منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الرسم و الفن التشكيلي و الكاريكاتير (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=85)
-   -   فــاتـــــح المــدرس - فنان الرؤى الاتصالية بعوالم الدهشة (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=2667)

فتحي صالح 03 / 03 / 2008 28 : 02 PM

فــاتـــــح المــدرس - فنان الرؤى الاتصالية بعوالم الدهشة
 
فــاتـــــح المــدرس
فنان الرؤى الاتصالية بعوالم الدهشة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ فــتـحي صـالـح
في تلك الطبيعة التي تعزف سيمفونيتها اللونية الفريدة على إيقاعات الزمن و هو يحفر في كل ثانية لوحة جديدة في سلسلة لا تنتهي من الطقوسات التكوينية ذات المنشأ القدري ، تفتحت ذهنيته و تخزنت فيها مشاهد لا تنتهي غنية بتفاصيل و مدركات احتاجت إلى استثنائية لتحولها إلى فعاليات مدهشة و ماثلة تحمل الجليل و النبيل في الفن الذي يعكس الصورة الإنسانية على شاكلة طاقة لونية و تكوينية تشكلت خطوطها بفعل إبداعي احتاج إلى الكثير من التفرد و التبصر الفني ...
هو فاتح المدرس الذي نشأ في قرية " حريتا " بالقرب من مدينة حلب التي درس فيها حتى المرحلة الثانوية ، حيث كانت حياته فيها مليئة ، و غنية بممارسة الهوايات ، فقد كان يرسم ، و يكتب ، و يعزف الموسيقى ، و يمارس الرياضة . و رغم معارضة الأهل - عدا أمه - فقد كان تواصله بالدرجة الأولى مع الرسم الذي أحبه و شجعه عليه أستاذيه في المرحلة الثانوية " غالب سالم – متخرج من أكاديمية الفنون / روما " ، و المهندس " وهبي الحريري " ، من الأول تعلم الأسس الأولية في اللون و جمالية الخط الإنساني على الورق... ، و من الثاني تعلم الأناقة في الرسم و كيفية النظر للأشياء باحترام ، و كيف يجاريها بشكل يتناسب و نظام الكون الدقيق كما يذكر ...
لقد درس الفن و تمرس فيه و أنتج بلغة ذات تركيبة فنية فريدة طبع بها أعماله في لحظة التحولات الفكرية في الفن و فلسفته ، و استطاع أن يؤلف أدواته و يوالفها بجرأة فنية فيها الكثير من المخاطرة جعلته يقف في صف التشكيل المتقدم ، مستنداً إلى ثقافته الفنية التي استمدها من خلال الانفتاح الملهم على الثقافة الغربية أثناء دراسته الأكاديمية في ( إيطاليا ) بين عامي 1954 - 1960 ، هذه الحداثة التي ولدها لم تكن بصورة غربية ، بل استلهمت وجودها و كينونتها من الروح الشرقية .
إن ثقافته العالية و ملكته الإبداعية الفريدة مكنته من توظيف استحضاراته في توليفات إبداعية ، فنبش في الحضارات القديمة ، و استخلص من الأسطوري نماذج أحياها و كساها بصبغته الجمالية و الإبداعية بفرادة و استثنائية ، فخرجت على شاكلة كائنات تتهادى بسلاسة في محيطها اللوني ، مشكلة حضوراً نوعياً ، و هي تسمو في غناها الفكري و الكينوني باتجاه الرفعة الإنسانية بكل دلالاتها و قد بنيت بنياناً وثيقاً نابعاً من الحكمة الإيديولوجية للبناء التكافئي المتكامل القائم على الموصلات الحسية اللونية و الفكرية التي تلامس أطراف العملية الابتكارية في كافة جوانبها ، لذلك فإن المركبات التشكيلية المندغمة في تلك العمليات و ما ينتج عنها تشكل المركز الذي تدور نواحيه فرادته الاستثنائية ، لأنها تشكل الفردي بشكله النموذجي ، والجمعي بآلية تختزل فيها الفعاليات الزمنية و الحدود المكانية ، فيخلق ما هو آبدي و مستمر ...
بين الأسطورة و تسوية الحلم المشذب في الحكائية المنشودة ذات الدلالات المقترنة بتجيير الفلسفي في العمليات الابتكارية وفق رؤى إنسانية تتوالد على سطوح أعماله ، تظهر لنا كائناته المنتصرة على أدوات خلقها ، و هي تبوح بأسرار جثومها القلق فوق مسطحاتها التي تروي لنا في ثناياها أحلام و آلام مبدعها ، و تعكس حساسيته بدرجاتها السامية . تلك الكائنات التي تظهر في تكويناتها خاشعة تحمل الحس الاستبصاري النافذ للعمق الإنساني ، و تشرح من خلال حركاتها الداخلية بما تحمله من مشاعر و هواجس ، القدرة الخلاقة للمشروع الفني ذو الفكرية المنفتحة على الحداثي بما له و ما عليه و لكن بشروط ابتكارية تعتمد الجدة و التجدد و الالتحام بما هو مفصلي في حركة التطور الفني ، و ما يمكن أن يثير الدهشة و المشاعر الكامنة في الذات الإنسانية المتأملة ...
لقد أوجد لعناصره توليفات حيوية باحثة في الأجواء الحسية ، و ألف من رموزها دلالات بنيوية قائمة على معطيات حداثية درسها و استوعبها و أفاد من معطياتها فوظفها في خدمة رؤاه ذات البعد الإنساني الذي يشكل محوراً هاماً في مسيرته التي منحها جل ما في روحه المسكونة بالتصورات اللامتناهية لعوالم يراها وحده و ينتج من خلال خباياها المثيرة أعمالاً تنبض بالحياة ...
إن تسلحه بغذاء فكري معرفي خلق له توازنات صاغها في علاقات تشكيلية خارقة للمألوف جعلته يقف كواحد من أهم التشكيليين العرب ، و لأنه استطاع أن يماهي تمرسه الفني في صيغ حداثية بشروط استثنائية ، فقد حق له أن يكون واحداً من رموز الحداثة في سورية ، فاتح المدرس خبير المكونات التكنيكية في التشكيل المعاصر ، و هو من خلال طاقاته الخلاقة المبدعة استطاع أن يوظف مخزوناته فيما هو بنيوي و ديمومي يستدعي الوقوف أمامه بخشوع و جلال ..
وهو يقدم في نتاجاته رؤية تكوينية لها خصوصيتها لأنها حالة طقوسية تبعث في نفس المتأمل شعوراً بالدهشة ، إن فيها رؤى اتصالية بعوالم تركيبية لا تطابق الواقعي لكنها تلازمه بشيء يشبه تداعيات بصرية وجدت لحمتها في نسيج الحكايات المتلازمة بأبعاد إنسانية تبحث عن عوالم فلسفية مفسرة للمنطقي و من ثم تأويله إلى حالة متفردة في غنائية منفتحة على كافة الجوانب ذات الصلة بما يلوح في دائرة الإنتاج الفكري و يندمج في الأطر الإبداعية ...
و قد نجد في الخط عبوراً باتجاه خلق من نوع جديد و خاص يدل على الإمكانية الحركية لذلك الخط الذي يتلون في سلوكه و تعبيراته ، و يندمج في محيطه مشكلاً لحمة لا تنفصل عن التركيب العام لبناء اللوحة . و إذا كان الخط لديه يتحرك بسلاسة متناهية في كافة الاتجاهات ، فإن من الجدير ذكره ذلك التمايز النوعي الذي تخلقه تلك الخطوط في المساحات التي تخلق مبررات و جودها من تلك الحركات الواثقة للخط المتزن و المبني على أساس من النبل الفني و الإحساس بدرجاته المتمايزة التي يصل إليها الفنان فقط في حالة التوحد مع الذات و الاندغام في عملية الخلق الاستثنائي ... و الخط الذي يتواصل في حدود معينة ثم ينقطع و بعدها يتحرك في علاقات مفصلية مع الأشكال التركيبية لا يحدده قانون ، و إنما رؤية تشخيصية للحالة الفنية المبنية على الإحساس العميق بذاتية البنى التركيبية لتلك الخطوط و التي تشكل في محيطها توازنات نوعية تبعث على الارتياح ، و تظهر الإمكانية الحقيقية للملكة الإبداعية في الخلق الفني ...
و المدرس يتبنى جماليات لونية قائمة على حدس إبداعي تميز و تفرد فيه ، إذ أن اللون لديه يعبر عن الرغبة الجامحة في اختراق المألوف تجاه الدال الحقيقي على الإيقاعية المتزنة التي تقوم على الإدراك النوعي ، و تبنى على أساس من الخبرة المتعمقة في فلسفتها ، إنها – أي الإيقاعية – تضع العمل الفني في الميزان التذوقي عالي الحساسية الذي على أساسه تتحدد معايير التركيبات اللونية ليصبح الناتج في الوضع الأقرب للكمال في الخلق الفني ، و هذه المعادلة تنطبق عندما يكون الفنان خارجاً عن المألوف في قدراته الخلاقة . و لذلك استطاع أن تكون لألوانه فلسفة خاصة تعكس شفافيته و حساسيته الداخلية لمختلف المظاهر الحسية المتجسدة في التأثيرت الضوئية و ما تخلفه من آثار و قيم كالإشباع و اللاإشباع و العتمة و النور ... الخ ، ربما المخزون الذهني لمشاهد الريف الذي نشأ فيه ولد لديه تلك الحميمية مع اللون مضافاً إليها إمكانياته و طاقاته الخلاقة . فاللون لديه يتميز بالغنى و يقوم على التجاورات التي تشكل في النهاية صيغة بصرية نافذة تؤول إلى مدلولات فكرية تعكس الحقيقة الاستقرائية التي تمثلها تلك التجاورات و قد بنيت على أسس تتحقق فيها المنظومة الرؤيوية بما تحمله من تناغم و انسجام و تباين ...
وللون ترتيلات تعكس رؤى إنسانية غنية بمشاعرها المتنوعة من حزن و فرح و رغبة و رهبة و ألم ... تظهر من خلالها رغباته الجامحة للانفلات من كل ما هو مرئي بطريقة مباشرة إلى الولوج في عوالم لونية فيها من السحر و الدهشة الكثير الذي يدعو إلى التفكر و التبصر ، و الحض على رؤية جديدة لعالم لوني مغمور بالأسرار و المشاعر المضطربة أحياناً ، و مسكون بالرفعة و الدفء الإنساني أحياناً أخرى .
لم تكن الحكاية وحدها تحيك عناصر الزمان و المكان لديه ، لكنها رؤاه و تداعياته التي صاغت مما يدور في الخلد تركيبة فريدة لأفكار يولدها. وقد نجد في هذه الثنائية – ثنائية الزمان و المكان - خطين يسيران في اتجاه واحد ، نحو انسيابية لا متناهية ، فكلاهما يمهد للآخر و يشكل له معبراً نحو جدلية متناغمة تستمد مرونتها من عمق البحث للوصول إلى الجوهر في الروابط المشكلة للمعنى الرفيع في صياغة بصرية تشكيلية ، فالمكان هو جزء من تركيبة بصرية نافذة في عمقها الفلسفي المستند إلى تداعيات و تراكمات بصرية و معرفية تبحث في الخلق التكويني لمجموعة العناصر التي يتركب منها العمل ، و ذلك إيذاناً بالانفتاح على باقي التركيبة التشكيلية و منها الزمن الذي يتسع و يمتد بلا حدود متماهياً في كل مرة مع العمليات الإيلاجية للمكونات التي تطفو على سطح العمل موحية بإحساسات زمانية و مكانية في العوالم اللامدركة في النفس التي تؤلف تداعياتها دون تخطيط مسبق ، لكنها تخرج هكذا من المظلم إلى النور فتصبح مدركاً بصرياً ، و إن احتاجت إلى إحساس رفيع في أحيان ليتم تذوقها و البت فيما تعنيه و تؤول إليه ، لكنها في عموميتها تشرح النفس و تثير المشاعر الكامنة ...

* ببلوغرافيا الفنان فاتح المدرس:
- ولد في قرية – حريتا – بالقرب من مدينة حلب عام 1922 .
- تلقى تعليمه في حلب ، و روما ، و باريس .
- أصبح معيداً في كلية الفنون الجميلة عام 1961 .
- أستاذ الدراسات العليا في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق .
- عضو مؤسس في اتحاد الفنانين لتشكيليين العرب .
- عضو مؤسس في نقابة الفنون الجميلة في القطر العربي السوري ، ثم نقيباً لها بين عامي 1981-1991 .
- عضو جمعية القصة و الرواية .
- نظم معرضه الأول في نادي اللواء بحلب عام 1950 .
- أقام ما يزيد عن أربعين معرضاً شخصياً في سورية و البلدان العربية و الأجنبية .
- شارك في العديد من المعارض محلياً و عربياً و دولياً .
- مثل القطر العربي السوري مع زميله لؤي كيالي في بينالي البندقية عام 1960 .
- اقتنى له الدكتور فالترشيل رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية مجموعة أعمال عام 1963 .
- أهدت وزارة لثقافة لوحة من أعماله للسيد الدكتور فالترشيل رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية عام1976 .
- أهدت وزارة الثقافة لوحة من أعماله للسيد جاك شيراك رئيس وزراء فرنسا السابق .
- صدر له ديوان شعر بالعربية و الفرنسية مع شريف خزندار ( القمر الشرقي على شاطئ الغرب ) .
- صدر له ديوان " الزمن الشيء " مع حسين راجي عام 1985 .
- مجموعة قصص بعنوان " عود النعنع " عام 1980 .
- له دراسة في تاريخ الفنون في اليمن قبل الميلاد .
- له دراسة بعنوان " دراسات في النقد الفني المعاصر/ حلب عام 1952 .
- له مجموعة محاضرات عن فلسفة الفن و نظرياته عام 1600 ق . م .
- حصل على العديد من الجوائز العربية و العالمية منها : ( جائزة المعرض الثالث للفنون التشكيلية في المتحف الوطني بدمشق عام 1952 عن لوحته " كفر جنة " ، جائزة استحقاق من وزارة المعارف السورية ، جائزة استحقاق و جائزة كرومباكر في جامعة كليفلاند / قلوريدا ، الجائزة الأولى من أكاديمية الفنون الجميلة / روما ، الميدالية الذهبية لمجلس الشيوخ الإيطالي ، جائزة الدولة التقديرية للفنون/ الأردن 1992 ، جائزة الشراع الذهبي من معرض الكويت الخامس للفنانين التشكيليين العرب ...)
- توفي عام 1999 .


الساعة الآن 50 : 11 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية