![]() |
مرارة الموت والفقد - نبضات دافئة في شارع العمر - طلعت سقيرق / هدى الخطيب
[frame="10 98"]
[align=justify] صديقتي الحبيبة هدى أبدأ نبضاتي هذه المرة بمحاولة مداخلة الحب ، مداخلته بطريقة قد تكون غريبة بعض الشيء .. تعرفين يا حبيبتي أننا نحب فتتشكل هذه الكيمياء الغريبة داخل أجسامنا .. ومشكلتنا الكبيرة تتحدد في طرق فهمنا للحب !!.. دائما يربطون مفهوم الحبّ بمفهوم العلاقة بين جسدين، متناسين أنّ هذا جنس وليس حبا خالصا .. والفرق جدّ كبير، لأن الجنس قد يكون رغبة عابرة ، بينما الحب حياة وتواصل ودفء وديمومة ويوميات وأشياء صغيرة نكتبها بصبر وأناة شديدة .. ودون أن ندري يصير هذا الحب جزءا منا ، جزءا حقيقيا تصعب الحياة من غيره ونتعذب حين نفقد الطرف الآخر فيه .. ونرى أنّ روحه مازالت تحوم حولنا لفترة طويلة .. ذلك ليس من أثر تفكيرنا فقط ، بل من أثر تفكير روح المحب ، أو الطرف الآخر بنا .. عندما رحل خالي يحيى بين يديّ مرّت كل هذه الأشياء بلحظة واحدة .. قال لي الطبيب :" من نخبر " هززتُ رأسي دون أن أقول شيئا .. قال :" العمر لك .. البقاء لله " .. يا هدى أنا لست صغيرا .. لست طفلا يحبو .. أنا في الرابعة والخمسين .. لكن بصراحة يا هدى شعرت باليتم ، شعرت ُ بأنني أفقد نصفي .. أو جزءا هاما من حياتي .. شعرتُ أنهم يكذبون أو أن شيئا ما غير طبيعي يحدث .. هذا الجسد الذي تسكن فيه الروح ونختلق الكثير من المنغصات كي نثيره نكون في أحط درجات حيوانيتنا .. لأننا ببساطة سنعرف قيمة هذا الوعاء الفيزيائي الذي نسميه الجسد حين نجده جثة هامدة لا حراك فيها .. عندها تنفتح كل صنابير الذكريات دفعة واحدة .. تتحرك الضحكة لتصير إنسانا .. الدمعة .. الالتفاتة .. الخطوة .. اشتباك الأصابع بالأصابع .. تطنّ الكلمات كفراشات من غزل الربيع وزهره .. تنفتح فينا فجوات غريبة الشكل تتسلل منها أشياء وأشياء عن ماض ٍ لما يزل .. تنكسر فينا الأنا متبعثرة باحثة عن رحيق وردة من ورد الحبيب .. أعرف يا هدى أنك كنت تطلبين مني الهدوء والعودة وأنت تتمزقين .. أعرف أنك كنت تطلبين من الغالية فابيولا وغيرها ممن حولي أن يخرجنني مما أنا فيه من حزن وأنت تذبحين .. كنت أرى إلى حزنك وأنت تحاولين مداواة جراحي فأمد يدي مبللة بالضوء محاولا أن أخفف عنك .. كلانا يا حبيبتي كان ينزف ويطلب من الآخر أن يوقف نزيفه .. كان خالي حبيبا مثل شجرة تعرف متى تظللنا ومتى تسحب الظل لننتعش بشيء من رائحة المطر .. هدى حاولت قدر استطاعتي الاختصار وضبط أعصابي خوفا عليك فأرجوك لا تشعلي الحريق حتى لا يحرق ما تبقى من صبر .. طلعت سقيرق دمشق 27/7/2007 طلعت يا صديقي.. لن أشعل الحريق و لن أبكي الحبيب جرحا ينزف فوق سطورك الموت ريحٌ قاسية و الراحلُ بضعٌ مني و أنا بضعٌ منه بعض دمي في عروقه التي جفّت وعلى صفحة وجهه كنت أرى بعض ملامحي و في كتاب عمره صفحات كثيرة من طفولتي و شبابي كان صديق الجميع حتى أن معظمنا كان يناديه باسمه مجرداً بلا لقب عم أو خال.. هو جزءٌ منّا و فينا.. في ذاكرة أيامنا و ليالينا على طول العمر.. يا ابن عمتي.. موت عمي يحيى جعلني أدرك معاني جديدة عليّ عن الروح عبر هذا الخيط غير المرئي بين الأهل و الذي ما كنت أظن أني سأتبينه يوماً في الحياة و قد يبدو غريباً بعض الشيء أن أتحدث في هذا المقام و المقال عن حادثة يرويها الإمام بن قيّم الجوزية في كتابه: " الروح " و هي عن صعب بن جثامة بعد وفاته بفترة و قد زار في المنام عوف بن مالك و كانا قبل موت الأول متآخيين و قال له من جملة ما قال: " اعلم أن ابنتي ستموت إلى ستة أيام فاستوصوا بها معروفاً" و طلب عوفٌ الفتاة و كانت تلعب مع أقرانها فإذا هي محمومة و ماتت فعلاً بعد ستة أيام.. كثافة الجسد المادي تحجب عنا الكثير ممّا عليه أرواحنا، لكن الروح مدركة و هو والله أعلم ذات الإدراك قبل الموت لكنها بعده تتخلص من هيمنة الجسد و كثافته و اختلاط الأفكار والمعلومات بين العقل المادي و مشاعر الحب و الخوف و التوجس على كل من نحبهم و شعاع إدراك الروح و الذي كثيراً ما يخبو و يختلط بين كل هذا الكم تحدث الناس عن الحاسة السادسة لكن الحاسة السادسة حقاً ما هي إلا الروح المدركة.. منذ شهور و أنا أحس بظلّ الموت يخيّم و كآبته تنسج كفنها نعم أذكر أني منذ بضعة أشهر انتابني إحساسٌ بأن عمي يحيى سيموت و سهرت ليلتها حتى الصباح أبكيه و كتبت لك عن إحساسي هذا و طمأنتني و لعلك حاولت أن تطمئن نفسك بطمأنتي، و صدقتك لأني كنت أريد أن أصدقك و اتصلت به و ضحك معي كعادته.. و أقسمت على ابنته نجلاء أن تقول لي إن كان بخير و طمأنتني لكن شبح الموت بقي يخيّم و كنت أحس بروح أبي أقرب من أي وقت مضى فأبكيه و كأنه مات بالأمس القريب و اختلطت الأحاسيس و عشت حالة من الرعب على الجميع و اكتشفت بأن أختي نجلاء ينتابها ذات الإحساس..أهي روح أبي؟!! و في آخر اتصال قبل سفره الصيفي المعتاد من كل عام مع العائلة من طرابلس إليكم في دمشق شعرت بشيء غريب و كنت أريد أن أعاود الاتصال به لكني تراجعت قائلة في نفسي لعلهم ينامون ساعتين فالطريق أمامهم طويلة.... لكنه كان حديث الوداع.. و كان الوداع!!!! نعم يا صديقي إني أحسّ بآلامك و حالك و تصلني عبر الحاسّة السادسة أو هي الروح التي تدرك حالك.. هي الروح التي تجعلني بتوقيتي في الثالثة صباحاً أتصل بعمتي فأجدها تتلوى من آلام الحزن في الصباح بتوقيتكم قبل أن يستيقظ أهل البيت ممزوجا بخوف فاجأها على عمي سيف الدين ليكون هو هنا في أسوأ يومٍ مرّ عليه منذ وصله الخبر الذي خبأناه عنه و بحث عنه بحدسه.. أليست غريبة كل هذه الخيوط؟!! لا يا طلعت يا صديقي لن أشعل الحريق لأنك غال ٍ عليّ و لأني أخاف عليك من الألم.. كنت أشتاق له فأتصل به أما الآن فأنا أحس به و بوجوده أحس بروحه تزورني.. ثلاث أمانات ماسية غالية تركها لنا لنصونها و نحميها و نحافظ عليها من بعده.. أحلم أن أرى نجلاء طبيبة كما كان يتمنى و نـور و يونس مثلها.. هل مات عمي يحيى؟!! فارقنا الجسد و الروح معنا.. لا يموت المرء إلا حين يموت كل من يحبه و يحفظه و يعيش في وجدانه و يذكره فاصبر يا صديقي هـدى الخطيب مونتريال 28/07/2007 [/align] [/frame] |
رد: مرارة الموت والفقد - نبضات دافئة في شارع العمر - طلعت سقيرق / هدى الخطيب
الأستاذة والأخت الغالية هدى .. جلست أقرأ ليعتصر الحزن قلبي .. فأنا أعرف العلاقة الوثيقة والوطيدة التي تربطك بشاعرنا وأديبنا الغالي طلعت سقيرق فقيد نور الأدب رحمه الله وأسكنه فسيح جناته .. فهي علاقة دم وارتباط منذ الصغر .. والحب الحقيقي هو التفاهم والتناغم التام في الأفكار الروئ , والتكامل في الشخصية ,والأهداف والأحلام المشتركة .. لكن الموت يأتي و يبعثر تلك الأهداف والأحلام ويحاول أن يحطمها , فنشعر بمرارة الموت , بل والخوف منه .. ففراق الحبيب والصديق يفقد التوازن , ويشعرنا بالضعف وعدم الرغبة في الحياة ..وأن الحياة أصبحت بلا أي طعم فكل الأشياء أصبحت متماثلة.. ولكن يجب أن نقاوم هذه الأفكار السلبية وأعرف أنها مسألة في غاية الصعوبة .. والحمد لله نحن نؤمن بقضاء الله ونرضى به .. وبمشيئة الله سيبرد الله قلبك يا أختي الحبيبة .. لتواصلي ما بدأه شاعرنا الغالي ليصبح نور الأدب دائماً ساطعاً متميزاً كعهدنا به .. ونحن في انتظار المزيد من ابداعات الغالي الشاعر طلعت لتملأ نور الأدب .. تحياتي وتقديري
|
الساعة الآن 54 : 07 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية