منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الخاطـرة (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=30)
-   -   كانت أربعة (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=22594)

محمد سعيد عدنان أبوشعر 17 / 04 / 2012 11 : 12 AM

كانت أربعة
 

قديماً، كانت الفصولُ الأربعةُ أربعةً بامتيازٍ، لكلٍّ منها استقلاليّةٌ وزمنٌ متفرّدٌ وطقوسٌ تميّزهُ عن سواهُ من الفصولِ.


كان الشتاءُ شتاءً، بكلِّ ما تعنيهِ الكلمةُ، وكلّ ما تقتضيهِ من مظاهرَ: بردٍ وغيومٍ، ومطرٍ، وثلج، وسطوعُ الشمسِ يكادُ يكونُ طفرةً في الشتاءِ، فهو ممتدٌّ طوالَ أشهرهِ بانتظامٍ لا ينازعهُ عليها فصلٌ آخرُ. كان الشتاءُ ذلك الكساءَ الباردَ الذي يغمرُ الأرضَ بخيرٍ منهمرٍ دونَ انقطاعٍ.. ولم يكنِ الناسُ يَدْهشون لرؤيةِ المطرِ كما حالُهم الآن، ربما باعتيادهم على نظامِ الشتاءِ الذي لا يتغيرُ قد ألفوا رؤيةَ المطرِ كلَّ يومٍ، و زيادةً على ذلكَ كانت نفوسُهم تسْعدُ إذا ما يوماً أطلَّتِ الشمسُ بخجلٍ من وراءِ الغيومِ، حتى أنهم تمادوا في ذلك وألزموا الشتاءَ صفةَ الكآبةِ والقسوةِ. بل حتى الثلجُ! ذلك الزائرُ الأبيضُ الذي لم يكن ضيفاً بقدْرِ ما كان يُعْتبرُ من (أهل البيت) إذا صحَّ وصفُه بذلك حينها، فالثلجُ كالمطر، لازمةٌ من لوازمِ الشتاءِ.

كم كان الخيرُ يغمرُ الدنيا! وما أسعدَ الناسَ الذين عايشوهُ وباغتهم الموتُ في زمانهم! وما أتعسَ أولئك الذين عاصروا ذاك الزمنَ، وكُتبَ عليهم أن يطولَ بهم الأمدُ ويعيشوا زماننا، ويروا ما نراهُ الآنَ.



والصيفُ، كان ذلك الفصلَ السعيدَ، الذي فيه تتباهى الأشجارُ بما تقدّمهُ لنا من ثمارٍ وفواكهَ، وأشعةُ الشمسِ تغازلُ الأرضَ وساكنيها بلطفٍ كلَّ صباحٍ، تتخلى عن لطفها أياماً ثم تعودُ لسابقِ عهدها، والأطفال يجرون تحت أشعتها بمرحٍ، لم يكن عليهم انتظارُ أحدِ العيدين ليذوقوا طعمَ السعادةِ، فالصيفُ كان عيداً طويلاً بأيامهِ كلِّها.
بساطةُ الحياةِ كانت الحاكمةَ آنذاك، لم تكن السعادة فيها حكراً على أولئك الذين يتباهَوْن برفاهيتهم الزائفةِ، كان الناسُ كلُّهم شركاءَ في كلّ شيء، كانوا أصدقاءَ مع الطبيعةِ كذلك، فبادلَتْهُم الطبيعةُ صداقةً عاشوا بها وكأنهم في جنّات النعيمِ.


حتى الربيعُ والخريفُ، لم تكن فصولاً انتقاليةً كما يسمّونها الآن!
كان الربيعُ عيدَ الطبيعةِ الأخضرَ، جوقتُه زهورٌ فوّاحةٌ وعصافيرٌ مغرّدةٌ، آذارُهُ محمّلٌ بالفرح تهيئةً لاحتفالِ الطبيعةِ، نَيْسانُهُ مَزْهُوٌّ بما يملأُ يديه من خيراتٍ مغرورٌ ببهاءِ زينتِه، أيّارُه يختِمُ جمالَ مواسمِ الزّهرِ، ويُعلنُ بدءَ دورةٍ جديدةٍ للحياة.
وربّما يقلّ الوصفُ في الخريفِ، وتبهُتُ الكلماتُ كما هو حالُه، لكن يكفيه فخراً أن يهيِّئ للخيرِ بأمطارٍ لطيفةٍ رقيقةٍ تبلُّ وجهَ الأرض بعد حرِّ الصيف. فهو عيدٌ من نوعٍ آخرَ، مقدمةٌ لبشائرِ الشتاء.



هكذا...كانت صداقةُ الطبيعةِ للبشرِ، أفراحاً و أعياداً، لكن الإنسانَ، بما هو مجبولٌ عليه من طبعٍ دنيءٍ، خانَ هذه الصداقةَ، وبادلَها قَطْعاً وهَدْماً و رَدْماً، فلا أبقى فيها دماءً، ولا عظاماً ، ولا لحماً. فلا الأنْهُرُ سلِمَت من بطشه، ولا الأشجارُ نجَتْ من همجيّته.


وليعاقبَ اللهُ الناسَ بما جَنَت أيديهم، استحالَ كلُّ الجمالِ بشاعةً، وندُرَت أيامُ الأعيادِ في الطبيعة حتى صارت لا تكادُ تُذكَرُ:
أضحى الشتاءُ خجولاً، مبالِغاً في لطفه إلى حدٍّ يحرُم الناسَ من الاستمتاعِ بمظاهره، ضنيناً بأمطاره، برْدُه صقيعٌ ضارٌّ كريهٌ، وثلوجُه عجائبُ أو معجزات!
والصيف تحوّلَ فصلاً عنيفاً، مديداً، مقيتاً... طمِعَ بشهورِ غيره من الفصولِ، لينضويَ الربيعُ والخريفُ تحت لواءِ حرارته – هذا إذا استثنينا الأيام التي يُظهِران فيها فنون الأذى: فإما عواصفُ ترابيةٌ صفراءُ تملأ الأجواء وتخنق الأنفاس، وإما بساطٌ للأرض أبيضُ تحسبه لؤلؤاً وما هو إلا حجارةُ برَدٍ سماويٍّ يمزق أوراق الأشجار الغضّةَ وأزهارها الفتية - وحتى الشتاءُ كاد ألا ينجوَ من هذا، فلا يزالُ الصيفُ ينازعُه - في مواجهاتٍ شبهِ محسومةٍ لصالحه- على ما يخصُّه من أشهرَ باتت أياماً وأحياناً ساعاتٍ!
شمسُه طاغيةٌ لا ترحمُ، فبعدَ أن كانت رمزَ الفرحِ يرسمُها الأطفالُ كما هي في مخيِّلةِ الناسِ بوجهها المشرقِ الذي لا تفارقُه الابتسامةُ، أصبحت رمزاً للتشاؤمِ والجفافِ، أراها مصدراً للكآبة عندما تطالعني وتقتحمُ نافذتي حتى في أعتى أيام الشتاء!




و نفسي، باتَتْ كالفصوِلِ الأربعةِ في هذا الزّمنِ، صارَ لها طابَعٌ عامٌّ أَوْحَدُ، عُكِسَتْ فيها مفاهيمُ السّعادةُ والكآبةُ، ليزيدَها هذا تخبُّطاً، وما يُفترَضُ به أن يسعدَها أصبحَ يشقيها ويثقلُ كاهلَها.


فهلّا نظرت، كيف عكسَ الزمنُ أصالةَ المفاهيمِ...؟

محمد الصالح الجزائري 17 / 04 / 2012 58 : 12 AM

رد: كانت أربعة
 
طرح ذكي وتناول أذكى!!! ما نثرته هنا يا سعيد جاء معبّرا فعلا عن طبيعتنا بدلالتيها القريبة والبعيدة..حقيقة ومجازا...زادك ربي من فضله وأسعدك في الدارين..

ميساء البشيتي 17 / 04 / 2012 05 : 04 PM

رد: كانت أربعة
 
كانت أربعة
تحفة أدبية رائعة
اعترف يا سعيد أنك قلم يجذبني جدا للقراءة
وأنا الملولة والتي لا أطيق ولا أصبر على بعض أنواع القراءة وليس كلها
لكن قلمك يجذبني ويجبرني على القراءة لك بل وأكثر من مرة
أنا يا سعيد ممن عاصروا الشتاء بشتائه والصيف بصيفه
وأنا الآن أعيش معكم هذا التداخل بين الفصول وفي الأمزجة
لذلك أشعر بمرارة الفقد لكل ما تفضلت به من جمال الأربعة فصول
وفقت ابني في الطرح والسرد وأسلوبك مدهش
بارك الله بك يا سعيد وكي أستفز قلمك الجميل على التوغل أكثر فأكثر
والإبداع أكثر فأكثر إليك هذا الرابط للقراءة والاستمتاع فقط

http://www.nooreladab.com/vb/showthr...%ED%C9&page=10

سلسلة رقم 29 بعنوان أجمل حب وهي نص قد يكون بعيد عن الكآبة
وأتمنى أن يروق إليك ولكن على نفس الرابط يوجد الكثير من نصوص الكآبة
فلا تقترب كثيراً ..ههههههههههه..
موفق ابني الحبيب وفي رعاية الله .

محمد سعيد عدنان أبوشعر 17 / 04 / 2012 01 : 08 PM

رد: كانت أربعة
 
الأستاذ الفاضل محمد الصالح
أشكر لك مرورك العطر، وإسقاطك المهم على ظلال الفصول الأربعة
كل التحية والتقدير لشخصك

محمد سعيد عدنان أبوشعر 17 / 04 / 2012 19 : 08 PM

رد: كانت أربعة
 
أستاذتي ميساء
لتعلمي يا سيدتي بأن التواتر السريع الذي أنشر فيه سطوري في زاوية الخاطرة يوماً إثر يوم، ما حصل ويحصل إلا طمعاً في مزيد من تشجيعك وتقييمك، شرط أن أكون مستحقاً له
كم تحفزني كلماتك لنشر ما أختزنه من كُلَيماتٍ لم ترَ نور الفضاء الإلكتروني إلا على صفحتي في الفيسبوك، ولم تلقَ إلا تشجيعاً بسيطاً جداً ومن شخص واحد تقريباً.
أما هنا في نور الأدب،وفي ركن الخاطرة، ففيه روح من كسل بسيط، ينشط أحياناً لكن بشكل خفيّ لا يحب الظهور، وهذا ما ألاحظه من تواتر وفود الردود... أحب أن أشكر هنا كلاً من الأساتذة محمد الصالح الجزائري و رأفت العزي والأستاذة الأديبة نصيرة تختوخ، فقد تكرّم كل منهم بإهدائي زينة من تعليقاته التي أعتز بها... والباقي يكتفي بالقراءة فقط دون تعليق، حتى عدد القراءات ليس كثيفاً، لكنني أؤمن يقيناً بأني حظيت باهتمام ورعاية وتحفيز لم يحظَ به أي مبتدئ من قبل
وأنت يا معلمتي، يا من تأبين إلا ترصيع خواطري بجواهر كلمك، لك أن تثقي أن كل ما تخطّينه من عبارات وصور بارعة قادر على خلق إبداع ممتع في كياني كله
أشكرك على إعطائي رابط واحتك الغنّاء... بكل ما فيها
مع عميق شكري واحترامي

ميساء البشيتي 17 / 04 / 2012 45 : 08 PM

رد: كانت أربعة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد سعيد عدنان أبوشعر (المشاركة 143684)
أستاذتي ميساء
لتعلمي يا سيدتي بأن التواتر السريع الذي أنشر فيه سطوري في زاوية الخاطرة يوماً إثر يوم، ما حصل ويحصل إلا طمعاً في مزيد من تشجيعك وتقييمك، شرط أن أكون مستحقاً له
كم تحفزني كلماتك لنشر ما أختزنه من كُلَيماتٍ لم ترَ نور الفضاء الإلكتروني إلا على صفحتي في الفيسبوك، ولم تلقَ إلا تشجيعاً بسيطاً جداً ومن شخص واحد تقريباً.
أما هنا في نور الأدب،وفي ركن الخاطرة، ففيه روح من كسل بسيط، ينشط أحياناً لكن بشكل خفيّ لا يحب الظهور، وهذا ما ألاحظه من تواتر وفود الردود... أحب أن أشكر هنا كلاً من الأساتذة محمد الصالح الجزائري و رأفت العزي والأستاذة الأديبة نصيرة تختوخ، فقد تكرّم كل منهم بإهدائي زينة من تعليقاته التي أعتز بها... والباقي يكتفي بالقراءة فقط دون تعليق، حتى عدد القراءات ليس كثيفاً، لكنني أؤمن يقيناً بأني حظيت باهتمام ورعاية وتحفيز لم يحظَ به أي مبتدئ من قبل
وأنت يا معلمتي، يا من تأبين إلا ترصيع خواطري بجواهر كلمك، لك أن تثقي أن كل ما تخطّينه من عبارات وصور بارعة قادر على خلق إبداع ممتع في كياني كله
أشكرك على إعطائي رابط واحتك الغنّاء... بكل ما فيها
مع عميق شكري واحترامي

سعيد يا ابني الحبيب
أثرت أكثر من نقطة مهمة في ردك الكريم
بالنسبة لتشجيعي لك فأنا لا أشجعك بل قلمك هو من يستفزني لأقرأ وأقرأ وأقرأ
إبداعك هو من فرضك على قلوبنا وليس نحن من يهوى التشجيع ..ههههههههههههه
كن على ثقة أنك موهبة فذة وجميلة وهادفة وعليك أن تحافظ عليها جيداً
بالنسبة لموضوع الفيسبوك فأنا لا زلت لا أرى جدية في الفيسبوك بهذه المسائل
مع أن الكثيرين اتجهوا نحو صفحات الفيسبوك وها أنت تقول لم تحظَ بما يطيب خاطرك
فهل الشباب هم السبب أقصد أن شباب هذا اليوم لا يميلون إلى قراءات الأدب الجاد
أم أن ربيع الثورات صرف نظرهم عن متابعة الأدب والأدباء
أم أن الفيسبوك ليس هو الوجهة الصحيحة للأدب والأدباء ؟؟
النقطة الثالثة وهي معك حق فقسم الخاطرة أحياناً يعتريه بعض الفتور والركود ولكن أنا دائماً
ألتمس لللآخرين العذر فهم إن تغيبوا لكنهم يعودون محملون بالإبداعات الجميلة وما علينا سوى
أن نكثف من التواصل هنا أو في أرجاء المنتدى إن شئت هناك أقسام رائعة جداً
ولا أستطيع أن أقول يا سعيد غير جملة واحدة فقط البركة بالشباب ...
الله يبارك فيك ابني الحبيب ويسعد أيامك يا رب

نصيرة تختوخ 17 / 04 / 2012 24 : 10 PM

رد: كانت أربعة
 
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]ذكرتني خاطرك أستاذ سعيد بقصة كنت ترجمتها من الأدب العالمي للأديب الروسي تولستوي سأضع رابطها هنا.
أعتقد أن الفصول لم تتغير مع أن الزمن تغير في كل الأزمنة كانت هناك أعوام أقسى من غيرها وفصول أعتى من غيرها لكن ما تغير ربما هو تبديل البساطة بالتعقيد وتسارع إيقاع الحياة.
الوقت صار يطارد بعضه والفصول تتلاحق دون أن نتأمل تحولاتها أو نستمتع بتجلياتها.
لك تحيتي وأطيب الأوقات أتمناها لك
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLE1][/ALIGN]

http://www.nooreladab.com/vb/showthread.php?t=15887

محمد سعيد عدنان أبوشعر 17 / 04 / 2012 13 : 11 PM

رد: كانت أربعة
 
جميل ما قدمته هنا أستاذة نصيرة
استمتعت بقراءة القصة القصيرة الملأى بالعبر، وأحترم وجهة نظرك فيما يخص الفصول
ويبقى الزمن الأسبق، هو زمن الماضي الجميل كما يسمونه، بكل ما فيه
كل الشكر لمرورك العطر

محمد سعيد عدنان أبوشعر 17 / 04 / 2012 22 : 11 PM

رد: كانت أربعة
 
أستاذتي ميساء
كل ما ذكرته بخصوص الفيسبوك وعدم تأهله بعد لنشر الأدب صحيح، ولكني لا أظن السبب هو ربيع الثورات العربية
مؤسف ألا يكون للأدب هواة ومتابعون ومشجعون إلا في المنتديات التخصصية... كهذا المنتدى على سبيل المثال
الفيسبوك يستهوي فئات عمرية مختلفة ورغم ذلك يندر جداً أن تجدي أحدهم يهتم بقراءة خاطرة أدبية أو قراءة فلسفية
لا شك أن المنتدى بإدارته ومشرفيه الكرام لن يعدموا الوسيلة في تطوير هذا المنتدى وشحنه بالإبداع الدائم كما كل الأقلام المشاركة فيه
جميل مثلاً، أن نخرج من حيز إلى حيز آخر...حيز الواقع الملموس.. لقاءات ومناظرات أدبية
يبقى هذا حلماً، قد يكون جديراً بالتأمل كذلك
وإلى حينه، لن يملأ إناء سعادتي شيء أكثر من التواصل معكم
شذى التحيات كلها لك آنستي

عبد الكريم شبرو 22 / 04 / 2012 37 : 11 PM

رد: كانت أربعة
 
أقول لك فقط: ألم أقل لك؟؟؟
....
تحياتي

كريم نت


الساعة الآن 34 : 10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية