![]() |
أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل
1 الماضي ثفل بقية قهوة في فنجان العمر ! إن حَرَّكته لاتجد غير طعم الأسى والمرار ! ثلاثون عاماً وأنا معه ! تزوَّج الأولاد :( سامح) أب لثلاثة أطفال, هم نور عينيه،مهندس معماري في ( دبي ). و( أماني ) محاسبة قانونية في مصرف الكويت الوطني، وزوجها أستاذ جامعي، وعندها ابنتان في المرحلة الابتدائية . و(كريم )غارق في بيع مستلزمات الحواسيب والأجهزة الألكترونية ، وابنه الوحيد ( طارق ) يعيد الباكالوريا مرة ثانية، دون أدنى اهتمام . وأنا وزوجي عبد الفتَّاح، في ( قدسيا ) أعيد ترتيب أوراقي من جديد بعد ثلاثين سنة ! ثلاثون سنة وأنا أنتظر ! لأتركه ! لكن هل بقي مني شيء ؟! شكراً زوجي عبد الفتاح ! شكراً لك ! اليوم آنَ وقت الرحيل ، ولاعودة ! هنيئاً ، فقد استمتعتَ بأرج عمري بما فيه الكفاية، وقدَّمتُ أنا كلَّ ما عندي عن طواعية، لكن لاتطلب مني المزيد، فما بقي في فنجان قهوتي سوى خطوطِ سوادِ بقيتها ! ولست نادمة ! فهذا اختياري وأنا راضية به ! وقد أحببتك زمناً ! لاأنكر هذا ! أحببتك كثيراً، وقلتُ لك ذات مساء حالم : - أنتَ أنفاسي ، أستحم بدفء صوتك ! فكنتُ غبيِّة حقَّاً ! بل غبيِّة لدرجة السذاجة ! لكنني ، ولاتنسى ذلك أيضاً، كنتُ ولا أزال ، بنت (أصل ) أيها الجاحد الكريه ! وما تركتك أبداً في أول الطريق، رغم أنك ،على مدار أيامي معك, كنتَ تدمِّر نفسك وتدمِّرني معك ! لقد قالت أمي لي قبل ثلاثين سنة ، وقتما أتيتَ برفقة والدتك وخالتك إلى منزل أهلي : هو ظريف لاشكَّ في ذلك وابن ناس ، لكن هذه (الطينة) ليست لهذه ( العجينة )! أنتِ تحبين الناس والأصدقاء والفُسَح ، وهو غالبٌ عليه الانطواء ! كأنه مهموم أبداً ! كأنه يُشَكِّل عوالمه بمفرده ! كأنه وحيد ، رغم كل الظرف الذي يُضفيه على مَنْ حوله ! فقلتُ بثقة واعتداد :- معي سيتغيَّر ! المهم الأصل يا أمي ! عيبه أنه لم يعتد الاختلاط بالناس ، وسأكون أنا عالمه وناسه ومجتمعه ! فأيُّ أصلٍ رأيتُ بك ، وأيُّ تغيير أحدثتُه فيك ؟! بل قل لي ماذا زرعتَ في حديقة عمري غيرالأسى والهمِّ السَّارِب في عروقي بلا انتهاء ؟! لقد شاخت زهوري في وَهْم حديقتك، وأنا ذويت وما اهْتَمََّ أحدٌ بي أوسألني ما بي ! وكنتُ إذا مافاض بي الكيلُ ، اكتفيتَ بالصمت ، وقلتَ ببرود :غداً تهدأ ، فهي تحبني ! ثلاثون عاماً أيها الصخرةُ الأصم ! لم تسمع أنيني ! وما عَنَتك دموعي ! وما اكترثتَ لآهة شجوي ! فهل ألهمني الله الصبر على قرف عيشتي معك من أجل الأولاد !؟ هل ألهمني الله الصبر لأزداد منه قرباً !؟ هل ألهمني الله الصبر لأنه يدَّخر لي أفراح غد !؟ أم هو يمتحن يقيني به !؟ ثقتي به !؟ آمالي المتكسرة على أعتاب بابه !؟ وأصرخ : أنا أكرهك ، وألعنك ، ولن أسامحك أبداً ! وقلبي الذي استمرأتَ غفرانه ، لن يعود إليك ! فأنت ألغيتَ شعوري بأنوثتي ! ألغيتَ أنني ( كيان) يطلب حضن رجل ، أمان رجل ، دفء رجل ، شهوة رجل ! عالم رجل ! وقد تقول بسخريتك الجارحة :- تأخرتِ كثيراً في عزيمة قراركِ ! فأقول لك بحرقة وتشفٍّ مقصود:- إن تأتي متأخراً أفضل من أن لا تأتي أبداً ! فحسبي الله ونعم الوكيل ! حسبي الله بك ، لكل ساعة قضيتها معك ! لن أسامحك أبداً ! وغداً عندما ستجتمع الخصوم ، سأخاصمكَ عند رب العالمين وأشكوك إليه! وسأقول له بانكسار:- اقتنَصَ بهيجَ عمري ، وأذوى إصباحاتِ شبابي ! ** ** ** 2 :- حبيبتي ( إسعاد ) السلام عليكم . بقرف:- وعليك ! :- خير ! ما بك ؟! :- لاشيء ! كما ترى ! سأذهب عند أمي لبضعة أيام ! :- لكن هذا رحيل كما أرى، وليست زيارة لبضعة أيام ! :- ربما .. :- يا بنت الناس ، مابك ؟! :- كنت مجنونة منذ ثلاثين سنة، واليوم ثاب إليَّ عقلي ! :- أخبريني ماذا حصل ؟! :- لاشيء ! ألا يحق لي أخذ إجازة ؟! ( ثم وأنا أتفرَّس به ):- أريد أن أخلو لنفسي فلا أرى أحداً ولايراني أحد ! :- وبيتك ؟! :- هنيئاً لك به ! :- وأنا ؟! :- أنتَ تعاستي ! :- ماذا تعنين ؟! :- لا شيء ! فقط دعني أرحل ! باستغراب:- تنوين الطلاق ؟! :- القرار بيدك ! كن شجاعاً مرة واحدة في حياتك ! بحزم صاحبته دهشة :- كفاكِ سخفاً ! أنسيتِ أننا اقتربنا من نهاية العمر ! :- حتى لو بقي في عمري يوم واحد ، أنا لا أريدك ! لا أريدك ! ألا تفهم ذلك ؟! :- مجنونة ! والله مجنونة ! تريدين أن تتركي كلَّ شيء ! هكذا ببساطة ! بعزمٍ دون انفعال:- أنت تعرف كم أُحب ابني سامح ! هو حياتي كلها ! وعندما قرر السفر إلى دبي ظننت أنني سأموت عليه كمداً ! لكن هاهو قد تزوج وعنده ثلاثة أولاد ! ومثله أماني ، هي اليوم في الكويت ، رغم اشتراطي على كلِّ منْ طَلَب يدها أن يكون العريس مقيماً في دمشق ! ( وهرشتُ رأسي ):- هل تذكرعندما رحلتْ أماني ، كيف امتنعتُ عن الطعام واجتنبتُ الحديث معها كي لا تشعر بأساي ؟! وكريم حبة عيني ، خطفته زوجته ، وانشغل بها وبابنه طارق ! ومازلتُ رغم ذلك آكل وآشرب وأعيش ، واعتدت على ألم فراقهم ! ( ثم وأنا أُحدِّق به ):- أولادي سرُّ حياتي ! وضوء نهاراتي ! وإصباحات زمني ! وأقول لك : اعتدت فراقهم ! ( ونزلتْ من عيني دمعةٌ متمردة ، فزجرتُها بانزعاج ) :- لقد قررتُ وانتهى الأمر ! البقية عندك ! :- كما تريدين ! لكن ثقي أن يدي ممدودة إليك ! :- سمعتُ هذا الكلام مراراً فسئمته ! أنت لاتتقن سوى الكلام ! ومشكلتي معك افتقادي الثقة بك ! :- لن أيأس ! أنا ولدت اليوم ! :- نفس الجملة منذ ثلاثين سنة ! أنا مللتٌُ من كلِّ كلام ! أنا في حياتك هامشً ، وآن الأوان لأكون مَتناً ! :- وما المانع ! لستُ عجولاً ! كوني متناً كما تريدين ، رغم أنك صفحتي المشرقة ، ومَتن أيامي كلها ! :- أنا لن أنتظر ! :- وأهلي ، والناس من حولنا ، والأولاد ؟! :- هذا ما يهمك .. أيُّ شيء إلاَّ المساس بصورتك أمام الناس ! لكن هذا الكيان أمامك ألا يحظى منك بطرف اهتمام مرة واحدة في عمرك !؟ :- أنت عمري .. أنت حبيبتي .. أنت زوجتي التي أُحب ! :- علاقتنا صورة ، مجرد صورة ! وأنا أمزق اليوم الصورة ! (وبانفعال): - ذق الكأس التي جرَّعتني ! جرِّب عذابات وحدتي ! أنا أكرهك ولا أريدك ! وصرختَ:- إلهام ! إلهام ! لكنني تركتُه بشجاعة ، وغادرت البيت باطمئنان ، وغصة كاوية في حلقي تنزُّ داخلي باستمرار ، وربما بكيتُ في طريقي مرة أو مرتين !. |
رد: أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل
يعجبني فيك يا استاذي اسلوبك البديع لسرد قصص من الواقع ولا اشك ان الكثيرين سواء كانو نساء او رجال عانوا كما عانت هذه المرأة وتحملوا العناء من اجل اولادهمولكن لا يتمتع الكثيرين بجرأة هذه المرأة فبعد ثلاثين عاما استطاعت ان تلقي قنبلتها التي كادت ان تصدأ بيدها واظن انها ضحت بما فيه الكفاية من اجل اولادها وهناك بشر يا صديقي لا تستطيع تغيير طباعهم ولو بذلت كل جهد ربما يحتاجون لمعجزة ربانية فالمرأة بالبيت ليست قطعة اثاث او تحفة فنية تتمتع بمشاهدتها قليلا وتنسى وجودها كثيرا وفي احيان كثيرة تعاني المرأة من الوحدة رغم وجود زوجها في تفس البيت.تقبل بمروري ودمت بكل ود |
رد: أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل
ابني الأستاذ رامي ،صوت حماس ِالشباب وفتوة عزم كل غد: المرأة في رأيي كائن بمنتهى اللطف والوداعة والقدرة على الصبر والتحمل، لكنها عندما تقرر أن تثور أوتغضب ،تصير لبوة شرسة ،وبركان قسوة لايعرف رحمة أو أدنى انتظار ! والخير كله لك ،ونبقى مع طيب صدق اللقاء. |
رد: أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل
سردك أمتعنا ،فلم نترك الحكاية من الحرف الأول حتى وجدنا أنفسنا نهاية آخر نقطة د.منذر أبو شعر
هي المرأة عندما تُقرر لا بد للقدر أن يستجيب ،،الرتابة (رتابة الرجولة ) والانصياع لأنا الرجل تجعل الحياة الزوجية لا تُطاق ،،أنهت الزوجة مهام الامومة بأن أنشأت الأبناء إلى أن استقروا لم تنفجر بل قررت أن تحيا من جديد ولو تقدم بها العمر مجرد رأي تحيتي لقلمكم |
رد: أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل
ابنتي الأديبة عروبة ،فراشة الخير والأمل وكل طاقات النور:
بلى هي الرتابة ،وربما هي سآمة ( الروتين )،وافتقاد المصارحة ،أو كراهيتها ،منذ البدء. والخير كله لك،ونبقى مع طيب صدق اللقاء. |
رد: أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل
عندما أقرأ لك أستاذي العزيز
كأني راكب يخت ملكي ينساب مع خرير الماء الهاديء وسمفونية عشق على ترانيم عاشق تحت ظلال نخيل العراق...موضوع راقٍ وذو عبر كرقيك أخي العزيز لقد حصلت على شيء جديد هنا أضيفه لخبراتي..! تحياتي وتقديري ومودتي سلمان الراجحي |
رد: أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل
الأخ الفاضل أستاذ منذر أبو شعر قصة واقعية رائعة , استمتعتُ جداً بقراءتها وأسلوب سردها الرائع . وحال إم سامح هو حال الكثيرات من الزوجات التي تتحمل الكثير والكثير من متاعب الزوج من أجل الأولاد وتربيتهم وإيصالهم إلى بر الآمان , هي شجاعة أن اتخذت هذا القرار , على مبدأ أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل , لكن الكثيرات غيرها يأخذن بالاعتبار الكثير من الأمور كالعمر والمجتمع والأهل والأولاد والأحفاد وتستمر في هذه المعاناة . أشكرك أستاذ منذر على ماأتحفتنا به , وبانتظار المزيد , ودمت بألف خير . |
رد: أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل
أخي الأديب مهندس شجن الحرف سلمان،نخل عراق الخير:
لأن عينيك لاتريان إلا وداًّ ومطلق عطاء ،رأيتني بنقاء نفسك ،وكرم خير طباعك. والخير كله لك،ونبقى مع طيب صدق الحديث. |
رد: أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل
ابنتي الأديبة بوران ،عين المطر ونسغ الأمل:
لا أدري كلما مررت بجميل كتاباتك وموضوعاتك القيمة عن قلبنا فلسطين،كيف أتذكر بسالة نساء الماضي، وكيف تعاودين بمنتهى الجدية ،ترسيخ حالة النشاط ،بنفي الكسل من النفوس،وإيقاظ نوام الهمم . وكل الشكر لك ،على طيب جميل حضورك ،ونبقى مع طيب صدق الحديث. |
الساعة الآن 40 : 08 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية