![]() |
بنت البيك
بنت البيك منذ صغري تتكرر على مسامعي كلمة : بيك ، وكانت تترافق مع اضطراب أهل القرية وتسارعهم لإبداء النشاط والعمل ، بل وتسري بينهم شائعات عن معاقبته لفلان أو فلان ، والجميع يبدون متجهمين لا تنفرج أساريرهم حتى يرووا سيارته اللامعة تعود أدراجها ، وبعدها يتجول المختار وهو يقوم بمتابعة أعمال الفلاحين ويسمى : وكيل البيك كذلك ، ويلقي ببعض التعليمات التي أمر بها البيك وربما تكون من اختراعه ويلصقها بالبيك ليعطيها قوة التنفيذ كان وكيل البيك ( أبوعناد ) صلفا متكبرا يمتاز بالخشونة وبخاصة عندما يحاول أن يبدو مسؤولا ، يتصرف بفظاظة وغلاظة ، ويتحدث عن ثقة البيك به , لو قال له كذا عن فلان لعاقبه البيك المحترم ، ويردد دائما : عند قسمة الغلال سأحاسب بعدد حبات القمح مشككا في أمانة الفلاحين وكثيرا ما سمعت جارنا أبو عسيى وهو سهران مع والدي على البيدر يقول إذا وردت سيرة المختار : كلب البيك بيك كثيرا ما كان البيك يتجول بين البيادر وأكوام القمح تنتظر مروره الكريم مع المختار لاخذ نصيبه منها لأنه هو صاحب الزرع والضرع ومرة سأل أبوعناد والدي: ــ أية جهة من القسمة نأخذ يا أبا توفيق ـــ الشرقية قال : ـــ لا الغربية رد والدي : ـــ عد حبات كل كومة وخد الأكثر وتمتم : إن كنت تعرف العدّ ، رآني البيك مع وكيله أساعد أبي فسألني : ما اسمك ؟ ــ وسام رد أبي : ـــ هو طالب في الجامعة وسوف يتخرج بعد شهر, برم وجهه إلى الجهة الأخرى : ـــ علمه الفلاحة يا أبا توفيق ولم ينتظر جواب والدي فقال لي : ـــ يا ولد أذهب وأوصل الأشياء الموجودة في صندوق السيارة إلى القصر وأعطيك خمس ليرات نظرت باتجاه والديوقلت له : ـــ اطلب ذلك هذا من والدي ، فرد أبي على الفور : ـــ يا بيك نحن مثل الأرض لا نخدم إلا من يخدمناودع فلوسك في جيبك رد المختار منافقا البيك وقال : ـــ يا أبا توفيق لا ضرر في أن يذهب الولد لخدمة البيك فجميعنا في خدمته ــــ وسام ليس ولدا بل هو رجل ذو شنب ,يا مختار أنا أتحدث إلى البيك فلا تحشر نفسك فيما لا يعنيك ، وإذا أنت في خدمته فنحن في خدمة الأرض شعرت بالاعتزاز الشديد بوالدي استغربت مرة أن البيك جاء بمفرده إلى والدي وبدأ يتحدث بصوت منخفض ، كنت أسمع بعض الكلمات : رانية ... صعب.. وسام .. ثانوية بعد أن غادرنا ضحك والدي كعادته مناديا لي ، وتحدث عن ابنة البيك وأنها تحتاج لدروس تقوية في اللغة العربية و سألني : ـــ ما رايك ؟ لا أستطيع أن أصف شعوري ساعتها كانت مشاعر متناقضة متنوعة يجتاحها الإعجاب بالنفس ، وذهبت فرأيت فتاة بمنتهى الهدوء والجمال وسكينة النفس بعكس والدها ، صوتها رقيق ، وكلامها همس أنثوي عذب ونظرتها تخترق أعماق الفؤاد او هكذا أنا شعرت كنت أنتظر عطلة نصف العام وعطلة الصيف بشغف كبير لأنها تستغل العطل لأعطيها الدروس ، وتمضي بقية العام الدراسي في مدينتهم وبخاصة هي في الشهادة الثانوية ,وأنا كنت قد أكملت دراستي الجامعية وعينت مدرسا للغة العربية في القرية نفسها كان يدخل والدها ولا يسلم وإنما يقول بشيء من السخرية تنم عن ثقل الدم : ــ كيف رانية باللغة العربية يا أستاذ ؟ فاجيبه بشيء من الاشمئزاز : ــ أحسن أما والدتها فكانت مسحة من الجمال الخلقي واللسان الطيب والكلام اللطيف ، فلم تنادني مرة إلا يا بني ومرة سألني بسخرية واستصغار : كم راتبك الشهري ؟ فأجبته ...... ليرة فرد قائلا : ــ هذا المبلغ يصلني من زراعة الفجل فقط فرددت على الفور : يمكنني أن اصبح مثلك وأزرع الفجل ولكنك أنت لا تقدر أن تصبح مثلي كان الحب ينمو بيننا كزنبقة نعتني بها ، وكنت أرى الحب مرسوما في حمرة خدودها عندما تقع في غلط ما ، كنت القاها منتظرة وإن تاخرت ولو لدقائق تفلت منها كلمة : تاخرت ؟ رسمنا الخطة بعد تخرجها من قسم اللغة العربية وكانت والدتها توافق وتعدنا بعمل كل جهد وخاصة أنه لم يبق عندهما غيرها فأخوها هرب من البيت ورحل إلى لبنان عاملا ، وكلفنا عمها في الكلام مع والدها ، فثارت ثائرته وانفجر في صراخ يشبه العويل وأنا في الغرفة الثانية أحضر برنامج نهاية العام مع رانية التي أصبحت مدرسة في نفس مدرستي التي أختارت العمل بها رغم اعتراض والدها على عملها في القرية بين الفلاحين كما قال قال له أخوه : ـــ يا أخي لا تصرخ فهو هنا وقد يسمعك ـــ دعه يسمع لا أزوج ابنتي من فلاحنا وبينما كنت أخرج مررت بالصالة فقلت له : ـــ يا أبا محمد ليس من فلاحكم بل من فلاح : وأنا افخر بأنني فلاح وابن فلاح تابعنا خطتنا بإحكام وأمسكنا جميع الخيوط بيدينا أنا ورانية واستخدمنا العقل الرزين الهادئ ، وتم كل شيء ، وضمنا سقف واحد وفي أحد الأيام ونحن في بيتنا المتواضع بعد العشاء دخلت امرأة عمي ( زوجة البيك ) تصرخ وسام ... وسام ... وساااااااام خرجت ملهوفا متسائلا فقالت: ـــ عمك سقط على الأرض لا يتكلم ذهبت مسرعا ونقلته إلى المستشفى التي أمضى فيها فترة وخرج مشلول الجهة اليمنى ويتلعثم في كلامه ، وانحرف فكه على الجهة الأخرى حان موعد الولادة الأولى لرانية وولدت صبيا رائع الطلعة لا يشبه أباها أبدا وكانت المفاجأة مع أنه لم يزر دار ابنته طوال سنتين طرق الباب ودخل متوكئا على عكازه فاستقبلناه بحب وتقدير حملت الولد من حضن أمه وناولته إياه قائلا : ـــ هذا ولدك يا عمي ضمه بحنان لم أره منه في حياتي ، ,اخذ يشمشم رائحته ثم نظر إلينا بعينين مغرورقتين بالدموع وقال بصوت متلجلج : ـــ سمه ( إبراهيم ) فقد كان أبوك رجلا عاقلا رمزت إبراهيم عليا |
رد: بنت البيك
قصة جميلة جدا استمتعت بها
يبدو بيككم أقل صلابة ولؤم من كل البكوات البيك كما نسمع كان قتل وشرد العائلة كلها لمجرد أول رد من والدك فعلا القصة جميلة شكرا لك |
رد: بنت البيك
فعلا ،، يبدو أن البيك قد تعلم شيئا من مرضه
بالتأكيد ، فكبرياؤه تتضاءل بعد تلك الحالة قصة رآئعة جدااا سلمت يمينك عزيزي ودي ووردي |
رد: بنت البيك
الاخت فادية
تحيتي لمرورك الجميل العذب والف شكر لكلماتك دمت رمزت |
رد: بنت البيك
الأخت فاطمة البشر
الحياة ومتاعبها درس لنا وكذلك الطفولة تجعلنا ننسى العواطف السلبية أمام ابتسامة طفل تحيتي لك دمت |
رد: بنت البيك
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]قصة جميلة بنهاية سعيدة تذكرنا بقصص الزمن الجميل وزمن الإقطاعيين.
استمتعت بقراءتها. لك التقدير والتحية أستاذ رمزت إبراهيم.[/align][/cell][/table1][/align] |
رد: بنت البيك
تبدو هذه القصة أقرب الى الترجمة الذاتية وهذا ما تكشف عنه القراءة السطحية للقصة لكن تأمل هذه القصة يكشف عن وعى القاص بأهمية فصل السارد الضمنى" أنا" عن" أنا" البطل وذلك حين بدا بتكريس الزمن فى الفتحة النصة للخطاب "منذ صغري تتكرر على مسامعي كلمة : بيك" هذا التكريس يفتح المسافة بين زمن الكتابة وزمن القراءة فزمن الكتابة مرتبط بسلطة الفرد " البيك" ومماراساته الطاغية على الفلاحين وزمن الفراءة يبرز روح التحدى لهذا الطغيان ويحمل إشارة أن الارادة تقضى على الظلم وأننا نحن الذين نجعل الحاكم فروعونا حين نتخاذل ونهادن وهنا يجعلنا الكاتب هنا أمام وحدة سردية تتداخل فيها وحدات لا تبدو موسعة، ولكنها تشغل تفكيرنا لأنها لا تقول كل شيء، حيث تعتمد على الاختزال والإشارة، فهي لا تبيح، وإنما تدفعنا إلى البحث عن الوحدة الكامنة وراء الحدث، وهذا من خلال تصادم فضاءات الزمن والحدث
, كما أنه يتحول إلى زمن العلاقات المتشابكة، فيتطور في حركته اللولبية في قفزات وخطوط بيانية، هي صدى لتطور عام ذلك أنه يستطيع من خلال هذا الزمن وبكل سهولة أن يطير إلى المستقبل حين يعجز البيك عن رد هذه الارادة, ويعجز عن منع الزواج من بنت البيك .ثم يعود مرة أخرى خاضعا معترفا بارادة ابراهيم والد البطل لانه رمز للقوة الانسانية الواعية، أو يعود إلى الطفولة مرة اخرى حيث تضع ابنته طفلا يتنسم الارادة منذ ولادته حيث ياتى البيك ليطلب من والد الطفل ان يسميه ابراهيم وهنا يحدث التدوير فى القصة التى بدأت بتكريس الزمن وانتهت بتكريس الزمن مما يجعلها مفتوحة على كل الفضاءات كم كنت رائعا سيدى فى هذه القصة الجميلة وسوف ثبتها لجمالها |
رد: بنت البيك
[align=justify]قصة ممتعة تتبعت أحداثها و كنني أتابع شريطا بالأبيض والأسود كما أشارت لذلك أختي نصيرة التي أحييها واشكرها على لفت انتباهنا لهذا النص ..
دمت مبدعا أخي رمزت وتقبل مودتي .[/align] |
رد: بنت البيك
اللي ما في بدياره ناقد مثل أستاذنا القارئ المبدع عبد الحافظ يروح يدور على منتدى موجود فيه :)
بالفعل سيدي عندما تكون القراءة متأنية يستخلص العقل الواعي جميع الأبعاد وينتبه إلى أدق التفاصيل أعجبني هنا السرد حقا فهو سلس ومتماسك . موفق يا استاذ رمزت بإذن الله |
الساعة الآن 21 : 10 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية