![]() |
ترقب
اتخذ لنفسه مكانا للجلوس و الترقب وسط القش و القمامة، متخفيا عن الأنظار حتى لا يثير انتباه المارة و حرس المراقبة. كان من موقعه يشاهد تلك الحركية التي لا تتوقف للبشر بأعمارهم و أطوالهم المختلفة، و ألوان ثيابهم المتعددة، و مواكب الدراجاتو السيارات بمختلف أشكالها و أحجامها .. فكر بصوت خافت : "ما أجمل أن تشاهد هذه الفوضى المتحركة في جميع الاتجاهات، و سيكون أجمل لو ظهرت وسط هذا الزحام صوت محرك هادر لشاحنة كبيرة، بطولها و عرضها.. و قوتها.. آنذاك سينسحب الجميع و يفسحون لها الطريق، حتى تمر كالفاتنة بينهم." ظل ينتظر في برجه الخفي، و بين الفينة و الأخرى كان يغير من وضعية الجلوس: يتمدد، يقرفص، يجلس الأربعاء، ثم يعود للتواري خلف علب الكارطون و الأكياس البلاستيكية المتناثرة. أوشكت الشمس على الغروب، و خفت الحركة في الساحة المقابلة، و في الشوارع المحيطة بها . بحث لنفسه عن قطع كرطونية ليفترشها في مكانه الهادئ هذا. كان ليله طويلا باردا و خاليا من الحركة، اللهم إلا من القطط و الكلاب و بعض رواد الليل المتمايلين، و أولئك الذين هم في مثل حالته الراهنة يحلمون و ينتظرون. خلد إلى النوم في مكانه الدافئ ..الرومانسي .. و استراح . استيقظت الساحة باكرا مع الأشعة الذهبية الباهتة ليوم مشمس منذ الصباح،و عادت شيئا فشيئا تلك الحركية السابقة بمشاهدها و شخوصها، بزحمتها، و أصواتها المتداخلة. كان ما يزال في برجه العالي، يراقب و يشاهد، يتأمل و ينتظر اللحظة الحاسمة. حوالي الساعة السابعة و النصف، دخلت الميناء مجموعة من الشاحنات الزاهية، بألوانها و أشكالها المختلفة. نط من مكانه ، هرع مسرعا نحوها، التصق بإحداها، حاول أن يتسلل تحت المقطورة باحثا عن مكان للاختباء، وقعت رجلاه على الأرض فاحتكتا بالإسفلت الخشن . فقد توازنه ، و تدحرج بقوة خلف الشاحنة، تركته وراءها و ابتعدت، و كأنها تأخذ الميناء و تهرب. سقط في بركة من الوحل و لم يستطع الحراك، بقي ممددا على أديم الأرض لبرهة من الوقت، ينظر إلى الشاحنة التي أفلتت منه ، و هو يتألم من الرضوض و الجروح، و يشتم الوحل و الطين. تحلق الناس حوله.. أوقفوه من سقطته .. أحس ببرودة الحديد في معصميه.. تدخل حرس المراقبة، أوقفوه و انتشلوه من حركية الترقب و الهروب، منعوه من الرحيل و هم يلوحون في وجهه : " تهمتك ثابتة مع سبق الإصرار و الترصد، لقد ضبطناك و أنت تحاول الهروب من الوطن." مكناس 28 - 12 - 2010 |
رد: ترقب
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]آه منها معاناة ! وكم واحدا أودى به وهم الهروب نحو سراب العيش الرغيد فعاد في كفن.
تقديري لك و تحيتي أخ عبد الله.[/align][/cell][/table1][/align] |
رد: ترقب
سأسرق عن أختي نظيرة ,,, قولها , ولن أزيد
يسعدني مروري من هنا حسن |
رد: ترقب
اقتباس:
الأخت العزيزة نصيرة تختوخ هي حالة تكررت كثيرا في بلدنا و بلدان أخرى و أودت بحياة الكثير من الأبرياء ضحايا مجتمع متنكر تعيث فيه أقلية من المتسلطين فسادا. مودتي. |
رد: ترقب
اقتباس:
لك مودتي و تقديري و شكرا على حضورك البهي و مرورك المشرق. |
رد: ترقب
اقتباس:
تّرّقُّب بداية كنت أتمنى ان يتم تشكيل العوان بهذا الشكل حتى لا تلتبث علينا القراءة لان العنوان من مفردة واحدة فيه خطورة شديدة وضبطه يحكم دلالته تبدا القصة بداية تحدد حالة بطل القصة وتدفعنا الى عنصر التشويق فيها فى حين ان مفردة " الترقب" زائدة لكن السياق العام الذى لم يكشف عن هوية البطل وانما ركز على الحدث اكثر جعل هذه الزياة تذوب فى متن الاستهلال التشويقى وتعميقا لتركيز القصة على الحركية المرتبطة بجغرافيا المكان عمدت القصة الى استخدام الوصف المشدى الذى يمور بحركة المارة والسيارات والحيوانات من ناحية ومن ناحية اخرى تحفز بطل القصة وانتظار الفرصة للفرار وهذا الوصف المشهدى اضفى على القصة نوعا من تماسك الخيط الدرامى ووضعها بين تحزفين تحفز بطل القصة من ناحية وتحفز المتلقى من ناحية أخرى لمتابعة الحدث الذى صنع بمهارة فينية جيدة حتى تحين الفرصة بظهور الشحانات طريق الخلاص وهنا تدخل بنا القصة فى منطقة جميلة هى منطقة صراع القوى وتتحول الى توظيف الرمز بمهارة تحتاج الى تامل فالشحانت طريق الخلاص من ناحية ومن ناحية اخرى هى رمز القوة التى لا تقهر حتى ان البطل حين تمسك بها لفظته ككل الحكومات حين تلفظ ابناء الشعوب وتدهسهم ثم تلقى بالتهم عليهم فحين فشل البطل قبض عليه بتهمة الهروب وهنا تدخل القصة من منطقة الشخصنة الى منطقة الكونية وينجح القاص فى كسر الحدث بما لم يتوقع المتلقى وفيه اشارة الى استمرار حالة العجز التى تعانى منها الشعوب والقهر الذى يقابل الخلاص من باب الخيانة أحييك على هذه القصة التى جاءت محكمة فى خطابها السردى وفنيتها الجميلة ولغتها الموحية الرشيقة |
رد: ترقب
الأخ الأديب المبدع عبد الحافظ بخيت متولي
هي حكاية زمن الهجرة إلى مدن الضباب بحثا عن الألدورادو الأوروبي .. أو إلى الوهم.. و النهاية معروفة.. نهاية مأساوية على كل حال. و التداخل قائم بين الهجرة و الخروج من الوطن ، هل هو خيانة؟ هل هو هروب؟ هل هو بحث عن فضا أرحب و أوسع لتحقيق الآمال أو الحقوق الفردية و الجماعية؟ و الترقب على كل حال يبقى إشارة عابرة إلى هذه الحال الوجودية للبحث عن شيء آخر خارج فضاء الوطن. أشكرك أخي عبدالحافظ على تحليلاتك الجميلة و الدقيقة و سأعمل بما أشرت إليه من ملاحظات هامة. مودتي و تحياتي. |
رد: ترقب
عبد الله فراجي قلم مغاربي عربي واعد..أرجو من السادة المشرفين الاهتمام بمثل هذه الأقلام المتعددة المواهب..وما تواجد الأخت نصيرة والضلعين السمعوني والحافظ إلا دليلا على ما ذهبتُ إليه... استمر أخي عبد الله ..أكتب ما دامت هناك فسحة للكتابة...
|
الساعة الآن 43 : 05 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية