![]() |
مشاهد من حدود النهرين
------------------------------- إلى بدر شاكر السياب الشاعر الكبير رمز العراق الذي رموا تمثاله في البصرة بالرصاص. ------------------------------------------ عُشْتَارٌ سَيِّدَةُ النَّهْرَيْنِ، تَمَادَيْ فِي مِحْرابِ الرَّهْبَةِ عَاشِقَةً، لِحَدَائِقِ بَابِلَ قَبْلَ الْفَجْرِ.. زَهْرٌ أَنْتِ الْمَحْبُوسَةُ فِي النَّخْلِ، كُونِي قَمرًا في مُنْتَجَعَاتِ الْهَجْرِ .. لِلرَّغْبَةِ مُنْتَصِبًا، كُونِي رُبَّانَ قَوارِبِ هَذا الْعِطْرِ.. الْمَنْقوشِ عَلى بابِكْ.. حُفِّي أَنْغامكِ في الْوَتَرِ، بِصلاةِ الْعِصْمَةِ في نُورِكْ.. .................. وَ إِذَا حَلَّتْ بِالْقَرْيَةِ عَاصِفَةٌ، وَ تَكَلَّسَ رِيقُ الشَّهْوَةِ مُلْتَهِبًا، في أَعْرَاشِ النَّخْلِ الْعَاري.. وَ قُطوفِ الأَشْجَارِ.. .................. وَ رَأَيْتَ الْقَوْمَ وَ قَدْ وَهَنُوا.. تَعَبًا ، كَرْبًا.. هَلَعٌ فِي أَرْجُلِهِمْ يَسْرِي.. شَوْكُ فِيهِمْ كَبُرودَةِ لَيْلٍ مِنْ سَقَرِ.. .................. وَ رَأَيْتَ حَمامَةَ نُوحٍ عالِقَةً ، فِي مَسْغَبَةِ الزَّيْتُونِ.. وَ الْقُرْصَانُ الْمُتَوارِي، يُنْشِدُهَا ألْغَازًا خَلْفَ الأسْوَارِ.. .................. وَ رَأَيْتَ جَحَافِلَ مِنْ قُطَّاعِ الطُّرُقَاتِ، كُلٌّ فِي قَلْعَتِهِ يَحْلُمْ.. بِكُنوزِ النَّمْرُودِ وَ هَامَانِ.. يَسْتَأْسِدُ مِثْلَ أَمِيرٍ مِنْ أُمَرَاءِ الأَنْدَلُسِ.. وَ الْكَعْكَةُ بَيْنَهُمُو تُقْسَمْ، أَشْطَارًا فَوْقَ الْقِرْطاسِ.. .................. وَ رَأَيْتَ السِّرْيَانَ يَؤُمّونَ مَآذِنَهُمْ .. وَ قَدِ الْتَحَفُوا أَوْرَاقَ الصُّبَّارِ، وَ رَمَوْا آلِهَةِ النَّهْرِ، فِي بِئْرٍ مِنْ نَارِ.. .................. وَ رَأَيْتَ خُصوبَةَ أَرْضِ الْحَلاَّج.. وَ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ جُبَّتِهِ.. سَقَطَتْ فِي مُنْعَرَجِ.. رَتْقًا خَاطُوهَا.. فِي ثَوْبٍ مِنْ دَنَسِ.. .................. وَ رَأَيْتَ دُمًى مُتَرَاقِصَةً فِي الْخَشَبَةْ، وَ خُيوطُ اللُّعْبَةِ فِي أَيْدِي مَرَدَةْ.. تَسْتَعْرِضُ أَدْوَارَ الْفِرْقَةْ.. في الْمَسْرَحِ خَلْفَ سِتارِ ، .................. وَ رَأَيْتَ العَاشِقَةَ القَلِقَةْ.. فِي قَلْعَتِهَا أَسْرَابُ حَمَامٍ زَجَّالٍ، وَ حِكَايَاتٍ لَمْ تُكْتَبْ لِلأطْفَالِ.. وَ رَأَيْتَ... رَأَيْتَ... رَأَيْتْ... .................. سِيزِيفُ حِصَانٌ لَمْ يَقْفِزْ فِي الرِّيحِ، لَمْ يَقْتُلْ زَوْجَتَهُ.. لَمْ يَسْرِقْ نَارَ الآلِهَةِ.. لَمْ يَقْطَعْ حَبْلَ السُّرَّةِ مِنْ عُشْتَارٍ، وَ الْقَرْيَةُ فَاحَتْ رَائِحَةَ الإِعْصَارِ، وَ دُرُوبُ النَّزْفِ الْتَهَمَتْ شَارِبَهُ.. شَنَقَتْ فِيهَا الأَشْجَارُ الأَشْجَارَ.. وَ سَمَاءُ النَّهْرَيْنِ انْحَبَسَتْ.. هَرَجًا .. مَرَجًا .. سَالَتْ دَمْعًا فِي مُعْتَقَلِ الصُّبَّارِ.. .................. فَاعْلَمْ أَنَّ الْقَلْعَةَ سَاحَتْ رَمْلاً.. وَ قَوَافِلُ تُجَّارُ الْخَرْدَلِ.. مَا عَادَتْ تُزْهِرُ عَسَلاً.. وَ غَسِيلُ الْقَرْيَةِ رَاحَ مَعَ الطُّوفَانِ، وَ رِمالُ الْشُّطْآنِ انْتَشَرَتْ فِي الرِّيحِ.. مَعَ الْبَرَدِ.. .................. وَ اعْلَمْ أَنَّ الشُّطْآنَ الْتَهَمَتْ تُوتَ الأَرْضِ.. وَ بُحَيْرَاتُ النَّهْرَيْنِ شَظَايَا.. وَ سَمَاؤُكَ مُذْنِبَةٌ.. بِقَرَابِينِ الشَّجَرِ.. لَنْ تَجْلِسَ فَوْقَ رَصِيفِ النَّهْرَيْنِ سَعِيداً.. فِي مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ.. لَنْ تَحْبِسَ أَنْفَاسَكَ فِي صَدْرِ عَشِيقَتِكَ الثَّكْلَى.. مَرْهُونٌ أَنْتَ اللَّيْلَةَ كَالنَّاطُورِ.. قِدِّيساً فِي مَاخُورِ بَغَايَا.. مَا صِرْتَ الْيَوْمَ شَهِيداً: - لاَ مَشْنُوقاً فِي سَعْفَاتِ النَّخْلِ، - لاَ ضِمْنَ الْقَتْلى... 05 / 06 / 2010 (مكناس - المغرب) |
رد: مشاهد من حدود النهرين
اقتباس:
|
رد: مشاهد من حدود النهرين
اقتباس:
مودتي الخالصة. |
رد: مشاهد من حدود النهرين
الجار الكريم والأخ الأكرم عبد الله..أهلا وسهلا بك شاعرا تعرفه قوافيه ..شاعرا أحكم نسج صوره ومعانيه...شاعرا عبّأ نصه بألف ألف رمز... إذا كان السياب ألهمه إيليوت فأنتَ كدتَ تلامس روح السياب !!!
نصك يعج بالإرث الجميل ..بالأسطورة والمأثور..فحين تستوقفك رموز لها دلالتها الأسطورية وبعدها الروحي والوجداني تدرك أن من يوظفها يدرك أثرها في تجسيد الصورة الشعرية والدلالية... وقفتُ طويلا أمام هذه الرموز: عشتار ـ حدائق بابل ـ حمامة نوح ـ النمرود وهامان ـ أمراء الأندلس ـ آلهة النهر ـ الحلاج ـ المردة ـ سيزيف ـ الطوفان....فكل رمز قصيدة في حد ذاته ! ولكل رمز بُعدُه في وجداننا ! والمزج بين كل هذه الرموز والدلالات في انسيايبة قاهرة يولّد فينا الإحساس بوجود عالم سحري من طقوس الأولين..فنرحل بالذاكرة..بذواتنا عبر الأزمان إلى أجواء أمكنة لم يبق منها إلا الرمز ...هذا الرمز الذي حاولوا هدمه ..إزالته رغم تجدّره في الوجدان...فالشاعر إذا كان إنسانا أنسن ما حوله من جمادات وخبّأ داخل كل نخلة أو حبة رمل أو قطرة ماء أو حجر جيناته ليستمر في الأكوان..والإنسان إذا كان شاعرا كالسياب لا يقتله الرصاص...وإن سقط التمثال فنحو الأعلى ..فالسياب أقمنا له في وجداننا أروع تمثال !! أخي عبدالله جزاك الله خيرا لأنك أشعلتَ فيّ جذوة كادت تخبو...فشكرا لك ألف شكر... |
رد: مشاهد من حدود النهرين
اقتباس:
فقد كان الذي راعني و أرقني حين قرأت ذلك الخبر الشنيع حول قيام إحدى الميليشيات الشيعية في البصرة بإطلاق الرصاص على تمثال السياب ، و كأننا في عصر النازية التي كانت تدمر و تتلف كل ما له علاقة بالثقافة و الفكر، فكتبت هذه القصيدة ، و تخيلت فيها أنني اخاطب السياب عبر كل الإرث الفكري و الحضاري و التاريخي للعراق الشامخ القوي، عراق الحضارة و المجد ، و الذي صيره الخونة و الممالؤون للإستعمار الجديد مرتعا للتخلف و الفقر، و أرجعوه إلى فترة ما قبل الحضارة. و تعليقك أخي محمد زاد من قيمتها و رفع شانها إكراما للشاعر الكبير بدر شاكر السياب و للعراق الحبيب، فالف تحية و تحية، و شكري و تقديري لك جاري العزيز، علما بأنني من شرق المغرب ، و من وجدة بالضبط و أشتغل حاليا في مدينة مكناس، و بالمناسبة آمل أن تعود العلاقات بين شعبينا الجارين، فنحن عائلة واحدة، و تبا للسياسيين و ما يأتي من السياسيين. مودتي. |
رد: مشاهد من حدود النهرين
اقتباس:
|
رد: مشاهد من حدود النهرين
ما أحلاكما ,, وما أروعكما بعناق حبركما ...
أخي عبدالله ,,,دعني أشهد بالفرادة لك ,, ولن أزيد على الصالح حرفًا ,, وهو كناقد قد يرى بأننا ( أنا وأنت) من ذات المدرسة ,,, فأنا أحب التناصات ,, والأسطرة ,,وأستحضر التاريخ كثيرًا لذلك أقول ,, النص أعجبني .. يسعدني مروري من هنا حسن |
رد: مشاهد من حدود النهرين
اقتباس:
|
رد: مشاهد من حدود النهرين
اقتباس:
و شكرا لأخي الشاعر المبدع حسن ابراهيم سمعون. دمتما متألقين أيها الجميلان. مودتي. |
رد: مشاهد من حدود النهرين
اقتباس:
عذرا أخي الشاعر المتميز حسن ابراهيم سمعون على هذا التأخير في الرد، و أشكر لك اهتمامك الراقي بنصي الشعري، و ذلك شرف لي اعتز به. و ربما نحن كما قلت لا نرى الشعر إلا نصوصا قوية في مبانيها و معانيها، و تقاطعاتها و تناصها الرمزي و الفكري.. فشكرا لك مرة أخرى. مودتي. |
الساعة الآن 26 : 07 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية