب والناقد، بل و(نوبل) نفسه.. إذ ما هو الأدب إن لم يتغلغل في أعماق الإنسان وكريات دمه بلونيها؟ إن الكاتب لا يكون كاتبا إذا تجرد من إنسانيته.. فشكرا لك، ثم شكرا على ما منحتني من شرف الإنسانية.. ودي ومحبتي |
الساعة الآن 49 : 06 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية