منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   كيف أسامحك!!! (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=26556)

فاطمة يوسف عبد الرحيم 27 / 01 / 2014 43 : 12 AM

كيف أسامحك!!!
 
كيف أسامحك!!!

خطّت عنوان الدرس"إنما الأمم أخلاق ما بقيت..." حضورها الذهنيّ عصيّ على التماسك، طرقات وجلة على الباب، تملّت المساعدة بفضول وجهها الممتقع وعينيها الغائرتين، همست لها بفحوى مكالمة هاتفية، ألقت الطبشورة، حملت حقيبتها وطوت الدرب نحو المشفى، حركتها دائبة في ردهة الإنعاش، اضطراب يفوق التصور، صبر بلا حدود، قلق ممزوج بحزن عميق، مدارات الألم تغزوها وبروق من أغساق بعيدة الغور تسحقها، إنّه وحيدها، والده لم يتحصّن ضد أعاصيره، ضربه وطرده فهجر البيت.

لمحتْ انهماك الأطباء في جسده،حرّقت الوقت بأدخنة سيجارتها، خرج الطبيب آسفا، متمتما بيأس: الجلطات المتتابعة فجّرت جسده بسبب جرعة المخدرات الزائدة، لا أمل، يمكنك وداعه، فالروح تغادر الجسد، دمعها يحترق وشذرات غضب تتطاير من عينيها، حدّقت فيه، ساقاه متضخمتان قاتمتان، أنفاسه ضعيفة، عيناه واهنتان تحومان في فراغ العتمة، مفعمتان بالرجاء والضراعة، يهرب بنظراته منها، توق خفيّ للاستسلام لرحمة الموت الوديع، أنفاسه تتلاحق خروجا بلا عودة من الجسد الرخيّ المستكين، وهنت عصبية الأصابع المرتعشة، متوسلا: أمي، سامحيني؟؟

الموقف ولّد استرجاعا لذكريات مؤلمة، هزّت يده بعنف، لسانها انفلت من عقاله، عدوانية نبرتها واضحة: كيف أسامحك والحياة جفّت في عروقي منذ رأيتك متطوحا من سطوة المخدرات المخيفة، و قد شدّتك سبل الكيف والرذيلة وعربدة السمّار ورفاق السوء إلى متاهة الإدمان، وقبعتَ في دائرة الغموض والتوجس والانغلاق، سحبوك من درب الاستقامة لتجالسهم في عتمة الأزقة ورفضت الإفصاح عنهم، تحررتَ من رتابة الجسد لتنوء بعربدة الهلوسة وتلبّستك روح العناد والمنافحة عن يقينك المخلخل"أنا حرّ، أفعل ما يمتّعني، قرفت من سلسلة المواعظ والإرشادات التربويّة"، ألقيتَ باعتراضاتنا المباغتة عرض الحائط، ولفّتك سيماء الملل"حلّوا عني، حياتكم ما بتعجبني"وإن وخزتك صحوة ضمير عابرة تعتذر عن خزي حماقاتك, وتكتنفني بوارق أمل في عودتك لجادة الصواب، فأغدو باحثة عنك في أزقة الحواري المظلمة ويرهبني التوهان فيعيدني والدك مكفكفا دمعي ودمعه: أتركيه لا فائدة ترجى منه، لقد هلك إنّه بقايا إنسان...والآن ترجو السماح!!

دويّ متواتر لإيقاع الذاكرة: طحنتنا دوامة العمل لنوفر لك حياة فضلى في كلّ ما تشتهي، انتظرت أن تكافئني بفرحة النجاح ولكنك وأدتها قبل التخرج وطمست بيد عاصية أحلام يقظة انهمرت عليّ بأمنيات واعدة، فحلمتك تتبوأ منصبا مشرّفا، وعريسا في زفة، متباهية بأسرتك ومغدقة على حفدتي حنو الجدّات.

تستقريء ذكريات غابرة: أأنسى ساعة الميلاد وسهر الليالي! وقد أزهر خريفي مع أوان ربيعك، وزغرد قلبي فرحا لإطلالتك عليّ بقوامك الفارع ووسامتك المبهرة، تائهة بأمواج عينيك التي تماوج فيهما اللون، رقيتك بسر الآيات وأغرقتك بغلالة البخور وسخاء النذور، أوغلت بالدعاء في غياهب العتمة خوفا من أن تنالك نظرات الحسد والغيرة.

انتابتها نوبات هستيرية من البكاء:سميتك شاهينا وخلتك ستحلق بالعلا ولكنك أبيت إلا أن تكون خفاشا يناور فئران العتمة، بعت ما أملك لتطهير دمك من آثام الإدمان، لكنك غافلتني وعدت للترياق وجلسات الكيف في الأزقة الخلفيّة المتوارية عن أعين الرقباء، لم قابلت إحساني بمليون إساءة!! تسترتُ على فعلك المشين حماية لسمعة أخواتك فكيف أزجر فضول الألسن وتطفلهم لمعرفة سبب موتك...والآن تريد أن أسامحك!!!

أيقظت سهوته بالنبرة المتعالية: لم أكن بغيّا حتى أعاقب على فقدك بوصمة عار، قل لي من تسبب بوأدك، أغانية لعوب خانتك، أم صديق خدعك أم،أم،أم.. من أعطاك الحق لتُهلك جسدا منحك إيّاه ربّ العزّة سليما معافى، آمنت بانتهاء الأجل وسلّمت بقضاء الله وقدره، لكنّي أرفضك مدمنا، ليتها سيّارة دهستك أو متّ بانفجار الأمس لعزيت النفس بموتك شهيدا.... كيف أسامحك!!

وصدّت الأذن عن حشرجة الروح المتصاعدة، وأغبشت الرؤيا دمعا يذرفه راجيا السماح، وفاضت الروح إلى بارئها ونظرات الرجاء معلّقة بها، وهستيريّة صراخها تملأ الأجواء: كيف أسامحك ...وقد قتلتني قبل موتك وبعد موتك... كيف أسامحك وقد سرقت كلّ أفراحي وألهبت أحزاني... الله يتغمدك برحمته يا ابن قلبي!!

انطلقت مهرولة في أروقة المشفى المترامية ثكلى تشق الثوب وتلطم الخدين ووو.....

محمد الصالح الجزائري 27 / 01 / 2014 11 : 03 AM

رد: كيف أسامحك!!!
 
مرور أوّلي للقراءة والاستمتاع ولي عودة بإذن الله..شكرا لك أديبتنا العائدة إلينا بكل هذا الجمال الأستاذة فاطمة يوسف..مودتي..

فتيحة الدرابي 28 / 01 / 2014 42 : 02 PM

رد: كيف أسامحك!!!
 
الرائعة فاطمة يوسف، أدمعت عيوني وأنا أتابع سطور هذه القصة التي أعتبرها رسالة لأبناء هذا الجيل الذي يقتل نفسه بنفسه دون ان يعير اهتماما لما يدور حوله، دون أن يحس بمشاعر الأم التي تموت بموته كل يوم ألف مرة، .
شكرا على الإمتاع الرائع رغم نبرات الحزن التي تحوم بين السطور، لكن هذا هو واقعنا ، وهذا هو الألم الذي نتجرعه كلنا بسبب هذا السم الذي نهش عقول وقلوب أبنائنا.
دمت ودام لك الإلهام الرسالي الممتع . تحياتي القلبية

فاطمة يوسف عبد الرحيم 30 / 01 / 2014 58 : 03 PM

رد: كيف أسامحك!!!
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الصالح الجزائري (المشاركة 189196)
مرور أوّلي للقراءة والاستمتاع ولي عودة بإذن الله..شكرا لك أديبتنا العائدة إلينا بكل هذا الجمال الأستاذة فاطمة يوسف..مودتي..

الأستاذ الصالح

مرورك أثرى النص ورأيك شهادة أعتزّ بها

وننتظرك عودتك الميمونة

مع تقديري

فاطمة يوسف عبد الرحيم 30 / 01 / 2014 05 : 04 PM

رد: كيف أسامحك!!!
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتيحة الدرابي (المشاركة 189249)
الرائعة فاطمة يوسف، أدمعت عيوني وأنا أتابع سطور هذه القصة التي أعتبرها رسالة لأبناء هذا الجيل الذي يقتل نفسه بنفسه دون ان يعير اهتماما لما يدور حوله، دون أن يحس بمشاعر الأم التي تموت بموته كل يوم ألف مرة، .
شكرا على الإمتاع الرائع رغم نبرات الحزن التي تحوم بين السطور، لكن هذا هو واقعنا ، وهذا هو الألم الذي نتجرعه كلنا بسبب هذا السم الذي نهش عقول وقلوب أبنائنا.
دمت ودام لك الإلهام الرسالي الممتع . تحياتي القلبية

الأديبة الرائعة فتيحة
فعلا هذا وقت نحتاج للبكاء على جيل بدأ ينهار في متاهة الصراعات السياسية وزمن الفتن ، ومسكينة تلك الأم التي خسرت كل أحلامها
حضورك ثري ورأيك أعتز به
مع حبي وتقديري

نوره الدوسري 13 / 02 / 2014 42 : 09 PM

رد: كيف أسامحك!!!
 
الاستاذة المتألقة // فاطمة عبدالرحيم

كيف اسامحك

تقولها ام مكلومة حزينة محبطه

مكلومة بفقد فلذة كبدها

حزينه على هذا المشهد الممتد طوال عمر هذا الشاب الذي امضته بالتربية والتعب

محبطة كـ ام ومربية اجيال افنت زهرة شبابها بابن طالح سيرته نتنه منهارة من موقف احتضار ابنها

الاستاذة الفاضلة //

مشهد الاحتضار مشهد كبير

سيطرت عليها حالة من الهذيان والصدمة والانهيار التي لم تستطع ان تكبح فيها كل الكلمات

التي حبستها لتطلقها اختلطت فيها مشاعر الحب والعتاب والاحباط

كيف اسامحك وهي بالاصل ستسامحه

ولكن هي كلمات انطلقت لتنفس عما حملتها على كاهلها كل هذه السنين

كيف اسامحك

سؤال وكأني غاليتي فاطمه اجدها محاولة يائسة لتمسك به اكثر كلما دنا منه الموت

هي لا تريد الاجابه ولاتبتغي مضايقة هذا المحتضر فكلاهما لا يشعران

سوى بهيبة حضور الموت

ولكن تراكمات نفستها لتتهرول ثكلى تلطم وتصرخ

الاستاذة الفاضلة // فاطمه عبد الرحيم

ابدعتي عزيزتي أي ابداع رصدت حاله ام اعياها انحراف ابنها رغم تضحياتها وتربيتها

اعجبتني كيف اسامحك

فهي تضم الف سؤال والف شعور من الاحباط والالم والحزن

سردك رائع متمكن للغاية

جعلتي من الفكرة جديدة بحلة مختلفه

طرزتيها بالابداع والذكاء

تقديري الكبير

نورة الدوسري

ليلى مرجان 14 / 02 / 2014 50 : 01 AM

رد: كيف أسامحك!!!
 
بين الرفض و الاستجابة لطلب الإبن
قلب ينكوي بناري فقده في حياته و موته
ليستسلم أولا و أخيرا لرهافة إحساس أم الظل "الكبد"
الأديبة المبدعة فاطمة سرد ممتع وفقك الله في مسيرتك الإبداعية

فاطمة يوسف عبد الرحيم 17 / 02 / 2014 52 : 06 PM

رد: كيف أسامحك!!!
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ليلى مرجان (المشاركة 190049)
بين الرفض و الاستجابة لطلب الإبن
قلب ينكوي بناري فقده في حياته و موته
ليستسلم أولا و أخيرا لرهافة إحساس أم الظل "الكبد"
الأديبة المبدعة فاطمة سرد ممتع وفقك الله في مسيرتك الإبداعية

ا
العزيزة ليلى

أشكر قراءتك الواعية للنص ،

وهذه الأمومة يستحيل أن لا تسامح لكن هل ما فعله الأبن فيه شئ من العقوق

مع تقديري

د. رجاء بنحيدا 18 / 02 / 2014 58 : 01 AM

رد: كيف أسامحك!!!
 
إلى المبدعة فاطمة يوسف عبد الرحيم
سرد ووصف وتماسك وقوة حاضرة في التعبير
وتمكن في لعبة الحكي والسرد
إمتاع فعلا وإقناع و إبداع
دمت متألقة بأسلوبك المتميز

فاطمة يوسف عبد الرحيم 23 / 02 / 2014 39 : 11 PM

رد: كيف أسامحك!!!
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نوره الدوسري (المشاركة 190034)
الاستاذة المتألقة // فاطمة عبدالرحيم

كيف اسامحك

تقولها ام مكلومة حزينة محبطه

مكلومة بفقد فلذة كبدها

حزينه على هذا المشهد الممتد طوال عمر هذا الشاب الذي امضته بالتربية والتعب

محبطة كـ ام ومربية اجيال افنت زهرة شبابها بابن طالح سيرته نتنه منهارة من موقف احتضار ابنها

الاستاذة الفاضلة //

مشهد الاحتضار مشهد كبير

سيطرت عليها حالة من الهذيان والصدمة والانهيار التي لم تستطع ان تكبح فيها كل الكلمات

التي حبستها لتطلقها اختلطت فيها مشاعر الحب والعتاب والاحباط

كيف اسامحك وهي بالاصل ستسامحه

ولكن هي كلمات انطلقت لتنفس عما حملتها على كاهلها كل هذه السنين

كيف اسامحك

سؤال وكأني غاليتي فاطمه اجدها محاولة يائسة لتمسك به اكثر كلما دنا منه الموت

هي لا تريد الاجابه ولاتبتغي مضايقة هذا المحتضر فكلاهما لا يشعران

سوى بهيبة حضور الموت

ولكن تراكمات نفستها لتتهرول ثكلى تلطم وتصرخ

الاستاذة الفاضلة // فاطمه عبد الرحيم

ابدعتي عزيزتي أي ابداع رصدت حاله ام اعياها انحراف ابنها رغم تضحياتها وتربيتها

اعجبتني كيف اسامحك

فهي تضم الف سؤال والف شعور من الاحباط والالم والحزن

سردك رائع متمكن للغاية

جعلتي من الفكرة جديدة بحلة مختلفه

طرزتيها بالابداع والذكاء

تقديري الكبير

نورة الدوسري

الرائعة نورا

حضورك اضفى على النص ألقا ،

وأوضح ما بين السطور وكأنك حاضرة في ذهني ،

راقية في كل حرف وكأنك الإبداع الذي هو صبغتك أشرق فوق الكلمات ليضيئها ،

شكرا بل ألف شكر عزيزتي على هذا الحضور الثري سعدت بك

مع تقديري


الساعة الآن 41 : 11 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية