![]() |
الصيدلية
الصيدلية بحث كثيراً عن عذر يرمي به إليها لكن هذه المرة لم يجد ، فقد استنزف كل ما لديه من أعذار. - لماذا تأخرت ؟ بقي صامتاً وعيناه لا تفارقان عيناها محاولاً التفكير بشيء ما . - يبدو أنك لم تجد عذراً مقنعاً هذا اليوم ! - لا ؛ فأنا كنت ..... قاطعته قائلة : - باشر بعملك ، هناك الكثير لتنجزه. سمير يعمل محاسباً في شركة ، وكل من في الشركة يمدح إخلاصه وتفانيه في العمل وروحه المرحة . منذ حوالي الشهر لم يعد سمير يعرف الضحك ، وبدأ يتأخر عن العمل وكل يوم يخرج من جعبته عذراً جديداً. مها – مديرة الشركة – أخذت تتذمر من تصرفات سمير في الآونة الأخيرة ، وما كان يغيظها أكثر لامبالاته الزائدة. تحاول مها كل يوم أن تعرف سبب التغير المفاجئ في تصرفات سمير لكن كلما سألته هرب من سؤالها بتكرار العذر الذي أخبرها به صباحاً ، و لم تشأ أن تطرده من العمل نظراً لكفاءته وقدراته المميزة في العمل . أخذ فضول مها وشغفها في معرفة ما يحدث مع سمير يزداد يوماً بعد يوم ، و قررت أن تراقبه بنفسها . في صباح أحد الأيام وفي الساعة السادسة استقلت مها السيارة التي استأجرتها لهذا الغرض وذهبت إلى الحي الذي يسكن فيه سمير ، ووقفت بحيث ترى المنزل ولا أحد يشك بأمر السيارة. توقفت سيارة أجرة أمام منزل سمير السادسة والنصف صباحاً نزلت منها سيدة ودخلت المنزل . في الساعة السابعة خرج سمير من المنزل واستقل سيارته ، ولحقت به مها . قطع شارعيْن وأوقف سيارته أمام صيدلية ، نزل من السيارة ودخل الصيدلية ، و بعد عشرة دقائق خرج منها وعاد إلى المنزل مرة أخرى ، ولم يمض على دخوله خمس دقائق حتى خرج واستقل سيارته إلى العمل. بعد الدوام وبعد الساعة الرابعة والنصف مساء عاد سمير إلى الصيدلية ذاتها وخرج منها بعد نصف ساعة وعاد إلى البيت ، وبعد نصف ساعة من دخول سمير خرجت السيدة التي قدمت إلى البيت صباحاً واستقلت سيارة أجرة . ظلت مها تراقب المنزل حتى الساعة التاسعة مساء ولم يخرج أحد . في اليوم التالي عادت مها مرة أخرى للمراقبة السادسة والنصف صباحاً ، لكنها بقيت حتى الساعة العاشرة مساء ، حيث انطفأت كل أنوار المنزل . استمرت مها في مراقبة سمير أسبوعاً كاملاً ، وكان سمير يفعل الشيء ذاته ، وفي أيام العطل كان سمير يخرج الساعة العاشرة صباحاً ويعود الساعة الحادية عشرة والنصف ليشتري مستلزمات المنزل . الصيدلية أصبح هاجساً لمها ، والسؤال ذاته يتكرر في ذهنها لماذا يهتم سمير بهذه الصيدلية ؟ ولماذا لا يفعل شيئاً سوى الذهاب إليها ؟ في أحد الأيام وكعادته حضر سمير متأخراً عن العمل ولم يقدم عذراً ، فمنذ أسبوعين لم تعد مها تسأله عن سبب تأخره . - صباح الخير . - أهلاً سمير . وقبل أن يخرج من باب مكتبها قالت وهي تلوح بيدها حاملة ورقة : - سمير هل تعرف صيدلية أجد فيها هذا الدواء ؟ التفت إليها بعينيْن أثارتا الذعر داخلها ، وقال : - لا ؛ لا أعرف ، اسألي أحداً غيري! - حسناً ؛ لا بأس . خرج غاضباً من مكتبها ، ولم تفهم مها سبب غضبه . بعد انتهاء الدوام وبعد أن خرج سمير من الصيدلية التي يذهب إليها كل يوم ، نزلت من السيارة ودخلت الصيدلية فوجدت رجلاً كبير السن تكاد عروق وجهه تنفجر من شدة الغضب . - مرحباً . - أهلاً بك . أرادت مها استدراج الرجل ليتحدث فقالت له : - يوجد الكثير من الأشخاص المستفزين والذين لا يعرفون كيف يتحدثون . - الحياة هي التي تستفزنا . - اهدئ يا عم ولا تلق بالاً ، المهم صحتك . - صحتي ! صحتي ! تهتمين لصحتي وابني يريد سلبها . - هدئ من روعك ، بالتأكيد ابنك لا يريد ذلك . - ها ! ماذا كنت تريدين ؟ - أريد هذا الدواء من فضلك . أعطاها الدواء ، شكرته وخرجت . بعد ثلاثة أيام عادت مها إلى الصيدلية في فترة الاستراحة بحجة صرف دواء ما . - مرحبا يا عم . - أهلا يا ابنتي . - كيف حالك اليوم ؟ يبدو أن أعصابك هادئة اليوم . - بخير ؛ لكن سيأتي ابني ليبعثر أعصابي . ابتسمت وقالت له : - وهل لديك ابن صغير السن ؟ - كان لطيفاً حين كان صغيراً ! و رأت بعينه دمعة تصارع للخروج ويمنعها ، فلم تجرؤ على الاسترسال بالحديث و قالت له : - أعطني هذا الدواء من فضلك يا عم . أخذت مها تتردد على الصيدلية كثيراً ، مرة تطلب مسكناً ومرة تطلب فيتامينات ومرة تطلب مسكناً من نوع آخر. و بدأت علاقتها بالرجل كبير السن تتحسن ، وفي كل مرة تحاول مها استخلاص شيئاً مفيداً منه . ولم تكن مها تسأله عن ابنه لكنها كانت تعرف ماذا تسأل ليتحدث عنه . ويوماً بعد يوم كان الرجل يحدثها أكثر عن حياته. بعد شهر تقريباً قررت مها أن تسأل الرجل أسئلة مباشرة . خرجت من الشركة الساعة الثالثة والربع وذهبت إلى الصيدلية . - مساء الخير يا عم . - أهلاً بك مها ، كيف حالك يا ابنتي ؟ - بخير . وكيف حالك أنت ؟ - بخير ، ما لم يأت ابني . - دائماً ما تقرن سوء حالك بابنك يا عم ، يبدو أن العلاقة بينك وبين ابنك ليست جيدة ، أليس كذلك ؟ - كنا بخير قبل أن تحاول زوجته الانتحار . - ماذا ؛ هل انتحرت زوجته ؟ - تناولت أدوية بكميات كبيرة لتنتحر لكنها لم تنجح ، ومنذ ذلك الوقت أصبح سمير يعاني من أزمة نفسية ، ونعاني كلنا بسبب تصرفاته . - هل ابنك اسمه سمير ؟ - أجل . كل يوم يأتي و يأخذ جرعة في الصباح وحقنة في المساء. - و زوجته ؟ - لديها ممرضة في المنزل ، وهو لا يخرج من البيت إلا للعمل أو لشراء بعض الحاجيات . في تلك اللحظة دخل سمير الصيدلية ، فقال الرجل : - هذا هو ابني سمير الذي حدثتك عنه . بقي سمير واقفاً بباب الصيدلية محاولاً استيعاب الصورة التي يراها أمامه ، و رأت مها بعينيه ألف سؤال ، تمنت حينها لو بقيت تتذمر من تأخره قبل أن يباشر بطرح أسئلته عليها ! فاطمة البشر |
رد: الصيدلية
إن الاهتمام الكبير التي أولته السيدة مها لسمير يخفي وراءه ما يخفي و بالطبع يجب أن يكون سبباً كبيراً و ربما عشقاً عميقاً و سؤالي لها لِمَ عليها أن تُحرج نفسها من دون طائل في آخر لحظة , ما كانت تهدف من وراء ذلك , يبدو أنها خانتها الفطنة . أختي أ. فاطمة : قصة مثيرة و جميلة , شكراً لك . |
رد: الصيدلية
[align=justify]
تحياتي لك غاليتي أستاذة فاطمة [/align]أسلوب مشوّق استطاع أن يشدني كقارئة ويترك في نفسي الكثير من علامات الاستفهام إلى الأمام دائماً يا مبدعة |
رد: الصيدلية
د. محمد عثمان ؛ تشرفت بمرورك وتعقيبك الجميل ... دمت بخير وسعاده ودي ووردي |
رد: الصيدلية
أ. هدى الخطيب ؛ سعدت كثيراً بمرورك وإعجابك بقصتي .. دمت بهناء وسرور ودي ووردي |
رد: الصيدلية
أجد نفسي أمام محاولة قصصية تستحق الاهتمام ربما لأن الكاتبة تتلمس موضعا لقدمها وتدلي بدلوها في هذا المجال الأدبي ..
الأسلوب : رصين وسهل ينساب بعفوية وليس هناك تكلف مما يجعل القارئ ينشد النهاية بفضل التشويق الذي طبع القصة . الحبكة القصصية : 1- هناك تنوع في السرد .. تبدأ الأحداث بأفعال مضارعة سرعان ما تتغير ويستعمل الماضي لمواصلة السرد .. 2- التركيز على حركية الشخصيات في مقطع كبير من القصة مما جعل النص يفتقد قليلا من التنوع كذكر بعض الأحاسيس مثلا أو إدراج بعض الأوصاف سواء للشخصيات أو للأحداث . 3- تكرر اسم البطل كثيرا (سمير) وكان من الممكن تعويضه بضمائر حتى يحتفظ النص برونقه .. نهاية القصة جاءت مفتوحة على كثير من الاحتمالات مما يمنح القارئ هامشا للتأمل وإعطاء رايه وتخمينه لما يمكن أن يحدث من بعد . هذه ملاحظات خفيفة أردت بها الشروع في تغيير نمط تعليقنا على النصوص القصصية دون الادعاء بأني ناقد ادبي ، تاركا المجال لمن هم أهل لذلك . الأخت فاطمة .. خطوات ثابتة وواثقة في مجال القصة .. وأنا على يقين من أن لك الإمكانيات لكتابتها بفضل الاحتكاك بنصوص كتاب هذا الصنف الأدبي الجميل .. مزيدا من التألق .. ولك مني كل المودة والتقدير . |
رد: الصيدلية
الأديبة العزيزة فاطمة البشر
لا تخلو حقيقة هذه القصة من الإثارة، ويسرّني أن أقرأ لك هذا النصّ. لي ملاحظة على عمق الحدث وهو مغيّب، وأقصد بذلك أسباب الإنتحار وليس أسباب التأخر عن العمل، التي اعتبرها أيضًا غير مقنعة، فالدواء يمكن أن يتناوله الإنسان في كلّ مكان وفي العمل أيضًا. إذا ركّزت على الشأن الإجتماعي والمعيشي وأوضحت الأسباب التي دعت لمحاولة الإنتحار عندها ستزداد القصّة شمولية وإقناعًا. لك منّي خالص المودّة. |
رد: الصيدلية
أ. رشيد الميموني ؛ أهلا بك وشكراً جزيلاً لنقدك البناء و ملاحظاتك المهمة ، سأعمل بها في المرات القادمة ... تشرفت بمرورك ودي ووردي |
رد: الصيدلية
أ. خيري حمدان ؛ كل الشكر لما أوردته من تنبيهات على القصة ، سررت بمرورك من هنا وإبداء رأيك ودي ووردي |
الساعة الآن 51 : 02 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية