![]() |
قد نلتقي..........
قد نلتقي..........
صديقي كان وسيما .. وكان مرحا كالأطفال .. يحب المزاح والمداعبةوكنت معه أنسى العالم بما فيه .. حتى أولادي .. يعيدنى الى عتبات الصبا وينزع عن كتفيّ شقاء الأيام لايعير للمال اٍهتماما فلا يهمه اٍن دفع عنى في كل مرة ... ولكن لم أكن لأغتنم كرمه ومحبته كنت أتجادل معه في هذا .. وكثيرا ماكان يغلبني .. معه لا أذكر مشاكل الزوجة والأولاد ولا حتى البلاد ... لا نتحدث اٍلا عن الخبر الآني .. وباٍختصار .. لنعود بعدها للمزح والأحلام .. صديقي لم يكن بغشاش ولابصاحب الوجهين .. بل كان أمينا تقيا يحب الخير لكل الناس وكم هي المرات التي سبقني فيها ليزيح الحجر عن الطريق أو ليأخد بيد عجوز ويمررها الرصيف أو يباعد بين طفلين كانا يتشاجران ... وقد يمد يده لجيبه ليرضيهما بقطعة حلوى . لم يكن صديقي ليأتيني فارغ اليدين اٍن قرر مشاهدة مباراة معي فأحس بالخجل الشديد ولكنه يداعب فكري بكلماته الطيبة دائما : خذ يارجل لنلهي الأولاد حتى نتابع المباراة في هدوء . صديقي يؤمن بالله .. فلا يفوته فرض .. ويؤمن برُسله فيعمل بكل ماسمع أو قرأ من أحاديث أبسطها اٍماطة الأذى عن الطريق .. كان يستهين بالدنيا فيقول اٍن وجدنى أفكر في العيد أو في الدخول المدرسي : أصرف مافي الجيب .. فاٍن الموت قادم لامحالة . واٍن فكرتُ في المستقبل يقول : دعك مما يتعب العقل والقلب..واٍجعل العيش يومك الحاضرولاتفكر اٍلا في عمل تُرضي به نفسك ويَذكرك به الناس ويفتخر به أولادك من بعدك. كنت لا أفهم تلك الكلمات .. لكنها تهزنى وتغير أحيانا من تصرفي وكثيرا ماكان يقلب ميزاجي السيء..فأعود لأمرح وألهو .. صديقي منذ الطفولة .. ماتا أبواه وهو في ريعان الشباب ولو كانا على قيد الحياة لكان أبرّ الناس بوالديه فهو مطيع .. حليم .. وديع حتى مع الجيران . وكم من مرّة فكرنا في وقفتنا أمام الله فكان يقول : أول من يُنادى عليه لدخول الجنة يأخذ بيد أخيه ... فأقاطعه أقول : حتما أنت ..فيكمل مبتسما : لست تدري أي عمل هو أقرب الى الله .. فدعنا نتعاهد ... وقد تعاهدنا أكثر من مرّة نسينا لحظتها حتى أولادنا ... صباح يوم مشينا متجهين الى المقهى لنشرب قهوتنا وكعادته كان يمازحنى وقد فاق ذاك اليوم سائر أيامي معه كان كمن يودعنى .. أحيانا يهرول .. ومرة أخرى يقف ليضحك مع صبية يلعبون ويتشاجرون ببراءة وقد قال لي : لو خيرت بين كل المراحل لأخترت أن أموت صبيا .. بريئا .. قبل وفاة والديّ ... ساعتها فقط أدركت أن لفقدهما أثرا كبيرا لم يسبق أن عبّر عنه ... ذاك من قوة وليس من ضعف دمعت عيناه سرعان ما ابتسم وراح يجري وكأنه يسابقني ثم توقف ليقول ورأسه الى السماء: أتعلم ياصديقي كم أحبك ؟؟ قلت : نعم ... فقاطعنى : لااااااااا ... أنت لا تعلم .. وأتم : أنا أحبك حب الأخ لأخيه .. وحب الصديق .. وحب الوالد الذي حين أشتاقه أسرع اليك أنا أااااااااااااااااااااااحبك في الله .. راح يصرخ بها ... قلت أحبك الله الذي أحببتنى فيه ... مشى ومشيت الى جانبه ممسكا يده ... وإذا برجلي تتعثر بخيط الحذاء ... رفعتها الى جانب الطريق ورحت أربطه اٍلتفت اليّ وقال : سأمشي وألحق بي ... مشى خطوات قليلة اٍذ بدوي يهز المكان فسقطت أرضا وتطاير لجسمي قطع الزجاج ولكن لم أشعر بها الا في مابعد... فقد ذهلت لِما أراه وأسمعه فكيفما صورت الصور لن أفي حق كل جريح يسقط بالقرب منى ... دخان كثيف ...وسيارات محطمة ..هنا وهناك وصراخ وعويل يملأ المكان... نهضت أجري أبحث عن صديقي ... فلم أجد له أثرا ... كانت الأشلاء تتطاير فلا تعرف اليد من الساق ... جن جنونى ورحت أقلب الأطراف ... وقطع السيارات و..و..حتى تعالت الصيحات : اٍبتعدوووووووووا ... سوف تنفجر أخرى ولكن لم أكن لأصغي.. كنت أبحث بين الأشلاء عن صديقي ... بل كنت أبحث عنى فقد أضعت نفسي في لحظة ... وفي الصخب والضجيج والعالم قد قامت قيامته من حولي لم يكن ليشغلني الا صديقي ... وفجأة وجدت يده وعرفتها .. وكيف لا أعرفها وهي يدي ... عرفتها من الخاتم ... الشيء الوحيد الذي ورثه عن والده ... كان يعتز به أيما اٍعتزاز فلم ينزعه منذ أن وضعه في اصبعه أخذت الخاتم ورحت أصرخ في وجه الشرطي وهو يسحبنى من ذراعي : هذا صديقي وهذه يده ... واٍنفجرت بالبكاء كيف لا أبكي رفيق العمر ... ونحن لم نفترق منذ الصبى ... وفي المستشفى وهم ينزعون قطع الزجاج من جسمي تمنيت لو كان موتى معه ... سرعان ماتذكرت أولاده بعد أن دخلت زوجتى وأولادي .. ورحت أحمد الله على السلامة وأطلب منه الصحة والمقدرة على ماترك لي من أمانة ... عاهدت نفسي أن يكون لأولاده النصيب ذاته من وقتى ومالي وتفكيري ... وكيف لا وهو يشغل كل تفكيري ... وأنا اليوم بصحة وعافية أذكر عهدنا يوم لقاء الله ... فرفعت يديّ وراء الاٍمام وهو يدعو للبلاد بالأمن ويدعو للأموات بالرحمة وللمغرر بهم بالهداية وقد أقَر للضحايا بالشهادة معزيا أهلهم وذويهم ... وقفت أصرخ : صديقي شهيد... شهيد ... شهيد ......... اٍلتفت اليّ جموع المصلين .وأكمل الاٍمام يقول : يابنيّ باٍذن الله ... يظلكم الله بظله يوم لاظل اٍلا ظله ... ونظرتُ الى الأفق أناجيه سبحانه ... دعوت لصديقي بالرحمة ولي المقدرة على الأمانة ... راجيا من ربي أن التقيه يوم اللقاء 08/31/2011 |
رد: قد نلتقي..........
(فلاش باك) ..تلك حقبة لا أعادها الله!!! الأخت الغالية ..صدقا لقد تذكّرت كل شيء مر خلال تلك الفترة الدامية..أيام الفتنة الكبرى...حاكيتِ بلغة المنفلوطي تارة وسياقات ابن المقفّع مرة قلم كبار الكتّاب...قصة ناجحة إلى أبعد حد...مودتي...
|
رد: قد نلتقي..........
اقتباس:
جميل أن شبهتنى بهؤلاء العمالقة .. أتمنى أن أكون نقطة في بحرهم أنا لست إلا هاوية يتحرك الحرف في أحشائي كما الطفل الذي يعلن عن لحظة ميلاده بألم أشعر آلام الحرف قبل أن أنثره كلمات ومعاني ومتى ماهممت أكتبه ينهال كالسيل الجارف لا يكون لي عليه سلطان أسعدنى أن قرأت قصتى وغبطة تغمرني كتبت لك مودتى وتقديري وباقة من ورود |
رد: قد نلتقي..........
الآنسة فتحية عبد الرحمن :
مؤلم فراق الروح والسكن ، ومؤلم أكثرأن نجد أنفسنا مع طعم وحدة مرة وصبار وشوك غربة نفس. لكن مارأيك ، أن نلاحظ هذه النظرات، ليأخذ النص جمالا أكثر : 1 قلت :صديقي لم يكن بغشاش ولا بصاحب الوجهين . ونسيت أن الباء تدخل على الجملة للاستعانة ، فيكون الصواب : غشاشا ، ولا صاحب الوجهين . 2 ويمررها الرصيف . والصواب يمررها الى الرصيف ، فالى تفيد انتهاء الغاية . 3 الدخول المدرسي . الصواب الدخول الى المدرسة ، يقال : دخل اليه ، بمعنى ذهب . 4 يغلب ميزاجي . الصواب مزاجي . ولاشك أن ذلك تطبيع ، وخطأ غير مقصود . 5 ماتا أبواه . في الجملة فاعلان ( ألف التثنية ، وأبواه ) ، وهي على لغة أكلوني البراغيث ، وقالتها العرب . 6 حين أشتاق أسرع اليك . الصواب أسرع اليه . وعذرا ، فهذه الملاحظات لاتعني أبدا النقص من روعة كتابتك وجمال حسك اللغوي والاختيار الموفق في تشكيل الحدث والصورة الفنية . وكل التقدير لك ، ومستمر طيب اللقاء . د.منذر أبوشعر |
رد: قد نلتقي..........
[align=justify]قصة مؤثرة وذات دلالات .. تحوي خيوطا متوازية .. ونكتشف فيها الطابع الديني بشقيه الاجتماعي و الانساني وحتى النفسي .
استمتعت بقصتك أختي فتحية رغم الألم الذي طبع سطورها .. مزيدا من التألق . بكل المودة .[/align] |
رد: قد نلتقي..........
3 الدخول المدرسي . الصواب الدخول الى المدرسة ، يقال : دخل اليه ، بمعنى ذهب . تحية وتقدير أستاذ منذر : بالنسبة لهذه العبارة فهي لا تعني عندنا في الجزائر الذهاب إلى المدرسة وإنما مجموع الإجراءات والتحضيرات المادية والمعنوية والإدارية التي على الأولياء وأطفالهم وعلى الدولة ومؤسساتها المعنية إتخاذها لضمان دخول مدرسي مناسب ، وهو مصطلح شائع الإستعمال أعتقد أنه ترجمة حرفية لـ Rentrée Scolaire ، وهي تعني بالنسبة للعائلات المعوزة إرهاقا ماديا كبيرا رغم مجانية التعليم . تحية وتقدير لك وللمتألقة أستاذة فتحية . |
رد: قد نلتقي..........
اقتباس:
ما أسعدنى بهذا النقد الذي حتما سآخذه بعين الإعتبار علما أنني هاوية ليس أكثر هذا يعني أنك قرأت قصتي وغصت في تفاصيلها وفعلا يسعدنى ذلك كما قال الأخ فهيم الدخول المدرسي المقصود منه الإجراءات الإدارية والمصاريف التي تترتب على ذلك الدخول علما أنه حمل وإرهاق لكل مواطن عربي سرني جدا حضورك أستاذ دام ودمت بخير دائما تقبل فائق المودة والتقدير |
رد: قد نلتقي..........
الأخت الغالية الأديبة فتحية عبد الرحمن ربي يسعد أوقاتك
عندما تدمع عيون الرجال يعني ان قهرا يفوق طاقتهم .. ! فذاكرتي ايتها السيدة تحمل من الذكريات المؤلمة ما تنوء بحمله المشاعر فتتفجر غضبا أو أدمعا الغضب على ذاك الجزء الغامض الذي يحرك في الإنسان وحشية تفوق بل ولا يمكن أن تكون عند الحيوان فالأخير يقتل ليعيش يقتل ليأكل فإن شبع هدأ .. ولكن ما الذي يجعل إنسانا يفجر أحشاء البشر يدمر المجتمع بأسره وما معنى أن يعاد ترميم الحجر ! بقدر ما تحمل سطورك من وجع تحمل أيضا الحب والوفاء حب الإنسان يعني حب الوطن ولو امتشقنا لأجله ظهر الريح وحملنا السنة النارأو المشاعل لتضيئ دروب المؤمنين والمضللين على حد سواء يوم تصفى النفوس ونعرف بأننا نقرأ في كتاب واحد ونؤمن بأن المظلوم شهيد يمت ثم يحيا كما قال ربنا بأنهم عنده أحياء .. أما الظالم فإلى أين ؟! سعدت بقصتك وتعلمت من أساتذتي الشيء الكثير تحيتي احترامي مودتي |
رد: قد نلتقي..........
اقتباس:
سعيدة أنك قرأتها من جوانب عديدة وسعيدة أنك هنا تقرأ حرفي المتواضع دمت بخير ودام حضورك أستاذ |
رد: قد نلتقي..........
اقتباس:
من منا لا يعاني من الدخولي المدرسي ؟ أعتقد أنه همّ كل مواطن عربي تحية تقدير بحجم السماء |
الساعة الآن 49 : 10 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية