منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الكتاب الفلسطيني (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=456)
-   -   صورة لم تزل حاضرة.. -الكتاب الفلسطيني- طلعت سقيرق (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=22498)

هدى نورالدين الخطيب 06 / 04 / 2012 18 : 08 AM

صورة لم تزل حاضرة.. -الكتاب الفلسطيني- طلعت سقيرق
 
[align=center][table1="width:100%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit4/backgrounds/21.gif');border:4px double white;"][cell="filter:;"][align=justify]
هل تستطيع ياشحرور الطيب أن تذكر لي صورة بكلّ تفاصيلها وألوانها مازالت مزروعة منذ أيام الطفولة في البال والوجدان..؟؟ لاداعي لأن تهزّ رأسك، فأنا ياصاحبي من سيفتح دفتر الذكريات ليصبّ مما كان صورة لا أستطيع أن أنساها.. وهل يستطيع الإنسان أن ينسى جزءاً من ملامح الذاكرة؟؟ نعم ياشحرور للذاكرة ملامح، ومثل هذه الملامح مكتوبة ومرسومة بحبر السنين..
كنتُ طفلاً ياشحرور.. نعم ياشحرور أنا الذي تراني الآن بطول وعرض وكرش.. كنت طفلاً.. وكان أبي رحمه الله يجلس على طرف السرير.. كنّا في الأيام الأخيرة من رمضان.. كنت وأعترف ولداً مشاغباً مشاكساً لا أهدأ ولايقرّ لي قرار.. وكنت يومها أنتظر أن تذهب الوالدة إلى سوق الحميدية في دمشق لتحضر لي ولإخوتي ثياب العيد.. قال أبي: «وماذا تريد أن تلبس ياولد»؟؟.. وأخذتُ أعدّ وكأنني سأشتري السوق بما فيه.. ضحك الوالد وقال: والله لو كنا في حيفا لأحضرت لك كل ماتطلب.. لكن الآن… وصمت.. ولاأدري لماذا رأيت شبح دموع في عينيه.. هربت من الغرفة، إذ لايستطيع الطفل أن يرى أباه في حالة بكاء.. مهما كانت الأسباب لايستطيع..
في الطريق أخذت أسأل الوالدة عن حيفا، عن البيت.. عن الشوارع.. وأخذت تحكي وفي الحلق غصة.. وعندما أخذت تتحدث عن المدرسة والطالبات والصف كانت تضحك.. الذكريات الجميلة رسمت فوق شفتيها دنيا من الأحلام والابتسامات.. وكان لي أن اشتريت ماأردت.. واشترى أخوتي ماأرادوا.. وعدنا إلى البيت.. لم نكن يومها ندرك أن الوالد كان يحسب حساب العيد قبل شهور.. فراتبه الشهري من عمله في دائرة حكومية، كان يكفي لشراء الطعام وأجرة البيت.. لا أكثر ولا أقل.. وما أصعب أن يسحب ليرة من هنا وليرة من هناك، لنشتري بعد شهور ثياب العيد..
صباح العيد، صباح أول يوم، كنا نتقافز مثل الشياطين.. نقبل يد الوالد، يد الوالدة، ونتلو بشكل آلي جملة «كل عام وأنتم بخير» ونمدّ اليد لتناول المال فرحين مهللين.. كان الفرح يسكننا.. كنا مسكونين بالفرح.. وكان الوالد يرسم ابتسامة غريبة على الشفتين، كأنه كان يخاف أن يضحك.. سألته بكل براءة الطفولة «لماذ لاتفرح مثلنا بالعيد ياأبي»؟؟ وكان علي في هذا الموقف تحديدا، مادمت قد سألت، أن أرى دموعه وأن أختنق بها قبل أن يفعل.. قال: «أي عيد ياولدي.. كنا في حيفا بأحسن حال.. بيوتنا باتساع العالم.. ضحكاتنا شلال.. لقاءاتنا في كل يوم أعياد.. الواحد منا يملك الدنيا وإن كان أفقر خلق الله.. فجأة ياولدي أشعلوا الدنيا رصاصاً ونارا ودما.. أخذوا كل شيء.. البيت.. الهواء.. الماء.. الشارع.. الخطوات على الأرصفة.. وتركونا نحمل أحزاننا ودموعنا ونرحل في أصعب حالة من حالات التشرّد واللجوء.. تغير الزمان والمكان.. تغيرت الوجوه والأحوال.. صارت الدنيا غير الدنيا.. آه ياولدي ماأصعب الغربة.. سنوات ونحن نلوك مرارة المأساة.. سنوات ونحن ننتظر العودة بكل مالدينا من شوق وحنين وحب.. ثم تقول لي عيد وفرح؟!! ياولدي كيف يفرح من أخذوا منه عمره؟؟.. كيف يفرح من صادروا من حياته الأيام والشهور.. كيف يفرح من ترك ابتسامته على جذع شجرة في حيفا.. ياولدي أرجوك اذهب وافرح كما تشاء.. مازلتَ صغيرا ياحبيبي».. وكان أبي يبكي.. كانت ثيابي الجديدة تبكي.. كانت الجدران تبكي.. كان العيد بكل مافيه من فرح يبكي.. حملت يد أبي وبللتها بقبلة ودموع.. قلت: «سنعود ياأبي صدقني سنعود».. ومات أبي.. مات.. دفن بعيدا عن حيفا.. بعيداً عن الشارع والبيت والهواء الذي أحب.. كنت أمشي وراء نعشه شابا وأبا لأولاد.. وكانت الصورة تحفر في الصدر.. ماذا سأقول لأولادي إذا سألوني عن العيد؟؟ ووجدتني خلف نعشه في نحيب وألم وشوق.. أتدري ياشحرور إلى الآن، وبعد كل ما مر من سنوات، مازال أبي مطبوعاً في الذاكرة، صورة لاتريد أن تبرح، يقف ويقول لي: أي عيد ياولد.. أي عيد..؟؟.
كان الولد شحرور يداري الدموع.. يزرع وجهه في البعيد محاولاً أن يبكي بصمت.. أمسكت يده.. ضممتها إلى صدري.. قلت: والله ياصاحبي لاشيء يشبه الوطن.. لاشيء يشبه صورة البيت هناك.. يحزنني أن يموت والدي دون أن يكحل عينيه برؤية بيته وشارعه.. كان يتمنى أن يدفن هناك.. لكن ماذا نفعل ومازالت الأرض مخنوقة باغتصاب لايرحم.. ويقولون: سلام.. وتطبيع.!! آه لو سمعهم أبي.. لو عرف أنهم ماعادوا يتحدثون عن بيته في حيفا.. عن شارعه.. عن أرضه.. عن كل شجرة من أشجار البرتقال.. لكن ثق يا أبي أننا سنعود.. مهما فعلوا لابد أن نعود..

طلعت سقيرق
==============================
[/align][/cell][/table1][/align]

عادل عادل 06 / 04 / 2012 16 : 11 AM

رد: صورة لم تزل حاضرة.. -الكتاب الفلسطيني- طلعت سقيرق
 
يااااه ... أأأااااهااااااا
كلمات تحمل الحزن والالم والقهر ... وانا ابن يافا ... ويمكني ان اشعر بكل حرف وكلمة ...
رحمة الله عليك يا طلعت وعلى ابائنا اجمعين ... اتمنى ان تتحقق اماني العودة يا رب .
موفقة في اختيارك وتذكيرك لنا في ما لاينسى ... شكري واحترامي لكم بكل التقدير دائما .

رأفت العزي 07 / 04 / 2012 09 : 03 AM

رد: صورة لم تزل حاضرة.. -الكتاب الفلسطيني- طلعت سقيرق
 
" كان الولد شحرور يداري الدموع.. يزرع وجهه في البعيد محاولاً أن يبكي بصمت.. أمسكت يده.. ضممتها إلى صدري.. قلت: والله ياصاحبي لاشيء يشبه الوطن.. لاشيء يشبه صورة البيت هناك.. يحزنني أن يموت والدي دون أن يكحل عينيه برؤية بيته وشارعه.. كان يتمنى أن يدفن هناك.. لكن ماذا نفعل ومازالت الأرض مخنوقة باغتصاب لايرحم.. ويقولون: سلام.. وتطبيع.!! آه لو سمعهم أبي.. لو عرف أنهم ماعادوا يتحدثون عن بيته في حيفا.. عن شارعه.. عن أرضه.. عن كل شجرة من أشجار البرتقال.. لكن ثق يا أبي أننا سنعود.. مهما فعلوا لابد أن نعود..

طلعت سقيرق "

هذا التأصيل لفكر المقاومة ، لثقافة الصمود ، لشحذ الهمم ، ولإبقاء شعلة الأمل مضيئة وهاجة
ما كان ليكون لولا هذا النوع من المناضلين بل لا أقول مناضل هي صغيرة صارت مبتذلة حين
اطلقوها حتى على الجبناء ، طلعت سقيرق رمز من رموز وطننا غيمة دائمة الهطول على صحارى
صارت مع الزمن بساتين

تحية لك سيدتي ألف تحية

خالد مخلوف 09 / 04 / 2012 11 : 12 AM

رد: صورة لم تزل حاضرة.. -الكتاب الفلسطيني- طلعت سقيرق
 
دائما بوجوده أشعر بالخجل
لا تعرف الغياب تلك الكلمات
عرفنا فيك حيفا تأصلت بداخلنا
من كلمات لا أروع ولا أجمل
خجل ٌفي حضورك
خجل في غيابك
ولكن من يكتب هذا
شمس لا تغيب
ومنارة وقدوة
وأنحني بكل تواضع
أمام سحر الكلام
باقات من أقحوان بلادي
أنثرها هنا
ومن زهر اللوز

بوران شما 09 / 04 / 2012 36 : 11 PM

رد: صورة لم تزل حاضرة.. -الكتاب الفلسطيني- طلعت سقيرق
 
لكن ثق يا أبي أننا سنعود.. مهما فعلوا لابد أن نعود..

وكما حزن طلعت سقيرق على والده لأنه لم يكحل عينيه برؤية بيته وشارعه وحيفاه,
حزنتُ أيضاً لأن طلعت سقيرق لم يكحل عينيه برؤيه بيته وشارعه وحيفاه الحبيبة ,
لكن شعلة الأمل بالعودة مستمرة , مهما مرت السنين , وإن لم نكحل أعيننا نحن
برؤية أر ضنا وفلسطيننا , سيعود أولادنا لها لا بد أن يعودوا .
شكراً جزيلاً أستاذة هدى على الاستمرار بوضع هذه الصور الرائعة من الكتاب الفلسطيني
لأديبنا الكبير طلعت سقيرق رحمه الله .

فاطمه شرف الدين 10 / 04 / 2012 51 : 02 AM

رد: صورة لم تزل حاضرة.. -الكتاب الفلسطيني- طلعت سقيرق
 
طلعت سقيرق استاذي لم تمت وإن غبت عنا لأن نزيف قلمك إمتداد لثوره لن نتطفىء وان حلم البعض بذلك ..........طلعت سقيرق قائد يصنع الجهاد والنضال فكرا ليترسخ في قلوب وعقول الوافدين اليه بشغف فيولد مقاومه في نفوس الاحرار ,مقاومة لم ولن تهدىء حتى تعود فلسطين كل فلسطين
شكرا استاذه هدى على مجهودكم وعطاءاتكم

علاء زايد فارس 10 / 04 / 2012 26 : 03 AM

رد: صورة لم تزل حاضرة.. -الكتاب الفلسطيني- طلعت سقيرق
 
من أكثر النصوص التي أثرت في،
لقد شعرت بالحزن يطغى في قلبي
حتى كاد أن يقفز من صدري!
قمة الظلم..
أن يسكن المحتل بيته
ويلهو في بساتينه
ويأكل من خيرات أرضه
وهو في الغربة هناك
لم يذق طعما للعيد ولا للحياة!


الساعة الآن 23 : 10 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية