منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الكتاب الفلسطيني (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=456)
-   -   المساء الأخير .. -الكتاب الفلسطيني- طلعت سقيرق (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=20978)

هدى نورالدين الخطيب 17 / 09 / 2011 03 : 08 AM

المساء الأخير .. -الكتاب الفلسطيني- طلعت سقيرق
 
[align=justify]على حافة الشباك القريب وضع وردة حمراء مضت عليها السنوات حتى تركتها يابسة عجفاء كابية .. لكنه كان يعشق هذه الوردة .. يشعر أنها جزء لا يتجزأ منه . يتمنى أحياناً أن يراقصها .. يخاف عليها من النسيم .. يمدّ أصابعه .. يلامس الورق .. يشعر أن العبق القديم يعود ليملأ جو الغرفة.. يضحك .. يقسم للجميع أن هذه الوردة تساوي نصف عمره .. يسأل البعض عن السر .. ويأخذ أسعد في سرد الحكاية ..
يقفز إلى البال شارع من شوارع البلد .. المساء مضمخ برائحة الربيع الندية .. الخطوات على الرصيف تشبه زقزقة العصافير .. يمر أمام نافذتها.. تمد رأسها وتضع خدها على يدها اليمنى .. يأخذان في الحديث عن الغد.. مثل طيرين ينقران الكلمات فتتقافز في الجو .. يرفع قامته قليلاً ويطبع قبلة على أطراف أصابعها .. يشعر أن القلب ينتفض مبللاً بالشوق والحنين .. لا يترك الوقوف تحت شباكها قبل تسرب ضوء الصباح الندي ..
كانت فاطمة أحلى بنات المدينة في نظره .. شعرها الأسود شلال عطر.. عيناها العسليتان ضوء نهار .. قامتها شجرة كرز مشتهاة .. يحاول أن يختصر المسافات بالعمل .. يطوي الليل والنهار .. بين شباكها والبيت والمعمل عالمه .. يكاد لا ينام .. الكل يعرف قصته .. والكل يعتبرون فاطمة خطيبة أسعد .. وينتظرون يوم تزف إليه .. ومثل أرنب بري أخذت الأيام تقفز ..
كانت الشهور مرعبة .. الأيام مليئة بالدم والرصاص .. ما عاد يستطيع أن يراها كما كان يراها من قبل .. قدم كل ما جمعه من مال لشراء بندقية .. سلامة البلد أهم من كل شيء .. اليهود يسرقون الأرض شبراً وراء شبر.. يقتلون الأهل في كل مكان .. صارت الشوارع جحيماً.. وكان عليه مثل كل الشباب أن يدافع عن البلد ..
كان المساء الأخير معلقاً على طرف شباكها .. ناولته وردتها الحمراء فوضعها تحت القميص عند قلبه .. رجاها أن تنتظر .. وعدته أن تكون وردة انتظار .. حدثها عن أصدقاء ذهبوا دفاعاً عن البلد.. حدثته عن صديقات ذهبن وهن يساعدن الجرحى.. نقرت الكلمات سقف المساء بحزن شفيف فأورق الدمع أو كاد .. كان يشعر أن فاطمة عصفور سيفرد جناحيه ويطير .. وكانت تشعر أن أسعد يكتب على صفحة المساء كلمات صفراء ..
عندما هب الرصاص في الشارع أراد أن ينسحب.. رجته أن يبقى.. قبضت بيدها اليمنى على يده .. شدت بكل ما لديها من قوة .. طار الرصاص ودار .. وقعت عيناه في عيني الجندي الإسرائيلي دون مقدمات.. أراد أن يسحب يده .. كانت بندقية الجندي أسرع .. شعر كيف يدور العالم ويلف.. بردت يد فاطمة .. تسرب الدم شيئاً فشيئاً إلى يده وراح ينقر الوردة الحمراء في صدره .. مال رأس فاطمة على الشباك.. تداعت قامتها شيئاً فشيئاً.. أراد أن يصرخ .. كان العالم كله واقفاً عند لحظة جامدة في مكان ما ..
وردة حمراء ودم .. فاطمة وصرخة معلقة في فضاء بعيد .. شارع وعينا جندي لئيم .. كان المساء الأخير أصعب المساءات .. حقل من الشوك ملأ حلقه .. سنوات طويلة مضت .. غربة.. رحيل .. تشرد.. لجوء .. والوردة هي الوردة .. كثيراً ما تخيل أنه يقف عند قبرها ويبكي.. رفض أن يتزوج بعدها.. كانت فاطمة كل حياته .. وردتها هي الزوجة والحبيبة .. عبقها ما زال حتى الآن .. كان يروي وحقل الشوك في حلقه .. كانوا ينظرون إليه.. يده على حافة الشباك .. والمساء الأخير جرح مفتوح على أيام لا تنام ..


طلعت سقيرق
[/align]

رشيد الميموني 17 / 09 / 2011 08 : 11 AM

رد: المساء الأخير .. -الكتاب الفلسطيني- طلعت سقيرق
 
[align=justify]
من أجمل ما قرأت للأديب الغالي أستاذ طلعت ..
تعودت أن تحمل نصوصه ملامح من عشق راق وحب أبدي لوطن تأبى خريطته أن تغادر محياه .
حتى الحزن و الأم يحملان في طياتهما نبل وسمو .
هذا ما يجعلني آمل في عودة سريعة لشاعرنا لأن نبض حروفه تحتاج لوجوده كي يضخ في شرايينها من جديد دماءه العبقة بحب فلسطين التي تزهو بكونه صوت من أصواتها الرنانة .
شكرا أستاذة هدى على هذا الإدراج الراقي .
مودتي .
[/align]

أسماء بوستة 18 / 09 / 2011 52 : 12 AM

رد: المساء الأخير .. -الكتاب الفلسطيني- طلعت سقيرق
 
كلما قرأت للأستاذ طلعت يخالجني شعور أن كلماته تنبع من أعماق الروح
أحيانا أقول وأنا في حضرة الكثير من كتاباته أن حب الوطن لم يُخلق ليكتب عنه الكثيرون
و طلعت سقيرق من القلائل القادرين على أن يأخذنا إلى أقصى درجات التماهي مع كل ما يكتبه عن حبه لفلسطين
أرجو من الله القدير أن يعيده إلينا و أن لا يحرمنا أدبه و إبداعه و حبه
لك كل التقدير أستاذة هدى

ناهد شما 18 / 09 / 2011 42 : 01 AM

رد: المساء الأخير .. -الكتاب الفلسطيني- طلعت سقيرق
 
شكراً لك حبيبتي أسماء لروعة كلامك
وشكراً للكلام الجميل الذي نوه به رشيد
نعم هذا هو شاعرنا العزيز طلعت سقيرق
إن كلماته تنبع من أعماق الروح كيف لا وهو يحمل هم فلسطين في أعماق روحه وقلبه
فقد حمل على عاتقه الهم والجرح الفلسطيني والعربي
كل ما يكتبه شاعرنا طلعت شفاه الله يجمع بين الحنين الحقيقي والصادق للوطن والحكمة فيما يكتب
لذلك فهو يستحق كل الاحترام فهو أكبر من اي كلمة نقولها عنه
شفاه الله وعافاه وأعاده لنا ولاسرته بخير إن شاء
شكراً لحبيبتنا الأديبة هدى لاختيارها المساء الآخير
وإن شاء الله يكون هذا المساء آخر يوم من الحزن لنا ويعود لنا في الصباح شاعرنا الغالي طلعت سقيرق

هيفاء شما 21 / 09 / 2011 05 : 12 AM

رد: المساء الأخير .. -الكتاب الفلسطيني- طلعت سقيرق
 
أسلوب راقي مفعم بالتفاؤل وينبىء عن مستقبل أجمل
مبدع دائما في كل مايكتب
لا يسع حروفي ألا أن تمتزج لتكّون كلمات شكر لأديبنا الكبير أستاذ طلعت شفاه الله آمين
لك مني كل الشكر أستاذه هدى على هذا النقل ا لذي سررت بقراءته لك الأحترام والتقدير

علاء زايد فارس 21 / 09 / 2011 52 : 11 PM

رد: المساء الأخير .. -الكتاب الفلسطيني- طلعت سقيرق
 
ما أجمل هذا النص وما أروعه وما أحزنه!
نص مليئ بالمعاني الجميلة، والروح النضالية ، والمشاعر الإنسانية وعلى قمتها الوفاء الذي لا ينضب بمرور الزمن...

نص يتكون من مزيج فريد لا يتقنه إلا قلم صادق تحركه روح تعشق النضال

بالطبع فالأديب طلعت سقيرق يكتب مختلف ألوان الأدب، متنوع ، مرن ، نصوصه ذكية، وفي الكثير من النصوص كان ابتكارياً ....

لذا فليس غريباً أن تهتز مشاعرنا ونحن نقرأ هذا الإبداع الراقي


هذه القصة وقصة خبز الفداء من أجمل القصص الحزينة التي تدمج بين النضال والمشاعر الإنسانية، وهي قصص واقعية جدا فواقعنا الفلسطيني مليء بالكثير من القصص المؤلمة الحقيقية التي حفرت سطورها في وجدان الفكر الإنساني وهناك قصص أخرى تنتظر أن يكشف عنها في المستقبل القريب أو البعيد لمن أراد أن يأتي منها بقبس يضيء به سماء الضمير الإنساني المغيب...


أسأل الله العلي القدير أن يبارك في أستاذنا طلعت
وأن يشفيه وأن يعيده إلينا سالما معافى
اللهم آمين


أنا فخور أني أنتمي لوطن أنتم تنتمون إليه
أستاذة هدى
لك مني كل احترام وتقدير
وشكراً على نقل هذا النص الرائع


الساعة الآن 23 : 11 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية