![]() |
حدائق الظمأ
حدائقي العطشى، تلك التي هجرها المطر وأتعبها الصقيع، جفف شرايينها وأوردتها الدموية. حدائقي المهجورة، قصفت أعناق زنابقها، لم يبقً من رحيق الورد سوى الذكرى. جلست بالقرب من قلبها ..
ينبض، ينبض قلب حدائقي متسارعًا. ينزف، ينزف قلب حدائقي محتضرًا. مرّ من هنا طيف صغيرتي يومًا، كانت ما تزال تمارس البراءة، لكنّها الآن تمارس الحياة. ألهذا أضاعت شبح ابتسامتها الجميلة؟ مرّ من هنا طيف أمّي التي كحّل الليل عينيها، لكنها الان تجترّ الحياة في لحظات الغروب، قبل أن تدلق الشمس بقايا خيوطها الدافئة خلف المتوسط. مرّ من هنا عابث بجيناتي، قال بأن الخالق أذن له بتحديد خارطة مستقبلي ومستقبل أبنائي، رمى في حديقتي حجارة كلسية فماتت .. ماتت أصابع الزنبق وانتحر العندليب تفاؤلاً فوق الجدار. حدائقي الظمأى لم تعرف طعم الماء منذ ولادتي عند حدود المستحيل. حدائقي انقلبت على ذاتها، قتلت ريحانها، امتلأت بالقبور، ضمّت رفات القصائد، شهداء الحرية المنشودة، المسروقة، المغتصبة، المهينة، المهانة عند عتبات الصفا والهوى. حدائقي فتحت أسوارها على امتداد الصحراء، هبط النسر الكاسر فوق ظلّي، نهش لحمي، سرق ناظري، لم يترك لي سوى مخيلة مشتتة ما بين الحب والغضب والدهشة. هنا سقط شاب وآخر غطا جسده بجسده المدميّ من أثر الأنياب والمخالب الجارحة. هنا سقط القصّ وأعلنت الرواية الحداد على كامل أبطالها دون أن تنتظر قلم الكاتب وإرادته. أبدت تمرّدها على السراب واجترار الأمل المعسول بسموم وطنية. حدائقي تنصلت لفسائلها، نسيت تربتها الخصبة وابتاعت حارس أحلام يقف عند مداخلها، حارسٌ يمنع الطيور المهاجرة من قطرات الماء المتجمعة في جوفها وشرايينها. حدائق الظمأ التهمت ما تبقى من شتاتي، وعدتني برسالة عاجلة من عشيقتي، لكنها عاجلتني برصاصة، صاحت: أنا حامل، جوفي نفط أسود، ذَهَبٌ يحرق رمش العين، اذهب أنت وحبيبتك قاتلا بعيدًا عن مدى البندقية. فليفنَ الورد في حدائق حرمت من قصائد النوى ورجع الغرام وكحل العين. لم يبق سوى ذكرى أمّي .. تلك التي كحّل الليل عينيها فكانت لأكون. |
رد: حدائق الظمأ
الأستاذ والأديب الكبير أ. خيري .. حدائق المنتدى أكثر عطشًا إلى قلمك الرشيق العميق .. خاطرة بديعة بقلم خبير يحترف صناعة الجمال ببساطة وسلاسة .. تحياتي وتقديري لقلم كبير أحترمه كثيرًا ..
|
رد: حدائق الظمأ
اقتباس:
إنها لحظات الألم التي إن لم نعاجلها عاجلتنا .. نهادنها حتى يتدفق القلم ليحمل عنا عبء المعاناة العربية وحالة المخاض العسيرة. لكنها تبقى أمة واعدة وستتغير الصورة في القريب العاجل بإذن الله. أشكرك على ثقتك الكبيرة وردك الجميل. باقة من الورد تليق بحضورك |
رد: حدائق الظمأ
خاطرة عابرة للمعاني و الآفاق ... جمعت الكثير في صفحة واحدة ... ًاختزلت و كثفت ... فأبدعت ... بورك قلمك المبدع حقاً أستاذي |
رد: حدائق الظمأ
سيدى المبدع الكريم
حائق من نور حولتها يد الغدر الى حدائق من جمرها وحولتها خاطرتك الجميلة إلى حائق من كلمات تكشف حقيقة هذا الوطن الذى قتل حكامه البراءة فينا , حدائق تشى أيضا بمستقبل مشرق لوجه هذا الوطن وعودة الأم الثكلى إلى حضن الوطن المسلوب ما اجمل خاطرتك أيها المبدع الكريم ولهذا الجمال فإنى أثبتها كل محبتى وعظيم تقديرى |
رد: حدائق الظمأ
اقتباس:
أشكرك على هذا الحضور، إنها مجموعة من الخواطر المتفجرة التي راودتني مؤخرًا في محنة انعتاق الوطن من جحيمه والخلاص من الأقفاص التي يقيم بها منذ عقود طويلة من الزمن. تقبل خالص مودتي |
رد: حدائق الظمأ
اقتباس:
لم تترك لي الكثير لأقوله بعد هذا الإطراء والتكريم الذي لقيه نصي في قسم الخاطرة لك مني كل المودة والتمنيات بمصر عربية حرة ورائدة قادرة على احتلال مركزها في طليعة العالم العربي |
الساعة الآن 34 : 10 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية