منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   وأدوا القدود الحلبيّة (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=26499)

فاطمة يوسف عبد الرحيم 19 / 01 / 2014 05 : 12 AM

وأدوا القدود الحلبيّة
 
وأدوا القدود الحلبيّة

تتمايل بوتيرة واحدة على كرسيها الهزاز وتغفو على إيقاع تكات الساعة، ترقب العمال من حديقتها المحاذية لعمارة قيد الإنشاء، مستأنسة بأصوات مطارقهم وهرجهم، وتغبط نشاطهم، سمعت من أحد العمال شدوّا رهيفا شجيا لمواويل تراثية وقدودا حلبية، غناؤه يحكي شجن الفراق ولوعة الاغتراب وحنين الوطن، أخرجها الشدو من رتابة الوحدة مثيرا غزارة دمعها على أولادها الذين اغتربوا.

طرقات خفيفة على الباب، وقف قبالتها بأدب جم : لقد نفدت مياه الزير من الورشة، نريد شربة ماء بارد يا خالة، اليوم حار!! ناولته زجاجة ماء تراجع بأدب جمّ، في اليوم التالي طرقات على الباب: اعتذر للازعاج ،أيمكنني أن أتوضأ، نفد الماء، ابتسمت مرحّبة "في أقصى الحديقة يوجد دورة مياه" بسطت له سجادة صلاة باتجاه القبلة :"لن أضايقك، استطيع الصلاة على تراب العمارة!!
: وتحرمني الأجر؟؟

نظر إليها باحترام، أقام الصلاة، أذهلها في تكبيراته وخشوعه كأنّه في ملكوت آخر، مناجاته لربّ العالمين تغسله بدمع الخشوع، أبكاها خشوعه، رجته: بني،سانتظرك يوميا لصلاتي الظهر والعصر، نشأت بينهما ألفة، يسألها عن أولادها، فتشير إلى صورهم التي تملأ الجدران:استشهد الأوسط وهجّرتهم الحرب الأهليّة اللبنانيّة، وأصبحوا ذكرى، لمَ نخوض غمار حروب لا جدوى منها؟"

تعدّ له كوب شاي مع ساندويتش أو قطعة بسكويت، وتستأنس بشدو القدود الحلبية ومواويله التي يغنيها للوطن وللأهل والحبيبة، أخبرها أنّه ترك حلب هربا من الحرب التي لم يقتنع بجدواها وخبّأ شهادته الجامعية حتى تعود الحياة لوطنه الذي يئن من جراح الفتن، ودّعها يوما: رغم قسوة الحرب أحبّ قضاء شهر رمضان الفضيل بين أهلي، لكنّي سأعود بعد العيد، إلى اللقاء يا أمي" دمعت عيناها وانتظرته.

مرت الشهور ولم يعد، وفي يوم سمعت صوتا يترنم بالقدود الحلبية استدعته وسألته عن أيمن الحلبي ردّ بشجن: أعرفه إنّه هناك وله حكاية: كعادته يسرع إلى الجامع قبل الأذان، حان الوقت وانتظر النداء لكنّه لم يسمعه، دخل غرفة المؤذن وجده مضرجا بدمائه، وأدرك بتقواه أن لا شيء يعيق صوت الحق فاعتلى المئذنة وأذّن للصلاة، سمعته جماعة تكفيريّة، اعتقلوه وكفّروه بتهمة "التغنّي بالآذان وعذبوه حتى يعترف أن ما فعله كفرا، ولم يحتمل سطوة التعذيب واعترف بما أرادوه للخلاص من تعذيبهم ولأنّه لا يريد أن يحرق قلب أمّه وحبيبته وعائلته التي عرفت بالتقوى والصلاح، لكنّهم قتلوه بعد اعترافه أنّ التغني بالأذان كفر بناء على طلبهم".

علّقت صورته على غربة جدرانها، وردّت بصوت حزين لا تطرقوا بابي لن أعد احتمل وأد القدود الحلبية، سأرسل لكم الماء يوميّا صدقة عن روح أيمن، وجدراني لم تعد تتسع لصور المعذبين في الأرض ولضحايا الحروب والفتن التي زلزلت كياننا.

Arouba Shankan 19 / 01 / 2014 22 : 12 AM

رد: وأدوا القدود الحلبيّة
 
أ.فاطمة عبد الرحيم
أبكيتني مرتين، لما أيقظت حنين القدود الحلبية من جديد، ورصعتعه بذكر الشهادة
ومداد دم الشهيد
فوق النا خل، فوق النا خل،فوق في السما النا خل
كبيرة هي مساحة السماء الأحباب قادمون
إنهم كُثر
شكرا لك

فاطمة يوسف عبد الرحيم 25 / 01 / 2014 49 : 01 PM

رد: وأدوا القدود الحلبيّة
 
العزيزة عروبة
البكاء في زمن الفتن أضحى سمة العصر ،
الله يتولانا برحمته
أشكرك عروبة

عمر باوزير 12 / 03 / 2014 57 : 12 AM

رد: وأدوا القدود الحلبيّة
 
اشكرك على قصتك المؤثرة ..قلمك يكتب بفنية وسرد رائع

نوره الدوسري 13 / 03 / 2014 49 : 07 PM

رد: وأدوا القدود الحلبيّة
 
الاستاذة الفاضلة // فاطمة عبد الرحيم

الحائط لم يعد يتسع لصور التي كلما رأتها اتسعت حجم أحزانها

وهاهي تضيف صورة أخرى لايمن الذي شعرت به ابن

الذي طالما اشجاها بصوته وهو يردد االمواويل

ومنحها صورة رائعة كيف تكون الصلاة بخشوع

وكيف نسرع ملبين للقاء الله من خلال الصلاة

اقترب من شعورها كــ ام مكلومة وهو باخلاقه وسموه منحها احساس البنوة

الاستاذة الفاضلة //

الخير يورث الخير

وهاهي السيدة توزع الماء صدقة لروحه

وكلنا عرف ان افضل الصدقة توزيع الماء
والارهاب ارهاب لا يميز بين صالح وطالح
الاستاذة الفاضلة // فاطمة عبد الرحيم

هكذا هو قلمك متمكن في السرد عميق في الوصف

أمتعني سردك الذي اجزم دائماً بتمكنه وابداعه

رائعة

تقديري

نورة الدوسري


الساعة الآن 55 : 08 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية