![]() |
صلاة في ليلة باردة
تبكي بصمت وأسى. تضع يديك على جبينك العريض ، وعيناك دامعتان ، وأنت تنتحب . يعلو بكاؤك ، فتجأر بصوت عال . أنت وحيد ، وبرد غرفتك القارس يفتك بأعصابك ، فينخر بيد جاسية باقي زَعْمِ شجاعتك ، ويحيل كلَّ دفء جميل لديك إلى داثررماد أطلال! هَجَرَك مَنْ أحببتَ، رغم أنك أعطيتهم ، برضى وصمتٍ ، موقَ عينيك ، ولا تزال في أعماقك تحبهم وتناديهم في شوك ليلِ ليلك، متشوقاً إلى ضجيجهم وشَغَبهم وسخفِ جنونِ عباراتهم ! لكن عجباً! عجباً منك! أَوَلستَ أنتَ مَنْ أراد ذلك وسعى إليه !؟ أليس هذا هو الهدوء الرائع الذي حَلَمْتَ به ، وهاهم أصدقاؤك / كُتُبك تأنس إليهم وتأنس بهم؟! ألستَ تريد وَهْمَ رجالِ الورق ،ومدنَ الخيال ، وأحلامَ رجالاتِ التصوف؟! أليس هؤلاء مَنْ طلبتهم في عمر العمر ، واشتقت قربهم ودفئهم، يلاطفونك ويزيلون كآبة وحشتك، دون كدرٍ بإزعاجك بعقم تافه هَمِّ المطالبِ اليومية؟! فأخبرني إذن لِمَ الأنين ، ودفقُ نهرِ الأحزان ، وأنت أردتَ ذلك وقصدتَ إليه بجِدٍّ ويقين واجتهاد، وبمحض إرادتك رسمتَ دقائق تفاصيله !؟ اقنع إذن أن تكون كلباً ينبح برداً ووحدةً ووهماً ومحضَ جنون ! أوكن كما رسمتَ نفسك وهمس روحك ! روحك ؟! وهل تملك الآن روحاً في عزلتك؟! أولم تعرف بعد أنك خيالُ مآتةٍ تفزع نفسك؟! تصرخ باستياء، وقد انقطع أملك من كل شيء وانتفى طمعك منه، وتقول كالذاهل: أنا واهمٌ إذن! : نعم واهم! أما أدركت أنك واهمٌ إلاَّ الآن ؟! اعترفْ بصدق أنك أبلهٌ خَرِفٌ منذ زمن طويل ، فالأنس الحقيقي أناسُ من لحم ودم ، وليس أناساً من ورق. والدنيا توقٌ وشوقٌ ورغبةٌ ونشاطُ حياة . وقيمة الكتاب أثَرُه وصخبه وحركته المتجددة. وأنت سادر ،لا مبال بمن حولك.. تائهٌ في غفلةِ عنفوانِ عوالمِ أحلامك ، لم تستيقظ ، فتبصر وتنتبه ، فعميت عن إقبال فورةِ نهاراتك : أنها بعزمٍ أكيدٍ تطرد كلَّ ظلامٍ مطبق ، وتسرع فيه، فتضيء فتزيل موات السكون، فتدب وتحيي، فالحياة حلوة بتضادِّ تشكيلاتها، بغرابة تفاصيل جزئياتها. والجمال وحشيٌّ ، وآخر رائق، وآخر نسميه جمالاً سامي الروح.. وكله جمال .. وأنت تصرُّ أن تبقى أنت أنت .. فلتعترف ثانية : أنك لاشيء، وهذا ماجنيته لنفسك ! وتصرخ: الدنيا لم تنته ، والعمر ابتدأ اللحظة ، وما تكسَّر الأمل بعد! :- وأولئك الذين شقوا معك ! زوجتك وأولادك الذين سئموا منك فغادروك وصاغوا مدناً بعيدة عنك، أولئك الذين قطعتَ خيوط التواصل معهم، وقلت بحمق إنهم لا يدركون آفاق ماتحبه! فهل العواطف جَرَّةُ قلم ! تترك ساعة تريد ، وتقبل ساعة تريد ، وتخاصم ساعة تريد ،وتصالح ساعة تريد؟! هل نسيت أن المشاعر زهرةٌ سريعةُ النماء ، سريعةُ الموات ، يزيد نماءَها صدقُ الأحاسيس والمشاعر، فتتَّام وتورق ، ويميتها بردُ الأحاسيس والمشاعر ، فتذبل ، فيصعب إحياؤها . : نعم ، قد يصعب ، لكن لايستحيل ! والحبيب مجبول على الغفران ! : أيُّ حبيب لديك؟! وماذا سيتذكَّر منك كلُّ من أحببت ؟! أنت أعطيت بطريقتك ، فظننت أنه الحب ، وما عرفتَ إلاَّ اللحظة أنه وَهْمُ الحب, ومَحْضُ أنانيةِ ذاتك ! : لكنني ولدت اليوم ! : والماضي من سيمحو مرَّه وأساه ودموعه ! : صدق الرغبة ! : قد يحتاج ذلك زمناً . : وأنا سأنتظر إذن دونما بكاء . وتتلفََّتُ حولك، الليل في آخره ، يلملم أذياله مستعداً للرحيل، ووخز البرد خفَّ حماسه، بل أنت تشعر بالدفء، بل تتصبب عرقاً. وقمت من سريرك بحماس وقلبك يخفق. وتوضأت، وصليت خاشعاً وأنت تقول: اللهم اغفر لي غفلتي وسوء تدبيري يا أرحم الراحمين. وشعرت أن الذين افتقدتهم أتوا إليك، بل هاهم خارج غرفتك يطرقون بابك بعنف. وغفوت قليلاً وأنت تبتسم ،وشعرت بهدوء عميق عميق . |
رد: صلاة في ليلة باردة
قراءة أولى الأديب العزيز د. منذر
لا أستطيع إلا أن أمرَّ للسلام والتحية أما الرد ففي الغد إن شاء الله لدينا الكثير لنقوله فنصك اليوم فتح أبواباً كثيرة انتظرني .. في الغد أيها المبدع بلا حد . |
رد: صلاة في ليلة باردة
أختي الحقوقية أميرة البوح الجميل ميساء:
أنتظر عذب كلماتك بشوق ولهفة،كما الأرض تنتظر المطر. |
رد: صلاة في ليلة باردة
عدت إليك أخي د. منذر وأرجو ألا أكون قد تأخرت عليك
صباح الورد وإن شاء الله كل أوقاتك ورد وفل وعبهر النص جذبني جدا ربما من العنوان وكنت في كل سطر أقف وأنا بداخلي كم هائل من الشفقة والعطف عليه وأقول في نفسي لماذا يقسون عليه ؟ النص ربما كان حوار بين الإنسان ونفسه وهذا يحصل عادة في لحظات يشعر فيها الإنسان بالوحدة تهاجمه من كل صوب فيبدأ بمحاسبة نفسه ولومها بل وجلدها أحياناً بسياط العتاب والمساءلة . الإنسان ولن أقول الرجل فقط بل أحياناً حتى المرأة تنشغل حتى عن نفسها لتصحو فتجد نفسها وحيدة بين أربع جدران .. التوازن مهم جداً في حياتنا فيجب ألا نغلب دراستنا أو عملنا أو هواياتنا على أسرتنا واحبتنا وأن نعطي لكل إنسان حقه في هذه الحياة .. ولكن من يستطيع إنجاح هذا التوازن في حياته ؟ اليوم هذه المشكلة أصبحت كبيرة جداً لأن جميع أفراد الأسرة كلٌ منشغل بنفسه من الصغير حتى الكبير وقد لا تجمعهم مائدة طعام واحدة .. الوضع إن نظرت إليه من بعيد مؤسف جداً ولكن لم يعد يجدي أن نقول أن الأسرة أصبحت تتفتت ومصيرها إلى هذه الوحدة وربما إلى الصلاة في ليلة باردة.. لكن من يستجيب ؟ نصك اليوم أخي منذر يفتح للحديث آفاقاً كثيرة ولكن هل نصل لما يرضي جميع الأطراف ؟ مبدع كعادتك بل وأكثر .. أتمنى لك نهاراً سعيداً ومزيداً من الإبداع .. ودمت http://iraqnaa.com/ico/image2/f/053.gif |
رد: صلاة في ليلة باردة
أختي الحقوقية أميرة البوح الجميل ميساء:
جميعنا ينشد ( التوازن) بين خاصِّ رغباته والعالم الصغير حوله، لينعم بالراحة والهدوء في تفاصيل كلِّ حياته. لكن غلبة رغبة ( الهوى) وطغيانها على النفس، يكسر ذلك كله ويشتته ،والعُرف يقول:ما أحبه أنا وأسعى إليه ،قد لا يُطرب غيري ويعجبه ! وبالتالي، يحتدم أوار الصراع بين إلحاح ( الهوى) والعالم الصغير المحيط بنا . والخير كله لك، وأسعد حقاًّ لتميُّز قراءتك ،واستطاعتك تدبر ما وراء السطور. |
رد: صلاة في ليلة باردة
استاذي الفاضل الدكتور منذر
تصعب احيانا على النفس البشرية ان تعترف بالبلاهة رغم سهولة ارتكابها الحماقات فالهدوء الذي نحلم به لا ياتي بالابتعاد عن من نحبهم وقد نعيش في بيئة هادئة ولكننا في توتر داخلي مستمر وصراعات داخلية فمن تحدثت عنه هنا يا صديقي اعتقد ان وحدته ستخلق له الهدوء المنشود ولكنها خلقت له صراعات داخلية وتعاسة وبؤس وندم ولا اعتقد انهم ظلموه نجاح الانسان مرهون بنجاح من حوله ونجاحه هو ايضا معهم وكما قالو قديما وراء كل رجل عظيم امراة ... ويا معلمي في مخيلتي الكثير من الكلمات ولكن خانني التعبير وكما عهدناك مبدعا متميزا متالقا امنياتي لك بكل ما هو خير |
رد: صلاة في ليلة باردة
الاخ الاستاذ القدير منذر أبو شعر مساء الخير
نحن هنا أخي العزيز للاستمتاع والقاء التحيه ولسنا هنا للتقييم لأننا مهما قلنا لانوفيك حقك نص جميل ورائع بمعاتبة النفس وحثها على الابداع والفائده...تتلوها صلاة أستغفار رائعه في محراب مدينة منذر أبو شعر..دمت لنا أخي الغالي تحياتي وتقديري ومودتي أخوكم سلمان الراجحي |
رد: صلاة في ليلة باردة
ابني رامي كمال صوت حماس الشباب وفتوة عزم كل غد:
( الأنثى) :أمٌّ ،وحبيبة ،وزوجة ،وإلف أسرة ،بدايةُ وطنٍ صغيرٍ ،نلقي على أعتابه مطلق الهموم ،فنقنع بلمسة حانية ،أو ابتسامة مشاركة..لكننا قد ننسى أنفسنا ،فنغرق في هَمِّ اللحظة ،فتتوتَّر ،للحظات ،كلُّ ساعات السعادة ،وآفاقُ أمالِ العمر، فنكتئب ،وتُعتصرالنفس أسى ومزيد ألم ..فنقول ساعتها:(ياالله) ،بقلب صادق..فتعاود لحظات الهناءة توالدها من جديد. والخير كله لك ،ونبقى مع طيب الحديث. |
رد: صلاة في ليلة باردة
أخي الأديب سلمان مهندس شجن الحرف ،نخل عراق الخير:
عطر تواجدك يعطي عزماً ،ويفتح دائماً طاقات عزم وبركة. والشكر كله لك،ونبقى مع صدق اللقاء. |
رد: صلاة في ليلة باردة
المشكلة يا أخي الدكتور منذر ,, بأن التجربة الإنسانية , لا تنقل , ولا تجيَّر , ولوكان لنقلت كل خبرتي - شأني كشأن كل أب - كبرشامة ألقمها لأولادي ولمن أحب ..
ولفعل أبي !! فلكل شخص , وحسب عمره تجربته حول ماذكرته أخي الكريم ,, لكن تتكرر التجربة , وكل إنسان سيكررها ,, فما نصنعه , قد صُنع . وما نفعله قد فُعل ,, ولن نجني إلا قبض الريح ,, ولا جديد تحت الشمس ,, كنت إمامي بصلاتك , واقتديت بك في ليلة باردة ...أزاد بردها لهب البارود حد الثلج الأسود .. لكنني أثق بشروق الشمس غدًا ,, مع المحبة أخي الفاضل منذر حسن إبراهيم سمعون |
الساعة الآن 40 : 07 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية